يعتبر الاجتهاد من أبرز مزايا المدارس الإمامية إلى جانب حضور العلوم الفلسفية، لأنه يعتني الاستقلال في بحث الموضوعات المتداولة، وهو ظاهرة مميزة لاقت الأهمية، وحظيت بالاعتبار والامتياز. إلاّ أن هذه الظّاهرة في فترات من التاريخ ضاقت لتنحصر في مجال الفقه، ودائرة الأحكام الفقهية، فالذي يبلغ مرحلة الاجتهاد لا يقلد أحداً، ما بلغت أراؤه الشخصية إلى نتيجة ما بعد الفحص والتأمل الدقيق في الأدلة والمصادر، وكان لا يقبل بأي نتيجة لا تقع على الآراء المقبولة لديه، ولو كانت صادرةً عن كبيرٍ أو تبناها عظيم ، وإلاّ لكان الاجتهاد وتحول إلى تقليد.
وهذا المنهج الاجتهادي يشكل أهمية بليغة، ويمكن القول: إنه ظاهرة على ما هي عليه في المدارس الشيعية الإمامية، تمثل مفخرة وامتيازاً لا نظير لها على مستوى المدارس الأخرى. وكان صدر المتألهين الشيرازي رائد من رواد الاجتهاد والإبلاغ لدى هذه المدارس في حقل علوم الحكمة والفلسفة في القرن الحادي والعشرين.
هل أن المنهج الاجتهادي المتداول في مجال الفلسفة عامة كما هو في مجال الفقه أم لا؟
وهل الفيلسوف يبدي نظره الاجتهادي كما يبدي المجتهد في المدارس الإمامية رؤيته الفقهية بوصفها نتاجاً حاسماً ونهائياً من وجهة نظره، لاعتماده على أسس علمية ونظريات تحتية، أم أنّ الحال في الفلسفة يختلف؟
والجواب عن هذه التساؤلات كما يتراء من خلال قراءة الفلسفة يبدو في الغالب أن ما قاله الماضون من عظماء الفلاسفة، يشكل الموقف النهائي، وآخرالكلام وفصل الخطاب، وهذا ما جعل الفلاسفة والمتفلسفين عبر مئات السّنين يصرّون على قضايا جمدوا عليها، من نوع: أصالة الماهية، وعدم اتحاد العاقل والمعقول، وعدم الحركة الجوهرية، والمعاد الروحاني وغيرها من المسائل، وبروز شخصيات ذات حضور فكري مثل ابن سينا ظلت بفكرها مهيمنةً حاضرة على الدوام لفترة طويلة من الزمن، ما جعل كل الاستدلالات من بعده الحاصلة بالفلسفة، والجهود البحثية الفاعلة، تتجه دائماً لمصلحة نظريته، وناحيتها([1]) كما فعل الخواجة الطوسي في شرحه لفلسفة ابن سينا داخلياً([2])، وشرح عشرات من الفلاسفه لكتاب تجريد العقائد للخواجة الطوسي([3])، مما أفقد الفلسفة القراءة الإبداعية من الخارج.
وبقي هذا الأمر مهيمناً على الفلسفة خاصة المشائية منها لفترة طويلة من التاريخ، هيمن على العقل منهج السّكون والتقليد، فيما الفلسفة بطبيعتها يفترض أن تكون خاصة في حركة لا السّكون، محكومة بالاجتهاد والإبداع لا التقليد والاتّباع، نازعة نحو النقد ـ لا النقل والانتقال([4]) ـ وإعطاء الجهد لكشف الحقيقة لأن الاجتهاد يعني بذل الطاقة والجهد للوصول إلى الأمر المراد.
والمصدر المجرد للكلمة إنما هو: جَهْدُ، وهو الذي يدل على السعي حتى التعب فيقال: جَدَّ وتعب، وابن منظور يقول: الاجتهاد والتجاهد: بذل الوسع والمجهود([5])، وباب الافتعال تخضع لقانون زيادة المعنى الذي يؤدي إلى زيادة المعنى، فتضيف دلالة أكبر على المعنى.
ومعنى ذلك أن كلمة الاجتهاد تعني بذل الجهد الأكبر والسعي الحثيث، يزيد من ما نفهمه من المصدر المجرّد للكلمة (جهد) الذي يدل على السعي حتى التعب والاجتهاد.
وأمّا المعنى الاصطلاحي الفقهي للكلمة هو ان الاجتهاد: يعني السعي قدر الإمكان للوصول إلى رأي مستقل في موضوع ما، مقابل اتباع الآخرين وتقليدهم.
والاجتهاد له أهمية عظيمة وقيمة بليغة في المدارس الشيعية، حيث يتجلى فيها بروح الفهم والاجتهاد في البحث والتحقيق.
وهذه الظاهرة على ما هي عليه حتى اليوم في المدارس الإمامية، تمثل مفخرة وامتيازاً قل نظيرها في المدارس الدينية الأخرى قديماً وحديثاً.
وإن ما قدمناه من معنى يمكن أن يسمى بالاجتهاد، إذا مُرِسَ بالصورة الدقيقة للمعنى، لأن المجتهد هو الذي ينال في بحثه للقضايا رأياً استدلالياً مستقلاً، ولا يقلد غيره أو يتبعه، والتقليد غير لائق ولا محمود، لأن من يريد أن يتناول أي موضوع ، لا بد أن يتبع منهج الاجتهاد في استنباط ما يريد من حكم طبقاً للمصادر المعتبره كما في الفقه([6]).
ولكن الحديث عن الفلسفة وعلم المعقول المنتشر آنذاك لا يعرف عن هذا اللون من الاجتهاد والإبداع بكل أبعاده ومضامينه ومحتوياته ونزعاته، بوصفه بناءً تُبنى عليه الأبحاث.
الاجتهاد غير الاستدلال، لأنه أعم، ولأن الإنسان قد يستدل على مسألة أو موضوع وبعدد من الأدلة والشواهد، إلاّ أنه لا يكون مجتهداً بها، بل يكون استدلاله تعبيراً عن فهمه لأدلة الآخرين التابعة لهذا الموضوع، وتقليدهم بها، وإعادة تصوير كلامهم.
لأن الإنسان يعرف الأدلة التي تشاد على نظرية ما، مثل أصالة الماهية، أو أصالة الوجود أو غيرهما، ولكنه في هذه الحالة يعرف الأدلة الداخلية بالأطر البنائية لصاحب النظرية نفسه، فيقوم بشرحها وتقريرها، وإن بدا فيها عارفاً، إلاّ أنه ليس سوى مقلداً لصاحب تلك النظرية، كما فعل الخواجة الطوسي في شرحه لإشارات ابن سينا، وإن كان فيها دقيقاً وفي الوقت عينه واضحاً.
ولكن الاجتهاد أعم من معرفة النظريات وأدلتها، إنما هو معرفة للوصول إلى تكوين نظرية خاصة، أو الوصول إلى ابداع دليل مستقل استقلالاً تاماً في الرأي والنظر بعد نقد أدلة الآخرين وبراهينهم، والوصول إلى دليل جامع مانع عن النقد يبدع نظرية جديدة.
كما تقدم بقيت الفلسفة لقرون من الزمن تقليدية منقادة إلى زعيم الفلسفة المشائية، أو الإشراقية وغيرهما، إلى أن جاء صدر المتألهين الشيرازي وثار على النهج التقليدي([7])، وحاربه ودعا إلى الاجتهاد في المسائل الفلسفية مستفيداً من منهج الفقهاء، وقد أثمرت جهوده أن أعاد الفلسفة إلى أوج مجدها، وحلّ كل الإشكالات التي كانت قائمة، فنرى مثلاً مسألة (الأصالة والاعتبار) القائمة على الحقيقة بين الوجود والماهية، والتي كان صدر المتألهين من أنصار الماهية، فتخلى عنها بعد سنوات من الاعتقاد والدفاع عنها.
ولكن عندما وجدها ناقصة طبقاً للأصول المنطقية والفلسفية التي تبناها ووصل إليها، أخذته الجرأة للتخلى عنها، وتبني نظرية أصالة الوجود([8])، كما طرحها في الأسفار، وكذلك مسألة المعاد الروحاني والحركة الجوهرية، والوجود الذهني وغيرها من المسائل، والمتصفح لكتاب الأسفار الأربعة يرى عمق البحث العلمي الجديد الذي انتهجه صدر المتألهين وجمع فيه ما بين المنهج القرآني والبرهاني والعرفاني، منهجاً لم يكن مألوفاً([9])، أقامه على أسس علمية سبق فيها أصول البحث العلمي الحديث. فبث فيه روح التجدد و الاجتهاد مستفيداً من المنهج الفقهي؛ لأنه نال درجة الاجتهاد من أساتذته البهائي والميرداماد والفندرسكي.
لكي نعي معالم مسألة الاجتهاد، وتبلور صورته لدى العقول، لا بد من توضيح جوانب موضوعه وبيان حقيقة الاجتهاد ونوعه.
أمّا الاجتهاد التقليدي : وهو أن يعي الباحث نظرية فيلسوفٍ ما ويبين أدلته حول مسائله، ثم يبحث داخل نظريته بما يحقق لها النفع والظهور، فينشغل بالاستدلال لها، زعْماً أن الفلسفة نشأتها الاستدلال، إلاّ أنه يستدل ولكنه لا يحاول أن ينظر بعين النقد ، ولا يلتفت إلى ما يطالها من التفنيد والإشكال، سواء على مبنى صاحبها أم على أصول ومباني غيره من الفلاسفة.
والباحث في هذا الاتجاه لا يضع في حسابه واهتمامه أولوية النقد لهذه النظرية أو غيرها، كما أنه لا يلتفت إلى الانتقادات التي يثيرها الآخرون حولها، بل يضع في حسبانه الاجتهاد في الاستدلال التابع لهذه النظرية أو تلك. هذا النوع من الاستدلال يطلق عليه الاستدلال التابع أو الاجتهاد التقليدي.
أمّا الاجتهاد التحقيقي: فهو البحث المستقل الذي يعتمد فيه الباحث على الاستدلال الحرّ، الذي يطل من خلاله على أي نظرية فلسفية كانت، من داخل مناخها أو خارجه، فيقرأها وفقاً لمنهج البحث العلمي المستقل، ويقرر سلفاً بأن أيّ نظرية غير عصيّة على النقد والمساءلة، ويقرّ أن الشهود الكشفية العرفانية التي لا تملك من نفسها حُجةً عامة، بل خاصة في صاحبها، لا بد من فصلها عن الأصول العقلية الصّرفة، كما ولا بد أن يقر بالتمييز بين البرهان النظري وبين تلك الأولية الأساسية الكشفية .
وأن هذا النمط من الاجتهاد لا يمكن تحقيقه إلاّ عبر التأمل العميق في صورة البرهان ومادته، فإذا رآه تاماً أخذ به وقبله، وإلاّ رفضه وطرحه، ويعمل على استدلال هذه النظرية بأُخرى عندما يتوصل بالدليل إليها، فيطرحها ويدافع عنها، وهذا هو الاجتهاد الحقيقي الذي نرى له نموذجاً عملياً في مجدد الفلسفة الملا صدرا.
المتبحر في دراسة الأسفار الأربعة لدى صدر المتألهين يرى تجلي المنحى الاجتهادي في بحثه لمسائل الفلسفة، فترى عندما يريد أن يبحث مسألة من مسائل الفلسفة:
رابعاً: يناقش طريقة الاستدلال وبيان نقاط الخلل الواردة والإشكالات المترتبة والجواب عليها.
وهذا ما فعله على امتداد صفحات أسفاره التي تتضمن لكل مسائل الفلسفة بالمعنى الأعم والأخص، ونقدم نموذجاً على ذلك ما ورد في معالجته لنظرية المعاد الروحاني لابن سينا، واجتهاده التحقيقي في نقدها وإثبات أصالة المعاد الروحاني والجسماني معاً، فنراه:
أ ـيطرح المسألة: أولاً، حيث قال: الباب العاشر في تحقيق المعاد الروحاني والإشارة إلى السعادة العقلية والشقاوة التي بإزائها، وإلى السعادة والشقاوة الغير الحقيقيين وما قيل في بيانهما ([10]) .
ثم ذكر الغاية من طرح هذه المسألة، فقال: والغرض من إيراد هذا الكلام هنا أن يعلم أن الوجود الجسماني يصحبه الموت، والغفلة والهجران والفوت، سواء كان هذا الوجود من طرف المدرك المشتاق أو في طرف المشتاق إليه لما فيه من قلة الحضور والوجدان([11]).
ب ـ شرع في بيان مبنى ابن سينا في معالجته لمسألة المعاد الروحاني انطلاقاً من القول بالسعادة والشقاء، وأخذ يبين كيفية حصول السعادة بالآخرة، واحتجابها عن النفس في الدنيا ما دامت في هذا العالم([12]).
كما وبين كيفية حصول الشقاوة بإزاء السعادة الحقيقية وتقسيمه الأشقياء إلى فريقين:
الفريق الأول: حقَّ عليهم الضلالة وحقَّ عليهم القول في الأزل لأنهم أهل الظلمة وأهل الدنيا والحجاب الكلي، المختوم على قلوبهم ،كما قال تعالى: } لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ{ (هود: 119، السجدة: 13).
والفريق الآخر: المنافقون الذين كانوا مستعدين في الأصل، قابلين لنور المعرفة بحسب الفطرة والنشأة الأولى، ولكن ضلوا عن الطّريق واحتُجبت قلوبهم بالرّين المستفاد من اكتساب الرذائل بارتكاب المعاصي ومباشرة الأعمال البهيمية والسّبعية، ومزاولة المكائد الشيطانية حتى رسخت الهيئات الفاسقة والملكات المظلمة، وارتكمت على أفئدتهم وانتقشت نفوسهم برسوم السفسطة وصورٍ جهليّة، وخيالات باطلة وأوهام كاذبة، فبقوا شاكّين حيارى تائهين منكوسين. انتكست وجوههم إلى أقْفِيَتِهِمْ، وحبطت أعمالهم وبقيت نفوسهم في غصّة وعذاب أليم([13]).
وقد وقع الخلاف في تحديد السعادة والشقاء، إنهما حسّيتان أم عقليتان. إلاّ أن صدر المتألهين بين أن ابن سينا قد اختار أنهما حسّيّتان، قال: «إنّ الشيخ الرئيس مال إلى هذا الرأي في بعض رسائله الموسومة بالمجالس السبعة، وقد أشرنا إلى أن النشأة الآخرة لو كانت منحصرة في النشأة العقلية لكان القول ببطلان هذه السّاذجة لازماً اضطرارياً؛ لأنّ وجود الشيء في كل نشأة إنما يكون بصورته لا بِهُيُولاته، لكن قد علمْتَ أنّ بعد هذه النشأة التَعلقُية المتجددة الكائنة الفاسدة عالمان صوريّان مستقلان باقيان غير دائرين أحدهما دار المعقولات والثاني دار المحسوسات الصرفة التي لا مادة لها ولا حافظ إياها إلاّ النفس، لأن وجودها وجود إدراكي وهو نفس محسوسيتها، والمحسوس بما هو محسوس، ووجوده بعينه وجوده للجوهر الحاس وهو النفس، فالنفس هي الحافظة والمبقية للصور الحسّية هناك من غير مادة كما أنّ العقل هو الحافظ المبقي بإذن الله للنفس من غير حامل أو بدن، فلا حاجة للأشياء الموجودة في هذا العالم إلاّ بأسبابها الفاعلة وجهاتها دون الأسباب القابلة والقوى والاستعدادات، فإذا هذه النفس باقية بعد البدن ولم يترسخ فيها هيئات بدنية ورذائل نفسانية حتى تكون متأذيه بها معذبة بسببها، لمنافاتها ومضادتها لجوهر النّفس من حيث فطرتها الأصليّة([14]).
ثم بين صدر المتألهين «هذا ما بلغ إليه نظر الشّيخ وأترابه في إثبات السّعادة والشّقاء الأخرويتين المحسوستين، وفي كيفية جنة السّعداء وجحيم الأشقياء في المعاد»([15]).
ج ـإستعرض الأقوال الواردة في المعاد، قال: «في تفاوت مراتب النّاس في درك أمر المعاد وتفاصيل مقاماتهم في ذلك»([16]).
د ـشرع في نقد رأي ابن سينا حول السّعادة والشّقاء فيما يتعلّق بأمر المعاد أنه روحانيّ، قال: والعجب من الشّيخ أبي علي أيضاً أنه ذكر في هذا الكلام المنقول أن السّعداء الحقيقيين يتلذذون باتصال ذواتهم بعضهم ببعض اتصالاً عقلياً كاتصال معقولٍ بمعقول مع أنه لم يحصّل معنى الاتصال العقلي والإتّحاد الذاتي بين العاقل والمعقول، ولم يقدر على إثباته، بل أنكره في أكثر كتبه، وشنّع على القائلين به، لأنه قال بالاتصال الحسّي وبيّن شاهد قولـه في إلهيّات الشّفاء (رسالة الأضحوة): إن الصور الخياليّة ليست تضعف عن الحسّيّة، ثم بيّن قصر هذا الرّأي، قال: «غاية ما وصلت إليه أفكار صاحب الشّفاء وهي قاصرة عن درجة التّحقيق غير بالغة حدّ الإجداء، بل باطلة في نفسها كما سبق، وستعلم مخّ القول ولب الكلام عند البحث عن إثبات المعاد»([17]).
هـ ـ وبعد ان أشكل على ابن سينا في نقده لقوله بالمعاد الروحاني لقصور عقله على الاستدلال عليه وتسليمه لمبدأ الشرع. شرع صدر المتألهين بطرح نظريته حول المعاد وقدرته على اثبات المعاد الروحاني والجسماني معاً وذلك من خلال:
أولاً: بيان شرف علم المعاد وعلو مكانته وسمو معرفته في بعث الأرواح ولأجساد وعظم شأنها: « اعلم أنّ هذه المسألة بما فيها من أحوال القبر والبعث والنشر والحساب والكتاب والميزان والجنة والنار، هي ركن عظيم في الإيمان وأصل كبير في الحكمة والعرفان، وهي من اغمض العلوم وألطفها وأشرفها مرتبة، وأرفعها منزلة، وأسناها قدراً، وأعلاها شأناً، وأدقّها سبيلاً، وأخفاها دليلا، إلاّ على ذي بصيرة ثاقبة وقلب منور بنور الله»([18]).
ثانياً: ذكر الأصول التي يحتاج إليها الباحث لأثبات هذا المقصد([19])، وبعد ذلك قدّم ثمرة قوله الذي توصل اليه، فقال: إنّ من تأمّل وتدبر في هذه الأصول والقوانين العشرة التي أحكمنا بنيانها، وشيدنا أركانها ببراهين ساطعة، وحجج قاطعة لامعة مذكورة في كتبنا وصحفنا سيما هذا الكتاب (الأسفار) تأملاً كافياً وتدبراً وافياً بشرط سلامة فطرته عن آفة الغواية والاعوجاج ومرض الحسد والعناد، وعادة العصبية والافتخار والاستكبار لم يبق لـه شك وريب في مسألة المعاد وحشر النفوس والأجساد، ويعلم يقيناً ويحكم بأنّ هذا البدن بعينه سيحشر يوم القيامة بصورة الأجساد، وينكشف لـه أنّ المُعاد في المَعاد مجموع النفس والبدن بعينهما وشخصهما، وأنّ المبعوث في القيامة هذا البدن بعينه لا بدن آخر مباين له عنصرياً كان، كما ذهب إليه جمع من الإسلاميين، أو مثالياً كما ذهب اليه الإشراقيون ؛ فهذا هو الاعتقاد الصحيح المطابق للشريعة والملّة، الموافق للبرهان والحكمة، فمن صدّق وآمن بهذا فقد آمن بيوم الجزاء، وأصبح مؤمناً حقاً([20]).
* * *
_______________________________
(*)كاتب و باحث في الحوزة العلمية، من لبنان.
([1]) راجع: مركز البحوث المعاصرة، المدرسة التفكيكية وجدل المعرفة الدينية، مجموعة مقالات لمجموعة من الأساتذة والعلماء، إعداد وتقديم حيدر حب الله، ط1، بيروت، دار الهادي للطباعة والنشر،2007م: 78.
([2]) راجع: ابن سينا، الإشارات والتنبيهات، شرح الخواجة الطوسي، تحقيق د.سليمان دنيا، بيروت، مؤسسة النعمان للطباعة والنشر والتوزيع.
([3]) راجع: اللاهيجي، عبد الرزاق، شوارق الإلهام في شرح تجريد الاعتقاد، تحقيق الشيخ اكبر أسد علي زاده، تقديم وإشراف العلامة المحقق جعفر سبحاني، ط1، ايران، مؤسسة الإمام الصادق(ع)، 1425هـ1: 11ـ20.
([5]) ابن منظور، لسان العرب، مادة (جهد).
([6]) راجع: الغروي، محمد عبد الحسن، مصادر الاستنباط بين الأصوليين والأخباريين، بيروت، دار الهادي، 1992م: 27.
([7]) اليوزبكي، جمال محمد صالح، غضبة الفلاسفة الغضبة المتعالية، ايران، مؤسسة حكمة صدرا الإسلامية، 1999م: 319.
([8]) الشيرازي، محمد إبراهيم، الأسفار الأربعة، بيروت، دار التراث العربي، 1: 39.
([9]) الحيدري، كمال، مدخل إلى مناهج المعرفة عند الإسلاميين، ط1، ايران، دار فراقد، 1426م هـ : 276.
([10]) الأسفار الأربعة، مصدر سابق، 9: 120.
([11]) المصدر السابق 9: 124.
([12]) المصدر السابق: 125.
([13]) المصدر السابق: 132.
([14]) المصدر السابق: 147.
([15]) المصدر السابق نفسه.
([16]) المصدر السابق: 171ـ 178.
([17]) المصدر السابق: 150.
([18]) المصدر السابق: 151.
([19]) المصدر السابق: 179.
([20]) المصدر السابق: 185ـ 192.
(21) المصدر نفسه: 197 ـ 198.