أحدث المقالات

كيف نتخلص من الشعور الوهمي والمفتعل بالأقلوية؟


توجد في منطقتنا أنظمة مختلفة عائلية وديكتاتورية وديمقراطية، كما توجد فيها أكثريات وأقليات حقيقية ووهمية، طائفية وعرقية،  وتوجد أيضا مطالب بالمساواة والعدالة، وكما تعرفون فان بعض الأنظمة تحتكر السلطة لعائلة واحدة أو حزب واحد أو طائفة واحدة بشكل رسمي وصريح، وتعامل بقية المواطنين كدرجة ثانية أو ثالثة  أو حتى عاشرة. ولكن  توجد أيضا دول تعلن مساواة جميع المواطنين أمام القانون وفي ظل أنظمة ديمقراطية، فلا تميز بين  العربي والكردي  أو التركماني، كما لا تميز بين السني والشيعي أو المسلم والمسيحي في الدستور، واضرب لذلك مثلا بالعراق ومصر، ومع ذلك قد يشعر المسيحي بأنه مواطن درجة ثانية في مصر وقد يشعر السني بأنه مواطن درجة ثانية في العراق الجديد، كما قال رئيس مجلس النواب النجيفي وغيره. والمشكلة هنا ليست في الدستور الذي لا يميز بين سني وشيعي أو عربي وكردي، ولكن المشكلة في المشاعر العامة المتكدسة عند طائفة معينة هي الطائفة الشيعية التي تشكل أكثرية السكان العرب، وهي تشعر سواء بحق أو دون حق أنها كانت مظلومة  ومحكومة  من قبل صدام والسنة طوال عقود أو قرون، وبالتالي فانها تخشى من سيطرة سني آخر على  السلطة ، يقوم بتكفيرها كما تفعل القاعدة  أو بالتشكيك بهويتها القومية واتهامها بأنها ذات أصول فارسية أو هندية كما قالت جريدة الثورة العراقية  عام 1991 ويقوم بتهجيرها واضطهادها، ولذلك فان حظوظ الأخوة السنة في نيل منصب الرئاسة أو رئاسة الوزراء في ظل النظام الديمقراطي ستكون قليلة، ولذلك يفكر بعض الاخوة السنة  بالانفصال أو تكوين اقليم خاص بهم، وكان أول من سعى الى ذلك ابو مصعب الزرقاوي الذي أعلن دولته في بعض المحافظات السنية الشمالية ولم يفكر ببقية العراق عندما أعلن حربه السافرة ضد الجماهير الشيعية من منطلق اليأس  من كسب الشيعة الى صفوفه، وقد حمدنا الله تعالى  على اجهاض مشروعه الشيطاني على  يد الاخوة السنة قبل غيرهم، وبقي هناك شعور خافت لدى السياسيين السنة في العراق الذين لم يستطيعوا الفوز بمنصب رئاسة الوزراء في ظل النظام الجديد، رغم تمتعهم بمناصب قيادية أخرى كرئاسة الجمهورية أو رئاسة البرلمان أو عدد من الوزارات السيادية، بأنهم مواطنون  من درجة ثانية، وهذا في نظري شعور زائف ومؤقت، ولا يجوز البناء عليه أو اتخاذ خطوات انفصالية انفعالية سريعة تترك آثارا سلبية أخرى أعظم على المدى الطويل، كما لا يجوز للاخوة العلويين في سوريا مثلاالشعور بالأقلوية اذا جاء نظام آخر أو حاكم سني في سوريا، أو إذا أحجم  السنة في سوريا عن انتخاب رئيس علوي أو شيعي خوفا من احتكار السلطة مرة أخرى وتكرار التجربة المرة السابقة. واذا كان علينا الاعتراف بوجود مشكلة في العلاقات النفسية الشعبية بين السنة والشيعة في العراق، نتيجة الآلام والمخاوف الشيعية فلا بد من  وضع سياسة تعالج هذه المشكلة بالتي هي أحسن. وهنا اتذكر كلمة للمرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين ، وجهها للشيعة في البلاد  التي يشكلون فيها أقلية في مقابل السنة: وهي: ذوبوا في المحيط  الأكبر ولا  تصنعوا لكم مشروعا خاصا. وما يجمع السنة بالشيعة في العراق كثير لا يتوفر مثله في بلاد أخرى وهما العروبة والاسلام، ويكفي هاذان الأمران أن يوحدا بين السنة والشيعة على قاعدة متينة، واما ما يخرب ذلك فهو  التطرف والمتطرفون الذين لا يزالون يشككون باسلام الشيعة أو بأصولهم العربية،  وعدم التعاطف مع قضاياهم الوطنية  كإدانة المقابر الجماعية والتعاطف مع الطاغية صدام حسين، ودعم حزب البعث. وبالطبع انا لا اريد ان  ادين عامة السنة بما فعل صدام وحزب البعث، ولا آخذهم بما فعل السفيه الزرقاوي من اعلان الحرب على الشيعة، ولكني أود أن يشعر عامة السنة بما يشعر به اخوانهم الشيعة من مظلومية ومخاوف، وأن يقدروا حذرهم من عودة حزب البعث الى السلطة أو القيام بانقلاب عسكري جديد. وقد تحدثت منذ سنوات الى عدد من  اخواني وأحبابي في الحزب الاسلامي  في العراق وقلت لهم ان عليهم أن يكسبوا الشيعة الى جانبهم بسياسة اعلامية ذكية ويطمئنوهم ويدافعوا عن قضاياهم كما يدافعوا عن قضايا السنة في العراق ، وأن يكونوا حزبا عراقيا لا يمثل السنة فقط، بل وطالبتهم بأن يفتحوا فروعا لهم في كل أنحاء العراق، وضربت لهم مثلا بقناة  الفيحاء اليسارية وكيف استطاعت ان تحظى بشعبية كبيرة لدى الأوساط الشيعية لأنها  فتحت ملف المقابر  الجماعية والسجناء والمهجرين والمظالم البعثية بحق الشعب وانفتحت على عامة الناس فكسبتهم وربما أثرت فيهم، وقلت لهم لماذا لا تتبع قناة بغداد  الفضائية سياسية مشابهة منفتحة على كل العراق  والعراقيين ولا تكون صوتا للسنة فقط؟ كما ضربت لهم مثلا بالنائب مثال الآلوسي السني الذي استطاع ان  يكسب أعلى الأصوات في مدينة كربلاء الشيعية لأنه  اتبع سياسية وطنية عراقية تدين جرائم صدام ولا تفرق بين سني أو شيعي. وفي المقابل هذا هو  إياد علاوي الشيعي يكسب شعبية لدى السنة لأنه اتبع سياسة  وطنية  لا طائفية
وقد وجهت كلامي أيضا الى الاحزاب الشيعية في العراق وقلت لهم بأن عليهم كذلك ان يكسبوا الشارع السني من خلال سياسة اعلامية  وسياسية واقعية وطنية لا تفرق بين سني أو شيعي. كما استطيع أن اوجه كلامي للكرد والعرب في العراق بأن يتبعوا سياسة وطنية صادقة في عموم العراق حتى يحظوا بشعبية في كردستان وعموم العراق.
لا يمكن للسني ان يحافظ على اهدافه الخاصة ويأمل بأن يكسب الشيعة ، كما لا يمكن للشيعي ان يتبع سياسة خاصة بالشيعة ويأمل ان يكسب شعبية في صفوف السنة. كما لا يمكن للكردي ان يتبع سياسة كردية ويأمل بالفوز بقلوب العرب، ولا للعربي أن يحظى بقلوب الأكراد وهو يتنكر لآلامهم ومخاوفهم وآمالهم.
اذا أردنا ان نكون متساويين مع الجميع فلا بد ان نذوب في  الاطار الكبير ونخرج من قوقعاتنا الطائفية والقومية الضيقة، ونتخلى عن مشاعرنا الوهمية بالأقلوية، حتى لا  نقع في مطبات جديدة. وأوجه كلامي لاخوتي وأحبابي السنة في العراق أكثر من غيرهم، فهذا العراق عراق الجميع وليس عراق الشيعة أو السنة أو العرب أو الأكراد أو التركمان فقط. واذا كانت هناك مشاعر متوترة أو مخاوف لدى البعض فلا بد من العمل على ازالتها لا تكريسها وتعزيزها وتضخيمها ، كما يفعل بعض السفهاء الذين  ما فتئوا يهاجمون الشيعة ويكفرونهم ويشككون بأصولهم القومية. وبالطبع لا بد من الجهة الأخرى أن  تميز الحكومة العراقية بين المواطنين السنة الشرفاء وبين القلة الصدامية المتطرفة، وأن تعاملهم على قدم المساواة ولا تدعهم يشعرون بأي تمييز، وان تطبق مبدأ المصالحة بدقة على الأرض.
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ادفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. صدق الله العلي العظيم.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً