لا مناص أن الحريات في دساتير الدول العربية من طنجة إلى مسقط، مصونة بالورق و ضمن مواد و ملاحق و مقررات و ما هنالك من مسميات في أدبيات القانون الدستوري، لكن مأزق المواطنة في عالمنا العربي أنها ولدت مشوهة تفتقر لمورثات الحرية و العدل، فبقيت مرسومة بحبر على ورق حتى أضحت آيلة للزوال، لا ينعم بها إلا حراس العقيدة و الشرعية السياسية و الحاكمية المطلقة !!!إذ اليوم في الجغرافية العربية، الإنسان إذا ثار و آثر الحرية بمفهومها الإسلامي الأصيل، يصبح متهما بالخروج عن القانون، ليس القانون المتمثل في الدستور المسجون بين دفتين في وريقات اصفرت من آهات الشعوب و تفسخت من رطوبة الاستبداد، إنما خروج عن قانون السجن العربي الكبير، ذلك الفضاء الجامع لكل المتناقضات و لجميع التجاوزات و الانتهاكات و الرائد في معدل المساوئ و المتخلف في سلم المحاسن… تحت وطأة هذا الواقع العربي المثخن بجراحات الظلم بإسم الدين و بإسم الديمقراطية و بإسم الثورة و بإسم الوطن و ما هنالك من شعارات مليئة بالزيف المبرمج و الجهل المركب، يقع دور العلم الاسلامي الأصيل، لاستنهاض المحرومين نحو فتح العقول على الهواء الطلق الاسلامي "الحرية" المنطلقة في رحاب وعي ثقافة العدالة الاسلامية، لأن استفحال الظلم و تجذره في واقعنا العربي لم يكن بأساليب بسيطة و مناهج عادية و مؤسسات صغيرة، بالعكس من ذلك الحرية في واقعنا اضمحلت و خنقت، عندما لبس الظلم عباءة الفقه و نطق بلغة الضاد و استند على مناهج الشيطان و استقوى بسيطرته على مؤسسات الدين و الثقافة و الاعلام والتربية و السياسة و الاقتصاد و الاجتماع، لكن كيف استطاع أخطبوط الظلم أن يستحكم في مفاصل الحياة العربية؟ أ لأن الاستدمار أعانه أم العرب أصلا يستأنسون بالظلم؟ الأكيد ضمن كل الاحتمالات الواردة و الراجح أن المجتمعات العربية أضحت مسرحا للظلم بشتى ألوانه البشعة، لأن المثقف الديني بكل تمظهراته الفكرية و الفقهية و الأكاديمية و الاعلامية و السياسية و الاجتماعية، سمح للمتعالمين من تجار المناصب و سماسرة الافتاء الشرعي و خطباء المال و الجاه و شعراء البلاط، بالتوغل في عمق الواقع العربي، فانتشر الجهل كالظلام الدامس و عمّ الفساد و الافساد و انقلبت المفاهيم الشرعية لأضدادها و طرحت العناوين الاسلامية بغير حقيقتها و بيعت القضايا في غفلة من الناس و تقاعس من عقلاء الأمة…فأصبحنا لا نفرق بين الاختلاف و الخلاف و بين الحرية و الظلم، بوصلة الأمة أصبحت بيد عباد المادة و عبدة المال و السلاطين، و بالتالي أضحى واقعنا العربي لا يفهم المفاهيم الاسلامية الكبرى لأن المتعالمين استطاعوا أن يجعلوا الاسلام ضد الاسلام كما لمح الشهيد شريعتي لذلك في أحد مؤلفاته الدين ضد الدين، مما أفقد الأمة وعي حقائق الحوار و التسامح و التعارف و التعايش و الحرية و الكرامة و العدالة ، لأن أمورها أوكلت للقاسطين الذين لبسوا الاسلام لبس الفرو مقلوبا، فابتدعوا للواقع العربي نظرية "نحن و الآخر" …هذه النظرية تنطلق من أنك تحصل على حقوقك الانسانية و في طليعتها الحرية بحسب فهم القاسطين، إذا ما تجردت من كل معالم التمايز عنهم خاصة في ما يخص "الدين و المذهب " لكونهما معاملين اختياريين، يعني أن تكونا قاسطا و إلا تصبح ذلك الآخر المتهم بالمروق عن دين القاسطين العرب… كانت هذه مقاربة الواقع العربي الراهن، و التي اصطبغ بها منذ قرون لكنها كانت كالذنب في قلب الانسان، نقطة سوداء اتسعت مع مرور الأزمان، إلى أن انفجرت مع توطين الغدة السرطانية في قلب الأمة الإسلامية…هكذا أيها الآخر في عالم العرب القاسط، لا يُعترف لك بحق سوى أنك عميل وفق منطق الظلم و لو كنت ظالما لنفسك لمنحت جنسية العروبة الموهومة، أما أنك تبقى مخلصا لحريتك الإنسانية الأصيلة، فمصيرك السجن الطائفي إلى أن تبتكر براءتك أو تعدم في مقصلة التكفير أو التخوين…. عودا إلى ذي بدء مع العالم العامل الشيخ حسن الصفار، الأحادية الفكرية إذا ما تركزت في أي مجتمع إنساني، جاز لنا أن نجهز له شهادة الوفاة، لأن الانفراد بالرأي و التصور و الانقلاب على سنة الاختلاف و أصالة العدل و حق الحرية، هو الجنون و الشيطنة بعينها، والتاريخ أثبت ذلك في عدة فترات منه…فإلى متى سيبقى الآخر في الواقع العربي يناضل من أجل تحصيل صك البراءة من جريمة الخيانة أو الكفر، واسترداد حق الحرية لتجديد حقيقة المواطنة …و الله من وراء القصد.
________________________________________