أحدث المقالات

الحديث حول تطوير المنبر الحسيني حديث عن الإصلاح، فالإمام الحسين الذي تُعقد المجالس الحسينية باسمه الشريف؛ خرج لإصلاح الأمة، ولن يُصلح حالها إن لم يُصلح وضع المنبر -بمفهومه الواسع كأداة للتعليم وبثّ الوعي- فيها، بناءً على رؤية قد نتحفظ عليها، تقول: إن الحضارة الإسلامية حضارة منبر يبث العلم والهدى والنور!
وأتصور -في هذه العجالة- أن أمر تطوير المنبر الحسيني لن يتم؛ إلا إذا تطور مستوى من يصعد على أعواده، عنيتُ بذلك الخطيب الحسيني، وكما قيل: فاقد الشيء لا يُعطيه!
فعلى سبيل المثال، نحن لا نتصور بأن خطيباً من الخطباء الذين يعتمدون في إلقاء محاضراتهم بناءً على ترديدهم لمقولات الآخرين؛ أو تبعاً لحفظهم لمحاضرات من سبقهم، ستكون له القدرة على التطوير من حيث الشكل أو المضمون!! ومن البداهة بمكان أن الخطيب الذي يفكر بارتقاء المنبر يحتاج لمقدمات، ولعل أهمها:
أولاً: التحصيل الدراسي التخصصي والعميق. وقد لا نبالغ إذا قلنا بأن بعض المنابر تطرح الأفكار والمقولات بعيداً عن التأصيل القرآني، أو الأصولي، أو الفقهي…إلخ؛ حتى يُخيّل للمستمع أن الخطيب لم يمر يوماً بباب الحوزة العلمية!
ثانياً: دراسة -أو قراءة- العلوم الاجتماعية كلغة تواصلية واقناعية؛ إذ أن العلوم تكاملية.
ثالثاً: الإلمام بتاريخ المنبر، والمحطات التي مر بها إلى أن وصل لهذه الكيفية المتعارفة الآن.
رابعاً: تعلم فن الخطابة، عبر الالتحاق بدورة تخصصية -تتخلل الدورة الممارسة العملية التدريبية- وملاحقة خطابات الخطباء الكبار، للاستفادة من أساليبهم في البدء؛ ولتجاوزهم في المستقبل. ومن اللطيف أن أحد المهتمين يقول: إن أكثر الخطباء كونوا أنفسهم بأنفسهم بطريقة عصامية! فمتى نتجاوز هذه المرحلة؟
خامسًا: التحضير والإعداد الجيد للخطاب الحسيني، فالبعض يقتات على قديمه غالباً.
* المواءمة بين القول والفعل!
أو بتعبير الآية الكريمة، ﴿ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ﴾؟ "بعض الخطباء سلوكهم مو لهناك"!! هكذا قال أحد الأصدقاء عندما سألته عن رأيه في المنبر الحسيني. وكما تعلمون فقد نجد خطيباً من الخطباء يطرح أفكاراً يخالفها فور نزوله من على المنبر! فلا فائدة تُرجى من هكذا خطيب! فما الفائدة التي سنجنيها إن تحدث لنا خطيب عن التسامح وهو على رأس قائمة المتعصبين والمتحزبين! وماذا سنجني إن تحدث لنا خطيب عن التعددية وهو يمارس دكتاتوريته على الآخرين بلغة: أنا ربكم الأعلى! -اللغة التي يتهكم منها ومن قائلها- ليجعل من نفسه فرعوناً صغيراً!!
* نحو منابر متعددة عنوانها الحسين
أتصور أن المنبر الحسيني ينبغي أن يبقى حسينياً، ولا يصح تطويره بعيداً عن الأهداف التي بدأ منها، وهي قضية الدمعة على الحسين ؛ فالمنبر الحسيني يزاوج بين البعد الوجداني والبعد العقلي، وإن ابتعد عن هذا الهدف فيلزم أن نطلق عليه أسماء أخرى من قبيل: المنبر الإسلامي، المنبر الفكري، المنبر السياسي، أو غير ذلك.
كما ينبغي أن لا نلغي أي نمط من أنماط المنابر الحسينية، فهناك المنبر الحسيني التقليدي الذي يغلب عليه طابع اللوعة والأسى، وهناك المنبر الذي يركز على المقتل والقضية التاريخية إلى جانب الخطاب الوعظي، وهناك المنبر الذي يعالج القضايا الفكرية المعاصرة، وهناك المنبر الذي يطرح الأمور الفقهية والعقدية، وهناك المنبر الذي يتحدث عن قضايا المرحلة الساخنة وقد تكون نسبته ضئيلة في واقعنا، و…إلخ. فهذه المنابر يجب أن تبقى جنباً إلى جنب، فكما نقول: إن لكل كتاب قارئه؛ فإن لكل خطيب مستمعه، وكما أن لكل قارئ كتابه؛ فإن لكل مستمع خطيبه!
* بين الخطيب والمستمع:
يتراءى للبعض أن مهمة تطوير المنبر الحسيني هي مسؤولية الخطباء وحدهم، أو مسؤولية الجهة التي ينتمي إليها هؤلاء الخطباء، فقط، أي الحوزة العلمية. وهذا تصور خاطئ؛ فالمسؤولية مسؤولية الجميع؛ فالمستمع لمنبر الحسين ، ينبغي أن يتحمل دوره في هذا التطوير؛ فلا يكفي أن نجتر الكلام في مجالسنا موجهين سهام نقدنا للخطباء، بل من الضرورة بمكان أن نتواصل معهم، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
فالمستمع -على سبيل المثال-: بإمكانه أن يُسهم في المسح العام لأبرز المشكلات التي تتصدر قائمة الأولويات، وبإمكانه اقتراح بعض الموضوعات التي تهم المستمعين والمجتمع.
وربما يكون من الجيد أن توزع قائمة بالموضوعات التي سيطرحها الخطيب خلال موسم شهر محرم؛ فالمستمع يذهب للاستماع وهو لا يدري شيئاً عن الموضوع الذي سيطرحه الخطيب؛ فلو حُدد الموضوع سلفاً، فقد يساعد هذا الأمر المستمع على اختيار المنبر الذي يعالج اهتماماته؛ فمستمعٌ يبحث عمن يرشده في كيفية تربية أولاده، وثان يبحث عمن يرسم له خريطة التعامل مع زوجته، وثالث لديه إشكال عقائدي يبحث عن إجابة شافية له، ورابع، وخامس، وهكذا.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً