أحدث المقالات

الفقه التاريخي، التعريف والمكوّنات

الفقه التاريخي: مجموعة من الآراء الفقهية التي ظهرت في الأزمان الماضية وعليها مؤثرات الأزمان تلك؛ إذ من المعلوم أن المراحل التي مر بها الفقه الإسلامي متعدّدة اختلف الناس فيها وفي أزمانها كلّ على ما يراه([1]). لكن الأقرب للقناعة أن منتصف القرن الرابع إلى ما بعد سقوط بغداد (656هـ) كان عصر الإبداع والتنظير التأسيسي، أما بعده فقد عكف الدارسون على مذاهب السابقين لاسيما المجتهدين الأربعة، وفي منتصف القرن السابع وقبل سقوط بغداد سقطت قرطبة، وأوقف الاجتهاد بقرار رسمي، وشاعت المركزة المذهبية وساد نظام الحواشي والتفريع على متون الكتب الفقهية، وصار كل ما يواجهه الناس من حوادق يجبر الناس على أن السابقين قد تعرضوا له، وحملاً على تقديسهم تقدّست فتواهم صغت الحياة لصالح النص الفقهي، فاكتفوا بمقالات الأقدمين، فلا حافز يحفزهم للبحث الجديد([2])، ولهذا انصرف الناس إلى اجتهاد ليس فيه إلا ترجيح بعض آراء المذهب على غيرها، حصل ذلك رغم أنّ نقولات المجتهدين الأربعة كانت على عكس المجريات.

فالشافعي يقول مثلاً: مثل الذي يطلب العلم بلا حجة كمثل صاحب الليل، وعن أبي يوسف قوله: >لا يحل لأحد أن يقول قولنا حتى يعلم من أين قلناه<([3]) وأنتج ذلك الوضع ظاهرة التعصّب، فلم تكن المناظرات التي جرت هذه الفترة إلا سجالات خلافية أكثر منها وسيلة للتقارب، الموضوعية وبقي هذا سارياً من سقوط بغداد 656هـ، حتى ظهور مجلة الأحكام العدلية 1286هـ شاعت خلالها طريقة المتون المختصرة، والإيغال في الاختصار مما حوّلها إلى ألغاز اضطرتهم فيما بعد إلى شرحها والمختصرات، وظهرت طريقة التعليقات (الحواشي)، وعندما بدأ العثمانيون بتأسيس المحاكم النظامية دعتهم الحاجة إلى مراجعة الأحكام الفقهية فصدرت (إرادة سنية سلطانية) بتأليف لجنة لوضع مجموعة من الأحكام (التي تعم بها البلوى) فوضعت المجلة عام 1286 في قسم المعاملات على الفقه الحنفي. ولم تفعل إلا توزيع الأحكام والتفريعات على مواد ذات أرقام متسلسلة فكانت المجلة تحوي (1851) مادة سميت (مجلة الأحكام العدلية)([4]).

إن هذا الموضوع من التراث الفقهي للمذاهب كافة، نطلق عليه الفقه التاريخي، أي الفقه الذي أنتجه تاريخ المعرفة الفقهية ومجالاتها الإبداعية مع حالة التوقف وحالات الجمود وحالات الانحطاط. وما عبر عنه ذلك الفقه من انعكاس أوضاعه الزمنية عليه. وهنا أريد أن أؤكد أنّ الواقع الفعلي والسنّة الكونية، تقرر أن الفقه عبارة عن فهم النص وفهم الموضوع الذي يحكمه النص، والفقيه هو الشخص الذي حصل على ملكة النظر بالنصوص والإجماعات، وله القدرة على ممارسة الاستحسانات وتشخيص المصالح حينما يصل إلى فهم علمي للمجتمع وحاجاته، ومن الطبيعي أنّ معرفيات كل عصر لها مدخلية في تشكيل عقل الفقيه، ومن الطبيعي أيضاً أن ظروف كل عصر مختلفة سياسياً اجتماعياً واقتصادياً ومؤثرة جداً على النتائج الفقهية؛ فالفقه إما استجابة لتموضعات عصره أو انعكاس له على جدلية التأثير والتأثر، لكن بلا أدنى شك كل اجتهاد فقهي قدّم لعصره حلولاً وعلاجات لما كان مشكلاً واقعياً في ذلك العصر على أي درجة كانت، لكن لتغير الواقع وتطور المدنية في المجتمعات الإسلامية، وتطور الحاجات الاجتماعية وتعددها وانعكاسات المدنيات البشرية على مجتمعاتنا.. لكلّ هذه فإنّ تغيّراً حصل في موضوع الحكم وليس في الحكم نفسه أو دليل الحكم.. أي في طريقة التفكير الفقهي بما أدى إلى عجز الفقه التاريخي عن أن يقدّم أطراً نظمية متناسبة مع المرحلة.

الفقه المقاصدي، التباس المفهوم وحاجات الاجتهاد

أما الفقه المقاصدي، فمصطلح المقاصد شابته بعض الالتباسات التاريخية، وقد عرّف بأنه (المضمون الخفي الذي يكمن خلف ظواهر الألفاظ)؛ ليكون مدخلاً إلى الارتقاء من الاستدلال الجلي إلى الاستدلال بالمضمون الخفي، أو الخروج من التعبد بالجزئيات إلى التعبد بالكليات، فالسؤال عن المقاصد والمناطات هو سؤال تفهم، وحركة دؤوبة للبحث في أهداف وغايات قوانين الشريعة([5]).

ومن مفاهيم الفقه المقاصدي، إعادة النظر بطريقة الفتوى من الرؤية الجزئية إلى فقه النظرية كما يقال، ومنها: إعادة رسم العلاقة بين الخالق والذات والمجتمع وحقائق الواقع في الفقه النظري بما يتعدى أفق الفقيه إلى الإطار العملي([6]) للسلوك والتكاليف، ومنها إدراك الناس ما طرأ من تطوّر في وعيهم لحقيقة الواقع الموضوعي الذي يريدون إخضاعه لرسم الشرع، وعلى نوعية وصلاح الأهداف التي يتوخاها الفقه لرسم حركة المجتمع([7]).

وهذا كما يستدعي تبدل الفاعليات أو تنظيمها بما يتلاءم مع مقتضيات العصر كتنظيم القيم والأفكار والمعاني، وترتيب السلطة المعنوية الداخلية للفقه بما يقترب من إعادة تشكيل المنظومة المتكاملة للقيم والأهداف والوسائل، وما يستتبع ذلك من وضع محددات للآليات الموصلة لهذا الهدف، ويتوسع المقاصديون في عرض رأيهم فيرون أن الفقه التاريخي لم يعد منسجماً مع حاجات المجتمع الإسلامي الجديد المتأثر بانتشار المعلوماتية وتطورات المجتمع المدني؛ لذلك فهم يريدون للفقه أن يحقق التوازن النفسي والواقعي والنظمي المعاصر مع الحياة، كما حققه الفقه التاريخي في عصوره المزدهرة والإبداعية فقط، ويطالبون بأن يحقق توازناً مع العالم المعاصر بأسره بكل إشكالياتنا المعاصرة.

من ذلك ما يقوله طه عبد الرحمن: «إن المقاصد هي إقران الحكم الشرعي بغاية تنزل منزلة القيمة التي يتوجه المكلف إلى تحقيقها»([8])، ولقد بدأ الفقه المقاصدي عندما كانت مباحث المصالح المرسلة، وتأثيرات العرف، وسد الذرائع، ومقدمات الواجب، والنهي المقتضي للنهي عن الضد؛ استجابةً للتغيرات إلى صلة على أرض الواقع من مستجدات موضوعية أريد للفقه إعادة التنظير لها.

ويتجه المقاصديون إلى لفت الأنظار إلى ضرورة الاهتمام بتعليل الأحكام، وهو بحث يكمن في ثنايا منطلق الخطاب الشرعي ومفاهيمه والتزاماته وآفاقه([9]) فكانت المحاولات الأولى له مسائل تحديد العلل والمناطات التي رافقت أعمال القياس والاستحسانات وسد الذرائع..

بيد أن تلك لا يمكن الإحاطة بها وبلورتها ومن دون الولوج إلى عالم البحث في المرادات والمقاصد مما أدى إلى الدخول في مرحلة متقدمة، وهي الجمع بين التعليلين: السببي والغائي أي بين المقصود والقصد، بهذا يقول طه عبد الرحمن: إن الفقهاء أوقفوا التعليل السببي على الغائي، فصار الوصف سببياً مشروطاً بحصول الغاية من الحكم، وهو ما يتعارف عليه الدارسون بمصطلح (المناسبة)([10]).

وبالمحصلة فان ثمة قيم معنوية هي المقاصد الحقيقية للتكليف، وهذه المقدّمات موضوعة للوصول إلى أن يعتني الفقهاء بتركيز آرائهم على الجانب المقاصدي، أكثر منها على العناية بالسبب أو الجزئية أو الصورة الشكلانية للفقه، فالمذاهب التي تقلّل من المساحة المتاحة للتحسين والتقبيح هي أكثر المذاهب نأياً عن البحث المقاصدي، بينما التي تترك الأمر لمقتضى العدلية تطلق العناية للبحث المقاصدي، بمجرد إقرارها بفكرة المقاصد، وبيان الحكمة والعلل أو هكذا يفترضه البحث النظري([11]).

بدايات ظهور التفكير المقاصدي عند المسلمين

لقد ظهرت إشارات التفكير في المقاصد قديماً، وربما أقدم من الجويني الذي لفت الأنظار إلى البحث عن الترابط بين الحكم الشرعي والنوازع الفطرية، وجاء تلميذه الغزالي فأسّس لمصلحة لم يشهد الشرع لها تأييداً أو إلغاء؛ ففتحا الباب للدخول إلى فضاءات المعنى ومقاصدية النص، وظهرت في كتاب علل الشرائع للشيخ الصدوق (381هـ) محاولة جادة تحرّى فيها العلل من وراء الأحكام في ثلاثمائة وخمسة وثمانين باباً، ولعلّ ما يفسّر سببية ظهور نظريات المقاصد بقوة في القرن السابع وجود مستجدات كثيرة لم يصرّح النص الفقهي بها؛ فانحاز الناس إلى نمط التفكير المقاصدي مما دعاهم إلى فهمها بوصفها محاولة لفهم المنظومة الفقهية برمتها ومن جذور ذلك:

1 ـ إن حديث الفراء سابقاً في مسألة الحُسْن لفت الأنظار إلى مرجعية العرف دون الشرع لاسيما في التدابير([12]).

2 ـ وإن عز الدين بن عبد السلام قضى بمشروعية اختلاف أحكام التصرفات باختلاف مصالحها وإنّ دواعي التشريع تكمن فيما يحصّل المقاصد.

3 ـ كما أنّ ما ذهب إليه الطوفي من أنّ العبادات توقيف والمعاملات اعتبار للمصالح.

4 ـ وما صرح به الطوسي من أن الشريعة مبنية على المصالح، والمصالح عقلانية([13]) بالدرجة الأولى؛ فالعقلاء يقدرون على تحديد وجهة الحكم في حال عدم وجود نص ففي كتابه تلخيص الشافي تناول المناطات تناولاً مبكراً، ونقحها بما يمكنني من القول: إنها قدّمت فقه المقاصد خطوةً، أما الفصل بين نمطية الأصول في العبادات، وتفكيكها عن نمطية المعاملات وإحالتها إلى أهل الخبرة فهي الخطوة الثانية المهمة على مستوى موضوع الحكم، قال الطوسي: «أما ما يقع عند أرباب الصنائع والمتاجرات فتكليف الإمام الرجوع إلى أهل الخبرة، فإذا اختلفوا رجع إلى أعدلهم، فإن تساووا كان مخيراً في الأخذ بأحد الأقوال»([14]) بعد ذلك نلحظ ذلك مطوراً عند الحلي في معارج الأصول([15]).

ففقه المقاصد إذاً لا يقتصر فقط على صوغ المقاصد والعناوين الكلية للمباحث الفقهية، بل يتعدى إلى تشخيص الموضوعات والمصالح النوعية والشخصية للخبرة البشرية في إطار تراكم المعرفة وإدخالها في اعتبار الفقيه لتطبيق النص على موضوعه ثم استثمار عمومات النصوص وكلياتها لإدراج هذه المقاصدية فيها، وأخيراً الانطلاق من دور العقل على خلفية عن مشروع الفراغ التشريعي أي (ما سكت عنه النص).

وإذا كانت العلمانية تتباهى بأنها التي تعتبر الإنسان طاقة إبداعية هائلة يمكنه أن يستقلّ في اختيار مصالحه وصيغها التنظيمية، فإنّ الفقه المقاصدي يقرر ذلك ولكن في ضوء الموجّهات الكبرى المعصومة للنص القرآني والنبوي، وبه يقترن العقل بالنص([16]) وتضفي على حركته القانونية والنظمية بعداً روحياً وإلهياً، فضلاً عما يعمله الدين على إنضاج الحسن الداخلي بالرقابة.

دوافع الميل نحو الفقه المقاصدي

إنّ استعراض مدونات الفقهاء ورصد ميلهم منذ القرن الرابع نحو الفقه المقاصدي حتى نضج النظرية على يد الشاطبي، والدعوة المعاصرة له حالياً ربما تحدوها الدوافع الآتية:

1 ـ الدوافع العقائدية

يعتقد المسلمون أنّ الله تعالى قد أكمل لهم الدين وأتمم عليهم النعمة، وقد نصّ على ذلك في كتابه الكريم؛ فالدين الكامل هو الدين الذي يحكم ويوجه كل مناحي حياة الإنسان وحركته، ويجد الإنسان فيه الموجّه المعصوم في كل عصر ومصر مهما كانت درجة التطور، ويرى فيه أنه السقف الذي يزوّده بالإعداد الروحي والعلمي، لتحقيق سعادته، فحينما يقف النص الفقهي على نمطية تاريخية يتجاوز الواقع الجديد بحيث يتوفر على موضوع تلك الحقبات ويدخل في عالم جديد، ولكن لا تلاحقه المعرفة الفقهية، فانه سيكون أمام أحد خيارات ثلاثة: 1 ـ إما الدعوة لتجديد المنهج وتطوير التراث ضمن رؤية نقدية عقلانية موضوعية. 2 ـ أو الشك في معتقده أن الدين صالح لكل عصر. 3 ـ أو الازدواجية المعرفية بأخذ الأحكام من مرجعية لكن على خلفية إسلامية. ولئلا يقع الإنسان بالخيارين الأخيرين، يجد المخلصون طرح مقولة الفقه المقاصدي، واعتمادها.

2 ـ الدوافع القانونية

تنمو إلى جانب الفقه في العالم الإسلامي حركة تقنين حديثة مرجعياتها (ملفقة) من الفقه الفرنسي والإنجليزي والشريعة الإسلامية، لكنها قد تطورت في دراستها في مجال المنهج والتقنية (الصياغة والتقسيمات والتحديث) على خلفية تراجع الفقه التاريخي عن التوائم مع الوقائع المعاصرة، ورويداً حلّ القانون الوضعي محل التفكير النظمي الإسلامي المحض؛ من هنا دعا المخلصون لدينهم إلى فقه مقاصدي.

3 ـ الدوافع النهضوية

تعاني المجتمعات الإسلامية اليوم من مشكلات كبيرة داخل مجتمعاتها، تعوق مشروعها النهضوي وتدخلها في دوامة التخلف، ولعناصر متعدّدة برزت أخيراً ظاهرة عدم التعايش والتعاون بين العالم الإسلامي وشعوب الحضارة الغربية، وهو أمر ليس ـ حالياً على الأقل ـ في مصلحة المسلمين لضعفهم؛ فلابد إذاً من فقه يوازن بين المصالح والأضرار ليتخطّى المسلمون هذه المرحلة.

إشكاليات ومعوقات التحول إلى الفقه المقاصدي

أمام قضية التحول من الفقه التاريخي إلى الفقه المقاصدي، هناك مجموعة من العقبات التي تحتاج إلى وعي موضوعي لإزالة الالتباسات التي طالما تحصل مع كل رؤية تحاول الانتقال من العقل التاريخي إلى العقل العلمي، ومن هذه العقبات:

1 ـ التباس معارضة النص للمقاصد: ينطلق هذا الإشكال من أنّ النص ـ سواء كان قطعي الدلالة أم ظني الدلالة ـ موجّه معصوم، بينما استنباط المقاصد مجرّد ظن بلا موجه نصي، وذاك ثابت وهذا متغير، ولهذين الأمرين تظهر تشكيكات في الفقه المقاصدي.

والجواب على ذلك أنّ الفقه المقاصدي تطبيقٌ للنص على موضوعات متجدّدة، وملاحقة الموضوع وتطبيق كليات النص وعموماته عليه، وإذا وجد في الفقه ما هو جزئي وتفصيلي فهو مصداق من مصاديق النص.. لاسيما في آراء المجتهدين الأوائل.

2 ـ شبهة الإعراض عن آراء الفقهاء القدامى: ويتركز هذا النقد للمقاصديين في إعراضهم عن آراء الفقهاء الأوائل، والحق أنه ليس إعراضاً بقدر ما هو إفادة من التراكم المعرفي طالما أننا نحاول اكتشاف المقاصد في الموضوع لا في الحكم نفسه.

3 ـ شبهة تغليب الشاذ: كثيراً ما يجد فقه المقاصد أقوالاً في المسألة الواحدة وقد يتفق قول وإن كان شاذاً مع مطلوبهم، ولأجل تأصيل هذا المطلوب يستندون إليه، مما يجرّ عليهم إعراضهم عن المشهور.

والحق أن هذا الإشكال يتغافل معايير المصالح والمفاسد التي هي مناط الأحكام من جانب، لكن تحمد له شد عملية التواصل، فليس إهمال الغالب والاقتداء بالشاذ لغرض الإفساد، بل لوجود توائم بين هذا الشاذ وبين المصلحة المعاصرة.

4 ـ شبهة التغاير مع الأسس الأصولية: وملخص الإشكال أن القياس والإجماع وغيرهما من المرجعيات الأصولية في المدارس الفقهية المختلفة قد حكمت حركة الاستنباط قروناً طويلة فأصبحت آلية الإنتاج المعرفي، أما المقاصد فهي آلية جديدة استقرائية لموضوع الحكم، وعليه ربما تتخلّى عن القياس والاستصحاب.. لأنهما يثبتان موجوداً، بينما المقاصد تبحث عما سيوجد، ولعلّ هذا المسوغ كاف في المحاورة، وعليه ففقه المقاصد عبارة عن تفهّم جديد للموضوع والحكم، له مشروعية الفهم كما للفقهاء القدماء مشروعية التفهم، كلٌّ في عصره. على أن الذي يقرّبنا من المقاصديين أننا نعيش في عالم سريع التغير وعالم تكاد تضيق به المسافات وتنتشر به المعلومات، ويخضع لعوامل الصدام أكثر مما تنتعش فيه عوامل التعايش، وعوامل الصراع وعوامل التعايش تخضعان لحالات التخلّف والنمو، ومع التنمية وامتلاك وسائل القوة لابد أن يسخر الإطار الفكري (ومنه فقه التعامل) لأغراض تحقق المجتمع القوي. وهذا في تقديري المقصد الشرعي الأكبر، لأنه متى أصبح المجتمع الإسلامي مجتمعاً قوياً اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً قلّت المخاطر التي تهدّد مصالحه وهويته الحضارية، ومؤسّسات الوقف ـ مثلاً ـ إذا ما نظرنا إليها من زاوية الحاجة المعاصرة لتحقيق مجتمعات قوية فإننا نأمن إزاء التحديات الدولية للعالم الإسلامي، بل يمكن ان نستثمر القوة الاجتماعية في المناداة بأطروحة التعايش الإنساني.

 

تطوير مشروعات الوقف على وفق الفقه المقاصدي

بعد أن مررنا على الإطار النظري، وحتى نكون عمليين، لابد من الإشارة إلى أهم موضوع في الوقف المقاصدي المعاصر، وهو تشكيل المجمع العلمي لأبحاث الوقف لدراسة الظواهر التجديدية المقاصدية، وهو ما سيجدد: موارد الوقف ومجالات الخدمة الوقفية وطبيعة إدارة الوقف من الأفراد إلى المؤسّسة وينظم صناديق دعم الوقف وصناديق إقراض الوقف ويستثمر دور العرف في تكييف أحكام الوقف المقاصدي ويسخر الوقف للجالية المسلمة في الغرب التي تعاني من ازدواجية الولاء.

 

1 ـ اقتراح المجمع العلمي لأبحاث الوقف، مشروع مقاصدي في الوقف

لما كان الوقف من الصدقات التي حث الشارع على فعلها وندبنا للقيام بها، وجعلها مورداً للإنفاق على أبواب البر والخير، فقد صار سلوكاً توجبه موجبات عقائدية واجتماعية، ومقتضيات المواطنة، وتحوّل إلى وسيلة من وسائل التنمية الاجتماعية الشاملة، لا يقيده في ذلك قيد ولا تنقل حاجات عصر مضى إلى عصر تلى لكلّ مستجداته ومتطلباته، فالجمع يقدر على تغيير الوجهة إلى جهة تكييف الأحكام الوقفية لصالح (التنمية البشرية) ثم جهة تحديد أولويات الاستحقاق في إنفاق موارد الوقف وتخصيصها، وهذا المجمع يعنى بضرورة الالتزام بالأحكام الفقهية الناهضة بالمجتمع، يشارك به علماء في دراسات الجدوى (جدوى المنفعة) وليس الجدوى الربحية، أي إقناع الواقف بالتحبيس على موارد معينة بحسب المتطلب، وليس بحسب ما هو سائد تقليداً.

ووظيفة المجمع وظيفة علمية فقهية قانونية من حيث الأطر العامة للممارسة الوقفية، وإجرائية لدراسات تطوير الوعي بالممارسة وتحديده باكتشاف جدوى المنفعة. وإذا احتجنا للمعرفة التاريخية ـ لا لاقتباس المشروعية ـ فقد حدد عمر بن الخطاب التحبيس على الفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل، ويلاحظ هنا أنه اعتنى بسداد الحاجة الفردية وإن كان للتحبيس معطيات اجتماعية، لكنها تبقى تعطي حاجات فردية متنوعة، وجعل طلحة بن الزبير الوقف في قرابته، واختار الزبير أن يجعل دوره (بيوته) صدقةً للمردودة من بناته، في زمن (توبة بن نمر بن حومل الحضرمي) زمن هشام بن عبد الملك ثم نشأ ديوان للوقف في البصرة([17]).

وفي العصر العباسي، اتسعت الأوقاف ولم تعد قاصرة على إنعاش الفقراء بل تعدّت إلى تأسيس دور العلم والإنفاق على طلابه([18])،ومراكز الصحة والاستشفاء، ومراكز خدمة عامة للمجتمع، وتطورت إدارة مؤسسات الوقف مما أدى إلى تجاوز التشكيلات الإدارية إلى تكليف القضاة في بغداد كي يتولّوا الإشراف عليها([19]). بعد ذلك صار لها ديوان مستقل وصارت تسجّل الأحباس في سجل خاص، ويسمى رئيس الدائرة (صدر الوقوف) و أخيراً صدر في العهد العثماني نظام إدارة الأوقاف([20]).

إنّ هذا الاستعراض السريع يوضح مدى تطور الوقف مقترنا بالحاجة، بيد أنّه ـ لتطوير الفاعل والمنظم ـ لا يتم ذلك إلا بإجراء دراسات علمية للموارد والحاجات، وتخطيط تلكم على معيار (جدوى المنفعة) الشامل، وهذا ما لا يتكفل به إلا المجمع العلمي لإدارة الأوقاف وتنميتها؛ ذلك لأن التطور المدني المعاصر لم يستطع إلغاء (ممارسات الوقف) بالرغم من النظام العلماني في تركيا، بل اضطر لإنشاء مؤسّسة الوقف في الجمهورية التركية والتي أولت اهتمامها البالغ على الصعيدين: الواقعي والرسمي به، فلابد من استثمار هذا الثبات النفسي والديني بما يحقّق المنفعة كاملةً، ومن تلك زرع الوعي عند الشباب بالوقف من خلال دراسات علمية في التعبئة النفسية بممارسة الوقف وبالصورة التي تنسجم مع واقعنا المعاصر، أو استحداث مؤسّسات إسلامية لترصين فضيلة التسامح الديني من خلال عرض الرأي والرأي الآخر بأسلوب علمي برهاني لا يستتبع الخلاف فيه مصادمات اجتماعية، وتجلية كل فعل حسن بأنه عبادة يتقرب الإنسان فيها إلى الله تعالى، طالما يرتبط حالياً النشاط الاجتماعي والمعرفي بالحياة الدينية في عالمنا المعاصر، وعليه فإني أجد المجمع العلمي للوقف ضرورياً، على أن يتشكّل من المتخصّصين في الدراسات الفقهية والتخصصات القانونية، ثم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، ومن يستعان بهم دائماً أو مؤقتاً من العلماء بالتخصّصات الأخرى؛ بحيث يتكون للوقف مجموعة خبرة تخطيطية توعوية، تمارس المراقبة والتجديد.

2 ـ التجديد في موارد الوقف في ظلّ الفقه المقاصدي

من يطّلع على النصوص الفقهية التقليدية للوقف يلاحظ «الاستجابة الفردية» فيما نحن بحاجة ماسّة إلى تفعيل فكرة المندوب الكفائي مقابل الواجب الكفائي الذي هو عبارة عن تكاليف إلهية للمجتمع من حيث هو مجتمع، بحيث لو قام بها بعضٌ سقط عن الجميع وإذا لم يقوموا أثموا جميعاً، والمندوب الكفائي بنفس المفهوم إلا خاصيتي الإلزام والإثم الجماعي.

لكن من حيث الاستجابة، يمكن تصعيد وعي الأمة للتعامل مع المندوب الكفائي كما تتعامل مع الواجب الكفائي, وذلك بتشجيع «الوقف التعاوني» الجماعي وهو أن يخطّط مشروع للوقف وتستدعى له النفوس والهمم الكبيرة لتساهم هذه القدرات ـ كلّ بحسبه ـ في هذا المشروع الوقفي؛ وبذلك تتحول الموارد الجزئية المحدودة بعد تكاملها وتجميعها إلى موارد إستراتيجية، لتكون قادرة على تأسيس المشروعات الوقفية الكبرى، وبالإمكان أن يتشكل «صندوق الوقف» طالما هو جزء من مفهوم الصدقة، فحينما يعتزم أصحاب الخبرة مثلاً على مشروع وقفي لنقل التقنية إلى عالمنا الإسلامي ـ في أي مجال نافع ـ يعلن عن توفر في تلبية احتياجات المشروع وتوفيرها، بذلك يمكننا أن نحول موارد الوقف من موارد فردية إلى «موارد مجتمعية» تكون رأسمالاً كافياً في مجال الخدمة الوقفية.

ويمكن لهذا المجمع المقترح أعلاه أن يوضح للقادرين على التحبيس وبالرسائل الإعلامية المجالات الجديدة للخدمة الوقفية. وهنا لابد من التأكيد على أن ترصين العقل الإسلامي وبناء العقيدة في ذلك العقل على أساس من القناعة البرهانية أمر ربما افتقدته تجاربنا التاريخية، مما أفرز لنا مجموعة إفرازات تعصبية انكفائية اقتتالية صراعية، صعّبت علينا فهم الآخر، سواء من يختلف معنا في الاجتهاد في مسألة صغيرة تفصيلية، أو الآخر الاتجاهي داخل المذهب الواحد، أو الآخر المذهبي، ثم الآخر الديني… بحيث تحول التدين إلى مشروع صراعي، بدل أن نتلقاه ويتلقاه غيرنا بوصفه مشروعاً حضارياً إنسانياً، وهو كذلك؛ فمؤسسات الوقف العقائدية الطابع ضرورية ومهمة كالمسجد والمعهد الديني والإعلام الإسلامي ومراكز إنتاج المعرفة الإسلامية ومراكز التثقيف، لكنّ آليات العمل وغايات الجهد يلزم أن تحوّل من «التأسيس على الانتماء الخطابي» إلى الانتماء بسبب البرهان والقناعة، لاسيما وأنّ إجماع العلماء قائم على أنّ أصول الدين ومعرفيات العقيدة لا تقليد فيها ويجب أن تتحصل ذاتياً، وهذا ما لا نجده في واقعنا المعاصر، وأعتقد أن المؤسسات العقائدية التي يؤسّسها الوقف قادرة على إنشاء مراكز الحوار ومراجعات الذات إذا خطّط لها المجمع العلمي المقترح للوقف.

وإذا كان هذا النمط ضرورياً في عالمنا الإسلامي فإنه أكثر ضرورةً في العالم المسيحي والغربي، فإنّ ظاهرة الهجرة واللجوء إلى بلدان أوروبا وأمريكا قد أفرزت لنا معضلة عدم التوائم بين الولاء للوطن الجديد والولاء لمثل وقيم الإسلام، وتسعى أوروبا إلى ما تسميه (اندماج المسلمين بالمجتمعات الأوروبية) ونحن نسعى إلى التمسّك بالقيم الإسلامية، وأن تكون الجاليات مجموعات تمارس الإسلام عملياً وتنشره إنسانياً وتنتزع الصورة القائمة له في العقل الأوروبي أو العقل الأمريكي.

إنّ جدليةً كهذه لا يمكن فك تشابكها بسهولة إلا ضمن عمل مؤسّسي اجتماعي معرفي يخطط لهذه الغاية ويسعى إلى تنفيذها، إلا أنها قد تواجه في بلدان غير إسلامية بكونها غير منسجمة مع النظم العلمانية والقانونية السائدة في تلك البلدان، وهنا يمكن تحقيق ما يدرأ عنها هذه الصعوبة بإدخال مؤسّسات الوقف ضمن ما اصطلح عليه مؤسّسات المجتمع المدني، وهو وضع سائد في أوروبا وأمريكا ومقبول؛ لأن معايير مؤسّسات المجتمع المدني تنطبق تماماً على مؤسسات الوقف.

إدارة الوقف بين الفردية والمؤسّسية

تتجه كل النصوص الفقهية إلى أنّ إدارة الوقف في الفقه التقليدي قائمة على مستوى الفرد سواء كان متولياً أم قيّماً.. وقد أثبتوا شروطه التي يمكن اعتبارها في المجموع كما يمكن اعتبارها في الفرد مثل: العقل والبلوغ والعدالة والكفاية والإسلام، ولم يتجه الفقه التاريخي إلى دراسات (جدوى المنفعة) ومعطياتها من خلال إدارة الوقف؛ لذلك جاءت آراؤهم في واجبات الناظر بـ(عمارة الوقف)، وتجد الفقهاء يقرّرون أن للناظر أن يخالف الواقف بشرطين:

1 ـ مقام المصلحة التي تقتضي مخالفة الشرط، وهذا يفتح باب المشروعية لاستثمار أمثل للمؤسسات الوقفية السابقة.

2 ـ صدور إذن من القاضي بالمخالفة لما له من ولاية على الوقف.

ولابد هنا من التنظير إلى أننا بحاجة إلى رؤية مؤسّسية لإدارة الوقف، وأرى أنها تتم بإحدى صورتين:

1ـ أن يقوم المجمع العلمي للوقف بإشراك الناظرين في مجالسه وتشكيل مؤسسات ومجالس إدارات منهم.

2 ـ أن يثقف الواقفون على تولية (المجمع العلمي) أو مؤسسات إدارة الوقف العام بعد تشكيله من المعروفين بالوثاقة والأمانة والنزاهة والخبرة المستقبلية…

 

صناديق دعم الوقف وإقراضه

من المعروف أن الأموال الموقوفة منها ما هو قديم ومنها ما هو حديث، وقد تتباين جهات الوقف وغاياته وطبيعته، لكن المشاهد حالياً أن بعض الموارد الوقفية لم تعد قادرة على تقديم خدماتها بسبب حاجاتها إلى أموال داعمة، وهنا لابد من فتح المجال للمتبرعين بإنشاء صندوق دعم الوقف، ولابد من مساهمة الدولة فيه أو تحويل جزء من متحصّلات الزكاة ـ لاسيما سهم سبيل الله ـ أو تحويل نصف الخمس، أي حقّ الإمام ـ إلى هذه الصناديق. ويمكن إذا كان للوقف غلّة أو مردود مالي غير متيسّر أن تعرض المؤسسة الوقفية باعتبارها شخصاً معنوياً في القانون لإدامة تلك المؤسسات.

أما طبيعة الأرصدة المالية، فإما هبات الدولة أو هبات الشركات، وهنا لابد من الإشارة إلى أن السائد في بلدان العالم المتقدم أنّ الشركات التي تتبرع لمؤسّسات المجتمع المدني تقدم فواتير التبرع لتنزيلها من استحقاقات ضريبة الدخل، فلا مانع من تطبيق هذا الإجراء على الوقف، أو نشر قناعة بأن التبرع بالأموال النقدية لصناديق دعم الوقف كالتحبيس في الأعيان، وهذا الموضوع لم أجده في الفقه التاريخي، فإذا اتجهنا إلى فقه المقاصد يمكن القول بأنّه طالما يراد للمال الموقوف تسبيل الثمرة، فالمقصد منه يجب أن يتم، وعليه فإسعاف المعطل من الموقوفات من خلال صناديق الدعم والإقراض مقصد شرعي؛ وبهذا يتأسّس المطلب الفقهي.

 

دور العرف في تكييف أحكام الوقف

العرف مصدر تبعي من مصادر الأحكام، وهو سلوك متكرّر من مجموعة ما ليس نتاجاً لعلاقة عقلية ولا تلازم عقلي، وإنّما هو اعتياد الناس على فعل مدني (التصرفات). وهو عام وخاص، فالعام يكود سائداً في جميع البلدان، والخاص ما يختصّ به بلد دون آخر، وللعرف سلطان لفظي وسلطان عملي([21])،وقد اختلف الأصوليون في مدى كون العرف منشأ للأحكام أو كاشفاً عن المقادير فليراجع في محلّه. وقد أثبت الأصوليون للعرف مكانة النص؛ فقال السرخسي: (الثابت بالعرف كالثابت بالنص). وذهب ابن نجيم إلى أن الثابت بالعرف كالثابت بدليل شرعي؛ ومن ذلك ـ مثلاً ـ أنّ عرف المعاملات المدنية يصحّح سكوت المخطوبة ويعتبره إذناً منها وتوكيلاً، ومنه بيع المعاطاة، وقد اتفق الفقهاء على أن الأحكام المقررة بالعرف تدور معه وجوداً وعدماً، ومنه جاءت القاعدة: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان، على أن العرف مشروط أصالة بضرورة الاطراد ومقارناً للتصرف ولا يعارضه ما هو بخلافه، بل لا يعارضه نص شرعي، بحيث نعمل بالعرف في حدود الفراغ التشريعي؛ لذلك قال ابن الهمام في شرح الهداية: (إن العرف بمنزلة الإجماع شرعاً عند عدم النص)([22]).

والعرف يتغير بتغير الأزمان؛ فالتدابير الاجتماعية للحياة في عصرها تختلف عما هي عليه في عصور لاحقة، ولذلك يتدخل العرف في رفع درجة المصالح في الأحكام الاجتهادية من قياس أو مصلحة أو تدبير أو نمط إدارة، دون أن يكون ذلك إعراضاً عن آراء الفقهاء السابقين، للعلم أنّ مشكلاتنا لو كانت في زمنهم لقالوا بما نقول به، وهنا لابد من الاستشهاد بما يقوله القرافي: «إن الجمود على منقولات الفقهاء أبداً ضلالة في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين»([23]).

 

خاتمة ونتائج

من كل ما تقدم، نتوصّل إلى أنّه لم أجد ما يشاع من التعارض بين الفقه التاريخي والفقه المقاصدي؛ لأن الأخير فقه متجدّد، والأصول والمرجعيات القرآنية والحديثية تتسع لهذا النمط من التفكير من خلال تحقيق الهدف الأسمى من التشريعات. كما أنّ التجربة الفقهية للمسلمين بل عموم التجربة فيها ما هو أصيل مشرق امتد في أثره إلى الحاضر والمستقبل، ولا يزال له قابلية تنظيم الحاجات الحاضرة، وبعضها عبّر بصدق عن ظروف عصره وبانتهاء تلك الظروف أصبح جزءاً من التراكم العلمي للتراث بما لا يمنع من نمط تفكير جديد في حدود الأصول أو المعايير، وربما نجمل الفقه المقاصدي بإعادة النظر بتفهم موضوع الحكم وغائية الحكم، ويمكن الاستعانة بالآليات الفقهية ـ إلى جنب ذلك ـ لتكوّن فقهاً مقاصدياً مؤصلاً لاسيما وأن هناك محاولات جادّة في تأسيس هذا النمط من التفكير الفقهي. وللفقه المقاصدي دوافع عقائدية وقانونية واجتماعية؛ لذلك فهو مطلوب على مثلث الشريعة: العقيدة والفقه والقيم. ولم أجد فيما طرح من التباسات وشبهات حول الفقه المقاصدي ما يرقى إلى اعتباره ضدّ الفقه التاريخي، بل يمكن أن يكمل أحدهما الآخر.

ويهيئ لنا الفقه المقاصدي تطويراً بالغ الأثر في توسيع قاعدة الموارد الوقفية؛ إذا نقلنا مرتبة الشروط من القداسة إلى الاجتهاد، كما يمكن لهذا الفقه أن يتوسع ويحدث مجالات الخدمة الوقفية بحيث يلبي الحاجات الحاضرة والمستقبلية، ويجوز إدارة المؤسسات الوقفية إدارةً مؤسّسية ودعمها بصناديق إسناد الوقف، والمصالح المرسلة والعرف والاستحسان وتحكيم العقل والبحث في المناطات وتحكيم العموم والإطلاق والكليات.. أصولٌ تدعم هذا التوجّه.

وأخيراً، فهذه الدراسة تتمنى أن يكون في كل بلد إسلامي مجمع لأبحاث الوقف وإدارته؛ لمواصلة التحديث على مستويي: التقنين والتطبيق معاً.

الهوامش

(*) أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعات العراقية، والأمين العام لبيت الحكمة في بغداد.

([1]) مصطفى الزلمي، أسباب اختلاف الفقهاء: 18 ـ 19، مطبعة شفيق، 1986؛ والزحيلي، الفقه الإسلامي في أسلوبه الجديد ج2؛ دار الفكر بيروت ط2؛ ومحمد باقر الصدر، مقدمة المعالم في الأصول: 4، بيروت، 1985م.

([2]) مصطفى الزرقا، الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد: 179، مطبعة الإنشاء، دمشق، ط9، 1965.

([3]) أعلام الموقعين 2: 301 ـ 302.

([4]) الزرقا، الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد: 197.

([5]) طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث: 122، المركز الثقافي العربي، ط1، 1933م.

([6]) أحمد الريسوني، نظرية المقاصد: 204، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، المؤسّسة الجامعية، ط1، 1992م.

([7]) برهان غليون، فلسفة التجدّد الإسلامي: 73.

([8]) طه عبد الرحمن، تجديد المنهج: 101.

([9]) حسن محمد جابر، المقاصد الكلية والاجتهاد المعاصر، دار الحوار، بيروت، 2001.

([10]) تجديد المنهج: 102.

([11]) راجع: ابن عاشور، مقاصد الشريعة: 51، الشركة التونسية، 1978م.

([12]) الفراء، الأحكام السلطانية: 276، مطبعة الوطن، ط2، 1406هـ.

([13]) الشيخ الطوسي، عدة الأصول: 38، 44، ط،1 قم، 1997م.

([14]) الطوسي، تلخيص الشافي: 253.

([15]) المحقق الحلي، معارج الأصول: 201، مؤسسة أهل البيت، ط1، قم، 1403هـ.

([16]) عبد الأمير كاظم زاهد، جدلية النص والعقل: 11، بحث منشور في مجلة دراسات فلسفية، بيت الحكمة.

([17]) محمد أمين علي، تاريخ الأوقاف (دكتوراه) 1: 49.

([18]) محمد عبيد 1: 28.

([19]) السيوطي، حسن المحاضرة 2: 167.

([20]) صدر في 19 جمادي الآخرة 1280هـ.

([21]) مصطفى الزرقا، الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد: 846.

([22]) المجلة العدلية وشروحها الملون39؛ وفتح الغدير 6: 157.

([23]) القرافي، الفروق، الفرق: 28، مطبعة دار إحياء الكتب العربية، ط1، مكة، 1344هـ.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً