أحدث المقالات

 

خلاصة الدراسة :

إن تطوير البيئة الحاضنة والضامنة لحقوق الإنسان في مجتمعات الخليج العربي ، مرهونة بقدرة هذه المجتمعات على تطوير أنظمتها السياسية وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية في الشأن السياسي والوطني .. وإنه لا يمكن أن تتطور البيئة والحقائق والوقائع المحترمة لحقوق الإنسان على المستويين القيمي والمؤسسي ، في ظل أنظمة سياسية تحتكر حقل السياسة والدولة ، ولا تفسح المجال لشعبها وقواه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمدنية  من المشاركة في السياسة والحكم .. فالدول التي تفتقد إلى تقاليد وأعراف وتدابير مؤسسية لمشاركة شعبها في الشأن العام ، هي دول في بنيتها الأساسية وخياراتها الكبرى طاردة لقيم حقوق الإنسان ، ومخربة لكل بيئة مجتمعية يمكن أن تتطور فيها مقتضيات صيانة واحترام حقوق الإنسان ..

لهذا فإننا نعتقد في منطقة الخليج العربي أن الإصلاح السياسي هو بوابة صيانة حقوق الإنسان على شكل مؤسسي وقيمي ..

ومن الناحية الواقعية والسياسية ، فإن تفاوت الحكومات الخليجية في مستوى رعايتها واحترامها لحقوق الإنسان ، يعود إلى التفاوت في طبيعة الأنظمة السياسية ومستوى فعالية حياتها السياسية والوطنية .. فالدول التي تمارس الانتخابات وتمتلك برلمانا شعبيا ، فهي دول متقدمة على غيرها في حقل احترامها وصيانتها لحقوق الإنسان .. أما الدول التي لا انتخابات فيها ولا مجتمعات مدنية حيوية ومستقلة تنشط في فضائها ، فهي دول متراجعة إلى حدود دنيا في صيانتها لحقوق الإنسان وفي مدى احترام أنظمتها ومؤسساتها لمقتضيات حقوق الإنسان وفق الشرعة الدولية والإسلامية ..

فالبيئة الضامنة لحقوق الإنسان في كل التجارب الإنسانية ، لا يمكن أن تنجز في كل أبعادها وآفاقها بدون الإصلاح السياسي في منطقة الخليج ، الذي يوسع من دائرة المشاركة الشعبية في القرار السياسي اليومي والاستراتيجي ، ويؤسس العلاقة بين الجميع على أسس المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات بعيدا عن الانتماءات التقليدية التي تزخر بها منطقة الخليج العربي وإن مشروعات التنمية لا يمكن أن تؤتي أكلها بالكامل ، بدون مركزية الإنسان فيها وصيانة حقوقه وكرامته ..

والدول التي تفتقد فيها المؤسسات والأطر التي تحفظ حقوق الإنسان ، وتحول دون انتهاكها ، فإن مشروعات التنمية فيها تتحول إلى مشروعات نمو كمية ، تبرز في سلع الحضارة والحداثة المعاصرة ، دون أن تسند بإنسان قادر على استيعاب تقنيتها وأسرارها ، والعمل على إدارتها بما يناسب اللحظة الزمنية وخطط التنمية في الوطن ..

ولعلنا لا نبالغ حين القول : أن تغييب المواطن ( الإنسان ) وتنمية كفاءاته وطاقاته وقدراته في مشروعات التنمية ، هو أحد الثغرات الأساسية في المشروعات الاقتصادية والتنموية التي تعيشها منطقة الخليج العربي ..

وإن الاهتمام بمشروعات التنمية السياسية ، يساهم في خلق البيئة الاجتماعية الحاضنة والمدافعة عن حقوق الإنسان ..

وعليه فإن الدراسة ترى أن تطوير البيئة الحقوقية في منطقة الخليج العربي تتطلب الآتي :

1-     تنمية حس المواطنة في مجتمعات الخليج واستيعاب كل التنوعات الموجودة في الفضاء الخليجي .. وأن تكون المواطنة بكل حمولتها القانونية والدستورية هي قاعدة التعامل مع المواطنين بصرف النظر عن انتماءاتهم التاريخية والتقليدية ..

2-             تظهير العلاقة العميقة التي تربط مفهوم التنمية في كل أبعاده مع حقائق حقوق الإنسان ..

3-     تفكيك الرؤية الدينية التي تفرق بين المواطنين لاعتبارات مذهبية ، وتبني خطاب الإصلاح الديني الذي يعطي أولوية لقيم الحرية والتسامح وصيانة حقوق الإنسان ..

4-     بناء كتلة وطنية تطالب بالإصلاح وتلح عليه بكل الوسائل السلمية ، وتتجاوز في حركتها كل عناوين التشظي الموجودة في المجتمعات الخليجية ، وتعطي أولوية لمشروع الإصلاح السياسي وكل مقتضياته ومتطلباته ..

الإصلاح السياسي وقضايا المواطنة:

إن الوصول إلى مبدأ المواطنة، وتجسيد مقتضياتها ومتطلباتها في الحياة الاجتماعية والسياسية، يتطلب على المستوى العملي، الكثير من العمل والكفاح للانعتاق من كل الدوائر والممارسات التي تحول دون الوصول إلى هذا المبدأ الجامع، الذي يؤكد على الحرية والمساواة بصرف النظر عن المنابت والأصول. ويبدو من العديد من المعطيات والتداعيات، أن تراخي الإرادة السياسية في البلدان العربية والإسلامية تجاه هذه القيم، هو المسئول إلى حد بعيد عن تدهور الأوضاع وتقهقرها في مختلف المجالات والميادين.. وذلك لأنه إذا لم يشعر الإنسان بإنسانيته، وتحمى حقوقه من الضياع والتلاعب، لا تتوفر لدى هذا الإنسان العلاقة المطلوبة مع واقعه السياسي والاجتماعي.

وحينذاك تبدأ الفجوة بالاتساع بين النخب السياسية السائدة وعموم المجتمع بمكوناته المتعددة، وتتبلور مستويات التناقض وحالات عدم الثقة.. فتتباين من جراء ذلك الأجندة والمصالح والعلاقات والأولويات. فتعاظمت من جراء ذلك المحن والأزمات، وتصاعدت التوترات والاحتقانات وبرزت في المشهد السياسي والاجتماعي، العديد من العناوين واليافطات، التي تسهم في المزيد من التشظي والتفتيت وخلق الحواجز بين أبناء المجتمع والوطن الواحد.. وتحوّل المجالين العربي والإسلامي من جراء هذه الوقائع وتأثيراتها المتعددة، إلى ساحة للصراعات المفتوحة على كل الآفاق والوسائل، واشتد أوار الخصام السياسي والتناقض الأيدلوجي.

وبتنا جميعا حكاما ومحكومين نعيش الأزمة بكل ضغوطاتها واحباطاتها وتأثيراتها.. ولا خيار أمام الجميع إلا الانخراط في مشروع الإصلاح السياسي والثقافي والاجتماعي، الذي يعيد للعرب والمسلمين دورهم الحضاري، ويخرجهم من ظلمات التخلف والتعصب والاستبداد بكل صنوفه وأشكاله.. وينقلهم من واقع الاحتراب الداخلي بعناوينه المختلفة إلى رحاب الوحدة والمواطنة الكاملة. وحجر الأساس في هذا المشروع الإصلاحي، هو إعادة الاعتبار للفرد والتعامل معه على أساس المواطنية بصرف النظر عن انتماءاته التاريخية والراهنة ، وأن تتعامل معه مؤسسة الدولة على أساس انتماءه الوطني.

وفي هذا الإطار من الأهمية التأكيد على النقاط التالية:

1-إن العدالة في مجالات الحياة المختلفة، هي سبيل إنجاز مفهوم المواطنية في الواقع الاجتماعي.. وذلك لأن المواطنة لا تعني التجاور المادي والجغرافي، وإنما هي بناء نفسي وروحي وثقافي، يتجاوز كل عوامل التباغض والتناحر والشكوك المتبادلة. وهذا الطموح والتطلع، لا يمكن أن يتحقق إلا بالعدالة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية. حيث لا مواطنة بدون عدالة ومساواة وتكافؤ للفرص. والأمم والمجتمعات التي استطاعت أن تكرس مفهوم المواطنة في تجربتها السياسية والحضارية، هي تلك المجتمعات التي قطعت شوطا طويلا في بناء الديمقراطية والمشاركة العامة والعدالة المجتمعية. إذ بدون هذه القيم، لا يمكن أن يتطور حس المواطنة، وتتبلور قيم الانتماء الوطني الصحيح. وعليه فإن العنصرية والطائفية والديكتاتورية وتكميم الأفواه وانعدام الحريات العامة، كلها حقائق وعوامل مضادة ومناقضة لمبدأ المواطنة. ولا يمكن أن يتطور هذا المفهوم في مجتمع يعاني من الأمراض والآفات المذكورة أعلاه. وذلك لأنها كلها تناقض مفهوم العدالة، وتشرع للتمييز وممارسة الظلم بكل صنوفه وأشكاله. وهذا بطبيعة الحال، يقتضي التزام برنامج وطني شامل، لإصلاح وتطوير الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بحيث تتأمن كل ضرورات المواطن، ويشعر بالأمن والثقة بوطنه راهنا ومستقبلا.

والعدالة في أحد وجوهها، تعني التحرر من الفقر والجهل والمرض، وتحقيق مستوى معيشي ، مطرد التقدم ولا يميّز بين المواطنين. والعمل على صياغة ثقافة وطنية جديدة، تصقل روحية المواطن، وترسم اتجاهاته المقبلة، وتعلي من شأن التعايش السلمي والمصير المشترك والمسؤولية العامة، وتهدم جدران العنصرية والطائفية والاستبداد.

وغياب العدالة في الواقع الوطني، هو الذي يهدم مستلزمات الوحدة الوطنية ويدق إسفينا في مشروع العيش المشترك والوفاق الوطني. فالحقوق والواجبات لا تتم على قاعدة فئوية أو قومية أو طائفية، وإنما على أساس المواطنة. فهي المعيار والضابطة الوحيدة لترتيب نظام الحقوق والواجبات.

2-الاختلافات السياسية والعقدية والقومية والمذهبية في الدائرة الوطنية، ينبغي أن لا تشرع وتسوغ للعداء والافتراق والانكفاء بل للتحاور والتبادل المعرفي وإثراء الثقافة الوطنية بالمضامين الحية والقادرة على اجتراح تعايش حيوي وفعال بين مجموع مكونات الحالة الوطنية.

إن المجتمعات الإنسانية ولاعتبارات عديدة، هي بحاجة بشكل دائم إلى تشريع قانون ودستور، ينظم حياتهم في شؤونها المختلفة، ويحدد المسؤوليات، ويجعل كل مؤسسات الدولة خاضعة لهذه القوانين الدستورية. ولعلنا لا نبالغ حين القول: أن تضخم مستوى الاستبداد السياسي والاستفراد بالرأي في العديد من الدول العربية والإسلامية، يرجع في أحد وجوهه إلى غياب المؤسسات الدستورية،التي تأخذ على عاتقها ضبط نزعات الاستفراد والغطرسة وأشكال الحكم المطلق. وإن الإصلاح السياسي لا يمكن أن يكون بمجرد التصريحات المناسبة أو الخطوات التكتيكية المقبولة شعبيا. وإنما هو بحاجة إلى دستور يترجم إرادة الإصلاح ويجعل مؤسسة الدولة في إرادتها منسجمة والإرادة العامة للأمة. فالإصلاح السياسي بحاجة دائما إلى قاعدة قانونية، وهذه القاعدة هي الدستور الوطني الذي ينظم العلاقات ويحدد المسؤوليات. وإن القانون هو المرجعية الوحيدة لمعالجة كل المشاكل والأزمات .   وإن كل أجهزة الدولة ومؤسساتها، ينبغي أن تكون خاضعة لمقتضيات القانون ومواد الدستور الوطني..

وبالتالي فإن مشروع الإصلاح السياسي، يقتضي توفر مرجعية دستورية، وشفافية في الأداء والسياسات، وخضوع كل قوى المجتمع ومراكز القوى في مؤسسة الدولة إلى القانون والدستور.. ولا يمكن أن نتصور إصلاحا سياسيا حقيقيا بدون الدستور ونظام قانوني يكفل الحريات ويصون الحقوق، ويحافظ على المكتسبات، وينظم عملية التنافس والصرع. فالدستور حصانة ضد تكرار أخطاء ومآسي الماضي، كما هو مطلب وطني عميق، ينسجم ومقتضيات العصر الحديث،وأصالة المجتمع.

 3-لا ريب أن الوحدة الوطنية في ظل الظروف والتحديات الكبرى التي تواجه واقعنا السياسي من الضرورات التاريخية التي ينبغي أن نوليها الأهمية القصوى. ولكن من الخطأ التعامل مع هذا المفهوم بعيدا عن ضرورة الإصلاح وإعادة صياغة هذه الوحدة بما ينسجم وقيم العدالة والحرية والتسامح. فالوحدة التي تبنى بوسائل قسرية لا تدوم، كما أن الوحدة الوطنية التي لا تحترم حقوق الإنسان وخصوصيات التنوع الثقافي في المتوفر في المجتمع، لا تستند على قاعدة صلبة ومتينة.لذلك من الضروري التأكيد على ضرورة تجديد أسس الوحدة الوطنية، والعمل على صياغة الذات الوطنية وفق أسس أكثر عدالة وإنسانية.   فالتحديات التي تواجهنا، ينبغي أن لا تصرفنا عن هذه الضرورة، وذلك لأن البناء السليم، هو القادر على مجابهة التحديات والاستجابة الفعالة لمقتضيات الراهن. فالوحدة الوطنية ضرورة قصوى، كما أن الإصلاح السياسي وتجديد أسس الوحدة الوطنية ضرورة قصوى أيضا ، وتحولات الراهن تدفعنا إلى الإيمان العميق بضرورة التجديد والإصلاح وصياغة الذات الوطنية على قاعدة الوحدة والتعايش السلمي بين مكونات الوطن والمجتمع.

فضاء المواطنة :

ثمة علاقة عميقة وجوهرية، بين مفهوم المواطنة والأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية السائدة. وذلك لأن الكثير من مضامين المواطنة على الصعيدين الذاتي والموضوعي، هي بحاجة إلى فضاء سياسي جديد، يأخذ على عاتقة تحريك الساحة بقواها ومكوناتها المتعددة باتجاه القبض على المفردات والعناصر الضرورية لهذا المفهوم.

فالمواطنة كمبدأ ومرجعية دستورية وسياسية، لا تلغي عملية التدافع والتنافس في الفضاء الاجتماعي، بل تضبطها بضوابط الوطن ووحدته القائمة على احترام التنوع وليس على نفيه، والساعية بوسائل قانونية وسلمية للإفادة من هذا التنوع في تمتين قاعدة الوحدة الوطنية. بحيث يشعر الجميع بأن مستقبلهم مرهون بها، وأنها لا تشكل نفيا لخصوصياتهم، وإنما مجالا للتعبير عنها بوسائل منسجمة وناموس الاختلاف وآفاق العصر ومكتسبات الحضارة. ولا يكتمل مفهوم المواطنة على الصعيد الواقعي، إلا بنشوء دولة الإنسان.. تلك الدولة المدنية التي تمارس الحياد الايجابي تجاه قنا عات ومعتقدات وأيدلوجيات مواطنيها.. بمعنى أن لا تمارس الإقصاء والتهميش والتمييز تجاه مواطن بسبب معتقداته أو أصوله القومية أو العرقية. كما أنها لا تمنح الحظوة لمواطن بفضل معتقداته أو أصوله القومية أو العرقية. فهي مؤسسة جامعة لكل المواطنين، وهي تمثل في المحصلة الأخيرة مجموع إرادات المواطنين.

لذلك فإن مفهوم المواطنة لا ينجز في ظل أنظمة شمولية- استبدادية، لأن هذه الأنظمة ببنيتها الضيقة والخاصة، تحول مؤسسة الدولة إلى مزرعة خاصة، تمارس الإقصاء والتهميش، كما تمنح الامتيازات بمبررات دون مفهوم الوطن والمواطنية.

فالدولة المدنية التي تحترم الإنسان وتصون كرامته، وتمنحه حرياته الأساسية، هي الحقيقة الموضوعية الوحيدة، التي تبلور مفهوم المواطنة، وتخرجه من إطاره النظري المجرد إلى حقيقة سياسية ومجتمعية راسخة وثابتة. فدولة الإكراه والاستبداد وممارسة القمع والتعسف، تجهض مفهوم المواطنة وتخرجه من مضامينه السياسية المتجهة صوب الموازنة الفذة بين ضرورات النظام والسلطة ومتطلبات الكرامة والديمقراطية. وكل الشعارات والمشروعات ذات الطابع التقدمي التي تحملها بعض السلط والدول، تبقي مجردة وفي دائرة الاستهلاك الإعلامي والسياسي بدون المواطنة التي تمارس حقوقها غير منقوصة وتلتزم بواجباتها دون مواربة. وعليه فإن مراعاة مصالح المواطنين والعمل على ضمان حقوقهم واحترام حرياتهم وصيانة كراماتهم، هو الذي يضمن الاستقرار السياسي، ويطور مستوى التفاهم والانسجام بين السلطة والمجتمع وتتبلور الإرادة الوطنية صوب القضايا الكبرى للوطن و الأمة .

لذلك فإن المواطنة وفق هذا المنظور، هي قوام الحياة السياسية الفاعلة والسليمة.. وحينما تجرد الحياة السياسية من مقتضيات ومتطلبات المواطنة، تتحول إلى حياة مليئة بالنزاعات والانقسامات وتكريس مضامين التخلف والانحطاط المجتمعي .

وذلك لأن المنابر الإعلامية ووسائط الثقافة في المجتمع، تشترك في عملية تفتيت مضمون المواطنة، عن طريق نشر ثقافة الكراهية والدعوة إلى المفاصلة والقطيعة مع بعض شرائح المجتمع. فينتشر التمزيق، وتتعاظم مظاهر التهميش وأشكال التمييز، وتهدد الوحدة الوطنية في أهم مقوماتها ومرتكزاتها ألا وهي المواطن. حيث أن تسميم المناخ الوطني العام، بثقافة التمييز والكراهية، ودعوات المفاصلة والتحريض الطائفي والقومي، تقلص إمكانية الاستقرار، وتحول دون توفر متطلبات الوحدة الوطنية. فالدولة التسلطية بصرف النظر عن أيدلوجيتها والشعارات التي ترفعها، هي التي تجوّف مفهوم المواطنة وتفرغه من مضامينه السياسية والمجتمعية .   لذلك هناك علاقة وطيدة بين مفهومي الدولة المدنية والمواطنة. إذ لا دولة مدنية بدون مواطنة كاملة تمارس كل حقوقها وتقدم بكل واجباتها الوطنية. كما أنه لا مواطنة مستديمة بدون دولة مدنية تسن القوانين التي تحمي قانون المواطنة ومتطلباته، وترفده بالمزيد من الآفاق وأدوات الفعالية المجتمعية. فلا يمكن أن تتحقق مواطنة في ظل دولة تسلطية ـ استبدادية ، لأن هذه الدولة ببنيتها القمعية، تلغي دور المواطن في عملية البناء وتسيير أمور الوطن. كما أنه لا يمكن أن ينجز مفهوم الدولة المدنية في مجالنا الإسلامي ، بدون احترام مفهوم المواطنة وتوفير كل مستلزماته الذاتية والموضوعية..

فالعلاقة جد وطيدة بين مفهومي المواطنة والدولة المدنية، إذ كل مفهوم يستند على الآخر لاستمراره وتجذره في المحيط الاجتماعي. وهذا بطبيعة الحال يتطلب " تسريع الاتجاه نحو الديمقراطية الحقيقية والتعددية الفعلية والتنمية الشاملة في الدولة وبالدولة إن أمكن، جنبا إلى جنب، محو الأميات المتكثرة، وتحرير الأبنية الثقافية السائدة من عقد الأتباع والتقليد، وتثو ير الوعي الاجتماعي. بما يؤكد معاني الحراك والمغايرة وحق الاختلاف، وتدعيم أسس المجتمع المدني بما يؤكد مفهوم المواطنة بكل لوازمه الحديثة وشروطه الإنسانية التي لا تفـــارق حـــرية الـــرأي والاجتهاد وحــق الخطأ في الوقت نفسه " (1). وبالتالي هناك منظومة متكاملة من القيم والمبادئ ، التي تكرس مفهوم المواطنة في الواقع الاجتماعي. ومن هذه المنظومة الديمقراطية والحوار والتسامح وحقوق الإنسان وحرية التعبير والانتماء. فكلها قيم ضرورية لإرساء مضامين المواطنة.. أي أن توفر هذه القيم، هو الذي يؤدي إلى إنجاز مفهوم المواطنة. وبمقدار غياب هــذه القيم أو بعضها، بذات المقدار يتم انتهاك مفهوم المواطنة..

وهذا يدفعنا إلى القول : أن المواطنة لا تنجز إلا في ظل نظام سياسي ديمقراطي- تعددي، يحترم حقوق الإنسان ويصون كرامته ويوفر ضرورات العيش الكريم.

وعليه فإن الاستقرار السياسي والمجتمعي في منطقة الخليج العربي  بحاجة إلى توفر العناصر التالية:

 1-المواطنة التي تمارس دورها في الشأن العام بدون خوف أو تردد.

 2-مؤسسات المجتمع المدني، التي تأخذ على عاتقها استيعاب طاقات المجتمع وتبلور كفاءاته وقدراته، وتساهم في معالجة المشكلات التي يمر بها المجتمع.

 3-الدولة المدنية التي تجسد إرادة المواطنين جميعا، ولا تميز بين المواطنين لدواعي ومبررات ليست قانونية وإنسانية. فهي دولة جامعة وحاضنة لكل المواطنين وتدافع عنهم، وتعمل على توفير ضرورات معيشتهم وحياتهم.

فالأوضاع الخليجية ، بدون هذه العناصر، تعيش القهقرى والمزيد من التراجع والانهيار على الصعد كافة.

لذلك فإن الجهود في منطقة الخليج  اليوم، ينبغي أن تتجه إلى توفير كل مستلزمات تجسيد هذه القيم والوقائع في الفضاء السياسي والاجتماعي والثقافي ..

ولعلنا لا نبالغ حين القول: أن غياب مبدأ المواطنة ومؤسسات المجتمع المدني والدولة المدنية عن واقعنا في الخليج، ينذر بتطورات كارثية على المستويات كافة. ولا خيار أمام النخب السياسية السائدة، إذا أرادت الاستقرار لأوطانها، إلا الانخراط في مشروع الإصلاحات السياسية والوطنية، المتجهة صوب إرساء دعائم المواطنة ومؤسسات المجتمع المدني والدولة المدنية الملتحمة في خياراتها الاستراتيجية مع خيارات مجتمعها، والساعية نحو إزالة كل رواسب الدولة التسلطية من واقعها ومؤسساتها وهياكلها المختلفة. وحده الإصلاح السياسي الحقيقي، هو الذي يوقف الكوارث القادمة وعلى الصعد كافة..

ويبدو من مختلف الوقائع والمعطيات والتطورات التي تشهدها منطقة الخليج العربي هذه الأيام ، أنها جميعا وبدون استثناء ، بحاجة إلى الانخراط الجاد في مشروع الإصلاح السياسي .. وإن تلكأ الحكومات الخليجية عن مشروعات الإصلاح السياسي أو تراجع البعض عنها ، سيدفع المنطقة بأسرها إلى المزيد من التوتر والاحتقان ..

فالمجتمعات الخليجية تستحق أوضاعا سياسية أكثر تقدما وحرية وعدالة مما هو قائم ..

وإن ممانعة هذه الدول من الانخراط في مشروع الإصلاح السياسي مهما كانت مبرراته ومسوغاته ، سيفضي إلى المزيد من الأزمات على كل الصعد والمستويات ..

ولعل الذي يؤكد ضرورة الإصلاح السياسي بوصفه الخيار الأمثل والأقل كلفة للجميع ، هو هذه المفارقة الصارخة التي تعيشها المنطقة حيث حكومات مترهلة وتصل إلى حد العجز في مواجهة التحديات الكبرى التي تواجه المنطقة ، ومجتمعات خليجية حيوية وحية وتعيش حراكا متصاعدا على أكثر من مستوى ..

وإن معالجة هذه المفارقة لا يمكن أن يتم إلا بإصلاح سياسي حقيقي تشهده بلدان الخليج العربي.. وحتى لا نقع في الأحكام المجردة ، فإننا نعترف أن دول الخليج العربي ، أقدمت على بعض الخطوات الإصلاحية ، التي لا يمكن نكرانها ، إلا أنها لاعتبارات عديدة ، ليست بمستوى النخب السياسية والاجتماعية الخليجية وذلك للأسباب التالية :

1-     تراجع بعض هذه الدول عن بعض إصلاحاتها ودخولها في نفق استخدام العنف والعودة إلى الخيار الأمني ، وما يستتبعه  هذا الخيار من متواليات تضر بالاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي ..

2-إن الخطوات التي أطلقتها هذه الحكومات وعدت خطوات إصلاحية ، لم تصل إلى مستوى أن تشكل بنية مؤسسية ومشروع وطني متكامل للإصلاح السياسي والدستوري وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية ..

3-وجود مراكز قوى عديدة في دول الخليج العربي ، لا زالت رافضة لخيار الإصلاح وتعمل على إجهاضه وتخريب أسسه وتجويف بعض الخطوات الإصلاحية من الداخل..

 4-غياب أية محاولة حقيقية في كل الخطوات الإصلاحية المعلن عنها عن مأسسة وتطوير النظم السياسية الخليجية .. فلا زالت بنية الحكومات على حالها وكأن كل خطوات الإصلاح هي للتجميل وتحسين الصورة ، وليس لإحداث تحول سياسي ومؤسسي حقيقي في شؤون وكيفية إدارة الدولة والمجتمع في الخليج ..

5-     إن أغلب الدول الخليجية ولاعتبارات متعلقة بطبيعة الخيارات والعلاقة بين قوى المجتمع المختلفة ، لا زالت تغذي تنمية الفوارق والتناقضات الأفقية والعمودية في المجتمعات الخليجية .. فبنية هذه الدول وخياراتها السياسية ، لا زالت تراهن لاستمرار قوتها ، على استمرار حالة التشظي الداخلي بعناوين طائفية وقبلية ومناطقية ، دون أن تخطو خطوات جديدة في صياغة مشروع وطني جامع ومستوعب لكل التنوعات والتعدديات الموجودة في المجتمعات الخليجية ..

حقوق الإنسان والتنمية:

حيث وجد الإنسان ، وجدت التنمية,وحيث غاب الإنسان تغيب بالضرورة التنمية.وذلك لأن التنمية بوصفها مشروعات وآليات وتوجيهات هي من خصائص الإنسان وحدة.. أي أن الأنساق التي تتجه إلى تعظيم الإمكانيات أو تنمية القدرات, لا يقوم بها إلا الإنسان..

وعلية فإن المشروعات السياسية التي تمتهن الإنسان و كرامته, أو تنتقص عبر إجراء اتها المتعددة من إنسانيته, لا تستطيع من الناحية الواقعية,مهما رفعت من يافطات وشعارات من تحقيق التنمية. وتكثير الكلام والخطب حول التنمية ومشروعاتها وآفاقها, لا يخلق تنمية.

كما أن المشروع السياسي الذي يسقط من حساباته إنسانية الإنسان, أو لا يعمل على تعزيز حقوق الإنسان, فإن هذا المشروع مهما أوتي من إمكانات وقدرات, فإنه
 لن يستطيع من بناء تنمية مستديمة ومتوازنة… فالتنمية لا يحققها إلا الإنسان, وحينما يغيب هذا الإنسان, فإن الشعارات بوحدها لا تنجز تنمية, والادعاءات لاتبني واقعا جديدا.. فالشرط الشارط لإنجاز مفهوم التنمية في المجتمعات الإنسانية, هو وجود الإنسان, الذي يشعر بعمق بحريته وحقوقه ويمارس إنسانيته, هو الإنسان القادر على تنمية القدرات وتعظيم الطاقات والإمكانيات..

وحينما يغيب هذا الإنسان, تغيب الإمكانية الفعلية للتنمية المستدامة.

ولعل هذا ما يفسر لنا إخفاق الكثير من مشروعات التنمية في بلداننا العربية والإسلامية.. فهذه البلدان تمتلك كل المواد الخام والثروات الطبيعية التي تمكنها من تحقيق تنمية عظيمة على الصعد المختلفة ولكن وبفعل غياب الإنسان وحقوقه وحريته, فإن هذه المواد والثروات, تضيع في أغلبها سدى,ولا يمكن الاستفادة القصوى من هذه الخيرات والبركات .وحين التأمل العميق في هذه المفارقة ، حيث الإمكانات الهائلة ويقابلها غياب التنمية المستدامة, نجد إن غياب الإنسان بحريته وحقوقه، هو المسئول الأول عن غياب التنمية الحقيقية في هذه البلدان. فالإمكانيات الطبيعية و المادية بوحدها لا تخلق تنمية, وعمليات استيراد كل سلع الحضارة والاستهلاك, لا تنتج تنمية بل كلها مظاهر تؤكد غياب التنمية المستدامة في هذا البلد أو ذاك..فحجر الزاوية في مشروعات التنمية هو الإنسان بحقوقه وحرياته، فهو القادر على تحويل المواد الخام إلى مشروعات تنموية عملاقة, كما إنه هو القادر على تذليل كل الصعاب التي تحول دون انطلاق مشروعات التنمية الشاملة.

وعليه فإن تغييب حريات الإنسان وحقوقه من الفضائين السياسي والاجتماعي , لا يخلق تنمية مستدامة, حتى لو توفرت كل المواد الخام والإمكانيات المادية . وذلك وببساطة شديدة, لكون الإنسان هو الذي يدير هذه المواد والإمكانيات, ويحولها إلى مشروعات وحقائق تنموية. وحينما يكون هذا الإنسان مكبل وتزداد عليه القيود من كل حدب وصوب, فإن إمكانياته الإبداعية وقدراته الإدارية ستتراجع. فالإنسان في منطقة الخليج العربي  , ليس أقل عقلا من الإنسان في المجتمعات المتقدمة ،ولكن ما يميز الإنسان في المجتمعات المتقدمة عن الإنسان في المجتمعات الخليجية,هو أن الإنسان في تلك المجتمعات يشعر بعمق بحريته وله كامل الحق بممارسه كل حقوقه الخاصة والعامة,لذلك هو ينطلق ويبدع في مجالات البناء والتنمية. أما الإنسان في المجتمعات الخليجية, فإنه يشعر بالقيود المتعددة, ولا يمارس إنسانيته وحريته على أكمل وجه, لذلك هو مشغول بمحنه الذاتية, ومن ينشغل بأوضاعه الخاصة, وتضغط عليه سلبا لن يتمكن من الإبداع والتميز في عمله العام..

لذلك فإن الخطوة الأولى للإنطاق في مشروعات تنموية حقيقية في بلدان الخليج العربي  , هي إعادة الاعتبار للإنسان وجودا وفكرا وحقوقا, وتعزيز كل هذه العناصر في إطار مؤسسي, يشعر فيه كل إنسان بالاعتزاز والقدرة على التعبير عن آراءه وأفكاره وإبداعاته.

هذه هي الخطوة الأولى التي تعيد صياغة العلاقة بين الإنسان ومشروعات التنمية…فالتنمية لا تستورد ولا تستنسخ, وإنما هي بحاجة إلى الإنسان الذي يحمل همها وعبئها في آن. بحاجة إلى الإنسان الذي يحول الخطط إلى حقائق.

بحاجة إلى الإنسان الذي يخلق واقعا اجتماعيا, دافعا نحو البناء والعمران,ومحاربا لكل أشكال الكسل والترهل والجمود..

فإذا أحسنا صياغة العلاقة بين إنسان هذه المنطقة والتنمية وحاجاتها ومتطلباتها المتعددة, حين ذاك ننطلق في رحاب البناء المفتوح على كل المبادرات والطاقات, والقادر على دمج كل القدرات في سياق مشروع تنموي متكامل..

وعليه فإن إدراك تحولات العالم وتطوراته, لا يكفي للانخراط الفعال في شؤون العصر وقضاياه الملحة.. وإنما من الضروري أن يرافق هذا الإدراك والاستيعاب, تجديد رؤيتنا وفهمنا لذواتنا وإنسان هذه المنطقة.

لأن تجديد رؤيتنا لهذه العناصر, والالتزام بمقتضيات هذا التجديد, هو سبيلنا لتجاوز حالة الشعور بالعجز وانعدام القدرة أمام التحولات الهائلة التي تجري في العالم على مختلف الصعد والمستويات…

لذلك فنحن مع كل خطوة ومبادرة, تعزز موقع الإنسان في مشروعات البناء والتنمية، وندرك بعمق أنه لا تنمية مستدامة, بدون إنسان مكتمل الإنسانية والحقوق….

فالتنمية بوصفها مشروعات اقتصادية عملاقة ، وبنية خدمية متكاملة ، وخطط اجتماعية متواصلة ، لا يمكن أن تنجز على الصعيد الواقعي ، بعيدا عن العامل البشري ـ الإنساني . لأن هذا العامل هو الذي سيترجم وينفذ كل هذه المشروعات والخطط ، وغياب حقوق الإنسان الأساسية ، سيحوله إلى منفذ سيء لهذه المشروعات والخطط ، أو في أحسن الفروض سيحوله إلى عنصر فساد وإفساد ، يعمل لمصلحة الشخصية ، وسيوظف موقعه في هذه المشروعات للإثراء اللامشروع .. لهذا فإننا نجد وفي الكثير من دول الخليج العربي  ، أن الكلفة الحقيقية للمشروع لا تتجاوز (10) ملايين إلا أن الميزانية المصروفة على هذا المشروع هي أكثر بكثير من رقم (10) ملايين .. فهذه الزيادة هي عمولات ورشوات ومحسوبيات وسرقات .. والأنكى من ذلك أن المشروع لا ينفذ وفق المواصفات المطلوبة .. فالذي يسرق المال العام ، لن يجتهد في توفير أسباب النجاح الحقيقية للمشروع الذي يقوم به . وعليه فإن إصلاح وضع الإنسان ، وتوفير ضرورات عيشه الكريم وصيانة حقوقه الأساسية ، كلها من الضرورات القصوى لعملية النجاح والتميز في مشروعات البناء والتنمية . فالتنمية قبل أن تكون تنمية للجدران والشوارع والخدمات ، هي تنمية إلى الإنسان في وعيه وحريته وحقوقه .. وأي تراجع على هذا الصعيد ، سينعكس سلبا على الجانب المادي للتنمية .. والمجتمعات التي بحثت عن الجوانب المادية للتنمية دون الالتزام بحقوق الإنسان وكرامته ، لم تجن إلا المزيد من العذابات والكوارث الاجتماعية والإنسانية .. فالمباني شاهقة والشوارع واسعة والخدمات في جلها متوفرة ، إلا أن الإنسان بإنسانيته ووعيه وحقوقه غائب أو مغيب .. ولعل أحد أسباب ذلك هو التعامل مع مفهوم التنمية تعاملا ايدولوجيا مغلقا ، لا عمل لنا إلا استنساخ هذه التجربة ، متغافلين عن تمايز الأوضاع والظروف والخصوصيات .. " ويعتبر الاقتصاد مميز مركزي في التجربة الحضارية الغربية ، فهو عصب حياة الإنسان التي تحددت في شبكة علائقية ثلاثية الأضلاع : علاقة الإنسان بذاته وعلاقته بـ "الآخر " وعلاقته بالطبيعة . أما علاقة الإنسان بذاته ، فالاقتصاد الغربي ينظر إليها من زاوية كون الإنسان كائن غرائزي ، وأن بقاءه متوقف على إشباع حاجاته الغريزية . وبما أن تلبية هذه الحاجات غير مضمونة لشراهته من جهة ، وشح الطبيعة من جهة ثانية ، وجب عليه أن يستنفر كل قواه ويطور قدراته حتى يشبع حاجاته بشكل مستمر ، وهذا ما جعل الإنسان يتحول إلى قوة عمل استثنائية ، يستمد منها هوية ذاته ، حيث تحدد بوصفه " كائنا عاملا ". إنه            بعمله يطوع الطبيعة لينخرط في مسلسل الإنتاج ، كما أن قوة العمل هذه جعلت منه كائنا " اقتصادا نيا " ، ومن ثم فهو أحد إثنين : إما منتج أو مستهلك ، لا تحركه إلا نوازعه النفعية ، وبهذا المعنى يصبح الإنسان وسيلة للتنمية وليس غاية لها . أما علاقة الإنسان بالإنسان "الآخر" فمحكومة بالعلاقة الأولى ، أي علاقة الإنسان بذاته . فكل ذات بحاجاتها اللامحدودة ، تجد نفسها مقيدة في طموحها من أجل الإشباع ، ومحصورة بطموحات الذات الأخرى . وبما أن الإشباع غير محدود ، وتلبية الحاجات غير مضمونة ،فإن التصارع والتنافس والنفعية بين هذه الذوات هو اللغة السائدة والناظمة لتلك العلاقة . ألم يكن توماس هو بز سباقا إلى التنظير لهذه اللغة عندما نعتها بـ " حرب الجميع ضد الجميع " ، واعتبر " الإنسان ذئبا للإنسان الآخر " . أما بخصوص علاقة الإنسان بالطبيعة ، فهي تنحدر بدورها من التصور الأول لعلاقة الإنسان بذاته . فالطبيعة التي ينظر إليها كمقابل للإنسان تمتلك مصادر إشباع حاجاته ، ولكنها ممتنعة ومستعصية . ومن ثم ، فالحصول على ما يلبي رغباته لن يكون تكرما من الطبيعة ، بل انتزاعا بالقوة ، كيف لا ومصدر بقائه رهين بيد الطبيعة ؟ لذلك يكد الإنسان من أجل أن ينتصر على الطبيعة ، وذلك بإخضاعها والتحكم فيها . وتلك هي طبيعة العلاقة في منظورها الليبرالي ، ألم يشترط ديكارت ضرورة أن يصبح الإنسان " سيدا ومالكا للطبيعة " لتحقيق إنسانيته"(2) فالتنمية ليست لهاثا متواصلا للمنفعة بكل أشكالها ، بعيدا عن القيم والضوابط .. كما أنها ليست دحرا لخصوصيات المجتمع أو تجاوزا لحقوق الإنسان الأساسية ..فالتنمية في المجتمعات الإنسانية ، بحاجة إلى توافر جملة من العوامل والشروط . وعلى رأس هذه العوامل والشروط ، هي الشروط الثقافية والسياسية .. فالتنمية كمنجز إنساني ، لا تتحقق على أنقاض ثقافة المجتمع أو على امتهان كرامة الإنسان فيه .. ومن يبحث عن التنمية على هذا الأساس ، فإنه سيزيد من محن المجتمع وسيفاقم من امتهان حقوق الإنسان وكرامته ، دون أن يصل إلى مطامحه في التقدم والتنمية . فالتنمية بتجلياتها المتعددة ، هي حصيلة عقل ووعي وإرادة الإنسان .. وأي خلل في هذه العناصر ( العقل ـ الوعي ـ الإرادة ) .. سينعكس سلبا على مجمل العملية التنموية ..فكلما تقدم الإنسان في وعيه وإرادته وحقوقه ، توفرت أسباب النجاح لمشروعات التنمية . أما إذا قمع الإنسان ، وقيدت حريته ، وامتهنت كرامته ، وانتهكت حقوقه ، فإنه لن يكون قادرا على إنجاز مشروعات البناء والتنمية .. فالتنمية الحقيقية هي التي تبدأ من تنمية الإنسان عقلا ووعيا وحقوقا وإرادة ، وكل جهد يبذل في هذا السياق ، هو من صميم الجهود والأنشطة التنموية . ونحن هنا نفرق بين عمليات النمو وعملية التنمية . فالمجتمعات المتأخرة أو المتخلفة سياسيا وعلى صعيد حقوق الإنسان ، لا تعيش تنمية حقيقية بل نموا كميا ، لا يصمد كثيرا أمام تداعيات ومتواليات غياب الحرية وحقوق الإنسان .. فالمجتمع الذي لا حرية سياسية لديه ، وتنتهك حقوق الإنسان فيه ، لا يخرج عن نطاق الحياة الطبيعية . لذلك تتوفر فيه الكثير من مظاهر النمو وسلع الحضارة الحديثة ، ولكن هذه المظاهر والسلع ، لا تستند إلى عمق مجتمعي وسياسي . فهي أقرب إلى القشور التي لا مضمون لها .. أما المجتمعات التي تصون حقوق إنسانها ، وتوفر له سبل ممارسة حريته السياسية والعامة ، فإنه حتى ولو كانت مظاهر النمو متواضعة أو محدودة لديه ، فإنه إذا أحسن التخطيط واستخدام موارده وإمكاناته بصورة إيجابية ، فإنه قادر على إنجاز تنميته المستقلة . لأن المجتمع يعيش الحياة الحقيقية ، ويشعر بذاته ويثق بقدراتها وإمكاناتها ، ويمتلك القدرة الفعلية للدفاع عن ذاته وخياراتها السياسية والثقافية والاقتصادية . فقوة الأمم والمجتمعات الحقيقية بمواردها الإنسانية قبل مواردها الطبيعية والاقتصادية ، لذلك من الضروري أن تتوجه الجهود والإمكانات لتطوير هذه الموارد وتوفير المناخ الملائم لمشاركتها في شؤون المجتمع والأمة . فالثروة المادية بوحدها ، لا تخلق تنمية ، وإذا لم تسند بتنمية بشرية مستديمة ، قد تتحول هذه الثروة من نعمة إلى نقمة ، ومن رافعة لعمليات البناء والتقدم ، إلى سبب لتكالب الأعداء وتصارع الفرقاء ..إن تنمية الإنسان على المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية ، هو أحد الشروط الأساسية للاستفادة من خيرات الأرض وثرواتها . وبدونها لن نستفيد إلا من فتاتها ، وستأتي الأمم المتقدمة تحت عناوين ويافطات متنوعة ،لأخذ هذه الثروات و نهبها. " و إن الأنيما المعاصرة التي يعاني منها النمو يجب أن لا تحجب عنا الفوضى المتزايدة في المجتمع الذي لغمه الرأسمال الليبرالي ، فهذا الأخير عاجز عن أن يعطي للحياة في المجتمع معنى غير معنى النزوع نحو الإسراف والتبذير واحتكار الموارد الطبيعية، والعائدات الناتجة عن النشاط الاقتصادي ، وفي نهاية الأمر التفاوت وعدم المساواة . إن مخدر النمو هو الأفيون الجديد للشعوب التي تحطمت معاييرها الثقافية وتضامنها الجماعي بهدف إغراقها في هاوية التسليع السحيقة "(3) . فبدون التحام التنموي بالإنساني ، ستبقى الكثير من الخطوات والمشروعات فوقية ، وبعيدة عن النسيج الاجتماعي والثقافي ، مما يجعل تأثيرها محدودا وضيقا .. " وتشكل أزمة هذه النظم جزءا لا يتجزأ من أزمنة النظم المجتمعية العربية التي تكونت بعد الاستقلال ، والتي لا تزال مفتوحة منذ عقود نتيجة إخفاقها عموما في مشاريع تحديثها المختلفة ، الاشتراكية منها والليبرالية ، التي طبقت في العقود الخمسة الماضية . وتتجلى هذه الأزمنة في توقف عملية التنمية أو تراجع معدلاتها بشكل ملحوظ خلال العقدين الماضيين وإفلاس السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والتقنية جميعا والتهميش المتزايد للعالم العربي في الساحة العالمية . بل ليس هناك أي شك في أن أزمة النظم السياسية الأتوقراطية الفردية التي رعت هذا التحديث ، في شقيها الأبوي العشائري والبيروقراطي الحزبي معا ، هي الوجه الأبرز لهذه الأزمة . وهذا ما يؤكده تدهور شريعة النظم وانهيار الثقة العامة بقدرتها على مواجهة التحديات والمشاكل المطروحة على المجتمعات ، وتفاقم الشعور عند السكان بالفراغ السياسي وبالافتقار للقيادة السياسية الحكيمة والقلق على المستقبل وتصاعد التوترات وتفجر النزاعات والحروب الداخلية والإقليمية ونمو تيارات العنف المنفلت في داخل البلاد العربية وخارجها معا . وفي موازاة ذلك تثير مضاعفات هذه الأزمة المتفجرة وإسقاطاتها المحتملة على المصالح الدولية مخاوف الدول الصناعية وتدفعها إلى مضاعفة الضغوط على النظم والتدخل المتزايد في شؤون المنطقة بهدف دفعها نحو التغيير الذي يتفق مع مصالحها أو يحفظها وإحداث تبديل جذري في سلوك الأنظمة المحلية وخياراتها الاستراتيجية "(4). من هنا نستطيع القول ، أن هناك علاقة عميقة بين ظاهرة الاستئثار والاستبداد السياسي وتصحير الحياة السياسية والمدنية وظاهرة الفساد بكل مستوياتها وأشكالها .. فالمجتمع الذي تضمحل فيه الحياة العامة ، وتحتكر فيه القرارات المصيرية السياسية والاقتصادية من فبل فئة محدودة ، تنتشر فيه حالات الفساد السياسي والمالي . وذلك لأن الاستئثار و الاحتكار ، يخلق فئات اجتماعية وسياسية واقتصادية طفيلية ، لا تعيش إلا على الالتواء والفساد . وتتخذ من تداعيات الاستئثار والاستبداد غطاءا لتمرير انحرافها وفسادها وسرقتها للمال العام وخيرات الأمة والمجتمع. "فالسياسات التي تتبعها سلطات الاستبداد هي دائما سياسيات فئوية تقود حتما ، كما تدل على ذلك الوقائع ، إلى التخلف في المجالات كلها ، لاسيما في مجال تطوير الاقتصاد ، وفي المجال الاجتماعي ،وفي مجال الخدمات العامة ، وفي مجال التعليم ، وفي كل ما يتصل برفع مستوى المعارف وتحويلها في ميادينها كافة إلى قوة مادية لصنع التقدم والعدالة في توزيع الثروة وفي أبواب إنفاقها . وفي ظل هكذا سياسة تتسع رقعة الفقر ويزداد عدد الفقراء ، وتتلاشى الفئات الوسطى ، إذ تنحدر أقسام واسعة منها إلى مواقع الفقراء ، وينحسر عدد المالكين للثروة ، وهم بمعظمهم من حاشية السلطان ، وذلك بالفساد والاستغلال وبالجريمة المنظمة وبكل أنواع الموبقات ، وما أكثرها "(5) . فحقوق الإنسان كقيم وإجراءات ، هي من ضرورات التنمية الشاملة . ومن يبحث عن التنمية فعليه أن يوفر شروطها الثقافية والسياسية . وعلى رأس هذه الشروط هو صيانة حقوق الإنسان . ولا بد من إدراك "طبيعة الترابط العضوي بين حرية الوطن وحرية المواطن ؛ فالأوطان القادرة على مواجهة تحديات الخارج ، مهما عظمت ، هي الأوطان التي تستند إلى مواطن حر يتمتع بحقوقه وكرامته "(6) .

وخلاصة القول : أن التنمية الشاملة في مجتمعاتنا ، بحاجة إلى تنمية وصيانة حقوق الإنسان فيها . فهي أحد المداخل الأساسية لإنجاز تنمية مستديمة وشاملة ، دون التضحية بحريات الناس وحقوقهم الأساسية .

حقوق الإنسان ومفارقات الواقع:

ثمة ضرورة قصوى في فضائنا الخليجي لتجسير الفجوة بين المثال والواقع على صعيد مفاهيم وقوانين حقوق الإنسان . وذلك لأن صيانة وحفظ حقوق الإنسان هو أحد السبل الأساسية لتعميق خيار الاستقرار والسلم الاجتماعي .ولعلنا لا نجانب الصواب حين القول : أن مهمة كل الأطر الحقوقية الوطنية هي ترقية الواقع وتنميته للالتحام بالمثال والمبادئ العليا والأساسية لحقوق الإنسان .

ولعل من المفارقات الصارخة في واقعنا الخليجي  المعاصر، هي تلك المفارقة المرتبطة بحقوق الإنسان في فضائنا الثقافي والسياسي والاجتماعي. حيث إننا نمتلك من جهةٍ تراثاً ونصوصاً دينية هائلة، تحث على احترام الإنسان وصيانة حقوقه وكرامته، والتعامل معه وفق رؤية أخلاقية نبيلة. وبين واقع لا يتوانى في انتهاك حقوق الإنسان وتدمير كرامته وهتك خصوصياته. فنحن في منطقة الخليج نعيش هذه المفارقة بكل مستوياتها وتأثيراتها. فنصوصنا الدينية تحثنا على الالتزام بحقوق الإنسان وصيانة كرامته وتلبية حاجاته. ولكن في المقابل هناك الحياة الواقعية المليئة على مختلف المستويات بأشكال تجاوز وانتهاك حقوق الإنسان. ولا يمكن ردم هذه الفجوة وتوحيد الواقع مع المثال على هذا الصعيد إلا بتطوير خطابنا الديني وإبراز مضمونه الإنساني والحضاري. وذلك لأن هذا الخطاب في أحد أطواره ومستوياته كان يمارس التبرير والتسويغ لتلك المفارقة الحضارية التي يعيشها واقعنا في منطقة الخليج. وإن تجاوز هذه المفارقة، يتطلب العمل على بلورة خطاب حقوقي إسلامي، يرفض كل أشكال التجاوز والانتهاك لحقوق الإنسان الخاصة والعامة، ويبلور ثقافة اجتماعية عامة، تُعلي من شأن الإنسان وتحث الناس بكل فئاتهم وشرائحهم على احترام آدمية الإنسان وصيانة كرامته والحفاظ على مقدساته. وإن صيانة حقوق الإنسان في الفضاء الاجتماعي، بحاجة إلى نظام الحرية والديمقراطية. لأنه لا يمكن أن تصان حقوق الإنسان بعيداً عن الحريات السياسية والديمقراطية. وإن ضمان الحقوق الأساسية للإنسان، بحاجة إلى نظام، ينظم العلاقات، ويضبطها بعيداً عن الإفراط والتفريط. فلا حقوق للفرد والمجتمع، بدون مرجعية عُليا ينتظم تحت لوائها ومظلتها الجميع. فلا يمكن أن تصان الحقوق، حينما تنتشر الفوضى، ويغيب النظام وذلك لأن كل متواليات هذا الغياب تنعكس سلباً على واقع حقوق الإنسان في المجتمع. لذلك نجد أن المجتمع الذي يعاني من حروب داخلية أو أهلية، لا يتمكن من صيانة حقوق الإنسان فيه. وذلك لأن مفاعيل غياب النظام تحول دون احترام الإنسان وصيانة حقوقه. ولعل في مقولة الإمام علي بن أبي طالب التالية إشارة إلى هذه المسألة: ( لا بد للناس من أمير بَرٍّ أو فاجر يعمل في أمرته المؤمنون، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتؤمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بَرٌّ أو يستراح به من فاجر).
والدعوة إلى النظام لضمان الحقوق، لا تشرع بطبيعة الحال إلى الاستبداد والحكم المطلق. لأن هذا بدوره أيضاً يمتهن الكرامات ويدمر نظام الحقوق في المجتمع. من هنا نصل إلى حقيقة أساسية وهي: أن النظام الذي يكفل الحريات للمجتمع، هو النظام القادر على صيانة حقوق الإنسان. ولا يمكن أن نصل إلى هذه الحقيقة، إلا بحيوية وفعالية اجتماعية تنتظم في أطر ومؤسسات وتعمل وتكافح لخلق الحقائق في واقعها، وتفرض ظرفاً جديداً، بحيث تكون صيانة حقوق الإنسان من الحقائق الثابتة في الفضاء الاجتماعي.
إننا دون تغيير واقعنا الاجتماعي، لن نتمكن من خلق نظام سياسي يصون الحريات والحقوق.
من هنا تنبع أهمية العمل الاجتماعي والثقافي المتواصل، باتجاه تنقية واقعنا الاجتماعي من كل رواسب التخلف والانحطاط، ومقاومة كل الكوابح التي تحول دون التنمية والبناء الحضاري. إن حيويتنا الاجتماعية وفعلنا الثقافي المتميز والنوعي من الروافد الأساسية لبلورة قيم حقوق الإنسان في فضائنا الاجتماعي والثقافي. فلا يكفينا أن تكون النصوص الدينية حاضنة لحقوق الإنسان ومشرعة لها , وإنما لا بد من العمل والكفاح لسن القوانين واتخاذ الإجراءات وخلق الوقائع المفضية جميعاً إلى صيانة حقوق الإنسان. وعليه فإننا نشعر بأهمية أن يتجه الخطاب الديني إلى مسألة حقوق الإنسان، ليس بوصفها مسألة تكتيكية أو مرحلية، وإنما بوصفها جزءاً أصيلاً من التوجيهات الإسلامية والمنظومة الدينية. لذلك ينبغي أن يتجه هذا الخطاب إلى الإعلاء من شأن هذه المسألة، وتنقية مفرداته ووقائعه من كل الشوائب التي لا تنسجم والحقوق الأساسية للإنسان.
فالإنسان بصرف النظر عن منبته الأيديولوجي أو انتمائه المذهبي أو القومي أو العرقي، يجب أن تحترم آدميته وتصان حقوقه. وأي فهم لأية قيمه من قيم الدين، لا تنسجم وهذه الرؤية، هو فهم مشوب وملتبس، ولا يتناغم والقيم العليا للدين.
فالإسلام بكل قيمه ومبادئه ونظمه وتشريعاته، هو حرب ضد كل العناوين والعناصر التي تنتقص من قيمة الإنسان أو تنتهك حقوقه.
فهي قيم من أجل الإنسان وفي سبيله، ولا يمكن بأية حال من الأحوال أن يشرع الإسلام لأي فعل أو سلوك يفضي إلى انتهاك حقوق الإنسان.
لذلك كله نستطيع القول: إن الانتهاكات المتوفرة في منطقة الخليج العربي  لحقوق الإنسان، هي وليدة الأنظمة الاستبدادية والشمولية التي تمارس كل أنواع الظلم والعسف والقهر لبقاء سلطانها الاستبدادي، والإسلام بريء من هذه الانتهاكات. وإن المحاولات التي يبذلها علماء السلطان لسبغ الشرعية على تجاوزات السلطة الاستبدادية، لا تنطلي على الواعين من أبناء الأمة، ولا تحسب بأي شكل من الأشكال على الإسلام مبادئاً وقيماً ومثلاً عليا.
والإصلاح الديني المنشود، هو الذي يتجه إلى العناصر التالية:
1- تحرير المجال الاجتماعي والثقافي والسياسي من كل أشكال الهيمنة وانتهاك الحقوق وتجاوز ثوابت الدين القائمة على العدل والحرية والمساواة.
2ـ تنقية الثقافة الدينية السائدة، من كل رواسب التخلف السياسي والانحطاط الثقافي والأخلاقي. فلا يمكن أن تكون ثقافة دينية أصيلة، تلك الثقافة التي تبرر الظلم أو تسوغ التعذيب أو تشرع للعسف وانتهاك الحقوق والحريات العامة للإنسان.
3ـ بناء المجال السياسي والثقافي في الأمة، على أسس العدل والحرية والمساواة وصيانة حقوق الإنسان. فالمهم أولاً ودائماً أن يكون واقعنا بكل مستوياته منسجماً ومقتضيات الإسلام ومثله العليا.
4ـ تحرير العلاقات وأنماط التواصل بين مختلف المكونات والتعبيرات، من كل أشكال التمييز والتهميش والإقصاء بدعاوى ومسوغات دينية أو فكرية أو سياسية. وبناء العلاقة بين هذه التعبيرات على أساس الجوامع المشتركة ومقتضيات الشراكة والمسؤولية المتبادلة.
وهذا يتطلب تطوير علاقتنا المنهجية والمعرفية بالنصوص الإسلامية، وتجسير الفجوة بين مؤسساتنا ومعاهدنا العلمية ومصادر المعرفة الإسلامية الأساسية. وذلك من أجل إنتاج ثقافة إسلامية أصيلة ومنفتحة ومتفاعلة مع مكاسب العصر والحضارة.

وهذا بطبيعة الحال ، ليس سهل المنال ، وإنما هو بحاجة إلى جهود فكرية ومؤسسية متواصلة ، لتنقية المجال السياسي والثقافي والاجتماعي من كل مظاهر الأنانية والآحادية والاستبداد .

وإن مشروع النهضة الوطنية على الصعد كافة اليوم ، بحاجة إلى وعي وثقافة دينية جديدة ، تتصالح مع الحرية وحقوق الإنسان ، وتنبذ العسف والظلم بكل مستوياته ودوائره ، وتتفاعل على نحو إيجابي مع التنوع والتعددية ، وتقطع نفسيا ومعرفيا مع الرؤية الآحادية التي لا ترى إلى قناعاتها وتتعامل معها بوصفها الحقائق المطلقة .

والفكر الديني المعاصر ينبغي أن لا يكون منعزلا أو بعيدا عن قضايا الحرية وحقوق الإنسان ونقد الاستبداد بكل صنوفه وأشكاله .

فالإسلام لا يشرع للظلم والاستبداد ، بل يدعو المسلمين إلى رفض الظلم ومقاومة الاستبداد ونشدان المساواة والعدل في كل الأحوال والظروف .

ولعلنا لا نبالغ حين القول : إن التحدي الأكبر الذي يواجه بلدان الخليج اليوم ، هو في قدرة هذه الدول والبلدان على تجسير الفجوة بين الواقع والمثال فيما يرتبط بحقوق الإنسان . لأن الكثير من الأزمات والمآزق التي تواجه هذه البلدان ، هي من جراء تراجع مستوى حقوق الإنسان في هذه الدول . ولا ريب أن هذا التراجع له تأثيرات سلبية عميقة على مختلف صعد ومستويات الحياة .. لهذا فإن صيانة الأمن الثقافي والاجتماعي والسياسي ، لا يمكن تحقيقه بدون صيانة حقوق الإنسان . كما أن بوابة الاستقرار الاجتماعي والسياسي في كل هذه الدول ، هي احترام حقوق الإنسان وصيانتها ومنع أي تعدي عليها .

لهذا فإننا نستطيع القول ، وبلغة لا لبس فيها ، أن شكل وطبيعة المستقبل الذي ينتظر دولنا الخليجية ، مرهون إلى حد بعيد على قدرة هذه الدول على تطوير أنظمتها وواقعها السياسي ، باتجاه المزيد من احترام وصيانة حقوق الإنسان ..

وإن المهمة الأساس الملقاة على عاتقنا جميعا ، هي العمل على تجسير الفجوة وردم الهوة ، بحيث تصبح كل حقائق ومتطلبات حقوق الإنسان شاخصة وبارزة في فضائنا الاجتماعي والثقافي .

فلا يمكن أن تتوفر في فضائنا الاجتماعي والوطني ، عناصر القوة والقدرة والحيوية ، بدون صيانة حقوق الإنسان . لهذا فإن جسر العبور إلى القوة بكل تجلياتها والحيوية بكل تمظهراتها ، هو الإصرار على صيانة حقوق الإنسان وتجسير الفجوة على هذا الصعيد بين الواقع والمثال والمأمول .

في الوعي بحقوق الإنسان:

تعددت النصوص والمواثيق الدولية والإقليمية، التي توضح حقوق الإنسان, وتتالت الإعلانات من مختلف المواقع الأيدلوجية والثقافية والسياسية, التي تبرز رؤيتها وتصورها لشرعة حقوق الإنسان. ولكن وفي مقابل هذا التعدد والتتالي, ازدادت طرق انتهاك حقوق الإنسان, وتنوعت صور تجاوز هذه الحقوق سواء من قبل الأفراد أو المؤسسات.

وأضحت مجتمعاتنا من جراء ذلك, تعيش مفارقة مذهلة هذا الصعيد . نصوص راقية ورائعة وجميلة توضح حقوق الإنسان, ووقائع وصور سياسية واجتماعية يندى لها الجبين, تنتهك فيها كل هذه المواثيق والإعلانات المنادية بصيانة حقوق الإنسان. ولجوئنا إلى جمال النصوص وروعة المواثيق, لا يغير من الواقع السيئ على هذا الصعيد.

لذلك فإن المسؤولية الكبرى التي تتوجه إلينا جميعا هي كيف نردم الهوة والفجوة بين النص والواقع, بين المواثيق والوقائع, بين الأقوال والأفعال, بين المقولات الأيدلوجية والثقافية, والممارسات السياسية والإدارية .

وبإمكاننا أن نحدد الخطوات التي تساهم في ردم الفجوة في النقاط التالية:

1- طالب بحقوقك: فلا يمكن أن تردم الفجوة, إلا بأن يتحرك أبناء المجتمع للمطالبة بحقوقهم.. فلو عمل كل إنسان على المطالبة الدائمة والملحة بحقوقه, فإن قدرة المجتمع على ردم الفجوة, ستكون أقوى وأكثر فعالية.. لذلك نجد أن المسافة تكون طويلة بين القول والفعل على مستوى حقوق الإنسان, في تلك المجتمعات التي لا تطالب بحقوقها, أو لا تسعى لتطوير آليات حفظ مكاسبها وحقوقها.

إننا نعتقد أن المجتمع الذي يطالب بحقوقه, ويلح عبر الوسائل المدنية والمشروعة للمطالبة بها, هو الذي يقبض على حقوقه, ويعيش في رحابها وبركاتها. أما المجتمع الصامت والخامل والذي لا يطالب بحقوقه, فهو سيعيش القهقرى, ولن يتمكن من القبض على حقوقه .

فالحقوق بكل مستوياتها, بحاجة إلى وعي دائم بها, ويقظة مستمرة للحفاظ عليها وتطويرها.. من هنا أهمية نشر الوعي الحقوقي بين أفراد المجتمع بكل فئاتهم وشرائحهم, حتى تتوفر لديهم إمكانية المطالبة بحقوقهم العامة, ويحافظوا على كل مكاسبهم على هذا الصعيد.

فالمجتمعات الحية والفاعلة, هي القادرة على نيل حقوقها أو الحفاظ عليها. أما المجتمعات الميتة والراكدة فإنها لن تتمكن من الحفاظ على حقوقها فضلا عن المطالبة بها وتذليل العقبات أمام امتلاكها.. فالمجتمعات التي نالت حقوقها العامة, هي تلك المجتمعات التي طالبت بحقوقها وعملت من أجلها, ونشرت الوعي الحقوقي بين أفرادها للحفاظ عليها.

فالوعي بالحقوق هو الذي يقود إلى نصرة هذه الحقوق. وبالوعي والنصرة تتطور مفاهيم وحقائق حقوق الإنسان في المجتمعات الإنسانية . وينقل التاريخ أنه قبل البعثة النبوية الشريفة بعشرين عاما دخل رجل من قبيلة زبيد مكة, وعرض بضاعته للبيع فاشتراها منه العاص بن وائل ، وحبس عنه حقه فاستعدى عليه الزبيدي بعض بطون قريش فأبوا أن يعينوه, فأوفى على جبل أبي قبيس المشرف على الكعبة, فصاح بأعلى صوته:

يا آل فهر لمظلوم بضاعته                                ببطن مكة نائي الدار والنفر

ومحرم أشعث لم يقض عمرته                     يا للرجال وبين الحجر والحجر

إن الحرام لمن تمت كرامته                                 ولا حرام لثوب العاجز القذر

فأثارت هذه الأبيات حمية رجال قريش, فقام الزبير بن عبد المطلب, وعزم على نصرته, وأيده في ذلك آخرون, فاجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان فتعاقدوا, وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم, ممن دخلها من سائر الناس, إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته. ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدي وردوها إليه .

وسميت قريش هذا الحلف بحلف الفضول, وشارك النبي الأكرم (ص) فيه وروي عنه قوله {لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان, حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم, ولو دعيت به في الإسلام لأجبت} .

فلو صمت الزبيدي لضاعت حقوقه . ولو تخلف الواعون عن نصرته لتعمم الظلم والاضطهاد.. لهذا فإن المطالبة الدائمة بالحقوق، هي طريق نيلها والقبض عليها.

والتجارب التاريخية لكل الأمم والشعوب ، تثبت لنا ، أن صيانة حقوق الإنسان ، وبناء المجال العام وفق مقتضياته ، لم يبنى أو تصل إليه المجتمعات المتقدمة ، إلا بالتأصيل والوعي والمطالبة المستديمة ، ومحاصرة كل بؤر التعدي على الحقوق ، وتحفيز الناس للدفاع عن حقوقهم وتجسيدها في المجالين الخاص والعام .

2- التربية الديمقراطية : فسيادة حقوق الإنسان في المجال العام ، ليس ادعاءا يدعى ، وإنما هي مرحلة تبلغها الأمم والمجتمعات بعملها وكفاحها وسعيها الحثيث في هذا السياق .

ولا ريب أن التربية الديمقراطية، وإشاعة ثقافة الحرية والحقوق، من الروافد الأساسية لبلوغ مرحلة سيادة قيم حقوق الإنسان في المجال العام. من هنا تنبع أهمية أن تسود هذه التربية وآلياتها كل مؤسسات وأنشطة المجتمع، وذلك حتى يتشبع أبناء المجتمع بهذه القيم، ويتدرب الجميع على أسس الحوار والتعددية وصيانة حقوق الإنسان.

والتربية الديمقراطية بحاجة إلى جهود متراكمة، حتى تفضي في المحصلة النهائية، إلى أن تصبح هذه القيمة جزءا من النسيج الاجتماعي والثقافي. وذلك لأنه على حد تعبير ( عما نوئيل كانت ) : ثمة اكتشافان إنسانيان يحق لنا اعتبارهما أصعب الاكتشافات : فن حكم الناس ، وفن تربيتهم .

فالطريق إلى التربية الديمقراطية ، ليس معبدا أو سهلا ، وإنما هو ملئ بالصعوبات والعقبات والمشاكل . وإصرار أبناء المجتمع على هذا الخيار ، وسعيهم الحثيث لتجاوز كل الصعاب ، هو السبيل لإنجاز هذا المفهوم في الفضاء الاجتماعي . وعليه فإن كل واحد فينا ، يتحمل مسؤولية مباشرة في هذا المشروع ، بحيث يثقف نفسه ثقافة ديمقراطية ، ويتعامل في كل دوائر محيطه وفق مقتضيات ثقافة الحرية والحقوق ، ويشيع أجواءهما في دوائر حركته المتعددة .

الإصلاح الديني وحقوق الإنسان:

ثمة مقتضيات وضرورات عديدة ، تدفعنا إلى القول : أن الاجتماع الوطني ، لا يمكنه الدخول النوعي في حركة العصر واستيعاب منجزاته ومكاسبه ، وتمثل القيم والمبادئ الرافعة إلى التطور والتقدم ، بدون الانخراط في مشروع الإصلاح الديني ، نتجاوز من خلاله فهمنا القشري لقيم الدين ، ونحرر وعينا الديني من الخرافة والتقليد واجترار الحواشي والشروح ، والدفع بعملية الاجتهاد والتجديد والإبداع إلى الأمام .

والإصلاح الديني الذي نرى ضرورته ونشعر بأهمية تجاوز الكثير من معوقات التقدم لا يعني رفض قيم الدين أو الخروج عن ضوابطه ومتطلباته , وإنما يعني إعادة تأسيس فهمنا للدين بعيدا عن الآحادية في التفكير والقشرية في الفهم والتعامل مع الاجتهادات الإنسانية في فهم الدين بعيدا عن التقديس الأعمى أو مفهوم الحقائق المطلقة . بل هي أفهام مرتبطة بزمان ومكان محددين وعلينا فهم هذه الاجتهادات واحترامها ، ولكن دون إلغاء عقولنا أو التعامل مع تلك الاجتهادات وكأنها نصوص خالدة لا تقبل المناقشة والجدل والحوار . فبدون تحرير وعينا وفهمنا من عوائق الجمود والحرفية والتأخر ، لن نتمكن من الولوج في مشروع التقدم والتطور الإنساني والحضاري .

لذلك فإن الإصلاح الديني وتجاوز الفهم الآحادي والمتعسف لقيم الدين ، من الضرورات القصوى التي تؤهلنا لبناء واقع مجتمعي جديد . فالكثير من متطلبات التقدم وعوامل الرقي ، لا يمكن القبض عليها اجتماعيا ، بدون عملية الإصلاح الديني التي تحرر الفهم والرؤية من الجمود والقشرية ، وتعيد صياغة الوعي على أسس القيم الحضارية التي نادى بها الدين ، وعمل من أجلها أهله عبر المسيرة التاريخية الطويلة . " نعم ، إن المعركة خيضت عربيا ـ على امتداد القرن العشرين ـ من أجل حيازة بعض أسباب الانتهاض المجتمعي ، من جنس المعركة ضد الأمية ، والتخلف ، والاستبداد ، ومن أجل التعليم والتنمية والديمقراطية ، لم تكن في حصيلتها الإجمالية صفرا على اليسار ، بل أنجزت الكثير من المهام وراكمت الكثير من المكتسبات ، ومع ذلك ، من ينفي أنها كانت دون ما تطلع إليه النهضويون الاصلاحيون منذ أزيد من قرن ، ومن ينفي أنها ما زالت ـ حتى اليوم ـ ضعيفة الاستجابة لحاجات موضوعية ضاغطة ومستمرة بل دون معدل مطالبها ؟ سيقول قائل إن ذلك من حصيلة سياسات غير رشيدة درجت عليها النخب والسلط ، ونحن لا نشك في ذلك ، ولكن هل فكرنا ـ مثلا ـ في حلقات نهضوية تحتية عليها يقوم صرح السياسات والبرامج ، وعلى هديها تترشد تلك . هل فكرنا في علاقة ذلك القصور بالإخفــــاق الذي مني به مشروع الإصلاح الديني " (7) .

فالبنية التحتية لعملية الإصلاح الشامل في الاجتماع الوطني ، لا يمكن أن تنجز دون الانخراط الفعلي والنوعي في عملية الإصلاح الديني الذي يوفر لنا إمكانيات هائلة على المستويات الثقافية والاجتماعية والسياسية .

ولا تنمو الحرية في واقعنا الاجتماعي والسياسي ، إلا إذا نمت في ثقافتنا وأصبح وعينا العام منسجما ومطالبا بهذه القيم والمبادئ الدستورية والديمقراطية .

تنمية الإنتاج الثقافي والمعرفي الديني ، الذي يتجه إلى تطوير الوعي السياسي والاجتماعي المناقض للاستبداد السياسي والمساهم في تعميق الخيار الديمقراطي في مستويات الحياة المتعددة .

لهذا فإننا نعتقد أن تفكيك الاستبداد السياسي   من واقعنا العام ، يتطلب العمل على خلق معرفة  دينية جديدة تبلور خيار الحرية ، وتفكك كل السياقات الثقافية والاجتماعية المولدة لظاهرة الاستئثار والاستبداد .

إننا بدون تغيير واقعنا الاجتماعي ، لن نتمكن من خلق نظام سياسي يصون الحريات والحقوق .

الخاتمة :

إن تطوير البيئة الحقوقية في منطقة الخليج العربي، يتطلب الكثير من الجهود والمبادرات ، التي تستهدف تعميم ثقافة حقوق الإنسان ، وبناء منظومات مؤسسية تعنى بقضايا حقوق الإنسان ، سواء على مستوى الثقافة وخلق الوعي الحقوقي ، أو على مستوى رصد الانتهاكات والعمل على معالجتها والوقوف بوجه كل الأطراف التي تستهدف امتهان حقوق الإنسان أو التعدي على كرامته وحريته ..

ولا ريب في هذا السياق أن التربية على حقوق الإنسان ، يعد هو المدخل الأساسي لتطوير البيئة الحقوقية في بلدان الخليج العربي .. لهذا فإننا ندعو إلى إدخال قيم التربية على حقوق الإنسان في المناهج التربوية والتعليمية ، والاستفادة من المنابر الإعلامية بكل مستوياتها على هذا الصعيد أيضا ..

فالبيئة الحقوقية بكل عناصرها وآفاقها ، تتطلب العمل والكفاح المستديم بمختلف الطرق والمستويات ، لتعزيز ثقافة الإنسان ، ورفض التعدي على حقوقه وكرامته ..

ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة ، تتحمل في هذا السياق ، مسؤولية أساسية ، إذ أنها مطالبة لإعطاء أولوية للتعريف بحقوق الإنسان والدفاع عنها ..

ومن الطبيعي القول : أن الدفع والمطالبة بتطوير الحياة السياسية والمدنية في كل بلدان الخليج العربي ، هو الذي يوفر المناخ المؤاتي لصيانة حقوق الإنسان ، وتطوير الأنظمة والإجراءات المدافعة عنها والحامية لها ، وبناء حقائق مجتمعية متعددة تصون الإنسان ( الفرد والجماعة ) وجودا وحقوقا ورأيا ..

فلتتراكم الجهود والمبادرات ، باتجاه تطوير واقع حقوق الإنسان في مجتمعات الخليج العربي ، وليقف الجميع من مختلف المواقع الأيدلوجية والسياسية ، ضد كل صور وأشكال امتهان حقوق الإنسان في المنطقة .. فالحقوق الأساسية للإنسان ، ينبغي أن تكون مقدسة ومحترمة ، بصرف النظر عن المنابت الأيدلوجية أو الفكرية أو الجهوية للإنسان .. فتقدم واقع حقوق الإنسان في مجتمعاتنا ، هو مرهون بإرادتنا وسعينا المتواصل لتحقيق هذه الآمال في واقعنا الخاص والعام ..



الهوامش

1-             الدكتور جابر عصفور ، ضد التعصب ، ص 242 ، الطبعة الأولى ، المركز الثقافي العربي ، بيروت 2001م .

2-             مجلة المنعطف ، مجلة فصلية فكرية ـ عدد مزدوج 23 ـ 24 /2004 ، صـ4 .

3-              المصدر السابق صـ 96 .

4-              ندوة ـ أزمة النظام العربي وإشكاليات النهضة ـ ص40،دار الانتشار العربي بيروت 2007م.

5-              المصدر السابق ، صـ 61 .

6-              المصدر السابق صـ 89 .

7-     عبد الإله بلقزيز ، الإسلام والسياسة ـ دور الحركة   الإسلامية في صوغ المجال السياسي ، ص 177 ، المركز الثقافي العربي ـ الطبعة الأولى ، بيروت 2001م .

 

 

 

 

 


Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً