أحدث المقالات

د. محمد جواد سلمان پور(*)

ترجمة: حسن علي مطر

 

المقدّمة

مع ظهور أبحاث الهرمنيوطيقا الجديدة، تمّ إخضاع فَهْم الفقهاء ـ استناداً إلى تلك الأبحاث ـ للحكم والاختبار، حتّى قال بعضهم بشأن علم أصول الفقه([1]): إن ما ورد في مباحث الألفاظ([2]) من علم الأصول يرتبط بمنظومة الدلالة اللسانية وعلم المعنى([3])، في حين لم يتمّ الاهتمام في هذا العلم بالأبحاث الهرمنيوطيقية أبداً([4])، وعليه يكون قد وقع تجاهلٌ كبير في هذا العلم([5]). وهناك مَنْ ذهب ـ بالاستناد إلى معطيات فرعٍ من الهرمنيوطيقا الغربية الجديدة ـ إلى التأكيد على الفَهْم الفقهي والأصولي، وشنّ هجمةً على استنباط الأصوليين والفقهاء على أساس الظهور الصادر، وليس على أساس الظهور الواصل([6]) والعصريّ([7]).

إن الغرض الرئيس لهذه المقالة هو بحث النقاط المتقدِّمة، والتحقيق في موضع الهرمنيوطيقا وعلم المعنى في علم أصول الفقه، والعمل في الوقت نفسه على إثبات هذه الفرضيّة، وهي أن الكثير من موضوعات ألفاظ أصول الفقه تتساوى مع أبحاث علم المعنى، والهرمنيوطيقا القديمة، وفرعٌ معتبرٌ وكثيرُ الأنصار من الهرمنيوطيقا الجديدة، باسم الهرمنيوطيقا الكلاسيكية؛ والكلاسيكية الحديثة. ومن هنا يكون لعلم المعنى في مسار فَهْم الكتاب والسُّنَّة ـ لغرض استنباط الأحكام الشرعية ـ دَوْرٌ مؤثِّر، كما تكون هناك مؤازرةٌ هرمنيوطيقيّة أيضاً.

ولا بُدَّ من الإشارة ـ بطبيعة الحال ـ إلى أننا في هذه المقالة لسنا بصدد إثبات أو إنكار رؤيةٍ خاصّة من الهرمنيوطيقا.

إن أهمِّية وضرورة هذا الموضوع إنما تظهر عندما ندرك أن الاهتمام بمباحث الهرمنيوطيقا وعلم المعنى في أصول الفقه ومسار الفَهْم الفقهي من شأنه أن يساعد بشكلٍ مناسب على تحقيق المزيد من الفهم والإدراك المتبادل بين أبناء الحوزة العلمية والجامعة؛ ليتمكَّنوا من فَهْم لغة بعضهم بشكلٍ أفضل، وبالتالي يكون هناك مزيدٌ من التقارب بين هاتين المؤسَّستين العلميتين المهمّتين. كما يمكن للمفكِّرين الغربيين ـ لو التفتوا إلى عمق ودقّة الأبحاث الهرمنيوطيقيّة لأصول الفقه ـ الاستفادة من هذه الأبحاث في نزاعاتهم واختلافاتهم الواسعة.

الأمر الآخر أن الاهتمام المباشر والأكثر عمقاً ـ من قِبَل الحوزويين ـ بالهرمنيوطيقا الجديدة، وآراء مختلف المفكِّرين الغربيين، ومقارنتها ومقابلتها بالنظريات الهرمنيوطيقية لأصول الفقه المتداولة في الحوزات العلمية، يشكِّل أرضيّةً مناسبة للحوار وتبادل الآراء بين العلماء المسلمين والغربيين. ولو ادَّعَيْنا أن الفقه وأصول الفقه ـ من دون هذه المقارنة والمقابلة ـ لن يكون مُجْدِياً في حلّ مشاكل المجتمع الإسلامي والمسلمين، ولا نافعاً في دَفْع الشبهات في النصف الثاني من القرن الراهن، فلن يكون قولنا هذا شَطَطاً.

سوف نعمل في هذه الدراسة أوّلاً على بيان آراء المفكِّرين الغربيين في مختلف مراحل الهرمنيوطيقا؛ ثمّ نقوم بعد ذلك بشرح علم أصول الفقه ـ الذي يقدِّم أسلوباً ونظاماً لفَهْم الكتاب والسُّنَّة ـ على نحو الإجمال؛ وفي نهاية المطاف سوف نقترب ـ من خلال المقارنة والمقابلة بين المباحث الهرمنيوطيقية لعلم أصول الفقه ومختلف مراحل الهرمنيوطيقا في الغرب ـ من غَرَض وهَدَف هذه المقالة. وبالتالي سوف يتَّضح أن ما يجري بشكلٍ وآخر في مسار الفَهْم المنهجي والأصولي للقرآن والروايات في الحوزات العلمية له صبغةٌ هرمنيوطيقية ومفهومية، ويقتفي أثر أصول وقواعد هذين العلمين.

ومن الواضح أنه لا بُدَّ قبل كلّ شيء من العمل على بيان معاني المصطلحات الواردة في عنوان هذه المقالة، من قبيل: علم المعنى، والهرمنيوطيقا، والاختلاف بين هذين الفرعين المختلفين للهرمنيوطيقا، والظاهر، وعلم الظهور، وحجِّية الظهور.

أوّلاً: علم المعنى

إن علم المعنى في اللغة([8]) قد ورد في الأصل الإغريقي (Sema) بمعنى الدلالة والعلامة (Semaino)، والإشارة وإعطاء المعنى.

وهو في المصطلح يُعَدّ واحداً من الأجزاء المهمّة لعلم اللغة واللسانيّات الحديثة؛ الذي يُعْنَى بمعاني الكلام.

إن علم اللغة يحتوي على أبعاد واسعة؛ وإن أحد هذه الأبعاد هو البُعْد الخاصّ بمجال اللفظ؛ والبُعْد الآخر هو البُعْد الخاصّ بمجال المضمون والمحتوى.

وفي مجال اللفظ يتعاطى علم اللغة مع الصورة والشكل البنيوي للكلمات والعناصر اللغوية([9])؛ وفي مجال المحتوى يتعاطى مع معاني الألفاظ البسيطة، والحالة التركيبية لها، ويُسمَّى هذا المجال من علم اللغة بـ «علم المعنى».

إن الغاية الأصلية والغرض الرئيس من علم المعنى هو التعرُّف على الأصول التي يتمّ على أساسها استخراج المعنى من المكتوب أو المقول. وبمساعدة هذه الأصول والقابليات اللغوية للمتكلِّمين تتمّ عملية الاستنباط والفهم.

ثانياً: الهرمنيوطيقا

1ـ التعريف اللغويّ

لقد ورد استعمال هذا اللفظ في اللغة بمعنى التفسير والتعبير والتأويل وسنّة تفسير الكتاب المقدّس([10]). وهو لفظٌ مأخوذ من الكلمة الإغريقية هرمينا (Hermena)، المقتبسة من اسم الآلهة هرميس (Hermes). وكان يتمّ تصوير هرميس كإله إغريقيّ ورسول الآلهة، وخالق الكلام ومفسِّر وسائط الآلهة إلى الناس([11]). لقد ورد التأكيد في رسالة أتيلوس أفلاطون على أن هرميس إله قد خلق اللغة والكلام، وهو مفسِّّر ورسول. ويبدو أن أرسطو هو أوّل مَنْ استعمل كلمة «هرمينا» ـ بالإضافة إلى حلّ الرموز والتمثيلات ـ بمعنى مجموع الكلام والدلالة والمفهوم، وصار بصدد العمل على تدوين أصوله وقواعده.

2ـ التعريف الاصطلاحيّ

إن الهرمنيوطيقا في المصطلح مفهومٌ عريق وضاربٌ في القِدَم، ويعود بجذوره إلى أسلوب تأويل وتفسير النصوص المقدَّسة في ضوء الاعتقاد القائل بقداستها. وحتى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي كان يتمّ العمل على طبق المباني والأسس الواحدة والثابتة نسبياً، والتي كان لأرسطو سهمٌ كبير في بيانها وتدوينها. وبعد تأليف كتاب (الهرمنيوطيقا المقدّسة)، من قِبَل يوهانس رامباخ([12])، وبيان أصل «تطابق التفسير مع النصّ» بوصفه الأصل الأهمّ في عملية التفسير، دخلَتْ الهرمنيوطيقا في مرحلة جديدة([13]). إن نظرية الريطوريقا([14]) لأرسطو كانت حتّى القرن التاسع عشر الميلادي ذات بُعْدٍ تعليمي، بوصفها من علم المعاني والبيان. وأما مع ظهور النهضة الرومنطيقية، وبعدها ظهور الوضعية، فقد أَفَلَ نجمُ هذا العلم، حتّى تَمَّ حذفه في عام 1885م نهائيّاً من المنهج التعليمي الذي كان متَّبعاً في فرنسا([15]). وبعدها قام المفكِّرون الغربيون بجهود حثيثة في مجال الهرمنيوطيقا الحديثة، وتمّ تقديم نظريّاتٍ متنوّعة، وبشكلٍ رئيس يمكن أن نعمل على تسمية فرعين أساسيين في هذا الشأن، وهما:

أـ مرحلة الهرمنيوطيقا القديمة

إن للهرمنيوطيقا مرحلتين أساسيتين، وتَبَعاً لذلك يكون لها مصطلحان شاملان، وهما: المصطلح العامّ، الذي يعود بجذوره إلى الهرمنيوطيقا القديمة والعريقة؛ والمصطلح الخاصّ الذي لا يعود إلى سابقةٍ قديمة جدّاً، وإنما يعود إلى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. ولكنْ لم يتمّ تحديد بداية هذا المصطلح، ومَنْ هو الذي أسَّسه؟، بشكلٍ دقيق([16]). وأما في المصطلح العامّ والقديم الذي يتعلَّق بالتفسير، والذي يعمل على التعريف ببعض الأصول والضوابط في إطار الكشف عن مراد المؤلِّف في الوصول إلى المعنى النهائي، أو ينكر وجود هذا النوع من الأمور، فهو يندرج ضمن مجال الأبحاث الهرمنيوطيقية([17]).

إن الهرمنيوطيقا القديمة كانت تؤمن بالمعنى الأصلي والنهائي للنصّ. وعلى هذا الأساس فإن كلّ نصٍّ يكتبه الإنسان يحتوي على معنىً يكون هو المراد للمؤلِّف. وإن الكشف عن نيّة المؤلِّف وإنْ كانت عمليّةً صعبةً، ولكنها ليست مستحيلةً. وفي المقابل فإن النصّ القرآني الذي أمر الله بكتابته وتدوينه ينطوي على معنىً باطنيّ، يتعذَّر علينا اكتشافه، وإنْ أمكن اكتشاف معناه الظاهري([18]). إن تأويل النصّ هو بحكم السعي من أجل الوصول إلى الأفق المفهومي الأصيل للنصّ، وإن للنصّ على كلّ حال معنى ومفهوماً، سواء تعرّفنا عليه أو لم نتعرَّف عليه. إن هذا الاعتقاد «يتمحور حول الكلام»؛ إذ يعتبر المعنى موجوداً وحاضراً على كلّ حال، بغضّ النظر عمّا إذا علمنا بهذا «الحضور» أم لا([19]).

ب ـ مرحلة الهرمنيوطيقا الحديثة

في هذه المرحلة التي بدأَتْ مع أصل «انطباق التفسير مع المتن» في كتاب رامباخ، ومع يوهان مارتين كلادنيوس(1759م)، حيث جعل أساس الهرمنيوطيقا في «نيّة المؤلِّف»، طرأَتْ ثلاثة تحوُّلات مهمّة. وقد تمّ رصد هذه التحوُّلات الثلاثة باسم الهرمنيوطيقا التقليدية لشلاير ماخر(1834م)، وأوغسط بك (1867م)([20])، وفيلهلم دلتاي(1911م)، والهرمنيوطيقا الحديثة لهايدغر(1979م)([21])، وغادامير(1990م)([22])، وأخيراً الهرمنيوطيقا التقليدية المحدثة لهيرش([23]).

إن الهرمنيوطيقا التقليدية المحدثة، التي بدأَتْ بعد غادامير، إنما هي في الواقع عودةٌ إلى الأفكار التقليدية للهرمنيوطيقا([24]).

إن المرحلة الجديدة للهرمنيوطيقا تنقسم إلى فرعين أو إلى رأيين رئيسين، ولكلٍّ منهما مبانٍ مشتركةٌ. الرأي الأوّل في المهد القديم للهرمنيوطيقا قد بدأ بآراء شلاير ماخر، وارتبط بظهور هيرش بالتيّار التقليدي الحديث، وكما سيأتي فإن الهرمنيوطيقا التقليدية الحديثة قريبةٌ جدّاً من المباني والأفكار الأصولية لأكثر علماء أصول الفقه.

إن كلاًّ من الفرع التقليدي والفرع التقليدي الحديث لعلم الهرمنيوطيقا يتمّ تصوُّرهما بوصفهما نظاماً عامّاً ومنهجاً معرفياً كامناً وراء التأويل([25])، في حين أنه في الرأي الثاني ـ الذي نضج في مهد «الظاهراتية الهرمنيوطيقية» لهايدغر، وكان قارّاً في الدائرة الوجودية، قد تمّ نقله على يد هانس غادامير إلى دائرة علم المعرفة([26]) ـ يعتبر علم الهرمنيوطيقا بحثاً فلسفياً في خصوص مفهوم الشرائط اللازمة لكلّ نوعٍ من أنواع الفهم([27]).

وفي الرأي الأوّل يذهب هيرش([28]) إلى اعتبار نيّة المؤلِّف، أو الذهنيّة الخاصّة للكاتب([29])، أو النوع الذاتي([30])، هو المعنى الجوهري أو الأخير للمتن، أو كونه قابلاً للوصول أو الإصلاح، وقال بأن اعتبار فهم المتن أمرٌ مفهوم وصحيح. وعلى هذا الأساس يتَّصف فَهْمٌ واحد للمتن والكلام بالصحّة، ويكون الباقي فاقداً للاعتبار.

وبطبيعة الحال هناك الكثير من الاختلاف في الرأي من جهاتٍ مختلفة حول هذه الرؤية، وأكثرها يعود إلى أسلوب التأويل والوصول إلى المعنى النهائي للمتن.

يذهب أصحاب الرأي الثاني إلى عدم الاعتقاد من الأساس بالمعنى النهائي والأصيل للمتن([31]). ويذهب هؤلاء إلى الاعتقاد باستحالة إمكان الوصول إلى نيّة المؤلِّف، وإعادة صياغتها، أو الوصول إلى مراده وذهنيّته؛ لأن المخاطَب والمفسِّر واقعان تحت حصار التراث([32])، ويرزحان في أُفُق([33]) عصرهما([34]). إن الكلام أو المكتوب يقع في أُفُق المتن ومهد الكلام. ومن ناحيةٍ أخرى فإن المتكلِّم والسامع يقعان تحت أسر الذهنيّات، والأحكام المسبقة([35])، وفرضيّاتهم السابقة([36]). والألفاظ بدَوْرها تعتبر حصاراً مطبقاً باستمرار على نية المؤلِّف، ولا يمكن لها أن تكون معياراً في فَهْم نيّة المؤلِّف. وعلى هذا الأساس، فإن معنى المتن هو ذلك الشيء الذي يفهمه المفسِّر أو المخاطَب من المتن. ومن هنا لا يمكن العثور على معنىً فيما وراء فَهْم القارئ؛ ليقع ملاكاً للتطابق أو عدم التطابق مع ما فهمه المخاطَب. ومن هنا تُعَدّ جميع الأفهام ذات قيمةٍ واحدة، ولا يمكن ترجيح أحدها على الأُخَر من باب ترجيح الصحيح على الخاطئ([37]). وقد تحدَّث ريتشارد بالمر عن هذا الرأي قائلاً: «إن النظر في الأَثَر من أجل الوصول إلى ذهنيّة المؤلِّف يُعَدّ نوعاً من المغالطة حقّاً، وإن شهادة المؤلِّف في خصوص نواياه ومقاصده تُعَدّ بصدقٍ شهادةً مرفوضة»([38]). وقال في اعتبار الفَهْم: «إن الحديث عن الاعتبار العيني للتأويلات ينبئ عن سذاجةٍ؛ إذ إن القيام بذلك يعني التسليم بإمكان فهم موقفٍ من خارج التاريخ»([39]).

وعلى أيّ حالٍ فإن هذا الرأي ـ خلافاً للرأي الأول ـ يعتبر الفَهْم نشاطاً إنتاجياً وإبداعياً، وليس إعادة إنتاج واستعادة، ويراه على الدوام أبعد من المعنى الذي كان يدور في رأس المؤلِّف. ويعتبر الفَهْم أمراً مرتبطاً بالذهنية الخاصّة للمفسِّر، حيث يخضع للتغيير في مسار التراث([40]).

ينتمي هانس غادامير إلى معسكر الرأي الثاني، والقول بنسبيّة فَهْم النصوص. كما تندرج هرمنيوطيقا بوبر بدَوْرها ضمن هذا الفرع أيضاً، مع فارق أن ترجيح فَهْمٍ على فَهْمٍ يُعَدّ أمراً ممكناً في الرؤية الهرمنيوطيقية لبوبر. وخلافاً لبوبر، كان هانس غادامير يذهب إلى الاعتقاد بأن جميع الأفهام تقع في عَرْض بعضها ما لم تتعارض مع النصّ بوضوحٍ؛ وعليه ليس هناك أيّ ترجيحٍ لفَهْمٍ على فَهْمٍ آخر، ولا فَرْق بين فَهْمٍ جديد أو قديم، فإنه لو اعتَبَر فَهْماً ما فَهْماً عصرياً فهو لا يعطيه أيّ ترجيحٍ أو أفضليّة على فهم المتقدِّمين لنصٍّ واحد، بل إنه في الأساس يعتبر الفَهْم غير العصريّ في لحظةٍ أمراً مستحيلاً([41]). وأما بوبر فإنه يعتبر الفَهْم عصريّاً، وحيث إنه يرى الفَهْم العصريّ أقرب إلى الحقيقة فإنه يرجِّحه على الفَهْم غير العصريّ. وخلاصة كلامه في هذا الشأن هي «أننا نستطيع الاقتراب من الحقيقة، وإنْ كنا لا نعلم أننا قد وصلنا إلى الحقيقة أم لا، بل حتى من الممكن أن نصل إليها أحياناً، ولكنْ لا نستطيع أن نقول بأننا قد وصلنا؛ إذ هناك على الدوام احتمال الخطأ في علمنا»([42]).

ج ـ هرمنيوطيقا ما بعد الحداثة

لقد ظهر ـ بالتوازي مع ازدهار الهرمنيوطيقا الحديثة والهرمنيوطيقا التقليدية المحدثة ـ اتجاهٌ آخر في الأبحاث الهرمنيوطيقية، من خلال آراء ميشيل فوكو، وقد عُرِف هذا الاتجاه بـ «هرمنيوطيقا ما بعد الحداثة».

إن الألفاظ في هرمنيوطيقا ما بعد الحداثة تخفي من الحقائق أكثر ممّا تظهر. وفي الوقت نفسه تمّ تنظيم الألفاظ بحيث تعمل على حفظ علاقات القدرة والسلطة. إن لكلّ منظّمةٍ أو مؤسّسة حوارها الخاصّ الذي تكتسب فيه الألفاظ معاني خاصّة.

في هذه المرحلة من الهرمنيوطيقا يكتسب كلّ شيء في الدنيا معناه بحَسَب التحليل الانتقادي والتفسيري على مدار السلطة والقدرة. ويقوم الفَرْض على أن كلّ شيءٍ إنما يتبلور على أساس القدرة، ويجب أن يكون الأمر كذلك، وإن جميع المعاني تتشكَّل في إطار السعي وراء سلطةٍ ما، والتي تظهر في ظلّ الرضا الخاصّ من قِبَل الخاضعين لحكم تلك السلطة([43]).

ويمكن اعتبار ليوتار(1924م)([44])، ودولوز([45])، من هذا الصنف من العلماء، الذين ينتمون إلى هرمنيوطيقا ما بعد الحداثة.

«يذهب ليوتار إلى الاعتقاد بأن العقل والسلطة شيءٌ واحد، ويرى أن العقل العلمي مفسّرٌ للسلطة»([46]). وقد تخلّى عن هذا الحكم القائل بأننا إنما نتصوَّر الوصول إلى الحقيقة، بَيْدَ أن ما نتصوَّره حقيقةً إنما هو شَوْقنا للعثور على الحقيقة.

في هرمنيوطيقا ما بعد الحداثة «يبدو الاعتقاد بالكلام النهائي والصحيح بالمطلق أمراً مضحكاً»([47]). «إن الحرّية هي أساس الحكاية، وإن توالي البيان إنما يتبلور من خلال الهروب من القطعية واليقين، ولا وجود في الأساس للمفاهيم الصحيحة أو غير الصحيحة»([48]).

وقال ليوتار: «إن عدم وجود المعنى في الأثر إنما هو من أساليب ما بعد الحداثة»([49]). وقال أيضاً: «إن ما تقرأونه عبارةٌ عن كتابٍ فلسفي. وإن تلك العبارة يتمّ توظيفها هنا لتثبت أنها غير مُجْدِيةٍ في حدّ ذاتها، ويجب العمل على اكتشاف قاعدة جدوائيّتها»([50]). وكما ذكَرْنا سابقاً فإن قاعدة الاقتدار والقوّة والسلطة هذه تكون مقرونةً برضا المحكومين بهذه السلطة.

ثالثاً: الاختلاف بين المدلول التصوُّريّ والهرمنيوطيقا

يمكن من خلال ذكر مثالٍ أن نصل ـ على نحو الإجمال ـ إلى الاختلاف بين المدلول التصوُّري والهرمنيوطيقا، وتَبَعاً لذلك فهم المدلول التصوُّري بشكلٍ أوضح. لنفترض أن شخصاً يلتقي في الطريق بصديقٍ له، ويصادف أن يكون صديقه قد اصطحب معه ولده الصغير، الذي سبق له أن كسر زجاج نافذته بعد أن قذفه بحَجَرٍ، فأراد ملاطفته عند إلقاء التحيّة والترحيب ـ مذكِّراً إياه بشيطنته الطفولية ـ، قائلاً: «كيف حالك يا بن الملعون؟!»، ثمّ يطبع قبلةً على رأسه، وينتقل بعد ذلك إلى والده، ويصافحه، ثمّ يفتح معه حواراً، ويسأله عن أوضاعه وأحواله. إن الفَهْم المعنويّ لعبارة «يا بن الملعون» هو ذات المغزى الذي أراد هذا الرجل إيصاله إلى الولد المشاكس الذي سبق له أن كسر زجاج بيته بالحجارة ثمّ ولّى هارباً. بَيْدَ أننا إذا تجاوَزْنا قشر عبارة «يا بن الملعون» في هذين السياقين فسوف نفهم منها معنيين مختلفين جدّاً. إن الفهم الأخير المختلف لعبارة «يا بن الملعون» يتعلَّق بالهرمنيوطيقا وتفسير الكلام الذي يعمل فيه سياق الكلام على إرشاد السامع إليه، في حين أنه في مجال المدلول التصوُّري تكون جملة «يا بن الملعون» في كلتا الحالتين ذات معنىً واحد.

يقول هانس غادامير، في بيان الاختلاف بين المدلول التصوُّري والهرمنيوطيقا: «إن المدلول التصوُّري ينظر إلى الدلالات والحقائق أو المعطيات اللغويّة من الخارج، كما هي، وكما تظهر وتبدو للعيان. وأما الهرمنيوطيقا فهي تؤكِّد على الناحية الداخلية الاستعمالية لعالم الألفاظ. والتأويل عبارةٌ عن فَهْم الدلالات الخاصة والاستعمال الفردي والشخصي للدلالات والمعاني. وأما المدلول التصوُّري فهو عبارةٌ عن الاستعمال العامّ للدلالات المفهومية([51]).

إن مفهوم المعنى أو «المدلول التصوري» يرتبط بالألفاظ، ولا يكون له استعمالٌ وتطبيقٌ إلاّ في مجال المعنى والمدلول التصوُّري. «إن نيّة المؤلِّف بدَوْرها لا يمكن أن تكون معياراً إلاّ من طريق الألفاظ ـ الواقعة في دائرة المدلول التصوُّري ـ، والذي يبقى هو فَهْم المخاطَب الواقع ضمن مجال الهرمنيوطيقا»([52]).

رابعاً: تعريف النصّ والظاهر والمُجْمَل والاستعمال والدلالة

إن النصّ والظاهر عند علماء أصول الفقه وصفان لمدلول اللفظ ومعناه([53])، وإنْ غفل بعضُهم وعدَّهما صفتان للفظ والكلام([54])، أو الدلالة([55]).

وعلى هذا الأساس، فإن النصّ عبارةٌ عن المعنى الواضح والمعيَّن الذي يدلّ عليه اللفظ، ولا يَرِدُ فيه احتمالٌ آخر بحَسَب النظام اللغوي وأسلوب الكلام العُرْفي.

والظاهر بدَوْره عبارةٌ عن وصف معنى اللفظ، وهو غير الألفاظ أو مسار الدلالة، بل هو من سِنْخ المعنى والمفهوم، ويرتبط في دائرة الذهن بالعلم والوَعْي ودرجاته المختلفة، وإن اللغة واللفظ في مسار الاستعمال والدلالة وسيلةٌ لإبرازه وإظهاره؛ فالمتكلِّم في بداية الأمر يحمل مفهوماً في ذهنه، ويعمل على إظهاره بواسطة اللفظ، ثمّ يسمع السامع تلك الألفاظ الملقاة أو يقرأها، فينطبع معناها في ذهنه مباشرةً، وإن كان يُفْهَم من ذلك الكلام معنىً آخر أيضاً، من خلال التأمُّل العُرْفي، أو الدقّة العقلية، أو الشهود العرفاني. إن الذي يظهر عبر السماع والالتفات إلى الألفاظ في الذهن مباشرةً هو الظاهر. إن هذين الأمرين يُعَدّان من قِبَل المتكلِّم استعمالاً، ومن قِبَل المخاطَب دلالةً.

وعلى هذا الأساس، ينبغي في تعريف الظاهر جعل المعنى أساساً وملاكاً. ومن هنا فقد اهتمّ السيد الشهيد الصدر([56]) بعنصر «العلاقة والاقتران» بين اللفظ والمعنى، وعمد إلى شرح وتعريف الظاهر على أساس المعنى:

فتارةً يكون للفظ في الدليل معنىً وحيدٌ في اللغة، ولا يصلح للدلالة على معنىً آخر في النظام اللغويّ والعُرْفي العام. والقاعدة العامّة تحتِّم في هذه الحالة أن يحمل اللفظ على معناه الوحيد، ويعتبر الدليل في مثل هذه الحالة صريحاً في معناه ونصّاً.

وتارةً يكون للفظ معانٍ متعدِّدة متكافئة في علاقتها باللفظ بموجب النظام اللغوي العامّ، من قبيل: المشترك، وفي هذه الحالة لا يمكن تعيين المراد من اللفظ على أساس تلك القاعدة؛ إذ لا يوجد معنىً أقرب إلى اللفظ من ناحيةٍ لغويّة لتطبيق القاعدة عليه، ويكون الدليل في هذه الحالة مُجْمَلاً.

وتارةً أخرى لا تكون العلاقة المذكورة على نَسَقْ واحد، بل يكون أحد المعاني أقوى وأشدّ من المعاني الأخرى؛ بحيث إنه بمجرّد استعمال المتكلِّم والتفات المخاطب تعمل تلك العلاقة والارتباط على منح أحد المعاني المتعدِّدة قوّةً وشدّةً أكبر في ذهن المخاطَب، بحيث لا يسمح في البداية للمعاني بالرسوخ، وعند رسوخ كلّ واحدٍ من المعاني الأخرى في الذهن يبقى المعنى الأوّلي محفوظاً وحاضراً، ويلعب في الأساس دَوْرَ الواسطة والجسر بين اللفظ والمعاني الأخرى. في منظومة الدلالة اللغويّة وأسلوب التعبير العُرْفي يُسمَّى هذا المعنى ـ الذي هو المعنى الأقرب إلى مراد المتكلِّم وذهنه ـ ظاهراً، إلاّ إذا قامَتْ عوامل بتغيير هذا الفهم، وهي العوامل التي يُعبَّر عنها بالقرائن الحالية والمقالية. ولو لم يكن هناك من وجودٍ لمثل هذه القرائن فإن المخاطَب؛ على أساس ظهور حال المتكلِّم، يعتبر هذا المعنى الأقرب إلى المراد هو المقصود للمتكلِّم، وهو الذي يعبَّر عنه بالظهور الحالي، ويكون هو الموضوع لحجِّية الظهور([57]).

وعلى هذا الأساس، عندما يَرِدُ المعنى من اللفظ إلى الذهن من دون واسطةٍ فإنه سيندرج ضمن دائرة الظواهر، وحيث يكون بين اللفظ والمعنى واسطةٌ أو وسائط معنويّة أخرى عندها لن يندرج المعنى ضمن دائرة الظواهر. ومن ذلك أن كلمة البحر ـ على سبيل المثال ـ تخلق في ذهن السامع موضعاً تحتلّ فيه المياه مساحةً كبيرة من حيث العمق والسعة، وهو ماء البحر المعهود للذهن، في حين أن ذات هذه الكلمة بواسطة هذا المعنى يمكن أن تخلق في ذهن السامع معنىً ثانياً وثالثاً و…، ومن ذلك ـ مثلاً ـ حيث يقول المتكلِّم: «لقد زرْتُ اليوم بَحْراً في بيته»، فإن كلمة البَحْر في هذه الجملة توجُد في ذهن المخاطب مفهومَ «الرجل كثير العلم»، وفي الوقت نفسه قد توجِد المعنى الأوّل في ذهنه. وبعبارةٍ أخرى: إن كلمة «البَحْر» تعمل في البداية على إيجاد المعنى الأوّلي والظاهري، ثمّ يعمل اللفظ؛ بمساعدة القرينة، على توسيط هذا المعنى؛ ليعمل على إيجاد مفهوم «كثير العلم» في ذهن المخاطَب. وعلى هذا الأساس، فإن المعنى الظاهر يتبلور ويبقى محفوظاً مع كلّ واحدٍ من المعاني الأخرى.

خامساً: الظهور والمراتب المختلفة لفَهْم الظاهر

حيث إن أكثر الآيات والروايات والكلمات البشرية ليست نصّاً، وإنما هي من الظواهر في الأعمّ الأغلب، فإن أساس استنباط الأحكام الشرعية يقوم على الظواهر. ومن هنا فإن الفقهاء في مسار الاستنباط الشرعي والفَهْم الفقهي يصبُّون جلّ اهتمامهم على معرفة الظهور، وذلك من خلال تقسيم الظواهر إلى: ظواهر تصوُّرية؛ وظواهر تصديقية استعمالية؛ وظواهر تصديقيّة نهائيّة، فيصلون بذلك إلى غايتهم من فهم النصّ عبر اجتياز ثلاث مراحل من فَهْم المعنى.

إن المخاطَب في مواجهة النصّ أو الكلام إنما يصل إلى مراد المتكلِّم عبر عدّة مراحل من الفَهْم أو استنباط المعنى، أو هو يقترب من مراد المتكلِّم في أقصى حدود الممكن. إن الفصل والتفكيك بين هذه المراحل إنما ينشأ من دقّة النظر والرؤية الثاقبة لعلماء الأصول، ولا سيَّما منهم: المحقِّق النائيني([58]). فقد كان العلماء المتقدِّمون قبل ذلك يقسِّمون مسار فَهْم الظاهر إلى مرحلتين، حتّى جاء المحقق النائيني وأضاف مرحلةً ثالثة، ثمّ اقتفى أَثَرَه في ذلك جميعُ علماء الأصول اللاحقين، وقالوا بهذا المبنى.

وقد نسبوا الجذور التاريخية لهذا البحث إلى الشيخ نصير الدين الطوسي(672هـ)؛ إذ كان هو الذي قال بأن الدلالة تابعةٌ للإرادة([59]). ولكنّ الحقَّ أن القاضي عبد الجبّار المعتزلي هو أوّل مَنْ قال بهذا التقسيم([60]).

1ـ الظهور التصوُّريّ

إن دلالة مفردات الكلام على المعنى اللغويّ والعُرْفي ـ والتي تخطر على الذهن بمجرَّد سماعها ـ تسمّى بالدلالة التصوُّرية، أو الظهور التصوُّري، أو الظهور الوضعي([61]). إن هذه المرحلة من فَهْم الظاهر تحصل للمخاطَب من بداية تكلُّم المتكلِّم، أو من بداية مواجهة القارئ للنصّ، ولا تتوقَّف على انتهاء الكلام أو إتمام الجملة.

إن جذور هذا الفَهْم تعود إلى علم المخاطَب بوضع المفردات،وأُنْسه الذهنيّ؛ بسبب كثرة استعمال اللفظ في المعنى. وإن هذه المرحلة من الفَهْم لا صلة لها بإرادة المتكلِّم أو صاحب النصّ بالنسبة إلى معاني الألفاظ، فحتّى لو تفوَّه النائم أو المغشيّ عليه أو السكران بكلماتٍ سوف تتحقَّق هذه المرحلة من الفَهْم بالنسبة إلى السامع، كما تحصل من الكلام أو النصوص الرمزيّة التي تكون الألفاظ مقصودةً فيها للمتكلِّم، من دون المعنى الظاهريّ لها.

 

2ـ الظهور الاستعماليّ أو الدلالة التصديقيّة الاستعماليّة

بعد انتهاء الكلام، أو إتمام العبارة في النصّ، سوف يدلّ الكلام على المعنى والمفهوم الذي هو المتفاهم العُرْفي، والذي يلتفت له أصحاب اللغة عند إلقاء الكلام وانتهائه. إن هذه المرحلة من الفَهْم تتوقَّف على انتهاء كلام المتكلِّم، ولا تتحقَّق بالنسبة إلى المخاطَب في أثناء تكلُّم المتكلِّم، أو قبل فراغه من قراءة النصّ المكتوب. يمكن للمتكلِّم قبل إتمام كلامه أن يضيف عبارةً إلى كلامه السابق؛ ليعمل بذلك على تغيير دلالة كلامه من الظهور التصوُّري إلى ظهورٍ جديد. وعلى هذا الأساس، يمكن للظهور الاستعمالي أو الدلالة التصديقية في هذه المرحلة أن تكون عين الظهور التصوُّري في المرحلة الأولى، كما يمكن أن تكون مختلفةً عنه. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ: لو أن المتكلِّم قال: «رأيتُ أسداً»، ثمّ سكت وأنهى كلامه، في مثل هذه الحالة سوف تكون الدلالة التصديقية هي عين الدلالة التصوُّرية؛ وأما إذا استطرد بعد ذلك، وأضاف إلى تلك الجملة عبارة: «يرمي»، فسوف يختلف ظهور عبارة «رأيتُ أسداً» عن ذلك المعنى الذي خطر على الذهن في المرحلة الأولى. في هذه المرحلة يدرك المخاطَب أن الألفاظ والمعاني العُرْفية كانت مرادةً للمتكلِّم، وأنه قد قصد استعمال تلك الكلمات في معانيها، ولكنْ هل ذات هذه المعاني كانت منشودةً له على نحو المراد الجِدّي أيضاً أم لا؟ هذا يرتبط بالمرحلة الثالثة من فَهْم معنى الكلام والنصّ.

3ـ الظهور التصديقيّ الكاشف (النهائيّ) أو الدلالة التصديقيّة الجِدِّية

بعد فَهْم المرحلتين السابقتين يصل المخاطَب إلى دلالةٍ ثالثة من الكلام، تكون هي السبب في الوصول إلى مراد المتكلِّم، ويقترب في حدود الممكن من نيّة المتكلِّم أو ذات المعنى الذي كان نقله هو الدافع الأصلي من إلقاء الكلام. في هذه المرحلة يدلّ الكلام على أن المعنى العُرْفي للكلام كان هو المراد للمتكلِّم، وهنا يقيم الكلام ارتباطاً بين السامع أو القارئ ونيّة المتكلِّم أو الكاتب، وهو الارتباط الذي يؤدّي إلى انبعاثٍ قوليّ أو فعليّ من قِبَل المخاطَب. وهنا نكون قد وصَلْنا إلى الظهور التصديقي الكاشف، ويتَّضح أداء أو معطى الكلام هنا. وإن هذا الأداء للكلام ـ على ما يُسمّى في معرفة المراد والهرمنيوطيقا بـ «الفعل القوليّ»([62]) ـ لا يكون منفصلاً ومنقطعاً عن نيّة المؤلِّف ومراده الأصلي والنفسيّ، ولا يكون على نحو اللابشرط.

وعلى أيّ حالٍ فإن الاهتمام بالقرائن المنفصلة للكلام ـ ولا سيَّما في أجواء التقنين والتشريع ـ تحظى في هذه المرحلة بأهمِّيةٍ كبيرة، وبذلك يتمّ تنقيح موضوع اعتبار فَهْم الكتاب والسنّة، وشرحهما وتفسيرهما.

4ـ ارتباط مراحل فَهْم ظاهر الكلام

إن مراحل الظهور الثلاثة ليست مستقلّةً ومنفصلةً عن بعضها، وإن كلّ واحدٍ منها يُعَدّ أرضيّةً للوصول إلى المرحلة اللاحقة من فَهْم الظاهر. ففي البداية يتمّ الحصول على الفَهْم التصوُّري، ثمّ يعمل المخاطَب ـ من خلال التمسُّك بالأصول الخاصّة بإحراز الظهور وإضافتها إلى الكلام ـ على الوصول إلى المرحلة الثانية من الظهور، وحيث لا ينطوي الكلام على قرينةٍ، ولا يُضاف نسيجٌ جديد إلى تحقُّق الكلام، فسوف يتَّحد الفَهْم التصوُّري والتصديقي.

وفي المرحلة الثانية لا يكون الكلام مُجْمَلاً بالنسبة إلى المدلول أو الظهور التصديقي لفَهْمه، بل النصّ إما ظاهرٌ، ولكنْ حيث إن الكلام الظاهر لا ينطوي على صراحةٍ بالنسبة إلى مراد المتكلِّم، ويكون مقروناً بنوعٍ من الإجمال والإبهام، يبقى المخاطب متردِّداً فيما لو كان هذا الظاهر هو المراد للمتكلِّم أم لا؛ لأن المتكلِّم إذا كان معتاداً على بيان كلامه في فصلٍ، وبيان جزئياته وتفاصيله وقرائنه في فصلٍ آخر، يمكنه أن يفيد مراده الجِدّي والواقعيّ بكلماتٍ أخرى له، في زمانٍ سابق أو لاحق على ذلك الكلام. ومن هنا فإن المخاطَب في هذه المرحلة يعمل، من خلال التمسُّك بالأصول العقلائيّة الأخرى ـ التي يتمّ توظيفها في إحراز مراد المتكلِّم ـ، وإضافتها إلى كلام المتكلّم، إلى إخراج مراد المتكلِّم من الإجمال، ويوصله إلى حدٍّ من الوضوح بحيث يمكن له أن ينسبه إلى المتكلِّم، ويعمل في ضوئه على أساس ذلك. ويقوم بناء العقلاء على إمكان جعل المعنى الأخير وسيلةً للعُذْر والاحتجاج بالنسبة إلى كلا الطرفين.

إن جميع الأبحاث المنظورة للفقهاء في ما يتعلَّق بتحصيل المرحلة الأولى من الظهور تندرج ضمن دائرة علم اللغة، ولا سيَّما الدلالة التصوُّرية، التي يَرِدُ الحيث عنها في مقدّمة مباحث الألفاظ في علم الأصول، وقسم منها في جميع كتب الصرف والنحو والأدب وعلم اللغة. وأما الأدوات والأصول والقواعد العقلائية والأبحاث المرتبطة بخصائص المتكلِّم والسامع، ونسيج الكلام الذي يتدخَّل في المرحلة الثانية والثالثة من الدلالة، فإنها تشكِّل موضوع بحث الألفاظ، وحجِّية الظواهر، والملازمات العقلية، والتعادل والتراجيح، في علم الأصول، وإنْ كانت هذه الأبحاث المذكورة لا تنحصر في هذا العلم أيضاً.

سادساً: حجِّيّة الظواهر

إن الغاية الرئيسة في أصول الفقه من مباحث الظواهر ومعرفة الظهور هي العلم بنيّة ومراد الشارع المقدَّس أو قائل الكلام. فليس الشارع وحده، بل حتّى الإنسان العادي قد لا يكون أراد في بيانه ظاهر كلامه. ولم يقُمْ أحدٌ من العقلاء بسلب هذا الحقّ من أيّ متكلِّمٍ من بني البشر، بأن يريد المعنى المخالف لظاهر كلامه، ناهيك عن الشارع المقدَّس. ولكنْ حيث إن المعاني الظاهرية تشكِّل الأرضية الأساسية لفَهْم مراد ومقاصد الكلمات البشرية، وتلك الصادرة عن الشارع المقدَّس، فقد اضطرّ علماء الأصول إلى بحث تشخيص ظواهر كلام القرآن والسنّة أوّلاً، وبعد إحراز قطعية الظهور واصلوا البحث في اعتبار وحجِّية هذا الظهور. إن مرادهم وغايتهم من حجِّية الظهور هي: هل المعاني الظاهرية للكلام هي ذات المراد الحقيقي والنيّة الواقعية والمقصودة للشارع، بحيث يمكن للشارع أن يستند إليها في مقام الاحتجاج على المكلَّف وقطع عُذْره، ويمكن للمكلَّف في المقابل أن يعتذر بها أمام المولى ويعتبر نفسه معذوراً أمام المولى؟ وفي الأساس، هل يمكن ـ من خلال ترتيب الأَثَر على الفَهْم الظاهري للكلمات ـ القيام بواجب العبودية العقلية والفطرية؟ إن البحث في حجِّية الظواهر يسعى إلى إثبات هذه المسألة.

ومن الجدير ذكرُه أن للحجِّية في العلوم الإسلامية الكثيرَ من المعاني اللغوية والاصطلاحية، كما أنها قد اشتملَتْ في علم الفقه والأصول على تفاسير متعدّدة أيضاً، وقد تمّ إبراز الكثير من الآراء في بيان مفاد حجِّية الظواهر، ومن أهمِّها: تعريفان، وهما:

التعريف الأوّل: هو التعريف الذي تقدَّم ذكره؛ أي أن يشتمل على صلاحية الاحتجاج أمام الله والمكلَّف أو المتكلِّم والمخاطَب.

التعريف الثاني: هو الذي يكشف عن نوعٍ من واقع الأحكام الشرعية الإلهية أو مراد ونيّة المتكلِّم.

وإن النسبة بين هذين التعريفين هي نسبة العموم والخصوص من وجه.

سابعاً: موقع علم المعاني والهرمنيوطيقا في علم الأصول

1ـ علم المعاني في أصول الفقه

إن المرحلة الأولى في أصول الفقه، أي المدلول التصوُّري، تُعَدّ مفهوماً معرفيّاً، ينطبع في الذهن من العبارات والألفاظ بواسطة الخصائص اللغويّة. وعلى هذا الأساس تُعَدّ مقدّمة مباحث الألفاظ ـ من قبيل: بحث الوضع، وأقسام الوضع، والمعنى الحرفي، وعلامات الحقيقة والمجاز، وبحث المشتقّ([63]) ـ ضمن دائرة علم المعاني. كما أن مباحث ألفاظ المنطق([64]) يجب اعتبارها في زمرة هذا العلم أيضاً. ولا شَكَّ في أن هذه الأبعاد المفهومية تضفي عمقاً أكبر إلى أصول الفقه، ويمكن تغذيتها وتنميتها في خارج علم الأصول، الأمر الذي يؤدّي إلى استغناء ذلك العلم. ولكنْ للأسف الشديد لم يمتلك الأصوليون في الحوزة العلميّة بياناً مناسباً لنقل هذا المعنى إلى المحافل الجامعيّة، ولا الأقسام اللغويّة وجدَتْ طريقاً صحيحاً للوصول إلى الأبحاث الأصولية. وهذا بطبيعة الحال لا يعني عدم وجود التعامل بالمطلق، أو الانعدام التامّ للتعاطي بين الحوزة والجامعة، وقد تحقَّقَتْ بعض الجهود والمساعي الجزئية في هذا الشأن، ولا سيَّما في العقود الأخيرة، وهو أمرٌ يدعو إلى الرضا.

2ـ الارتباط بين الهرمنيوطيقا وأصول الفقه

يتَّجه الأصوليين في الحصول على المرحلة الثانية والمرحلة الثالثة من الظهور إلى الأصول والقواعد العقلائية، والأبحاث الخاصّة بمعرفة المتكلِّم، والمخاطَب، والوجود، والعُرْف، والبيئة، والأُفُق التاريخيّ، ومعرفة زمان ومكان وصول الكلام، ممّا يشكِّل عمدة مباحث الألفاظ، وحجِّية الظواهر، والملازمات العقلية، والتعادل والتراجيح، في علم أصول الفقه. إن هذه الأبحاث يتمّ طرحُها بشكلٍ مباشر أو غير مباشرٍ مع عناوين أخرى في المعنى المراد والهرمنيوطيقا التقليدية والحديثة.

ومن الواضح جدّاً أن الكثير من مباحث ألفاظ أصول الفقه، وأكثر مباني حجِّية الظهور، تقوم على المباني الأساسية للهرمنيوطيقا القديمة، التي لا تزال متطابقةً مع قسمٍ واسع من الهرمنيوطيقا المعاصرة. وإن جميع مباحث الألفاظ، من قبيل: المدلول العقلي، والمدلول الوضعي، والمدلول الإطلاقي أو الإشاري للأمر والنهي، والمفاهيم، والعامّ والخاصّ، وحجِّية الظهور، تندرج بهذا المعنى ضمن مجال الهرمنيوطيقا.

أـ المقدّمات الأساسيّة لاعتبار الظواهر والهرمنيوطيقا

إن الظهور واعتباره يشتمل على مبانٍ ومقدّمات أساسية، تُعَدّ بشكلٍ مباشر من الموضوعات المهمّة لعلم الهرمنيوطيقا. وفي ما يلي نشير إلى بعضها:

1ـ وجود المعنى الحقيقيّ والواقعيّ

إن من أكثر الفرضيّات جوهريّةً بين الأصوليين والفقهاء في بحث الظهور وحجِّية الظهور هو وجود المعنى الحقيقي والواقعي، أو مراد وقصد الشارع والمتكلِّم من النصّ والكلام. إن هذه الفرضية بمنزلة البناء لجميع المطالب الأصولية في مباحث الألفاظ والمباحث الفقهية في الاستناد إلى الآيات والروايات، وإن جميع الأصول العقلائية في باب الظهورات واعتبارها تدور مدار هذه الفرضية. ولو انهارَتْ هذه الفرضية فلا شَكَّ في أن مسار الاجتهاد والاستنباط سوف يشهد تغيُّراً وانقلاباً، على نحو القطع واليقين.

إن وجود المعنى الكامن ومراد الله في الآيات والروايات، وإمكان فَهْمه، أمرٌ مُجْمَعٌ عليه من قِبَل المسلمين، ولم يقُمْ أيٌّ من العلماء المسلمين بإظهار ما يخالف ذلك. وإن بعض الاختلافات وموارد النزاع الكلامية والتفسيرية والأصولية والفقهية إنما تعود إلى الاختلاف في كيفيّة اصطياد ذلك المعنى والمراد([65]).

إن ما ورد في بحث مقدّمة الألفاظ في أصول الفقه بشأن الوضع وأقسامه يصرِّح بأجمعه أو يؤكِّد المعنى الحقيقي والواقعي للألفاظ. ويتَّضح هذا التأييد بشكلٍ أكبر حيث يَرِدُ الكلام عن جواز أو عدم جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنىً؛ لأن روحَ ولُبَّ المطلب يتجلّى هناك في وجود المعنى الحقيقي والواقعي لنيّة المؤلِّف، ويتمّ حلّ الإشكال على أساس ذلك([66]).

وكما ذكَرْنا سابقاً هناك اليوم مجالٌ من الهرمنيوطيقا الغربية ـ باسم: الهرمنيوطيقا الجديدة ـ يشكِّك في الفرضية المذكورة في جميع النصوص المكتوبة، ولا سيَّما منها: النصوص التي مضى وقتٌ طويل على كتابتها وتدوينها.

وقد عمد بعض الأصوليين ـ مثل: المحقِّق القمّي، في مسألة عدم إمكان الحصول على مراد الكلام في مجال الآيات والروايات([67])، أو في باب امتزاج أفقين والاستناد إلى الظهور الواصل بشرط الحكاية عن الظهور الصادر([68]) ـ إلى الاقتراب من هذه الرؤية الهرمنيوطيقية إلى حدٍّ ما، إلاّ أنهم لم يتخلَّوْا أبداً عن المعنى النهائي للقرآن والروايات، الذي يعكس مراد وقصد الشارع، وقالوا بأن المعيار والاعتبار في هذا المجال مفهومٌ ومنضبطٌ([69]).

ومن الضروريّ الالتفات إلى هذه النقطة، وهي أنه لا يزال هناك اليوم ـ كما في السابق ـ الكثير من العلماء في الغرب في مقابل هذه النحلة الهرمنيوطيقية، حيث يصرّون على نيّة المؤلِّف والمعنى النهائي. و«قد تمّ في القرن الراهن تأليف الكثير من الكتب والمقالات في الاعتراض على الرأي الأوّل»([70]).

2ـ مفهوميّة الاعتبار والحجِّيّة

إن الفرضية المهمّة الأخرى في مجال الظهور وحجِّية الظواهر هي اعتبار واستناد المعنى إلى الضوابط، وهو أمرٌ تسالم عليه الفقهاء والأصوليون.

وقد كان هذا الأمر بين المتقدِّمين من الأصوليين ـ قبل القرن الخامس عشر الهجريّ ـ من الوضوح والبداهة بحيث إنهم لم يجدوا ضرورةً لبحث اعتبار وإثبات حجِّية الظواهر، وإذا كان هناك من نزاعٍ حدث في القرن الحادي عشر الهجريّ في الحجِّية، ولا يزال الأصوليون غارقين فيه، فإن ذلك كلَّه إنما يعود إلى مفهومية الحجِّية والاعتبار.

لقد عملَتْ جميع مباحث الهرمنيوطيقا الحديثة على إبطال مفهوميّة الاعتبار([71])، وفي المقابل ذهب جميع العلماء ـ الذين يؤكِّدون على وجود المفهوم النهائي للنصّ ـ إلى القول بمفهوميّة الاعتبار، واشتماله على الضوابط([72]).

3ـ إمكان ضبط الفرضيّات

يَرِدُ الكلام في الهرمنيوطيقا الحديثة عن التأثير الضروري للفرضيّات والتوقُّعات وما إلى ذلك في فَهْم المتن. يذهب هانس غادامير([73]) إلى الاعتقاد بأن ذهن المؤوِّل (المفسِّر) في بداية التأويل لا يكون منزَّهاً وخالياً، بل هو عبارةٌ عن مجموعةٍ من الأحكام المسبقة والفرضيات الأوّلية، والمطالب الثابتة بـ [الأفق المفهومي المعاصر]. إن هذه المعتقدات والأفعال والمفاهيم والقواعد والضوابط والمحدوديات الذهنية للمؤوِّل والمفسِّر ـ على حدّ تعبير إدموند هوسرل([74]) ـ في حكم [عالمه المعاش]. إن المفسِّر يعمل دائماً على دراسة النصّ مورد التفسير بحيث يتناغم مع هذا [العالم المعاش]([75]). فهل الحقيقة والواقعية هي تلك التي يعتقد بها كلٌّ من: هانس غادامير؛ وريموند بوبر([76])؟

الحقيقة هي أن الأصوليين لم يكونوا ينكرون تأثير الفرضيات شعوريّاً أو لا شعورياً في تاريخ فهم الكتاب والسنّة على نحو الموجبة الجزئيّة، وفي الوقت نفسه يذهبون إلى الاعتقاد بأنه لا يوجد إمكانٌ للسيطرة على الفرضيات والتوقُّعات الذهنية فحَسْب، بل إن الكثير من الفقهاء والأصوليين في تاريخ الاجتهاد كانوا موفَّقين ومقتدرين في هذا المعنى. إن اتِّضاح هذه الحقيقة يتوقَّف على الفصل بين الظهورات في مسار التأويل والتفسير واستنباط الأحكام الشرعية من الكتاب والسنّة.

 

أـ ضبط الفرضيّات في معرفة الدلالة التصوُّريّة

في مرحلة الدلالة التصوُّرية وخطور الظهور التصوُّري في الذهن يكفي امتلاك الذهن العُرْفي والمعرفة الارتكازية بالموضوع الذي وُضع له اللفظ، ولا تكون هناك حاجةٌ إلى المعارف البشرية والفرضيّات الأخرى. وبعكس ذلك فإن وجودَ أيّ نوعٍ من الذهنيات والأحكام الكلامية والفلسفية والعلمية المسبقة يُعَدّ آفةً مهمّة في فَهْم هذه المرحلة من الظهور.

يذهب الكثير من العلماء ـ ومنهم: الإمام الخميني؛ والفاضل النراقي([77]) ـ إلى الاعتقاد بأن وجود الأحكام المسبقة والفرضيّات الفلسفية والكلامية والعلمية في هذه المرحلة يُعَدّ آفةً تتمثَّل في خلط الفَهْم. يقول الإمام الخميني في هذا الشأن: «يخلط بعض العلماء أحياناً بين المفردات الشائعة في العلوم الفلسفية، أو بعبارةٍ أدقّ: يخلطون بينها وبين المعنى العُرْفي لها…»([78]).

ب ـ السيطرة على الفرضيّات والأحكام المسبقة في معرفة الظهور التصديقيّ الاستعماليّ

في هذه المرحلة يجب توظيف الفرضيات المحسوبة الناشئة من المعلومات اللغوية والمشتركة بين جميع اللغات. وإن عدم تنقيحها وتنظيمها، أو عدم استعمالها بشكلٍ صحيح، يؤثِّر في عدم صوابيتها، أو عدم التوصُّل إلى فَهْم هذه المرحلة من الظهور. إن الكثير من مباحث الألفاظ في علم أصول الفقه يعمل على تنقيح هذا النوع من الفرضيات.

في معرفة هذه المرحلة من الظهور لا يكون هناك تدخُّلٌ لأيّ نوعٍ من المعارف البشرية، سواء في ذلك القطعيّ منها أو الظنّي. وإن الأبنية العقلائية المشتركة في جميع اللغات هي وحدها التي تستطيع ـ بوصفها فرضيّةً أساسية ـ أن تلعب دَوْراً، ويجب على الفقيه أن يطرد من ذهنه كلّ ما سواها.

ج ـ السيطرة على الفرضيّات في معرفة الظهور التصديقيّ الكاشف

يجب على الفقيه في هذه المرحلة أن يستدعي جميع القرائن اللفظية وغير اللفظية. في مسار اكتشاف الظهور النهائي، الذي يمثِّل موضوع الحجِّية، يجب أن يكون هناك تدخُّلٌ للعناصر الخارجية وجميع الأحكام العقلية القطعيّة، وذلك القسم من العلوم البشريّة القطعية واليقينية، بوصفها فرضيّاتٍ يمتلكها الفقيه. ويعتبر هذا التدخُّل مقبولاً ومطلوباً، بل واجباً أيضاً.

إنما تتمّ الحجّة على الفقيه في فتواه فيما إذا استنفد في بحثه جميع ما يُعتبر من قرائن الكشف عن هذا الظهور، حتّى يبلغ به الأمر حدَّ اليأس من العثور على المزيد منها.

ويجب أن لا يكون للمعارف البشرية الظنّية تدخُّلٌ في هذه المرحلة، وإن الفقيه ليس مأموراً بها، بل يجب عليه أن يُخْلي ذهنه منها. كما يعمل على تجنُّب مدلول الروايات الضعيفة المعارضة، ويركنها جانباً، ويزيحها من طريق ذهنه عند ممارسته لعملية الاستنباط. وعلى هذا الأساس، توجد هناك إمكانية للسيطرة على الفرضيات المسبقة في هذه المرحلة أيضاً، كما تتَّضح بشكلٍ واضحٍ وكاملٍ المعارف التي يتعيَّن على الفقيه أن يستدعيها بوصفها من الفرضيّات المسبقة في هذه المرحلة.

4ـ توفُّر أرضيّة فَهْم الظهور في عصر الصدور

إن من بين الملاكات المهمّة والأساسية في موضوع حجِّية الظواهر هو ظهور عصر صدور الآيات والروايات. إن تمامية هذا الملاك أو الموضوع رَهْنٌ بوجود أرضيّةٍ لفهم الظهور في عصر الشارع؛ إذ لو قيل: إن المعاصرين للمعصومين^ في المكان والزمان والثقافة اللغويّة لم تتوفَّر لديهم إمكانيّة فَهْم كلماتهم، بل إن الفَهْم الصحيح والدقيق لظاهر كلمات القرآن الكريم والسنّة المطهَّرة إنما يخصّ الناس في العصور اللاحقة، لن يكون الملاك الأهمّ في حجِّية الظهور قابلاً للإثبات.

إن وجود مثل هذه الأرضية يُعَدّ من الأصول الثابتة والمسلَّمة في الاجتهاد وحجِّية القرآن والسنّة، وإن مَنْ يدَّعي خلاف ذلك، ويقول بعدم وجود مثل هذه الأرضيّة، يُعَدّ كلامُه هذا مرفوضاً من قِبَل جميع علماء الفقه والأصول.

 

5ـ إمكان صياغة أفق الصدور ومهد النسيج الثقافيّ وكشف الظهور الصادر

لكي نثبت حجِّية الظهور نحتاج إلى عنصرٍ ضروريّ آخر، وهو إدراك وكشف ظهور الآيات والروايات في عصر صدور الكلام. وعليه يتعيَّن على الفقيه أن يكون قادراً على تحديد أجواء صدور الكلام والأفق والمهد والنسيج الثقافي لكلام المعصوم ونزول الآيات. ويُعَدّ هذا العنصر من أهمّ مقدّمات اعتبار الظهور والفَهْم الديني للفقهاء.

واليوم يتمّ إنكار هذا العنصر بشأن فَهْم القرآن والسنّة ـ ولا سيَّما في مجال الفَهْم الفقهي ـ من قِبَل الهرمنيوطيقا الحديثة. ولا بُدَّ من الالتفات إلى أن إنكار هذه المقدّمة يؤدّي إلى انحسار قداسة ودينيّة فتاوى الفقهاء.

إن الهرمنيوطيقا التقليدية «ترى أن المهمّة الأساسية والوحيدة في التأويل تتمثَّل في تحديد أفق المؤلِّف، وتطابق المخاطَب وانسجامه معه»([79]). وفي المقابل تذهب الهرمنيوطيقا الحديثة «إلى الاعتقاد بأن الحصول على الأفق الأصليّ والأصيل للكلام والمتكلِّم أمرٌ مستحيل»([80])، أو أنها في الحدّ الأقصى ترى «إدغام أُفُق عصر كتابة النصّ وأُفُق العصر الحاضر [لحظة الوصول]، ولا يكون هناك محيصٌ من ذلك»([81]).

يذهب جميع الفقهاء والأصوليين ـ إلاّ ما ندر منهم ـ إلى الاعتقاد بإمكان تحديد أُفُق عصر المتكلِّم؛ ويذهب جانبٌ كبير من جهودهم في مسار استنباط الأحكام الشرعية في الواقع إلى تحديد أفق وجوّ عصر نزول الآيات وصدور الروايات، وإنْ اختلفوا في نسبة النجاح في الوصول إلى هذه الغاية.

وإن الالتفات إلى جهودهم في هذا الشأن يبيِّن هذا الادّعاء:

يقوم المحقِّقون الأصوليون والفقهاء ـ في إطار الوصول إلى ظهور الآيات والروايات في وقت الصدور والجوّ الحاكم على عصر إلقاء الخطاب ـ بثلاث مهمّاتٍ رئيسة وأساسية:

أوّلاً: العمل على اكتشاف القواعد العامّة والمشتركة في فَهْم الظهور في جميع اللغات.

ثانياً: العمل على الدراسة التاريخية للأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع وتاريخ الكلام في أُفُق الصدور.

ثالثاً: البحث عن الكلام ـ في ضوء الزمان والمكان ـ في أُفُق الوصول وعصر المخاطَب.

يجب اعتبار هذه المهامّ الثلاثة ثلاثة مسارات هرمنيوطيقية؛ للوصول إلى مراد ونيّة الشارع من الآيات والروايات.

ب ـ ملاحظاتٌ في تماهي بعض أصول الفقه مع الهرمنيوطيقا

بالإضافة إلى ما تقدَّم ذكرُه بشأن ارتباط أصول الفقه والهرمنيوطيقا، تعمل النقاط المهمّة التالية على إيضاح موقع الهرمنيوطيقا في العلم المذكور بشكلٍ أكبر:

1ـ الغاية الهرمنيوطيقيّة لأصول الفقه

إن الغاية الأساسية لعلماء الأصول من بيان الأبحاث المتعلِّقة بالكتاب والسنّة ـ الأعمّ من مباحث الألفاظ، والملازمات العقلية، وغير المستقلاّت العقلية، والتعادل والتراجيح، والقطع، وحجِّية الظواهر ـ هو الوصول إلى مراد الشارع والملازمات العقلية للآيات والأحاديث، والتي يلقونها على عاتق الشارع؛ إما من باب حجِّية الظواهر؛ أو من باب الحجِّية الذاتية للقطع.

إن هذه الغاية الرئيسة تدفع بالأصولي نحو الذهاب إلى أبعد من مجرّد الخَوْض في مباحث كيفية دلالة اللغة والبنية اللغوية للألفاظ، ممّا يشكِّل علم المعاني والمفاهيم، وتذكر أنواعها في مقدّمة مباحث الألفاظ من علم الأصول، والدخول في بحث مبانيها، وأبحاثها التفسيرية والهرمنيوطيقية.

2ـ اهتمام الأصوليّ بجميع الأبعاد المفهوميّة

إن العالم الأصولي في مسار غايته الأساسية من دراسة الكتاب والسنّة لا يقتصر على ظواهر الكتاب والسنّة فقط، بل ينظر إلى جميع الأبعاد المفهومية المخالفة للظواهر والإشارة والتطبيق والمنشأ، وحتّى الباطن([82]). وقد حدث من هذه الناحية اختلافٌ كبير بين العلماء الأصوليين في إلحاق هذا النوع من المفاهيم بالظواهر.

إن هذه المباحث العميقة والمطوَّلة، التي وردَتْ في جميع مباحث الألفاظ والملازمات العقلية والتعادل والتراجيح، لا صلة لها بأبحاث منظومة الدلالة اللغوية والمفهومية، بل هي مسارٌ تفسيريّ وهرمنيوطيقيّ ومبنائيّ لذلك العلم.

3ـ مراحل الاجتهاد في الوصول إلى الظهور النهائيّ أو مراد المتكلِّم

إن تتبُّع الظهور البَدْوي ـ الذي هو نتاج الأبحاث المفهومية والبِنْية اللغوية ـ، وصولاً إلى الظهور النهائي والقطعي ـ الذي يشكِّل موضوعاً لحجِّية الظهور ـ، يستلزم طيّ مراحل معقَّدة من الاجتهاد، ومنها: البحث عن القرائن إلى حدّ الوصول إلى اليقين أو اليأس من الوصول إلى المزيد من القرائن من بين الآيات والروايات والأدلة اللُّبِّية، وفي المرحلة الثانية ـ في حالة العثور على القرائن ـ يأتي انضمام ودفع التعارض أو الترجيح.

إن هذا المسار الذي يتألَّف من مرحلتين لا يرتبط بعلم المفاهيم ومنظومة الدلالة اللغويّة أبداً، بل هو مسارٌ تفسيريّ ومبنائيّ بالنسبة إليه.

4ـ الاختلاف في الظاهر والأظهر

ليست الظواهر ـ من وجهة نظر علماء الأصول ـ على وتيرةٍ واحدة؛ فمنها ما هو ظاهرٌ؛ ومنها ما هو أظهر. وعلى هذا الأساس، كان الاختلاف في تشخيص الظواهر بين الفقهاء والأصوليين في مسار الأدلّة الفقهية والأصولية أمراً مقبولاً. وإن النزاع الطويل بين الشيخ الأنصاي وغيره من العلماء في أدلة الكتاب والسنّة حول أصل البراءة، واختلاف السيد الخميني مع الميرزا النائيني في جميع مباحث أصوله، الذي يدور حول الاستظهار من الآيات والروايات في الاستدلال على مبانيه، وإلى الضدّ من مباني الميرزا النائيني، تمثِّل بأجمعها شاهداً واضحاً على هذه الحقيقة.

5ـ اشتراط أخذ الظواهر في مسار الاستنباط

يتَّفق الأصوليون جميعاً على أن أخذ الظهور لاستنباط الأحكام الشرعية لا يُقْبَل من كلّ شخصٍ، وإن مباحث الأصول ذاتها تمثِّل دليلاً واضحاً على هذا الكلام. وإنما الذين يمكنهم التمسُّك بالظاهر في مجال الأحكام الشرعية هم وحدهم الذين يكونون قادرين على معرفة المسار الأصولي للأخذ بالظواهر، ويكونون متمكِّنين كذلك من تطبيق ذلك على أرض الواقع. وهذا الكلام لا يعني ـ بطبيعة الحال ـ أن عامّة الناس لا يحقّ لهم الاستفادة من ظواهر الآيات والروايات؛ لأن الغاية من القرآن والروايات ليست هي مجرّد استنباط الأحكام الشرعية فقط، بل كما قال السيد الخميني: «إن الغاية الأساسية للقرآن الكريم هي بناء الإنسان»([83]). وإن الأحكام الفقهية لا تمثِّل إلاّ جزءاً منها.

6ـ معرفة أقسام العبارات

إن التمييز بين المحكم والمتشابه، والمجمل والمبيِّن، والعامّ والخاصّ، والمطلق والمقيِّد، والناسخ والمنسوخ ـ الذي يقع باعتراف الزركشي([84]) على عاتق علم الأصول ـ، وما هي الآية والرواية التي تكون نصّاً؟ وأيّها ينطوي على ظهورٍ؟ وما هو مقدار الظهور فيها؟ والأهمّ من ذلك كلِّه الحصول على معيار وأصول لتشخيص وتحديد هذه المسائل، وتمييزها من بعضها ـ ممّا يشغل حيِّزاً كبيراً من اهتمام علماء الأصول ـ، لا يُعَدّ بحثاً لفظيّاً ومفهوميّاً، بل هو بحثٌ تفسيريّ وهرمنيوطيقيّ ومبنائيّ في هذا العلم.

7ـ تخطئة فَهْم الظاهر

نجد في بعض الموارد أن عالماً في أصول الفقه يعمل ـ في معرض الردّ على أدلة أو مباني عالمٍ أصولي آخر ـ على تخطئة فَهْمه لآيةٍ أو روايةٍ أو كلامٍ، ويختم الخَدْش والردّ عليه في مدَّعاه بقوله: «هذا تفسيرٌ بما لا يُرضي صاحبه». وهذا يدلّ على أن مسار الاستنباط الفقهي ليس هو وحده الذي يستلزم عملية تفسير الكتاب والسنّة فقط، بل إن علم الأصول بدَوْره زاخرٌ بتفسير النصوص أيضاً.

والنقطة الأخيرة التي يجدر التذكير بها في نهاية المطالب هي أنه، على الرغم من قيامنا في هذه المقالة بالتنظير والتشبيه بين مباحث ألفاظ أصول الفقه وبعض الدلالات الهرمنيوطيقية في الغرب، لا بُدَّ من الالتفات إلى هذه المسألة، وهي أن منشأ الهرمنيوطيقا في العالم الغربي يعود إلى النصوص الدينية المقدَّسة في تلك الأصقاع، وهي في الحقيقة تختلف عن القرآن الكريم، وتبتعد عنه بُعْد الثَّرى عن الثُّرَيا؛ فإن السعي الهرمنيوطيقي الحديث في نَفْي القداسة عن تلك النصوص يعود بجذوره إلى تحريف وبشريّة تلك الكتب السماويّة، في حين أن الوَحْي والقرآن الكريم عند الأصوليين يمتلك مفهوماً ومكانةً خاصّة، وعلى الرغم من لغته البشريّة لا أحد منهم يعتقد ببشريّته أو تحريفه؛ كما أن هناك اختلافاً كبيراً بين الحاضنة الفلسفية الهرمنيوطيقية في الغرب وبين حاضنة الأفكار الكلامية والفلسفية وتفسير ومباحث ألفاظ أصول الفقه عند الشيعة، التي تبلورَتْ في الحكمة المتعالية. وإن الغفلة عن هذين الأمرين قد تسبَّب اليوم بحدوث الكثير من المغالطات في الحكم حول الفَهْم الفقهي والأصولي لعلماء الفقه والأصول.

النتيجة

ما تقدَّم يُثبت أن قسماً مهمّاً من علم الفقه يتناسب مع مجال من الهرمنيوطيقا التقليدية والتقليدية الحديثة، التي تحظى اليوم في العالم الغربي بالكثير من الأنصار. وإن الادّعاء القائل بأن علم أصول الفقه يخلو من الأبحاث الهرمنيوطيقية، وإن كلّ ما فيه من الأبحاث يرتبط بعلم المعاني فقط، غيرُ تامٍّ، وبعيدٌ عن الحقيقة. ورُبَما أمكن العثور بين الفِرَق ـ مثل: الإسماعيلية وأصحاب الظاهر، الذين تطرَّفوا في الظهور ـ على أرضيّاتٍ لإثبات هذا المدَّعى. من الواضح جدّاً أن بحث الهرمنيوطيقا ومبانيه لا ينحصر في الهرمنيوطيقا الحديثة (غادامير وغيره)؛ ليمكن لنا على أساس ذلك نسبة الغفلة إلى علماء أصول الفقه عن علم تفسير المتن والهرمنيوطيقا.

إن النتيجة المهمّة الأخرى التي يمكن الحصول عليها من الأبحاث السابقة هي أن اهتمام العلماء بالأبحاث الهرمنيوطيقية لأصول الفقه في الحوزات العلمية، بالإضافة إلى بيان عظمة نشاطهم الفقهي والاجتهادي، يشكِّل عنصراً في فَهْم لغة الحوزة، والتقريب بين الطبقة الجامعية والحوزوية، ويعمل على توفير أرضيّةٍ خصبة للحوار بين علماء الإسلام في الحوزة العلمية وبين المفكِّرين الغربيين. ومن ناحيةٍ أخرى لا يجعل من اهتمام الحوزويين بالأبحاث الهرمنيوطيقية أمراً مطلوباً فحَسْب، بل يجعله أمراً ضروريّاً أيضاً.

الهوامش

(*) أستاذٌ مساعدٌ، وعضو الهيئة العلميّة، في كلِّية الإلهيّات والمعارف الإسلاميّة في جامعة شيراز.

([1]) إن علم أصول الفقه أحد العلوم التي تدرس في الحوزات العلمية الدينية، بوصفها من المقدمات المهمّة في الاجتهاد الفقهي. إن هذا العلم يبحث في دراسة ونقد القواعد والأصول والمسائل التي تستعمل في عملية استنباط الأحكام الشرعية. وإن قسماً مهماً من هذا العلم يتعلَّق بمباحث الألفاظ ومعاني الكتاب والسنّة (النصوص الروائية)، حيث يشتمل هذا العلم على مباحث العامّ والكلّي التي لا تختصّ بالقرآن والروايات فقط، ولا باللغة العربية أيضاً، وتشمل جميع اللغات الأخرى. (انظر: روح الله الخميني، مناهج الوصول، المجلد الأول، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، ط2، طهران، 1373هـ.ش).

([2]) يتمّ في هذه الأبحاث بحث طرق ارتباط الألفاظ والمعاني والوضع، وعلامات الحقيقة والمجاز، والأصول اللفظية العقلائية، ودلالة الأمر والنهي، والمفاهيم، والظلال المعنوية للكلام، والمستويات المختلفة لمفاهيم الألفاظ، والعامّ والخاصّ، والمطلق والمقيّد، والمجمل والمبيِّن.

([3]) Semantice.

([4]) Hermeneutics.

([5]) انظر: محمد مجتهد شبستري، هرمنوتيك كتاب وسنّت (هرمنيوطيقا الكتاب والسنّة): 23، طرح نو، ط2، طهران، 1375هـ.ش. (مصدر فارسي).

([6]) إن بعض آيات القرآن الكريم كان لها في عصر النـزول ـ أي قبل ما يقرب من 1400 سنة ـ معنى ظاهري، وكان لدى العُرْف فهم خاصّ لهذه الآيات أو الروايات. في حين أن ذات هذه الآيات والروايات قد وصلَتْ لنا الآن، وأصبح لها معنى ظاهري وفَهْمٌ آخر مختلف عن الفهم السابق؛ بسبب حدوث التحوّل في المفاهيم وظواهر الألفاظ والعبارات. وقد تمَّتْ تسمية المعنى القديم بـ «الظهور الصادر»، والمعنى المعاصر بـ «الظهور الواصل». ويمكن التعبير عن الظهور الواصل بـ «الفَهْم العصريّ». (انظر: السيد حسين البروجردي الطباطبائي، نهاية الأصول (تقريرات: الشيخ علي المنتظري)، نشر تفكّر، ط1، قم، 1415هـ؛ الشيخ محمد كاظم الخراساني، كفاية الأصول، مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، قم، 1412هـ).

([7]) انظر: عبد الكريم سروش، قبض وبسط تئوريك شريعت (القبض والبسط النظرية للشريعة)، مؤسسه فرهنگي صراط، ط2، طهران، 1371هـ.ش. (مصدر فارسي).

([8]) انظر: عباس آريان پور ومنوشهر آريان پور، فرهنگ فشرده إنگليسي به فارسي (معجم مختصر: إنجليزي ـ فارسي)، انتشارات أمير كبير، ط12، طهران، 1363هـ.ش.

([9]) انظر: مهري باقري، مقدمات زبان شناسي (مقدمات معرفة اللغة)، انتشارات جامعة پيام نور، ط4، طهران، 1375هـ.ش. (مصدر فارسي).

([10]) انظر: عباس آريان پور ومنوچهر آريان پور، فرهنگ فشرده إنگليسي به فارسي (معجم مختصر: إنجليزي ـ فارسي)، 1363هـ.ش.

([11]) انظر: بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن (بنية وتأويل النصّ)، نشر مركز، ط2، طهران، 1372هـ.ش؛ مهدي هادوي، مباني كلام اجتهاد در برداشت أز قرآن كريم (مباني كلام الاجتهاد في فهم القرآن الكريم)، مؤسّسه خانه خرد، ط1، قم، 1377هـ.ش. (مصدران فارسيان).

([12]) يوهانس رامباخ (Reinbach) (1693 ـ 1735م).

([13]) انظر: بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن (بنية وتأويل النصّ)، 1372هـ.ش. (مصدر فارسي).

([14]) الريطوريقا أو الخطابة (Rhestioric): واحدٌ من أعمال أرسطوطاليس، ويعتبر عند العرب ضمن المجموعة المعروفة بـ (الأورغانون). وقد دخل هذا الكتاب في التراث العربي قرابة القرن الثالث الهجريّ، وقد ذكره ابن النديم في الفهرست. (المعرِّب).

([15]) انظر: بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن (بنية وتأويل النصّ).

([16]) انظر: المصدر السابق.

([17]) انظر: مهدي هادوي، مباني كلام اجتهاد در برداشت أز قرآن كريم (مباني كلام الاجتهاد في فَهْم القرآن الكريم)، 1377هـ.ش. (مصدر فارسي).

([18]) انظر: بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن (بنية وتأويل النصّ): 497.

([19]) انظر: المصدر السابق.

([20]) August Boeeck.

([21]) Heideggr.

([22]) George Gadamer.

([23]) Hirsch.

([24]) انظر: مهدي هادوي، مباني كلام اجتهاد در برداشت أز قرآن كريم (مباني كلام الاجتهاد في فَهْم القرآن الكريم).

([25]) انظر: ريتشارد، أ. بالمر، علم هرمنوتيك (علم الهرمنيوطيقا)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: سعيد حنائي، انتشارات هرمس، ط1، طهران، 1377هـ.ش.

([26]) انظر: بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن (بنية وتأويل النصّ): 497.

([27]) انظر: ريتشارد، أ. بالمر، علم هرمنوتيك (علم الهرمنيوطيقا)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: سعيد حنائي، 1377هـ.ش.

([28]) انظر: ديفد كورنز هوي، حلقه انتقادية (الحلقة النقديّة)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: مراد فرهادپور، انتشارات مك كيل بالتعاون مع انتشارات روشنفكران، ط1، طهران، 1373هـ.ش.

([29]) انظر: پول ريكور، رسالت هرمنوتيك (رسالة الهرمنيوطيقا)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: مراد فرهادپور، انتشارات مك كيل بالتعاون مع انتشارات روشنفكران، ط1، طهران، 1371هـ.ش.

([30]) Inteinsic Genre.

([31]) انظر: بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن (بنية وتأويل النص).

([32]) Tradition.

([33]) Horizon.

([34]) انظر: بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن (بنية وتأويل النص): 582.

([35]) Prejudice.

([36]) Presupposition.

([37]) المصدر السابق نفسه.

([38]) انظر: ريتشارد، أ. بالمر، علم هرمنوتيك (علم الهرمنيوطيقا): 7.

([39]) انظر: المصدر السابق: 55.

([40]) انظر: بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن (بنية وتأويل النصّ).

([41]) انظر: مهدي هادوي، مباني كلام اجتهاد در برداشت أز قرآن كريم (مباني كلام الاجتهاد في فهم القرآن الكريم).

([42]) انظر: برايان مغي، بوبر، ترجمه إلى اللغة الفارسية، منوچهر بزرگمهر: 33، انتشارات خوارزمي، ط1، طهران، 1359هـ.ش.

([43]) انظر: لطف الله يار محمدي، بهره گيري مترجم أز تحليل گفتمان (استفادة المترجم من تحليل الخطاب)، مجلة مترجم، السنة التاسعة، العدد 32، ربيع وصيف عام 1379هـ.ش. (مصدر فارسي).

([44]) جان فرانسوا ليوتار (Lyotard) (1924 ـ 1998م): فيلسوفٌ، وعالم اجتماع، ومنظِّر أدبي فرنسيّ. اشتهر بأنه أوّل مَنْ أدخل مصطلح (ما بعد الحداثة) إلى الفلسفة والعلوم الاجتماعية، حيث عبّر عنها في أواخر السبعينات من القرن العشرين، كما حلَّل صدمة ما بعد الحداثة على الوضع الإنساني. دعا إلى الخروج من الحداثة، التي أدَّت إلى الإبادات الجماعية، وإلى قصف هيروشيما وناكازاكي بالقنابل الذرّية. (المعرِّب).

([45]) جيل دولوز (Deleuze) (1925 ـ 1995م): فيلسوفٌ فرنسي. كتب في الفلسفة والأدب والفنون الجميلة. يذهب الكثير من العلماء إلى اعتبار أطروحته الميتافيزيقية من إبداعاته العظيمة. وقد صنَّفه الفيلسوف أدريان مور من بين أعظم الفلاسفة. رغم وصفه السابق لنفسه بأنه (الميتافيزيقي النقي)، إلاّ أن عمله قد ترك تأثيراً على مجموعة متنوِّعة من التخصُّصات عبر الفلسفة والفنّ، بما في ذلك النظرية الأدبية وما بعد البنيوية وما بعد الحداثة. (المعرِّب).

([46]) انظر: بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن (بنية وتأويل النصّ): 479.

([47]) انظر: المصدر السابق: 479.

([48]) انظر: المصدر نفسه.

([49]) انظر: المصدر السابق: 483.

([50]) انظر: المصدر السابق: 480.

([51]) انظر: المصدر السابق: 576.

([52]) المصدر السابق: 577.

([53]) انظر: أحمد النراقي، مناهج الأحكام والأصول، نسخة مخطوطة، كاشان؛ السيد روح الله الخميني، الرسائل، مؤسسة إسماعيليان، قم، 1385هـ؛ محمد حسين النائيني، فوائد الأصول، المجلد 4، تقرير: علي الكاظمي، مؤسسة النشر الإسلامي، ط7، قم، 1412هـ.

([54]) انظر: محمود الشهابي، تقريرات الأصول، سازمان جاپ دانشگاه، ط7، طهران، 1349هـ.ش؛ مهدي هادوي، مباني كلام اجتهاد در برداشت أز قرآن كريم (مباني كلام الاجتهاد في فَهْم القرآن الكريم)، 1377هـ.ش؛ جمال الدين الفاضل المقداد، كنـز العرفان في فقه القرآن، المجلد 1، نشر مرتضوي، ط5، طهران، 1373هـ.ش.

([55]) انظر: السيد محمد باقر الصدر، المعالم الجديدة للأصول، مكتبة النجاح، ط2، طهران، 1395هـ؛ السيد مرتضى الفيروزآبادي، عناية الأصول، المجلد 3، مطبعة النجف، النجف، 1385هـ.

([56]) انظر: محمد باقر الصدر، المعالم الجديدة للأصول، مكتبة النجاح، ط2، طهران، 1395هـ.

([57]) محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول، دار الكتاب اللبناني، ط1، بيروت، 1980م.

([58]) محمد حسين النائيني، فوائد الأصول، 1412هـ.

([59]) انظر: الحسين بن عبد الله ابن سينا، الشفاء، المجلد 1، مكتبة السيد النجفي المرعشي، قم، 1405هـ؛ الشيخ نصير الدين الطوسي، شرح الإشارات، المجلد 1، دفتر نشر كتاب، طهران، 1403هـ.

([60]) انظر: القاضي عبد الجبّار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، المجلد 15، تصحيح وتحقيق: طه حسين وإبراهيم مدكور، دار المعارف، القاهرة، 1960م.

([61]) انظر: أحمد النراقي، مناهج الأحكام والأصول، مخطوط، كاشان.

([62]) انظر: لطف الله يار محمدي، مقابله منظور شناختي در زبان هاي إنگليسي وفارسي با عنايت به چهارچوب هاي فكري يا راهبردهاي تلوحيه فرهنگي (تقابل المنظور المعرفي في اللغة الإنجليزية والفارسية بالنظر إلى الأطر الفكرية أو الاستراتيجية التلويحية الثقافية)، نشريه دانشكده أدبيات وعلوم إنساني دانشگاه شهيد باهنر كرمان، الدورة الجديدة، العدد 3، ربيع عام 1372هـ.ش. (مصدر فارسي).

([63]) انظر: أحمد النراقي، مناهج الأحكام والأصول، مخطوط، كاشان؛ أحمد النراقي، عوائد الأيام، انتشارات بصيرتي، ط2، قم، 1408هـ؛ مهدي النراقي، تجريد الأصول، الطبعة الحجرية، 1317هـ؛ محمد حسين النائيني، فوائد الأصول، المجلد 1، تقرير: علي الكاظمي، 1412هـ؛ ؛ روح الله الخميني، مناهج الوصول، المجلد 1، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهران.

([64]) انظر: الشيخ محمد رضا المظفَّر، المنطق، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1402هـ.

([65]) إن المحقق القمي ومَنْ تبعه وإنْ لم ينكروا المعنى النهائي والذاتي، إلا أنهم قالوا باستحالة التعرُّف عليه أو الوصول إليه؛ بَيْدَ أنهم لم يستنتجوا من ذلك أن فهم الدين عصريّ، وأن الظهور الواصل هو الملاك، بل لم يرفعوا اليد عن ذلك المعنى، وأخذوا يبحثون عن طريقٍ يقرّبهم منه، وقاموا بإضفاء الاعتبار على ذلك الطريق في ضوء إثبات الحجِّية للظنّ المطلق. الميرزا القمّي (المحقق)، قوانين الأصول، المكتبة العلمية الإسلامية، ط1، طهران، 1378هـ.

([66]) انظر: أحمد النراقي، مناهج الأحكام والأصول، مخطوط، كاشان؛ الشيخ محمد كاظم الخراساني، كفاية الأصول، 1412هـ؛ روح الله الخميني، مناهج الوصول، المجلد 1، 1373هـ.ش.

([67]) انظر: الميرزا القمّي (المحقّق)، قوانين الأصول، المكتبة العلمية الإسلامية، ط1، طهران، 1378هـ؛ محمد حسين النائيني، فوائد الأصول، 1412هـ.

([68]) انظر: الميرزا هاشم الآملي، تقريرات الأصول (تقرير: ضياء الدين النجفي)، انتشارات فراهاني، ط1، طهران، 1405هـ.

([69]) انظر: الميرزا القمّي (المحقّق)، قوانين الأصول، 1378هـ.

([70]) انظر: بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن (بنية وتأويل النصّ): 590.

([71]) ريتشارد، أ. بالمر، علم هرمنوتيك (علم الهرمنيوطيقا)؛ بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن (بنية وتأويل النصّ)؛ برايان مغي، بوبر.

([72]) بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن (بنية وتأويل النصّ).

([73]) هانس جورج غادامير (1900 ـ 2002م): فيلسوفٌ ألماني. اشتهر بعمله الشهير (الحقيقة والمنهج)، وكذلك بتجديده في النظرية التفسيرية (الهرمنيوطيقا). (المعرِّب).

([74]) إدموند هوسرل (1859 ـ 1938م): فيلسوفٌ ألماني، ومؤسِّس الظاهريات. كان في بدايته متأثِّراً بالاتجاه النفساني في الفلسفة، ولكنه سرعان ما اتَّجه إلى الاهتمام بالمعاني والماهيات الخالصة، وهو ما تجلَى في كتابه (البحوث المنطقية)، وهو ما أكَّده تحت مسمّى (القصدية)، وهي فكرةٌ محورية في فلسفته الظاهراتية. (المعرِّب).

([75]) انظر: المصدر السابق.

([76]) كارل ريموند بوبر (1902 ـ 1992م): فيلسوف نمساوي ـ إنجليزي، من أصول يهودية، ولكنه يتبنّى اللاأدرية. متخصِّصٌ في فلسفة العلوم. يعتبر من أهمّ وأغزر المؤلِّفين في فلسفة العلم في القرن العشرين، وكتب بشكلٍ موسَّع عن الفلسفة الاجتماعية والسياسية. (المعرِّب).

([77]) انظر: أحمد النراقي، مناهج الأحكام والأصول، مخطوطة.

([78]) انظر: روح الله الخميني، الرسائل: 5، منشورات مؤسّسة إسماعيليان، قم، 1385هـ.

([79]) انظر: بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن (بنية وتأويل النصّ): 590.

([80]) انظر: المصدر السابق: 574.

([81]) انظر: المصدر السابق: 572.

([82]) انظر: محمد جواد سلمان پور، أقسام معنا در متون وحياني (أقسام المعاني في النصوص الوحيانية)، نشرية دانشكده أدبيات وعلوم إنساني دانشگاه شهيد باهنر، العدد 14، شتاء عام 1382هـ.ش. (مصدر فارسي).

([83]) انظر: السيد روح الله الخميني، آداب الصلاة: 193، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، ط1، طهران، 1369هـ.ش.

([84]) انظر: بدر الدين محمد الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: أبو الفضل إبراهيم، دار الكتب العربية، ط1، القاهرة، 1957م.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً