أحدث المقالات

الشيخ سعيد ضيائي فر(*)

ترجمة: مصطفى رئاب

مقدّمةٌ

يُعَدّ البحث عن سيرة العقلاء أحد البحوث الأكثر تداولاً في علم أصول الفقه. ورُبَما أمكن أن يقال بأنّ الاستفادة من هذه المسألة في علم الأصول اليوم أكثر من أيّ مسألةٍ أخرى([1])، ولكنْ ليست الاستفادة من هذه المسألة في الفقه بهذا المستوى، وذلك راجعٌ إلى الاختلاف في سيرة العقلاء بين الأصول والفقه؛ فإنّ أكثر الطرق الّتي تمّ إثبات حجِّيتها بالسيرة في علم الأصول كانت حاضرةً في عصر حضور المعصومين^، وهم لم يردعوا عنها.

ومن هنا، فإنّ علماء الأصول عند تمسُّكهم بالسيرة لإثبات المسائل الأصولية المتعدِّدة يقولون بأنّ السيرة جاريةٌ على هذه المسألة في كلّ الأزمنة([2])، أو السيرة على هذه المسألة من صدر الإسلام إلى اليوم([3])، أو السيرة قائمة على هذا من اليوم إلى عصر التشريع([4]).

بينما المسائل الفقهية على نوعين؛ فبعضها كانت سيرة العقلاء في زمن المعصومين جاريةً عليها؛ وبعضها لم تكن السيرة عليها آنذاك، لكنّ سيرة العقلاء في العديد من المجتمعات البشرية المعاصرة قائمةٌ على اعتبارها، دون أن تكون من السِّيَر المحدودة بمجتمعٍ خاصّ.

والسؤال الذي يطرح هنا هو: هل لنا أن نقول ـ بصورةٍ مطلقة أو مشروطة ـ بحجّية المسائل والطرق التي تستقرّ عليها سِيَرٌ عقلائية عامّة جديدة، مثل: اعتبار حقوق التأليف، والأخذ بآراء الأغلبية في تنظيم الشؤون السياسية للدول، وفي انتخاب مسؤولي الحكومات؟ وبعبارةٍ أخرى: هل يمكن الحصول على دليلٍ معتبر على حجّية السِّيَر العقلائية الجديدة والمتشكِّلة بعد عصر حضور المعصومين^ أم أنه لا يوجد دليلٌ معتبر على حجّية هذا القسم من السِّيَر العقلائية، لا بصورةٍ مطلقة ولا بصورةٍ مشروطة؟

وقد اتّخذت طرق متعدّدة لإثبات حجّية السيرة، مثل: الحجّية الذاتية للسِّيَر العقلائية([5])، وحجّية السِّيَر التي علم المعصوم بتحقُّقها وأخبر عنها([6]). لكنّني لم أقِفْ على مَنْ طرق الموضوع من هذه الجهة. لذلك فإنّ فكرة البحث تعتبر جديدةً.

تعريف السيرة العقلائيّة

تطلق السيرة العقلائية على طريقةٍ مستمرّة للناس في واقعهم العمليّ على فعل شيءٍ أو ترك شيءٍ([7]). والسيرة العقلائية تفترق عن الارتكاز العقلائي؛ فإنّ السيرة يشترط فيها أن تكون متجسّدةً في السلوك الخارجي للناس، بينما الارتكاز أمرٌ ذهني، وليس له بنفسه تجسُّدٌ خارجي. كما يوجد فَرْقٌ بين السيرة العقلائية وسيرة المتشرِّعة؛ لأنّها طريقةٌ مستمرّة للمتديِّنين خاصّة، في أمورهم الشرعيّة، قائمةٌ على فعل شيءٍ أو ترك شيءٍ، في واقعهم العمليّ([8]).

أقسام سيرة العقلاء

للسيرة العقلائية أقسامٌ متعدِّدة، لسنا في صَدَد ذكرها جميعاً، وإنّما نكتفي بتقسيمٍ واحد منها، وهو انقسامها إلى:

أـ السيرة المعاصرة: وهي السيرة الموجودة في زمن حضور المعصوم×، وبمرآه وتحت نظره.

ب ـ السير المستَحْدَثة: وهي السيرة التي تحصل بعد زمن حضور المعصوم×، وبعيداً عن نظره.

ومرادنا من السيرة في هذا البحث هو خصوص السِّيَر العقلائية الجديدة.

وإذا جئنا إلى علماء الأصول والفقه فسنجد معظمهم قد اشترطوا في حجّية السيرة العقلائية إمضاء المعصوم× لها([9])، أو عدم ردعه عنها وإبطاله لاعتبارها. لذلك فقد ذكروا أنّه لا بُدَّ من وجود السيرة في زمان حضور المعصوم، دون أن يصدر منه ردعٌ عنها([10]). ومن هنا فهم لم يقولوا بحجّية غير السِّيَر المعاصرة للمعصوم. كذلك نلاحظ أنّ غالب العلماء لم يقدّموا دليلاً على حجّية السِّيَر العقلائية الجديدة والمستَحْدَثة، التي تشكَّلت بعد زمان حضور المعصومين^. وهناك مجموعة منهم قد طرحوا أدلّةً على الحجّية، وناقشوها([11]).

وسنسعى في هذه المقالة إلى أن نبحث الأدلّة التي قدّمها عددٌ قليل من علماء الأصول، كما سنقدّم أدلّةً أخرى على حجّية السِّيَر العقلائية العامّة والجديدة.

المراد من العبادة

للعبادات والمعاملات استعمالاتٌ عديدة. ومرادنا من العبادة هنا هو كلّ عملٍ يحتوي على مصلحةٍ توجب محبوبيّته عند الله تعالى، ويشترط في صحّته قصد القربة بأدائه([12]). فالبُعْد الأصلي للعبادة علاقة العبد بربّه، والدين هو أساسها، ومن أمثلتها: الصلاة والحجّ والصوم وغيرها.

وفي المقابل فإنّ المراد من المعاملة كلّ عملٍ لا يحتوي مصلحةٍ موجبة لمحبوبيته عند الله تعالى، ولا يشترط في صحّته قصد القربة، مثل: البيع، والإجارة، والتأمين، حيث يكون دَوْر الشريعة بالنسبة إلى هذه الموارد هو الإمضاء والتأييد، وفي بعضها يكون له دَوْرٌ إصلاحي وتوجيهي.

قبليّات البحث

فرضية البحث والفكرة المدّعاة فيه تعتمد على مجموعةٍ من المباني والأسس والأصول الموضوعة، تتميَّز بالوضوح، وقد تمّ إثباتها في محلّها، وهي:

1ـ المشرِّع في الإسلام بالأصالة هو الله تعالى([13]). ويعتبر الرسول| مشرِّعاً بالتفويض وبالتَّبَع([14]).

2ـ لا يوجد دليلٌ معتبر يثبت لغير الله سبحانه ورسوله الأكرم| ولايةً على تشريع الأحكام الدائمة والأبدية([15]).

3ـ تمّ اكتمال الدين في زمن الرسول الأكرم([16])، وبالطبع فالشريعة كاملةٌ أيضاً. والشارع قد بيَّن رأيه في كلّ أمرٍ له موقفٌ سلبيّ تجاهه([17]).

4ـ القوانين التي يضعها الشارع الإسلامي ليست موجّهةً للناس في صدر الإسلام، بل للبشر إلى يوم القيامة([18]).

5ـ الشارع الإسلامي الذي وضع القوانين للناس إلى يوم القيامة لديه اطّلاعٌ على المستقبل([19])، وهو اطّلاعٌ عامّ يشمل السِّيَر المستقبلية، وإلاّ لزم الخُلْف([20]).

وإنّ مقصودنا من هذا البحث هو أنّه إذا وُجد دليلٌ تامّ، صدوراً ودلالةً وجهةً، على نفي اعتبار سيرةٍ من السِّيَر العقلائية فإنّها تكون غير معتبرةٍ، وتدخل ضمن دائرة الاستثناء من الحجّية، وفي غير هذه الحالة لا يكون موقف الشارع تجاه السيرة سلبياً، وتدخل في الدائرة المقابلة للاستثناء، وبالتالي تشملها القاعدة الأوّلية، وتكون معتبرةً وحجّةً.

والدليل المعتبر الذي نقصده هنا أعمّ من الدليل القطعيّ، عقلياً كان أو شرعياً، والأمارة قطعيّة الاعتبار، والأصل العمليّ.

وليس مرادنا من القاعدة الأوّلية لحجّية سيرة العقلاء أن نعتبرها دليلاً مستقلاًّ، في عرض الكتاب والسنّة، وأن يكون لها موضوعيّة، بل نقول بأنّنا نستنتج من الأدلّة التي سنقدِّمها في هذا البحث أنّه لا حجّة للشارع ضدّنا في عملنا بمقتضى أيّ سيرةٍ إذا لم يقُمْ دليلٌ على نفي اعتبارها، ولذا نكون معذورين في ذلك. إذن؛ بهذه الأدلّة، نحن نستكشف موقف الشارع من السيرة. وهذا نظير الإجماع الذي له ـ بناءً على رأي الإماميّة ـ طريقيّة، وليس له موضوعيّة.

وإنّني أعتقد بأنّ كلّ سيرةٍ عقلائية مستجدّة حجّةٌ، إلاّ إذا قام دليلٌ عقلي أو نقلي معتَبَر على خلاف ذلك، مثلما اعتبر بعضٌ الأصلَ الحاكمَ على طريقة الشارع في غير العبادات هو الإمضاء وتصحيح بناءات الناس ومبانيهم، إلاّ إذا ثبت خلاف ذلك بطريقٍ معتبر، وإنْ لم يستدلّوا على مدّعاهم([21]).

وبناءً على هذا الرأي، فإنّ على الفقيه حين يواجه سيرةً عقلائية عامّة جديدة أن يبذل قصارى جهده للحصول من بين الأدلّة العقلية والنقلية على دليلٍ معتبر رادعٍ عن هذه السيرة «دليل قطعي أو أمارة أو أصل عملي»، وعندما لا يعثر على دليلٍ معتبر فله أن يفتي بالحكم التكليفي «الجواز»، والحكم الوضعي المتناسب معه، كـ «الصحّة أو الملكية وغيرهما».

ومن وجهة نظري فإنّ المباني الكلامية للشريعة كافيةٌ لإثبات مدّعى وفرضية البحث. والإشكالات التي يمكن أن تطرأ على الذهن ناشئةٌ من عدم التأمُّل والتدقيق اللازم في المباني الكلامية للشريعة، وعدم الالتفات التامّ إلى لوازمها. لذلك فإنّ أكثر الأدلّة راجعةٌ إلى تلك المباني والأسس، ومع ذلك فقد أضَفْنا أدلّةً أخرى إليها أيضاً.

أدلّة حجّية السِّيَر العقلائيّة الجديدة غير المردوعة

1ـ مقتضى شموليّة الشريعة الإسلاميّة

إنّ معنى شمولية الشريعة هو وجود موقف للشارع من كلّ شيءٍ، وهذا لا يخرج عن احتمالين دائرين بين النفي والإثبات:

أـ أن يكون للشارع موقفٌ سلبي. وهذه الحالة أيضاً لا تخرج عن فرضين دائرين بين النفي والإثبات؛ فإمّا أن يكون موقف الشارع السلبي قد وصل إلينا، وفي هذا الفرض نقول بعدم اعتبار السيرة، فتدخل ضمن دائرة الاستثناء من الحجّية؛ وإما أن يكون الموقف السلبي لم يصِلْ إلينا، وفي هذا الفرض تجري البراءة.

ب ـ أن لا يكون للشارع موقفٌ سلبي، وفي هذه الصورة يثبت مطلوبنا، وهو الحجّية.

إيراداتٌ غير تامّة

فإنْ قيل: الأصل في المعاملات بالمعنى الأخصّ هو الفساد وعدم ترتُّب الأثر، كما ذكر ذلك كثيرٌ من الفقهاء([22]).

نقول في الجواب:

أوّلاً: إذا كانت المعاملة عقلائية ففسادُها يحتاج إلى دليلٍ معتبر، كما ذكر ذلك أيضاً مجموعةٌ كبيرة من الفقهاء([23])؛ لأنّ الشارع في مجال المعاملات ليس مؤسِّساً، بل موجّهٌ ورادعٌ، وردع ونفي اعتبار أمرٍ رائج بين العقلاء يحتاج إلى دليلٍ معتبر.

ثانياً: إذا فرضنا أنّ أحداً قَبِل بأصالة الفساد في المعاملات بالمعنى الأخصّ فنتيجة رأيه عدم اعتبار السيرة العقلائية في المعاملات بالمعنى الأخصّ فقط، ولكنْ في غير هذا المجال لا يوجد دليلٌ على نفي الاعتبار.

وهنا قد يطرح سؤالٌ مفاده: نوافقكم على قولكم بكون الفساد وعدم الاعتبار محتاجاً إلى دليلٍ، ولكنّ الأصل العملي دليلٌ معتبر.

وجوابه بأن نقول: الأصل العملي يعتبر دليلاً في الحالة التي لا يوجد فيها دليلٌ معتبر، من دليل قطعي أو أمارة([24]). وفي محلّ كلامنا يوجد دليلٌ معتبر، وهو مقدَّمٌ على الأصل العملي.

وقد يُقال: المراد من الأصل هنا هو القاعدة، لا الأصل العملي، حتّى يقال بأنّ اعتباره يكون في حالة عدم وجود دليلٍ معتبر.

والجواب عن هذا الإشكال يتّضح عبر نقاط:

أوّلاً: المراد من الأصل هنا هو الأصل العملي، لا القاعدة.

ثانياً: لو فرضنا أنّ المراد من الأصل هنا هو القاعدة فمبنى وأساس اعتبارها هو الأصل العملي، كما صرّح بذلك القائلون بأصالة الفساد([25]).

ثالثاً: لو فرضنا أنّ المراد من الأصل هنا هو القاعدة، وأنّ مبنى اعتبارها ليس هو الأصل العملي، فسيكون أساسها دليلاً مقابلاً للدليل المتقن على سيرة وطريقة الشارع في مجال المعاملات، ومن المسلَّم به تقديم سيرة الشارع على ذلك الدليل المفترض.

رابعاً: وإذا جرى هنا استصحاب عدم ترتُّب الأثر فإنّه لا تتأثَّر القاعدة الأوّلية حَسْب ادّعائنا، بل يخرج هذا المورد عن القاعدة الأوّلية، ويدخل في دائرة الاستثناء.

2ـ سيرة الشارع وطريقته في غير العبادات

ويمكن بيان هذا الدليل عبر مقدّماتٍ:

1ـ الشارع في مجال العبادات مؤسِّسٌ، ولا بُدَّ أن تكون له مواقف إيجابية، ولذا فهو قد أمر بأن نرجع إليه، ونأخذ منه تفاصيل المناسك، كما جاء في روايات: «خذوا عنّي مناسككم»([26])، و«صلّوا كما رأيتموني أصلّي»([27]). ولكنّ الشارع في غير مجال العبادات ليس مؤسِّساً. لذا فسيرة الشارع وطريقته في غير العبادات سلبية، وكلّ ما كان منتشراً بين العقلاء ولم يكن يقبله فقد ردع عنه، مثل: البيع الربوي، والمعاملة الغَرَرية، وغيرهما، ولم ينقل عنه ـ ولو في روايات ضعيفة ـ أنه قال: «خذوا عنّي معاملاتكم»، ومثله من التعبيرات.

2ـ معنى سلبية مواقف الشارع في غير العبادات هو قبول وإمضاء السِّيَر العقلائية، إلاّ في حالة إحراز ردعه عنها بالطرق المعتبرة.

3ـ استمرار اعتبار شريعة الإسلام إلى يوم القيامة يقتضي اطّلاع الشارع الإسلامي، وإلى يوم القيامة، على كلّ ما سيقع ولا يقبله؛ حتّى يردع عنه.

4ـ ويلزم أن يردع [في زمان حضوره] عن كلّ سيرةٍ عقلائية ستستجدّ إذا لم تكن مقبولةً عنده، ولو بعناوين عامّة، مثل: ﴿وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾، أو بأصول عملية.

وبناءً على هذا في غير العبادات إذا لم يوجد دليلٌ معتبر على ردعٍ عن أمرٍ وعملٍ ما فنقول بأنّ ذلك العمل غير ممنوعٍ شرعاً.

3ـ اعتبار القاعدة الأوّلية في زمان الحضور

ويمكن أن نقرِّب هذا الدليل من خلال عدّة مقدّمات، هي:

1ـ كان النّاس في عصر الحضور يعملون في غير مجال العبادات بالقاعدة الأوّلية، فلم يكونوا يرجعون فيها للشارع أو الكتاب أو السنّة؛ لكي يحصلوا على إمضاء وتأييد للسِّيَر العقلائية، بل كانوا يَجْرُون وفقها، إلاّ إذا ردعهم المعصوم عنها، أو وجدوا في الكتاب والسنّة دليلاً على الردع عنها.

2ـ العمل بالقاعدة الأوّلية هذه كان بمرأىً ونظرٍ من المعصومين^، ولم يثبت بطريقٍ معتبر أنّ واحداً من المعصومين قد ردع عن ذلك.

3ـ لا دليل على انحصار اعتبار هذه القاعدة بزمن الحضور، وعلى مَنْ يدّعي الانحصار أن يأتي بدليلٍ. بل لو لم تكن هذه القاعدة معتبرةً في زمن الغيبة للزم المعصوم أن يعلن عن عدم اعتبارها؛ حيث إنّها تشكِّل خطراً بالنسبة لأحكام وغايات الشارع. فمن المقرَّر في محلّه أنه من اللازم عقلاً ونقلاً على المعصوم أن ينبِّه ويحذِّر من كلّ ما يهدِّد أهداف الشريعة وأحكامها؛ باعتباره حافظاً لها([28])، مثلما نبّه إلى عدم اعتبار القياس والتفسير بالرأي، وحذَّر منهما([29]). إذن فهذه القاعدة الأوّلية معتبرةٌ في زمن الغيبة، ولا مانع من العمل بها. ومن الجدير بالذكر أنّ البعض قد تمسَّك بما يشبه هذا الدليل لإثبات البراءة([30]).

شبهاتٌ وردود

وإذا قيل: إنه يحتمل اختلاف الحال في اعتبار القاعدة الأوّلية بين زماني الحضور والغيبة؛ حيث يستطيع المعصوم في عصر الحضور أن يردع عن السيرة المخالفة للشريعة، بينما هو غير ظاهرٍ في عصر الغيبة؛ حتّى يمكنه أن يردع عنها.

نقول في الجواب: صحيحٌ أنّ المعصوم غير ظاهرٍ، ولكنّ هذه القاعدة كانت موجودةً في زمان حضوره، فلو كان يراها منافيةً لأحكامه وأهدافه لكان قد ردع عنها آنذاك.

ولو قيل أيضاً: إنه يحتمل أن يكون عند المعصوم عذرٌ مبرِّر لعدم الإبلاغ والتبيين، من قبيل: طروّ عنوان ثانويّ، أو حصول تزاحمٍ مع واجبٍ أهمّ.

فنقول في هذه الصورة أيضاً: إن احتمال حصول هذا الأمر وتحقُّق هذه الحالة في وقتٍ قصير ممكنٌ عقلائياً، لكنّ احتمال حصوله بالنسبة إلى مدّةٍ زمانية طويلة، تمتدّ إلى 270 سنة، هو احتمالٌ ضعيفٌ جدّاً، لا يعتدّ به العقلاء.

4ـ خطبة الرسول الأكرم(ص) في حجّة الوداع

خَطَبَ رَسُولُ الله| فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، واللهِ مَا مِنْ شَيْ‌ءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ويُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلاّ وقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، ومَا مِنْ شَيْ‌ءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ ويُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلاّ وقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ»([31]). وقد ورد هذا الحديث في عددٍ من الجوامع الحديثية الشيعية القديمة، وبأسانيد معتبرة غالباً، كالمحاسن([32])، ودعائم الإسلام([33])؛ وكذلك تمّ نقله في كتب أهل السنّة([34]).

ومفاد هذا الحديث أنّ النبي| قد بيَّن كلّ الأوامر والنواهي المؤثِّرة في سعادة الإنسان. وهذه القضية غير منحصرة بالناس في ذلك الزمان، ويتّضح ذلك جدّاً من خلال القرائن والدلالات التالية:

1ـ جاءت رسالة الإسلام لهداية كلّ الناس، إلى يوم القيامة، لا لهداية خصوص الناس الحاضرين والمستمعين لخطبة الرسول| المُشار إليها.

2ـ ألقى النبيّ| هذه الخطبة في حال وداعه للمسلمين، فهذا خطابٌ يشمل الأجيال اللاحقة، كما هو المتعارف من وداع القادة والشخصيات الاجتماعية.

3ـ النبيّ في مقام بيان الأفعال المؤدّية إلى اقتراب الإنسان من الجنّة وابتعاده عن النار، ولا يحتمل الاختلاف في ذلك بين الناس في زمن صدر الإسلام والناس في ما بعده من أزمنةٍ؛ فلا يحتمل مثلاً أن تكون الغِيبة في صدر الإسلام مؤدّيةً إلى الابتعاد عن الجنّة والاقتراب من النار، بينما لا تكون الغِيبة كذلك في العصور اللاحقة؛ أو أن يكون القيام بالأمانة مؤدّياً إلى الابتعاد عن النار والاقتراب من الجنّة في صدر الإسلام، دون غيره من العصور؛ وهكذا بقيّة الأفعال التي أمر بها النبيّ| أمراً إلزامياً، باعتباره شارعاً، أو نهى عنها نهياً إلزامياً، كذلك.

ومضافاً إلى ذلك لدينا روايات مفادها أنّ الرسول الأكرم| بيَّن جميع ما يحتاجه أبناء جيله والأجيال اللاحقة، إلى يوم القيامة([35]). وهذا يدلّ على أنّ الشارع الإسلامي المقدّس قد قال كلَّ ما ينبغي قوله.

إذن، فإذا كان الشارع المقدَّس قد بيَّن كلّ الأحكام، بعناوين عامّة أو خاصّة، أو حدَّد الوظيفة العملية تجاهها، ووجَدْنا طريقةً قد راجَتْ بين العقلاء في عصرنا، ولم تكن موجودةً في عصر المعصوم، فإنّ الفقيه يمكنه أن يستنبط الحكم بالجواز التكليفي والوضعي، إذا وصل ـ بعد التتبُّع التامّ والدقيق ـ إلى عدم انطباق نهيٍ عامّ أو خاصّ على هذه الطريقة، ولم يوجَدْ أصلٌ عمليّ يقتضي عدم اعتبارها.

إشكالاتٌ وأجوبة

وإذا أُشكل بأنّ غاية ما يثبته هذا الدليل هو عدم الحرمة التكليفية، فكيف يتمّ إثبات عدم الحرمة الوضعية؟!

فنقول: إذا كانت ظاهرةٌ ستوجد في المستقبل، وهي باطلةٌ بنظر الشارع، فلا بُدَّ من جعل وبيان بطلانها؛ لأنّ عدم ذلك يؤدّي إلى تصوُّر صحّتها، وتصوُّر الصحّة يؤدّي إلى التصرُّف في الأشياء التي تنتقل إلى الإنسان بواسطة الاعتماد على تلك الطريقة العقلائية المستجدّة، مع كون هذا التصرُّف غير جائزٍ شرعاً. إذن، فحيث ينتهي البطلان الوضعي إلى ارتكاب الحرمة التكليفية يمكننا أيضاً استنتاج الصحّة الوضعية.

وإذا تمّ الإشكال على الأدلّة السابقة بأنّه يحتمل أن يكون المعصومون^ قد بيَّنوا مطلباً [يفهم من هذا المطلب عدم حجّية هذه الطريقة العقلائيّة] لكنّه لم يصِلْ إلى الأجيال اللاحقة أو الحاضرة، فلذلك لا يمكن أن ننتقل من عدم الوجدان إلى عدم الوجود، ومجرّد احتمال عدم الحجّية كافٍ هنا؛ لأنّ الحجّية تحتاج إلى دليلٍ معتبر.

نقول في الجواب:

أوّلاً: إنّ هذا الأمر لا يُحتمل بالنسبة إلى دينٍ متكفِّلٍ بهداية البشر في كلّ العالَم، وإلى يوم القيامة، كما ذكر ذلك بعض المتكلِّمين والفقهاء([36])، ومن هنا فإنّ الرسول الأكرم| وأئمّة أهل البيت^ قد أبلغوا لكلّ الناس كلّ الأحكام والتعاليم اللازمة بصورةٍ عامّة([37])، بل قد حثّوا الناس على تبليغ الأحكام إلى الآخرين، بعددٍ من الأساليب، كإيصال كلمات النبيّ| وأهل بيته^ إلى الجميع([38]).

ثانياً: ولو احتمل أحدٌ أنّ المعصوم× بيَّن، لكنْ لم يصِلْ بيانه إلينا، فيرتفع بأدلّة البراءة تنجيز ذلك الحكم؛ فلو نهى الشارع واقعاً عن السيرة، ونفى اعتبارها، فما دام بيانه غير واصلٍ فإنّ البراءة جاريةٌ هنا. ومضافاً إلى ذلك فإنّ أدلّة البراءة تشمل الأحكام الوضعيّة كما تشمل الأحكام التكليفية([39]).

ويمكن أن يُقال: ليس المراد بيان النبيّ| جميع الأفعال المؤدّية إلى السعادة أو الشقاء لكلّ الناس، بل بعضها قد ذكره للإمام عليّ×، حتّى يبيِّنه للناس، هو وبقيّة الأئمّة^([40]).

فنقول في الجواب:

أوّلاً: دعوى كون النبيّ| ذكر بعض الأحكام لأمير المؤمنين× وحده بحاجةٍ إلى دليلٍ، بل هو بيَّنَ كلّ الأحكام لجميع الناس؛ لأنها تكاليفهم جميعاً([41]).

ثانياً: ولو سلَّمنا بهذه الدعوى فإنّ أمير المؤمنين وبقيّة المعصومين^ قد بيَّنوا للناس تلك الأحكام [التي ذكرها النبيّ| لهم].

وإذا تمّ الإشكال علينا بقطعية عدم بيان الرسول| الأحكام الشرعية لتمام الناس فالجواب:

أوّلاً: بيان جميع فروع وتطبيقات الأحكام الكلّية بعيدٌ جدّاً، لكنْ لا يوجد أيّ بُعْدٍ في بيان جميع القواعد الكلّية، مثل: «الناس مسلَّطون على أموالهم»، وكذلك الاستثناءات الكلِّية، مثل: «لا ضَرَر»([42]).

ثانياً: دعوانا ليست متوقِّفةً على بيان الأحكام كلّها للناس جميعهم من قِبَل النبيّ| نفسه، بل يكفي أن يكون قد بيَّنها أهلُ البيت^.

وإذا قيل: إنه جاء في بعض الروايات أنّ الإمام الحجّة يأتي بأحكامٍ جديدة: «إذا قام القائم جاء بأمرٍ جديد»([43])، ومنه يُعْلَم بكون بعض الأحكام قد أودعت عند أهل البيت^، ولم تبلَّغ للناس بَعْدُ([44]). ولعلّ بعض تلك الأحكام مرتبطةٌ بالسِّيَر العقلائية المستجدّة. وهذا الاحتمال كافٍ في نفي الحجّية عنها.

فنقول في الجواب:

أوّلاً: ظاهر هذه الروايات كون تلك الأحكام مرتبطةً بما بعد ظهوره×، لا بزمننا، أي زمن الغيبة وما قبل الظهور. وعليه فلا يتنافى مفادُها مع القاعدة الأوّلية المرتبطة بعصر الغيبة، وما قبل ظهوره×.

ثانياً: لو سلَّمنا كون هذه الروايات مرتبطةً بما قبل الظهور فهي لا تخلّ بمدَّعانا؛ لأنّها ستدخل في دائرة الاستثناء من القاعدة الأوّلية، ونحن قد قبلنا بالأخذ بالدليل المعتبر إذا دلّ على الردع عن السيرة، واستثنائها من الاعتبار. وعليه، فإذا دلَّتْ روايةٌ من تلك الروايات على الردع عن سيرةٍ خاصّة فسوف تصبح تلك السيرة فاقدةً للاعتبار.

5ـ مقتضى خلود الشريعة الإسلاميّة

إنّ مقتضى خلود الشريعة الإسلامية هو أن يكون أفق نظر الشارع ممتدّاً إلى يوم القيامة. وبتعبيرٍ آخر: إنّ نظرة الشارع تجاه الأمور الباطلة والمبغوضة ليست منحصرةً بمدّة حياته الظاهرية، بل المبغوضات والأمور الباطلة كلّها قد تمّ تشخيصها، وجعلت لها أحكامٌ تكليفية ووضعية، وإلاّ لزم أن لا يكون جعل الشارع ناشئاً عن وَعْيٍ والتفاتٍ، وهذا خُلْفٌ.

ولا يخرج ما بعد الجَعْل أيضاً عن حالتين دائرتين بين النفي والإثبات:

أـ إمّا أن يكون الحكم قد تمّ تبليغه بعد جعله.

ب ـ أو لا يكون الحكم قد تمّ تبليغه بعد جعله.

والحالة الأولى لا تخرج عن صورتين أيضاً، دائرتين بين النفي والإثبات:

إمّا أن يكون الحكم قد جعل وتمّ تبليغه، لكنْ لم يصِلْ إلينا. وفي هذه الصورة تجري البراءة.

وإمّا أن يكون الحكم قد وصل إلينا، وحينئذٍ سيقع في دائرة الاستثناء من القاعدة الأوّلية.

والحالة الثانية «ب» لا تخرج عن صورتين كذلك:

إمّا أن لا يكون لعدم تبليغه مبرِّرٌ، وهذا غير متناسبٍ مع حكمة الشارع.

وإمّا أن يكون له مبرِّرٌ، وفي هذه الصورة لم يتمّ تبليغ الحكم حتّى يكون منجّزاً.

وبناءً عليه، إذا لم يعثر الفقيه بعد التتبُّع والتأمُّل على دليلٍ معتبر يفيد البطلان فإنّه يستنتج من عدم وجود دليلٍ معتبر على البطلان، واستناداً إلى الأسس السابقة، كون هذه السيرة معتبرةً.

ومضافاً إلى ذلك لدينا رواياتٌ ذكر فيها المعصومون^ رأيهم السلبي الرافض لأمورٍ مبغوضة، ستحصل في المستقبل([45]).

6ـ المسؤوليّة الدائمة لهداية البشريّة

ويمكننا توضيح هذا الدليل عبر المقدّمات التالية:

1ـ لم يكن دَوْر أيّ دينٍ من الأديان السماوية هداية أهل زمنه فحَسْب، بل كلّ الأديان كانت تتحمّل مسؤولية هداية أهل أزمانها، ومَنْ بعدهم من أجيالٍ، إلى حين بعثة نبيٍّ جديد.

2ـ توجد أدلّةٌ متعدِّدة ومُحْكَمة تدلّ على أنّ نبيّ الإسلام الأعظم| آخر الأنبياء الإلهيين، وأنّ هداية الناس إلى يوم القيامة كانت مسؤوليته وفي عهدته، كقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ (الأحزاب: 40)، والحديث النبويّ المرويّ في كتب الفريقين: «أيّها الناس، إنّ عليّاً منّي كهارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي»([46]). كما تدلّ آية ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ (المائدة: 3) على اكتمال الدين الذي بلّغه النبيّ محمد| للناس. ومن هنا فإنّ كل ما له دخلٌ في سعادة وشقاء البشر إلى يوم القيامة قد تمّ بيانه، بشكلٍ تكون معه الحجّة على النّاس تامّةً.

3ـ إذا لم تعلن الشريعة الإسلامية موقفاً سلبياً ورافضاً لأمرٍ ما فيحصل لدينا العلم بعدم ممنوعيّته شرعاً.

4ـ السِّيَر العقلائية المستَحْدَثة من الأمور التي يحتمل عدم وجود موقفٍ سلبي تجاهها، ونتيجة ذلك استنباط حجّية السيرة التي يرى الفقيه ـ بعد بحثه وتحقيقه ـ عدم وجود دليلٍ معتبر على نفي حجّيتها.

ورُبَما يُقال: كما أنّ الأصل اللفظي دليلٌ معتبر فالأصل العملي دليلٌ معتبر أيضاً، وهنا يكون استصحاب عدم ترتُّب الأثر مؤدّياً إلى فساد المعاملة.

ونجيب عن ذلك بأنّ الأصل العملي معتبرٌ في حالة عدم وجود دليلٍ، وهنا يوجد لدينا دليلٌ مقدَّم على الأصل العملي، وهو سيرة وطريقة الشارع في غير مجال العبادات، واعتبار القاعدة الأوّلية، كما مرّ معنا في الأدلّة المتقدّمة.

 

7ـ وجوب دفع المنكرات المستقبليّة

ونقرّب هذا الدليل بذكر عددٍ من المقدّمات، هي:

1ـ يُعَدّ النهي عن المنكر أحد الواجبات الإسلامية الواضحة.

2ـ إذا علم أحدٌ بحصول مُنْكَرٍ في المستقبل فيجب عليه دفع ذلك المنكر([47])، كوجوب النهي عنه؛ فلو كان أحد المكلَّفين يعلم بأنّ شخصاً ينوي قتل شخصٍ آخر فيجب عليه حينئذٍ دفع ذلك القتل، والحيلولة دون وقوعه.

3ـ لدى الشارع العلم بحصول السِّيَر المنكرة في المستقبل، فيجب عليه النهي عنها.

وبناءً على ما تقدّم نستنتج عدم مخالفة السِّيرة للشرع إذا لم تكن داخلةً تحت أحد عناوين النواهي الشرعية، ولم يكن العقل يحكم بقُبْحها.

تساؤلاتٌ مردودة

أـ يوجد سؤالٌ مرتبط بالمقدّمة الثانية، وهو: هل أنّ وجوب دفع المنكر ثابتٌ بالنسبة لجميع المحرَّمات أم هو مختصٌّ بالمحرَّمات المهمّة، مثل: قتل النفس المحترمة، والهتك، وإتلاف الممتلكات المشروعة، وهدم أساس الدين، وتضعيف شوكة المسلمين، وترويج بِدَع المضلّلين؟([48])، ففي الصورة الثانية ستكون هذه المقدّمة من الاستدلال غير تامّةٍ.

وينبغي أن يُقال في الجواب بأنّ وجوب دفع كلّ محرّمٍ بحاجةٍ إلى دليلٍ معتبر، كتنقيح المناط القطعي([49])، ولكنْ يمكن ذكر ملاك على وجوب دفع المنكر في هذا المجال، وهو أنّه من الممكن في بعض الأحيان أن لا يكون لأحد المحرَّمات أهمّية شديدة، ويريد شخصٌ في المستقبل أن يرتكبه بشكلٍ شخصي وجزئي، ووجوب دفع المنكر في هذه الصورة يحتاج إلى دليلٍ مُحْكَم، ولكنّ هذا المنكر نفسه رُبَما يريد شخصٌ أحياناً أن يطلقه ويروِّجه كسُنّةٍ سيّئة في المجتمع، وفي هذه الصورة يمكن ذكر أدلّةٍ على وجوب دفع هذا المنكر، ومن ضمنها الحديث النبويّ القائل: «مَنْ سنّ سنّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ، ومَنْ سنّ سنّةً سيّئةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا ووِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَة»([50]).

ويستفاد من إطلاق هذا الحديث أنّ مبغوضية تأسيس المنكر [وترويجه] بمستوىً من الشدّة تجعل آثام وأوزار المرتكبين لذلك المنكر في رقبة مؤسِّسه [ومروِّجه]، حتّى لو لم تكن تلك السيّئة والمعصية شديدة الأهمّية. ومضافاً إلى ذلك فإنّ العقل يحكم بلزوم الحؤول دون رواج المنكر، ومنع نشره كسُنّةٍ في المجتمع.

ب ـ ويوجد سؤال متعلِّقٌ بالمقدّمة الثالثة من الاستدلال، مفادُه: إذا كان علم الإنسان ـ بما يشمل المعصوم ـ بشيءٍ حاصلاً عن طريقٍ غير متعارف فهل يؤدّي ذلك العلم إلى مسؤولية العالم عن التكليف المرتبط به؟ فقد يُقال بأنّ المعصوم غير مكلَّفٍ بتأدية ما يعلمه بطريقٍ غير متعارف([51]).

ولكنّ عموم وإطلاق الأدلّة يؤدّيان إلى ثبوت التكليف، وعلى مَنْ يدّعي عدم الثبوت إقامة دليل معتبر.

وما يُقال من أنّ المعصوم كان يعلم بكفر المنافقين، لكنْ لم يكن من مسؤولياته وواجباته اجتنابهم وقطع علاقته وارتباطه بهم، أو قتلهم، ولو كان علمه بذلك عن طريقٍ عاديّ لكانت تلك الأمور من واجباته([52])، فهي دعوى تحتاج إلى إثباتٍ؛ إذ لعلّ عدم إقدام المعصوم على تلك الأمور سببه تحقُّق بعض العناوين، كعنوان الأهمّ، ولذا لعلّه لم يكن يقدم على تلك الأمور، حتّى لو حصل له العلم بطريقٍ عاديّ؛ لوجود ذلك العنوان الأهمّ.

ج ـ وهناك سؤالٌ آخر مرتبطٌ بالمقدّمة الثالثة أيضاً، وهو: هل كانت طريقة الشارع في بيان الأحكام قائمةً على الحديث الغيبي والإخبار عن المستقبل أم لا؟([53]).

ولكنْ أيّ دليلٍ على نفي ذلك بعدما كان أصل النبوّة وأساس الشريعة معتمداً على الحديث الغيبيّ، وحيث تمّ الإخبار عن المستقبل في مواضع متعدّدة من المصادر الدينية؟! وعلى مدَّعي خلاف ذلك أن يأتي بدليلٍ. نعم، يمكن أن يُقال ـ كما قيل فعلاً ـ بأنّ المعصومين× لم يكن تعاطيهم مع موضوعات الأحكام معتمداً على إعمال الغيب([54]).

د ـ وجوب النهي عن المنكر مشروطٌ بعدّة شروط، ومنها: تنجُّز التكليف. فإذا غفل المؤمنون عن حرمة بعض المنكرات، وجرَوْا على سيرةٍ معيَّنة، كغيرهم من العقلاء، فإنّ غفلتهم تؤدّي إلى عدم تنجُّز التكليف عليهم، وبالتالي لا يكون النهي عن المنكر ودفعه واجباً([55]).

ولكنْ لا يمكن قبول هذا المطلب في الأمور المهمّة؛ لأنّ الأحكام المهمّة تستلزم الاحتياط.

هـ ـ دفع المنكر واجبٌ تجاه الشخص العالم بالمنكر، لا الجاهل به. لذلك ذكر الفقهاء العلم ضمن شرائط الوجوب([56]). وهذا يختلف عن إرشاد الجاهل، لذلك لا يمكن الاستناد في هذه المسألة إلى أدلّة وجوب دفع المنكر، بل ينبغي التمسُّك فيها بأدلّة وجوب إرشاد الجاهل.

وهنا سؤالٌ: مقتضى الأدلّة المذكورة في البحث ـ باستثناء دليلٍ واحد ـ حجّية السِّيَر العقلائية بصورةٍ مطلقة؛ فهل يوجد دليلٌ آخر يثبت عدم حجِّية هذه القاعدة في مجال العبادات؟

وجوابه: أوّلاً: يطلق مصطلح السِّيرة العقلائية على السِّيرة التي يجري عليها العقلاء بما هم عقلاء، وإذا تشكَّلَتْ سيرةٌ في أبواب العبادات والتعبُّديات فستكون سيرة متشرِّعة، لا سيرة عقلائية([57]).

ثانياً: لو قلنا بأنّ العقلاء في مجال العبادات أيضاً لديهم سِيَرٌ يجرون عليها بما هم عقلاء فحينئذٍ سيصدق عليها عنوان السيرة العقلائية، لكنّ الأصل في العبادة هو الفساد وعدم المشروعية، ونحتاج في إثبات الصحّة إلى دليلٍ. وهذا من الأمور المتَّفق عليها لدى الجميع([58])؛ لأنّ الشارع في مجال العبادات مؤسِّسٌ، فلا بُدَّ أن يُرجع إليه، ويُؤخَذ منه التأييد والإمضاء، ولا يكفي مجرّد عدم الردع.

النتيجة

لقد تبيَّن في هذا البحث أنّ السيرة العقلائية هي جَرْي العقلاء المستمرّ على أمرٍ من جهة حيثيّتهم العقلائية، وأمّا سيرة المتشرِّعة فهي عملهم المستمرّ المنطلق من جهة تديُّنهم وتمسُّكهم بالشريعة. وبما أن غير العبادات والأمور الإمضائية هي أمور عقلائية، كانت موجودةً حتّى قبل مجيء الشريعة، والشارع في هذا المجال ليس بمؤسِّسٍ؛ حتّى يلزم عليه إبداء تأييده ورأيه الموافق لها، بل هو مصلحٌ وموجِّهٌ، من هنا فإنّ طريقة الشارع كانت بحيث يبيِّن رأيه في كلّ موردٍ يختلف موقفه بالنسبة إليه مع رأي وموقف العقلاء.

وانطلاقاً من كون الشريعة الإسلامية خاتمة الشرائع، ورسالتها هي هداية الناس إلى يوم القيامة؛ فإن أفق رؤية الشارع ونظره ممتدٌّ إلى يوم القيامة، وكلّ ما لم يكن يتمتَّع برضا الشارع الإسلامي وقبوله على امتداد الزمن فقد بيَّنه بنحوٍ ما، كما جاء في الروايات المعتبرة.

لذلك فلا بُدَّ للفقيه في غير مجال العبادات من أن يتتبَّع الأدلّة بدقّةٍ؛ ليحصل على دليلٍ معتبر، صدوراً ودلالةً وجهةً، على خلاف السيرة. وإذا لم يقف على دليلٍ معتبرٍ من النواحي الثلاثة المذكورة، يكون مخالفاً للسيرة العقلائية العامّة، ولم يكن هناك أصلٌ عملي مخالف أيضاً، فسوف تثبت حجِّية تلك السِّيرة.

ولقد تمّ في هذا البحث ذكر عدّة أدلّة على هذا المدَّعى، وإنْ كان بعض الأدلّة ـ كدليل وجوب دفع المنكر ـ لا يخلو من مناقشةٍ. ولكنّ أغلب تلك الأدلّة محكمةٌ ومتقنةٌ، مثل: مقتضى شمولية الشريعة، ومقتضى خلودها، ومسؤولية هداية جميع الأجيال، وخطبة الوداع، وطريقة الشارع في غير العبادات، واعتبار القاعدة الأوّلية في عصر الحضور.

الهوامش

(*) أستاذٌ في الحوزة العلميّة، ومدير قسم فلسفة الفقه والحقوق في كلِّية الفقه والحقوق في قم ـ إيران.

([1]) السيد محمود الشاهرودي، بحوث في علم الأصول، مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي، قم، ط3، ١٤٢٦هـ.

([2]) محمد حسن الآشتياني، بحر الفوائد في شرح الفرائد ٣: ٥١١، منشورات ذوي القربى، قم، ط1، ١٣٨٨هـ.ش؛ موسى التبريزي، أوثق الوسائل في شرح الوسائل: ٣٥٩، كتبي نجفي، ط1، ١٣٦٩هـ.ش.

([3]) مرتضى الأنصاري، الاجتهاد والتقليد: ٥٤، مكتبة المفيد، قم، ط1، ١٤٠٤؛ السيد تقي الطباطبائي القمّي، آراؤنا ١: ٣٨١، انتشارات محلاتي، قم، ط1، ١٣٧١هـ.ش.

([4]) محمد إسحاق الفيّاض، الأراضي: ١٨٠، دار الكتاب، قم، ط1، ١٤٠١هـ؛ محمد باقر الإيرواني، دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي على المذهب الجعفري ٣: ٢٠١، قم، ط1، ١٤٢٧هـ.

([5]) السيد محمد حسين الطباطبائي، حاشية على الكفاية: ٢٠٦، المؤسسة العلمية والفكرية للعلاّمة الطباطبائي.

([6]) السيد روح الله الخميني، الاجتهاد والتقليد: ٨١ ـ ٨٢، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهران، ط1، ١٣٧٦هـ.ش.

([7]) محمد رضا المظفّر، أصول الفقه ٣: ١٧٦، دار النعمان، النجف، ط2، ١٣٨٦.

([8]) مجموعة من المؤلّفين، الفائق في علم الأصول: ٤، مرکز مديريت حوزه هاي علميه، قم، ط1، ١٣٩٧هـ.ش.

([9]) ضياء الدين العراقي، مقالات الأصول ٢: ١١٠، مجمع الفكر الإسلامي، قم، ط2، ١٤٢٣هـ.

([10]) حسين الحلّي، أصول الفقه، مكتب الفقه، قم، ط1، ١٤٣٢هـ.

([11]) الفائق في علم الأصول: ٣٨ وما بعدها.

([12]) محمد حسين آل كاشف الغطاء، تحرير المجلة ١: ٢٩٣، المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، طهران، ط1، ١٤٢٤هـ.

([13]) السيد مصطفى الخميني، تحريرات في الأصول ٥: ٤٥، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهران، ط1، ١٤١٨هـ.

([14]) محمد باقر الطباطبائي، وسيلة الوسائل في شرح الرسائل: ٢٩٥، قم، ط1؛ بحوث في علم الأصول ٧: ٣٠؛ سعيد ضيائي فر، ولايت پيامبر وإمام بر تشريع (الولاية التشريعية للنبيّ والإمام)، مجلة معارف إسلامي، العدد ٢١: ٧٣.

([15]) المصدر نفسه؛ وسيلة الوسائل في شرح الرسائل: ٢٩٥؛ السيد كاظم الحائري، مباحث الأصول ٥: ٦٧٦، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، ط1، ١٤٠٨.

([16]) المائدة: ٣؛ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي ١: ٥٧، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط5، ١٣٦٣هـ.ش.

([17]) مجموعة من المؤلّفين، موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت^ ١: ٣٤، مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي، قم، ط1، ١٤٢٣هـ؛ سعيد ضيائي فر، فلسفه علم فقه: ٣٣٧، سمت، طهران، ط1، ١٣٩٢هـ.ش.

([18]) السيد المرتضى، رسائل الشريف المرتضى ١: ٤١٤، دار القرآن الكريم، قم، ط1، ١٤٠٥هـ؛ جعفر السبحاني، في ظلّ أصول الإسلام: ١٦٣، مؤسّسة الإمام الصادق×، قم، ط2 ١٤١٤هـ.

([19]) السيد المرتضى، الذخيرة: ١٠٨، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط1، ١٤١١هـ.

([20]) سعيد ضيائي فر، جايگاه مباني کلامي در اجتهاد: ١٨٨، بوستان كتاب، ط3، ١٣٩٧.

([21]) أبو القاسم عليدوست، فقه وعُرْف: ٣٤٠، پژوهشگاه فرهنگ وأنديشه إسلامي، طهران، ط1، ١٣٨٤هـ.ش.

([22]) محمد باقر الوحيد البهبهاني، الفوائد الحائرية: ٣١١، مجمع الفكر الإسلامي، قم، ط1، ١٤١٥هـ؛ عبد الفتّاح المراغي، العناوين ٢: ٦، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط1، ١٤١٨هـ.

([23]) السيد روح الله الإمام الخميني، كتاب البيع ٢: ١٣٣، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهران، ط1، ١٣٧٩هـ.ش؛ محمد حسين الأصفهاني، حاشية المكاسب ١: ٢٦٦، أنوار الهدى، قم، ط1، ١٤١٨؛ محمد علي إسماعيل پور شهر رضايي، ، مجمع الأفكار ٤: ٣٠٦، انتشارات علمية، قم، ط1، ١٣٩٥؛ سعيد ضيايي فر، مکتب فقهي إمام خميني: ٢٧٦، عروج، طهران، ط1، ١٣٩٣هـ.ش.

([24]) السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، سؤال وجواب: ٥٧٠، مركز نشر العلوم الإسلامية، طهران، ط1، ١٤١٥هـ.

([25]) محمد باقر الوحيد البهبهاني، الرسائل الفقهية: ٣١٣، مؤسّسة العلاّمة المجدِّد الوحيد البهبهاني، قم، ط1، ١٤١٩هـ؛ مرتضى الحسيني الفيروزآبادي، عناية الأصول ١: ١٠١، انتشارات فيروزآبادي، قم، ط1، ١٤٠٠هـ.

([26]) السيد المرتضى، الانتصار: ٢٥٤، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، ط1، ١٤١٥هـ؛ أحمد ابن حجر العسقلاني، فتح الباري ٣: ٣٩٧، دار المعرفة، بيروت، ط2.

([27]) الانتصار: ١٥١؛ أحمد البيهقي، شعب الإيمان ٢: ٣٤٥، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1.

([28]) المحقّق جعفر الحلّي، معارج الأصول: ١٢٦ مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، ط1، ١٤٠٣هـ؛ العلاّمة حسن الحلّي، الألفين: ٥٩، دار الهجرة، قم، ط1، ١٤٠٩هـ؛ الفائق في علم الأصول: ٤٤.

([29]) محمد الحرّ العاملي، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ٢٧: ٣٥ وما بعدها، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، ط2، ١٤١٤هـ؛ محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار ٢: ٢٨٣، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، ١٤٠٣هـ.

([30]) الفوائد الحائرية: ٢٤١.

([31]) الكافي ٢: ٧٤.

([32]) أحمد البرقي، المحاسن ١: ٢٧٨، دار الكتب الإسلامية، طهران، ١٣٧٠.

([33]) القاضي النعمان المغربي، دعائم الإسلام ٢: ١٥٠، دار المعارف، القاهرة، ط2، ١٣٨٥.

([34]) ابن أبي شيبة الكوفي، المصنَّف ٨: ١٢٩، دار الفكر، بيروت، ط1، ١٤٠٩هـ؛ البيهقي، شعب الإيمان ٧: ٢٩٩.

([35]) المحاسن ١: ٢١٣؛ الكافي ١: ٥٧.

([36]) السيد المرتضى، شرح الجمل والعمل: ٣٢٣، دار الأسوة للطباعة والنشر، طهران، ط1، ١٤١٩هـ.

([37]) محمد باقر الطباطبائي اليزدي، وسيلة الوسائل في شرح الرسائل، قم، ط1؛ أوثق الوسائل في شرح الرسائل: ١٤٦؛ محمد فاضل، معتمد الأصول [تقريرات أبحاث الخارج للإمام الخميني] ٢: ٣٥٧، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهران، ط1، ١٣٨١هـ.ش.

([38]) الكافي ١: ٥٢، ٤٠٤.

([39]) الآخوند محمد كاظم الخراساني، كفاية الأصول: ٣٤١ ـ ٣٤٢، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، بيروت، ط2، ١٤١٢هـ.

([40]) الكافي ١: ٦٤.

([41]) محمد باقر الطباطبائي اليزدي، وسيلة الوسائل في شرح الرسائل؛ أوثق الوسائل في شرح الرسائل: ١٤٦؛ محمد فاضل، معتمد الأصول [تقريرات أبحاث الخارج للإمام الخميني] ٢: ٣٥٧.

([42]) المصادر نفسها.

([43]) الشيخ المفيد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ٢: ٣٨٤.

([44]) مرتضى البروجوردي، المستند في شرح العروة الوثقى (تقريرات أبحاث الخارج للسيد الخوئي)، كتاب الخمس: ١٩٦، لطفي، قم، ١٣٦٤هـ.ش؛ السيد عبد الأعلى السبزواري، الخمس: ٢١٣، مكتب السيد السبزواري، بغداد، ط1، ١٤٢٤هـ؛ ناصر مكارم الشيرازي، أنوار الفقاهة (كتاب الخمس والأنفال): ٢٩٣، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب×، قم، ط1، ١٤١٦هـ.

([45]) راجع: الكافي ٢: ٦١٤؛ البروجردي، [جامع أحاديث الشيعة] ١: ٥٠؛ علي المتّقي الهندي، كنـز العمّال ٣: ٦٨٨، تصحيح: صفوة السّقا، مؤسّسة الرسالة، بيروت، ١٤٠٩هـ.

([46]) الكافي ٨: ٢٦؛ صحيح مسلم النيشابوري ٧: ١٢٠.

([47]) راجع: مرتضى الأنصاري، كتاب المكاسب ١: ١٤٠، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري، قم، ط1، ١٤٢٠هـ؛ السيد روح الله الخميني، المكاسب المحرّمة ١: ٢٠٥، مؤسّسة إسماعيليان للمطبوعات، قم، ط3، ١٤١٠هـ؛ حسين علي منتظري، دراسات في المكاسب المحرّمة ٢: ٢٥١، نشر تفكُّر، قم، ط1، ١٤١٥هـ.

([48]) محمد علي التوحيدي، مصباح الفقاهة (تقريرات أبحاث الخارج للسيد الخوئي) ١: ٤٨١، قم، مكتبة الداوري، ط1، ١٣٧٧هـ.ش.

([49]) السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، حاشية المكاسب ١: ٧، مؤسّسة إسماعيليان للمطبوعات، ط1، ١٣٧٨هـ.ش.

([50]) الشيخ الصدوق، الخصال ١: ٢٤٠، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، ط1، ١٣٦٢هـ.ش.

([51]) محمّد باقر المجلسي، مرآة العقول، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط2، ١٣٦٣هـ.ش؛ بحار الأنوار ١٧: ١٢١.

([52]) مرآة العقول ٢: ٢٣٧.

([53]) الإمام الخميني، كتاب البيع ٤: ٣٨٢؛ السيد الحائري، مباحث الأصول ٢: ١٢٨.

([54]) الفائق في علم الأصول: ١٤.

([55]) المصدر السابق: ٤١.

([56]) السيد علي الحسيني السيستاني، منهاج الصالحين ١: ٤١٦، مكتب السيد السيستاني، قم، ط1، ١٤١٤هـ.

([57]) الفائق في علم الأصول: ١٤٠.

([58]) الشيخ حسين الحلّي، أصول الفقه ٤: ٢٧٢؛ الشيخ جعفر السبحاني، في ظلّ أصول الإسلام: ٣٦.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً