أحدث المقالات

د. الشيخ عصري الباني([1])

الخلاصة

اتخذ أئمة أهل البيت(ع) مواقف سلبية تجاه الحكام المعاصرين لهم، لبعد هؤلاء الحكام عن الحكم الإسلامي الأصيل، وللانحراف الروحي والعملي عن العقيدة السمحاء ومبادئ الإسلام. وهو ما يملي على الذين يؤمنون بمبادئ الدين الحنيف الابتعاد عن هكذا سلطة ومن الانضواء في أجهزتها، باعتبار أن هذا يكون بمثابة إقرار بشرعية الحكم والاعتراف بحقيقته، ومن هنا كان موقف الأئمة(ع) سلبي من الحكام الذين عاصروهم، وكانوا يقومون بتوعية أبناء الأمة على الواقع الفاسد الذي يعيشه الحكم الإسلامي، والسلوك البائس الذي اتبعه الحكام في قيادة الأمة الإسلامية، والمتمثل في انتهاك الحرمات وأعمال القتل والتشريد ومصادرة الأموال، ومجالس المجون التي ملأت صفحات التأريخ الأموي ثم العباسي. وقد اتخذ الإمام الرضا(ع) عين الموقف الذي اتخذه آباؤه(ع) من قبل، ونحن في هذا المقال سنتناول هذا الجانب من جوانب حياته المضيئة والمتمثلة بمواقفه(ع) من حكام الجور الذين عاصروه مستلهمين ذلك من أحاديثه ومواقفه(ع).

المصطلحات

الموقف: الموضع الذي تقف فيه([2]).

الإمام: بمنزلة القدام، وفلان يؤم القوم، أي: يقدمهم([3]).

الرضا: علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق، أبو الحسن، الملقب بالرضا: ثامن الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، ومن أجلاء السادة أهل البيت وفضلائهم. ولد في المدينة سنة 153هـ… ومات بطوس سنة 203هـ‍([4]).

الحاكم الذي من شأنه أن يحكم([5]). وأصل الحكومة: رد الرجل عن الظلم وإنما سمي الحاكم بين الناس لأنه يمنع لظالم. من الظلم([6]).

العباسيون: نسبة إلى العباس بن عبد المطلب عم النبي الأعظم(ص) كانت بداية دولتهم سنة 132هـ… وكانت نهاية عهدهم على يد هولاكو المغولي سنة 656هـ([7]).

المقدّمة

إن حياة المعصومين الأربعة عشر كانت زاهرة بالحب والمعرفة والعبر والبصائر، إلاّ أن ما بلغنا من ضياء بعضهم كان أكثر من البعض الآخر، والإمام الرضا(ع) من أولئك الذين تسنَّت لنا فرصة الاهتداء إلى المزيد من فضائلهم، ولأنهم عند الله نور واحد، فليس علينا إلاّ الاستضاءة بسيرته(ع) لمعرفة سيرة سائر المعصومين من آبائه(ع).

أن حياة الإمام الرضا(ع) كانت فاتحة مرحلة جديدة من حياة أتباع أهل البيت(ع) حيث خرجت بصائرهم وأفكارهم من مرحلة الكتمان إلى الظهور والإعلان، ولم يعد الشيعة من بعد ذلك العهد طائفة معارضة في مناطق خاصة، بل أصبحوا ظاهرين في كل البلاد.

لقد عاش الإمام(ع) بعد أبيه موسى بن جعفر(ع) عشرين سنة إلا شهرين أو ثلاثة([8])، منها عشر سنوات في عهد هارون الرشيد([9])، لأن شهادة أبيه كانت سنة 183هـ‍([10])، وتوفي هارون سنة 193هـ‍([11])، ثم تولى محمد الأمين([12]) بعده ثلاث سنين وخمسة وعشرين يوما، وقوي عليه أخوه المأمون([13]) فقتله سنة 198هـ‍([14])، وملك بعده عشرين سنة([15]). وكان للإمام(ع) معه ما كان، حتى قضى مسموماً([16]) سنة 203هـ([17]).

وسوف نقسم البحث في سيرته مع حكام الجور من بني العباس إلى قسمين:

الأول: الإمام الرضا(ع) وهارون

كان عهد هارون من أقسى العهود على آل البيت وشيعتهم، حيث ضيّق العباسيون عليهم، وآذوا الإمام الكاظم(ع) وهجّروه عن دار أمنه عند قبر جده إلى البصرة، ثم إلى بغداد حيث وضعوه تحت الإقامة الجبرية، وفي السجون حتى دسوا إليه السم، فمات شهيداً مظلوماً.

الإمام الرضا(ع) يعلن إمامته

اضطر الإمام(ع) لإعلان إمامته، وذلك لأمور:

1ـ مواجهة الانحراف الذي بثته الواقفة([18])، وللحفاظ على الجماعة الصالحة من شيعته ومواليه.

2ـ ثقة الإمام(ع) بأن الرشيد الطاغية الضال لن يصل إليه بسوء من خلال ما تلقاه عن النبي(ص) وآبائه(ع) من أن القاتل له غير هارون.

وهذا الأمر دفع من يخافون على سلامة الإمام(ع) إلى الطلب منه لأكثر من مرة أن يعمل بالسر، وان يحتاط لنفسه ولشيعته من هارون واعوانه الذين لا دين لهم ولا أخلاق، لكن الإمام(ع) طمأن هؤلاء المخلصين واستمر في نشاطه ودعوته إلى الله تعالى.

فعن محمد بن سنان قال: قلت: لأبي الحسن الرضا(ع) في أيام هارون: إنك قد شهرت نفسك بهذا الامر وجلست مجلس أبيك وسيف هارون يقطر الدم، فقال جراني على هذا ما قال رسول الله(ص): إن أخذ أبو جهل من رأسي شعرة فاشهدوا أني لست بنبي وأنا أقول لكم: إن أخذ هارون من رأسي شعرة فاشهدوا أني لست بإمام([19]).

مؤامرات السلطة لايذاء الامام(ع)

ولم يسلم الإمام(ع) بعد قتل أبيه من مؤامرات أنصار الظالمين والمتزلفين لهم والدائرين في فلكهم، فقد كانوا يحصون أنفاسه عليه، ويرقبونه بشدة، ويعظمون لهم خطره على ملكهم، فتجرع(ع) مرارة تلك الأحداث التي واجهت إمامته.

فقد كتب الزبيري: ان علي بن موسى قد فتح بابه ودعى إلى نفسه، فقال هارون واعجبا إن علي بن موسى قد اشترى كلبا وكبشا وديكا ويكتب فيه بما يكتب([20]).

أقول: إن الإمام(ع) قام بشراء هذه الأمور ليتقي شرّ هارون وأعوانه.

وعن أبي الصلت الهروي([21]) قال: كان الرضا(ع) ذات يوم جالساً في منزله إذ دخل عليه رسول هارون الرشيد فقال: أجب أمير المؤمنين فقام(ع) فقال لي: يا أبا الصلت إنه لا يدعوني في هذا الوقت إلا لداهية([22])، فوالله لا يمكنه أن يعمل بي شيئا أكرهه، لكلمات وقعت إلي من جدي رسول الله(ص) قال: فخرجت معه حتى دخلنا على هارون الرشيد فلما نظر إليه الرضا(ع) قرأ حرزا فلما وقف بين يديه نظر إليه هارون الرشيد وقال: يا أبا الحسن قد أمرنا لك بمائة ألف درهم واكتب حوائج أهلك فلما ولى عنه علي بن موسى(ع) وهارون ينظر إليه في قفاه قال: أردت وأراد الله وما أراد الله خير([23]).

 وقد أشار عيسى بن جعفر([24]) على هارون بقتل الإمام الرضا(ع) فعن جعفر بن يحيى([25]) قال: سمعت عيسى بن جعفر يقول لهارون حيث توجه من الرقة([26]) إلى مكة أذكر يمينك التي حلفت بها في آل أبي طالب فإنك حلفت أن ادعى أحد بعد موسى الإمامة ضربت عنقه صبراً وهذا علي ابنه يدعي هذا الأمر ويقال فيه ما يقال في أبيه فنظر إليه مغضبا فقال: وما ترى؟ تريد أن أقتلهم كلهم؟! قال موسى بن مهران: فلما سمعت ذلك صرت إليه: فأخبرته فقال(ع): ما لي ولهم لا يقدرون إلي على شيء([27]).

وهذه الكلمات إن دلت على شيء من الرشيد، فإنها تدل على أنه كان يحس بالإثم مما ارتكبه بحق الإمام الكاظم(ع)، وانه كان يعيش في صراع داخلي مع نفسه، ولم تعد تستطع تحمل إثما كبيرا اخر بقتل الامام الرضا(ع)، ومع ذلك أفلحت المحاولات المتكررة التي كان يقوم أعوان الظلمة، أن تدفعه لقتله، ولكن إرادة الله كانت تحول بينه وبين ما يريد.

وعن صفوان بن يحيى قال: لما مضى أبو الحسن موسى الكاظم(ع) وقام ولده من بعده أبو الحسن الرضا(ع) وتكلم خفنا عليه من ذلك وقلت له إنك أظهرت أمرا عظيما وإنا نخاف عليك من هذا الطاغية ـ يعني هارون الرشيد ـ قال ليجهد جهده فلا سبيل له علي.

كما روي أن يحيى بن خالد البرمكي قال للطاغية: هذا علي بن موسى الرضا قد قعد وادعى الأمر لنفسه، فقال هارون: ما يكفينا ما صنعنا بأبيه تريد أن نقتلهم جميعاً؟

وعن مسافر قال: كنت مع أبي الحسن الرضا(ع) بمنى فمر يحيى بن خالد البرمكي وهو مغطي وجهه بمنديل من الغبار، فقال الرضا(ع): مساكين هؤلاء لا يدرون ما يحل بهم في هذه السنة. فكان من أمرهم ما كان. قال: وأعجب من هذا أنا وهارون كهاتين، وضم إصبعيه السبابة والوسطى. قال مسافر: فوالله ما عرفت معنى حديثه في هارون إلا بعد موت الرضا ودفنه إلى جانبه.

وعن موسى بن مهران قال: رأيت علي بن موسى الرضا في المدينة وهارون الرشيد يخطب وقال: أتروني وإياه ندفن في بيت واحد.

وعن حمزة بن جعفر الارجاني قال: خرج هارون الرشيد من المسجد الحرام مرتين من باب وخرج علي بن موسى الرضا(ع) من باب مرتين فقال الرضا(ع) وهو يعني هارون: ما أبعد الدار وأقرب اللقاء، يا طوس يا طوس يا طوس ستجمعني وإياه([28]).

وتعرض بيته للإساءة والسلب ولما خرج محمد بن جعفر بن محمد([29]) بالمدينة بعث هارون عيسى الجلودي([30] وأمره إن ظفر به أن يضرب عنقه، وأن يغير دور آل أبي طالب، وأن يسلب نساءهم، ولا يدع على واحدة منهن إلا ثوبا واحدا ففعل الجلودي ذلك، وقد كان مضى أبو الحسن موسى بن جعفر(ع)، فصار الجلودي إلى باب دار أبي الحسن الرضا(ع) هجم على داره مع خيله، فلما نظر إليه الرضا جعل النساء كلهن في بيت، ووقف على باب البيت، فقال الجلودي لأبي الحسن(ع): لا بد من أن ادخل البيت فاسلبهن كما أمرني أمير المؤمنين. فقال الرضا(ع): أنا أسلبهن لك واحلف أني لا أدع عليهن شيئا إلا أخذته. فلم يزل يطلب إليه ويحلف له حتى سكن، فدخل أبو الحسن الرضا(ع)، فلم يدع عليهن شيئا حتى أقراطهن([31]) وخلاخيلهن([32]) وأزرارهن([33]) إلا أخذه منهن وجميع ما كان في الدار من قليل وكثير([34]).

أقول: أجمع المؤرخون على أن خروج محمد بن جعفر كان في زمان المأمون، وهنا يوجد احتمالان:

الأول: أن يكون محمد بن جعفر خرج في زمن هارون قبل ذلك، ولكن لم يسلط عليه الضوء وتم التركيز على قيامه في زمن المأمون.

الثاني: أن الراوي اخطأ في ذكر من قام بالثورة فتوهم انه محمد بن جعفر وهو يحصل كثيراً.

أضف إلى ذلك انحراف الواقفة عنه(ع)، وقتل الحسنيين وسلب أموالهم، وهدم دورهم ونهبها، وغيرها من الأحداث المؤلمة التي تعرض لها العلويون.

هلاك هارون والنزاع بين أبنائه

هلك هارون، وشب الخلاف بين ورثته، فقد وصّى هارون لثلاثة من أبنائه بولاية العهد وهم الأمين والمأمون والمؤتمن([35]) بالترتيب، ولمعرفته بميول العباسيين إلى الأمين الذي كانت والدته زبيدة([36]) ترعاه، خشي على المأمون الذي كان يرى فيه كفاءة أكثر لادارة البلاد فمنحه بعض المناصب في الدولة.

 وكـان الفرس الذين كانوا لا يزالون متنفذين في الدولة العباسية بالرغـم من نكبة البرامكة([37]) يميلون نحو المأمون لأن أمه منهم ولأنه تربى في أحضانهم.

 من هنا كانت سحُب الفتنة تتجمع في سماء الأمة، وكان هلاك هارون الرشيد في خراسان في وقت مبكر وقبل أن يرتب أوضاع البلاد، فعجَّل ذلك في اشتعال نار الفتنة، كما أن مرافقة المأمون لوالده التي جاءت ـ حسب بعض الروايات ـ بإشارة من فضل بن سهل ساهمت فيها.

 لقد سارع الأمين وربما بإشارة من بعض قواده العباسيين في خلع أخيه ونصب ابنه ولياً للعهد، وكان من الطبيعي أن يرفض المأمون ذلك مما حدا بالأمين إلى بعث بعض قواده ليأتون به مغلولاً.

 وقد شجع المأمون بعض قادة جيشه ولا سيما من هم من الفرس على التمرد، ففعل وانتهى إلى الحرب بين الأخوين التي انتهت بخلع الأمين واستتب الأمر لأخيه([38]).

الثاني: الإمام الرضا(ع) والمأمون

وقبل الدخول في البحث في تحليل العلاقة والتعامل بين الإمام(ع) والمأمون لا بُدَّ من ذكر بعض المقدمات التي من دونها لا تتضح طبيعة تلك العلاقة:

أـ الظواهر في زمن المأمون

برزت في عهد المأمون مجموعة من الظواهر التي كانت كنتيجة طبيعية لما جرى من حرب طاحنة بينه وبين الأمين، ونشير إليها هنا لأن عدم تبيينها سوف يجعل الصورة ضبابية عن الأحداث التي وقعت بين الإمام(ع) والمأمون، وهي كالآتي:

1ـ الثورات العلوية بعد هارون

كانت هذه الحرب أول حرب بين العباسيين، ومن أسوأ الحروب الداخلية بين المسلمين. مما زعزع الثقة بالنظام السياسي عند الجماهير وشجع المعارضة على الثورة، فإذا بأطراف البلاد تنتفض وتخلع الحاكم وتبايع واحداً من العلويين.

 وكانت أخطر وأعظم هذه الثورات حركة أبي السرايا في الكوفة التي قادها السري بن منصور([39])، وعقدت لواء الزعامة لواحد من أبناء الإمام الحسن المجتبى(ع) واسمه محمد بن إبراهيم بن إسماعيل([40]).

وفي مكة المكرمة ثار محمد ابن الإمام جعفر الصادق(ع) وبويع بالخلافة ولقب بـ (أمير المؤمنين).

 وكانت هناك ثورات أخرى في بلاد الشام والمغرب وكلها تدل على اضطراب الوضع السياسي، حتى أن الناس لم يبايعوا المأمون إلاّ بعد أن استتب الأمر له وعاد إلى بغداد، وبعد حروب أكلت مئات الألوف من المسلمين.

2ـ تنامي التيارات الفكرية

وكان عصر المأمون يتميز بتنامي التيارات الفكرية التي كان من شأنها زعزعـــة النظام الثقافي للأمة، وكانت نتيجة طبيعية لحركة الترجمة التي شجّعها العباسيون من دون رؤية.

3ـ تزلزل ثقة القواد بالقيادة

 كما أن الثقة عند قيادات الجيش الذي يمثل العماد الأصلي للنظام كادت تنهار، حتى قال هرثمة بن حازم([41]) (أحد قيادات العسكر) للمأمون: “لم ينصحك من كذبك ولم يغشك من صدقك لا تجرئ القواد على الخلع فيخلعوك ولا تحملهم على نكث العهد فينكثوا عهدك وبيعتك فان الغادر مخذول والناكث مفلول”([42]).

4ـ ظهور الفواحش والبذخ في جهاز السلطة

 برزت حالة المجون والترف واشتهرت بين رجال الدولة وبطانتهم، والتي كان يشجعها النظام لإلهائهم عن الحقائق المرة التي يعيشها المسلمون. وإذا كان آل (برمك) بالأمس أبطال هذا الميدان، فإن آل (سهل) خلفوهم فيه، وما يذكره بعض المؤرخين عن زواج الخليفة (ببوران) وما رافقه من مظاهر البذخ والترف شاهد على ذلك([43]).

ب ـ اسباب تقرب المأمون للإمام الرضا(ع)

هناك عدة احتمالات حول موضوع تقرب المأمون من الإمام الرضا(ع) وهي كالآتي:

1ـ إن المأمون ولد من أم فارسية، وتربى في حجر المؤيدين للبيت العلوي، وعرف الكثير من تاريخ الإسلام وتبحَّر في علم الكلام فأصبح شيعياً، وكان عهده إلى الإمام الرضا(ع) بدافع سليم، وقد أسرّ المأمون إلى بعض خواصه بهذا الأمر، فعن الريان بن الصلت([44]) قال أكثر الناس في بيعة الرضا من القواد والعامة ومن لم يحب ذلك وقالوا: إن هذا من تدبير الفضل بن سهل([45]) ذي الرياستين فبلغ المأمون ذلك فبعث إلي في جوف الليل فصرت إليه فقال: يا ريان بلغني أن الناس يقولون: إن بيعة الرضا(ع) كانت من تدبير الفضل بن سهل، فقلت: أمير المؤمنين يقولون ذلك، قال: ويحك يا ريان أيجسر أحد أن يجئ إلى خليفة وابن خليفة قد استقامت له الرعية والقواد واستوت له الخلافة فيقول له إدفع الخلافة من يدك إلى غيرك؟ أيجوز هذا في العقل؟ قال: قلت له: لا والله يا أمير المؤمنين ما يجسر على هذا أحد قال: لا والله ما كان كما يقولون ولكني سأخبرك بسبب ذلك، إنه لما كتب إلي محمد أخي يأمرني بالقدوم عليه فأبيت عقد لعلي عيسى بن ماهان([46]) وإمره أن يقيدني بقيد ويجعل الجامعة في عنقي فورد علي بذلك الخبر وبعثت هرثمة بن أعين إلى سجستان وكرمان وما والاها فأفسد علي أمري فانهزم هرثمة وخرج صاحب السرير وغلب على كور خراسان من ناحية فورد على هذا كله في أسبوع فلما ورد ذلك علي لم يكن لي قوة في ذلك ولا كان لي مال أتقوى به ورأيت من قوادي ورجالي الفشل والجبن أردت أن ألحق بملك كابل فقلت في نفسي: ملك كابل رجل كافر ويبذل محمد له الأموال فيدفعني إلى يده فلم أجد وجها أفضل من أن أتوب إلى الله تعالى من ذنوبي وأستعين به على هذه الأمور وأستجير بالله تعالى وأمرت بهذا البيت وأشار إلى بيت فكنس وصببت على الماء ولبست ثوبين أبيضين وصليت أربع ركعات فقرأت فيها من القرآن ما حضرني ودعوت الله تعالى واستجرت به وعاهدته عهدا وثيقا بنية صادقة أن أفضى الله بهذا الأمر إلي وكفاني عادية الأمور الغليظة أن أضع هذا الأمر في موضعه الذي وضع الله فيه، ثم قوي فيه قلبي فبعثت طاهرا إلى علي بن عيسى بن هامان فكان من أمره ما كان، ورددت هرثمة بن أعين إلى رافع (بن أعين) فظفر به وقتله وبعثت إلى صاحب السرير فهاديته وبذلت له شيئا حتى رجع فلم يزل أمري يتقوى حتى كان من أمر محمد ما كان وأفضى الله ألي بهذا الأمر واستوى لي، فلما وفى الله تعالى بما عاهدته عليه أحببت أن أفي الله بما عاهدته فلم أر أحدا أحق بهذا الأمر من أبي الحسن الرضا(ع) فوضعتها فيه فلم يقبلها على ما قد علمت فهذا كان سببها فقلت: وفق الله أمير المؤمنين، فقال: يا ريان إذا كان غدا وحضر الناس فاقعد بين هؤلاء القواد وحدثهم بفضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) فقلت: يا أمير المؤمنين ما أحسن من الحديث شيئا إلا ما سمعته منك، فقال: سبحان الله ما أجد أحدا يعينني على هذا الأمر لقد هممت أن أجعل أهل قم شعاري ودثاري فقلت: يا أمير المؤمنين أنا أحدث عنك بما سمعته منك من الاخبار؟ فقال: نعم حدث عني بما سمعته مني من الفضائل فلما كان من الغد قعدت بين القواد في الدار فقلت: حدثني أمير المؤمنين عن أبيه عن آبائه عن رسول الله (ص) قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه وحدثني أمير المؤمنين عن أبيه عن آبائه قال: قال رسول الله (ص): علي منى بمنزلة هارون من موسى وكنت أخلط الحديث بعضه ببعض لا أحفظه على وجهه وحدثت بحديث خيبر وبهذه الاخبار المشهورة فقال عبد الله بن مالك الخزاعي رحم الله عليا كان رجلا صالحا وكان المأمون قد بعث غلاماً إلى مجلسنا يسمع الكلام فيؤديه إليه قال: الريان: بعث إلي المأمون فدخلت إليه فلما رآني قال، يا ريان ما أرواك للأحاديث وأحفظك لها؟ قال قد بلغني ما قال اليهودي عبد الله بن مالك في قوله: رحم الله عليا كان رجلا صالحا والله لأقتلنه إنشاء الله، وكان هشام بن إبراهيم الراشدي الهمداني من أخص عند الرضا(ع) من قبل أن يحمل وكان عالما أديبا لبيبا وكانت أمور الرضا(ع) تجري من عنده وعلى يده وتصيره الأموال من النواحي كلها إليه قبل حمل أبي الحسن(ع) فلما حمل أبو الحسن اتصل هشام بن إبراهيم بذي الرياستين وقربه ذو الرياستين وأدناه، فكان ينقل أخبار الرضا(ع) إلى ذي الرياستين والمأمون فحظي بذلك عندهما وكان لا يخفي عليهما من أخباره شيئا فولاه المأمون حجابة الرضا(ع) فكان يصل إلى الرضا(ع) إلا من أحب وضيق على الرضا(ع) وكان من يقصده من مواليه لا يصل إليه وكان لا يتكلم الرضا(ع) في داره بشئ إلا أورده هشام على المأمون وذي الرياستين وجعل المأمون العباس ابنه في حجر هشام وقال له: أدبه فسمي هشام العباسي لذلك قال: وأظهر ذو الرياستين عداوة شديدة لأبي الحسن الرضا(ع) وحسده على ما كان المأمون يفضله فأول ما ظهر لذي الرياستين من أبي الحسن(ع) أن ابنة عم المأمون كانت تحبه وكان يحبها، وكان ينفتح باب حجرتها إلى مجلس المأمون وكانت تميل إلى أبي الحسن الرضا(ع) وتحبه وتذكر ذا الرياستين وتقع فيه فقال ذو الرياستين حين بلغه ذكرها لا ينبغي أن يكون باب دار النساء مشرعاً إلى مجلسك فأمر المأمون بسده وكان المأمون يأتي الرضا(ع) يوما والرضا(ع) يأتي المأمون يوماً، وكان منزل أبي الحسن(ع) بجنب منزل المأمون فلما دخل أبو الحسن(ع) إلى المأمون ونظر إلى الباب مسدودا قال: يا أمير المؤمنين ما هذا الباب الذي سددته؟ فقال: رأي الفضل ذلك وكرهه، فقال(ع): (إنا لله وإنا إليه راجعون) ما للفضل والدخول بين أمير المؤمنين وحرمه؟ قال: فما ترى؟ قال: فتحه والدخول إلى ابنة عمك ولا تقبل قول الفضل فيما لا يحل ولا يسع فأمر المأمون بهدمه ودخل على ابنة عمه، فبلغ الفضل ذلك فغمه([47]).

 ثم انقلب عن ذلك ودس السم إلى الإمام لأن الملك ـ كما قال والده هارون له يوماً ـ عقيم([48]).

2ـ إنها كانت خطة دبرها الفضل بن سهل وغيره من بطانته ووقع المامون فيها من دون التفات، ثم عاد عنها وقتل الفضل غيلة في الحمام وقضى على الإمام بالسم.

3ـ أنها كانت خطة المامون اشترك فيها هو وغيره من القادة، وكانت مجرد لعبة سياسية.

 أقول: إن كل ذلك ممكن وهناك دلائل من التاريخ تدل على كل واحد من الاحتمالات، وان تكون كل العوامل التاريخية مشتركة، وأن هذه العوامل تفاعلت مع بعضها فصنعت هذه الظاهرة. فخلفية المأمون الثقافية، والظروف السياسية، ورأي بطانته، أقرت في الإقدام على هذه الخطوة الجريئة، ولولا واحدة منها لم يقدم.

 وهذا يعني أن انقلاب المأمون على الإمام الرضا(ع) جاء بعد تحول الظروف السياسية ـ وأن الرجل لم يكن شيعياً بالمعنى الحقيقي للكلمة، وهو إتِّـباع أهل البيت، والتعبد لله في طاعته، إنما كان متأثراً ببعض الأفكار الشيعية كتفضيل أمير المؤمنين(ع) على غيره من الخلفاء، والاعتقاد بخيانة معاوية، وما أشبه.

 إلاّ أن ذلك لا يجعل الفرد شيعياً في نظر الأئمة(ع) وهو بالتالي كان صاحب سلطة يبحث عنها أكثر مما يبحث عن المبادئ والقيم.

 ولعل والده هارون كان يشير إلى ابنه وإلى خواصّ أهل بيته كما يشير الطغاة عادة إلى بطانتهم من الاعتراف بحق معارضيهم، وذلك عندما تستيقظ ضمائرهم ولو لفترة محدودة. وهكذا يروي المأمون أنه إنما تشيّع على يد والده([49]).

 وهذا السبب كان أيضاً من الدواعي المساعدة إلاّ أن أبرز العوامل التي دفعته إلى ذلك كانت الظروف السياسية التي أشرنا إليها حيث كانت علاقته بالعباسيين سيئة لقتله أخاه أميناً، كما أن القيادات العربية لم تكن راضية عنه بسبب تفضيله الصارخ للقيادات الفارسية، أما أنصار البيت العلوي فقد رأوا ووجدوا الفرصة مؤاتية للإنتقام من السلطة العباسية الغاشمة، وانتفضوا في كل مصر. فماذا بقي له من فرص الاستمرار في السلطة؟

 ولكن محصلة خطط المأمون، والأقدار التي أجرت الرياح في اتجاهه كانت التالية:

 1ـ اكتساب ود أنصار البيت العلوي باستقدام الإمام الرضا(ع) لولاية عهده.

 2ـ تصفيته لكثير من الثورات بالأعمال العسكرية وبقدر من السماحة والعطاء.

 3ـ الالتفاف على العباسيين واكتساب ودّهم والعودة إلى خطهم، بعد تصفية الفضل بن سهل، وشهادة الإمام(ع).

 وهكذا تسنى للمأمون أن يستمر في الحكم وأن يحافظ على العرش العباسي من بعده.

ت ـ اسباب استجابة الإمام الرضا(ع) للتحدّي

 في موضوع قبول الإمام(ع) ولاية عهد المأمون ولهذا التحدي الخطير هناك مجموعة من الاحتمالات:

1ـ انه كان مضطراً إلى ذلك فقد جاء في خبر طويل عن المحاورة التي جرت بين الإمام(ع) والمأمون أن المأمون غضب: ثم قال إنك تتلقاني أبداً بما أكرهه وأمنت سطوتي فبالله أقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلا أجبرتك على ذلك فإن فعلت وإلا ضربت عنقك، فقال الرضا(ع): قد نهاني الله تعالى أن القي بيدي التهلكة فإن كان الأمر على هذا فافعل ما بدا لك…([50]).

2ـ الاستجابة لتحدي المأمون بقبول ولاية العهد للعمل من خلال السلطة دون إعطاء شرعية لها، ولهذه الحركة مثيلات في تاريخنا الديني.

وعندما نلقي نظرة إلى واقع الحركة الرسالية عندما تولى الإمام(ع) مركز الإمامة من بعد والده الإمام الكاظم(ع). فالحركة الرسالية كادت تبلغ يومئذ إلى مستوى التصدي لشؤون الأمة، بسبب الجهود العظيمة التي قام بها الإمام الكاظم(ع) الذي امتدت إمامته لمدة 32 سنة، وبالرغم من أن الإمام الكاظم(ع) قضى نحبه في سجن هارون مسموماً، إلاّ أن الحركة لم تصب بأذى كثير.

 وهكذا كانت أمام الإمام(ع) واحدة من فرصتين:

 الأولى: القيام بحركة مسلحة قد تنتهي إلى دمار الحركة.

 الثانية: العمل من خلال السلطة دون إعطاء شرعية لها، ولهذه الحركة مثيلات في تاريخنا الديني:

أـ كما فعل النبي يوسف حينما طلب من ملك مصر بأن يجعله على خزائن الأرض، قال تعالى: (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم * وكذلك مكَّنّا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين) ([51])، ثم قام بما استطاع إليه سبيلاً، من الإصلاح من داخل النظام.

ب ـ كما فعل الإمام أمير المؤمنين(ع) مع الخلفاء الذين سبقوه، حتى روي عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن([52]).

 وأقل ما في هذه الفرصة الثانية أنها تشكل حماية للحركة الرسالية من التصفية، والقبول بها كحركة معارضة رسمية.

 وهكذا نعرف أن الإمام لم يترك قيادته للحركة الرسالية بل استفاد من مركزه الجديد، كما استفاد الشيعة لدعم مسيرة حركتهم الرسالية التي فرضت نفسها على النظام فرضاً.

المنهج الذي اتبعه الإمام الرضا(ع) لتحقيق الأهداف

ولتحقيق هذه الأهداف اتبع الإمام الرضا(ع) النهج التالي:

 أولاً: امتنع عن قبول الخلافة التي عرضها عليه المأمون أوّلاً([53])، ولعل السبب في رفض الخلافة كان أمرين:

 أـ إن تلك الخلافة كانت ثوباً خاصاً بأمثال المأمون وإنها لا تليق بحجة الله البالغة، لأن بنائها كان قائماً على أساس فاسد، جيشها ونظامها وقوانينها وكل شيء فيها، ولو قبل الإمام بها كان عليه أن يهدمها ويبنيها من جديد ولم يكن ذلك أمراً ممكناً في تلك الظروف.

 ب ـ إن المأمون لم يكن صادقاً في عرضه، فهو كان يدبر حيلة مع حزبه الماكر للإيقاع بالإمام إن قبل، بعد أخذ الشرعية منه، كما فعل بالنسبة إلى ولاية العهد.

فعن أبي الصلت الهروي، قال: إن المأمون قال للرضا(ع) يا بن رسول الله قد عرفت علمك وفضلك وزهدك وورعك وعبادتك وأراك أحق بالخلافة منى فقال الرضا(ع) بالعبودية لله عز وجل أفتخر وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله عز وجل فقال له المأمون: فإني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة وأجعلها وأبايعك فقال له الرضا(ع): إن كانت هذه الخلافة لك والله جعلها لك فلا يجوز لك أن تخلع لباساً ألبسك الله وتجعله لغيرك وأن كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك، فقال له المأمون يا بن رسول الله فلا بد لك من قبول هذا الأمر، فقال: لست أفعل ذلك طائعاً أبدا فما زال يجهد به أياماً حتى يئس من قبوله فقال له: فإن لم تقبل الخلافة ولم تجب مبايعتي لك فكن ولي عهدي له تكون الخلافة بعدي فقال الرضا(ع): والله لقد حدثني أبي، عن آبائه عن أمير المؤمنين(ع)، عن رسول الله(ص)، إني أخرج من الدنيا قبلك مسموماً مقتولاً بالسم مظلوماً تبكي علي ملائكة السماء وملائكة الأرض وأدفن في أرض غربة إلى جنب هارون الرشيد فبكى المأمون، ثم قال له: يا بن رسول الله ومن الذي يقتلك أو يقدر على الإساءة إليك وأنا حيّ؟ فقال الرضا(ع): أما إني لو أشاء أن أقول لقلت من يقتلني؟ فقال المأمون: يا بن رسول الله إنما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك ودفع هذا الأمر عنك، ليقول الناس إنك زاهد في الدنيا فقال الرضا(ع): والله ما كذبت منذ خلقني ربي عزّ وجلّ وما زهدت في الدنيا للدنيا وإني لأعلم ما تريد، فقال المأمون: وما أريد؟ قال الأمان على الصدق قال: لك الأمان، تريد بذلك أن يقول الناس إن علي بن موسى الرضا(ع) لم يزهد في الدنيا، بل زهدت الدنيا فيه ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة؟…([54]).

 ثانياً: اشترط في قبوله لولاية العهد مجموعة شروط، اذ كتب(ع): (إني أدخل في ولاية العهد على أن لا آمر ولا أنهي ولا أقضي ولا أغير شيئا مما هو قائم وتعفيني من ذلك كله )([55])، مما أفقدهم القدرة على تمشية الأمور باسم الإمام وكسب الشرعية له وأبان للعالمين ذلك اليوم وللتاريخ إلى الأبد أنه لا يعترف بشرعية النظام بأي وجه.

 ثالثاً: منذ الأيام الأولى لولايته للعهد انتهز الإمام(ع) كل فرصة ممكنة لنشر بصائر الوحي، وأظهر أنه أحق بالخلافة من غيره، فمثلاً نقرأ في وثيقة ولايته للعهد ما يدل على أن المأمون إنما عمل بواجبه في الأحتفاء بأهل بيت الرسالة، فعن أحمد بن محمد بن إسحاق قال: حدثنا أبي قال: لما بويع الرضا(ع) بالعهد اجتمع الناس إليه يهنئونه فأومى إليهم فانصتوا، ثم قال بعد أن استمع كلامهم: (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الفعال لما يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) ([56]) وصلى الله على محمد في الأولين والآخرين وعلى آله الطيبين الطاهرين أقول وأنا علي بن موسى بن جعفر(ع): إن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد ووفقه للرشاد عرف من حقنا ما جهله غيره، فوصل أرحاما قطعت وآمن نفوسا فزعت بل أحياها وقد تلفت وأغناها إذا افتقرت مبتغيا رضا رب العالمين لا يريد جزاء إلا من عنده وسيجزي الله الشاكرين ولا يضيع أجر المحسنين وأنه جعل إلي عهده والامرة الكبرى إن بقيت بعده فمن حل عقدة أمر الله تعالى بشدها وقصم عروة أحب الله إيثاقها فقد أباح حريمه وأحل محرمه إذا كان بذلك زاريا على الامام منتهكا حرمة الاسلام، بذلك جرى السالف فصبر منه على الفلتات ولم يعترض بعدها على الغرمات خوفا على شتات الدين واضطراب حبل المسلمين ولقرب أمر الجاهلية ورصد المنافقين فرصة تنتهز وبائقة تبتدر وما أدري ما يفعل بي ولا بكم؟ أن الحكم إلا لله يقضي الحق وهو خير الفاصلين)([57]).

وفي رواية اخرى انه قال(ع): (وقد جعلت لله على نفسي إذا استرعاني أمر المسلمين وقلدني خلافته العمل فيهم عامة وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة بطاعته وسنة رسوله صلى الله عليه وآله، وأن لا أسفك دما حراما، ولا أبيح فرجا ولا مالا إلا ما سفكته حدوده وإباحته فرائضه، وأن أتخير الكفاة جهدي وطاقتي، وقد جعلت بذلك على نفسي عهدا مؤكدا يسألني الله عنه فإنه عز وجل يقول (أوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً) ([58])، فان أحدثت أو غيرت أو بدلت كنت للعتب مستحقا وللنكال متعرضا، وأعوذ بالله من سخطه، واليه أرغب في التوفيق لطاعته، والحول بيني وبين معصيته في عافية لي وللمسلمين والجامعة والجفر يدلان على ضد ذلك وما أدري ما يفعل بي ولا بكم، ان الحكم إلا لله يقضي الحق وهو خير الفاصلين، لكني امتثلت أمر أمير المؤمنين وآثرت رضاه، والله يعصمني وإياه، وأشهدت الله على نفسي بذلك وكفى بالله شهيداً)([59]).

وهناك أمور نستوحيها من كلمات الإمام الرضا(ع) هذا:

أولاّ: قوله(ع): (عرف من حقنا ما جهله غيره… ) تعريض بهارون والد المأمون، وبالنظام العباسي كله، الذين لم يرعوا حرمة رسول الله(ص).

ثانياً: قوله(ع): (فمن حل عقدة أمر الله بشدها… )، إشارة إلى خبث السرائر، وحبك المؤامرات ضد الولاية.

ثالثاً: قوله(ع): (بذلك جرى السالف… )، إشارة إلى سكوت الإمام أمير المؤمنين علي(ع) عن جهة أو صبر الأئمة على الأذى خوفاً على شتات الدين واضطراب حبل المسلمين.

رابعاً: قوله(ع): (بطاعته وسنة رسوله(ص)… ) بين الإمام الرضا(ع) برنامجه للحكم الذي يخالف ما كان عليه عامة بني العباس، وبضمنهم المأمون ذاته.

خامساً: قوله(ع): (والجامعة والجفر يدلان على ضد ذلك… )، حيث بيّن بذلك أنهم أصحاب علم رسول الله وأنهم أحق بالأمر منهم.

محاولة جرّ الإمام الرضا(ع) للتصدي للحكم

حاول المأمون مراراً أن يستدرج الإمام للتدخل في الشؤون فلم يقبل والحديث التالي يدل على ذلك: عن معمر بن خلاد، قال: قال لي أبو الحسن الرضا(ع)، قال لي المأمون يوما: يا أبا الحسن انظر بعض من تثق به نوليه هذه البلدان التي قد فسدت علينا. فقلت له: تفي لي وأوافي لك فاني إنما دخلت فيما دخلت على أن لا آمر فيه ولا أنهي ولا أعزل ولا أولي ولا أشير حتى يقدمني الله قبلك فوالله أن الخلافة لشئ ما حدثت به نفسي ولقد كنت بالمدينة أتردد في طرقها على دابتي وأن أهلها وغيرهم يسألوني الحوائج فأقضيها لهم، فيصيرون كالأعمام لي وأن كتبي لنافذة في الأمصار وما زدتني من نعمة هي علي من ربي فقال له: أفي لك([60]).

كشف الإمام الرضا(ع) لجهل المأمون

عن الريان ابن شبيب خال المعتصم أخو ماردة أن المأمون لما أراد أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة المؤمنين ولأبي الحسن علي بن موسى الرضا(ع) بولاية العهد وللفضل بن سهل بالوزارة أمر بثلاث كراسي تنصب لهم فلما قعدوا عليها اذن للناس فدخلوا يبايعون فكانوا يصفقون بإيمانهم على أيمان الثلاثة من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر ويخرجون حتى بايع آخر الناس فتى من الأنصار فصفق بيمينه من الخنصر إلى أعلى الإبهام فتبسم أبو الحسن(ع) ثم قال: كل من بايعنا بايع بفسخ البيعة غير هذا الفتى فإنه بايعنا بعقدها فقال المأمون وما فسخ البيعة من عقدها قال أبو الحسن(ع) عقد البيعة هو من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام وفسخها من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر قال فماج الناس في ذلك وأمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة على ما وصفه أبو الحسن(ع) وقال: الناس كيف يستحق الإمامة من لا يعرف عقد البيعة ان من علم لاولى بها ممن لا يعلم، قال: فحمله ذلك على ما فعله من سمه([61]).

انقلاب السحر على الساحر

ظن المأمون ومستشاروه أنهم سيتمكنون من تحقيق أغراضهم التي بيناها آنفاً، ولكن ومع وصول الإمام الرضا(ع) ومعرفة أهل مرو به، بدأت المعادلة تتغير، وأصبح من كان يرجى منه أن يكون صمام أمان للسلطة خطرا يهدد السلطة، وتشير إلى هذه الحقيقة مجموعة من الوقائع:

1ـ مجالس المحاججة

 وكانت من أعظم ما بيّن فضل الإمام الرضا(ع)، مجالس المحاجّة التي كان يعقدها بين فترة وأخرى، ولنستعرض معاً واحداً من هذه المجالس لنرى ماذا يدور فيها: الحسن بن محمد النوفلي: فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضا(ع) إذ دخل علينا ياسر الخادم وكان يتولى أمر أبي الحسن(ع) فقال له: يا سيدي ان أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول: فداك أخوك انه أجمع إلى أصحاب المقالات وأهل الأديان والمتكلمون من جميع الملل فرأيك في البكور إلينا ان أحببت كلامهم وان كرهت ذلك فلا تتجشم وان أحببت ان نصير إليك خف ذلك علينا فقال أبو الحسن الله أبلغه السلام وقل له: قد علمت ما أردت وانا صائر إليك بكره انشاء الله.

 ثم بيَّن الإمام ما يدل على أن هدف المأمون من تشكيل مثل هذه المجالس، النيل من قدر الإمام حيث يظن أنه قد يتوقف عن محاجة خصومه، فعن الحسن بن محمد النوفلي ثم الهاشمي، يقول: لما قدم علي بن موسى الرضا(ع)، إلى المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق ورأس الجالوت ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر وأصحاب زردهشت وقسطاس الرومي والمتكلمين ليسمع كلامه وكلامهم، فجمعهم الفضل بن سهل، ثم أعلم المأمون باجتماعهم، فقال: أدخلهم علي، ففعل، فرحب بهم المأمون، ثم قال لهم: إني إنما جمعتكم لخير، وأحببت أن تناظروا ابن عمي هذا المدني القادم علي، فإذا كان بكره فاغدوا علي ولا يتخلف منكم أحد، فقالوا: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين نحن مبكرون إن شاء الله. قال الحسن بن محمد النوفلي: فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضا(ع) إذ دخل علينا ياسر الخادم وكان يتولى أمر أبي الحسن(ع) فقال: يا سيدي إن أمير المؤمنين يقرئك السلام فيقول: فداك أخوك إنه اجتمع إلي أصحاب المقالات وأهل الأديان والمتكلمون من جميع الملل فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم وإن كرهت كلامهم فلا تتجشم وإن أحببت أن نصير إليك خف ذلك علينا، فقال أبو الحسن(ع): أبلغه السلام وقل له: قد علمت ما أردت، وأنا صائر إليك بكرة إن شاء الله. قال الحسن بن محمد النوفلي: فلما مضى ياسر التفت إلينا، ثم قال لي: يا نوفلي أنت عراقي ورقة العراقي غير غليظة فما عندك في جمع ابن عمك علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات؟ فقلت: جعلت فداك يريد الامتحان ويحب أن يعرف ما عندك، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان وبئس والله ما بني، فقال لي: وما بناؤه في هذا الباب؟ قلت: إن أصحاب البدع والكلام خلاف العلماء، وذلك أن العالم لا ينكر غير المنكر، وأصحاب المقالات والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة، وإن احتججت عليهم أن الله واحد قالوا: صحح وحدانيته، وإن قلت: إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله قالوا: أثبت رسالته، ثم يباهتون الرجل وهو يبطل عليهم بحجته، ويغالطونه حتى يترك قوله، فاحذرهم جعلت فداك، قال: فتبسم(ع) ثم قال: يا نوفلي أتخاف أن يقطعوا علي حجتي؟ قلت: لا والله ما خفت عليك قط وإني لأرجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله، فقال لي: يا نوفلي أتحب أن تعلم متى يندم المأمون، قلت: نعم، قال: إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم وعلى أهل الزبور بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم وعلى الهرابذة([62]) بفارسيتهم وعلى أهل الروم بروميتهم وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم، فإذا قطعت كل صنف ودحضت حجته وترك مقالته ورجع إلى قولي علم المأمون أن الموضع الذي هو بسبيله ليس هو بمستحق له، فعند ذلك تكون الندامة منه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم([63]).

2ـ ظهور المعاجز الرضوية الدالة على الحقّ

علي بن محمد بن سيار عن آبائه قال: لما بويع الرضا قل المطر، فقالوا: هذا من نكده، فسأله المأمون ان يستسقي فقبل وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في منامي يقول: يا بني انتظر يوم الاثنين وابرز إلى الصحراء واستسق فان الله يسقيهم وأخبرهم بما يريد الله وهم لا يعلمون حالك ليزداد علمهم بفضلك ومكانك من ربك، فبرز يوم الاثنين وصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (اللهم يا رب أنت عظمت حقنا أهل البيت، فتوسلوا بنا كما أمرت، وأملوا فضلك ورحمتك، وتوقعوا إحسانك ونعمتك، فاسقهم سقياً نافعاً عاماً غير رائث ولا ضائر. وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم ومقارهم). فرعدت السماء وبرقت وهاجت الرياح فتحرك الناس فنبأهم ان هذا العارض لبلدة كذا، إلى تمام عشر مرات ثم بدا عارض فقال: هذا لكم، وأمرهم بالانصراف وقال: لم تمطر عليكم ما لم تبلغوا منازلكم، ونزل من المنبر، فكان كما قال فقالوا هنيئا لولد رسول الله كرامات الله عز وجل. فلما حضر عند المأمون قال له حميد بن مهران: تجاوزت حدك وصلت على قومك بناموسك فإن صدقت فأمر هذين الأسدين المصورين الذين على مسند المأمون أن يأخذاني، فغضب الرضا(ع) ونادى: دونكما الفاجر فافترساه ولا تبقيا له عيناً ولا أثراً، فانقلبا وقطعاه وأكلاه ثم استقبلا الرضا وقالا: يا وليّ الله في أرضه ماذا تأمرنا أن نفعل بهذا؟ قال: فغشي عليه، فقال: امكثا، ثم قال: صبّوا عليه ماء ورد وطيبوه، فلما صب عليه أفاقه، فقالا: أتأمرنا أن نلحقه بصاحبه؟ فقال: لا لأن لله تعالى في تدبيراً هو متمّمه، فقالا: فما تأمرنا؟ قال: عودا إلى مقرّكما كما كنتما فصارا صورتين على المسند، فقال المأمون: الحمد لله الذي كفاني شرّ حميد بن مهران([64]).

أقول: يتضح من هذا الخبر الحالة المتشنجة التي كان يعانيها المامون وحاشيتة من ظهور فضل الإمام(ع) بين الناس، والتهديد الذي يشكله على حكمهم وسلطتهم مما دعاهم الى التقليل من تلك المعجزة ومطالبهم كما طالب الطغاة في زمن الانبياء من انبيائهم برغم اتضاح الحق.

3ـ صلاة العيد المرعبة للظالمين

ان قصة استعداد الإمام الرضا(ع) لصلاة العيد التي أرهبت النظام دليل آخر على أن الإمام(ع) لم يترك فرصة إلاّ واستفاد منها لإعلان دعوته، وبيان أنه الأحق بالخلافة من البيت العباسي. وهو ما روي من انه لما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا(ع) يسأله أن يركب ويحضر العيد ويخطب ليطمئن قلوب ويعرفوا الناس ويعرفوا فضله وتقر قلوبهم على هذه الدولة المباركة فبعث إليه الرضا(ع) وقال: قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخولي في هذا الامر فقال المأمون: إنما أريد بهذا أن يرسخ في قلوب العامة والجند والشاكرية هذا الامر فتطمئن قلوبهم ويقروا بما فضلك الله به، فلم يزل يرده الكلام في ذلك، فلما ألح عليه قال: يا أمير المؤمنين إن أعفيتني من ذلك فهو أحب إلي، وأن لم تعفني خرجت كما كان يخرج رسول الله(ص) وكما خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) فقال المأمون: أخرج كما تحب وأمر المأمون القواد والناس أن يبكروا إلى باب أبي الحسن الرضا(ع) فقعد الناس لأبي الحسن الرضا(ع) في الطرقات والسطوح من الرجال والنساء والصبيان واجتمع القواد على باب الرضا(ع) فلما طلعت الشمس قام الرضا(ع)، فاغتسل وتعمم بعمامة بيضاء من قطن والقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفه وتشمر، ثم قال لجميع مواليه: افعلوا مثل ما فعلت، ثم أخذ بيده عكازة وخرج ونحن بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة، فلما قام ومشينا بين يديه رفع رأسه إلى السماء وكبر أربع تكبيرات فخيل إلينا أن الهواء والحيطان تجاوبه والقواد والناس على الباب قد تزينوا ولبسوا السلاح وتهيئوا بأحسن هيئة فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة حفاة قد تشمرنا وطلع الرضا(ع) وقف وقفة على الباب قال: الله أكبر الله أكبر الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام والحمد لله على ما أبلانا ورفع بذلك صوته ورفعنا أصواتنا فتزعزعت مرو من البكاء والصياح فقالها ثلاث مرات فسقط القواد عن دوابهم ورموا بخفافهم لما نظروا إلى أبي الحسن(ع) وصارت مرو ضجة واحدة ولم يتمالك الناس من البكاء والضجيج وكان أبو الحسن(ع) يمشي ويقف في كل عشر خطوات وقفة، فكبر الله أربع مرات فتخيل إلينا أن السماء والأرض والحيطان تجاوبه وبلغ المأمون ذلك فقال له الفضل بن سهل ذو الرياستين: يا أمير المؤمنين أن بلغ الرضا المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس فالرأي أن تسأله أن يرجع فبعث إليه المأمون فسأله الرجوع فدعا أبو الحسن(ع) بخفه فلبسه ورجع([65]).

4ـ سلبية التعامل مع السلطة العباسية

برغم قبول الامام الرضا(ع) مجبراً لولاية العهد ولكننا نجده يمنع أصحابه وشيعته من الانضواء في أجهزتها أو التعاون معها: فعن سليمان الجعفري، قال: قلت لأبي الحسن الرضا(ع): ما تقول في أعمال السلطان؟ فقال: يا سليمان، الدخول في أعمالهم، والعون لهم، والسعي في حوائجهم عديل الكفر، والنظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحق بها النار([66]).

أما في حالة المشاركة في السلطة لدفع الظلم والجور عن كاهل الأبرياء من المؤمنين، وتخفيف وطأة الجوع والحرمان عن الفقراء والمحرومين، فإن الأئمة (عليهم السلام) كانوا يعتبرون في ذلك مصلحة دينية تقتضي دفع بعض النابهين من أصحابهم، لتوظيف أنفسهم في جهاز الدولة، كما حدث لعلي بن يقطين الذي حاول الاستعفاء من منصبه مرارا، لدى هارون الرشيد، ولكن الإمام موسى بن جعفر(ع) كان يحثه على البقاء في منصبه، لما يترتب عليه من دفع الظلم والجور عن كثير من المؤمنين، وإصلاح ما يمكن إصلاحه من المفاسد التي يرتكبها الآخرون.

فعن عن الحسن بن الحسين الأنباري عن أبي الحسن الرضا(ع) قال: كتبت إليه أربعة عشر سنة استأذنه في عمل السلطان فلما كان في آخر كتاب كتبته إليه أذكر إني أخاف على خبط عنقي وأن السلطان يقول لي: إنك رافضي ولسنا نشك في أنك تركت العمل للسلطان للرفض. فكتب إليّ أبو الحسن(ع) قد فهمت كتابك وما ذكرت من الخوف على نفسك فإن كنت تعلم أنك إذا وليت عملت في عملك بما أمر به رسول الله(ص) ثم تصير أعوانك وكتابك أهل ملتك فإذا صار إليك شيء واسيت به فقراء المؤمنين حتى تكون واحداً منهم كان ذا بذا وإلاّ فلا([67]).

النتيجة

تحدثنا في هذه المقالة عن العلاقة التي كانت تربط الإمام الرضا(ع) بخلفاء الجور من بني العباس. وقد توصنا إلى أن العلاقة بين الإمام(ع) والرشيد كانت علاقة عداوة وان الإرادة الإلهية وحدها هي التي أنقذت الإمام(ع) من القتل على يد هارون، وأثبتنا أيضا الشناعات التي ارتكبها هارون بحق البيت العلوي عامة والإمام الرضا(ع) بالخصوص. ثم تحدثنا عن الموقف الإمام(ع) من المأمون وحكمه وأن الدافع الذي جعل المأمون يقوم بما قام به هو الظرف السياسي الصعب الذي كان يمر به فلجا إلى الإمام(ع) لمصالحه الشخصية لكي ينقذ حكمه من السقوط، وان الإمام(ع) كان على علم كامل بمخططات المأمون ولذلك سعى إلى إفراغ الخطة من محتواها وأيضا الاستفادة من هذا الظرف لخدمة الإسلام وخط أهل البيت(ع)، وهذا ما لمسه المأمون إذ أصبح الإمام(ع) الذي جاء به لخدمة أغراضه ومصالحا خطرا عليه فقرر تصفيته.

الهوامش

([1]) أستاذ التاريخ والسيرة في مجمع الإمام الخميني للدراسات العليا ـ قم المقدّسة.

([2]) الصحاح، الجوهري 4: 1440، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، الطبعة الرابعة، 1987م، دار العلم للملايين ـ بيروت ـ لبنان.

([3]) كتاب العين، الفراهيدي 8: 429، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي، الدكتور إبراهيم السامرائي، الطبعة الثانية، 1410هـ، مؤسسة دار الهجرة.

([4]) الأعلام، الزركلي 5: 26، الطبعة الخامسة، 1980م، دار العلم للملايين ـ بيروت ـ لبنان.

([5]) الفروق، اللغوية العسكري: 195، الطبعة الأولى، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ـ قم.

([6]) تاج العروس، الزبيدي 16: 160، تحقيق: علي شيري، طبعة سنة 1994م، دار الفكر ـ بيروت.

([7]) كتاب المحبر، البغدادي: 33، سنة الطبع: ذي القعدة 1361، مطبعة الدائرة. معاني القران، النحاس 1: 7، تحقيق: الشيخ محمد علي الصابوني، الطبعة: الأولى، 1409هـ، جامعة أم القرى ـ المملكة العربية السعودية.

([8]) الكافي، الشيخ الكليني 1: 492، تحقيق: تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الخامسة، 1363هـ.ش، دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([9]) هارون (الرشيد) ابن محمد (المهدي) ابن المنصور العباسي، أبو جعفر: خامس خلفاء الدولة العباسية في العراق، وأشهرهم. ولد بالري 149، استولى على السلطة بعد وفاة أخيه الهادي (سنة 170ه‍) توفي في “سناباذ” من قرى طوس سنة 193ه‍، وبها قبره. الأعلام 8: 62.

([10]) الكافي 1: 486.

([11]) تاريخ الطبري، الطبري 6: 528، تحقيق: مراجعة وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء الأجلاء، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ـ لبنان.

([12]) محمد بن هارون الرشيد بن المهدى ابن المنصور: خليفة عباسي. ولد في رصافة بغداد سنة 170هـ. واستولى على الحكم بعد وفاة أبيه (سنة 193هـ‍) قتل سنة 198هـ‍. الاعلام 7: 127.

([13]) عبد الله بن هارون (المأمون) العباسي كان مولده للنصف من شهر ربيع الآخر سنة سبعين ومائة ومات المأمون يوم الأربعاء لثمان خلون من رجب في سنة ثمانى عشرة ومائتين بالبذندون، ودفن بطرسوس. كتاب المحبر: 40.

([14]) تاريخ الطبري 7: 76.

([15]) كتاب المحبر: 40.

([16]) قال الامام الرضا(ع): يا أبا الصلت، غداً أدخل إلى هذا الفاجر، فإن أنا خرجت وأنا مكشوف الرأس فتكلم أكلمك، وإن خرجت وأنا مغطى الرأس فلا تكلمني. قال أبو الصلت: فلما أصبحنا من الغد لبس ثيابه وجلس في محرابه ينتظر، فبينا هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون، فقال له: أجب أمير المؤمنين، فلبس نعله ورداءه وقام يمشي وأنا أتبعه، حتى دخل على المأمون وبين يديه طبق عليه عنب، وأطباق فاكهة بين يديه، وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه، فلما أبصر بالرضا (صلوات الله عليه) وثب إليه وعانقه، وقبل ما بين عينيه، وأجلسه معه، ثم ناوله العنقود وقال: يا بن رسول الله، هل رأيت عنبا أحسن من هذا. فقال له: الرضا(ع): ربما كان عنبا حسنا يكون من الجنة. فقال له: كل منه. فقال له الرضا(ع): أو تعفيني منه؟ فقال: لا بد من ذلك، ما يمنعك منه، لعلك تتهمنا بشئ؟ فتناول العنقود فأكل منه، ثم ناوله فأكل منه الرضا(ع) ثلاث حبات ثم رمى به وقام، فقال له المأمون: إلى أين؟ قال: إلى حيث وجهتني. وخرج(ع) مغطى الرأس، فلم أكلمه حتى دخل الدار… ومضى الرضا(ع). الأمالي، الشيخ الصدوق: 760 ـ 761، الطبعة الأولى، 1417، مؤسسة البعثة ـ قم.

([17]) الكافي 1: 486.

([18]) الواقفة الذين قالوا: إن موسى بن جعفر لم يمت. بحار الأنوار، المجلسي 51: 168، تحقيق: محمد الباقر البهبودي، الطبعة الثانية المصححة، 1983 م، مؤسسة الوفاء، بيروت ـ لبنان.

([19]) الكافي 8: 258.

([20]) مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب 3: 478، تحقيق: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، سنة الطبع: 1956م، الناشر: المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف.

([21]) عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي روى عن الرضا(ع)، ثقة، صحيح الحديث. له كتاب وفاة الرضا(ع). رجال النجاشي، النجاشي: 245، الطبعة الخامسة، 1416، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة.

([22]) الداهية: مصيبة الدهر، مشتقة من الدهى بفتح الدال وسكون الهاء، وهو النكر، فان كل واحد ينكرها ولا يقبلها، ودهاه الامر يدهاه إذا أصابه بمكروه. شرح شافية ابن الحاجب، الأستراباذي، 4: 85، تحقيق وضبط وشرح: محمد نور الحسن، محمد الزفزاف، محمد محيي الدين عبد الحميد، طبعة سنة: 1975م، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.

([23]) بحار الأنوار 49: 116.

([24]) عيسى بن جعفر بن المنصور العباسي. وهو أخو زبيدة، وابن عم هارون. بعثه هارون عاملا على عمان في ستة آلاف مقاتل، فلم يكد يستقر فيها حتى سير إليه إمام الأزد “الوارث الخروصي” جيشاً قاتله، فانهزم عيسى فأسر وسجن في صحار، ثم تسور عليه بعضهم السجن فقتلوه فيه سنة 185ه‍. الأعلام 5: 102.

([25]) جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي، أبو الفضل: وزير الرشيد العباسي، وأحد مشهوري البرامكة ومقدميهم. ولد ونشأ في بغداد 150 ه‍، نقم الرشيد على البرامكة، نقمته المشهورة، فقتله في مقدمتهم، ثم أحرق جثته بعد سنة 187ه‍. الأعلام 2: 130.

([26]) الرقة: بفتح أوله وثانيه وتشديده، وأصله كل أرض إلى جنب واد ينبسط عليها الماء… مدينة مشهورة على الفرات، بينها وبين حران ثلاثة أيام. معجم البلدان، الحموي 3: 59، سنة الطبع: 1399 ـ 1979 م، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ لبنان.

([27]) عيون أخبار الرضا(ع)، الصدوق 1: 246، تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، سنة الطبع: 1404 ـ 1984م مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان.

([28]) الفصول المهمة في معرفة الأئمة، ابن الصباغ 2: 974 ـ 976، تحقيق: سامي الغريري، الطبعة الأولى، 1422، دار الحديث للطباعة والنشر ـ قم.

([29]) محمد بن جعفر بن محمد: ابن علي بن الحسين(ع)، يلقب ديباجة، وكان سخيا شجاعا، وكان يصوم يوما ويفطر يوما، ويرى رأي الزيدية في الخروج بالسيف، وخرج على المأمون في سنة تسع وتسعين ومائة بمكة واتبعته الزيدية الجارودية، فخرج لقتاله عيسى الجلودي، ففرق جمعه وأخذه فأنفذه إلى المأمون، فلما وصل إليه أكرمه المأمون وأدنى مجلسه ووصله وأحسن جائزته، وكان مقيما معه في خراسان يركب إليه في موكب من بني عمه، وكان المأمون يحتمل منه ما لا يحتمل السلطان من رعيته، وتوفي محمد بخراسان. نقد الرجال، التفرشي 4: 162، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1418هـ، المطبعة: ستارة ـ قم.

([30]) عيسى بن يزيد الجلودي: من ولاة الدولة العباسية. ناب في إمرة مصر عن عبد الله بن طاهر، أيام ولايته لها، سنة 212ه‍، وأقره المأمون على الامارة، فاستمر سنة و7 أشهر وأياماً. توفي سنة 214ه‍. الأعلام 5: 111.

([31]) القرط: الذي يعلق في شحمة الأذن، والجمع قرطة وقراط أيضا. الصحاح 3: 1151.

([32]) المخلخل: موضع الخلخال من الساق. والخلخال: الذي تلبسه المرأة. لسان العرب 11: 221.

([33]) الزرّ: واحد أزرار القميص. لسان العرب 4: 321.

([34]) عيون أخبار الرضا(ع) 1: 172.

([35]) القاسم بن هارون الرشيد العباسي: ولد سنة 173هـ عهد إليه أبوه الرشيد بولاية العهد بعدهما، ولقبه “المؤتمن” وأعلن المأمون خلعه من ولاية العهد سنة 198هـ بعد قتل الامين، ووترك الدعاء لـه على المنابر. وتوفي ببغداد في حياة المأمون سنة 208هـ ‍فلم يل الخلافة. الاعلام 5: 186.

([36]) زبيدة بنت جعفر بن المنصور الهاشمية العباسية، أم جعفر: زوجة هارون الرشيد، وبنت عمه. وهي أم الأمين العباسي. اسمها (أمة العزيز) وغلب عليها لقبها (زبيدة) تزوج بها الرشيد سنة 165ه‍. توفيت ببغداد 216ه‍. الأعلام 3: 42.

([37]) الأعلام 2: 130.

([38]) راجع: الكامل في التاريخ، ابن الأثير 6: 221 ـ 296، سنة الطبع: 1386 ـ 1966م، المطبعة: دار صادر ـ دار بيروت.

([39]) السري بن منصور الشيباني لما نشبت فتنة الأمين والمأمون ونقص هرثمة من أرزاقه وأرزاق أصحابه، ولقيه بها ابن طباطبا العلوي (محمد بن إبراهيم) وكان قد خرج على بني العباس، فبايعه أبو السرايا وتولى قيادة جنده. توالت عليه جيوش العباسيين، فلم تضعضعه، إلى أن قتله الحسن بن سهل وبعث برأسه إلى المأمون، ونصبت جثته 200ه‍. الأعلام 3: 82.

([40]) محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب: ولد سنة 173هـ أمير علوي ثائر. من أئمة “الزيدية”، ومات سنة 199ه‍. ودفن بالكوفة. ومدة خروجه قرابة شهرين. وكان من أكمل أهل زمانه، ومن أشجعهم. وقيل: كان موته بالسم، وله من العمر 26 سنة. الأعلام 5: 293 ـ 294.

([41]) هرثمة بن أعين: ولاه ” الرشيد ” مصر (سنة 178ه‍) ثم وجهه إلى إفريقية لاخضاع عصاتها، فدخل “القيروان” سنة 179 ولما بدأت الفتنة بين الأمين والمأمون، انحاز إلى المأمون. ولما انتظمت الدولة للمأمون دس إليه من قتله في الحبس سراً، 200ه‍. الأعلام 8: 81.

([42]) تاريخ الطبري 7: 11.

([43]) راجع: تاريخ الطبري 7: 179.

([44]) ريان بن الصلت الأشعري القمي أبو علي روى عن الرضا(ع)، كان ثقة صدوقاً. ذكر أن له كتاباً جمع فيه كلام الرضا(ع) في الفرق بين الآل والأمة. رجال النجاشي: 165.

([45]) الفضل بن سهل السرخسي، أبو العباس: وزير المأمون وصاحب تدبيره ولد سنة 154هـ. اتصل به في صباه وأسلم على يده (سنة 190ه‍) وكان مجوسياً. وصحبه قبل أن يلي الخلافة، فلما وليها جعل له الوزارة وقيادة الجيش معاً، فكان يلقب بذي الرياستين (الحرب والسياسة) مولده ووفاته في سرخس (بخراسان) قتله جماعة بينما كان في الحمام، قيل: إن المأمون دسهم له وقد ثقل عليه أمره. وكان حازماً عاقلاً فصيحاً، من الأكفاء. أخباره كثيرة توفي 202ه‍. الأعلام 5: 149.

([46]) علي بن عيسى بن ماهان: من كبار القادة في عصر الرشيد والأمين العباسيين. وهو الذي حرض الأمين على خلع المأمون من ولاية العهد. وسيره الأمين لقتال المأمون بجيش كبير، ولاه إمارة الجبل وهمذان وأصبهان وقم وتلك البلاد، فخرج من بغداد في 40 ألف فارس، فتلقاه طاهر بن الحسين قائد جيش المأمون، في الري، فقتل ابن ماهان وانهزم أصحابه سنة 195ه‍. المصدر السابق 4: 317.

([47]) عيون أخبار الرضا(ع) 1: 162 ـ 165.

([48]) المصدر السابق 2: 248.

([49]) المصدر السابق 2: 248.

([50]) المصدر السابق 1: 151 ـ 152.

([51]) سورة يوسف: 55 ـ 56.

([52]) الاستيعاب، ابن عبد البر 3: 1103، تحقيق: علي محمد البجاوي، الطبعة الأولى، 1412هـ، دار الجيل ـ بيروت.

([53]) عيون أخبار الرضا(ع) 1: 161.

([54]) المصدر السابق 1: 151 ـ 152.

([55]) المصدر السابق 1: 161.

([56]) سورة غافر: 19.

([57]) عيون أخبار الرضا(ع) 1: 158.

([58]) سورة الاسراء: 34.

([59]) مناقب آل أبي طالب 3: 474.

([60]) الكافي 8: 151.

([61]) علل الشرائع، الصدوق 1: 239 ـ 240، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، طبعة: 1966م، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها ـ النجف الأشرف.

([62]) الهربذ بالكسر: واحد هرابذة المجوس، وهم خدم النار، فارسي معرب. الصحاح 2: 573.

([63]) التوحيد، الشيخ الصدوق: 417 ـ 419، تصحيح وتعليق: السيد هاشم الحسيني الطهراني، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

([64]) مناقب آل أبي طالب 3: 478 ـ 479.

([65]) عيون أخبار الرضا(ع) 1: 161 ـ 162.

([66]) تفسير العياشي، العياشي 1: 238، تحقيق: الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، الناشر: المكتبة العلمية الإسلامية ـ طهران.

([67]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي 6: 336، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، 1365هـ.ش، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً