أحدث المقالات

د. الشيخ عبد الحسين خسروپناه(*)

أ. محمد القمّي(**)

ترجمة: سرمد علي

مقدّمةٌ

إن عبارة «المستنيرون الدينيون والمعتزلة الجُدُد» مصطلحٌ يُستعمل اليوم للدلالة على المفكِّرين المسلمين الذين قَبِلوا ـ إلى حدٍّ ما ـ بقراءة هايدغر([1]) وغادامير([2]) في الهرمنيوطيقا الفلسفية. وكان كلٌّ من: المستنير المصري نصر حامد أبو زيد، والمفكِّر الإيراني محمد مجتهد شبستري، هما أكثر مَنْ عمد إلى توظيف الهرمنيوطيقا الفلسفية لغادامير من غيرهم من المستنيرين الآخرين. إن تأثير الهرمنيوطيقا الفلسفية لغادامير ملحوظٌ جداً في كتابات نصر حامد أبو زيد، ولا سيَّما منها: «مفهوم النصّ»([3])، أو «نقد الخطاب الديني»([4])، أو «إشكاليات القراءة وآليات التأويل»([5]). كما أنه بطبيعة الحال قد سبق له أن تأثّر كثيراً بالمفكّرين المصريين الذين سبقوه (من أمثال: الشيخ محمد عبده، وأمين خولي، ومحمد أحمد خلف الله)، وبعض علماء اللغة (من أمثال: فرديناند دو سوسور([6])) أيضاً. لقد سعى نصر حامد أبو زيد إلى الاستفادة من مجموع هذه الأبحاث في إطار بيان نظرية ماهية الفهم، وفهم النصوص المقدّسة، ولا سيَّما القرآن الكريم.

كما كان محمد مجتهد شبستري المجدِّد الديني الإيراني من أكثر المعتزلة الجُدُد استفادة من الهرمنيوطيقا الفلسفية لغادامير. فقد عمد في كتبٍ له، من قبيل: «هرمنيوطيقا الكتاب والسنّة»([7])، و«نقد للقراءة الرسمية للدين»([8])، و«تأمّل في القراءة البشرية للدين»([9])، وبعض مقالاته، إلى الخوض بالتدريج في بحث هرمنيوطيقا غادامير، وسعى إلى تطبيق خلاصة هرمنيوطيقا غادامير على فهم الدين والفهم الديني، وتقديم نظريته التفسيرية في هذا الشأن.

ويكمن الامتياز الخاصّ لمجتهد شبستري الذي يميِّزه من نصر حامد أبي زيد في معرفته بالدروس الحوزويّة (أي: أصول الفقه، والنظرية التفسيرية التقليدية للعلماء المسلمين)، والاستفادة منها في نظريته التفسيرية، بمعنى أن مجتهد شبستري وإنْ كان ينتقد النظرية التفسيرية التقليدية، ولكنّه في الوقت نفسه يستفيد منها أيضاً. وبعبارةٍ أخرى: إنه يضع النظرية التفسيرية التقليدية في خدمة النظرية التفسيرية لغادامير، ويعمد في الوقت نفسه إلى إيجاد نوعٍ من التماهي بين التعارضات التي يذكرها في الأثناء. وهذه الخصائص لا نشاهدها في أعمال نصر حامد أبو زيد.

يمكن الادعاء أن مجموعة الأبحاث المنشورة لمحمد مجتهد شبستري بحكم الكبرى الكلية في الفهم والتفسير. وبعد ذلك فإنه يطرح عُمدة بحثه في تطبيق هذه الكبرى الكلية على سلسلةٍ من المصاديق. إنه على أساسٍ من تفكيره وآرائه التفسيرية عمد إلى الدخول في مقولاتٍ جديدة، من قبيل: الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمجتمع المدني، والتعدُّدية الدينية، وحقوق المرأة، ونظائر ذلك. وسعى إلى إثبات أن هذه المقولات الجديدة في العالم الحديث ـ سواء قبلنا بها أو انتقدناها ـ صحيحةٌ، وأن التفسير التقليدي والقراءة الرسمية للدين (السائدة في مجتمعنا) تحتوي على نقاط ضعفٍ كثيرة.

وفي الحقيقة فإن لدى مجتهد شبستري نظرية تفسيرية، وإلى جانبها تفسير خاصّ للمفاهيم الحديثة. وبين هذين البحثين ـ اللذين هما من الأبحاث الصغروية والكبروية البَحْتة ـ هناك بحثٌ يقع في الحدّ الوسط أيضاً، وهو نقد القراءة الرسمية للدين. إن أهمّ أبحاثه في كتاب «نقد القراءة الرسمية للدين» هو نقد القراءة الفقاهتية للدين. يرى شبستري أن القراءة الفقاهتية للدين ظاهرةٌ تبلورت بعد الثورة الإسلامية [في إيران] وبعد تدوين القانون الأساسي [الدستور]. وبطبيعة الحال فإنه يرى قيام الدستور على أساس الحداثة، ولكنه يعتقد في الوقت ذاته أن البعض سعى بعد ذلك إلى تفسير الدين بشكلٍ فقاهتي، وعمد إلى تأسيس حكومةٍ فقهية وفقاهتية. إن مجتهد شبستري في ضوء نظريته التفسيرية يعتبر هذا أمراً خاطئاً([10]).

نعيد التأكيد على أن أهمّ بحثٍ لدى مجتهد شبستري هو نظريته التفسيرية التي تختلف اختلافاً جوهرياً عن فهم سائر المسلمين؛ ولكنه قد التفت بالتدريج إلى أنه بالإضافة إلى الحكومة الفقاهتية ـ التي يراها أمراً خاطئاً ـ يجب أخذ مصدر الفقه ـ أي الوحي والقرآن والسنّة ـ بنظر الاعتبار أيضاً؛ لأنه كان يرى أنه إذا اعتبر الوحي ـ الذي تحدّث بشأن جميع المسائل الأساسية ـ كلام الله فعندها سوف تكون مخالفة أبحاثه بمعنى مخالفة كلام الله. ونتيجةً لذلك عمد في ضوء نظريته التفسيرية إلى بيان مفهوم الوحي، وقال بأن القرآن ليس كلام الله، بل هو كلامٌ وقراءةٌ توحيدية لنبيّ الإسلام عن الكون في ضوء الوحي.

النظرية التفسيرية العامّة لشَبِسْتَري

حيث إن المفسِّرين يبحثون في تفسير القرآن، ويجب ـ بطبيعة الحال ـ أن تكون لديهم نظريةٌ تفسيرية؛ وحيث يتعاطى الفقهاء مع علم أصول الفقه، وهذا العلم بدَوْره يُعَدّ نظريةً من نظريات الفهم، فإن مجتهد شبستري يعمد إلى تسمية خصوص هاتين الطائفتين من العلماء؛ إذ يذهب إلى الاعتقاد بأن العلماء المسلمين (الأعمّ من المفسِّرين والفقهاء) غير مدركين للهرمنيوطيقا الفلسفية، ولذلك فإنهم لا يمتلكون فَهْماً مقبولاً، أو فهماً عقلائياً، أو فهماً قابلاً للدفاع عن الكتاب والسنّة([11]). وبالإضافة إلى غفلتهم عن فرضيات فهم النصوص، فإنهم لا يشعرون بالشرخ والفاصلة التاريخية بين المؤلِّفين والمفسِّرين([12]).

يذهب مجتهد شبستري إلى الاعتقاد بأن علم أصول الفقه، المشتمل على مباحث الألفاظ وعلم الدلالة، لا يلبي الأبحاث الهرمنيوطيقية ونظرية الفهم الفلسفية([13]).

ولكي نتعرَّف على الهرمنيوطيقا الفلسفية لمجتهد شبستري نشير في ما يلي إلى سبع نقاط من مجموع أبحاثه، على النحو التالي:

1ـ تذهب الهرمنيوطيقا الفلسفية إلى الاعتقاد بأن نصّ الكتاب والسنّة لا يتحدّث من نفسه وذاته، وإنما يتمّ تفسيره في ضوء المقبولات الفلسفية والكلامية والعلمية والعرفانية والأدبية السابقة؛ أي إنه يتمّ تفسيره في إطار الفرضيات المسبقة الخاصة، ولا يمكن تفسير النصّ بذهنٍ خالٍ من جميع الفرضيات المعلومة على نحوٍ سابق([14]).

2ـ كما يستحيل الفهم دون فرضيات ومعلومات سابقة، كذلك لن يكون الفهم متاحاً دون سؤالٍ واستفهامٍ أيضاً. وفي الأساس فإن الفهم يبدأ بالسؤال والاستفهام، والسؤال بدَوْره مسبوقٌ بعددٍ من الفرضيات([15]).

3ـ لا يمكن لذهن المفسِّر أن يخلو من الفرضيات والمعلومات السابقة، ولكنْ لا ينبغي تطبيق النصّ على هذه المعلومات لدى المفسِّر([16])؛ وهذا يعني أنه يجب أن يقوم هناك حوارٌ بين النصّ والمعلومات السابقة، ولا ينبغي تطبيق المعلومات السابقة على النصّ من طرفٍ واحد.

4ـ إن الأديان السماوية تحتوي على تجربةٍ خطابية [بمعنى أنه قد تمّ توجيه الخطاب إلى النبيّ، وهذا الخطاب هو من نوع التجربة الدينية]، ويجب فهم هذا الخطاب. إن حقيقة الفهم عبارةٌ عن تحاور المفسِّر مع النصّ، ويتعيّن على طرفي الحوار أن لا يقرآ بعضهما بوصفه شيئاً، وأن لا يجعلا فهم الخطاب الديني بمنزلة المجهول العلمي([17]).

5ـ لو لم يتمّ تنقيح المعلومات السابقة، والأذواق والأمزجة والتوقُّعات الخاصّة بالمفسِّر، فسوف يتمّ طرح أسئلةٍ خاطئة، ولا شَكَّ في أن هذه الأسئلة الخاطئة سوف تفضي بدَوْرها إلى إجاباتٍ خاطئة أيضاً. وعلى هذا الأساس فإن الفهم الصحيح للنصّ رهنٌ بعرض الفرضيات السابقة الصحيحة على النصّ، وتنقيح المعلومات السابقة، والتعلُّقات والتوقُّعات بشكلٍ صحيح([18]).

6ـ يجب التعرّف على المراد والقصد الجدّي للمتكلِّم والكاتب([19]).

لقد استفاد مجتهد شبستري في النقاط الخمسة الأولى من هرمنيوطيقا غادامير. وأما في النقطة الأخيرة فقد استفاد من علم الأصول، حيث يتم طرح الهرمنيوطيقا المعرفية أكثر من الهرمنيوطيقا الفلسفية؛ لأن الهرمنيوطيقا الفلسفية تتمحور حول المفسِّر، ومرادها من الحوار ليس هو الحوار مع المؤلّف، وإنما حوار المفسِّر مع النصّ، وأما في الهرمنيوطيقا المعرفية فسوف يكون الكلام حول نيّة وقصد المؤلِّف وغايته. وفي أصول الفقه يتمّ بحث القصد والمراد الجدّي للمؤلِّف والدلالات التصديقية الأولية والثانوية. طبقاً لهذه النقطة يتعيّن على المفسِّر أن يتعرّف على قصد ومراد المؤلِّف؛ ولكنْ قبل ذلك هناك أمام المفسِّر عقبةٌ من الفرضيات السابقة الحاكمة على قصد ونيّة المؤلِّف؛ أي إن على الفرضيات السابقة أن توضِّح ما هو المراد الذي يمكن أو لا يمكن للمؤلِّف أن يكون قد قصده؟ وعليه فإن إمكانية المؤلِّف وعدم إمكانيته تحتاج إلى حكمٍ، وهذا الحكم إنما يتحقّق بواسطة الفرضيات السابقة. إن المسألة التي تمّ بيانها في المقدّمة، والتي تقوم على توظيف مجتهد شبستري للنظرية التقليدية للتفسير بحيث تكون في خدمة النظرية الهرمنيوطيقية للتفسير، تظهر نفسها في هذا الموضع. وقد استطرد مجتهد شبستري يقول: من أجل فهم النصوص السماوية يجب دراسة وبحث حتى الأوضاع والأحوال الثقافية ـ الاجتماعية لعصر تبلور النصوص الدينية أيضاً؛ بمعنى أن من بين الفرضيات السابقة اللازمة في فهم القرآن التعرُّف على الأوضاع والأحوال الثقافية للعصر النبويّ، ولكنْ بعد فهم معنى النصّ الديني في حاضنته التاريخية يجب أن يكون هذا النصّ قابلاً للفهم في العصر الحاضر أيضاً([20]).

7ـ إن تشخيص انطباق العلاقات والفرضيات السابقة للمفسِّر والعلاقات والفرضيات السابقة للمؤلِّف أمرٌ في غاية التعقيد، ولا سيَّما إذا كانت الفاصلة الزمنية بين المفسِّر والمؤلِّف طويلة([21])، بمعنى أنه حيث يصعب تشخيص الانطباق فعلينا أن لا نورّط أنفسنا في التعرّف على الفرضيات السابقة وعلى إرادات وتوقعات المؤلِّف. وإنما المهم في البين هو الفرضيات السابقة لدى المفسِّر، حيث يجب العمل على تنقيحها([22])، والأمر الآخر معرفة أوضاع وأحوال تبلور وظهور النصّ في عصر المؤلِّف، والالتفات إلى المشتركات البشرية والإنسانية([23]).

إن النقطة السابعة تبيِّن مراد مجتهد شبستري من الفهم الصحيح والخاطئ؛ فهو يُحدّد أن الفهم الصحيح هو الفهم المتطابق مع نية ومراد المؤلِّف، وأن الفهم الخاطئ ليس هو الفهم المخالف لنية ومراد المؤلِّف. كما ذكر في النقطة السادسة ضرورة معرفة المراد الجدّي للمؤلِّف، واستطرد قائلاً: إن على المفسِّر أن يبيِّن ـ من خلال فرضياته السابقة ـ ما هي النوايا التي كان يمكن أو لا يمكن للمؤلِّف أن يريدها؟ هذا، وإن معرفة نيّة المؤلِّف تحتاج إلى معرفة الفرضيات السابقة للمؤلِّف، ولكن حيث إن معرفة هذه الفرضيات في غاية الصعوبة فإنه يستنتج من ذلك أنه يمكن أن تكون هناك أكثر من قراءةٍ صحيحة، ويمكن لنا أن ننسب العديد من التفسيرات الصحيحة للنصّ الديني أو أيّ نصٍّ آخر. وبذلك فقد توصَّل إلى القول بصحّة التعدُّدية المعرفية الدينية، وقال بالحقّ النسبي (دون الحقّ المطلق)([24]). إنه يرى أن الفهم الصحيح يمكن أن يكون متعدّداً؛ وذلك لأن الأسئلة الصحيحة، وقبلها الفرضيات السابقة المنقّحة، يمكن أن تكون متعدِّدةً، وكلّ واحدٍ منها يؤدّي إلى الفهم الصحيح. وإن الذي يؤكِّد عليه هو أن الفرضيات السابقة يجب تنقيحها بمقبولات العصر الحاضر. ونتيجةً لذلك فإنه يرى أن الفهم أمرٌ عصري، ويذهب إلى الاعتقاد بأن كلّ عصرٍ يمكن أن يحتوي على العديد من الأفهام الصحيحة.

النظرية التفسيرية الخاصّة لشَبِسْتَري

لقد عمد مجتهد شبستري في نظريته التفسيرية إلى بحث المقولات الدينية، من قبيل: الوحي القرآني، بينما كان هنا يسعى إلى بيان النظرية التفسيرية للقرآن من خلال الاستعانة بنظريته التفسيرية العامة.

وفيما يلي سوف نتعرّض إلى بيان النظرية التفسيرية للقرآن من خلال الاستعانة بنظريته التفسيرية العامة، بمعنى أننا نسعى في هذه المقالة إلى بيان فهم مجتهد شبستري للوحي القرآني من خلال الالتفات إلى نظريته التفسيرية. وإن لُبّ لباب كلامه بشأن الوحي القرآني كما يلي: إن الشواهد المختلفة تثبت أن النبيّ الأكرم لم يكن يدّعي استناد ألفاظ ومعاني القرآن إلى الله، وبعبارةٍ أخرى: إن القرآن ليس كلام الله، وإنما هو كلام النبيّ([25]).

إن الرأي السائد، والمُجْمَع عليه تقريباً في الأوساط الإسلامية، هو أن القرآن من ناحية الألفاظ والمعاني قد نزل من عند الله على النبيّ، وأن النبيّ كان ينقل إلى الناس ما ينزل عليه من المعاني والألفاظ وحياً. وبطبيعة الحال فقد كان النبيّ الأكرم مفسِّراً ومبيِّناً للقرآن، وإن تفسيره ـ في إطار ما يتّصف به من العصمة ـ كان يطابق الواقع.

إلا أن مجتهد شبستري قال بأن الوحي القرآني ليس من الله، لا في لفظه، ولا في معناه، وإن النبي بدَوْره ـ على الرغم من خوضه تجربة التعلّم من الله ـ لم يكن يدّعي ذلك([26]). إذن يؤمن مجتهد شبستري ـ على ما يبدو ـ بوجود إلهٍ، وأن النبي كان يخوض تجربةً دينية تتمثَّل في الارتباط بالله، بَيْدَ أن التجربة الدينية هنا سوف تكون بذلك المعنى الذي يذكره شلايرماخر([27]) عن التجربة الدينية؛ أي إن الله بوصفه معلماً ينقل الشعور المعنوي إلى النبيّ، وإن النبيّ بدَوْره يتدخَّل ويترجم ذلك الشعور ويحوِّله إلى معانٍ، ويُعبِّر عن تلك المعاني بألفاظه الخاصة.

لا يريد مجتهد شبستري ـ بطبيعة الحال ـ الادّعاء بأنه يقدِّم بذلك تفسيراً هرمنيوطيقياً لهذه المسألة، بل يعتقد أن النبيّ نفسه لم يكن يدّعي أن القرآن كلام الله([28]).

وقد ذكر لمدَّعاه بعض الشواهد (الأعمّ من الشواهد الدينية والخارجية). ويمكن بيان تلك الشواهد على النحو التالي:

1ـ لو كان نبيّ الإسلام مجرّد مكبّر للصوت ينقل كلام الله؛ كي يسمعه الناس، لم يكن بمقدوره نقل دعوته التاريخية إلى المخاطَب؛ إذ في مثل هذه الحالة لم يكن بمقدور النبيّ أن يقيم حواراً مع الناس؛ لأن الحوار إنما يتحقَّق إذا كان الشخص يبيِّن كلامه الخاص، لا أن يكون مجرَّد صدىً لتكرار كلام غيره([29]).

2ـ لو لم تكن آيات القرآن كلماتٍ للنبيّ لن تتحقَّق الدلالة التصديقية والإرادة الجدّية للمتكلِّم، وبالتالي لن يتحقَّق الفهم لدى المخاطَب([30]). لقد تمّ بحث الدلالة التصوّرية للألفاظ، وكذلك الدلالة التصديقية الأولية والثانوية، في علم الأصول، وإن فهم المخاطَب إنما يقوم على أساس الدلالة التصديقية والإرادة الجدّية([31]). وعلى هذا الأساس فإن المتكلِّم (أي النبي) إنما تكون له إرادةٌ جادّة إذا كانت المعاني والألفاظ من عنده، وأما إذا لم تكن آيات القرآن من عند النبيّ فلن تكون لديه إرادةٌ ودلالة تصديقية.

الشاهد الثاني شبيهٌ بالشاهد الأول. لقد استعمل مجتهد شبستري في الشاهد الأول مصطلح الحوار، وهو يُستعمل في الغالب في الهرمنيوطيقا الفلسفية، وأما في الشاهد الثاني فهو يلجأ إلى توظيف مفاهيم علم الأصول.

3ـ إن لازم بعثة النبيّ أن لا يكون مجرّد قناةٍ ناقلة للأصوات، بل يجب عليه أن يعمل على تحريك الناس وأن يخلق لديهم الباعث والحافز. إن نبوّة النبيّ عين باعثيّته. وعليه إذا كان مدَّعاه في هذا الباب هو أنه مجرّد قناة لنقل الأصوات فإن هذا ليس له أيّ صلةٍ بالبعث؛ إذ مكبِّر الصوت لا يمكن أن يُشكِّل باعثاً([32]).

4ـ لقد اتهم النبيّ في عصر بعثته (كما ورد التصريح بذلك في القرآن) من قِبَل خصومه وأعدائه، ووصفوه بالساحر والشاعر والكاهن. إن هذا الأمر يدلّ على أن النبيّ لم يكن مجرّد ناقل للكلام الإلهي، بل كانت هناك تجربةٌ إلهية قد تشكَّلت في وجود إنسانٍ خاصّ. فلو كان هؤلاء [المشركين] قد اعتبروا القرآن كلام الله لما كان هناك معنىً لوصفهم النبيّ بالشاعر والساحر والكاهن([33]). إن هذا الشاهد يمثِّل شاهداً من داخل الدائرة الدينية.

مقارباتٌ نقديّة

1ـ إنكار النبوّة والدين

إن مجتهد شبستري لا يدّعي أنه قد استفاد من الهرمنيوطيقا الفلسفية، ولكن من الواضح جدّاً أنه يمتلك سلسلةً من الفرضيات التي يُفسِّر ظاهرة الوحي القرآني على أساسها. فهو يتجاهل جميع النصوص التي تشتمل على كلمة «التنزيل» و«الإنزال» و«الإرسال» و«الوحي» من قِبَل الله على قلب النبيّ، ويعمد إلى تفسير الوحي القرآني طبقاً لفَهْمه، وفي ضوء فرضياته المسبقة.

في ضوء رؤية مجتهد شبستري لا شيء من القضايا الإخبارية في القرآن يُمثِّل إخباراً عن حقائق العالم، بل هي إخبارٌ من الزاوية الخاصّة بالنبيّ للعالم وتفسيرات للتجربة النبوية عن العالم والإنسان، وقد انعكسَتْ في القرآن([34]). وهكذا القضايا الإنشائية في القرآن (من الأحكام العبادية والاجتماعية) هي ـ من وجهة نظر مجتهد شبستري ـ وليدة الرؤية الخاصة للنبيّ، وبالنظر إلى الحاضنة الثقافية والاجتماعية للمدينة في عصر النبيّ([35])؛ وعلى هذا الأساس لا ينبغي اعتبار قضايا القرآن قضايا معرفيّة تقبل الاتصاف بالصدق والكذب.

لو قبلنا هذا الأمر من مجتهد شبستري فإن مسألة بعثة النبيّ والنبوة سوف تكون أمراً لا معنى له. إذ لو لم يكن هناك صدقٌ أو كذبٌ لن يكون هناك ترجيحٌ أيضاً، وحيث لا رجحان لن يكون للنبوّة والبعثة والحكمة والهداية الإلهية معنى؛ فإذا لم تكن القضايا القرآنية معرفيةً وقابلةً للاتصاف بالصدق والكذب فما هو الذي يرجِّح كلام النبيّ على كلام المشركين؟

صحيحٌ أن لكل شخصٍ تجربة مع الله، وتحصل لديه رؤيةٌ في ضوء تجربته، وعلى أساس هذه الرؤية تجري على لسانه بعض الكلمات؛ ولكنْ لو اعتبرنا القرآن من هذا النوع من التجارب فما هو الفرق بين تجارب النبيّ وتجارب الآخرين؟

لقد كان المشركون يعبدون الأوثان في ضوء رؤيتهم، وكان النبي بدَوْره يعبد الله الواحد الأحد في ضوء رؤيته أيضاً، فلماذا يتعيَّن علينا أن نجهد نفسنا ونهدر وقتنا في دراسة رؤية النبيّ فقط؟

إذا كان الأمر كما يقول مجتهد شبستري فإن جميع الحروب والمعارك التي خاضها المسلمون في صدر الإسلام إلى يومنا هذا سوف تكون عَبَثاً ولَغْواً.

وبعبارةٍ أخرى: إن اللوازم المترتِّبة على كلام مجتهد شبستري لا تختلف عن لوازم كلام الشخص الكافر بحسب المصطلح الدينيّ. إن أعداء النبيّ الذين كانوا يعيشون في عصره كانوا يصفونه بالساحر والشاعر والكاهن، والمخالفين للنبيّ في العصر الراهن يعتبرون منشأ الدين يعود إلى عناصر نفسية واجتماعية واقتصادية وسياسية وأمور من هذا القبيل، وقد عمد مجتهد شبستري إلى تكرار ذات القصة، ولكنْ في إطار أبحاث هرمنيوطيقية أكثر تعقيداً، وعرَّف منشأ الدين بأنه مجموعة من العناصر المعرفية، وقال بأن فهم النبيّ ورؤيته ونظرته هي منشأ هذا الأمر، وذهب إلى الاعتقاد بأن النبيّ قد نطق به وقام بتقريره. وحيث إن مجتهد شبستري لا يرى أيّاً من قضايا القرآن قابلاً للاتصاف بالصدق والكذب يمكن لنا أن ندرك أن هرمنيوطيقيته (وهي أولى خطواته في مسار أبحاثه) تشتمل على عقبةٍ، وهي الأبحاث المعرفية. كان على مجتهد شبستري أن يعمل في بداية الأمر على توضيح مسألة الأبحاث المعرفية والأبستمولوجية.

يتّضح من الأبحاث المتقدِّمة أن مجتهد شبستري في ما يتعلَّق بالمجال المعرفي يذهب إلى القول بالنسبية؛ حيث لا يرى معياراً للصدق والكذب، ويقول بأن المعرفة أمرٌ شخصي تماماً. إنه لا يمتلك رؤيةً واقعيةً للمعرفة، بل يمتلك في هذا الشأن رؤية مثالية «من النوع المفرط».

2ـ عدم الالتفات إلى المعنى الآخر للتفسير

أشَرْنا إلى أن مجتهد شبستري يرى أن فهم معنى النصّ رهنٌ بتفسيره، وقد ذهب إلى الاعتقاد بأنه لا أحد يمكنه أن يفهم أيّ معنىً من دون تفسير، ورُبَما كان هناك لكلّ نصٍّ تفسيراتٌ متعدِّدة.

إشكالُ هذا الكلام هو أن التفسير في العلوم القرآنية يُستعمل بالمعنى العام والخاصّ. إن المعنى العام للتفسير هو كشف معاني القرآن، سواء أكانت ألفاظ القرآن مشكلةً أو ليست مشكلةً. وبعبارةٍ أخرى: إن التفسير عبارةٌ عن معرفة أحوال كلام الله بمقدار وسع الإنسان، من حيث كينونة القرآن، ومن حيث الدلالة على مراد الله، سواء أكانت الدلالة قطعية أم ظنّية([36]). وعلى هذا الأساس فإن المعنى العام للتفسير يشمل جميع الدلالات المفهومية؛ أي إن التفسير يشمل دلالات من سنخ النصّ، والظاهر، والمجمل أو المبهم. فعلى سبيل المثال: عندما يقوم شخصٌ بتوضيح وكشف مفهوم ومعنى آية مجملة (مبهمة) يكون قد قام بتفسيرها.

لقد ذهب المفسِّرون إلى تعريف المعنى الثاني والخاصّ للتفسير بأنه عبارة عن كشف المعاني المستترة والخافية للقرآن؛ أي إن هناك في القرآن أموراً تؤدّي إلى الإبهام والتعقيد والغموض في بعض مسائله، وإن أهمها يرتبط بخصائص الأسلوب البياني للقرآن([37])، وإن التفسير عبارةٌ عن سعيٍ وتأمُّلٍ وجهدٍ يقوم به الشخص في مسار إيضاح المعاني الخافية والمستترة([38]). وعلى هذا الأساس هناك معنىً واحد للتفسير (كشف المعاني المستترة للقرآن)، وهو وحده الذي يحتاج إلى جهدٍ فكري وتحقيقٍ علمي. وعليه فإن شدّة تعقيد التفسير ليست بالشكل الذي يقوله مجتهد شبستري؛ لأن للنصوص معاني واضحةً يمكن فهمها بسهولةٍ. وبطبيعة الحال فإن هذا لا يعني أن المفسِّر لا يحتاج إلى أيّ معلوماتٍ سابقة، ولكنّ الأمر في الوقت نفسه ليس بحيث إن المعلومات السابقة يجب حَتْماً أن تكون تخصّصية ومتطوّرة. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن المفسِّر يجب أن يكون عارفاً باللغة العربية، ولكنْ في الكثير من الآيات يمكن فهم المعاني من خلال المعرفة العامة لقواعد اللغة العربية، وإن عدم العلم بالصرف والنحو والمعاني والبيان والبديع بشكلٍ كاملٍ لا يضرّ بفهم الآيات. ومن ذلك، على سبيل المثال، أنه في عصر النبيّ الأكرم على الرغم من عدم تأسيس علم النحو وتدوين قواعد اللغة العربية في حينها، حيث كان الناس لا يزالون يعرفون اللغة العربية بشكلها العام، إلاّ أن المدلول المطابقي للكلام كان واضحاً بالنسبة إلى الجميع. وفي الواقع فإن الفهم بالنسبة إلى العرب في صدر الإسلام كان يتحقّق دون أخذ عملية التفسير بذلك التعقيد الذي يراه مجتهد شبستري. وحيث إن أفضل دليلٍ على إمكان الشيء وقوعه فليس الأمر بحيث يحتاج التفسير بالضرورة إلى مقوِّمات وعناصر من قبيل: العلاقات والأذواق والتوقّعات والأسئلة وما إلى ذلك (ممّا يؤدّي بأجمعه إلى تعقيد عملية الفهم)، بل إن الفهم في الكثير من الحالات يتحقَّق من دون هذه المراحل. وهذا النوع من الفهم هو التفسير بالمعنى العام.

إن مراد مجتهد شبستري من النصّ لا يقتصر على النصوص المكتوبة، بل يشمل حتّى النصوص المنطوقة والقديمة والحديثة والفنية والبسيطة، وحتى المحاورات اليومية العادية أيضاً. من الواضح جدّاً أن الكثير من الأفهام تحدث في تواصل الناس مع النصوص المنطوقة والمكتوبة، دون أن تمسّ الحاجة إلى التفسير بالمعنى الخاصّ الذي يقول به مجتهد شبستري.

وحتّى إذا كان الفهم بمعنى مطلق الفهم، وكان النصّ بدَوْره عبارة عن مطلق كل نصٍّ، وأخَذْنا التفسير بمعناه الخاصّ، ولم يكن التفسير بالمعنى العامّ هو المراد، كذلك عندها لا يمكن القول بأن فهم معنى النصّ رهنٌ بالتفسير بالمعنى الخاصّ؛ وإذا أخذنا التفسير بالمعنى العامّ أيضاً عندها سوف يكون التفسير مرادفاً للفهم، ولن يكون علّةً له.

3ـ عدم الالتفات إلى جميع أقسام المعلومات السابقة

الإشكال الثالث يعود إلى تأكيد مجتهد شبستري على المعلومات السابقة. فقد ذهب إلى الاعتقاد بأن التفسير يقوم على سؤالٍ عن النصّ، والسؤال بدَوْره يقوم على سلسلةٍ من الأذواق والتوقُّعات والمعلومات السابقة، والمعلومات السابقة تدور حول السؤال والمؤلِّف والنصّ ولغة السؤال وأمور من هذا القبيل. ونحن نقول له في المقابل: إن المعلومات السابقة على قسمين، وهما:

1ـ معلومات تحقّق الفهم.

2ـ معلومات تقبّل الفهم.

ومن ذلك ـ مثلاً ـ أن الذي يُنْكِر أن يكون القرآن كلام الله فإنه رُبَما لا يؤمن به حتّى إذا فهمه؛ أي إن الاعتقاد بأن القرآن كلام الله مقدّمةٌ لتقبّل فهم القرآن. وبحثنا في اللحظة الراهنة سوف يكمن في المعلومات السابقة لتحقّق الفهم؛ حيث يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام كما يلي:

أـ المعلومات السابقة الآليّة.

ب ـ المعلومات السابقة الاستفهاميّة.

ج ـ المعلومات السابقة المفروضة.

أـ المعلومات السابقة الآليّة: إن المعلومات الآلية السابقة تعني الأدوات والتقنيات والفنون المؤثِّرة في فهم النصّ؛ ومن ذلك أن العلم باللغة العربية ضروريّ لفهم القرآن، وإن العلم بقواعد اللغة العربية يساعد على فهم القرآن بشكلٍ أعمق. وبالإضافة إلى معرفة القواعد الخاصة باللغة العربية فإن العلم بالقواعد اللغوية العامة مفيدٌ ونافع أيضاً. كما أن مباحث الألفاظ في علم الأصول من هذا النوع أيضاً. وهناك قواعد عامّة أخرى من علم اللغة تطرح نفسها في علم النفس. فلو أن شخصاً أحاط علماً بهذا النوع من العلوم والمعارف فإنه سوف يفهم ويدرك كلام المؤلِّف بشكلٍ أفضل.

إن المعلومات الآلية السابقة في جميع النصوص ليست واحدةً؛ لأن النصّ كلما كان أكثر تعقيداً سوف يكون بحاجةٍ إلى المزيد من المعارف والمعلومات الآلية السابقة. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن المؤلِّف كلما استفاد من القواعد الأدبية الدقيقة فإنه سيكون بحاجةٍ إلى المزيد من المعلومات الآلية السابقة الأكثر دقّةً (من قبيل: مباحث المعاني والبيان والبديع). وكذلك يجب عند مواجهة النصّ معرفة ما إذا كان تخصصياً أو غير علمي، والحصول على معرفةٍ بمؤلِّفه. إن هذا النوع من المعارف السابقة سوف يساعدنا على فهم النصّ بشكلٍ أكبر. وعلى هذا الأساس فإن فهم كل نصّ يحتاج قطعاً إلى معلوماتٍ آلية سابقة، إلاّ أن هذا النوع الذي يعتقده مجتهد شبستري ويؤكِّد عليه ـ من أن علينا أن نعلم حَتْماً بجميع النظريات اللغوية والمفهومية لجميع أبحاث القواعد الهرمنيوطيقية ـ ليس صحيحاً؛ إذ على الرغم من أن أكثر الناس في المجتمع لا يمتلكون تصوُّراً عن هذه الأبحاث الهرمنيوطيقية فإن الفهم متحقِّقٌ عندهم.

ب ـ المعلومات السابقة الاستفهامية: عندما نواجه نصّاً دقيقاً يحظى بأهميةٍ كبيرة، ونكون في صدد استخراج مداليله الالتزامية غير البيّنة أو البيّنة بالمعنى الأعمّ، سوف يكون العلم باللغة، والنظريات اللغوية، ومعرفة المؤلِّف، وإدراك مقاصده، واستنطاق النصّ والسؤال عن النصّ، في غاية الأهمّية، ويجب العمل على استنطاق النصّ ودفعه إلى التعريف بنفسه من خلال طرح أسئلةٍ متعدّدة ومتنوّعة. وبطبيعة الحال فإن النص ليس صامتاً، بل هو ناطقٌ، وإنه يبدأ الكلام بتلك المعلومات الآلية السابقة الأولية، وإدراك الارتباط بين اللفظ والمعنى، ويضع مدلوله المطابقي بين أيدينا. ولكنْ حيث نكون في صدد اكتشاف الدلالة الالتزامية البيّنة بالمعنى الأعمّ أو الدلالة الالتزامية غير البيّنة للنصّ فيجب علينا العمل على استنطاق النصّ بالأسئلة ذات الصلة بهذا الشأن.

ج ـ المعلومات السابقة المفروضة: إن الشخص في هذا المورد، بالإضافة إلى الأسئلة التي لديه عن النصّ، يعمل على فرض معتقده ورؤيته على النصّ، ولذلك فإنه بدلاً من استنطاق النصّ يحمله ويضطرّه إلى بيان ما يعتقده على المستوى الشخصي. وهذا هو الذي يُسمَّى في النصوص الدينية بـ «التفسير بالرأي». لو كان بمقدور كلّ شخصٍ أن يفرض معلوماته السابقة على النصّ في كلّ تفسيرٍ يبتغي فهمه عندها لا يكون بمقدور أيّ شخصٍ أن يفهم مراد الآخر، وعندها سوف يكون التعليم والتربية والهداية لَغْواً وبلا معنى.

أشَرْنا إلى أن مجتهد شبستري يرى أن المفسِّر يجب عليه فهم نيّة المؤلِّف؛ بمعنى أن لدى المؤلِّف توقُّعاتٍ وأسئلةً ومعلوماتٍ سابقةً يتعيَّن على المفسِّر أن يعلم بها أيضاً. ولكنّه يستطرد بعد ذلك قائلاً: إن المفسِّر يتعيّن عليه من خلال معلوماته السابقة وتوقّعاته أن يبيّن ما هي التوقّعات التي يتعيّن على المؤلِّف أن يمتلكها، أي إن المفسِّر يجب أن يعمل على تنقيح وتعديل توقّعات المؤلِّف. وعلى هذا الأساس لا يحقّ للمؤلِّف في الواقع أن يكون لديه ما يشاء من التوقّعات. ونحن نقول له في المقابل: إن المفسِّر ليس هو الذي يخلق النصّ، وإنما الذي يخلقه هو المؤلِّف، ومن حقّه أن يكون لديه ما يشاء من التوقّعات، وعلى المفسِّر أن يسعى لكي يكتشف توقّعات المؤلِّف، وأما أن يقبل المفسِّر بتوقّعات المؤلِّف أو لا يقبل بها فهذا بحثٌ آخر، ونحن الآن في مقام بيان مسار الفهم أو تحقّق الفهم، ولسنا في وارد الدخول في ذلك البحث.

4ـ عدم الالتفات إلى مراتب الفهم والمدلولات

يذهب مجتهد شبستري إلى الاعتقاد بأن الأذواق والتوقّعات منشأٌ لولادة الأسئلة، والأسئلة بدَوْرها منشأ لولادة فهم النصّ.

إن هذا الكلام في النظرة الأولى كلامٌ صحيح. بَيْدَ أن النقطة سوف تكمن هنا في أن لفهم ومدلول النصّ مراتب. وقد أشَرْنا إلى أن من بين مراتب فهم النصّ هو المدلول التطابقي أو الالتزامي البيِّن؛ حيث تكفي مجرّد المعلومات الآلية السابقة، ولا تكون هناك حاجةٌ إلى طرح أسئلةٍ على النصّ، كما لا نكون في هذه المرتبة بحاجةٍ إلى الأمزجة والتوقّعات التي تكون منشأً لولادة الأسئلة. وفي بعض الموارد تكون أذواق وتوقّعات المفسِّر من نوع المعلومات السابقة المفروضة، التي لا تساعد على فهم النصّ، وفوق ذلك كلّه تكون سبباً في سوء الفهم أيضاً؛ حيث تبعد المفسِّر عن فهم مراد المؤلِّف. نحن نرى أن المجموعة المقبولة من التوقّعات والأذواق هي تلك المجموعة التي تكون سبباً في بيان الأسئلة على النصّ، وتعمل على استنطاق النصّ، وتضع الدلالات الالتزامية للنصّ في متناول المفسِّر. وعلى هذا الأساس فإن أسئلة المفسِّر التي هي وليدة توقّعاته يجب أن تكون متناسبة مع النصّ. ومن ذلك، على سبيل المثال: لو كان النصّ فلسفياً، وكانت توقّعات وأسئلة المفسِّر من نوع الأبحاث الوجودية والأنطولوجية، فإن النصّ سوف يتماهى وينساق مع تلك الأسئلة، ويجيب عنها، وأما إذا كانت أسئلة المفسر طبّيةً فإن النصّ لن يتماشى معها؛ لأن توقّع المفسِّر في مثل هذه الحالة سوف يكون توقّعاً لَغْواً وعَبَثاً. ومن هنا فإن من بين المعلومات الآلية السابقة معرفة مؤلِّف النصّ والخصائص التخصصية للنصّ، وعليه يجب أن يكون سقف التوقّعات متناسباً مع النصّ. وعليه يمكن القول، مع شيءٍ من التسامح العُرْفي: «إن لكلّ فاهمٍ أذواقاً وتوقّعاتٍ خاصةً تتجه نحو النصّ»، ولكنْ لا يصحّ القول: «إن لكلّ مفسِّرٍ مزاجاً وتوقّعاً يفرض عليه بعض الأسئلة، ثمّ يعرض السؤال على النصّ، ومن خلال ذلك يحصل على الجواب من النصّ»؛ أي إنه لا يصحّ القول: «بأن النصّ لا ينطق ولا يتحقّق التفسير إلاّ بعد امتلاك التوقّعات والأمزجة وطرح الأسئلة على النصّ»؛ إذ سبق أن ذكَرْنا أن بالإمكان فهم المدلول التطابقي للنصّ وتفسير المدلول الالتزامي البيّن للنصّ بمجرّد امتلاكنا للمعلومات الآلية السابقة.

5ـ عدم التمسُّك بنيّة المؤلِّف

لقد التفت مجتهد شبستري إلى نيّة وقصد المؤلِّف، وقال بوجوب فهم قصد المؤلِّف، ولهذه الغاية يجب إدراك المعارف السابقة للمؤلِّف كما يجب التعرُّف على تعلّقاته وتوقّعاته أيضاً. ثمّ قال بعد ذلك: إن على المفسِّر أن يعمل على تنقيح معلومات وفرضيات المؤلِّف بواسطة معلوماته وفرضياته السابقة. فهو يرى أن المؤلِّف لا يمكن أن يكون له ما يشاء من التوقّعات والمعلومات السابقة.

إن إشكالنا على هذا الكلام هو أنه يُعَدّ نوعاً من التلاعب بنيّة المؤلِّف. وبهذه الرؤية كان من الأفضل لمجتهد شبستري أن لا يذكر نية المؤلِّف أصلاً. إذ لو كان الشخص في صدد الوصول إلى نيّة المؤلِّف أمكن له التوصّل إلى ذلك من خلال التعرُّف على المؤلِّف، ومعرفة أصول المؤلِّف، ومعرفة مخاطَب وهواجس المؤلِّف. ولا شَكَّ بطبيعة الحال في أن المفسِّر كلما تعرَّف على المؤلِّف بشكلٍ أفضل فإنه سوف يفهم النصّ بشكلٍ أفضل، ولكنْ عليه أن لا يفرض توقّعاته على المؤلِّف، وأن لا يتجاهل هواجس المؤلِّف. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ: لو كان الشخص مطّلعاً على هواجس وتوقعات صدر المتألِّهين في ما يتعلَّق بتأسيس الحكمة المتعالية ـ فإنه سوف يفهم نصّ صدر المتألِّهين بشكلٍ أفضل، وأما لو توصَّل المفسِّر بعد البحث والتحقيق إلى هذه النتيجة، وهي أن هاجس صدر المتألِّهين كان يكمن في حلّ جميع المشاكل الإلهية، فإنه لا يمكنه تجاهل هذا الهاجس لصدر المتألِّهين، واعتباره أمراً خاطئاً وغير صائبٍ، أو يذهب إلى القول بأن صدر المتألِّهين كان عليه أن يوجد في نفسه هاجساً آخر؛ فإن هذا الأمر يُعَدّ إسقاطاً لرأي المفسِّر على أعمال وأفكار المؤلِّف، وهو في الواقع ذات المعلومات السابقة التي تفرض نفسها على آراء الآخرين، وتعمل على مصادرتها وقرصنتها. وباختصارٍ: حيث لم يكن مجتهد شبستري يروم التمسُّك بنيّة المؤلِّف كان من الأفضل له أن لا يدخل في هذا البحث منذ البداية.

6ـ الجمع بين رأيين متنافيين

الإشكال الآخر الذي يَرِدُ على مجتهد شبستري أنه يعاني نوعاً من المفارقة وما يُشبه التناقض المنطقي؛ فهو من جهةٍ يرى وجوب أن يسعى المفسِّر إلى فهم قصد ومراد المؤلِّف، ولذلك يجب عليه التعرُّف على الجذور التاريخية لأصل صدور النصّ، وأن يتعرَّف على المخاطَبين للمؤلِّف أيضاً؛ ولكنه من جهةٍ أخرى يعتقد بأن فهم كلّ نصٍّ يستند إلى المعلومات الأصلية السابقة للمفسِّر.

وبطبيعة الحال فإن مجتهد شبستري؛ لكي ينقذ نفسه من هذه المفارقة، عمد إلى القول بأن على المفسِّر، بعد أن يتعرَّف على المعلومات السابقة للمؤلِّف، توظيف معلوماته السابقة ـ بوصفه مفسِّراً ـ في تنقيح المعلومات السابقة للمؤلِّف، ولذلك لا يحقّ للمؤلِّف أن يكون له أيّ نوعٍ من المعلومات السابقة([39]).

وكلامنا هو أن الشخص إذا كان من القائلين بمحورية المفسِّر لا يعود بمقدوره أن يكون من القائلين بمحورية المؤلِّف؛ إذ التمحور حول المفسِّر يؤكِّد على المعلومات السابقة والفرضيات السابقة للمفسِّر بشكلٍ كامل، ويقول بأن الجذور والآفاق الذهنية للمفسِّر هي التي تضفي المعنى على النصّ. وبطبيعة الحال فنحن لا نقول: إن المفسِّر يجب أن يخلو من أيّ معلوماتٍ سابقة، بل نرى أن على المؤلِّف أن تكون له معلوماته السابقة الخاصة؛ كي يتمكن بواسطتها من اكتشاف مراد المؤلِّف. ومن خلال التدقيق في الأبحاث الهرمنيوطيقية ندرك أن بعضهم (من أمثال: المفكِّرين الذين كانوا يعيشون في مرحلة العصور الوسطى وبدايات عصر النهضة) كانوا يذهبون إلى القول بمحورية النصّ، وبعضهم (من أمثال: شلايرماخر، ودلتاي([40])) يذهبون إلى الاعتقاد بمحورية المؤلِّف والنصّ، وبعضهم الآخر (من أمثال: الهرمنيوطيقيين الفلسفيين) يذهبون إلى القول بمحورية المفسِّر والنصّ، ولكنّك لا تجد واحداً منهم يذهب إلى الاعتقاد بمحورية المؤلِّف والمفسِّر في وقتٍ واحد. وفي الحقيقة فإن هذا الشيء مستحيلُ التحقُّق؛ لأن الذي يتمحور حول المفسِّر لا يبحث في نيّة المؤلِّف أصلاً.

7ـ الجمع بين الأسلوبين المتنافيين

إن الأمر الآخر الذي يؤكِّد عليه مجتهد شبستري هو الكشف عن مركز مفهوم النصّ الذي تقوم عليه جميع الأبحاث المتمحورة حول النصّ([41]). إن كلام مجتهد شبستري في هذا الشأن إنما يصدق بالنسبة إلى بعض النصوص فقط؛ أوّلاً: لأن بعض النصوص لا تحتوي على محورٍ ومركزٍ واحد، بل تشتمل على محاور متعدّدة؛ وثانياً: لأن علينا توظيف معلوماتنا الآلية السابقة لكي نفهم ذلك المحور الواحد.

يؤكِّد مجتهد شبستري على الاستفادة من الأسلوب الظاهراتي، ويرى أنه لو تمّ توظيف الأسلوب الظاهراتي الديني فسوف يتمّ الفصل بين ذاتيّات وعَرَضيّات الدين؛ بمعنى أن هذا الأسلوب يُثبت أن الأحكام الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للإسلام تاريخية، وأنها قضايا خارجية، وليست قضايا حقيقية([42]).

وبطبيعة الحال توجد هنا أخطاء متعدّدة، وأخطاء متسلسلة، لا يتّسع المجال إلى بحثها ومناقشتها في هذه الدراسة.

والذي يدفعنا إلى التعجُّب أن مجتهد شبستري يرى الأسلوب الظاهراتي للدين أسلوباً للكشف عن المعنى المركزي للنصّ. إن الجمع بين الأسلوب الظاهراتي والأسلوب الهرمنيوطيقي هو من قبيل: إيجاد المثلث ذي الأضلاع الأربعة. إن الأسلوب الظاهراتي للدين، أو بشكلٍ عامّ الأسلوب الظاهراتي الذي ذكره إدموند هوسرل([43]) (أستاذ هايدغر)، إنما يكون مُجْدياً إذا أصبح النصّ معلّقاً، بمعنى أن يتمّ وضع النصّ بين هلالين، وأن لا تدخل إلى الذهن أيّ فرضيّةٍ سابقة، وأن يتمّ النظر إلى النصّ (بما هو هو)؛ إلاّ أن كل تأكيد الأسلوب الهرمنيوطيقي على أن الفهم يحتاج إلى تفسيرٍ، والتفسير بدَوْره يحتاج إلى مقوّماتٍ ومقدّماتٍ ومعلوماتٍ سابقة وفرضياتٍ سابقة ونظائر ذلك. وفي الأساس فإن مارتن هايدغر إنما بيَّن الهرمنيوطيقا الفلسفية في إطار نقد أستاذه إدموند هوسرل. فكيف يعمد مجتهد شبستري من جهةٍ إلى الاستفادة من نظرية الهرمنيوطيقا الفلسفية الأعمّ، وهي نظرية تتعاطى مع الفرضيات السابقة؛ ومن ناحيةٍ أخرى يقترح في كتاب «تأمُّلات في القراءة الإنسانية للدين» الأسلوب الظاهراتي من أجل الكشف عن المعنى والمفهوم المركزي للنصّ؟! وبطبيعة الحال فإن الأسلوب الظاهراتي قد يكشف لنا عن المعنى المركزي للنصّ؛ لأن النصّ يصبح معلّقاً، ويبدأ ذات النصّ بالتكلُّم، بَيْدَ أن هذا الأسلوب لا يتناسب مع تلك النظرية الهرمنيوطيقية لمجتهد شبستري، ولا يمكن أن تجتمع معها.

8ـ القول بتعميم مقبولات عصر الحداثة

إن من بين المقوِّمات التفسيرية لمجتهد شبستري الترجمةَ الثقافيةَ للنصّ من قِبَل المفسِّر بالنظر إلى أفقه التفسيري؛ بمعنى أن المفسِّر إذا فهم نصّ المؤلِّف واكتشف المعنى المركزي له يجب عليه ترجمته ـ في ضوء مقتضيات زمان ومكان المفسِّر والسؤال الأصلي للمفسِّر ـ ترجمةً ثقافية (لا لغوية).

وفي الحقيقة فإن هذه الترجمة إنما هي ترجمة للتجارب. فمثلاً: لو كان المعنى المركزي لنصّ القرآن هو: العدالة، والأمن، والكرامة الإنسانية، وأمور من هذا القبيل، وحيث تكون مقتضيات عصرنا هي ذات مقبولات عصر الحداثة إذن يتعيَّن علينا ترجمتها بالنظر إلى وضعية عصرنا ومقتضيات زمان ومكان المفسِّر وأسئلته الأصلية، بمعنى أن نفسِّر العدالة والأمن والكرامة الإنسانية بالنظر إلى مقبولات عصر الحداثة.

من خلال التدقيق في هذا الرأي الذي صدع به مجتهد شبستري يتّضح أن هذا الأمر ليس شيئاً آخر غير التفسير بالرأي وإسقاط العقائد والمدارس المعاصرة على النصّ الديني. وفي ضوء هذه القراءات المختلفة للدين ذهب بعضٌ إلى تبنّي الإسلام الماركسي، والإسلام الاشتراكي، والإسلام النسوي؛ وذلك لأنهم يترجمون الإسلام طبقاً لمشتهياتهم.

لقد أشكل مجتهد شبستري على الطنطاوي قائلاً: لماذا بدأ تفسيره بفرضية خاطئة، ونسب نظريته العلمية إلى القرآن([44]). ولكنّ شبستري بدَوْره قام هنا بذات الأمر الذي أخذه على الطنطاوي. إن ما قام به الطنطاوي لا يعدو تطبيق النظرية العلمية فقط، في حين أن ما قام به مجتهد شبستري يفتح الطريق أمام الإسلام الاشتراكي والماركسي والليبرالي والماوي ومختلف القراءات الماركسية (التي كانت شائعةً في الاتحاد السوفياتي السابق).

والنقطة الأخرى الموجودة هي أن النقطة المنشودة لمجتهد شبستري بشأن الناس في عصر النبيّ الأكرم| والأئمة^ رُبَما تكون صحيحة أيضاً. وعلى أيّ حال فقد كانت لهم بدَوْرهم ثقافتهم السائدة في عصرهم، وكان يجب عليهم السعي من أجل الكشف عن الدالّ المركزي وفهم المعنى المركزي للقرآن أيضاً. لنفترض ـ على سبيل المثال ـ أن الناس في عصر النبيّ الأكرم| كانوا يعتبرون أن الدالّ المركزي للقرآن هو عبادة الله أو العدالة، وأنهم كانوا يترجمون هذا الدالّ المركزي ـ بالنظر إلى ثقافة عصرهم ـ ويفسِّرون عبادة الله بأنها ذات عبادة الأصنام، وأن العدالة تعني قانون الرقّ واستعباد الإنسان لأخيه الإنسان؛ أفلا تكون بعثة الأنبياء وإنزال القرآن عَبَثاً ولَغْواً في مثل هذه الحالة؟ وهل كان هذا الرأي يسمح من الأساس بنقل الرسالة الأصلية للنصّ؟ إن هذه الترجمة هي في الواقع عمليةٌ خاطئة، وسوف تقطع الطريق على الفهم، وتحول دون انتقال الخطاب والرسالة.

9ـ التعريف بمعيارٍ ضعيف لتنقيح وتقييم المعلومات السابقة

يؤكِّد مجتهد شبستري في بعض الموارد على وجوب تنقيح وتقييم المعلومات السابقة، ثمّ يرى أن بيان معيار التنقيح والتقييم في غاية الصعوبة والتعقيد، ولا يعمد إلى التعريف به، أو يرى على العموم أنه من مقبولات عصر الحداثة.

ونحن نقول في مقابل ذلك: أوّلاً: إن مجتهد شبستري قد وضع أمراً مهزوزاً وغير ثابت بوصفه معياراً لتنقيح وتقييم المعلومات السابقة؛ لأننا نرى أن العالم الحديث أمرٌ غير ثابت ولا مستقرّ، وإن استقرّ فإنه سوف يأخذ البشرية إلى الفناء.

وثانياً: بالنظر إلى تعدُّد المدارس واختلافها في تعريف أمور من قبيل: العدالة، والأمن، والكرامة الإنسانية في عصر الحداثة، فما هو التعريف الذي يتبنّاه مجتهد شبستري من بين التعاريف التي تقدِّمها هذه المدارس بوصفه معياراً للتقييم؟ ولماذا؟

وثالثاً: إن شبستري يقرّ بصعوبة تنقيح المعلومات السابقة (ولا سيَّما بالنظر إلى الفاصلة الزمنية الطويلة بين المفسِّر والمؤلِّف)، ومن دون أن يقدِّم لذلك معياراً محدّداً قال بعدم صوابية أيّ نوعٍ من أنواع الفهم، وضمن رفضه لفهم التقليديين للدين يرتضي فهم المستنيرين للنصوص الدينية، في حين أنه إذا لم يكن هناك معيارٌ صحيح يمكن لكلّ فَهْمٍ أن يكون صحيحاً؛ يُضاف إلى ذلك أنه حيث لا يوجد معيار في الفهم التقليدي للدين فإن فهم المستنيرين ومجتهد شبستري بدَوْره لا يشتمل على معيارٍ في هذا الشأن أيضاً، وإن نقد القراءة الرسمية للدين لا تحتوي في مثل هذه الحالة على مظهرٍ عقلاني.

 

10ـ القول بوجود الإجماع على النظرية الهرمنيوطيقية الفلسفية

يتحدَّث مجتهد شبستري ـ ولا سيَّما في مقالاته الأخيرة ـ بشكلٍ يوحي بأن النظرية اللسانية أو الهرمنيوطيقية المقبولة من وجهة نظره إجماعيّةٌ وموضعُ قبولٍ من قِبَل جميع العلماء والمفكِّرين الغربيين أيضاً. وتراه في بعض الموارد يستعمل هذه العبارة التي يقول فيها: «في خضمّ هذا المحيط الهادر من الأمواج الفكرية العاتية التي تناطح في ارتفاعها قمم الجبال الشاهقة لم يعُدْ بمقدورنا الإبحار والمضيّ قُدُماً بزورق أصول الفقه، وعليه لا مندوحة لنا من ركوب السفن والبوارج الجبّارة المصنوعة من معدن المفاهيم اللسانية والهرمنيوطيقية»([45]).

ونحن نقول: أوّلاً: إن هذه السفينة والبارجة العملاقة لا تعدو أن تكون مجرد نظرية، وتوجد هناك في مقابلها عشرات النظريات المعارضة في ذات دائرة هذه اللسانيات الحديثة. ويوجد هناك حالياً الكثير من الكتب المتعدّدة في موضوع النظريات اللسانية والهرمنيوطيقية، وعليه ليس الأمر بحيث يقال بأن هذه النظرية الهرمنيوطيقية الفلسفية إجماعيّةٌ، بل هناك الكثير من الذين خالفوها؛ فقد ذهب الهرمنيوطيقي الأمريكي المعاصر هيرش ـ على سبيل المثال ـ إلى التأكيد كثيراً على نيّة المؤلِّف، وقد آمن بتعيُّن النصّ وحكايته عن نيّة ومراد المؤلِّف، وله في الحقيقة والواقع استدارةٌ جديدة نحو هرمنيوطيقا فيلهم دلتاي في باب «إعادة إصلاح علم نفس ذهنية المؤلِّف في ذهن المفسِّر من أجل فهم المعنى الجوهري للنصّ»([46]).

وفي الحقيقة إن هذا الأمر يُعَدّ واحداً من آفات المستنيرين عندنا؛ إذ إنهم كانوا يطرحون هيجل([47]) وكأنه هو المفكِّر الأوحد في العالم الغربي. وكان فروغي يطرح رينيه ديكارت([48]) وكأنه وحده الفيلسوف في الغرب. وقد تكرَّرت هذه الظاهرة مع أشخاص من أمثال: مارتن هايدغر وكارل بوبر([49]) أيضاً؛ حيث تمّ تقديم هؤلاء الفلاسفة والمفكِّرين وكأنهم هم وحدهم الذين كانوا يجولون ويصولون في مضمار الفلسفة والتفكير الغربي دون منازعٍ، وأن جميع المفكِّرين الغربيين قد ساروا على أثرهم واقتفوا نظرياتهم، في حين أن الأمر لم يكن كذلك أبداً.

 

11ـ الغفلة عن أهمّ استعمالات اللغة

يذهب مجتهد شبستري إلى الاعتقاد بأن حقيقة الفهم ليست من سنخ الشيء، بل هي حوارٌ بين المفسِّر والنصّ؛ بمعنى أنها ليست من قبيل: المجهول العلمي الذي يتمّ اكتشافه بواسطة القواعد والدلالات اللغوية بمعزلٍ عن الفرضيات السابقة لدى المفسِّر. كان هذا الأمر في العلوم الطبيعية على هذه الشاكلة عادةً؛ حيث تكون الظاهرة مجهولاً علميّاً، ويتمّ افتراضها بوصفها شيئاً، وعندها يبادرون إلى إيضاح ذلك المجهول العلميّ والكشف عنه بسلسلةٍ من التقنيات العلمية.

يذهب مجتهد شبستري إلى الاعتقاد بأن الفهم ليس على هذه الشاكلة، بل الفهم ـ من وجهة نظره ـ عبارةٌ عن تحاور وتخاطب بين المفسِّر والنصّ، ويتحقَّق هذا الأمر بواسطة الفرضيات السابقة والأسئلة والأمزجة والتوقّعات التي يختزنها المفسِّر في صقع ذاته.

والإشكال الموجود هنا يكمن في أن مجتهد شبستري يذكر هنا نموذجين للفهم، ثمّ يختار أحدهما على الآخر، دون أن يذكر سبب هذا الاختيار. فهو في واحدٍ من هذين النموذجين يرى أن حقيقة الفهم عبارة عن تحاورٍ وتخاطبٍ، وفي النموذج الآخر يرى أن النصّ للكشف عن نيّة المؤلِّف شيء، ولكنّه ومن دون دليلٍ أو سبب يُخرج الفهم من سنخ الشيئية، ويعتبره من سنخ التحاور والتخاطب([50]). وإنه يطرح هذه المسألة وكأنها واحدةٌ من الأمور البديهية. إنه لا يرى الفهم القائم على التفسير أمراً بديهياً، ويذهب إلى الاعتقاد بأن الفهم في غاية التعقيد، إلاّ أنه يتخلّى عن هذا البحث المعقَّد، وهو أن حقيقة الفهم ليست من سنخ الشيء، بل من سنخ التخاطب والتحاور بين المفسِّر والنصّ، دون أن يبدي دليلاً واحداً لترجيحه لأحدهما على الآخر.

وعليه، يجب عليه أوّلاً: أن يبيِّن السبب والدليل الذي دفعه إلى ترجيح أحد النموذجين على الآخر؛ وثانياً: إن فلسفة تكوّن اللغة كانت ولا تزال قائمة على تمكُّن المؤلِّف والمتكلِّم من إبداء ما في ضميره، ونقل المعاني المعتركة في داخله إلى المخاطب بواسطة اللسان والنصوص اللغوية، وإن على المفسِّر أن يسعى إلى إيضاح هذا الفهم بوصفه فهماً مجهولاً، ويعمد إلى الكشف عن نيّة وقصد المؤلِّف. وأما مسألة أن المفسِّر «يقبل بنية وقصد المؤلِّف أم لا» فهو بحثٌ آخر. وبعبارةٍ أخرى: إن الدراسة التجريبية لاستعمال اللغة بين الناس تثبت أن أهمّ استعمالات اللغة تكمن في انتقال المعنى من المتكلِّم إلى المخاطب؛ بمعنى أن الناس قد تواطأوا فيما بينهم على بلورة اللغة لإيجاد جسرٍ للتواصل والارتباط فيما بينهم. وإن الله سبحانه وتعالى (الذي يقوم الفرض على أنه حكيمٌ وعالمٌ وهادٍ) قد أنزل الوحي بهذه الوسيلة اللغوية البشرية؛ لكي ينقل المعاني والمفاهيم إلى الناس، في سياق تحقُّق الهداية. وبطبيعة الحال فإن للسان واللغة وظائف أخرى أيضاً، بَيْدَ أن كلامنا هو أننا لو ذهبنا ـ مثل مجتهد شبستري ـ إلى اعتبار حقيقة الفهم تخاطباً وتحاوراً بين المفسِّر والنصّ، واعتقدنا بأن الأصالة والهيمنة تكون للمعلومات السابقة لدى المفسِّر، بحيث يتعيَّن على المفسِّر أن يعمل بمعلوماته السابقة على تنقيح المعلومات السابقة للمؤلِّف، وأن يعمل بذلك على تعيين توقّعات المؤلِّف، عندها سوف تعمل هذه الأمور في مسار الوصول إلى مراد المؤلِّف (الذي قام تبلور اللغة على أساسها) على قرصنة مراد المؤلِّف ومصادرته لصالح فهم المفسِّر، وهو أمرٌ لا يخدم عملية الفهم أبداً، بل يعمل على عرقلتها.

النتيجة

ذكَرْنا أن الاتجاه التفسيري لمحمد مجتهد شبستري شديد التأثُّر بالهرمنيوطيقا الفلسفية لغادامير، ولكنه يسعى إلى جانب ذلك إلى الاستفادة من أبحاث علم الأصول أيضاً. ومن هنا فإنه يستعرض بحث «المراد الجدّي للمؤلِّف»، ويذهب إلى الاعتقاد بوجوب التعرُّف على المراد الجدّي للمؤلِّف أو الكاتب. ويرى أن هذه المعرفة تتحقّق من خلال الفرضيات السابقة، بمعنى أن فرضياتنا السابقة هي التي تحدِّد ما هو المعنى الذي كان يمكن للمؤلِّف أو الكاتب أن يريده أو لا يريده. كما أنه يرى أن فهم مراد المؤلِّف يقوم بدَوْره على الهرمنيوطيقا الفلسفية. إن ماهية الفهم ـ من وجهة نظر مجتهد شبستري ـ عبارةٌ عن تأثير الفرضيات السابقة والأذواق والتوقّعات والأسئلة التي يطرحها المفسِّر على النصّ، وما لم يتم تنقيح هذه الفرضيات السابقة لن يتحقَّق الفهم الصحيح. إن تنقيح الفرضيات والمعلومات السابقة، بالإضافة إلى التأثير على فهم النصّ، يؤثِّر كذلك على معرفة وفهم مراد المؤلِّف أيضاً. إن الفرضيات السابقة المنقَّحة ـ من وجهة نظر مجتهد شبستري ـ تعني الفرضيات السابقة المقبولة من عقلاء العصر. لو أن شخصاً توجَّه إلى النصّ بفرضياتٍ سابقة منقَّحة فإنه سوف يحصل على فهمٍ أو أفهامٍ متعدّدة للنصّ؛ أي إنه لا إشكال في حصول الشخص على تعدُّدٍ للفهم. وعلى هذا الأساس يمكن أن تكون هناك أكثر من قراءةٍ واحدة صحيحة للنصّ، ويمكن أن ننسب للنصّ تفسيراتٍ متعدّدة، وتكون صحيحةً بأجمعها. وفي الحقيقة يمكن أن يكون لدينا نوعٌ واحد من تعدُّدية الفهم الديني الصحيح (غير التعدُّدية خارج الدين). إن الفهم الصحيح لا يعني التطابق الكامل مع نيّة المؤلِّف، بل بمعنى الأفهام التي تقوم على الفرضيات السابقة المنقَّحة. إنها الفرضيات السابقة التي تساعدنا على فهم النصّ، كما تساعدنا على إدراك قصد المؤلِّف. ثم عمد بعد ذلك إلى تحليل الوحي بمثل هذا الاتجاه، ليقول في نهاية المطاف بأن النبوّة تفسيرٌ ورؤيةٌ خاصّة للعالم والإنسان في ضوء الوحي، وقد انعكس هذا التفسير في القرآن الكريم. وعلى هذا الأساس لا ينبغي اعتبار مضمون القرآن أخباراً نازلةً على النبيّ الأكرم|، وأنه كان ينقلها إلى الناس، بل إنها بأجمعها وليدة رؤية النبيّ، لا أكثر.

إننا في هذه المقالة، بالإضافة إلى إثبات أن رؤية مجتهد شبستري تستلزم إنكار النبوّة والدين، أوردنا عليه في بيان رؤيته عشرة إشكالات أخرى، وهي:

1ـ عدم الالتفات إلى جميع أقسام التفسير.

2ـ عدم الالتفات إلى جميع أقسام المعلومات السابقة.

3ـ عدم الالتفات إلى مراتب الفهم والمداليل.

4ـ عدم التمسُّك بنية المؤلِّف، وهو ما يُصرّ عليه.

5ـ الجمع بين الرأي القائل بمحورية المفسِّر والرأي القائل بمحورية المؤلِّف، وهو ممّا لا يقبله الجميع.

6ـ الجمع بين المنهج الهرمنيوطيقي والمنهج الظاهراتي، وهما لا يمكن الجمع بينهما.

7ـ القول بتعميم مقبولات عصر الحداثة، في حين أنها ليست عامّةً.

8ـ التعريف بمقبولات عصر الحداثة بوصفها معياراً لتنقيح وتقييم المعلومات السابقة، وهو معيارٌ خاطئ.

9ـ القول بإجماعية نظرية الهرمنيوطيقا الفلسفية، والغفلة عن النظريات المتعدِّدة الأخرى.

10ـ تجاهل أهمّ تطبيقات اللغة، ألا وهو نقل المعنى من المتكلِّم إلى المخاطَب.

الهوامش

(*) أستاذٌ جامعيّ، وعضو الهيئة العلميّة في مركز الدراسات الثقافيّة والفكر الإسلاميّ في قم ـ قسم الفلسفة والكلام. له مؤلَّفاتٌ عديدة في فلسفة الدين والكلام الجديد.

(**) طالبٌ على مستوى الدكتوراه في فرع الحكمة المتعالية في مؤسَّسة الحكمة والفلسفة الإيرانيّة للأبحاث، في طهران ـ إيران.

([1]) مارتن هايدغر (1889 ـ 1976م): فيلسوفٌ ألماني. تلميذ إدموند هوسرل مؤسِّس الظاهريات. تميَّز بتأثيره الكبير على المدارس الفلسفية في القرن العشرين للميلاد، ومن أهمّها: الوجودية وما بعد الحداثة. من أهم إنجازاته أنه أعاد توجيه الفلسفة الغربية بعيداً عن الأسئلة الميتافيزيقية واللاهوتية والإبستيمولوجية، ليطرح عوضاً عنها أسئلة أنطولوجية، وهي أسئلة تتركَّز في الأساس على معنى الكينونة (Dasein). (المعرِّب).

([2]) هانز جورج غادامير (1900 ـ 2002م): فيلسوفٌ ألماني. اشتهر بعمله الشهير (الحقيقة والمنهج)، وكذلك بتجديده في النظرية التفسيرية (الهرمنيوطيقا). (المعرِّب).

([3]) انظر: نصر حامد أبو زيد، مفهوم النصّ: دراسة في علوم القرآن، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1998م.

([4]) انظر: نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الديني، سيناء للنشر، 1992م.

([5]) انظر: نصر حامد أبو زيد، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1996م.

([6]) فرديناند دو سوسور (1857 ـ 1913م): عالمٌ لغوي سويسري شهير. يُعتبر بمثابة الأب للمدرسة البنيوية في علم اللسانيات. قال بأن اللغة يجب أن تعتبر ظاهرة اجتماعية. من أشهر أعماله (بحث في الألسنية العامة). (المعرِّب).

([7]) انظر: محمد مجتهد شبستري، هرمنوتيك كتاب وسنّت: فرايند تفسير وحي (هرمنيوطيقا الكتاب والسنة: مسار تفسير الوحي)، طرح نو، ط4، طهران، 1379هـ.ش. ب. (مصدر فارسي).

([8]) انظر: محمد مجتهد شبستري، نقدي بر قرائت رسمي أز دين (نقد للقراءة الرسمية للدين)، طرح نو، ط1، طهران، 1379هـ.ش. (مصدر فارسي).

([9]) انظر: محمد مجتهد شبستري، تأملاتي در قرائت إنساني أز دين (تأمّل في القراءة البشرية للدين)، طرح نو، ط2، طهران، 1384هـ.ش. (مصدر فارسي).

([10]) انظر: مجتهد شبستري، نقدي بر قرائت رسمي أز دين (نقد للقراءة الرسمية للدين):       21 ـ 56.

([11]) انظر: مجتهد شبستري، تأملاتي در قرائت إنساني أز دين (تأمّل في القراءة البشرية للدين): 17.

([12]) انظر: مجتهد شبستري، هرمنوتيك كتاب وسنّت: فرايند تفسير وحي (هرمنيوطيقا الكتاب والسنّة: مسار تفسير الوحي): 14، 25 ـ 28.

([13]) انظر: المصدر السابق: 33؛ مجتهد شبستري، تأملاتي در قرائت إنساني أز دين (تأمّل في القراءة البشرية للدين): 160 ـ 162.

([14]) انظر: مجتهد شبستري، هرمنوتيك كتاب وسنّت: فرايند تفسير وحي (هرمنيوطيقا الكتاب والسنّة: مسار تفسير الوحي): 17، 147.

([15]) انظر: المصدر السابق: 23.

([16]) انظر: المصدر السابق: 22 ـ 23.

([17]) انظر: مجتهد شبستري، تأملاتي در قرائت إنساني أز دين (تأمّل في القراءة البشرية للدين): 86.

([18]) انظر: مجتهد شبستري، هرمنوتيك كتاب وسنّت: فرايند تفسير وحي (هرمنيوطيقا الكتاب والسنّة: مسار تفسير الوحي): 23 ـ 25.

([19]) انظر: المصدر السابق: 26.

([20]) انظر: مجتهد شبستري، نقدي بر قرائت رسمي أز دين (نقد للقراءة الرسمية للدين): 374.

([21]) انظر: مجتهد شبستري، هرمنوتيك كتاب وسنّت: فرايند تفسير وحي (هرمنيوطيقا الكتاب والسنّة: مسار تفسير الوحي): 25.

([22]) انظر: المصدر السابق: 33.

([23]) انظر: المصدر السابق: 29 ـ 33.

([24]) انظر: مجتهد شبستري، نقدي بر قرائت رسمي أز دين (نقد للقراءة الرسمية للدين): 7،  366 ـ 381؛ مجتهد شبستري، هرمنوتيك كتاب وسنّت: فرايند تفسير وحي (هرمنيوطيقا الكتاب والسنّة: مسار تفسير الوحي): 16؛ مجتهد شبستري، تأملاتي در قرائت إنساني أز دين (تأمّل في القراءة البشرية للدين): 163.

([25]) انظر: محمد مجتهد شبستري، مقالات «قرائت نبوي أز جهان (1) / كلام نبوي» (القراءة النبوية للعالم (1) / الكلام النبوي)، 1386هـ.ش. (مصدر فارسي).

([26]) انظر: المصدر نفسه.

([27]) فريدريك دانيال إرنست شلايرماخر (1768 ـ 1834م): لاهوتي وفيلسوفٌ ألماني. يعتبر زعيماً مبكّراً للمسيحية الليبرالية. (المعرِّب).

([28]) انظر: مجتهد شبستري، مقالات «قرائت نبوي أز جهان (1) / كلام نبوي» (القراءة النبوية للعالم (1) / الكلام النبوي)، 1386هـ.ش. (مصدر فارسي).

([29]) انظر: المصدر نفسه.

([30]) انظر: المصدر نفسه.

([31]) انظر: علي المشكيني، اصطلاحات الأصول ومعظم أبحاثها: 132، دار الهادي، ط5، قم، 1371هـ.ش. (مصدر فارسي).

([32]) انظر: مجتهد شبستري، مقالات «قرائت نبوي أز جهان (1) / كلام نبوي» (القراءة النبوية للعالم (1) / الكلام النبوي)، 1386هـ.ش. (مصدر فارسي).

([33]) انظر: المصدر نفسه.

([34]) انظر: المصدر نفسه.

([35]) انظر: المصدر نفسه.

([36]) الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 1: 18، تقديم: السيد محسن الأمين العاملي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1415هـ؛ محمد حسين الطباطبائي، قرآن در إسلام (القرآن في الإسلام): 109، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1361هـ.ش.

([37]) انظر: مهرداد عباسي ومحمد علي مهدوي راد ومحسن قاسم پور وعلي رضا بهاردوست ومحمد كاظم رحمتي وباقر قرباني زرّين ومحسن معيني وشادي نفيسي، مقالة «تفسير» (التفسير)، المنشورة في موسوعة دانشنامه جهان إسلام، المجلّد 7، مؤسسة دائرة المعارف الإسلامية، طهران، 1393هـ.ش. (مصدر فارسي).

([38]) انظر: محمد هادي معرفة، التفسير والمفسِّرون في ثوبه القشيب 1: 14، منشورات الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية، مشهد، 1418هـ.

([39]) انظر: مجتهد شبستري، هرمنوتيك كتاب وسنّت: فرايند تفسير وحي (هرمنيوطيقا الكتاب والسنّة: مسار تفسير الوحي): 24 ـ 25.

([40]) فيلهم دلتاي (1833 ـ 1911م): فيلسوفٌ وطبيبٌ نفساني وعالم اجتماع ألماني. يعتبر من الفلاسفة الأكثر نفوذاً في فلسفة الحياة. إحدى ثوابت فكر دلتاي هي الوعي بتاريخية الموجود البشري؛ لأنه يعيش في الزمان، ويتحدّد وجوده بالميلاد والموت، ويتألَّف من سلسلة حلقاتها (الماضي والحاضر والمستقبل). كما أن العلاقة بين الناس تاريخية أيضاً، ومن هنا فإن عالم الإنسان هو عالم التاريخ. (المعرِّب).

([41]) انظر: مجتهد شبستري، هرمنوتيك كتاب وسنّت: فرايند تفسير وحي (هرمنيوطيقا الكتاب والسنّة: مسار تفسير الوحي): 28 ـ 29.

([42]) انظر: مجتهد شبستري، تأملاتي در قرائت إنساني أز دين (تأمّل في القراءة البشرية للدين): 73 ـ 74، 89.

([43]) إدموند هوسرل (1859 ـ 1938م): فيلسوفٌ ألماني ومؤسِّس الظاهريات. كان في بدايته متأثِّراً بالاتجاه النفساني في الفلسفة، ولكنه سرعان ما اتجه إلى الاهتمام بالمعاني والماهيات الخالصة، وهو ما تجلى في كتابه (البحوث المنطقية)، وهو ما أكَّده تحت مسمّى (القصدية)، وهي فكرةٌ محورية في فلسفته الظاهراتية. (المعرِّب).

([44]) انظر: مجتهد شبستري، هرمنوتيك كتاب وسنّت: فرايند تفسير وحي (هرمنيوطيقا الكتاب والسنّة: مسار تفسير الوحي): 24.

([45]) انظر: مجتهد شبستري، هرمنوتيك كتاب وسنّت: فرايند تفسير وحي (هرمنيوطيقا الكتاب والسنّة: مسار تفسير الوحي): 91.

([46]) انظر: ديفد كوزنز هوي، حلقه انتقادي (الحلقة النقدية): 73، ترجمه إلى اللغة الفارسية: مراد فرهاد پور، انتشارات گيل، طهران، 1371هـ.ش.

([47]) جورج فيلهلم فريدريتش هيجل (1770 ـ 1831م): فيلسوفٌ ألماني. يعتبر أحد أهم الفلاسفة الألمان؛ إذ يعتبر مؤسِّس المثالية الألمانية في الفلسفة في أواخر القرن الثامن عشر للميلاد. طوَّر المنهج الجدلي الذي أثبت من خلاله أن مسار التاريخ والأفكار يتمّ من خلال الطريحة والنقيضة ثم التوليف بينهما. وكان لفلسفة هيجل أثرٌ عميق في معظم الفلسفات المعاصرة. (المعرِّب).

([48]) رينيه ديكارت (1596 ـ 1650م): فيلسوفٌ ورياضي وفيزيائي فرنسي. يُلقَّب بـ (أبو الفلسفة الحديثة). وقد اخترع نظاماً رياضياً سُمّي باسمه وهو (نظام الإحداثيات الديكارتية) الذي شكَّل النواة الأولى لـ (الهندسة التحليلية). كما كان ديكارت الشخصية الرئيسة لمذهب العقلانية في القرن السابع عشر للميلاد. وهو صاحب المقولة الشهيرة: (أنا أفكِّر؛ إذن أنا موجود). (المعرِّب).

([49]) كارل ريموند بوبر (1902 ـ 1992م): فيلسوفٌ نمساوي / إنجليزي. متخصِّصٌ في فلسفة العلوم. يعتبر من بين أهمّ وأغزر المؤلِّفين في فلسفة العلم في القرن العشرين، وكتب بشكل موسَّع عن الفلسفة الاجتماعية والسياسية. (المعرِّب).

([50]) انظر: مجتهد شبستري، تأملاتي در قرائت إنساني أز دين (تأمّل في القراءة البشرية للدين): 86، 89.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً