أحدث المقالات

كلما تفكر الإنسان في الحياة، يزداد يقينا أن الحوار و محاولة فهم الآخر و تقريب التصورات و المقاصد هو البلسم لكل أوجاعه الاجتماعية و السياسية و الثقافية الحضارية عامة،لكن يبقى هذا اليقين مغامرة مليئة بالمطبات و الحفر و المنعرجات و التضحيات و التهم، أما النجاح  للوصول إلى واقع إنساني سماته التعاون والتسامح و التعايش فإنه تعب مستتعب، أي صعب المنال دون دفع مستحقات الفواتير النفسية و الفكرية و الاجتماعية و حتى الجسدية أحيانا…
بصراحة: مبدأ الحوار هو ذلك السهل الممتنع في حياتنا، لأن معيار الاجتماع لدينا، ليس القيم الثقافية الجامعة، و لكنه المصلحة الذاتية أو بتعبير آخر الجهة و القبيلة و الحزب والخصوصيات على حساب الحق و العدل في الأعم الغالب، و ذلك نابع من عدم تفكيرنا في  مواصفات الفكر الثقافي الذي صنع تاريخ المجتمع العربي الحديث، أقصد ما نلاحظه من مفاهيم و مواقف و صراعات و تكتلات و تكتيكات و تعبئة للجماهير، أي ثقافة أنتجت هذا كله ومن منحها الشرعية التي سمحت لها بالتغلغل و التجذر في عمق الحياة الاجتماعية، حتى أصبح الحوار مضيعة للوقت بينما تسخين الأجواء الخلافية  و الصدامية بين أبناء الأمة الواحدة و الوطن الواحد و الدين الواحد و المذهب الواحد و المصير الواحد هو الفريضة الواجبة…؟؟
إن هذا التساؤل المركب يمنح وعيا حقيقيا بسر تخلف الواقع الإسلامي و انحطاط معالم النباهة الحضارية…  التناقض الحاصل في مجتمعاتنا المجهرية و الكبرى ما هو سوى محصل حاصل عدم التفكير في صناعة التاريخ و تفضيل العيش وفق الفلسفة القدرية المطعمة بالنرجسية  الثقافية لدى الفرد و القبيلة و الحزب و المذهب و كل الانتماءات و الهويات المتشعبة…
بكلمة: المشكلة الحقيقية لدى الإنسان العربي أنه قهر نفسه بنفسه يوم حرم إنسانيته من الإنفتاح على مبادئ الحياة الثابتة و أولها الحوار، فمن أصغر خلية في الواقع العربي إلى قمة الهرم، معادلة الحوار غائبة تماما، مما جعل أجيالنا لا تؤمن بالرأي و الرأي الآخر بل هناك الرأي الأوحد و الوحيد…هكذا  تم نسف الحوار من حياتنا يوم حلت الفلسفة الفرعونية "لا أريكم إلا ما أرى". أما اليوم في عالم متزايد الاتساع و التشعب أصبح الحوار مبدأ استراتيجي في إدارة الحياة لا غنى و لا بديل عنه، مهما اشتدت الأزمات، الحوار هو الملجأ و المنهج الرائد في إدارتها و التخطيط و التنظيم لحلها ثم استثمار النتائج  في بناء الاستقرار السياسي و الاجتماعي، بل أكثر من ذلك أصبحت إنسانية الإنسان و المجتمعات تقاس بمدى اتقان مبدأ الحوار في تفاصيل الحياة  سواءا على مستوى الأسرة أو العمل أو بالمرافق العامة أو فيما بين الطوائف و التعدديات و كذا الدول…
ببساطة: الحوار كمبدأ لا يمكنه التغلغل في عمق الإجتماع العربي و الإسلامي المعاصر، إلا إذا أصبح واقعا حيا يجسده ساسة أمور الرعية من آباء و سياسيين و مثقفين و اعلاميين و علماء دين و حكومات و نواب و ما هنالك ممن لهم الأثر و التأثير في حاضر و مستقبل الإنسان العربي و المسلم…وبالتالي يبقى إلتزام مبدأ الحوار هو عنوان النباهة الحضارية…و الله من وراء القصد.

_________________________________________
(*)كاتب و باحث إسلامي      

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً