أحدث المقالات

الشيخ محمد ذكاوت صفت(*)

ترجمة: وسيم حيدر

مقدّمة

لقد شاعت ثقافة التبنّي في مجتمعنا بفعل الحاجة أو الحثّ والتشجيع على هذه الظاهرة الإنسانية، في حين أن رفع مشكلة المحرمية بعد البلوغ ـ بالنسبة إلى المتبنِّية إذا كان المتبنّى ذكراً، وبالنسبة إلى المتبنِّي إذا كانت المتبنّاة أنثى ـ يُعَدّ من الآليات الفقهية / الحقوقية بالنسبة إلى الأسر المتديّنة والملتزمة بالتعاليم الإسلامية. ومن بين أسباب نشر الحرمة هو اللبن. وقد تحدَّث فقهاء الإسلام من الفريقين (الشيعة والسنّة) في باب الرضاع ـ لإثبات نشر الحرمة ـ عن شرائط اللبن، والمرضِع، والرضيع. وفي معرض الحديث عن شرائط اللبن في فقه الشيعة والسنّة تمّ التطرّق إلى نوعٍ من اللبن غير ناشئ من الزواج والحمل والولادة. وهذا اللبن ـ الذي أطلقنا عليه هنا مصطلح «اللبن التلقائي» ـ ينتج أحياناً بفعل خَلَلٍ هرموني، أو تناول بعض العقاقير والأدوية الكيميائية، أو بسبب أعراض الغُدَد الداخلية في جسم الإنسان وفي أثداء المرأة ـ بل حتّى عند الرجل والطفل ـ في بعض الحالات. وقد أثبتت الدراسات العلمية أن ارتفاع نسبة هرمون «البرولاكتين» ـ الذي يؤدّي في فترة الحمل بمساعدة هرموني الـ «بروجسترون» والـ «إستروجين» إلى إنتاج اللبن في صدر الحُبْلى، وينبجس عند الولادة بواسطة امتصاصه من قِبَل الوليد ـ في جسم البنت قبل الزواج أو النساء العواقر أو غير الحوامل يمكن أن يؤدّي إلى إفراز اللبن عندهنّ، بل يمكن افتعال هذه الظاهرة والتسبُّب بها بواسطة تناول بعض الأقراص الهرمونية. والسؤال المفترض في هذه الدراسة هو: هل يمكن لهذا اللبن ـ الذي أطلقنا عليه هنا تسمية «اللبن التلقائي» ـ أن ينشر الحرمة، سواء أكان إنتاجه بفعل الأقراص والحبوب الخاصّة أو بفعل الزيادة الطبيعية لنسبة هرمون الـ «برولاكتين» في الجسم، أم لا؟ وهل يمكن تحويل المتبنّى إلى ابنٍ بالرضاعة بواسطة إرضاعه بهذا اللبن، وتجاوز الكثير من المشاكل التي تعاني منها الأُسَر المتديِّنة والملتزمة بهذه الطريقة؟

نسعى في هذه الدراسة التوصيفية والتحليلية إلى بيان أن الفقه الشيعي في ما يتعلَّق باللبن يشترط أن يكون اللبن ناشئاً من الحمل أو الولادة، وأن اللبن التلقائي لن يكون له تأثيرٌ في باب الرضاع ونشر الحرمة. كما أن من شرائط المرضعة أن لا تكون صغيرةً أو يائساً، وأن يكون اللبن ناشئاً عن جماعٍ شرعيّ غير محرَّم. وأما فقهاء أهل السنّة فقد ذهبوا ـ دون خلافٍ يُذكر، باستثناء مالك بن أنس، حيث يشترط أن تكون المرضعة في سنّ مَنْ تحيض، وأحمد بن حنبل في بعض أقواله ـ إلى القول بأن المرضعة التي تنشر الحرمة بلبنها هي التي ينبجس اللبن من صدرها، حتّى وإنْ كانت بكراً أو غير حبلى أو يائساً.

أهمّية البحث

إن دراسة واكتشاف الحكم الشرعي لهذه المسألة ضروريٌّ جدّاً؛ إذ من شأن ذلك أن يُسهم في رفع بعض المشاكل الاجتماعية الهامّة. وقد شاعَتْ مؤخَّراً ثقافة التبنّي في مجتمعنا بفعل الحاجة أو الحثّ والتشجيع على هذه الظاهرة بفضل وسائل الإعلام والتواصل، في حين أن رفع مشكلة المحرمية بعد البلوغ ـ بالنسبة إلى المتبنِّية إذا كان الطفل المتبنّى ذكراً، أو بالنسبة إلى المتبنِّي إذا كانت المتبنّاة أنثى ـ يُعَدّ من الآليات الفقهية / الحقوقية بالنسبة إلى الأُسَر المتديّنة والملتزمة بالتعاليم الإسلامية. وكان نشر هذه الحرمة يتمّ حتّى الآن من طريقين: الأوّل: الإرضاع؛ والثاني: الزواج. ومن الواضح أن هذين الطريقين إما منتفيان عادةً، أو غير معمول بهما.

وسوف نسعى في هذه الدراسة ـ بعد بيان المفاهيم، والإيضاح الدقيق لموضوع البحث، وتحرير محلّ النزاع، وبيان طرق نشر الحرمة المذكورة في هذا الشأن ـ إلى استعراض تقييم الإمكان العلمي لهذه المسألة (المتمثِّل بإنتاج اللبن في صدر الفتيات أو النساء العواقر)، وننقل الآراء العلميّة في هذا الشأن. وبعد إثبات إمكانية تحقُّق وإنتاج هذا النوع من اللبن من الناحية العلمية ننتقل إلى نقل أقوال الفقهاء الشيعة والسنّة، مع ذكر أدلّتهم، ثم نعمل بعد ذلك على دراسة ونقد أدلّة كلّ واحدٍ منهم في إيجاد نشر الحرمة بواسطة هذا النوع من اللبن، ثمّ نستعرض في الختام النتيجة النهائية لهذا البحث.

1ـ بيان بعض المفاهيم

يجدر بنا أن نعمل ـ قبل الدخول في صلب الموضوع ـ على إيضاح بعض المفاهيم التي سوف نتحدَّث عنها في هذه الدراسة. وهذه المفاهيم عبارةٌ عن: التبنّي، ونشر الحرمة، وهرمون الـ «برولاكتين».

أـ التبنّي

وهو يعني أن يتبنّى الشخصُ ولداً لغيره؛ ليكون ولداً نسبياً له، ويُرتِّب على ذلك جميع آثار الولد، من قبيل: الميراث والحرمة وما إلى ذلك. وكانت هذه الظاهرة شائعةً في العصر الجاهلي، ثمّ جاء الإسلام وقام بنسخها وتحريمها([1]). والتبنّي المقصود في هذه الدراسة ليس هو التبنّي المحرَّم شرعاً، وإنما نعني به تكفُّل الطفل الذي ليس له وليٌّ، والقيام بتربيته وتنشئته في أسرةٍ أخرى لا تمتّ إليه بصلةٍ نسبية، وهو أمرٌ شاع مؤخَّراً في جميع البلدان الإسلامية.

ب ـ نشر الحُرْمة

إن من بين الآثار والنتائج المترتِّبة على الرضاع ـ ضمن شروط خاصّة ـ نشر الحرمة. والمحرمية تعني أن الطفل الرضيع بعد البلوغ إذا كان ذكراً يكون مَحْرَماً على المُرْضعة، وإذا كان أنثى تكون مَحْرَمة على زوج المرضعة. وعلى هذا الأساس فإنه بعد الرضاع بشكلٍ كامل، وعلى طبق الشروط، يغدو الرضيع ولداً للمرضعة وزوجها. كما أن هناك شروطاً في اللبن تؤدّي إلى تحقُّق حرمة الطفل على مختلف الطبقات من أهل الأب والأمّ الرضاعية، على ما ورد تفصيله في الكتب الفقهية([2]).

ج ـ هرمون الـ «برولاكتين»

إن نموّ الأثداء لدى الفتيات يبدأ ما بين سنّ العاشرة والثانية عشرة، فعندما يبدأ المبيضان بإنتاج هرمون الإستروجين تبدأ المرحلة الأولى من نموّ الأثداء. ويكتمل نموّ الأثداء في حدود سنّ السادسة عشرة والثامنة عشرة، ويبقى الأمر بحاجةٍ إلى التفاعل بين هرمونات أخرى، مثل: البروجسترون والبرولاكتين وما إلى ذلك. وبعد اكتمال نموّ الأثداء فإنها سوف تتعرَّض شهرياً بشكلٍ معتاد إلى متغيّرات دَوْرية في إطار الاستجابة لحجم متغيّرات الهرمون في الدم على مدى فترة الدَّوْرة الشهرية. وقُبيل بداية الدَّوْرة الشهرية تماماً تتورَّم الأثداء غالباً؛ وذلك لأنّ منظومة المجاري والقنوات تتّسع من أجل الاستعداد للحمل. فإنْ لم يحصل الحمل يحدث هبوطٌ في مستوى الإستروجين، وتعود الأثداء إلى حالتها الطبيعية. ونشاهد في فترة الحمل نموّاً ملحوظاً في القنوات اللبنيّة في الأثداء، بالإضافة إلى تضخُّم في حلمة الثدي. وبعد ولادة الطفل تتمّ استثارة هرمون البرولاكتين المنتج للبن في الأثداء([3]). إن الهيبربرولاكتينوم تمثِّل شرائط يحصل فيها الفرد على هرمون البرولاكتين أكثر من المستوى الطبيعي في الدم([4]).

2ـ تحرير موضع النزاع

يدور موضوع البحث في هذه الدراسة حول لبن امرأةٍ تكوَّن بسبب عوامل غير الحمل من حلالٍ، من قبيل: اللبن الذي يتكوَّن بفعل عارض الهايبربرولاكتينوميا المنتج، وتقوم هي بإرضاع الطفل، مع رعاية شرائط الإرضاع بشكلٍ كامل. وعليه هل يمكن القول في مثل هذه الحالة: إن هذا النوع من اللبن يؤدّي إلى نشر الحرمة أم لا؟

وإن ذكر خصوص «الطفل» هنا هو لإخراج الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على العامين. وكذلك فإن المراد من «المرأة» هنا إنما هو عنوانٌ للأنثى، وليس عنواناً للمرأة في مقابل البنت والصبيّة. وعليه فإن كلمة «المرأة» في العبارة المتقدِّمة يشمل الموارد الآتية: البنت البكر، والمرأة المتزوِّجة العاقر، أو اليائس التي لا أمل لها بالحبل؛ لكبر سنّها.

وعلى هذا الأساس فإن طرق نشر الحرمة المذكورة في المسألة ـ والتي سيرد ذكرُها لاحقاً ـ خارجةٌ عن موضع النزاع؛ بمعنى أن الكلام لا يدور حول نشر الحرمة بواسطة طرق الإرضاع من قِبَل أفراد الأسرة، أو الزواج المنقطع من أحد أعضاء الأسرة أيضاً. وإنما يدور البحث حول الطفل الذي يتمّ إرضاعه بشكلٍ كامل بواسطة امرأةٍ بكرٍ أو عاقرٍ بشكلٍ غير طبيعي، من قبيل: تناول الأقراص والعقاقير المنتجة للبن، على سبيل المثال.

3ـ الطرق المتعارفة لنشر الحُرْمة

لو كان الطفل أنثىً رضيعة تنتشر الحرمة بينها وبين الرجل (المتبنّي لها) عبر الطرق التالية:

1ـ أن ترضعها زوجته، وبذلك سوف تغدو ابنته بالرضاعة.

2ـ أن ترضعها أمّه، وبذلك سوف تغدو أخته بالرضاعة.

3ـ أن ترضعها أخته، وبذلك سيغدو خالها بالرضاعة، أو ترضعها ابنة أخته [فيغدو بحكم جدّها].

4ـ أن ترضعها زوجة أخيه، وبذلك سيغدو عمّها بالرضاعة، أو ترضعها ابنة أخيه [فيغدو بحكم جدّها].

5ـ وأما إذا لم تكن رضيعةً، أو كانت كذلك ولكنْ لم تتوفَّر مرضعةٌ لها من بين هذه الأصناف، أمكن نشر الحرمة بينها وبين الرجل الذي يتبنّاها بواسطة إجراء عقد الزواج المنقطع بينها وبين والد الرجل أو جدّه، وبذلك سوف تكون زوجة أبيه [أو جدّه]. ولكنْ لا بُدَّ من الالتفات هنا إلى أن البنت إذا لم تكن بالغةً فإن الزواج المذكور يجب أن يكون بإذن وليِّها الشرعي؛ فإنْ لم يكن لها وليٌّ وجب استئذان المجتهد الجامع للشرائط. وعلى أيّ حالٍ يجب أن لا تكون هناك مفسدةٌ في إجراء صيغة العقد على البنت، بل لا بُدَّ من رعاية مصلحتها في ذلك. كما أنه إذا كانت البنت بالغةً لا بُدَّ من أخذ الإذن من والدها أو جدّها لوالدها على الأحوط وجوباً.

وإذا كان الطفل ذكراً رضيعاً فإن الحرمة تنتشر بينه وبين المرأة (التي تتبنّاه) بواسطة الطرق التالية:

1ـ أن تعمد إلى إرضاعه بنفسها؛ فتصبح أمّه بالرضاعة.

2ـ أن ترضعه أمّها، وبذلك سيصبح أخاها بالرضاعة.

3ـ أن ترضعه أختها، وبذلك سوف تصبح خالته بالرضاعة، أو ترضعه ابنة أختها [فيصبح بمثابة حفيدها].

4ـ أن ترضعه زوجة أخيها، وبذلك ستصبح عمّته، أو ترضعه ابنة أخيها [فتصبح بحكم جدّته].

5ـ وأما إذا لم يكن الطفل الذكر رضيعاً، وكان للمرأة التي تبنَّته أمٌّ مات عنها زوجها أو طلَّقها، فإنْ عُقِد له عليها بعقد زواجٍ دائم أو مؤقَّت فإنه بعد الدخول تصبح متبنِّيته ربيبتَه، وتنتشر الحرمة بينه وبينها بهذه الطريقة([5]).

ومن الواضح أن هذه الطرق ـ على نحو مانعة الخلوّ ـ هي إما غير ممكنةٍ عادةً أو تنطوي على تداعياتٍ وتَبِعَاتٍ اجتماعية سلبية.

 

4ـ إنتاج اللبن التلقائيّ بين الممكن والمحال

يُعتبر إنتاج اللبن التلقائيّ في الجسم من الناحية العلمية قابلاً للتوقُّع والسيطرة في ظلّ بعض العوامل، بل ومن الممكن تكوينه أيضاً.

وفي ما يلي سوف ننقل بعض آراء المتخصِّصين في هذا الشأن من المواقع العلمية الهامّة:

قالت «آليس» (فريقٌ من المتخصِّصين في تطوير السلامة في جامعة كولومبيا و…) في معرض الإجابة عن سؤال بهذا الشأن: (هل يمكن للمرأة غير الحبلى أن تنتج لبناً؟): إن ذلك ممكنٌ. ثمّ تعرّضت آليس إلى بيان تاريخ هذه المسألة، وقالت: إن دافع النساء [والفتيات] اللاتي لم ينتجْنَ اللبن [لم يحبَلْنَ] هو إطعام رضيعٍ ماتت أمّه أو لم تتمكّن من إرضاعه. ومؤخّراً بدأت النسوة [اللاتي لا يستطعن الحمل أو لسن حاملات، و]يتبنّين أطفالاً، يسعَيْنَ إلى البحث عن طرقٍ لإجبار أجسادهنّ على إنتاج اللبن.

ثمّ استطردَتْ آليس قائلةً: في فترة الحمل تعمل المستويات العليا لهرمونات الإستروجين والبروجسترون والبرولاكتين على إعداد الأثداء لإنتاج اللبن. وعلى الرغم من الانخفاض الملحوظ في الإستروجين والبروجسترون بعد الولادة، إلاّ أن مستوى البرولاكتين يبقى على حاله في الارتفاع، وتبدأ بذلك مرحلة الرضاع وإفراز اللبن. وعليه يمكن لغير الحوامل، واللاتي يرغَبْنَ في الإرضاع، أن يتبعْنَ نظاماً غذائياً وحميةً يومية تساعد على تقليد ومحاكاة هذا المسار الذي يحدث في مرحلة الحمل.

وعلى هذا الأساس يمكن من الناحية العلمية، من خلال العمل على خلق ظروفٍ شبيهة بمرحلة الحمل، عبر الزيادة الصناعية والمفتعلة للهرمونات المنتجة للبن، استثارة الغُدَد اللبنية في أثداء البنت أو المرأة غير الحبلى أو العاقر، وحتّى اليائسة، ودفعها إلى إنتاج اللبن([6]).

وكتب موقع (AAFP): إن عملية إنتاج اللبن في غير فترة الرضاع، وحتى في مرحلة الحمل، تسمّى بالـ «جالاكتوريا». وحتّى الرجال يمكن لأجسامهم أن تنتج اللبن، ولكنّ هذه الظاهرة في النساء أكثر شيوعاً. وقد كتب هذا الموقع: إن أسباباً من قبيل: بعض الهرمونات، وحبوب منع الحمل، وحبوب الضغوط العصبية، وضغط الدم، وما إلى ذلك، قد تؤدّي إلى ظاهرة الجالاكتوريا([7]).

وكتب موقع «مايوكلينيك»: إن الجالاكتوريا في الرجال قد تكون مرتبطةً بنقص التستوسترون، وتؤدّي في بعض الحالات إلى تضخُّم الأثداء أو حساسيّتها. وأحياناً في الأطفال أيضاً، حيث ينتقل المستوى المرتفع للأستروجين من الأمّ ويدخل في دم الطفل([8]).

وعلى أساس ما تقدّم يمكن إنتاج اللبن دون حملٍ أو زواج، وتسمّى هذه الظاهرة من الناحية العلمية بـ «الجالاكتوريا»([9]).

5ـ شرائط الرضاع المحرِّم، ومدى انطباقها على رضاع اللبن التلقائي

أـ في فقه الشيعة، رفضٌ مطلق

يعمل الفقهاء عادةً في بحث «الرضاع الذي يؤدّي إلى نشر الحرمة» على تقسيم البحث إلى ثلاثة أقسام، وهي: «شرائط المرضعة»، و«شرائط الرضيع»، و«شرائط اللبن»([10]).

ويبدو أن الشيخ الطوسي هو أوّل مَنْ بحث مسألة الرضاع باللبن التلقائي في كتابه الفقهي (الخلاف)؛ حيث قال: «إذا درَّ لبن امرأةٍ من غير ولادةٍ، فأرضعت صبياً صغيراً، لم ينشُرْ الحرمة»([11]).

ثمّ تلاه علماء الشيعة الآخرين، ليذكروا هذا المضمون بعباراتٍ مختلفة في شرائط اللبن. واعتبروا حكم هذا اللبن وحكم اللبن الناتج من نكاحٍ محرَّم واحداً([12]). وقد كان المحقِّق الحلّي هو أوّل مَنْ رأى كفاية الحمل في انتشار الحرمة باللبن التلقائي([13])، ثمّ تبعه جماعةٌ من فقهاء الشيعة في الإفتاء بكفاية الحمل، في مقابل القول المشهور. قال فخر المحقِّقين: «ولو درَّ لبن امرأةٍ من غير نكاح لم ينشر حرمةً، سواء كانت بِكْراً أو ذات بعلٍ، صغيرة أو كبيرة. ولا يُشترط وضع الحمل، بل كون اللبن عن الحمل بالنكاح. ولو أرضعَتْ من لبن الزنا لم ينشر حرمةً. أما الشبهة فكالصحيح على الأقوى»([14]).

وعلى هذا الأساس فإن من بين شرائط الرضاع من وجهة نظر الفقه الشيعي أن يكون منشأ اللبن هو الحمل أو الولادة، وإن اللبن التلقائي لا تأثير له في باب الرضاع. وكذلك فإن من بين شرائط المرضعة أن لا تكون صغيرةً، ولا يائساً، وأن يكون منشأ لبنها هو الجماع المحلَّل.

ب ـ في الفقه السنِّي، بين القبول والرفض

اختلف فقهاء أهل السنّة بمختلف مذاهبهم الأربعة حول حكم اللبن الناتج من غير الولادة؛ فقال محمد بن أحمد أبو سهل السرخسي الحنفي(483هـ) في المبسوط: «إذا نزل للبِكْر لبنٌ، فأرضعت صبيّاً، فإنّها تكون أمّه من الرضاعة؛ لأنّ السبب وهو الإرضاع قد تحقّق. فإنْ قيل: كيف يتصوّر أن تكون أمّاً وهي بِكْرٌ؟ وكما لا تتصوّر الأمّيّة من حيث النسب مع بقاء صفة البكارة فكذلك لا تتصوّر الأمّيّة من الرضاعة مع بقاء صفة البكارة. قلنا: هذا تلبيسٌ؛ فإنّ الحكم مبنيٌّ على السبب، والأمّيّة من النسب سببيّة الولادة، ولا تتصوّر الولادة مع بقاء صفة البكارة، وتتصوّر الأمّيّة من الرضاع مع بقاء صفة البكارة. وثبوت الحكم يتقرَّر بسببه»([15]).

وقد ذهب شهاب الدين القرافي المالكي(684هـ)، في الذخيرة، بدَوْره إلى القول بأن لبن البِكْر واليائس والصغيرة يوجب انتشار الحرمة أيضاً. ودليله على هذا الحكم هو قابلية هذا اللبن للتغذية. ولكنّه اشترط في لبن البِكْر أن تكون في سنّ مَنْ تحيض. وإليك نصّ عبارته في هذا الشأن: «ويحرم لبن البِكْر والآيسة وغير الموطوءة والصبيّة…؛ لأن لبنها يُغذّي، وقاله في الكتاب. وقيل: ما لم تنقص الصبيّة عن سنّ مَنْ توطأ»([16]).

كما قال محمد بن إدريس الشافعي(204هـ) بأن لبن البكر والمرأة غير الحامل يوجب نشر الحرمة أيضاً، وقال في ذلك: «ولو أن بكراً لم تُمسَسْ بنكاحٍ ولا غيره، أو ثيِّباً، ولم يُعلم لواحدةٍ منهما حملٌ، نزل لهما لبنٌ، فحُلب، فخرج لبنٌ، فأرضعتا به مولوداً خمس رضعات، كان ابنَ كلّ واحدةٍ منهما»([17]).

وقد ذهب عبد الله بن قُدامة المقدسي الحنبلي(620هـ) في المغني إلى أن القول بأن لبن البكر ينشر الحرمة هو القول الأصحّ، وينسبه إلى الكثير من العلماء السابقين عليه: «وإن ثاب لامرأةٍ لبنٌ من غير وطءٍ، فأرضعَتْ به طفلاً، نشر الحرمة، في أظهر الرّوايتين. وهو قول ابن حامدٍ، ومذهب مالكٍ، والثوريّ، والشافعيّ، وأبي ثورٍ، وأصحاب الرأي، وكلّ مَنْ يحفظ عنه ابن المنذر… والرواية الثانية: لا ينشر الحرمة؛ لأنّه نادرٌ، لم تجْرِ العادة به لتغذية الأطفال، فأشبه لبن الرجال. والأوّل أصحّ»([18]).

وبناءً على ما تقدّم يمكن تلخيص أقوال المذاهب السنّية الأربعة على النحو الآتي: إذا كان لبن الصغيرة والبكر واليائس ينبجس من تلقائه، وقامت بإرضاع طفلٍ صغير بهذا اللبن، أصبحت أمّاً له بالرضاعة، وكان ذلك اللبن موجباً لانتشار الحرمة بينه وبينها. وبناءً على قولٍ آخر في المذهب الحنبلي ـ بناءً على نصّ أحمد بن حنبل ـ، بسبب ندرة وجود وعدم تحقُّق التغذية، لا يكون هذا اللبن موجباً لانتشار الحرمة([19]). ويشترط في الصغيرة ـ كما سبق أن ذكرنا ـ في غير مذهب مالك ـ بطبيعة الحال ـ أن تكون في سنّ «مَنْ تحيض». وقد عمد سيّد سابق في فقه السنّة إلى تبويبٍ وخلاصةٍ حَسَنة في هذا الشأن؛ حيث قال حول صفة المرضعة: «والمرضعة التي يثبت بلبنها التحريم هي كلّ امرأةٍ درّ اللبن من ثديَيْها، سواء أكانت بالغةً أم غير بالغة، وسواء أكانت يائسةً من المحيض أم غير يائسةٍ، وسواء أكان لها زوجٌ أم لم يكن، وسواء أكانت حاملاً أم غير حاملٍ»([20]).

6ـ الأدلّة والبراهين

أـ أدلّة القبول لدى فقهاء أهل السنَّة

بعد دراسة الآراء الفقهية لعلماء أهل السنّة يتّضح أن الموارد التالية في ما يتعلّق برؤيتهم الاجتهادية كانت هي السبب في ذهابهم إلى القول بانتشار الحرمة بواسطة اللبن التلقائي:

1ـ الدليل القرآني

لقد ذهب ابن قُدامة المقدسي الحنبلي إلى اعتبار قوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ (النساء: 23) دليلاً على انتشار الحرمة بواسطة هذا اللبن([21]).

ويبدو أن استدلال ابن قُدامة بهذه الآية يقوم على قياسٍ (منطقي) يقول: إن المرأة التي ترضع طفلاً تُعَدّ أمّاً له، حتّى إذا لم يكن منشأ اللبن نكاحاً وحملاً (الصغرى). وطبقاً لنصّ الآية 23 من سورة النساء فإن المرأة التي ترضع طفلاً تكون بمنزلة أمّه وتكون محرَّمةً عليه (الكبرى). وعلى هذا الأساس فإن اللبن الذي لا ينشأ من نكاحٍ أو حملٍ يصلح لنشر الحرمة أيضاً.

نقدٌ وردّ

ولكنْ يبدو أن هذا الاستدلال غير صحيحٍ، وذلك لما يلي:

أوّلاً: هناك شكٌّ في صدق أو عدم صدق إطلاق «الأمّ» على المرأة التي ترضع طفلاً بلبنٍ غير ناتجٍ من نكاحٍ أو حمل، وبذلك سيكون التمسُّك بعموم قوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾؛ لإثبات أمومة هذه المرأة، من التمسُّك بالعامّ في الشبهة المصداقية. وعلى هذا الأساس يجب أوّلاً إثبات أمومة هذه المرأة من طريقٍ آخر غير عموم الآية، ثمّ استفادة حكمها بعد ذلك من عموم هذه الآية.

ثانياً: إن هذه الآية في مقام بيان أنواع النساء المحرَّمات، ومن بينهنّ المرأة التي أرضعَتْ طفلاً صغيراً؛ فتكون أمّه بالرضاعة. إلاّ أن هذه الآية ليست في مقام بيان شرائط الرضاع والرضيع والمرضعة. وهناك إجمالٌ من هذه الناحية. وعليه لا يمكن التمسُّك فيما نحن فيه بإطلاق كلمة «الأمّهات» في هذه الآية.

2ـ تحقُّق السبب (الإرضاع الشرعي)

لقد ذهب السرخسي الحنفي إلى القول بأن سبب انتشار الحرمة بواسطة هذا اللبن يكمن في تحقُّق السبب ـ الذي هو الإرضاع ـ، وقال بأن السبب (الإرضاع) متحقِّق هنا، وكلّ حكمٍ (وهو هنا: الأمومة وانتشار الحرمة) يثبت بواسطة سببه، ولذلك فإن الإرضاع بواسطة هذا اللبن يكون موجباً لتحقُّق وانتشار الحرمة([22]).

بيانٌ واعتراض

ويكمن خطأ هذا القول في الخلط الحاصل بين السبب الشرعي الاعتباري والسبب الفلسفي الوجودي. توضيح ذلك: إن المسبَّب إنما لا يتخلَّف عن سببه إذا كان له حقيقةٌ وجودية، دون المسبَّبات الاعتبارية، والتي من بينها مسبَّبات الشرع. من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن الطلاق سببٌ في الانفصال بين الزوج والزوجة، إلاّ أن الشارع لم يعتبر الطلاق في الحيض أو الطلاق دون شاهدٍ سبباً في الانفصال بينهما. كما أن الجماع سببٌ في الأبوّة، ولكنّ الشارع لا يرى كلّ جماعٍ سبباً في الأبوّة. وعلى هذا الأساس يجب في الاعتبارات الشرعية الرجوع إلى الشارع نفسه لإثبات سببيّة شيء لشيءٍ آخر، وفي المذهب السنّي لا يوجد دليلٌ شرعي ـ من آيةٍ أو روايةٍ ـ على سببيّة مطلق الرضاع لإثبات تحقُّق الأمومة وانتشار الحرمة.

3ـ وجود الملاك (التغذية)

لقد عدّ القرافي المالكي الاغتذاء بهذا اللبن موجباً لنشر الحرمة([23]). وكأنّه مثل ابن قدامة في القول بأن الملاك في لبن النساء هو القدرة على الإرضاع وإيصال الغذاء إلى الرضيع([24]). وبذلك فإن المقتضي ـ مع توفُّر الشروط ـ موجودٌ، والمانع مفقودٌ.

إشكالٌ

وفي الجواب عن هذا الدليل نقول: لا المقتضي موجودٌ، ولا المانع مفقودٌ؛ لأن المقتضي فيما نحن فيه ليس هو مجرّد الإرضاع والتغذية فقط؛ إذ لو كان الأمر كذلك فإن هذا الشرط متحقِّق حتّى في لبن الحيوان أيضاً؛ لتحقُّق التغذية به. وعليه فإن المقتضي المتوهَّم هنا إنما يمثِّل جزء المقتضي، وليس كلَّه. ومن ناحيةٍ أخرى فإن المانع موجودٌ أيضاً، ويكفي في إثبات وجود المانعية قوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ﴾ (البقرة: 233)؛ وقوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ (النساء: 23).

4ـ موافقة القاعدة

لقد ذكر ابن قُدامة عبارةً في المغني حول بيان سبب انتشار الحرمة بواسطة لبنٍ من غير نكاحٍ، يبدو أن دليله فيها هو مطابقة القاعدة؛ إذ يقول: «لأنه لبن امرأةٍ، فتعلَّق به التحريم». ويبدو أن مراده أن لبن المرأة (في مقابل الرجل، دون البنت) مع رعاية شرائط الإرضاع يوجب نشر الحرمة، وهذا لبن امرأةٍ، وعليه فإنه بحَسَب القاعدة يكون موجباً لانتشار الحرمة.

الجواب

إن هذا الدليل من ابن قُدامة يمثِّل مصادرةً على المطلوب، بمعنى أنه وإنْ صحّ إطلاق «لبن امرأةٍ» على هذا اللبن، ولكنْ مَنْ قال: إن هذا اللبن يوجب انتشار الحرمة؟ فهذا أوّل الكلام، ويحتاج إلى إثباتٍ. وبعبارةٍ أخرى: لو حوَّلنا كلام ابن قُدامة إلى قياسٍ منطقيّ فإن كبرى هذا القياس ـ إن هذا اللبن يوجب انتشار الحرمة ـ ليست بديهيةً، وليس هناك دليلٌ على إثباتها.

النتيجة

من خلال التتبُّع في المصادر الفقهية الأولى للمذاهب الفقهية الأربعة لدى أهل السنّة يتّضح أن فقهاء أهل السنّة قد تمسّكوا ـ لإثبات القول بنشر هذا النوع من اللبن للحرمة ـ بأربعة أدلّةٍ، وهي: الآية 23 من سورة النساء، وادّعاء تحقُّق السبب، ووجود ملاك التغذية، ومطابقة القاعدة.

بَيْدَ أن جميع هذه الأدلة الأربعة تعاني من الإشكال؛ بسبب عدم صدق «الأمّ» على المرأة ذات اللبن التلقائي وأرضعت به طفلاً صغيراً؛ وإجمال قوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ بالنسبة إلى شرائط المرضعة؛ وعدم المقتضي ووجود المانع؛ وعدم بداهة الكبرى «لبن كلّ امرأة يوجب انتشار الحرمة». وعليه لا يمكنها إثبات الحرمة باللبن التلقائي.

ب ـ أدلّة الرفض عند فقهاء الشيعة

1ـ القرآن

لقد ذكر عليّ بن محمد القمّي السبزواري(القرن 7هـ) في جامع الخلاف والوفاق قوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾، بوصفه دليلاً على المسألة. وقد قام استدلاله على عدم إطلاق «الوالدة» على غير ذات الولد؛ وعليه لا يترتَّب حكمٌ على لبنها وإرضاعها([25]).

ردّ الاستدلال بالقرآن

والإشكال على هذا الاستدلال واضحٌ؛ لأن بحث الرضاع غير منحصرٍ في الرضاع من الوالدة. وعليه يكون الدليل أخصُّ من المدَّعى.

يبدو أنه ليس هناك دليلٌ قرآني على إثبات عدم انتشار الحرمة بواسطة اللبن التلقائي؛ إذ هناك آيتان فقط يمكن الاستناد إليهما في هذا الموضوع، وكلاهما يواجه إشكالاً؛ فقد تقدَّم أن قلنا: إن التمسُّك بقوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ أعمّ من المدَّعى؛ وقد سبق أن ذكرنا أن قوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ يحتوي على إجمالٍ بالنسبة إلى المرأة التي تفرز مثل هذا اللبن؛ أو إن التمسُّك بها يمثِّل تمسُّكاً بالعامّ في الشبهة المصداقية لذات ذلك العامّ.

2ـ الروايات

استند الشيخ الطوسي إلى الإجماع وروايات الأصحاب في إثبات أن اللبن الناتج عن غير الولادة ـ «اللبن موضع البحث» ـ لا ينشر الحرمة، فقال: «إذا درّ لبن امرأةٍ من غير ولادةٍ، فأرضعَتْ صبياً صغيراً، لم ينشر الحرمة. وخالف جميع الفقهاء في ذلك. دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم»([26]).

ويمكن أن يكون المراد من «أخبارهم» (روايات الشيعة) في كلام الشيخ الطوسي هي الروايات التالية؛ وبعضها صريحٌ؛ والآخر ظاهرٌ في هذا الحكم:

1ـ رواية يونس بن يعقوب، عن الإمام الصادق×: «حُمَيْد بن زياد، عن الحسن بن محمد، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله×: سألتُه عن امرأةٍ درّ لبنها من غير ولادةٍ، فأرضعت جاريةً وغلاماً بذلك اللبن، هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاع؟ قال: لا»([27]).

إن هذه الرواية تعتبر موثَّقة؛ لأن رواتها الثلاثة الأوائل كانوا من الواقفين. بَيْدَ أن الشيخ الصدوق نقلها في كتاب مَنْ لا يحضره الفقيه بسندٍ صحيح([28]).

2ـ كما نقل هذا المضمون في رواية يعقوب بن شعيب، عن الإمام الصادق×: «وعنه، عن عبد الله بن جعفر، عن موسى بن عمر البصري، عن صفوان بن يحيى، عن يعقوب بن شعيب قال: قلتُ لأبي عبد الله×: امرأةٌ درّ لبنها من غير ولادةٍ، فأرضعت ذكراناً وإناثاً، أيحرم من ذلك ما يحرم من الرضاع؟ فقال لي: لا»([29]).

هناك أبحاثٌ تفصيلية بشأن سند هذه الرواية. وقد ذهب الشيخ مكارم الشيرازي إلى القول بأن موسى بن عمر البصري شخصٌ مجهول الحال([30]). وقد اعتبر السيد الخوئي أنه نفس موسى بن عمر بن يزيد، وهو الآخر مجهول الحال أيضاً([31]). إلاّ أن الشيخ مكارم الشيرازي لا يرتضي هذا القول؛ وذلك لأن راوي موسى بن عمر بن يزيد هو محمد بن عليّ بن محبوب، إلاّ أن ابن محبوب في هذا الحديث يروي عنه بواسطة عبد الله بن جعفر([32]). وإن للسيد الشبيري الزنجاني توضيحاً نافعاً على هامش سند هذه الرواية، محصَّله: إن الظاهر الأولي هو أن الضمير في «عنه» في بداية السند يعود إلى «محمد بن عليّ بن محبوب» (لأن صدر الرواية السابقة (الرواية رقم 1337) تبدأ به). ولكنّ الأظهر هو أن هذا الحديث من روايات محمد بن يحيى العطّار، وهو راوي ابن محبوب، وأنه قد أدخل هذه الرواية في كتاب ابن محبوب، وأن الشيخ قد استنسخها عن كتاب ابن محبوب، دون أن يلتفت إلى هذا الأمر. ولكنّ يتّضح أن المراد من موسى بن عمر البصري ـ بعد ملاحظة طبقة الراوي والمرويّ عنه ـ هو موسى بن عمر بن يزيد الصيقل. كما ذكر في بعض الأسانيد([33]) اسم موسى بن عمر بن يزيد البصري أيضاً. وبناءً على ما ذكره الشيخ في الفهرست في ترجمة موسى بن عمر بن يزيد الصيقل ـ ولكنْ لم يتمّ العثور عليه ـ، حيث اعتبر محمد بن عليّ بن محبوب راوياً له، وحيث إننا لا نرى واسطةً بينهما في أيّ روايةٍ، يثبت أن سند الرواية على النحو التالي: محمد بن يحيى العطّار، عن محمد بن عليّ بن محبوب، عن موسى بن عمر بن يزيد الصيقل، عن صفوان بن يحيى، عن يعقوب بن شعيب، عن الإمام الصادق×. وبناءً على رأي الزنجاني يعتبر موسى بن عمر بن يزيد الصيقل ثقةً. وإن سائر رجال سند هذه الرواية إماميّون وثقاتٌ أيضاً([34]).

والذي يهوِّن الخطب أوّلاً: إن صفوان بن يحيى وابن محبوب من أصحاب الإجماع. وثانياً: بواسطة الرواية السابقة (رواية يونس بن يعقوب) يحصل اطمئنانٌ بصدور هذه الرواية.

وإن دلالة هذه الرواية على موضوع البحث هي الأخرى ـ مثل الرواية السابقة ـ تامّةٌ أيضاً.

3ـ وهكذا يمكن ـ كما سبق أن ذكَرْنا([35]) ـ أن نعتبر الرواية التالية ـ وهي رواية عبد الله بن سنان ـ مُستَنَداً لهذا الحكم: «محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان قال: سألتُ أبا عبد الله× عن لبن الفحل؟ قال: هو ما أرضعَتْ امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأةٍ أخرى، فهو حرامٌ»([36]).

وتقريب الاستدلال بأن ظاهر الرواية أن ما يوجب انتشار الحرمة هو «لبن الفحل»، الذي هو عبارة عن اللبن الناتج عن ولادة طفلٍ بعد حملٍ ومقاربة مع الزوج.

وسند هذه الرواية معتبرٌ. ولكنْ يمكن القول بشأن دلالتها: إن دلالة هذه الرواية أعمّ من المدّعى مورد البحث؛ وذلك لأن السؤال والجواب إنما هو حول لبن الفحل، وإن هذه الرواية إنما تثبت مورد السؤال فقط (انتشار الحرمة بواسطة لبن الفحل)، ولا يمكنه أن ينفي انتشار الحرمة عن غير لبن الفحل، وإنْ كنّا بحاجةٍ إلى دليل لإثبات انتشار الحرمة بواسطة غير لبن الفحل أيضاً، (فتأمَّلْ).

 

3ـ الإجماع

كما سبق أن ذكَرْنا فقد ذهب الشيخ الطوسي في الخلاف إلى ادّعاء الإجماع على عدم انتشار الحرمة بواسطة اللبن التلقائي([37]). وبعده قام ابن زهرة في الغنية إلى إثبات المسألة بقوله: «بدليل إجماع الطائفة»([38])، وأثبتها ابن إدريس قائلاً: «بدليل إجماعنا»([39]). وفي نهاية المطاف عمد صاحب الجواهر إلى حَسْم القضية من هذه الناحية بقوله: «بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسمَيْه عليه»([40]).

الإشكال على دليل الإجماع

ويمكن القول في هذا الشأن: إنه على الرغم من الآيات والروايات المذكورة يبدو أن الإجماع المدَّعى هنا إنما هو إجماعٌ مدركيّ، وقد قيل في علم أصول الفقه: إن الإجماع المدركيّ لا يمكن تقديمه بوصفه دليلاً مستقلاًّ. إلاّ أن بعض الأساتذة([41]) والمحقِّقين([42]) قد قبلوا بالإجماع المدركيّ، وذهبوا إلى اعتباره حجّةً مستقلّة. ويقوم الاعتقاد في هذا القول ـ المستند إلى القاعدة تماماً ـ على أن ملاك الإجماع إذا كان حَدْسياً لن يكون هناك تفاوتٌ بين كونه مدركيّاً أو غير مدركيّ، وعلى هذا الأساس يمكن أن يَرِدَ في عرض الأدلّة الأخرى، أو أن يعضدها في الحدّ الأدنى.

4ـ شرطيّة الحمل أو الولادة في اللبن الناشر للحُرْمة

من بين الشرائط المذكورة لنشر الحرمة بواسطة اللبن الحمل أو الولادة. قال السيد الشبيري الزنجاني في كتاب النكاح: «المشهور بين الإمامية اعتبار الولادة، وأن اللبن المتكوِّن في الأثداء أثناء الحمل لا ينشر الحرمة». وقد ذهب إلى الاعتقاد بأنه لم يُفْتِ أحدٌ قبل المحقِّق الحلّي(676هـ) بكفاية الحمل.

وإليك عبارة الزنجاني في هذا الشأن: «لم نعثَرْ قبل المحقِّق الحلّي على أيّ مخالفٍ في المسألة [مسألة اعتبار الولادة]. والذين قالوا بكفاية الحمل في نشر الحرمة هم: المحقِّق الحلّي، والعلاّمة الحلّي في القواعد؛ فإن عبارته صريحة في هذا الشأن، وكذلك في الإرشاد وتلخيص المرام ـ بلحاظ أنه لم يذكر الولادة بوصفها شرطاً ـ، حيث تُشعر عبارته بكفاية الحمل، وابن فهد الحلّي في المهذّب البارع، والشهيد الثاني في الروضة البهيّة ومسالك الأفهام وحاشية الإرشاد. وكذلك قال السبزواري في الكفاية: لا يبعد الحكم بكفاية الحمل. وتردّد الفيض في المفاتيح، وذكر وجهين في المسألة. وأما غير هؤلاء فقد اشترطوا الولادة. والعلاّمة نفسه أفتى في التحرير صراحةً، وفي التذكرة مال إلى اعتبار الولادة. وعبارة المتقدِّمين كالنصّ تقريباً. وفي المقنعة يعبّر بقوله: «لبن ولدك». وعبَّر أبو الصلاح في الكافي بـ «لبن الولادة»، والشيخ في النهاية بـ «لبن المرضعة»، ومن الواضح أن المرضعة في مقابل الحامل، بمعنى المرأة ذات الرضيع. وعبَّر القاضي ابن البرّاج في الجواهر بـ «لبن ولادةٍ»، وقال في المهذَّب: يعتبر أن لا يكون لبن درٍّ، ومن الواضح أن اللبن قبل ولادة الطفل مصداق لـ «لبن درٍّ». وقال ابن زهرة في غنية النزوع: من شروط تحريم الرضاع: أن يكون «لبن ولادةٍ» لا درٍّ، بدليل إجماع الطائفة. وكذلك قال في الخلاف والسرائر: «لبن ولادةٍ». واعتبر في النزهة «لبن الفحل»، في مقابل لبن درٍّ. وتمّ التعبير في الإصباح بـ «لبن المرضعة»، ويحيى بن سعيد في الجامع بـ «لبن مرضعةٍ» أيضاً. ومن بين المتأخِّرين ذهب المحقِّق الثاني في جامع المقاصد، وصاحب المدارك في نهاية المرام، إلى القول باعتبار الولادة. ويستفاد هذا الأمر من ظاهر العنوان الذي اختاره صاحب الوسائل لهذا الباب. ومال كاشف اللثام إلى اعتبار الولادة، وفي الحدائق والرياض والمستند والجواهر ذهبوا إلى اختيار هذا القول المشهور أيضاً. وعلى هذا الأساس فإنه، بالإضافة إلى دعوى الإجماع على اعتبار الولادة، يتمتَّع هذا القول بشهرةٍ قويّة للغاية»([43]).

ويبدو أن هذا الدليل ليس دليلاً مستقلاًّ وفي عرض الأدلّة الأخرى، وإنما هو منتزعٌ من تلك الآيات والروايات التي سبق ذكرها، على القول بدليليّتها.

5ـ انصراف أدلّة الرضاع عن اللبن التلقائي

ومن الأدلّة التي ذُكرَتْ في هذه المسألة انصراف أدلّة الرضاع عن اللبن الذي ينبجس من تلقائه، ومن دون ولادةٍ([44]). وعلى هذا الأساس؛ وبسبب هذا الانصراف ـ الناشئ بطبيعة الحال من ندرة الوجود دون ندرة الاستعمال ـ، ومع أصالة البراءة، يُحكم بعدم انتشار الحرمة بواسطة هذا النوع من اللبن.

 

الردّ

ويمكن القول بشأن هذا الاستدلال: لقد ثبت في علم الأصول أن الانصراف الذي يمنع من انعقاد الإطلاق هو الانصراف الناشئ من كثرة أو ندرة الاستعمال، وليس الإطلاق الناشئ من كثرة أو ندرة الوجود. وعلى هذا الأساس فإن هذا النوع من الانصراف وإنْ كان لا يمنع من شمول إطلاق أدلّة الرضاع بواسطة هذا النوع من اللبن، إلاّ أن هذا الإطلاق إنما يكون حجّةً إذا لم يُقيَّد بدليلٍ.

6ـ كون رضاع اللبن التلقائي قدراً متيقَّناً لعدم نشر الحُرْمة

لقد ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في كتاب النكاح من أنوار الفقاهة، في بحث أقسام اللبن الخارج من ثدي المرأة، ستّة أنواع من اللبن، وهي:

1ـ اللبن التلقائي (اللبن مورد البحث).

2ـ اللبن الناشئ من الزنا.

3ـ اللبن الناشئ من وطء الشبهة.

4ـ اللبن الناشئ من انعقاد النطفة بالحلال من دون تحقُّق الدخول.

5ـ اللبن الناشئ من الدخول بالحلال.

6ـ اللبن في فترة ما بعد الولادة الناشئ عن دخولٍ محلَّل.

وقد ذهب سماحته إلى اعتبار القسم السادس هو القدر المتيقَّن للحكم بانتشار الحرمة، واعتبر النوع الأوّل هو القدر المتيقَّن لعدم الحكم بانتشار الحرمة.

الجواب

مع غضّ الطرف عن التقسيم المذكور بشأن هذا الدليل يمكن القول أيضاً: إن هذا الدليل لا يمكنه أن يُعتبر دليلاً مستقلاًّ، بل هو رَهْنٌ بقبول أو عدم قبول إطلاق الدليل اللفظيّ أو الإجماع.

7ـ الأصل الأوّليّ عند الشكّ هو العَدَم

إن من الأدلّة المذكورة في هذا المقام أنه عند الشكّ في انتشار الحرمة بواسطة اللبن التلقائي فإن الأصل هو عدم انتشار الحرمة([45]).

بين الردّ والقبول

بَيْدَ أن هذا الدليل وحده لا يمكن أن يكون صحيحاً؛ لأن الأصل ـ الذي هو دليلٌ فقاهتي ـ إنما يكون دليلاً حيث لا دليل. وفيما نحن فيه هناك دليلٌ اجتهادي (الأمارة) قائمٌ على عدم انتشار الحرمة بواسطة هذا النوع من اللبن. وأما إذا كان هذا الأصل هو الاستصحاب، وكان بناؤنا في الاستصحاب على كونه من الأمارات، أمكن لنا اعتباره دليلاً مستقلاًّ.

7ـ النتيجة

لقد أنجَزْنا هذه الدراسة لبحث إمكانية نشر الحرمة بواسطة اللبن الذي يتكوَّن من دون زواجٍ أو حملٍ أو ولادةٍ.

وتمّ خلال هذه الدراسة استعراض ونقد آراء فقهاء سائر المذاهب، من الشيعة والسنّة. ويمكن اختصار أقول فقهاء السنّة على النحو الآتي: إن اللبن الذي ينبجس تلقائياً من ثدي البنت البكر البالغة أو المرأة غير الحبلى وغير المرضعة يوجب انتشار الحرمة.

وأما فقهاء الشيعة فإنهم يذهبون بالإجماع إلى أن اللبن الذي ينشأ من غير وضع الحمل من حلالٍ لا يؤدّي إلى انتشار الحرمة.

وفي ما يتعلَّق بدراسة أدلة فقهاء السنّة ـ وهي: القرآن الكريم، وتحقُّق السبب، ووجود ملاك التغذية ـ وجَدْنا أن هذه الأدلة غيرُ ناهضةٍ في إثبات المدَّعى.

وأما أدلّة الشيعة، وهي عبارةٌ عن: القرآن، والروايات، والإجماع، واشتراط الولادة أو الحمل، وانصراف أدلّة الرضاع عن هذا النوع من اللبن، والقدر المتيقَّن من الخروج عن حكم الحرمة، والأصل، فهي بأجمعها، باستثناء الروايات والأصل ـ إذا كان استصحاباً، وقلنا بأمارية الاستصحاب ـ، تحتوي على إشكالٍ. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتُها في تتبُّع أقوال وأدلّة فقهاء السنة والشيعة، إلاّ أنّني لا أدّعي امتلاكي لتلك الجامعية العلمية في نقد الأدلّة، ولستُ أشكّ في أن العلماء والباحثين لديهم باعٌ أطول وأكبر في هذا الشأن، وسوف يتمكَّنون من الإدلاء بدَلْوهم في هذا الموضوع بشكلٍ أدقّ وأكثر تنقيحاً؛ ليكون بالإمكان حلّ ورفع الكثير من المشاكل التي تعاني منها الأُسَر بسبب ظاهرة تبنّي الأطفال. وفي الختام أتقدَّم بوافر الشكر والتقدير إلى الأستاذ العزيز والمحترم الشيخ حيدر حبّ الله الذي أرشدني إلى خوض غمار هذا البحث. والحمد لله ربّ العالمين.

الهوامش

(*) أستاذٌ في الحوزة العلميّة في قم، وباحثٌ في الفقه والحديث. من إيران.

([1]) انظر: المشكيني، مصطلحات الفقه: 126.

([2]) للاطلاع على التفاصيل انظر: الإمام الخميني، تحرير الوسيلة 2: 268.

([3]) دائرة معارف إنكارتا، مقال (Breast).

([4]) https://www.hormone.org/diseases-and-conditions/hyperprolactinemia

([5]) انظر: فاضل اللنكراني، جامع المسائل فارسي (جامع المسائل باللغة الفارسية) 1: 407. (مصدر فارسي).

)[6]) https://goaskalice.columbia.edu/answered-questions/i-want-breastfeed-my-partner.

)[7]) html553/p0801/2004https://www.aafp.org/afp/.

)[8]) https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/galactorrhea/symptoms-causes/syc-20350431.

وللمزيد من الاطلاع انظر أيضاً:

https://www.mayoclinic.org/healthy-lifestyle/infant-and-toddler-health/expert-20058403answers/induced-lactation/faq.php322904https://www.medicalnewstoday.com/articles/

([9]) Galactorrhea.

([10]) انظر: الآخوند الخراساني، كتاب الرضاع: 7.

([11]) الشيخ الطوسي، الخلاف 5: 108.

([12]) انظر: السرائر الحاوي 2: 520؛ شرائع الإسلام 2: 226؛ قواعد الأحكام 3: 21؛ مسالك الأفهام 7: 207؛ الحدائق الناضرة 23: 323؛ وغيرها من المصادر الأخرى.

([13]) انظر: الشبيري الزنجاني، كتاب النكاح 14: 4603.

([14]) فخر المحقّقين، إيضاح الفوائد في شرح مشكلات القواعد 3: 45.

([15]) السرخسي الحنفي، المبسوط 30: 295.

([16]) القرافي المالكي، الذخيرة 4: 270.

([17]) الشافعي، الأمّ 5: 32.

([18]) ابن قدامة، المغني 8: 180. في حين أن أبا الخطاب الكلوذاني البغدادي(510هـ) ـ وهو على مذهب ابن قُدامة ـ قال في كتابه (الهداية على مذهب الإمام أحمد: 491): «وإذا ثاب للمرأة لبن من غير حمل تقدَّم، فأرضعت به طفلاً، لم تحرم عليه». وقد علّق محقِّقا كتاب الهداية (عبد اللطيف الهميم وماهر ياسين الفحل) على هذا الكلام في حاشيتهما، قائلين: «في هذه المسألة روايتان. قال ابن أبي موسى: أظهرها أنه رضاعٌ، وكونه لا ينشر الحرمة هو المنصوص، والمختار للقاضي وعامّة أصحابه؛ والأخرى أنه ينشر الحرمة».

([19]) جاء في كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية 22: 242: «ذهب الجمهور، وهو روايةٌ عند الحنابلة، إلى أنّه لا يشترط لثبوت التحريم بلبن المرأة أن يتقدَّم حملٌ. فيحرِّم لبن البكر التي لم توطأ ولم تحبل قطّ؛ لعموم قوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾؛ ولأنّه لبن امرأةٍ، فتعلّق به التحريم. والمنصوص عن أحمد، وعليه المذهب، أنّ لبن البكر لا ينشر التحريم؛ لأنّه نادرٌ لم تجْرِ العادة به للتغذية».

([20]) سيّد سابق، فقه السنّة 2: 77.

([21]) ابن قدامة، المغني 8: 180.

([22]) السرخسي الحنفي، المبسوط 30: 295.

([23]) القرافي المالكي، الذخيرة 4: 270.

([24]) ابن قدامة، المغني 8: 180.

([25]) القمّي السبزواري، جامع الخلاف والوفاق: 430.

([26]) ويبدو أن الشيخ الطوسي في المبسوط ـ الذي هو من آخر كتبه الفقهية ـ قد انحسرت عنه تلك الصراحة والقطع المذكور في كتابَيْه النهاية والخلاف؛ إذ قال: «إذا نزل للبكر أو الثيب لبنٌ، ولا زوج لها، فأرضعت بلبنها مولوداً العدد المحرِّم، قال المخالف: ينشر الحرمة بينهما، وصارت أمّه، وصار ابناً من رضاعٍ للأمّ، ولا أب له؛ لأن اللبن للمرأة خلق غذاءً للآدمي يحمل على الأغلب، ويقوى في نفسي أنه لا حكم له، لأنه لا دليل عليه؛ ولما قلناه أوّلاً». (الطوسي، المبسوط في فقه الإمامية 5: 314).

([27]) الكليني، الكافي 5: 446، ح12. كما نقلت هذه الرواية في كتاب مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 479 أيضاً.

([28]) نقلاً عن كتاب النكاح للزنجاني 14: 4601؛ وانظر أيضاً: الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 479، ح4682.

([29]) تهذيب الأحكام 7: 325 (تحقيق: الخرسان).

([30]) انظر: أنوار الفقاهة، كتاب النكاح: 465.

([31]) انظر: السيد الخوئي، معجم رجال الحديث 19: 56، الترجمة رقم 12808.

([32]) انظر: المصدر نفسه.

([33]) تهذيب الأحكام 1: 469، ح184.

([34]) للمزيد من الاطلاع انظر أيضاً: توضيح هامش سند هذه الرواية في البرامج المرنة دراية النور.

([35]) انظر: موسوعة أحكام الأطفال وأدلّتها 1: 264.

([36]) الكليني، الكافي 5: 440.

([37]) انظر: الطوسي، الخلاف 5: 108. هذا في حين أن الشيخ الطوسي في كتاب المبسوط 5: 314 ـ الذي ألَّفه بعد كتاب الخلاف ـ قد أثبت الحكم بعبارة: «ويقوى في نفسي أنه لا حكم له؛ لأنه لا دليل عليه»، وليس فيه إشارةٌ إلى الإجماع.

([38]) انظر: ابن زهرة، غنية النـزوع: 336.

([39]) انظر: ابن إدريس، السرائر 2: 520.

وعلى الرغم من أن القاضي ابن البرّاج قد سبقهما في المهذَّب 2: 190 في تناول هذه المسألة تحت عنوان: «ما يحرم من النكاح بالرضا وما لا يحرم»، إلاّ أنه لم يدَّعِ الإجماع عليها (ورُبَما يعود السبب في ذلك إلى أن كتاب المهذَّب إنما هو كتابٌ فتوائي، وليس كتاباً استدلالياً).

([40]) النجفي، جواهر الكلام 29: 264.

([41]) فهمٌ لكلمات الأستاذ السيد حسن الخميني في درس خارج الفقه.

([42]) انظر: بلال شاكري، بازخواني حجِّيت إجماع مدركي (إعادة قراءة حجِّية الإجماع المدركي). (مصدر فارسي).

([43]) الزنجاني، كتاب النكاح 14: 4604.

([44]) انظر: نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغرّاء 1: 262.

([45]) انظر: رياض المسائل 11: 129؛ جواهر الكلام 29: 264؛ وأنوار الفقاهة (حسن بن جعفر كاشف الغطاء)، كتاب النكاح: 54.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً