أحدث المقالات

تمثل الصحوة الإسلامية التي يعرفها العالم الإسلامي مؤخرا إحدى أكبر مصاديق الفشل الأمريكي في المنطقة، ليس لأنها خرجت بعيدا عن عباءته وحسب، بل لأنها قلبت مفاعيل الخطاب المذهبي الطائفي رأسا على عقب.

ذلك أن من يراجع الأبحاث التي تنشر في غرف التفكير الأمريكية وخلاصات الأبحاث التي توزع في مؤتمر هرتزيليا سنويا، سيخرج بزبدة أن الكيان الإسرائيلي ورديفه الأمريكي، لم يستوعبا جيدا كلية الشأن الإسلامي، حيث ركزا على المذاهب الإسلامية وكيفية زرع الطائفية والإقتتال دون أن ينتبها لروحية هذا الدين، الذي أدى إلى خلق روحية سياسية تتداخل في مسام العمل السياسي والاستراتيجي والأمني حتى.

وأن التطبيل والتزمير والتهويل من " خطر إيران " لا ينفع إلا في الصالونات المدفوعة الأجر وفي زواريب الأنظمة الرسمية، لكنها في القطاع العام البشري تفقد نكهتها وتضحي عنوان للعمالة لا أقل ولا أكثر.

فهذه أكبر صفعة يتلقاها العقل البراغماتي، والذي لا يرى في الأخلاق والقيم إلا إفرازات غددية للجسم ولا علقة لها بالقيم العليا، لأنه لا يستوعبها وأنى له أن يستوعب أمرا خارجا عن ذوقه وغريزته.

لكن هذه النقلة الأساسية في المنطقة في ربوع الربيع العربي، يجب أن لا تسكرنا عن حقائق أن النزاع الاستراتيجي لا يتوقف نهائيا، وإذا وقع فشل في نقطة جغرافية ما فإن أمريكا ستسعى إلى خلق نخب جديدة في تلك القطع، ليستمر مشروعها، وهنا مربط الفرس وبشكل أنطولوجي حتى.

وهو كيف نجعل الاستراتيجيا الأمريكية تفشل في المنطقة وبشكل نهائي ؟ طبعا هذا السؤال كبير جدا ويحتاج إلى وقفات معرفية أساسية تنبعث من غرف التفكير THE THINK   THANKS تقام لهذا الغرض، وليس في اتجاه مؤتمرات هنا وهناك لا تقدم ولا تؤخر، حيث كلمات المحبة دون طائل يذكر.

على أي لا بد من إعادة تشخيص المخاطر وعلى أسس علمية أدق من حد السيف، والعمل جاهدا على تجاوزها أيضا وعلى غرار نفس الدقة.

إلا أنه وفي جميع الأحوال يبقى ثمة شيء أساسي يحتاج إلى إيجاده وتقويته، قبل الدخول في صلب الأبحاث الفرعية في المستقبل والعمل على دك المشروع الأمريكي، وهي الروحية الإستراتيجية، إذ بدونها لن ينجح أي مشروع للمقاومة، وليتذكر الجميع ما قاله الشهيد عماد مغنية " ليس هناك مستحيل " نعم صحيح ليس هناك مستحيل لكن بشرطها.

 

العنوان الأول: من الروحية السياسية إلى الروحية الإستراتيجية:

 

يظل من المناسب إعادة إحياء مجموعة أجهزة معرفية ومحاولة تطبيقها على المشروع الاستراتيجي للصحوة الإسلامية، وما نقصده بالروحية السياسية هو عين ما حدده العقل الفوكالدي.

ذلك أنه أضحى معروفا لدى الجميع على أن الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو دعم بشكل كبير الثورة الإسلامية في إيران، ليس فقط انهماما منه بالجانب الوقائعي في الثورة، بل محاولة منه لاستبسار المبنائية الفكرية للثورة، وإصدار أحكامه عليها.

وأيضا أضحى معلوما لدى المتخصصين أن التصور الفوكالدي في مفروض البحث، شكل أزمة أمام العقل الغربي، الذي لم يستطع تقبل عملية الدعم هاته، ولا حتى استطاع أن يفكك أبنيتها في حمأة النقد التخصصي والغير التخصصي لتصور فوكو، ولا يعتقدن أحدكم بأن المسألة قد توقفت أو تم تجاوزها لتتحيز في مقالات هنا أو هناك، بل الملاحظ أن المشهد الثقافي والفلسفي الأنجلو الأمريكي قد أعد كتبا بالكامل لنقد هذا الدعم. حيث جميع اللوغوس الغربي حاول توصيف المنظور الفوكالدي بخصوص الثورة الإسلامية في إيران على أنه كبوة ليس إلا.

من الروحية السياسية:

إن غرضنا من هذا البحث هو التعاطي توصيفيا مع المنظور الفوكالدي بخصوص الثورة الإسلامية، ثم بعدها نتعقب هذا التصور لنعاين هل أنه كان مجرد تأثر عاطفي أم أنه جاء مؤسسا على مجمل الأسس الفلسفية السياسية التي دافع عنها الفيلسوف ليس فقط في كتاباته بل أيضا في محاضراته في الكوليج دو فرانس، خلال السنوات الأخيرة من حياته.

و من تم فإن تعاطينا مع المنظور الفوكالدي سوف يتجاوز سقف الدعم النفسي والصحفي الذي أبداه هذا الفيلسوف، لنحاول استفهام النص الفوكالدي حول مبنى الثورة الإسلامية، تاركين للقارئ الكريم فرصة التعمق أكثر. 

ينطلق فوكو من دوكسا أساسية وهي أن السلطة ليست متحيزة في مكان ما وفي سقف ما، بقدر ما هي مشذرة في مسام المجتمع بما هو هو.

وسعيا منه من أجل إثبات هذه الدوكسا ( الأساس العقائدي للفكرة ) عمد إلى بحث المشافي والجنون والسجون والشجون والشذوذ، مركزا على تحقيبات تأريخية للمفاهيم والأجهزة المعرفية التي تحكمت في العلوم الإنسانية.

وبهذا الخصوص اعتمد مجموعة أدوات معرفية ارتأى أنها تخدم غرضه الفلسفي بشكل استراتيجي، فانطلق من الجينالوجيا بوصفها أداة تحقيب أساسية ومركزية للأجهزة المعرفية، إلا أن التعقب التأريخي للمعارف الإنسانية ليس بالأمر الهين وخصوصا أن ثمة تداخلات في التصورات تحدث في لحظات زمنية معينة، فآثر اعتماد الإرث الإيديولوجي للبنيوية دون أن يرضى بالانتساب إليها، بوصفها تسمح بعملية البتر واللصق بين الجغرافيات الفكرية دون انشغال بالبدايات أو التخوم التداخلية بين الشرائح المعرفية التأريخية، إلى أن ختم دورته الأدواتية بالأنطولوجيا التأريخية.

وباختصار شديد هذه الآليات المعرفية تقوم بأربعة أدوار تنظيرية أساسية.

فالجينيالوجيا النتشوية تريد لنفسها تعقب الجذور المعرفية ولم لا الإيديولوجية للفكرة بوصفها عطاء إنساني مدخول بهاجس اللذة، وعند فوكو لذة السلطة، وهي عملية تحقيبية ذات أهمية لا تخفى لأنها تسمح بتعقب الجهاز المعرفي وتفكيكيه إلى مراحل زمنية ومعاينة المتغيرات، أكثر من الثوابت ـ لأن هذه الأخيرة من شأنية البنيوية ـ ومحاولة القبض على السلطة في مسام ما نعتقد بأنه مختبئة وراءه، بعدها ولكي يتم تفصيل النظر في الثوابت المعرفية، لأن فوكو يريد لنفسه أن يكون أمير هذا التعقب انكفأ إلى البنيوية بخصوصيات فوكالدية تجعل من الصعب وضعه داخلها، وعلى هذا المستوى اهتم بالحيثية السلطوية في الأجهزة المعرفية بوصفها الثابت الوحيد، دون أن يحيزها في جهاز فيزيقي واحد بقدر ما اعترف بأنها مشذرة في المؤسسات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية، ليخلص إلى المذهب الأدواتي الثالث والأخير وهو الأنطولوجيا التأريخية بوصفها الفلسفة الأكمل لتحقيق التصور، ما دام ثمة غائية تحكم المبحث الفلسفي ولو في تجلياته الأكثر فيزيقية والأكثر انضباطا للخارج السياسي والاجتماعي.

وعليه فإن المجهود الفلسفي الفوكالدي يهدف إلى أربعة أمور: تشخيص المتغيرات وتثبيت الثوابت ونسف الآليات والقفز الشقي على المستحكمات الإنسانية.

وكان دائما مهجوسا بشيء لا يتوقف عن تسميته بميكروفيزياء السلطة وهو تلك القوى الصغيرة جدا والتي لا ينتبه إليها مع أنها هي الفاعل الأساسي والحاسم.

محاولا استخراجها في مقام الذوق واللذة في اللحظة النيتشوية واللاوعي الكبروي في اللحظة الفرويدية، والنقد المبنائي في اللحظة الكانطية، إلا أنه اكتشف شيئا خطيرا قد لا يتفق الجميع معه فيه وهو الروحية السياسية، وهو كان يعلم ذلك جيدا وقد قالها صراحة " أعلم بأن الفرنسيين سوف يضحكون من هذا الكلام لكنني أعلم أيضا بأنهم مخطئون " ( [1] ) فالروحية السياسية لم تشكل ولا مرة واحدة في اللحظة الأنوارية آلية لتعقب وتحليل الشيء السياسي ومحاولة فهمه، بل المستحكم كان دائما ذلك الشأن الفيزيقي الذي يتحكم ليس في ظهورات هذا الشيء بل أيضا في محاولات فهمه.

مؤكدا بأن الشيء المغيب منذ عصور النهضة والأزمات الكبرى للمسيحية كان هو الروحية السياسية.

Rechercher au prix même de leur vies cette chose dont nous avons, nous autres, oublié la possibilité depuis la renaissance et les grandes crises du christianisme : une spiritualité politique ( [2])

فالمنظور الفوكالدي لم يكن ثمرة تأثر عاطفي، بقدر ما كان اكتشافا معرفيا يلقاه، وخصوصا أنه كان في حرج من الدفاع عن الحكومة الإسلامية كفكرة معلقة في السماء على الطريقة السينوية، ومع ذلك ببحثه في مبانيها وأهدافها لم يجد بدا من دعمها، هذا الإكتشاف الذي كان مغيبا في المباحث الفلسفية السياسية النهضوية منها والإكليروسية المسيحية، وهو بعد الروح في رحم السياسة.

ففيما يخص تحرجه من دعم الحكومة الإسلامية   كفكرة مطلقة يقول ضمن نفس النص " أتحرج من الحديث عن الحكومة الإسلامية كفكرة أو مثال، لكن بوصفها إرادة سياسية فقد بهرتني، بهرتني في مجهودها لتسييس ـ في مقام الجواب على المشاكل القائمة ـ بنى متداخلة اجتماعيا ودينيا، لقد بهرتني في محاولتها أيضا أن تفتح في السياسة بعدا روحيا "،

Je me sens embarrassé pour parler du gouvernement islamique comme idée ou même idéal. Mais comme volonté politique , il m’a impressionné dans son effort pour politiser, en réponse à des problèmes actuels, des structures indissociablement sociales et religieuses ; il m’a impressionné dans sa tentative aussi pour ouvrir dans la politique une dimension spirituelle. ( [3] )

وهو سعي فلسفي أراده ميشيل فوكو أن يدخل أعمال الفلسفة السياسية الغربية، والغريب في الأمر أن المنتوج الفلسفي السياسي الأنجلو أمريكي مهجوس نفسه بهذا البعد كالمجهود الفلسفي عند ليو شتراوس وبلوم وغيرهما كثير، ولم يعمد اللوغوس إلى شجبه، مما يتبين معه بأن الموازين العقلية عن الغرب مختلة وبشكل لا رجعة فيه، إلا إذا تخلص من النظرة الإستعلائية وتواضع لينتقد ذاته.

لذلك فإن فوكو يكون قد أحدث ثورة كوبرنيكية في البناء الفلسفي الغربي بإدخال هذا الشيء الغير المرغوب فيه أبدا وهو " الروحية " وطبعا كان مصيره فكريا كمصير كوبرنيك على محرقة العقل الغربي، صحيح أنهم لا يستطيعون تجاوزه لأنه شكل لوحده مدرسة تأريخية عصية عن التجاوز، لكن لا بأس من إذلاله في هذه الحيثية بالذات، وهو ما سوف نراه في القراءات النقدية حيث وصل بها الحد إلى جعله في مصاف الصبية الأغرار الذين لا يستوعبون ما يحدث حولهم.

فالروحية السياسية التي أبان عنها فوكو هي تلك الشأنية الماورائية المستحكمة في الخروج الفيزيقي لها، بمعنى أنها المحرك المعرفي الماورائي المتحكم في الظهورات الفيزيقية، وهذا عين ما يحاول العقل الغربي تجاوزه ومحاربته، فالماورائيات ما هي إلا أساطير مدخولة بالهوى والرعب الأزليين، وبالتالي لا يسمح لها بالتصرف في الفضاء العام، بل هي من تدبيرات هذا الفضاء حيث لا يسمح لها إلا بالتواجد الشخصي وبضمان أمكنة العبادة، لكن لا حق لها في تدبير الفضاء العام، لذا لم يكن مستغربا أن تكون مجمل المؤاخذات على النظام السياسي الإيراني أنه نظام ملالي وآيات الله، وبالتالي لا يمكن الحديث عن نظام سياسي يتحرك وفق معارف يصنفونها تيوقراطية.

إذا الأزمة الفوكالدية ليست في سلامة البناء الفلسفي لميشيل فوكو، بقدر ما هو دعم لتوجه تيوقراطي حرص اللوغوس الغربي على دفنه لغير رجعة.

سؤال الروحية السياسية كما تتمثل في طروحات ميشيل فوكو هي عملية دمج بين الزمني والقدسي في الشأنية السياسية لكن بتراتبيات معرفية خاصة، تأتت له من خلال استقلال القراءة للمباني الدينية وللإكراهات المادية السياسية، بمعنى أن المبنى الديني ليس معطى معياري صرف بقدر ما هو فكر يتحرك احتكاكا بالواقع، وأن هذه الروحية السياسية ما هي إلى تشخص الفكر الديني في الفضاء العام بإكراهاته الواقعية.

لكن الكثيرين لا يحاولون حتى استيعاب المراد الفوكالدي بعيدا عن أحكام القيمة، بل طفقوا يردون على ميشيل فوكو متترسين بأحكام مسبقة تنم عن أزمة في التشخيص وأزمة في الفهم، من قبل نظام الملالي ما هو إلا ديكتاتورية وبالتالي فإن فوكو كان مخطئا عندما دعمه بقلمه، والذين يريدون الدفاع عن فوكو نجدهم يسرعون ليجدوا له الأعذار، بمعنى أن النظام السياسي الإيراني الإسلامي نظام مدان ونقطة على السطر، وأن فوكو كان ساذجا عندما دعمه نقطة على السطر، فلم ير في الفلسفة الفوكالدية إلا جنون متأثر بجنون، وهذا سقط المتاع المعرفي الموجود عند أمثال حميد زناز متكثر في أوساط المنشدين غربا بدون معيار علمي معتبر، حيث صرح في مقالته " ما هي الأسباب التي جعلت عالم النفس المبجل في فرنسا وخبير الجنون يرى في جنون الخميني ( كذا ) ومناصريه، "روحانية" تفتقدها السياسة في الغرب؟  " ( [4])

فالأزمة المفاهيمية تتجلى في أن البحث عند زناز ينطلق من الدوكسا المعرفية الغربية بدون استدلال معتبر وبقليل دربة يتطاول على المنظومة الفكرية للثورة الإسلامية، والأكيد أنه لا يعلم عنها شيئا كما هو متبدي من هذه المقالة ذات البعد الصحفي.

فليس ثمة قراءة شبه معمقة حول الفكر السياسي الإسلامي وخصوصا الإيراني منه، وانتقاده جاء عن استلاب في أقوى صوره وبأقل مصاديقه. فكل ما يقرأ في هذه المقالة هو انكفاء لأفكار الصالونات الغربية متبنيا لها كأنها مسلمات.

وطبعا هذا التعاطي ومن على شاكلته لا يمكن أن يثمر تصورا معرفيا صلبا، لذا نجد للأسف أن القراءات الغربية النقدية للمنظور الفوكالدي أكثر قوة واستدلالا، وهذا شيء طبيعي لاختلاف في الدرجة المعرفية، بين المفكرين والفلاسفة وسقط المتاع المعرفي.

لذا فسوف نرد باختصار على بحث مجموعة من الدراسات الغربية، حتى لا نتوسع في مقام الإراءة.   

فمثلا نجد أوليفيي روا في مقالته " سر القومة: فوكو وإيران " ( [5] ) يتحدث في هذا المقام موضحا بأن فوكو قد خلط بين فكرة الثورة وبين مصداقها في إيران، مما جعله ينجر في أحكامه بين المعيار دون أن يبحث موضوع المصداق، وهو عين ما نجده أوضحه الباحث شوفالييه بخصوص مقالته حول الروحية السياسية  ( [6] ).

لكن الغريب في الأمر أن هذا اليسوعي رجل الدين، لم يتوقف للحظة واحدة على أن يجعل الدين شأنا خاصا ولا مدخل له في الشأنية العامة، كما لو أن الدين بما هو دين يظل شأنا شخصيا، دون أن ينتبه إلى أن المباني الفكرية الدينية للعديد من الأديان هي مرتكزة على الشأنية العامة كالإسلام واليهودية، وليس ليسوعي أن يحدد الأدوار في هذا المقام لاستغراق الصلاحيات.

فما هو الفارق بين الفكرة والمصداق، فلا أوليفيي روا ولا شوفاليي ولا غيرهم أوضحوا لغيرهم، مواطن الفرق بين الفكرة والمصداق، حيث أنهم دائما ينطلقون من هذه المقدمة ليحاكموا الأفكار، كما لو أن ميشيل فوكو لم يكن على علم بها.

بل وصل بهم الحد إلى القول بأن ميشيل فوكو لو كان حيا لتراجع عن أرائه، كما لو أنه لم يعش سنوات خمس بعد الثورة ولم يتراجع أبدا.

طبعا هو الوعي الشقي الذي يسكن العقل الكسبي لدى الغرب، ومن فرط الصدمة لم يجد حولا لهدم المباني المعتمدة عند فوكو، فطفقوا يتحدثون عن الغيب كما السحرة في الأدغال.

فالملاحظ أن النقودات وغيرها كثير من نفس الشاكلة انبنت على محاكمة فكر الثورة الإسلامية في إيران من خلال مباني معرفية غربية، وهي تنم عن عقدة استعلاء لا تخفى ولم تتواضع للحظة لفهم الظاهرة الإسلامية الإيرانية ومحاسبتها ولو على أقل التقادير وفق الطرح الكوربيني، الذي تفلسف في تعاطيه مع الإرث الفكري الإيراني ومحترما في نفس الآن هذا الإرث دون أن ينخر منهاجه بعقدة الإستعلاء هاته.

لذا نقول إلى جانب ميشيل فوكو صحيح أن الفرنسيين ( والغربيين ) ضحكوا من كلامك وسيستمرون في الضحك، لكن هذا راجع للجهل الذي يعيشون فيه.

J’entends déjà des français qui rient, mais je sais qu’ils ont tort. ( [7])

كان هذا عمل مختصر لسبر أغوار فلسفية لخط الإمام، بوصفه البنية الفكرية الكبرى للثورة الإسلامية في إيران. والحري بنا أن نستوعب خط الإمام بهذا المعنى على الأقل فلسفيا ولا ننجر للتبسيط المخل بالروح العالية للفكرة.

إلى الروحية الاستراتيجية:

طبعا البعد الروحي يظل في قلب الفكر الإسلامي إذا ما تم نزع هذه الجنبة تتهدم أركان الهدى بالإطلاق، وهو عين ما يتم السعي إليه من جانب قوى الاستكبار لأن نزع الروحية يؤدي حتما إلى تحول الدين إلى أفكار تؤخذ وترد وطقوس تحترم ولا تحترم، لذا ليس من المستغرب أن نجد أبحاثا تصب في هذه الخانة.

وعليه يظل من الحيوي جدا رفع سقف المعرفة الدينية الاستراتيجية إلى بعدها الروحي دون خفضها لتوازن القوى أو شيء من هذا القبيل، لأن التداخلات الإقليمية دون ضابطة روحية سوف تؤدي إلى حالة من التيه والغوص في الصغائر ومحاولة الرد عليها.

ليظل من المناسب في هذا المقام محاولة تفعيل براديغم مهدوي في استقراء الكلية الاستراتيجية، لأن الثقافة المهدوية تنبني على مسألتين محوريتين، الأولى حقيقة التواجد مع الإنتظار، وحقيقة الظهور مع الاكتمال لدورة التأريخ.

فالانتظار كمسلكية حضارية لا يتحقق إلا بتحقق الوجود، لأن الإنتظار عنوان غياب شيء موجود ماديا، وفيما يتعلق بالمهدي المنتظر فإن الإنتظار هو عملية إنسانية حضارية للموجود المهدوي.

صحيح أنه قد تناسلت الأبحاث لدراسة فلسفة الإنتظار وكيف يتم ذلك، معتمدة الجنبة الروائية والجنبة العقلية، وهناك من وزع أدوار الإنتظار على طرفي العلاقة بحيث هناك من جعل المهدي المنتظر بفتح الظاء منتظرا بكسرها، وهناك من جعله منتظرا بفتحها، ولكل تصور مترتبات عقلية وواقعية لا تخفى على أصل دور المؤمن في مرحلة الغيبة الكبرى، فهل تتمسك بالمعنى السلبي لها، أم أنها استعداد وحث على تسريع الظهور، ما دام الإنتظار مرتهن بقاعدة النصرة.

وقد حدث تحول تصوري كبير في الذهنية الإيمانية، إذ أن التعامل السلبي مع ظاهرة الإنتظار تحولت إلى جهد إيجابي متحرك مشرئب للظهور، بوصفه أن مجمل المهام تقع على عاتقه، لا أقل الأساسي منها.

وهذا التحول في فلسفة الإنتظار دفع إلى إعادة النظر في مجموعة من المباني الروائية، بتقليب الفهم التأويلي لتؤثر على عنصري الفاعلية والإنفعال بين طرفي العلاقة، ليحدث تحول أساسي في الأولويات الإيمانية خصوصا في العقيدة المهدوية.

وقد أكد العلامة آية الله ناصر مكارم الشيرازي على خصوصية الإنتظار بوصفها التطلع إلى المستقبل بمعنى أنه " يسأم الوضع القائم ويسعى إلى وضع أفضل " ( [8] ) جاعلا منها متركبة من عنصرين: عنصر نفي وعنصر إثبات، أما عنصر النفي فهو عدم التكيف مع الوضع الموجود، وعنصر الإثبات هو السعي إلى الوضع الأفضل، أي تشخيص النقائص والسعي إلى الكمال، هي قوة دافعة للتكامل إذ بدونها تفقد الإنسانية جدوائية وجودها.

فتكون فلسفة الإنتظار هي الحركة التكاملية بمعناها الشمولي، تتحول استعدادا حضاريا لمرحلة الظهور.

أما فيما يتعلق بالأساس الثاني ـ وهي تعرف إطباقا إنسانيا ـ هو أن الظهور المهدوي هو نهاية اكتمال الدورة التأريخية للبشرية جمعاء، بوصفه دائرة تحقق العدالة المبحوث عنها، بل هو منتهى كمال الإنسانية وحاكمية هذا الكمال على النقائص بالشكل المطلق.

إذا ظهور المهدي هو نهاية الإيديولوجيات ونهاية القراءات، ونهاية النسبيات، ونهاية حجية الظهورات، لبدء حقيقة الحقائق البشرية، ولم لا هو نهاية التأريخ والرجل الأخير كما حاول الأستاذ إدريس هاني الدفاع عنها، بإعادة تقويم خلاصات فوكوياما ( [9] ).

وإن كنت شخصيا أستنكف عن هكذا مقاربات لما فيها من تدثير للمباني الأصلية والتأصيلية لظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وإدخالها في زحام المغالبة وفق التوجه الليبرالي للكلمة، لأن المعنى المهدوي أعلى سقفا من هكذا مقاربات. 

وانطلاقا من هاتين الحقيقتين فإننا نستيقن بأنهما تحتاجان إلى حركة إنسانية ساعية لإنهاء حالة الإنتظار بالبناء المعارفي الأكمل ليتناسب هذا البناء ولو استدلاليا مع منطق النهاية الكبرى، بمعنى أن مجمل التصورات يجب أن تتحرك في اتجاه تحقق الإستعدادية المتكاملة مع هذا الظهور الأتم، بما هو فردوس العقل البشري.

وبهذا المعنى فإن العقيدة المهدوية تتحول إلى آلية معرفية كبرى للتحرك البشري بصفة عامة، تضمن له الغائية المثلى وهي تحقيق العدالة في العالم، وشبه العصمتية في الأحكام الوقتية ما دام التصور الإنساني الإنتظاري مدخول بهذه العقيدة. 

بمعنى أن هذه العقيدة بمجمل تفاصيلها تشكل آلية استقرائية للمستقبل، ما دام الظهور من الأمور الحتمية في الذهنية الإنسانية بالأحرى الإيمانية منها.

وعندما تنقلب العقيدة إلى معرفة تقرأ بها الأشياء فإننا بالضرورة نتحدث عن ولادة براديغم جديد يهدم غيره من البراديغمات ولو في مباحث العلاقات الدولية لنتخلص من رقعة الشطرنج وكرات البليار وتزاحم الحضارات حد الصراع، والحقيقة تقال أن الثورة الإسلامية لم تكن في مجمل تصوراتها إلا مبنى معرفي كبير لهذه الغاية لأنها أرادت لنفسها أن تكون لا شرقية ولا غربية، تحكمها المباني المعرفية الدينية الكبرى والمتوسطة، ويتم التعامل مع الواقع الخارجي الدولي بهذه الخلفية الفكرية، لا احتكاك المصالح، لذا نجد بأنه حتى في قراراتها السياسية الكبرى كانت تنظر إلى الصراع الزمني مع قوى الشر بما هو توطئة للظهور، فلا أحد يمكنه أن يدافع عن موقف الجمهورية الإسلامية من المقاومة والممانعة للعقلية الإمبراطورية الأمريكية بأنها ثمرة تشخيص مصالح، فليس ثمة دولة على وجه الأرض بالمعنى الفكري الإنساني العلماني تقبل أن تدخل في مشاحنات سياسية عالمية وحصار اقتصادي وحرب استعلامات لمصالح ترى بأنها تخدم غرضها في قبال دعم توجه مقاوم هو بالحسابات السياسية والإقتصادية مكلف أكثر منه منتج. إلا إذا خلصنا إلى أنها تعمل على أساس معيار ديني فكري متجذر في التراث الحي وناظر للمستقبل المنتظر، وربما باعتماد البراديغم المهدوي كآلية كبرى لاستفهام العلاقات الدولية والسعي إلى تسريع المقتربات لضمان هذه الرسالية الكبرى، يمكن أن يحدث تواصل فعلي بين الدول المجاورة للجمهورية، لأن القراءة الخارجية للمنظومة الفكرية الإيرانية دائما منبثقة من معامل المنفعة والمصلحة الدنيوتين، فيحدث سوء تفاهم بهذا الخصوص. 

نعود إلى أصل الأفهوم لنعاين بما هو جهاز معرفي يحقق المقصودية له، والمنبنية على إرث فلسفي تأريخي كبير، رائي إلى الكمال بما هو كد إنساني وسعي أخلاقي، وبالضرورة هي غير متوافقة مع عنصر الإستفادة من التوازنات السياسية الكبرى.

صحيح أن التوازنات الدولية لها دور في التعامل ـ لأنني لست طوباويا ـ لكنها لا تضحي حاكما في الرؤية بقدر ما تشكل تحديا حضاريا وعقبة أمام الرؤية البراديغمية المهدوية، تداريها وتتقيها في اتجاه حفظ الخط العام لها.

إذا خط الإمام كما أفهمه ليس هو تلك المفاهيم الفضفاضة على أهميتها من عدالة اجتماعية ورفاه اقتصادي وشرف الوقوف إلى جانب المستضعفين، بل هو أعمق من ذلك هو عرفان سياسي يتعالى عن منزلقات الواقع الخارجي، ويتعامل معها بعنوان القيمة العليا ليتحقق التكامل الذاتي وما دامت مهجوسة بالغيرية وبالكثرة البشرية، فإنها تتحول إلى تكامل أممي ولم لا بشري، وهو عين النهاية التأريخية،

وربما هناك ثمة جهد معرفي عند الأستاذ إدريس هاني بخصوص سعيه لإعطاء دواء لتجاوز الأمة العربية لمعامل كبوتها، أسماه بالتبني الحضاري والتجديد الجذري، يحدده كالآتي:

– التبني الحضاري: هو مشروع يتعدى السؤال: كيف يكون المسلم مسلما وكفى، في كل الظروف والشروط الممكنة. فهذا خلاص فردي وأخروي. ليصل إلى السؤال : كيف نجعل ، مسلما نموذجيا متقدما ناميا سيد دورته الحضارية، في ظروف معينة وشروط محددة، فهذا خلاص جماعي دنيوي وأخروي، برسم معذرية أمة وكائن مستخلف. بخلاف المعذرية الفردية الغالبة على التصور السابق.

وهو عين ما يصطلح عليه في القاموس الديني بالتمكين في الأرض.

– التجديد الجذري: مقتضاه إعادة تفكيك الأنساق التاريخية إلى مستوى التعاليم، أن نعيد الظاهرة إلى مستواها الغير المنظوم، فهو تحرير للتعاليم من كل أشكال الفهم المتركزة على نمط معرفي، لعله لم يعد له حضور فاعد زماننا.

مما يفيد أن هذا الأساس هو بحث عن إيجاد مقاربة معيارية للتعاليم بعيدا عن تشكلاتها التاريخية والسياسية، حتى يتسنى تحقيق التفاعل المبحوث عنه مع الواقع.

وعليه فإن هذه المنهجية يمكن اعتبارها عن حق صامولة في ماكنة البراديغم المهدوي لسببين:

أولها، أنها مدخولة بالبعد الجماعي في التكليف وغير مرتهنة بعنصر الفردانية، محك الفكر الليبرالي، ذلك أنها توسعت في مقام العرض بعنوان الإنتهاك لأصالة الفرد لمصلحة أصالة المجتمع بمعنى أن الفردانية لا حق لها إلا بالقدر الذي يكون لها من دور إيجابي داخل المجتمع، ولا يسمح للحقوق الفردية أن تنقلب أزمة للحقوق الإجتماعية، كما عليه الحال في الجغرافيا الليبرالية، وبذلك يتحقق قلب في القراءة يؤدي بالضرورة إلى إعادة ترتيب الأولويات والرؤى الإستراتيجية الكبرى، ولنا عودة بهذا الخصوص لكن بعد أن ننتهي من بسط السبب الثاني.

وثانيها، أنها لا تقبل بالمجريات التأريخية إلا بعنوان أقنمتها للأحداث المحورية والتعامل معها على هذا الأساس، بمعنى أن المباني المعرفية التأريخية والأحداث تتحرك معياريا، حيث لا يكون للمكان أو الزمان من دور في بحث القيمة، وهو عين الإستحضار الحضاري للبعد التأريخي الديني. 

ولا بأس من إعادة إجراء قراءة فلسفية للتأريخ الديني للخروج بالزبدة الكونية في هذا المقام، فمثلا في مقام بحث المبدأ السنني في التأريخ وقانون العلية حيث أوضح سماحة السيد باقر الصدر ( قدس سره الشريف ) في مقام تفصيل البحث في الأبعاد المحركة حيث جعل أن الفعل الإنساني الفرد المؤسس على بعدين وحسب علة فاعلية وعلة غائية يظل عملا فرديا، أما العمل الذي يتأسس على بعد ثالث إضافي < علة مادية > فهو العمل التاريخي السنني والذي على أساسه تتم مساءلة الأمة، يصرح السيد " في القرآن الكريم نجد تمييزا بين عمل الفرد وعمل المجتمع. والقرآن الكريم تحدث في استعراضه للكتب الغيبية الإحصائية عن كتاب للفرد وكتاب للأمة، عن كتاب يحصى على الفرد عمله، وعن كتاب يحصي على الأمة عملها. وهذا تمييز دقيق بين العمل الفردي وعمل الأمة، بين العمل الذي له ثلاثة أبعاد والعمل الذي له بعدان العمل ذو البعدين لا يدخل إلا في كتاب الفرد، وأم العمل ذو الأبعاد الثلاثة فهو يدخل في الكتابين. يدخل في كتاب الأمة، ويعرض على الأمة، وتحاسب الأمة على أساسه " ( [10] )

فالسنن التاريخية تتركز على ثلاثة حقائق دافع عنها السيد باقر الصدر ( قدس سره الشريف ) وهي:

الحقيقة الأولى: هي الإطراد والسير على خط معين فهي ليست بالعشوائية ولا رهينة الصدفة ومجرد الإتفاق، يقول السيد باقر الصدر بأنها ّ علاقة ذات طابع موضوعي لا تتخلف في الحالات الإعتيادية التي تجري فيها الطبيعة والكون على السنن العامة، وكان التأكيد على طابع الإطراد في السنة تأكيدا على الطابع العلمي للقانون التاريخي ". ( [11] )

الحقيقة الثانية: ربانية السنة التاريخية، يوضح السيد باقر الصدر "إن السنة التاريخية ربانية مرتبطة بالله سبحانه وتعالى، سنة الله، كلمات الله على اختلاف التعبير، بمعنى أن كل قانون من قوانين التاريخ، فهو كلمة من الله سبحانه وتعالى، وهو قرار رباني، هذا التأكيد من القرآن الكريم على ربانية السنة التاريخية وعلى طابعها الغيبي، يستهدف شد الإنسان حتى حينما يريد أن يستفيد من القوانين الموضوعية للكون بالله سبحانه وتعالى، وإشعار الإنسان بأن الإستعانة بالنظام الكامل لمختلف الساحات الكونية والإستفادة من مختلف القوانين والسنن التي تتحكم في هذه الساحات، ليس ذلك انعزالا عن الله سبحانه وتعالى لأن الله يمارس قدرته من خلال هذه السنن، ولأن هذه السنن والقوانين هي إرادة الله، وهي ممثلة لحكمة الله وتدبيره في الكون". ( [12] )

الحقيقة الثالثة: وهي حقيقة اختيار الإنسان وإرادته، " والتأكيد على هذه الحقيقة في مجال استعراض سنن التاريخ مهم جدا ". ( [13] )

فالظواهر التي تدخل في نطاق سنن التأريخ حسب أعلاه ثلاثة: السبب < علة فاعلة > " ذلك أن الظواهر الكونية والطبيعية كلها تحمل علاقة ظاهرة بسبب، علاقة مسبب بسبب " ( [14] ) و " هناك ظواهر على الساحة التاريخية تحمل علاقة من نمط آخر، وهي علاقة ظاهرة بهدف " ( [15] ) وهي < العلة الغائية > و " أن يتعدى هذا العمل الفاعل نفسه ويتخذ من المجتمع الذي يكون الفاعل أحد أفراده، أرضية له، ويخلق موجا ذا درجة معينة " ( [16] ) وهو < العلة المادية >، فالسيد باقر الصدر يبني السنن التاريخية على قاعدة العلية المتحكمة في السبب والهدف وكذا الأرضية، ولا يمكن بتاتا التفكير في السننية خارج عن هذا القانون.

وعليه فإن الروحية الإستراتيجية تنبني بما هي مسؤولية أمة على ثلاثة أبعاد أساسية ومحورية علة فاعلية وعلة غائية وعلة مادية.

علة الفاعلية: يجعل سماحة السيد قدس سره الشريف من الظواهر الكونية والطبيعية كلها تحمل علاقة ظاهرة بسبب، علاقة مسبب بسبب، بمعنى أن العلة الأولى التي يجب أن تنطلق منها الصحوة الإسلامية هو تشخيص الحركية الكونية وازدحام المصالح فيها، كآلية نظر لا كغاية بحث، وهنا بالذات ما يحدث خلط في القراءة بمعنى أن العقل الباحث يتيه في العلة الأولى وينسى البعد الغائي من الوجود الإنساني.

علة الغائية: يجعل سماحة السيد قدس سره الشريف من هناك ظواهر على الساحة التاريخية تحمل علاقة من نمط آخر، وهي علاقة ظاهرة بهدف، وهذا مستوى آخر من النظر ليس بجزئية مستقلة بقدر ما هو نظر مرحلي في الظواهر، وهذا البعد كما سبق التنويه إليه كثيرا ما يغيب عن الأبحاث التحليلية، ويجب تدارك هذا النقص بالتركيز على غاية الظواهر بما فيها الرؤى الدولية في المنطقة وإعادة قراءتها بالمستويين معا، للوصول إلى البعد الأعمق وهو العلة المادية.

العلة المادية: يجعل سماحة السيد قدس سره الشريف من تعدي هذا العمل الفاعل نفسه ويتخذ من المجتمع الذي يكون الفاعل أحد أفراده، أرضية له، ويخلق موجا ذا درجة معينة، وهنا حيوية البحث لأنها تتحرك ذهابا وإيابا بين العلة الفاعلية والعلة المادية، بمعنى أن الظواهر الكونية تقرأ على حقيقتها ويعاد النظر فيها لتتوافق مع المنطور الغائي لتحقق شروطه المادية.

وهي عملية جد إيجابية لا بد من الإهتمام بها، لأنها تساعد على معاينة الظواهر على حقيقتها لا التركيز على الخطابات الرسمية ورسائل الود والمحبة.

 
العنوان الثاني: قلب الأستاذية في مقام القراءة:
 

يلاحظ القارئ وخصوصا للأبحاث الإستراتيجية بأن الإرث الفكري ينتقل من الأقوى ماديا لباقي العالم، ففي بدايات القرن العشرين كان الإجتهاد البريطاني في الإستراتيجيا ينجر لباقي العالم، كما الدرس يلقن للجميع.

وبعد الحرب العالمية الثانية صارت الدروس تعطى من الولايات المتحدة الأمريكية وتلقن لباقي العالم.

وهنا المعضلة، لأنه لا يمكن للأمة الإسلامية أن تقوم من سباتها، وهي تتلقى دروسا في العلوم الاستراتيجية من المدرسة الأمريكية، وخصوصا أن هذه المدرسة لا تتوقف عن التخبط، فمن القوى الناعمة لجوزيف ناي إلى القوة الذكية إلى القوة الغبية ( روبير كاغان ) إلى الحكامة الشمولية ( فرنسيس فوكوياما ) إلى الرجوع إلى العصور الوسطى ( باراغ خانا ).

ونحن هنا في مقام النقاش نحاول التركيز على تصور باراغ خانا لثلاث اعتبارات، الإعتبار الأول هو أنه الوحيد الذي لا يركز على الثقل العسكري في الحاكمية بخلاف جوزيف ناي، بل يذهب أبعد من ذلك إلى السقف الثقافي كما فرنسيس فوكوياما، والإعتبار الثاني أنه يكشف المنظور الأمريكي بأنه تصور رجعي بجميع المقاييس، وهو ما أسماه بالرجوع إلى العصور الوسطى، والإعتبار الثالث أنه أحد أكبر مستشاري باراك أوباما وصنف ضمن الخمس وسبعين الأكثر تأثيرا في العالم وأحد الخمسة عشر الأذكى أيضا.

خلاصة نظرية باراغ خانا:

يرى الخبير الاستراتيجي خانا أن العالم أجمع بدأ يعرف نفس خصوصيات العصور الوسطى، من قبل اضمحلال مؤسسة الدولة الأمة حيث أن الأزمات المالية إذا مست دولة كالولايات المتحدة الأمريكية تنعكس بالسلب على مجموعة من الدول في العالم، أو أنك عندما تنظر إلى جمهورية الصين فإنك تنظر إليها على أنها أكثر من دولة.

The nation-state has just about passed away in terms of exclusivity. Now, when people talk about countries and international relations, they have to acknowledge that what they’re talking about is, at best, a particular slice of what’s going on in the world, and is not at all representative of the entirety of what’s happening. But there are some exceptions. When you look at China, you don’t exactly say that it is disappearing as a state. When you look at the financial crisis, all of a sudden, the United States is more of a state than ever. It has decided to take over practically the entire financial-services industry. ([17])

أو أنك عندما تنظر إلى أفغانستان فإنك لا تنظر إليها كدولة، وقد دافع عن هذا التصور في سلسلة مقالات لا تعدو أن تكون تكرارا لمجموعة ملاحظات يبديها هنا وهناك، لكن المحصلة هي أن العالم لم يعد قرية صغيرة، بل عاد عالم قروسطيا، حيث ثمة صراع على السلطة وتفكيك للإمارات الضعيفة، في ظل العولمة حيث المشروع أكبر من دولة واحدة، بل أكبر من أن يهتم بدولة واحدة.

The key principle is overlap. Many people think that because a company isn’t a country, it falls beneath some jurisdiction. But more and more companies fall into all jurisdictions and under none at the same time, because all they do is regulatory arbitrage. They just move around wherever is best for them. Why did Halliburton go to Dubai? Changing this would never work because globalization is more powerful than any one country. Globalization creates perpetual, universal opportunities for nonstate actors to exploit. And governments can’t control globalization. No one can.([18])

فالمنظومة الفكرية التي يدافع عنها باراغ خانا أن الشرعة الدولية وغيرها من الموازين الدولية لم تعد ذات قيمة تذكر، كما أن العصور الوسطى لم تكن منضبطة لهكذا تصور، وأن سياسة التقسيم الجغرافي لمجموعة من الدول خدمة لمصالح العولمة هي سائرة وغير متوقفة بتاتا، ففي مقالة له حديثة جعل من التقسيم شيئا من الجميل فعله Breaking Up Is Good to Do، حيث جعل من تقسيم السودان مجرد خطوة في اتجاه تقسيم العالم الأجمع، وطبعا ليس من المستغرب أن يركز على منطقة الشرق الأوسط، جاعلا منها قدرا لا يرد.

This growing cartographic stress is not just America’s challenge. All the world’s influential powers and diplomats should seize a new moral high ground by agreeing to prudently apply in such cases Woodrow Wilson’s support for self-determination of peoples. This would be a marked improvement over today’s ad hocsystem of backing disreputable allies, assembling unworkable coalitions, or simply hoping for tidy dissolutions. Reasserting the principle of self-determination would allow for the sort of true statesmanship lacking on today’s global stage.([19])

طبعا ليس الغرض هو الغوص في مجمل أفكار هذا الباحث، بل فقط التنويه إلى مسألة حساسة جدا، وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إلى نفسها كإمبراطورية وباقي العالم رعاياها، ولهذا هي لا ترى نفسها ملزمة بأية شرعية دولية، وهو ما تم التثبت منه خلال إعلان الحرب على العراق دون الرجوع إلى مجلس الأمن، بل نجد بأن الإدارة الأمريكية ذهبت أبعد من ذلك عندما أعلنت بأنها غير معنية بأمم المتحدة إذا ما رأت مصلحتها في التدخل العسكري في أي قطاع ترابي في العالم، في إطار ما أسمته بالحرب الإستباقية.

طبعا ما نريد التنويه إليه الآن هو أنه في الاستراتيجيات العالمية لم يعد ينتبه للأمم المتحدة على أساس أنها رمز الشرعية، بل فقط ينظر إليها على أساس أنها أداة تخدم غرضا مرحليا وإلا فإنه يتم تجاوزها بكل سهولة.

وما دامت الرؤية الإستراتيجية الأمريكية تنطلق من مقدمة المنظور الإمبراطوري العائد إلى العصور الوسطى، فإنه يكون من الأسلم إعادة تفعيل مفهوم الأممية الإسلامية على أساس هذه الحقيقة، ولكن ليس رجوعا إلى الوضعية الإسلامية خلال العصور الوسطى، بل هدم مفهوم الدولة الأمة وإعادة التركيز على الروحية عند الأمة الإسلامية، متجاوزين المذهبية والإثنيات، حتى يتسنى الخروج الكلي في مواجهة الاستكبار الكلي.

برز الإيمان كله للشرك كله:

تشكل هذه المرحلة إحدى أجلى صور تحقق الحديث الشريف الذي قاله الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال بمناسبة نزال الإمام علي سلام الله عليه لرأس الكفر عمرو بن ود في معركة الخندق " برز الإيمان كله للشرك كله "، وهي لحظة أساسية مر بها الإسلام في حرب نفسية لا تخفى على مراجعي السيرة النبوية. عندما عمد الكفار إلى التوحد مع اليهود في حرب وجودية أرادوها في مواجهة الإسلام والمسماة بحرب الأحزاب، والضغط النفسي وصل إلى مداه عندما دخل عمرو بن عبد ود معسكر المسلمين متحديهم في نزال.

فهذه اللحظة التكالبية للكفر على الإسلام كانت من إحدى أحرج اللحظات، وبالفعل خرج الإمام علي سلام الله عليه منازلا وقاتلا لعمر بن ود.

وهنا بالضبط حاولنا استحضار هذه اللحظة للتأكيد على مسألة أساسية، وهي أن الوقوف في وجه الحرب النفسية بقوة الإيمان يكون النصر لا محالة.

لكن قبل بسط النظر في هذا المقام، يظل من المناسب إبداء وجهة نظرنا في المنظومة المعرفية المسماة بالاستحضار.

عمق الاستحضار:

ما لاحظه الباحث الكبير مرسيا إلياد بخصوص دراسته المقارنة للأديان هو أنه ثمة زمنين، تعرفهما الإنسانية خصوصا المتدينة منها، وهو الزمن المقدس والزمن المدنس منتبها إلى أن الرجل المتدين لا ينظر إلى الزمن على أنه منسجم أو مسترسل، بل يرى التاريخ بأنه يعرف انقطاعات مرحلية ذات طابع قدسي، هذا التأريخ يتميز بميزتين كبيرتين أولهما أنه تأريخ ارتجاعي يعرف بعدا حلقيا، ثانيهما أنه زمن ميثي أساسي يتم استحضاره. ( [20] ) ف " أي حفل ديني أو طقس ديني يتأسس على عملية استحضار حدث ميثي حدث في ماضي ميثي في البدء، فالمشاركة دينيا في حفل يؤدي بالضرورة إلى الخروج من الزمن الدنيوي العادي والدخول إلى زمن ميثي مستحضر من قبل الحفل نفسه، فالزمن المقدس دائم الإسترجاع دائم التكرار ". ( [21] )

بمعنى أن الحدث الديني ما هو إلا عملية متمعيرة مع حدث ديني ميثي * حدث في مرحلة زمنية بعيدة عن زمن الممارسة، إلا أن هذا الحدث يظل مستحضرا بشكل يطابق الحدث مع تحقق فارق الزمن العادي. إلى حد ما يظل الحدث الديني الطقوسي وغيره من السلوكيات التعبدية المرتبطة بالمكان والزمان هو نفسه مع اختلاف في الأشخاص، لكن المعنى متحقق ولو في درجة معينة.

إلا أن خصوصية وجود الزمن المقدس لا تتوقف عند هذا الحد بل نجدها تذهب إلى أبعد من ذلك وهي أن التاريخ يكون حاملا للمعنى تحكمه معقولية وغائية ( [22] ) وطبعا تشخيص المعقولية والغائية تظل مرتهنة للفكر الكلي عند المتدين. صحيح أن إغفال المفكر إلياد لهذه الخصوصية لم تكن متأتية من جهة جهالته، ولكن فقط من جهة أنه ركز على المائز الفيصل، دون المشتركات، وإضفاء الطابع القدسي على الزمان يكفل المعيارية والقفز على المساحة الزمانية العادية حتى يتسنى استحضار الحدث الديني في أعلى صوره وهذا ما سعت إليه الثورة في مختلف تفاصيل أدبياتها الحسينية.

فالإستحضار كما سبق بيانه هو عملية متمعيرة من حدث ديني ميثي، فما المقصود من الميثات الدينية ؟ ربما قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم على أن البعد الميثي يتركز على الأسطورية أكثر من اعتماده على حقائق تأريخية.

لكن هذا الفهم بعيد كثيرا عن المعنى الأنتربولوجي للأفهوم المستعمل في هذا المقام، فالمراد بالحدث الميثي الديني، هو تلك القراءة التفصيلية لكبريات الحدث التأريخي ذات البعد الديني، مع الخروج بخلاصة مبدئية غير قابلة للتغيير، لكن تظل في جميع الأحوال قابلة للتوسعة والتضييق بوصفها لا تتجاوز الفهم البشري.

هذه الخلاصة التي تتحرك من الفهم الخاص إلى الفهم الشامل متحولة لمكون أنطولوجي لمجمل حركة الأمة باتجاه تفعيل تمكينها في الأرض.

فالبعد الاستحضاري لا يتمثل فقط في استيعاب الظاهرة الدينية في لحظة زمنية ولا في الحراك الاستغراقي لفلسفتها، بل في تحويلها إلى طاقة بقاء للمجتمع الديني الذي تندك فيه.

هي عملية إحياء بالأصالة، وتختلف تماما عن النظرة الإحيائية للفكر الديني حيث أن هكذا نظرة لا تتجاوز سقف التصورات والسجال المعرفي الذي لا يؤثر حتما على المجتمع بما هو هو.

لأن أقصى ما يمكن تحقيقه هو تحولات فردية قد تستمر وقد لا تستمر، لكن لا تغير في حجم الموجود الكبروي الذي يعيش فيه الإحيائي، لذا لا غضاضة أن نجد مجمل المشروع الإحيائي الديني أو الإصلاحي لم يحقق نجاحا يذكر على العقل الإسلامي المعاصر RATIO ISLAMIQUE بقدر ما ولدت مجموعة أفراد يتشاركون المشروع.

عملية الاستحضار:

فعملية الإستحضار لمعركة الخندق بكل مفاعيلها خلال هذه المرحلة بالذات، أكيد أنها سوف تدفع في اتجاه خلق توازن قوى لا يخفى.

فابن هشام يشير إلى حالة من الفوضى والخوف عم المسلمين حتى تبدى المنافقون في أحلك وجوههم، قائلا:

وعظم عند ذلك البلاء ، واشتد الخوف ، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم ، حتى ظن المؤمنون كل ظن ، ونجم النفاق من بعض المنافقين ، حتى قال معتب بن قشير ، أخو بني عمرو بن عوف : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط . [ رأي ابن هشام في نفاق معتب ]

قال ابن هشام : وأخبرني من أثق به من أهل العلم : أن معتب بن قشير لم يكن من المنافقين ، واحتج بأنه كان من أهل بدر .

قال ابن إسحاق : وحتى قال أوس بن قيظي ، أحد بني حارثة بن الحارث : يا رسول الله ، إن بيوتنا عورة من العدو ، وذلك عن ملأ من رجال قومه ، فأذن لنا أن نخرج فنرجع إلى دارنا ، فإنها خارج من المدينة فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم – ص 223 – وأقام عليه المشركون بضعا وعشرين ليلة ، قريبا من شهر ، لم تكن بينهم حرب إلا الرميا بالنبل والحصار . قال ابن هشام : ويقال الرميا. ( [23] )

نقول في عز هذه الأزمة النفسية وظهور التذبذب في صفوف المسلمين نزل عمرو بن عبد ود متحديا المسلمين في نزال ثنائي، وهي قمة الحرب النفسية.

يقول ابن هشام قال ابن إسحاق : ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق ، فضربوا خيلهم فاقتحمت منه ، فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع ، وخرج علي بن أبي طالب عليه السلام في نفر معه من المسلمين ، حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم ، وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة ، فلم يشهد يوم أحد ؛ فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليري مكانه : فلما وقف هو وخيله ، قال : من يبارز ؟ فبرز له علي بن أبي طالب فقال له : يا عمرو ، إنك قد كنت عاهدت الله ألا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه ، قال له : أجل ؛ قال له علي : فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله ، وإلى الإسلام ؛ قال : لا حاجة لي بذلك ، قال : فإني أدعوك إلى النزال ؛ فقال له : لم يا ابن أخي ؟ فوالله ما أحب أن أقتلك ، قال له علي : لكني والله أحب أن أقتلك ؛ فحمى عمرو عند ذلك ، فاقتحم عن فرسه ، فعقره ، وضرب وجهه ، ثم أقبل على علي ، فتنازلا وتجاولا ، فقتله علي رضي الله عنه . وخرجت خيلهم منهزمة ، حتى اقتحمت من الخندق هاربة .

لقد خاض المشركون حروباً عديدة ضدّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قبل معركة الأحزاب، ولكن العدوّ في جميع تلك المعارك والحروب كان من طائفة أو قبيلة واحدة، ولم يكن من عموم الجزيرة العربية، ومن عموم القبائل، أي الاسلام لم يواجه في تلك الحروب والوقائع عدواناً شاملاً من سكان الجزيرة.
 
وحيث أن أعداء الاسلام رغم الجهود الكبيرة لم ينجحوا في القضاء على الحكومة الاسلامية الفتيّة، قرروا هذه المرة أن يستأصلوا الاسلام عن طريق إتحاد عسكري عريض، يضم كل قبائل الجزيرة العربية المشركة، ويرموا المسلمين بآخر سهم في جعبتهم، من هنا عمدوا الى تعبئة أكبر قدر من المقاتلين، واستصرخوا أكبر قدر من القبائل وتحركوا في جمع لم يعرف له تاريخ العرب والجزيرة من نظير نحو المدينة لتحقيق ذلك الهدف المشؤوم. ولولا تدبير المسلمين للدفاع عن المدينة لحقق العدوّ الحاقد أهدافه.

ولهذا جلب أعداء الاسلام معهم أكبر صنديد من صناديد العرب، وأشهر بطل من أبطالهم ورأسوه عليهم، وهو عمرو بن عبدود العامري ليشدُّوا به أزرهم، ويحققوا بسببه ما كانوا يأملونه من الظفر.

وعلى هذا الاساس كانت معركةُ الأحزاب مواجهة كاملة بين كل الكفر وكلِّ الايمان، وخاصة عندما تبارز بطل الاسلام وبطل الكفر وتواجها في ساحة القتال.

فبرز عليُّ عليه السَّلام إلى عمرو يهرول في مشيته، مبادراً اليه دون ابطاء، وهنا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كلمته الخالدة في تلك المواجهة: «برزَ الإيمان كلُه إلى الشرك كلُّه» ( [24] )

وبالتالي فإن اللحظة التي نعيشها اليوم هي واصلة حد التطابق مع تلك اللحظة المستحضرة، فالنفاق يطل برأسه وعمرو بن عبد ود ( الولايات المتحدة الأمريكية ) خرج للنزال، فهل للصحوة الإسلامية مكنة أن تنازله وتسحقه، فتكون مصداق خروج الإيمان كله إلى الكفر كله.

طبعا لها أن تكون مصداقا لهذا بشرط أن تبتني معارفها الإستراتيجية على المباحث الإسلامية دون تتلمذ على المدارس النفعية والبراغماتية، التي لا يمكن أن ينتج عنها ثمرة إلا الاستتباع.

كانت هذه الورقة جد مختصرة فيض خاطر نبوح به، في انتظار إنجاز بحث أكثر صرامة وأكثر دقة وأكثر انطولوجية في السؤال الاستراتيجي.

 

_________________________________________

(*)باحث من المغرب 

المراجع المعتمدة:

ـ ابن هشام: السيرة النبوية مأخوذ من الشبكة العنكبوتية.

ـ آية الله ناصر مكارم الشيرازي: الحكومة العالمية للإمام المهدي ( عج ) عن الناشر مدرسة الإمام علي بن طالب عليه السلام سنة 1426 هجري قمري.

ـ إدريس هاني: المهدي المنتظرـ فلسفة الغيبة وحتمية الظهور، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات سنة 2009، وخصوصا مبحث دولة الموعود ومآزق الفكر السياسي.

ـ الشهيد السيد محمد باقر الصدر: المدرسة القرآنية عن دار الكتاب الإسلامي الطبعة الأولى سنة 2004.

ـ العلامة جعفر السبحاني: سنن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الجزء الثاني بعنوان غزوة الأحزاب، اعتمد المرجع من الموقع الإليكتروني.

ـ حميد زناز: "الروحانية السياسية": هل هي هفوة ميشال فوكو الكبرى؟

ـ سالم يفوت: الزمان التاريخي من التاريخ الكلي إلى التواريخ الفعلية، دار الطليعة 1991.

– Michel Foucault : a quoi rêvent les iraniens pp 688 – 694 in DITS ET ECRITS tome 2 QUARTO GALLIMARD éditions 2001.

– Mircea Eliade : Le sacré et le profane, Gallimard folio essais, 1965. p 63.

Olivier Roy:  « l’énigme du soulèvement » Foucault et l’Iran.

– Parag khanna : Neo-Medieval Times in good politics review december 2008

paragh khanna ; breaking up is good to do, foreign policy, January 13, 2011

Philippe Chevallier : La spiritualité politique Michel Foucault et l’Iran

ـ
 
 



[1] – Michel Foucault : a quoi rêvent les iraniens pp 688 – 694 in DITS ET ECRITS tome 2 QUARTO GALLIMARD éditions 2001.

[2] – Michel Foucault : a quoi rêvent les iraniens P 294.

[3] – Michel Foucault : a quoi rêvent les iraniens p 294.

[4]  ـ حميد زناز: "الروحانية السياسية": هل هي هفوة ميشال فوكو الكبرى؟

 
[5] ـ Olivier Roy:  « l’énigme du soulèvement » Foucault et l’Iran.
 

[6] – Philippe Chevallier : La spiritualité politique Michel Foucault et l’Iran

[7] – Michel Foucault : a quoi rêvent les iraniens p 294.

 

[8]  ـ آية الله ناصر مكارم الشيرازي: الحكومة العالمية للإمام المهدي ( عج ) عن الناشر مدرسة الإمام علي بن طالب عليه السلام سنة 1426 هجري قمري، الصفحة 75.

[9]  ـ إدريس هاني: المهدي المنتظرـ فلسفة الغيبة وحتمية الظهور، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات سنة 2009، وخصوصا مبحث دولة الموعود ومآزق الفكر السياسي.

[10]  – الشهيد الصدر: المدرسة القرآنية عن دار الكتاب الإسلامي الطبعة الأولى سنة 2004 ن.م الصفحة 71.

[11]  – الشهيد الصدر: ن.م الصفحة 55.

[12] – الشهيد الصدر: ن.م الصفحة 57.

[13]  – الشهيد الصدر: ن.م الصفحة 61.
[14]  – الشهيد الصدر: ن.م الصفحة 68.
 
[15]  – الشهيد الصدر: ن.م ن.ص.
[16]  – الشهيد الصدر: ن.م الصفحة 70.
[17]-Parag khanna : Neo-Medieval Times in good politics review december 2008.
 
[18]– parag khanna ; op.cit.

[19]-paragh khanna ; breaking up is good to do, foreign policy, January 13, 2011

 

[20] – Mircea Eliade : Le sacré et le profane, Gallimard folio essais, 1965. p 63.

[21] – Mircea Eliade : op.cit. p 63.

* – الميث: يراه المفكر إلياد هو الذي يحكي تاريخ مقدس أي حدث أساسي تحقق خلال فترة زمنية معينة تسمى بدأ الحدث. وطبعا حكي التاريخ المقدس يساوي كشف المستور، نفس المرجع الصفحة 84.

 

[22]  – سالم يفوت: الزمان التاريخي من التاريخ الكلي إلى التواريخ الفعلية، دار الطليعة 1991، الصفحة 11.

[23] ت لمزيد من التوسع يرجع لسيرة ابن هشام تحت عنوان غزوة الخندق المرجع معتمد من عنوان إليكتروني.

[24]  ـ العلامة جعفر السبحاني: سنن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الجزء الثاني بعنوان غزوة الأحزاب، اعتمد المرجع من الموقع الإليكترون على الرابط الآتي، http://www.alseraj.net/maktaba/kotob/aqaed/sayedmros2/html/ara/books/sayd/sayd2/a16.html مطلع عليه بتأريخ 25 شتنبر 2011.


Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً