أحدث المقالات

قراءةٌ نقديّة

السيّد ضياء الدين مير محمدي(*)

ترجمة: محمد عبد الرزّاق

 

تمهيدٌ ــــــ

تنقسم أبحاث التاريخ الفلسفيّة ـ نظراً لطبيعة المقصود من مصطلح التاريخ والمنحى المعرفيّ (بشقّيه) ـ إلى فرعين معرفيّين، هما: «الفلسفة النظريّة أو الجوهريّة للتاريخ»([1])؛ «والفلسفة التحليليّة أو النقديّة للتاريخ»([2]).

ففلسفة التاريخ النظريّة أو الجوهريّة هي معرفة من الدرجة الأولى، تعنى بدراسة الظواهر والوقائع السابقة، وتحلِّلها فلسفيّاً، وصولاً إلى معرفة مسار التاريخ، وتحديد معالمه، وتنظيم أسسه. كما أن هذه الفلسفة مستندة إلى عالم الظواهر التاريخيّة ووقائعه، وهي أبعد مدىً من العقلانية المتداولة في عامّة الدراسات التاريخيّة هذه الأيام، غرضها الكشف عن ماهيّة المسار الكلّي لحركة التاريخ([3]).

أما بالنسبة لفلسفة التاريخ التحليليّة أو النقديّة فهي معرفة من الدرجة الثانية، وهي مهتمّة بدراسة علم التاريخ، وكتابته بأسلوب العقلانية، مع التأكيد على أبعاد علم التاريخ: الفلسفيّة؛ والمنطقيّة؛ والمعرفيّة، لتقدّم عنه وصفاً وتعليلاً علميّاً.

وتسعى هذه الفلسفة من خلال ذلك إلى كشف وإدراك القدرة والعجز في علم التاريخ؛ من أجل النهوض بواقعه بلحاظ الجانب العلميّ والنوعيّ.

والتحليل الفلسفيّ لعمليّة تدوين التاريخ والسبل المنطقيّة والعلميّة المتَّبعة في البحث التاريخيّ من مهامّ الفلسفة التحليليّة أو النقديّة للتاريخ([4]).

ثمّة تفاوت بين هذين الفرعين المعرفيّين بلحاظ «الموضوعيّة»([5])، و«المنهجيّة»([6])، وأيضاً «الغائية»([7])، والبنية التحتية لكلٍّ منهما. فعلى صعيد البعد الموضوعيّ هناك فوارق من قبيل: الاختلاف في نوع المعرفة([8])، والاختلاف في المصطلح، والتفاوت في التصنيف([9])، وكذلك الاختلاف في العلوم المتقدّمة والعلوم المتأخّرة([10]).

وعلى صعيد المنهجيّة فإنّ الفلسفة النظريّة أو الجوهريّة للتاريخ تفيد ـ مضافاً إلى المنهج العقلاني ـ من مناهج البحث التطبيقي والتجربي لتبعات الظواهر التاريخيّة والحضارات، ومن مناهج تقنيّة عرض المستندات والوثائق والشواهد التاريخيّة. وهي منهجيّاً لا محلّ لها في الفلسفة التحليليّة أو النقديّة.

وفي البعد الغائي فإنّ الغاية في الفلسفة النظريّة أو الجوهريّة للتاريخ هي إثبات القوانين المتحكّمة بالظواهر والتحوّلات التاريخيّة، وكذلك فهم النظام والعمليّة العامّة من حيث التفكير في قوانين التاريخ ومحوريّته. في حين تتمثَّل الغاية عند الفلسفة التحليليّة أو النقديّة في إثبات علميّة علم التاريخ، وتحقيق السيطرة والإدارة العلميّة للتاريخ، ولكتابته؛ للتعرُّف على أسس الكتابة العلميّة ضمن نظام معرفيّ ممنهج ومنطقيّ.

 

فلسفة التاريخ في القرآن الكريم ــــــ

بالنسبة لموقف القرآن من التاريخ وعمليّة تدوينه يمكن أن تستنبط منه أسس الفلسفة النظريّة أو الجوهريّة للتاريخ، وحتى الأسس الرئيسة للفلسفة التحليليّة أو النقديّة. ولا تنطوي الرؤية القرآنيّة للتاريخ وفلسفته ـ بكلا الفرعين المعرفيّين ـ على الواقعيّة والوصفيّة وحسب؛ وإنّما تقدّم نمطاً في البحث التاريخيّ، معتمداً على أسلوب الحكمة والعقلانية التاريخيّة وآليات الهرمونطيقيا والتأويليّة([11]).

لا شكّ أنّ ثمة اختلافاً جذريّاً بين المبادىء الأساسيّة للتعامل مع التاريخ وعمليّة تدوينه في القرآن وبين الأسس والمبادىء لدى التاريخ البشريّ، وذلك على صعيد المنهج والفنّ والأسلوب، وحتى على صعيد الأيديولوجيا التاريخيّة.

ففي الفلسفة النظريّة أو الجوهريّة في الرؤية القرآنيّة يمكن الإشارة إلى مبادىء قانون الحرية وإرادة الإنسان في التاريخ، وقانون التكامل، ومبدأ أصالة العمل([12]).

كما يمكن الحديث في الفلسفة التحليليّة أو النقديّة من وجهة نظر القرآن عن المبادىء العامّة للتدوين العلميّ، من قبيل: مبدأ الحياد ونبذ الكيدية في كتابة التاريخ، ومبدأ التوحيد في التاريخ([13])، ومبدأ التركيب([14])، وكذلك مبدأ محوريّة الناس([15]) في التاريخ([16]).

 

تفاصيل نظريّة الشهيد الصدر القرآنيّة ــــــ

يتطرّق الشهيد الصدر في دراسته المفاهيم القرآنيّة إلى بيان نظريّة السنن التاريخيّة في القرآن الكريم. وكانت القضايا المطروحة في هذا الباب من المواضيع المنتمية إلى الفلسفة النظريّة للتاريخ. وقد رأى السيد الشهيد أنّ سنن التاريخ في القرآن هي عبارة عن مفاهيم تقنِّن لمسار التاريخ، وترسم له خطوته وأهدافه أيضاً، وبذلك راح يقدِّم لنا نموذجاً من الفلسفة النظريّة في إطار قرآنيّ لحاكميّة التاريخ.

أما هدف بحثنا الحالي فهو تقديم دراسة نقديّة لآراء السيد الشهيد في مجال فلسفة التاريخ النظريّة، والتي كان قد طرحها برؤية قرآنيّة. فإنّ ما يحسب لنظريّة سنن التاريخ في القرآن هو جانب الإبداع والابتكار في طريقة التحليل وحداثة الموضوع نفسه. فللسيد الشهيد الريادة في الكتابة عن الفلسفة النظريّة للتاريخ بتوجُّه قرآنيّ، وإن المواضيع التي طرقها كانت جديدةً وبكراً؛ إذ لم يسبق أن تناول أحدٌ مواضيع الفلسفة النظريّة برؤية قرآنيّة بهذه الطريقة الرائعة من حيث الشكل والمضمون والهيكليّة أيضاً.

لقد قدّم السيد الشهيد المواضيع المرتبطة بالفلسفة النظريّة من وجهة نظر القرآن تحت عنوان (نظريّة سنن التاريخ)، وفي ثلاثة محاور، هي: (بيان بيئة القوانين والسنن التاريخيّة وأشكالها)؛ و(بيان خصائص وصفات القوانين والسنن التاريخيّة في القرآن)؛ و(صيغ هذه القوانين وسنن التاريخ في القرآن). وإليك تحليلها ونقدها:

 

أـ فكرة القوانين والسنن التاريخيّة في القرآن الكريم ــــــ

من وجهة نظر القرآن فإنّ الساحة التاريخيّة تدار عبر القوانين والنواميس. وقد ورد في النصّ القرآنيّ موضوع هداية الساحة الاجتماعيّة والتاريخيّة عبر القوانين والسنن التاريخيّة على ثلاثة أشكال، هي: المفهوم الكلّي، والمصداق، والكلّي المصداقي. وقد بيَّن السيد الشهيد كلّ واحد منها استناداً إلى الآيات القرآنيّة([17]).

 

1ـ الفكرة العامّة للقوانين والسنن في القرآن الكريم ــــــ

تدلّ الآيات بمدلولها الكلّي على وجود سنن التاريخ بشكل واسع، وتوحي بأن للتاريخ ـ من وجهة نظر القرآن ـ قوانين كلّية هي التي تتحكَّم بمساره وأحداثه. وتؤكِّد هذه الآيات حضور القوانين العلميّة في التاريخ والظواهر التاريخيّة.

وقد قسَّم السيد الشهيد الآيات المرتبطة بهذا الموضوع إلى ثلاثة محاور، وهي:

 

المحور الأوّل: المجتمع والأجل الجماعي ــــــ

استشهد السيد الشهيد بالآيات المتعلِّقة بموضوع الأجل الجماعي؛ لإثبات وجود الشكل العامّ للقوانين التاريخيّة([18]). وهي الآيات التي يستنبط منها فكرة تحكُّم القوانين بالتاريخ، وهي:

قال تعالى: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ (يونس: 49).

وقال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ (الأعراف: 34).

وقال تعالى: ﴿مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ (المؤمنون: 43).

وتدلّ هذه النصوص القرآنيّة الشريفة على أنه هناك أجلٌ جماعيّ ـ مضافاً إلى الأجل الفرديّ ـ يتحكّم بمصير الأمّة، وأنّ للمجتمع ـ كالفرد ـ حركة وحيوية، فإذا افتقدها مات وتلاشى. فكما أنّ موت الفرد تابعٌ للقانون وتأثير السنّة التاريخيّة فكذلك الأمم والمجتمعات لها أجلها وموعدها الصادر عن القوانين والسنن. إذاً فهذه الآيات تدلّ دلالة واضحة على نظريّة السنن التاريخيّة، وحكم النواميس على التاريخ([19]).

 

وقفةٌ نقديّة ــــــ

يبدو أن استشهاد السيد الصدر بهذه الآيات في إثبات سنن التاريخ لم يكن صائباً؛ وذلك للأسباب التالية:

أوّلاً: تدلّ هذه الآيات ـ من حيث المنطوق أو المطابقة والتضمُّن، وحتى في ظهورها ـ على أجل المجتمع الجماعي، وليس لها أكثر من هذا المفاد. فهي تقتصر على إثبات مبدأ أجل الأمّة وموعدها فقط.

ثانياً: حتّى الدلالة المفهومية والالتزامية للآيات لا تثبت قانون وحكم التاريخ. ثم إذا كان يمكن إثبات سنن التاريخ بالدلالة الالتزامية فإن السيد الصدر لم يبيِّن شيئاً من ذلك هناك.

ثالثاً: يعقد السيد الشهيد مقارنة وارتباطاً بين أجل الأمة وحكم التاريخ، ثم يخلص، عبر مبدأ الأجل الجماعي، إلى إثبات حكم السنن التاريخيّة، لكنّه لم يوضِّح لنا هذه الطريقة الانتزاعيّة المتَّبعة.

رابعاً: لقد خرج الشهيد الصدر في هذه الآيات عن موضوع نظريّة السنن التاريخيّة، فإن مبحث سنن التاريخ، من حيث الاختصاص والموضوع، منفصلٌ عن موضوع أجل الأمّة الجماعي.

خامساً: لا توجد مطابقة وانسجام بين الدليل والمدَّعى؛ لأنّ دليله (أجل الأمّة) أعمّ من المدَّعى (سنن التاريخ).

وبناءً عليه لا يمكن استنباط الفكرة الكلّية لنظريّة السنن التاريخيّة من الآيات المذكورة.

المحور الثاني: مبدأ العقاب الدنيويّ ــــــ

المحور الثاني الذي يستند إليه الشهيد الصدر في إثبات الفكرة الكلّية لشكل السنن التاريخيّة هو العقاب الدنيويّ؛ حيث قال بأنّ القوانين الكلّية متحكِّمة بسبب التاريخ،    مستشهداً بالآيات الشريفة التالية:

قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمْ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً * وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً﴾ (الكهف: 58 ـ 59).

قال تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً﴾ (فاطر: 45).

تحدّث القرآن في هذه الآيات عن العقاب الدنيويّ، وأنّ النتيجة الطبيعيّة والحتمية للظلم والعدوان هو العقاب الدنيويّ بعينه. وهذا يدلّ ـ فضلاً عن العقاب الأخرويّ ـ على نزول العقاب الدنيويّ بحقّ المخلوقات. فجميع هذه الشواهد هي من منطق التاريخ وسنّته، وفقاً لهذا المنطق بالتحديد يحلّ العذاب بالمجتمع نتيجةً للظلم والعدوان([20]).

يذهب السيد الشهيد ـ استناداً إلى الآيات المذكورة آنفاً ـ إلى القول بأنّ التاريخ يبقى تحت رحمة القوانين والسنن العامّة، وهي التي تحدِّد مساره.

 

 

وقفةٌ نقديّة ــــــ

بشكل عامّ يمكن القول: إن هذه الآيات الشريفة لا تدلّ أبداً على حكم السنن التاريخيّة؛ وذلك للأسباب التالية:

أوّلاً: تدلّ الآيات من حيث المطابقة والمنطوق، وكذلك ظهورها، على مبدأ ضرورة العقاب الدنيويّ، ولا يستفاد منها أكثر من ذلك.

ثانياً: لا تدلّ هذه الآيات على السنن التاريخيّة، حتّى بالدلالة المفهومية والالتزامية. وإذا كان بالإمكان إثبات هذا النوع من الالتزام فإن السيد الشهيد لم يذكر شيئاً من هذا.

ثالثاً: ما العلاقة المنطقيّة والمفهوميّة بين إثبات مبدأ العقاب الدنيويّ وقضية السنن التاريخيّة؛ كي يتوصَّل السيد الشهيد من خلال هذا المبدأ إلى حكم السنن التاريخيّة؟ ثم إنّه لم يبيِّن طبيعة هكذا نوع من العلاقة.

رابعاً: إنّ موضوع الآيات المذكورة ـ من حيث المدلول ـ هو السنة الإلهيّة، لكن السيد الشهيد خرج عن موضوع البحث؛ لأن مبحث العقاب الدنيويّ لا علاقة له بإثبات حكم السنن التاريخيّة ومحوريّة التاريخ. كما أنه لم يقدِّم دليلاً على كيفية مروره بمقام ثبوت وإثبات مبدأ إلهيّ اسمه العقاب الدنيويّ، ووصوله إلى مقام ثبوت وإثبات السنن التاريخيّة.

خامساً: على الرغم من دلالة هذه الآيات على مبدأ العقاب الدنيويّ فعلاً فإنّه ليس بالإمكان إثبات مصداق من هذه القوانين التاريخيّة عبر هذه الآيات بالتحديد، كي يتسنى بعد ذلك تعميم الحكم عن طريق الاستقرار التاريخيّ.

وبناءً على ذلك فإنّ دلالة هذه الآيات ومداليلها خارجةٌ تخصُّصاً عن مبحث السنن التاريخيّة في القرآن الكريم.

 

المحور الثالث: زوال المجتمع نتيجة إخراج الأنبياء ــــــ

في المحور الثالث يستشهد السيد الصدر بزوال المجتمعات إذا حاولت إخراج الرسل من ديارهم على وجود الفكرة الكلّية للسنن التاريخيّة في القرآن الكريم.

قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنْ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَ يَلْبَثُونَ خِلاَفَكَ إِلاَّ قَلِيلاً * سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً﴾ (الإسراء: 76 ـ 77).

تدلّ الآية على مفهوم كلّي مفاده أنّه لن يطرأ تغيير أو تحوُّل على السنّة الإلهيّة أبداً، وهي السنّة التي سار عليها الأنبياء السابقون أيضاً. فإنّ طرد الأنبياء وإخراجهم ومعارضتهم ستؤّدي إلى زوال الأمّة قريباً. وإنّ هذه الآية تتحدَّث عن واحدة من السنن التاريخيّة([21]).

من خلال هذا الشرح يتوصَّل السيد الشهيد إلى الاستدلال بالآية المذكورة على نفوذ وحاكميّة السنن التاريخيّة من وجهة نظر القرآن الكريم.

 

وقفةٌ نقديّة ــــــ

وفقاً للأسباب التالية فإنّ هذا الاستدلال محلّ نظر وتأمّل:

أوّلاً: إن مدلول الآية ومفادها ـ كسابقاتها ـ لا يحمل دلالة على موضوع السنن التاريخيّة. وإن مدلول الآية، مطابقة ومنطوقاً وتضمُّناً، ينصّ فقط على مسألة زوال المجتمع نتيجة لإخراج الأنبياء، ولا يتعدّى إلى ما سوى ذلك.

ثانياً: تفيد الدلالة التطابقية للآية استحالة التغيير في السنن الإلهيّة، لكن ليس هناك علاقة منطقيّة أو تلازم بين عدم التغيير في السنة الإلهيّة وثبوت حكم السنن التاريخيّة.

ثالثاً: استنتج السيد الشهيد من السنة الإلهيّة في الآية قضية السنة التاريخيّة، في حين ليس معنى استحالة التغيير في السنة الربّانية هو استحالة ذلك في السنن التاريخيّة. ويبقى هذا الاستنتاج بحاجة إلى دليلٍ ومنطق قويّ أيضاً.

رابعاً: كان محلّ بحث الآية يدور حول إثبات مبدأ إخراج المجتمع نتيجة إخراج الأنبياء. وهذا المبدأ من حيث الموضوع مغايرٌ لمبحث السنن التاريخيّة.

خامساً: جانب الدلالة الالتزاميّة غير متوفِّر، ودلالة الآية المفهوميّة لا تدلّ على وجود السنن التاريخيّة. كما أنّ السيد الشهيد لم يتطرَّق إلى الكلام عن الدلالة الالتزامية والمفهوميّة للتدليل على مدَّعاه.

 

2ـ مصاديق السنن التاريخيّة في القرآن الكريم ــــــ

كان موضوع الآيات التي تتحدّث عن سنن التاريخ في إطار المصاديق هو النوع الثاني من أشكال السنن والقوانين التاريخيّة، والذي أخذ السيد الشهيد يفصل فيه عن طريق ذكر الأمثلة، والاستشهاد بالآيات؛ إثباتاً لوجود قانون السنن التاريخيّة في النصّ القرآنيّ. وهنا استعرض هذا الموضوع في ثلاثة محاور، هي: السنن السابقة، ونفي الاستثناء في السنة التاريخيّة، وموقف الرسل من المترفين في المجتمع.

وإليك تفصيل هذه المحاور:

 

المحور الأوّل: سنن الأقوام السابقة ــــــ

يذهب السيد الصدر إلى إثبات قانون السنن التاريخيّة عبر الاستشهاد بآيات تتحدّث عن سنن السالفين في إطار المصاديق.

قال تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ (آل عمران: 137).

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ (الأنعام: 34).

جاء السيد الشهيد بهذه النصوص القرآنيّة شاهداً على وجود قانون سنن التاريخ، عبر ذكر مصاديقه في القرآن. ورأى أنّ هذه الآيات تؤكِّد على وجود السنن التاريخيّة من جانب، وتحثّ أيضاً على تتبُّعها والتنقيب في قصص التاريخ من جانب آخر؛ بغية التوصُّل إلى السنن والقوانين التي كانت سارية على الأنبياء السابقين، وعلى الرسول الأكرم|، في إطار قانون السنن التاريخيّة.

ويعتقد السيد الصدر أنّ للباري ـ عزّ وجل ـ رسالة وكلمة لا يعتريها التغيير على مرّ العصور. وعليه يثبت مدّعى قانون السنن التاريخيّة([22]).

 

وقفةٌ نقديّة ــــــ

ترِدُ على نظريّة السيد الشهيد هذه، وعمليّة استشهاده بالآيات المذكورة، جملة من الإشكالات:

أوّلاً: إن المدلول التطابقي لهذه الآيات، وكذلك منطوقها، هو وجود السنن الإلهيّة في الأمم السابقة. وإنّ الدعوة إلى الاتّعاظ بهذه السنن لا تؤدّي إلى استنتاج حصر ذلك بالسنن التاريخيّة.

ثانياً: إن وجود السنن في الأمم السابقة، وتأكيد القرآن على الإمعان فيها وأخذ العبرة منها، لا يحمل دلالة تطابقية وتضمّنية أو التزامية على ثبوت نظريّة السنن التاريخيّة. وبعبارة أخرى: إن مؤدّى وجود السنن في الأمم السابقة لا يدلّ على إثبات قانون السنن التاريخيّة.

ثالثاً: يبقى الدليل ـ في هذا الاستدلال القرآنيّ ـ أعمّ من المدَّعى، ولا يثبت مع ثبوت السنن في الأمم السابق قانون حكم التاريخ.

رابعاً: لا يستفاد من استحالة التغيير في الكلمات الإلهيّة ثبوت السنن التاريخيّة وقانون حكم التاريخ في الظواهر التاريخيّة؛ لأن عدم التبديل في السنن الإلهيّة والكلمات الربّانية هي سنّة أعمّ من السنّة التاريخيّة.

خامساً: لا علاقة للأدلّة المذكورة في النصوص القرآنيّة على إثبات قانون السنن التاريخيّة في إطار المصاديق بنوع موضوع البحث، وهي خارجةٌ عنه تخصُّصاً.

 

المحور الثاني: انعدام الاستثناء في سنن التاريخ ــــــ

هذا هو المحور الثاني الذي رأى السيد الشهيد من خلاله دلالة على وجود الطابع المصداقي للسنن التاريخيّة في القرآن الكريم، والمتمثِّل بانعدام الاستثناء في قانون التاريخ. فاستشهد لذلك بقوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ (البقرة: 214).

ذهب السيد الشهيد إلى أنّ هذه الآية هي دليلٌ على قانون السنن التاريخيّة، فأخذ من خلال نصّها يبيِّن وجود طابع السنن التاريخيّة على شكل مصاديق. فاستنتج من انتفاء الاستثناء في السنة التاريخيّة قانون التاريخ، وتحكّمه بالمجريات. كما عدّ مسألة تحقُّق النصر الإلهيّ سنّة تاريخيّة، يسري عليها حكم التاريخ([23]).

 

وقفةٌ نقديّة ــــــ

ترِد على هذا الاستدلال جملةٌ من الإشكالات، وهي:

أوّلاً: ليس ثمّة صلة بين دلالات الآية الثلاث ـ التطابقية، التضمُّنية، الالتزامية ـ، أو ظهورها، وحتّى دلالتها المفهوميّة، وبين مسألة ثبوت قانون السنن التاريخيّة؛ فإن موضوع البحث في هذه الآية يدور حول مسألة عدم دخول الجنة دون اختبار إلهيّ، ودون الشعور بالمعاناة. وعليه ليس هناك دلالة تطابقية او منطوق في النصّ يدلّ على إثبات قانون السنن التاريخيّة في القرآن الكريم.

ثانياً: نصّ الآية الشريفة أعمّ من مدَّعى السيد الشهيد في هذا الصدد. وليس هناك أيّ علاقة منطقيّة أو توضيح معقول بين نصّ الآية وثبوت السنن التاريخيّة.

ثالثاً: ليس موضوع الآية هو السنة التاريخيّة من حيث إثبات حكم التاريخ وسريانه، وإنّما هي في صدد الإشارة إلى السنة الإلهيّة. وليس بالإمكان فهمها على أن المراد هو السنة التاريخيّة وفقاً للدلالة التطابقية والالتزامية.

رابعاً: يذكر السيد الشهيد هذه الآية دليلاً على الطابع المصداقي للقوانين والنواميس التاريخيّة، في حين ليس موضوع الآية المصداق والوجود الخارجيّ.

وبناءً عليه لا يمكن إثبات قانون السنن التاريخيّة على نحو المصاديق من خلال الاستدلال بالآية المذكورة.

 

المحور الثالث: موقف الأنبياء من المترفين ــــــ

ينتقل السيد الشهيد إلى المحور الثالث من الاستدلال على مصاديق السنن التاريخيّة في القرآن الكريم، ويستشهد بآية تذكر موقف الأنبياء الرافض لعقيدة المترفين في المجتمعات، كقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ (سبأ: 34 ـ 35).

من وجهة نظر السيد الشهيد فإنّ هذه الآية دليلٌ على وجود السنن التاريخيّة. وقد ذكر بأن هناك علاقة تطارد وتناقض بين موقع النبوة الاجتماعيّ في حياة الناس على الساحة التاريخيّة والموقع الاجتماعيّ للمترفين والمسرفين([24]).

 

وقفةٌ نقديّة ــــــ

يبدو أنّ استدلال السيد الصدر هنا ـ كسائر الاستدلالات السابقة التي ساقها من أجل إثبات قانون السنن التاريخيّة في إطار المصاديق ـ لا ينهض بالمراد إطلاقاً. فليس مفاد الآية، من حيث الدلالة الالتزاميّة والمفهوميّة، دالاًّ على ثبوت القوانين التاريخيّة. وهو ـ حصراً ـ في صدد الإشارة إلى موضوع السنن الإلهيّة في مجال العلاقة الاجتماعيّة بين مقام النبوة ومقام المترفين. وبعبارة أخرى: إن حكم موقع البحث وموضوعه في الآية كالسالبة بانتفاء الموضوع، مقارنةً بمحلّ بحث السنن والنواميس التاريخيّة.

 

3ـ السنن التاريخيّة مفهوماً ومصداقاً ــــــ

النمط الثالث لوجود السنن التاريخيّة ضمن النصّ القرآنيّ هو العرض المطروح والجامع بين المفهوم ومصداقه، والذي يمكن إدراجه تحت عنوان (الاستقراء التاريخيّ). حيث ذكر السيد الشهيد بأنّ القرآن، ومن خلال هذا النمط الثالث، يدعو إلى الاستفادة من الحوادث الماضية، وشحذ الهمم؛ لإيجاد استقراء للتاريخ؛ بغية التفتيش عن سنّة أو قانون تاريخيّ([25]). وإليك الآيات المستشهَد بها:

قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ (محمد: 10).

قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ (يوسف: 109)

وغير ذلك من الآيات التي وردت في استدلال الشهيد الصدر.

 

وقفةٌ نقديّة ــــــ

إن ما يستفاد من مدلول الآيات التطابقي، والمنطوق، هو السير في الأرض والنظر إلى عاقبة الأمور. فهي تحثّ على التدبُّر ونوع من الاستقراء. لكنّ هذا الاستقراء لا يدلّ على الاستقراء التاريخيّ، وثبوت مفهوم ومصداق السنن التاريخيّة. وبناءً على ذلك فإنّ هذه الآيات لا تحمل دلالة تطابقية أو تضمنية أو التزامية على ثبوت الطابع المفهوميّ والمصداقيّ للسنن التاريخيّة. وإن هذا المفهوم لا يمكن استنتاجه حتّى من دلالة اللفظ على لازمٍ خارج عن معنى الآيات.

رغم إمكانيّة استنتاج بعض القوانين والضوابط من موضوع السير في الأرض، ومشاهدة عاقبة الماضين، يبقى نصّ هذه الآيات بمنأى عن أي دلالة على إثبات قانون السنن التاريخيّة، ولا سيما في إطار المزج بين النظريّة والتطبيق.

وتأسيساً على ما مضى فإنّ جميع الاستدلالات التي ساقها السيد الشهيد؛ بغرض إثبات قانون السنن التاريخيّة ـ في المحاور الثلاثة ـ، باطلةٌ، بلحاظ الدلالات الثلاث، وكذلك الدلالة الالتزاميّة والمفهوميّة، وطبيعة النصوص وظهورها؛ حيث لا توجد علاقة منطقيّة وعلميّة بين مدّعاه وأدلّته. وبعبارة أخرى ـ وكما ذكرنا ـ: إن جميع الأدلّة إنّما هي أعمّ من المدَّعى.

 

ب ـ خصائص السنن التاريخيّة في القرآن الكريم ــــــ

المبحث الثاني الذي تطرَّق اليه السيد الشهيد في معرض حديثه عن الفلسفة النظريّة للتاريخ في القرآن هو موضوع خصائص السنن والقوانين التاريخيّة.

ويتلخَّص في ثلاث خصائص، هي:

 

1ـ المفهوم العامّ للسنن التاريخيّة في القرآن الكريم (الاطّراد) ــــــ

الميزة الأولى التي يذكرها السيد الشهيد لنماذج السنن التاريخيّة في القرآن هي صفة الشمولية والعموم، والاستمرارية التاريخيّة. حيث يعتقد بأنّ السنن التاريخيّة في القرآن الكريم لم تؤسَّس على أساس الصدف، وإنّما هي تسير وفق قوانين عامّة وضوابط كلّية، وإنّ لها طابعاً عامّاً يفضي إلى طبيعتها العلميّة، وطابعها الاستمراري.

وجاء في استدلال السيد الصدر على هذا الموضوع جملةٌ من الآيات القرآنيّة، منها([26]):

قال تعالى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً…﴾ (الأحزاب: 62).

قال تعالى: ﴿سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً…﴾ (الإسراء: 77).

قال تعالى: ﴿وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ (الأنعام: 34).

وقد رأى في هذه النصوص الشريفة دلالة على صفة الشمولية في السنن التاريخيّة، وأنّها تضفي طابعاً علميّاً على طبيعة القوانين والنواميس التاريخيّة.

 

وقفةٌ نقديّة ــــــ

يلاحظ على استدلال السيد الشهيد بهذه الآيات الشريفة في إثبات صفة الشمولية للسنن التاريخيّة ما يلي:

أوّلاً: تفيد هذه النصوص القرآنيّة بدلالتها وظهورها عدم التبديل والتحويل في السنن الإلهيّة وفي كلمات الله ـ عزّ وجلّ ـ. ومعلومٌ أنّه لا يمكن منطقيّاً استنتاج ثبوت صفة الشمولية للسنن التاريخيّة من هذا الموضوع بالذات.

ثانياً: ليس معنى استحالة التحويل والتبديل في السنة الإلهيّة ثبوت صفة الشمولية للقوانين التاريخيّة؛ لأن عدم التبديل في سنة الباري ـ عزّ وجلّ ـ هو أمرٌ أسمى وأعلى من مسألة السنن التاريخيّة وتحوّلها. ثم ليس ثمّة استلزام منطقيّ ودلالة التزاميّة بين الأمرين.

ثالثاً: لا توجد صلة منطقيّة أو التزاميّة بين نوعيّة موضوع الآيات المذكورة وبين موضوع صفة الشمولية المشار إليها؛ كي يذهب السيد الشهيد إلى الحكم بشمولية السنن التاريخيّة استناداً إلى ضرورة عدم التبديل في السنن الإلهيّة.

رابعاً: يدّعي السيد الشهيد أن صفة الشمولية في السنن التاريخيّة تدلّ على الطابع العلميّ في هذه السنن، لكنّه لم يفصح لنا عن طبيعة العلاقة المفترضة بين هذين الأمرين من الناحية المنطقيّة. وبعبارة أخرى: ليست صفة الشمولية هي مدلول الآيات بالتطابق والمنطوق، كي ينتج عنه الطابع العلميّ.

خامساً: يصرّ السيد الشهيد على أنّ طابع هذ القوانين التاريخيّة هو طابع علميّ، دون أن يذكر نوع هذا العلم. فهل أن طبيعة سنن التاريخ العلميّة هي من سنخ العلوم التجريبية أم العلوم المنطقيّة أو الفلسفيّة؟

وبناءً عليه فإنّ ظهور هذه الآيات ودلالاتها لا تدلّ على صفة الشموليّة للسنن التاريخيّة. وكان ينبغي للسيد الشهيد أن يثبت صفة الشمولية للسنن التاريخيّة عن طريق الدلالات الالتزامية والمفهوميّة للنصّ القرآنيّ. وهذا ما لم يتطرَّق إليه مطلقاً.

 

2ـ السنن التاريخيّة في القرآن وسمتها الربّانية ــــــ

الميزة الثانية المستقاة من حقيقة السنن التاريخيّة هي سمتها الربّانية. فمن وجهة نظر القرآن تتمتع هذه السنن بصفة إلهيّة ومتّصلة بمشيئة الباري ـ عزّ وجلّ ـ، وهي قانون من القوانين الإلهيّة. وقد رأى السيد الشهيد أنّ صفة سنن التاريخ الإلهيّة هي دليل على وجود الطابع الغيبيّ فيها؛ لأنّ الله يمارس قدرته من خلال هذه السنن التي لا تتغيَّر أبداً، فهي تعبيرٌ عن الإرادة والحكمة الربانية.

نعم، ليس معنى إضفاء الصفة الربانية على السنن التاريخيّة هو نسبة الحادثة التاريخيّة نفسها إلى الله مع قطع الصلة عن بقية الحوادث، بحيث يتمّ عزل الحادثة عن سياقها الطبيعيّ، وربطها بالسماء، بل هو بمعنى ربط السنّة التاريخيّة وربط أوجه العلاقات والارتباطات به ـ عزّ وجلّ ـ، وهو يجري حكمه في السنن عبر نافذة العلل والعوامل الطبيعيّة. وبناءً عليه فإن قوانين الطبيعة وقوانين التاريخ متّصلة بالله ـ تبارك وتعالى ـ عن طريق العوامل والأسس الطبيعيّة، وعن الطريق ذاته يسري حكمه فيها. وبعبارة أخرى: ليس معنى القول بأن سنن التاريخ غير خارجة عن القدرة الإلهيّة هو أنها تتمّ دون عوامل وواسطة، وانحصار ذلك بالقدرة الإلهيّة([27]).

يذكر أنّ السيد الشهيد لم يورِدْ نصاً قرآنيّاً في معرض حديثه عن مفهوم الصفة الربّانية في السنن التاريخيّة؛ كي يعتمد عليه، ويستنتج منه الدلالة المطلوبة على المدَّعى، وذلك على الرغم من أنّ القرآن زاخرٌ بالآيات المعنيّة بموضوع القدرة الإلهيّة ومدياتها.

 

3ـ دور إرادة الإنسان في السنن التاريخيّة ــــــ

الحقيقة الثالثة التي تكشف عنها السنن التاريخيّة هي الإرادة والاختيار والحرّية لدى الإنسان، والمؤثِّرة على مجرى تحوّلات وظواهر التاريخ. فقد رأى السيد الشهيد أنّ حرّية الإنسان وإرادته لا تتعارض مع السنن التاريخيّة. وقال: إن الوهم بوجود التناقض بين نظريّة السنة التاريخيّة ونظريّة حرية الإنسان وإرادته هو من القضايا التي لفت إليها القرآن، فأكَّد على أنّ المحور في تسلسل الأعداد والقضايا إنّما هو الإنسان نفسه. ووفقاً لنصوص القرآن فإنّ هناك مواقف إيجابيّة للإنسان تمثِّل حرّيته واختياره وتصميمه. وهذه المواقف تستتبع ضمن علاقات السنن التاريخيّة، وتستتبع معلولاتها المناسبة([28]).

أمّا الآيات التي يوردها الشهيد الصدر في هذا الصدد فهي:

قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11).

قال تعالى: ﴿وَأَنْ لَوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً﴾ (الجنّ: 16).

وحسب رؤية السيد الشهيد فإنّ هذه النصوص تدلّ على إرادة الإنسان وحرّيته في السنن التاريخيّة.

 

وقفةٌ نقديّة ــــــ

لا يمكن استنباط دلالة تطابقيّة على دور إرادة الإنسان في القوانين التاريخيّة. نعم، مفاد الآية ومدلولها حرّية الاختيار لدى الإنسان. لكن هذا الموضوع لا علاقة له بحرّية الإنسان في السنن التاريخيّة، فهو لا يثبت هذا الأمر تحديداً. وبعبارة أخرى: إن الإنسان حرٌّ في تصرّفاته، إلاّ أن مدلول هذه الآيات التطابقيّ وظهورها لا يوحي بثبوت حرّية الإنسان وإرادته في السنن التاريخيّة.

 

ج ـ صيغ السنن التاريخيّة في القرآن ــــــ

وفقاً للسيد الشهيد فإنّ صيغ السنن التاريخيّة في القرآن الكريم كانت قد تبلورت في ثلاث صيغ هي: (شكل القضيّة الشرطيّة)، (شكل القضيّة الفعليّة الناجزة)، (السنن التاريخيّة المصاغة على صورة اتّجاه طبيعيّ).

وإليك بعض التفصيل في ذلك:

1ـ السنن التاريخيّة في شكل القضيّة الشرطيّة ــــــ

الطبيعة الأولى لشكل السنن التاريخيّة في القرآن الكريم هي عبارة عن: صورة القضيّة الشرطيّة أو المشروطة. في هذا الشكل تتمثَّل السنة التاريخيّة في قضية شرطية تربط بين حادثتين على الساحة التاريخيّة، وتؤكِّد على العلاقة الموضوعيّة بين الشرط والجزاء، وأنّه متى ما تحقَّق الشرط تحقَّق الجزاء، ونتيجته تحقُّق السنّة التاريخيّة.

يرى السيد الشهيد أنّ هذه الصياغة موجودة بكثرة في النصوص القرآنيّة، كما أنّ القوانين والسنن الطبيعيّة والكونيّة تزخر بها أيضاً، وعلى مختلف الساحات الأخرى. فقانون القرآن ينصّ على ضرورة وجود علاقة شرطيّة بين الحوادث التاريخيّة في معظم الأحيان([29]).

وقد رأى الشهيد الصدر معنى الشرط هذا متوفِّراً في النصوص القرآنيّة التالية:

قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11).

قال تعالى: ﴿وَأَنْ لَوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً﴾ (الجنّ: 16).

عبر هاتين الآيتين نفذ السيد الشهيد إلى الاستدلال على وجود القضية الشرطية في السنن التاريخيّة، فراح يحلِّل السنن التاريخيّة بلسان القضية الشرطية([30]).

 

وقفةٌ نقديّة ــــــ

يؤاخَذ على هذا الاستدلال بما يلي:

أوّلاً: إنّ لهذه النصوص الشريفة دلالة تطابقية على مسألة التغيير الذاتيّ، وما يتبعه من تحوُّل على مستوى المجتمع. وقد بيّنت هذه القضية على شكل القضية الشرطية في صورة الشرط والجزاء. ولا يحتمل مفاد النصوص أمراً أبعد من ذلك.

ثانياً: إن استعراض السنّة التاريخيّة في صورة القضية الشرطية هو فرع لثبوت السنة التاريخيّة ذاتها. وكما أشرنا سابقاً فإن هذه الآيات لا تثبت موضوع السنن التاريخيّة، من حيث دلالتها التطابقية، كي يقال: إن هذه السنّة قد وردت على هيئة القضيّة الشرطيّة.

ثالثاً: لقد خرج السيد الشهيد تخصُّصاً باستدلاله على القضية الشرطية في الآيات عن محلّ البحث، وهو موضوع (حكم السنّة التاريخيّة)؛ لأنّ محل البحث فيها ليس هو القوانين التاريخيّة، كي يتسنّى من خلاله إثبات الصيغة الشرطية للسنة التاريخيّة.

وتأسيساً عليه فإنّ دلالة الآيات المذكورة ـ دلالة تطابقية أو تضمنية أو في ظهورها ـ على إثبات الصيغة الشرطية للسنة التاريخيّة ليس بالأمر المجدي كثيراً، وحتّى في حالة الاعتماد على الدلالة الالتزامية فإنّ السيد الشهيد لم يبيِّن لنا العلاقة المنطقيّة بين هذه الآيات وصيغة سنن التاريخ الشرطية.

 

2ـ السنن التاريخيّة في شكل القضية الناجزة ــــــ

صيغة القضية الناجزة والمتحقِّقة هي الشكل الثاني للسنن التاريخيّة في القرآن الكريم. وهي قضية قطعيّة، بمعنى التحقُّق العلميّ. وليس للإنسان فيها أيّ اختيار وتحكُّم، بل لا يمكن التعديل فيها أيضاً؛ لأنّ هذا النوع من القضايا يتكوَّن في صيغة ناجزة وقطعيّة. فالقضايا القطعيّة تتحقَّق في إطار الأمر القطعي من حيث الزمان والمكان. ويرى السيد الشهيد أنّه بالإمكان لمس القضايا الناجزة على صعيد السنن التاريخيّة في بعض الآيات القرآنيّة([31]).

 

وقفةٌ نقديّة ــــــ

الملاحظ على السيد الشهيد في هذا الصدد هو عدم استشهاده بآية ذات دلالة تطابقيّة على وجود السنة التاريخيّة في صيغة القضايا الناجزة، وإنّما اكتفى بمجرّد طرح المدَّعى.

 

3ـ الاتجاه الطبيعيّ في السنن التاريخيّة في القرآن ــــــ

الصورة الثالثة المقدّمة لموضوع السنن التاريخيّة في القرآن الكريم هي صياغة السنن التاريخيّة على شاكلة الاتّجاه الطبيعيّ ضمن حركة التاريخ. وكان من جملة الآيات المستشهَد بها في هذا الصدد قوله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (الروم: 30).

 

وقفةٌ نقديّة ــــــ

الاستدلال بالآية المذكورة هو أحد أدلّة السيد الشهيد على صيغة الاتّجاه الطبيعيّ لحركة السنن التاريخيّة في القرآن الكريم([32]).

إلاّ أنّ هذا الاستدلال يؤاخَذ بالإشكالات التالية:

أوّلاً: لم يقدِّم تعريفاً واضحاً لمفهوم الاتّجاه الطبيعيّ في السنن التاريخيّة، الأمر الذي يترك لبساً في فهم الموضوع وتعريف المفهوم.

ثانياً: ينصّ مفاد الآية التطابقي وظهور نصّها على مسألة الدين الحنيف والفطرة الإلهيّة وعدم التبديل في خلق الله ـ عزّ وجلّ ـ، ولا تدلّ الآية على إثبات السنّة التاريخيّة، ومن ثم إثبات صياغة الاتّجاه الطبيعيّ لها؛ إذ إنّ الكلام عن الاتجاه الطبيعيّ للسنة التاريخيّة يستلزم ثبوت السنّة ذاتها من خلال الآية، والحال أنّها لا تحمل دلالة تطابقيّة على ثبوت السنة التاريخيّة.

ثالثاً: لم يتطرَّق السيد الشهيد إلى إثبات الاتّجاه الطبيعيّ للسنة التاريخيّة من خلال الاستدلال بمفهوم الآية ودلالتها الالتزاميّة، بل لم يقدِّم توضيحاً حتّى من خلال اللازم الخارجيّ.

 

نتائج البحث ــــــ

تمخَّض عن دراسة نظريّة (السنن التاريخيّة في القرآن) ونقدها النتائج التالية:

1ـ إنّ أبرز الإشكالات الواردة على مضمون النظريّة هو عدم تقديم تعريف واضح لمعنى القانون التاريخيّ. فلم يذكر الشهيد الصدر تعريفاً لذلك. فعدّه فرضيّة، ولم يُشِرْ حتّى إلى نوع الحكم النافذ في السنّة التاريخيّة.

2ـ أمام نظريّة السنن التاريخيّة في القرآن ـ بلحاظ الأدلّة المنطقيّة ـ فرضيّات استنبط منها السيد الشهيد نتائج قطعية. فمثلاً: هو يرى أن جميع الأحكام الإلهيّة في القرآن حول السنّة الإلهيّة منطبقة تماماً على السنن التاريخيّة، وأنّ السنن التاريخيّة الواردة في القرآن هي دليلٌ على سريان حكم التاريخ. وبعبارة أخرى: لم يتطرَّق السيد الشهيد إلى بيان العلاقة المنطقيّة بين السنن الإلهيّة والسنن التاريخيّة، فيعدّ جميعها مترادفاً ومشابهاً للبعض الآخر. وقد وردت الإشارة إلى ذلك خلال تحليل الآيات المستشهَد بها في محلّه.

3ـ لا تتمتَّع نظريّة السنن التاريخيّة في القرآن ـ والتي تدّعي إثبات حاكمية التاريخ من وجهة نظر القرآن ـ بالنسق المنطقيّ والأسلوب المنظّم، من حيث طريق الاستدلال بالدلالة التطابقية والتضمّن ومفاد النصوص القرآنيّة وظهورها.

4ـ إنّ معظم الآيات التي يوردها الشهيد الصدر في الاستدلال على نظريّة السنن التاريخيّة وحاكمية التاريخ كانت في الواقع خارجةً عن محلّ البحث، وتخصص الموضوع المطروق، ولم يراعَ فيها موضع الخلاف.

5ـ لم يقدِّم السيد الشهيد دليلاً، ولو بالدلالة الالتزامية من مفاد الآيات، على قيام علاقة منطقيّة في إثبات حاكمية التاريخ ومحوريّته.

6ـ الإشكال الأبرز في استدلالات السيد الشهيد هو انعدام السنخيّة بين الدليل والمدَّعى. وكانت معظم أدلّته على إثبات حاكمية التاريخ في القرآن أعمّ من المدَّعى.

علماً أنّ ما ورد في هذه النتائج ليس هو بمعنى إلغاء قيمة القوانين في الظواهر التاريخيّة في القرآن، بل إنّ الآيات المستشهَد بها لا تملك دلالة على هذا المعنى (حاكميّة التاريخ).

وقد يكون من الممكن إثبات حاكمية التاريخ في إطار عامّ، وفي المصاديق، وكذلك إثبات الخصائص العلميّة للسنن التاريخيّة، وصيغها في القرآن، من خلال الدلالة الالتزامية للآيات، لكنْ يبقى الموضوع بحاجةٍ إلى الدراسة والبحث المعمق والممنهج للنصوص القرآنيّة. وإنّ ما ذكرناه في هذا المقال هو عدم ثبوت حاكمية التاريخ على أساس (نظريّة السنن التاريخيّة)، للشهيد السيد محمد باقر الصدر.

 

الهوامش

______________________

(*) باحثٌ في التاريخ الإسلاميّ.

)[1] (substantive or speculative philosophy of history.

)[2] (Analyticalor critical phiosophy of history.

([3]) بل إدواردز، مجموعة المقالات: الفلسفة والتاريخ: 2؛ نوذري، فلسفه تاريخ، روش شناسي ومكاتب تاريخ نگاري: 24 ـ 25؛ سروش، فلسفة تاريخ: 24 ـ 25.

([4]) نوذري، فلسفه تاريخ: 24 ـ 25؛ مايكل استنفورد، در آمدي بر فلسفة تاريخ: 22، 24 ـ 25.

)[5]( object.

)[6]( methodology.

)[7]( teleology.

)[8]( epistemologic.

)[9]( typololgy.

([10]) للتوسُّع في موضوع الفلسفة النظريّة والجوهرية للتاريخ، وفرقها مع الفلسفة التحليلية أو النقديّة للتاريخ، انظر: السيد ضياء الدين مير محمدي، (واگرائي وتمايز فلسفة نظري تاريخ وفلسفه علم تاريخ)، فصليّة الحوزة والجامعة، العدد 42.

([11]) حسن حضرتي، تأملاتي در علم تاريخ وتاريخ نگاري إسلامي: 119 ـ 122.

([12]) للتوسُّع في موضوع الأسس العامة للفلسفة النظريّة في التاريخ من وجهة نظر القرآن انظر: عزت الله رادمنش، مكتب هاى تاريخي وتجدُّد گرائي تاريخي، فصل مكتب تاريخي قرآن.

([13]) مبدأ التوحيد في التاريخ هو بمعنى الاهتمام بمجموع الظواهر التاريخيّة في التحليل التاريخيّ وتدوين التاريخ، وعدم الاكتفاء بالجزئيّات والحالات الفرديّة للظواهر، وكذلك النظر إلى كتابة التاريخ على أنّها قضية أسمى من محيط الفرد والطبقة والقومية، فهذا هو مبدأ في الفلسفة العلميّة للتاريخ.

([14]) مبدأ التركيب في التاريخ من وجهة نظر القرآن هو بمعنى الاستعانة بالعلوم الساندة في عمليّة التحليل التاريخيّ للظواهر، وإشراك بعض العلوم، كعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا، وغير ذلك.

([15]) يدلّ مبدأ محوريّة الناس في التاريخ من وجهة نظر القرآن على أنّ موضوع كتابة التاريخ في القرآن لا يقف عند الطابع التقليديّ للكتابة ـ السلاطين والحروب ـ، بل الناس هم المحور والأساس في رصد التاريخ وتدوين أحداثه في القرآن الكريم.

([16]) للتوسُّع في موضوع الأسس العامة للتدوين العلميّ للتاريخ، أو أسس الفلسفة التحليلية أو النقديّة في مجال التاريخ من وجهة نظر القرآن، انظر: عزت الله رادمنش، المصدر السابق، فصل مكتب تاريخي قرآن.

([17]) تطرَّق الشهيد الصدر إلى مباحث نظريّة السنن التاريخيّة في القرآن في كتاب (المدرسة القرآنيّة).

([18]) للاطّلاع على تفسير الآيات راجع: العلامة الطباطبائي، تفسير الميزان.

([19]) محمد باقر الصدر، المدرسة القرآنيّة: 53 ـ 54.

([20]) المصدر السابق: 53 ـ 54.

([21]) المصدر السابق: 53 ـ 55.

([22]) المصدر السابق: 61و62.

([23]) المصدر السابق: 62و63.

([24]) المصدر السابق: 63و64.

([25]) المصدر السابق: 66و67.

([26]) المصدر السابق: 69 ـ 70؛ محمد باقر الصدر، السنن التاريخيّة في القرآن الكريم: 67 ـ 68.

([27]) المدرسة القرآنيّة: 71 ـ 72؛ السنن التاريخيّة في القرآن الكريم: 68 ـ 70.

([28]) المدرسة القرآنيّة: 74 ـ 76؛ السنن التاريخيّة في القرآن الكريم: 71 ـ 72.

([29]) المدرسة القرآنيّة: 89 ـ 91؛ السنن التاريخيّة في القرآن الكريم: 83 ـ 85.

([30]) المدرسة القرآنيّة: 90 ـ 92؛ السنن التاريخيّة في القرآن الكريم: 83 ـ 85.

([31]) المدرسة القرآنيّة: 96 ـ 97؛ السنن التاريخيّة في القرآن الكريم: 88 ـ 89.

([32]) المدرسة القرآنيّة: 96 ـ 97؛ السنن التاريخيّة في القرآن الكريم: 88 ـ 89.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً