أ. محمد رضا الحكيمي(*)
يتَّفق علماء المعقول والمنقول على أنه إذا بلغنا حديثٌ معتبر عن المعصوم× في مسألةٍ ما كان ذلك الحديث مقدَّماً على جميع الكلمات الأخرى ـ أيّاً كان قائلها ـ، ويكون الالتزام به واجباً بضرورة العقل. وإن تمثيل المعصوم× في حكم «القياس البرهاني» ذي المقدّمات «الأولية» (دون النظرية).
يقول المولى عبد الرزّاق اللاهيجي(1072هـ) في هذا الشأن: «إن المقدمات المأخوذة من المعصوم بواسطة التمثيل بمنزلة الأوّليات في القياس البرهاني. وحيث يكون القياس البرهاني مفيداً لليقين فإن الدليل المؤلَّف من المقدّمات إذا كان مأخوذاً من المعصوم يفيد اليقين أيضاً، بتقرير أن هذه المقدّمة من كلام المعصوم، وكلّ ما يقوله المعصوم فهو حقٌّ، إذن هذه المقدّمة حقٌّ»([1]).
ومن الواضح أن السبب في ذلك يعود إلى أن منشأ علم المعصوم× هو «العلم الإلهي» و«اللوح المحفوظ» و«الكتاب المكنون»، وإن عقل المعصوم عقلٌ كلّي، وليس عقلاً جزئياً، مثل: عقول سائر البشر (الذي يحصل عليه الناس بنِسَبٍ متفاوتة، بمَنْ فيهم الفلاسفة والعرفاء). وإن علم المعصوم علمٌ أوّلي لا يتطرّق إليه الخطأ (فليس هو من قبيل: العلم النظري أو الكشفي الارتياضي، الذي يكتسبه الناس، ويكون في كلا الموردين عرضةً للتعارض والاختلاف، ولا يصل إلى مرتبة «العلم الأوّلي» أبداً. وهذا فيما لو كانت المسألة محطّ إجماع في هذه العلوم؛ وإلاّ فإنّ حالة اختلاف الأدلة وتعارض البراهين، وتنافي وتقابل الكشوف، سيؤدّي إلى التقليل من اعتبار ذلك).
وقال فيلسوف عصره المير السيد أبو القاسم الفندرسكي(1050هـ) في هذا الشأن: «قد يخطئ الفلاسفة في العلم والعمل، ولكنّ الأنبياء معصومون عن الخطأ، وإن طريق الفلاسفة إلى العلم بالفكر والعمل، أمّا الأنبياء فطريقهم إلى العلم هو الوحي والإلهام، ولا يعلمون الأشياء بإجالة الفكر، فما كان بالنسبة إلى الفلاسفة نظرياً هو بالنسبة إلى الأنبياء بديهيٌّ وأوّلي. ومن هنا كان الأنبياء لا يخطئون، والفلاسفة يخطئون؛ إذ لا يَرِدُ الخطأ في البديهيات، وإنما يَرِدُ الخطأ في النظريات»([2]).
وعلى هذا الأساس ـ أي الأساس العقلي ـ نرى الفلاسفة الإسلاميين، بالإضافة إلى العلماء في مختلف مجالات الفقه والتفسير والحديث والأخلاق والكلام وما إلى ذلك، ينقلون الروايات والأحاديث [المأثورة عن المعصومين] في مؤلَّفاتهم وأبحاثهم، ويستندون إليها، ويستشهدون بها، ويستدلّون بها على إثبات أو تأييد آرائهم في المسائل التي يبحثونها، وينظرون إلى مضامين الأخبار بتقديسٍ واحترامٍ بالغين، كما نشاهد هذه الظاهرة في أعمال ابن سينا، والميرداماد، وصدر المتألِّهين الشيرازي، والحاج المولى هادي السبزواري، والآغا عليّ المدرّس (الحكيم)، وغيرهم. وهذا الأمر من الوضوح بحيث لا نحتاج معه إلى المزيد من التوضيح والبيان.
هناك الكثير من الأقوال في ما يتعلَّق بالعدالة ومفاهيمها ومصطلحاتها بين العلماء، وكذلك ارتباطها بـ «الحرّية» و«المساواة» وما إلى ذلك من الأبحاث، وكذلك أقسام العدالة ومنشأ كلّ واحدٍ منها، وطرق تحقُّقها… وفي هذا المقال لسنا في وارد التعرُّض لهذه الأقوال ونقلها ونقدها وتقييمها وتعيين حدودها وموارد التداخل فيما بينها، وإنما الذي نعتزم التطرُّق إليه في هذا المقال ـ وإنْ على نحو الاختصار ـ هو بيان أحد أهمّ أقسام العدالة، وهي: العدالة المعاشية والحياتية (وبعبارةٍ أخرى: العدالة الاقتصادية)، حيث لا شَكَّ في التأثير العميق لهذا النوع من العدالة في جميع الشؤون المادّية والمعنوية من حياة الإنسان، وكذلك تعليمه وتربيته وتكامله «الإلهيّ / الإنسانيّ».
لقد قيل الكثير بشأن «العدالة المعاشية والحياتية»، وقدَّم المفكِّرون والمتخصِّصون، من جميع بقاع العالم، وفي مختلف مراحل التاريخ الماضي والحاضر، ومن مختلف المدارس والمذاهب، وفي مناسبات متنوِّعة، الكثيرَ من الآراء والتعريفات. بَيْدَ أنّي في هذا المقال أروم التعرُّض إلى تعريفٍ للعدالة تمّ تجاهله وهجرانه، وهو التعريف المنقول عن إمامين من أئمّة أكثر المذاهب ظُلامةً في كافّة مراحل التاريخ البشري، وهو تعريفٌ موجود في المتناول، وأدعو جميع المفكِّرين والمحقِّقين والباحثين عن العدالة والثوريين في العالم، مهما اختلفت آراؤهم، إلى التدقيق في الأبعاد العظيمة والأعماق العجيبة لهذا «التعريف» الواقعي، حتّى إذا وجدوه من أسمى التعاريف الإنسانية والأخلاقية والثورية التي قرأوها حول «العدالة المعاشية والاقتصادية» في حياة الإنسان لا يقصِّرون في العمل على نشره في كافّة أنحاء العالم، وبجميع اللغات؛ تقديراً لجميع القِيَم الإنسانية، ووفاءً لجميع التضحيات البشرية، وعليهم أن يجعلوه نصب أعينهم بوصفه هو المِلاك والمعيار في إطار «القضاء على الفقر في العالم»، وذلك من خلال الدعوة إلى ثوراتٍ تصحيحية كبرى، وأن لا يكلّوا ولا يملّوا في كفاحهم المتواصل من أجل تحقيق هذه الغاية السامية.
وهذا التعريف عبارةٌ عن جملةٍ مقتضبة، لا يتجاوز عدد كلماتها الستّة، مأثورةٍ ـ بسندٍ معتبر ـ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق×؛ إذ يقول: «إن الناس يستغنون إذا عُدِل بينهم»([3]).
إن هذا «التعريف» قد تعرَّض بشكلٍ عجيب إلى التجاهل والغفلة من قِبَل عموم المسلمين، ولا سيَّما أتباع الأئمّة المعصومين الأطهار^، حتّى طواه النسيان. حتى أنهم إذا تحدَّثوا عن العدالة أو كتبوا حولها، أو إذا تناولها المحقِّقون والمنظِّرون بالبحث والتنقيب، لا نجدهم يشيرون إلى هذا التعريف من قريبٍ أو بعيد. وهذا إنْ دلّ على شيءٍ فإنما يدلّ على عمق المظلومية الكبيرة التي تعرَّض لها الأئمة الأطهار^ وتعاليمهم الوضاءة.
وتتجلّى ذروة هذا التعريف (بغضّ النظر عن أعماقه الإلهية، وأبعاده الإنسانية، وكذلك بيانه لـ «المراد الإلهيّ» من إقامة القسط وتطبيق العدل في آيات القرآن الكريم والسنّة النبوية) في واقعيّته وعينيّته، بمعنى أن هذا التعريف لا ينطوي على أيّ «تعميم» أو «نزعة ذهنية مجرّدة»، وإنما يعبِّر عن واقعية عينية وخارجية ملموسة، وهو من الصراحة والوضوح والمباشرة بحيث يمكن لكلّ شخصٍ أن يفهمه، مهما كان بسيطاً في مستواه العلمي.
ولحسن الحظّ فإن هذا الحديث الشريف والعظيم قد رُوي في كتابٍ معتبر، مثل: كتاب «الكافي»، وإنْ كان مضمون هذا الحديث (الذي لا يمكن أن يصدر إلاّ عن علمٍ جامع وواقعيّة لا تتوفَّر إلاّ عند المعصوم×، وإلهيّة تعاليم المعصومين المفعمة برعاية جانب الخلق، أي عباد الله المخلصين) يغنيه عن الحاجة إلى أيّ سندٍ، فهو واضح الصدور عن الإمام المعصوم.
وعلينا أن ندرك أن هذه المسألة المطروحة في هذه المعلومة الإلهية الكبرى تستنبط أيضاً من عشرات الآيات والأحاديث الأخرى، بل يستفاد ذلك من بعضها صراحةً([4]). ولكنْ، بالإضافة إلى ما ذُكر، هناك حديثٌ آخر مرويّ عن الإمام موسى الكاظم×؛ إذ يقول: «إن الله لم يترك شيئاً من صنوف الأموال إلاّ وقد قسَّمه، وأعطى كلّ ذي حقٍّ حقَّه، الخاصّة والعامة والفقراء والمساكين، وكلّ صنفٍ من صنوف الناس، فقال: لو عدل في الناس لاستغنوا»([5]).
وعلى الرغم من أن ظاهر هذين الحديثين يُفْهَم منه العدالة الاقتصادية والمعاشية، ولكنْ رُبَما أمكن إسناد المضمون العيني لهذين الحديثين إلى جميع أقسام العدالة؛ إذ التعبير بـ «إن الناس» و«إذا عُدِل بينهم» يشمل الصور الأخرى للعدالة أيضاً؛ وذلك لأن إقامة العدالة وتطبيقها بالشكل الصحيح ـ بحيث تنتشل المجتمع من أذرع أخطبوط الفقر ـ يجب أن تقوم على دعائم متينة ومنيعة. ولن تبنى هذه الدعائم المتينة إلاّ من خلال «بسط العدالة» في جميع الأبعاد الاجتماعية الأخرى. وبعبارةٍ أخرى: ما لم يتمّ تحقيق العدالة السياسية والعدالة القضائية والعدالة الاجتماعية في المجتمع وفي حياة الناس، وما لم يتمّ قطع أيدي المتنفِّذين اقتصادياً عن امتلاك الأموال الطائلة والتصرُّفات المترفة، لن يُكْتَب التحقُّق للعدالة المعاشية في حياة الجماهير؛ إذ الجمع بين الضدّين مستحيلٌ، فلا يمكن أن يكون هناك تكاثرٌ وتكون هناك عدالة في الوقت ذاته. وهناك كلامٌ قاطع وحاسم لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب× في هذا الشأن؛ إذ يقول: «لا يحمل الناس على الحقّ إلاّ مَنْ ورَّعهم عن الباطل»([6]).
إن هذا التعليم القاطع يمثِّل صرخة الحقيقة والواقعية في ذات اللحظات، وطوفان الحقيقة في تبلور الآفاق… أجل، كيف يمكن إعادة الناس إلى طريق الحقّ إذا كانوا يسيرون نحو الباطل؟ إن الخطوة الأولى تتمثَّل في نبذ الباطل، ثمّ الإقبال بعد ذلك على الحقّ. إن التكاثر والتَّرَف في الحياة والمعيشة «باطل»، والعدالة وتمتُّع الجميع بمواهب ونِعَم الحياة والمجتمع «حقٌّ»، وما لم يتمّ القضاء على الباطل (المتمثِّل بالتكاثر والتَّرَف) لا يمكن استبدالهما بالحقّ (المتمثِّل بالعدل والإنصاف). وإن هذا الإعلان ـ كما تقدَّم ـ كلامٌ تربويّ وحكمةٌ عملية تدعو إلى التعالي من شخص الإمام، الذي يمثِّل تجسيداً حيّاً للعدل والحقّ، وهو كلامٌ لا مثيل له في التربية الاجتماعية، وبناء المجتمع القرآني، وتثبيت الناس، وتنظيم حياة الإنسان، ونشر ثقافة التربية في آفاق حياة البشر، بمعنى أنه لا يمكن سلوك طريقٍ آخر، واستبداله بأمرٍ آخر، وبلوغ ذات الهدف (المتمثِّل بالقضاء على الظلم والباطل، وبسط العدل والحقّ). ومن الواضح أن العمود الفقري للحياة السالمة والقابلة للبقاء والاستمرار في كلّ مجتمعٍ يتجسّد في تطبيق العدالة.
ويتمّ تأييد هاتين الروايتين المأثورتين عن الإمامين الصادق والكاظم’ ـ المشتملين على الأقسام الأخرى من العدالة بشكلٍ وآخر ـ بحديثٍ آخر ـ لا يقلّ عنهما عظمةً ـ في إثارة مكامن الوجدان وإيقاظ الضمائر، وهو ناظرٌ إلى ذات الموضوع، وسوف نذكره في هذه المقالة، بعد ذكر هذه المقدّمة:
إنني لست غافلاً عن بعض نظريات المفكِّرين في الشرق والغرب، قديماً وحديثاً، والمنظِّرين في مجال الحقوق وعلماء الاجتماع والاقتصاد أيضاً. ويمكن لي أن أذكرها في كتاباتي. وجميع ملاكاتها متوفِّرة للجميع، وهم يعكفون على دراستها. بَيْدَ أنني أسعى؛ انطلاقاً من الشعور بالتكليف، إلى أن أكتب شيئاً محدَّداً ـ وليس أموراً أو أهدافاً أخرى ـ. ومن هنا (بغضّ النظر عن الأصل الهامّ الذي أشرتُ إليه في مستهلّ هذا البحث حول القيمة القطعية لتعاليم المعصومين^ بشأن المعرفة والهداية والنجاة والتربية) فإني أتناول ـ في هذه الأبحاث والكتابات ـ الأحاديث والروايات الشريفة بالذكر من ثلاث جهات، وهي:
1ـ إن الغفلة عن هذا النوع من الأحاديث والروايات التي تمّ تجاهلها أكثر من غيرها، والتي لا يتمّ إخضاعها للتدقيق والتأمُّل بشكلٍ مناسب، تفرض حتّى على الفضلاء والأساتذة والفقهاء والعلماء والمفكِّرين والمؤلِّفين، من الشيعة والإيرانيين المعاصرين، من الذين يشعرون بحاجة العالم البشري ـ وليس الثوريين فقط ـ إلى هذه الحقائق، والذين يجب أن يكونوا (على حدّ تعبير الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء÷): هم «بلغاؤه إلى الأمم»، أن يعملوا في كتاباتهم وكلماتهم وأبحاثهم وتحقيقاتهم ودراساتهم على إيصال جميع هذه الحقائق إلى أسماع العالمين، أو طلاب الحقيقة والعدالة والمتخصِّصين في هذا النوع من المسائل، والخبراء في المشاكل البشرية، وأصحاب الأهداف الثورية بين الشعوب، في الحدّ الأدنى.
2ـ وحشة وغربة فئات من الشباب والمحرومين والمستضعفين في المجتمعات المسلمة، من غير المطَّلعين على هذه الأحاديث والروايات ذات البُعْد الإنسانيّ العميق. والذين رُبَما يُفْتَنون ـ في خضمّ الأحداث ـ بفقدان أكثر الجواهر قيمةً في الحياة الإنسانية والثروة الأبدية ـ وأعني بذلك الثبات في السلوك على (الإيمان والعمل الصالح) ـ لا قدَّر الله ذلك، فليس هناك ضلالٌ أبعد من هذا الضلال.
3ـ الضرورة التكليفية لنشر هذه التعاليم والحقائق؛ كي يدرك الناس ـ من جميع الطبقات ـ أن تعاليم المعصومين^ (التي يمثِّل اتّباعهم الفصل المقوِّم لمعتقدات الشيعة على أساس المباني القرآنية والديانة المحمدية والاستمرارية الفاطمية والتعاليم العلويّة والجعفريّة) تحتوي على حقائق هامة ومعارف مجهولة، والتي تُعَدّ اللحظة الراهنة هي اللحظة المُثْلى لبيانها والكشف عنها؛ حيث يرى مجتمعنا نفسه منتمياً إلى تعاليم المعصومين^. ولا شَكَّ في أن نشر هذه التعاليم والروايات بين الجماهير ـ ولا سيَّما بين جيل الشباب والمثقَّفين من مختلف شرائح المجتمع ـ ينطوي على الكثير من الفوائد، ومنها:
1ـ الحفاظ على الحيثية المتعالية لدين الله، وصيانة هيمنة قِيَمه «الإلهيّة ـ الإنسانيّة» المتعالية.
2ـ استقامة المسلمين على الإيمان والعمل الصالح، من خلال الاطلاع على أبعاد تعاليم الدين والقيم الحيوية لهذه التعاليم.
3ـ إحياء الذهنية المطالِبة بالعدالة في المجتمع الإسلامي، واعتبار ذلك تكليفاً ـ كما هو كذلك قطعاً ـ؛ كي يكون الجميع وعلى الدوام من الساعين إلى تحقيق العدالة، وأن يصنعوا المستحيل من أجل تحقيق هذه الغاية.
4ـ إقبال غير المسلمين من المنصفين على الإيمان بهذه التعاليم والقِيَم، والاستفادة من الحقائق النافعة في دين الله.
5ـ يأس الأعداء والمخالفين من إضعاف إيمان الناس، ولا سيَّما الشباب منهم.
6ـ انتساب البعض ـ من أجل تطبيق العدالة ـ إلى طلوع الفجر، واعتبار بزوغ الشمس والاستيقاظ من نوم الغفلة، وتشعشع دماء الشهداء ـ الذين لا يزال المجتمع يبادر من حينٍ لآخر إلى تشييع الآلاف منهم ـ رسالةً صريحة ومدوية.
يمكن لنا أن نذكر بعض الإيضاحات بشأن كلّ واحدٍ من هذه الفوائد الستّة الهامة، ولكنّنا نعرض عن ذلك؛ رعايةً للاختصار. ونكتفي بذكر توضيحٍ مقتضب بشأن الفائدة الثانية (استقامة المسلمين على الإيمان والعمل الصالح)؛ إذ تمسّ الضرورة إلى ذلك.
إن الاهتمام بالحفاظ على القواعد الإيمانية والأصول الاعتقادية للناس ـ ولا سيَّما أجيال الشباب ـ من أهمّ التكاليف. ولرُبَما تحقَّق هذا التكليف في بعض الأحيان من طريق التأليف والكتابة، بمعنى أن يكون لبعض الكتب والمقالات تأثير في الحفاظ على إيمان الناس ومعتقداتهم (ولا سيَّما تلك الفئة من الشباب أو الأشخاص الذين لا يعلمون الشيء الكثير عن حقائق الدين وتعاليم المعصومين^ ومطالب هؤلاء العظام في تربية الفرد وبناء المجتمع وتطبيق الإسلام، ويتعرَّضون إلى الأفكار السامّة التي تضعف الإيمان)([7]).
روى شيخُ محدِّثي الشيعة أبو جعفر الصدوق(381هـ)، في كتاب «إكمال الدين»، حديثاً ـ بسندٍ [معتبر] ـ عن الإمام جعفر الصادق×، عن آبائه^، عن النبيّ الأكرم|، أنه قال للإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب×: «يا عليّ، أعجب الناس إيماناً، وأعظمهم يقيناً، قومٌ يكونون في آخر الزمان، لم يلحقوا النبيّ|، وحجب عنهم الحجّة، فآمنوا بسوادٍ على بياض»([8]).
من الواضح أن المراد من «سواد على بياض» هو الكتاب. ويحتمل قويّاً أن تكون «الباء» في كلمة «بسواد» لبيان «السببية»، بمعنى أن السبب في إيمان الناس والثبات والاستقامة على معتقداتهم الدينية هي الكتب الدينية الصحيحة. وبهذا يكون هذا الحديث الشريف معجزةً في حدّ ذاته؛ وذلك لأنه يرسم وصفاً دقيقاً لـ «عصر الغيبة» قبل حدوثه بأكثر من ألف وأربعمائة سنة.
وهل هناك كتبٌ يمكنها أن تقوم بمثل هذه الغاية، وعلى حدّ تعبير «طاغور»([9]): «أن تقوم بمهمة الشمس في حلكة الليل»؟! وتبقي على شعلة الإيمان مشتعلة في أفئدة الناس. آمل أن يتمّ تأليف الكثير من هذه الكتب، وأن يتمّ وضعها تحت تصرُّف الشباب بأسعار زهيدة، وأن تشتمل على المواصفات التالية:
1ـ أن يكون مؤلِّفوها من المؤمنين والمخلصين والعلماء الصالحين، والعالمين بجميع الأصول الأولى، من تعاليم الإسلام والسيرة العملية للنبيّ الأكرم| والأئمة المعصومين^، وأن يكونوا من العارفين بمقتضيات عصرهم.
2ـ أن يتَّبعوا أسلوباً متناسباً مع ذائقة الإنسان المعاصر والحياة الراهنة (والحياة المحسوسة).
3ـ أن يستندوا بشدّةٍ إلى حقائق الكتاب والسنّة ـ اللذين هما بصريح كلام النبيّ الأكرم| في حديث «الثِّقْلين» المتواتر ـ بوصفهما حبلين متينين في تربية وهداية الإنسان نحو السعادة.
ويجب أن تضطلع هذه الكتب بتعريف القِيَم الإسلامية المتعالية بشكلٍ صحيح وجامع وخالص، وبشكلٍ موثَّق، وعلى مختلف الأبعاد، كما سبق أن أشرنا؛ وأن يتمّ التعريف بذات الإسلام وحقائق تعاليمه ـ سواء الوارد منها في القرآن أو السنّة؛ إذ هما لا يفترقان ـ على أساس فهم عاقل وإدراك فقيه؛ وأن يتمّ العمل على التمييز بين الأمور؛ كي لا يشكِّل ذلك ذريعةً بيد الأعداء الأذكياء والأصدقاء الأغبياء؛ للإضرار بالإسلام.
وأما ذلك الحديث ـ الذي قلتُ: إنّه مهمٌّ وإنه عظيمٌ أيضاً، والذي قلتُ: إني سأذكره بعد ذكر مقدّمةٍ كتأييد لارتباط مختلف أنواع العدل ببعضها، والذي يثبت ضرورة تحقُّق سائر أقسام العدالة لتحقيق «العدالة المعاشية»، فهو الحديث المأثور عن الإمام موسى الكاظم×، وهو قوله: «لا يعدل إلاّ مَنْ يُحْسِن العدل»([10]).
يمكن شرح هذا الحديث بأحد وجهين؛ الأوّل: «لا يمكن لشخصٍ أن يطبق العدل إلاّ إذا أمكن له القيام بذلك على أحسن وجه»؛ والثاني: « لا يمكن لشخصٍ أن يطبّق العدل إلاّ إذا كان يعرف العدل على أحسن وجه». وعلى كلا الشرحين تكون دلالة هذا الحديث الشريف واضحةً جداً»؛ إذ على كلا التقديرين لا تختلف الأهمّية الجوهرية لمفهومه التعليمي والتربوي البنّاء:
ـ فالذي لا يطبق العدالة على أحسن وجهٍ (ويبدي في تطبيق العدل ضعفاً أو محاباة أو خوفاً من الذين لا يحبّون العدالة…) لا يمكنه أن «يطبِّق العدالة».
ـ والذي لا يدرك العدالة على أفضل وجه، ولا يستطيع أن يدرك أبعادها، ولا يمتلك عنها تصوُّراً كاملاً وصحيحاً، ولا يستطيع فهم الإنسان الذي يمثِّل الغاية والهدف من تطبيق العدالة (وكان غافلاً عن «الحياة الملموسة»، وغير مدرك للآثار المدمِّرة للاستضعاف والفقر المدقع)، لا يمكنه أن «يطبِّق العدالة». وهذا يعني باختصارٍ أن تطبيق العدالة مسألةٌ معقَّدة وأمرٌ صعب، ويحتاج إلى «بناء النفس»([11]).
وفي ما يلي سنعمل ـ من باب التيمُّن ـ على شرح هذه الأحاديث، من خلال ذكر الأمور التالية:
الأمر الأوّل: إن المجتمع الديني هو المجتمع الذي تتوفَّر فيه مقتضيات الرقيّ، وتغيب فيه موانعه. وهذا أبسط تعريف يمكن تقديمه للمجتمع الديني والقرآني. ولا يخفى أن الأصل الفذّ لتوفير مقتضيات الرقيّ والازدهار في المجتمع هو تطبيق العدالة. إن المجتمع الذي يفتقر إلى السلامة النفسية لا يمكنه الارتقاء. وإن السلامة النفسية إنما تكون حيث يكون أفراد المجتمع والأُسَر بمنجىً من «الاضطراب» و«الإخفاق» و«التعارض». وإن رفع الاضطراب النفسي (الذي هو أسُّ الأمراض والآفات، وسببه وجود النزاعات التي تقضي على الهدوء الروحي للناس) والإحباط (عدم بلوغ الغايات والابتلاء بأنواع الحرمان) والتعارض (والخيارات المفروضة) رهنٌ بتطبيق العدالة.
الأمر الثاني: إن أهمّية كلّ مدرسة رهنٌ بالإمكانات التي يمكن أن تقدِّمها لازدهار الناس ورقيِّهم. وفي العالم المعاصر ـ على الرغم من الابتعاد عن الآفاق التربوية الصحيحة ـ هناك مزيدٌ من الاهتمام بالجانب التربوي. لقد اهتمّ الإسلام منذ البداية بهذه الحقيقة الهامّة جدّاً، وشجب موانع الارتقاء، واعتبرها محرَّمة؛ كي يتمكَّن من التأسيس للتربية الصحيحة في المجتمع.
الأمر الثالث: إن أوّل مانعٍ أمام الارتقاء المعنوي للإنسان ـ الذي هو المصدر الرئيس للرقيّ الإنساني الكامل للبشر ـ هو الشِّرْك، ثم الظلم. ومن هنا نجد كلا هذين الأمرين في التعاليم الدينية، بوصفهما ركنين من أركان شعارات الهداية والتوجيه، كما في قوله تعالى:
1ـ ﴿اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ (الأعراف: 85)([12]).
2ـ ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ﴾ (الأعراف: 85).
الأمر الرابع: إن مشكلة المدارس بعد الحصول على السلطة تكمن في عدم الفهم الصحيح للمدرسة وتطبيقها بشكلٍ صحيح. ومن هنا فقد تمّ التأكيد كثيراً على الفهم الصحيح للدين و«التفقُّه في الدين»؛ ليكون ذلك مقدّمةً لتطبيقه بشكلٍ صحيح. إن «التفقُّه» لا يعني علم الفقه المصطلح ودراسته، بل بمعنى الفهم الصحيح والجامع والخالص المرتبط بالدين وأبعاده. يقول الإمام عليّ بن أبي طالب×: «أيها الناس، لا خير في دينٍ لا تفقُّه فيه»([13]).
أجل، إن الدين الذي لا يُفْهَم بشكلٍ جيد، والتديُّن الذي لا يكون عن بصيرة، لن يؤدّي إلى أيّ خيرٍ أو بركة وسعادة، لا للفرد ولا للمجتمع. وفي ما يلي نذكر بعض الأشكال الناشئة عن فهم الدين بشكلٍ خاطئ:
1ـ الفهم الرجعي للدين.
2ـ الفهم الالتقاطي للدين.
3ـ الفهم المنحرف للدين.
4ـ الفهم المجتزئ للدين (من قبيل: فهم أحكام الدين، دون فهم غاياته، مثل: فهم أحكام الملكية، مع غضّ الطرف أو تجاهل أصل العدالة).
5ـ الفهم الارستقراطي للدين (فهم الدين في ضوء الرؤية الرأسمالية والتَّرَف وتكديس الثروة، الذي يقضي على جميع فرص العدالة، وارتقاء الأشخاص، وبالتالي فرص التديُّن الجوهري للناس والشباب).
الأمر الخامس: كما أن لفهم الزمان أهمّية قصوى من أجل توفير مقتضيات الرقيّ الإنساني للإنسان، والوصول إلى تربية الإنسان أيضاً؛ وذلك لأن العلماء والتربويين الذين يعرفون زمانهم لا تهجم عليهم مختلف أنواع اللوابس([14])، وبذلك فإنهم يتمتَّعون بالحصانة، ويتمكَّنون من صيانة المجتمع وتحصينه. وإن هذا النوع من العلماء والتربويين لا يتأثَّرون بالتيارات المناهضة للعدالة، ويشيدون بالقِيَم القرآنية.
الأمر السادس: إن معرفة الإنسان بشكلٍ صحيح، وكذلك منزلته وقيمته وكرامته الإنسانية، تلعب دَوْراً هامّاً من أجل تحقيق التربية والعدالة. إن المعرفة الدينية للإنسان هي ما ورد في كلام أمير المؤمنين عليّ× في «عهده إلى الأشتر النخعي»؛ إذ يقول: «فإنهم صنفان: إما أخٌ لك في الدين؛ وإما نظيرٌ لك في الخلق»([15]). فلا يجب احتقار أيٍّ منهما.
وقد تحدَّث الإمام عليّ× في موضعٍ آخر بشأن الحكومة الإسلامية، قائلاً ما معناه: «حكومة لا يظلم فيها مسلم أو غير مسلم»([16]).
الأمر السابع: في الأجواء الدينية يتحدّث الجميع ـ سواء كانوا من أهل الدين أو الدنيا ـ عن الدين، ويسعَوْن إلى الأعمال الدينية. إن أكبر الأضرار التي تلحق بالدين، والكوارث التي تقع، إنما تأتي من هذه الناحية؛ لأن أصحاب الدنيا يمنعون تطبيق العدالة. وحيث يرافقون أهل الدين فإنهم يَحْرِفون مسارهم عن تطبيق العدالة بالشكل الصحيح والدقيق، وحيث إنهم إنما يقومون بذلك عبر تغطيته بغطاءٍ ديني وباسم الدين، ويدفعون بعض الأثمان للحصول على بعض المكاسب، ويتحيَّنون الفُرَص، ويتسلَّلون لاحتلال المناصب المؤثِّرة، يعملون على تغيير اتجاه الدين، ويبطلون التوجهات القرآنية، ويقضون على مادّة الإسلام، وبالتالي يدفعون بالأجيال الواعية إلى اليأس والإحباط. ولو عمد بعض الأشخاص في البين إلى تجاهل أو نسيان العلل ـ وإنْ كان ذلك منهم عن إيمانٍ وتعهُّد وإخلاص ـ، وسعى إلى البحث عن علاجٍ للعلل، يكون قد عمل على تثبيت العلل.
الأمر الثامن: إن كلّ مَنْ يلغي وجود الله من حياة الإنسان يثبت أنه لا يعرف الإنسان. وكلّ مَنْ لا يعير أهمية للعدالة لا يعرف معنى الحياة. وكل مَنْ لا يعرف معنى الحياة لا يعرف غاية الإنسان في الحياة. إن المعرفة الجامعة والكاملة عن الإنسان والحياة والغاية من الحياة هي ذات معرفة الأنبياء الذين ورد التعريف الأكمل بهم في تعاليم القرآن الكريم والسنة المطهّرة. وما لم تتوفَّر هذه المعرفة لا يمكن القيام بشيء من أجل الإنسان، وهدايته إلى مسار «الرقيّ والتعالي»؛ إذ من الواضح أنه ما لم يتمّ التعرّف على الإنسان لا يمكن التعرّف على الطريق الذي يجب أن يسلكه، والغاية التي ينبغي أن يصل إليها أيضاً. إذن من دون التعرُّف على الإنسان تبقى الحياة مجهولة أيضاً، ولا تتّضح الاحتياجات الإنسانية المتنوِّعة للإنسان بشكلٍ صحيح، ويتمّ استبدالها بالاحتياجات الكاذبة، ويسود الاختلاف والمحاباة والعنصرية المخالفة لمعرفة الإنسان ومشاكل الإنسان (والتي تشجبها وتستنكرها التعاليم الإسلامية على الدوام)، وتجعل فضاء الحياة ملبّداً بالسحب السوداء والقاتمة.
وعلى هذا الأساس ـ كما ورد في الأمر السادس ـ يجب العمل على معرفة الإنسان أوّلاً (أي يتمّ التعرف عليه من خلال المعرفة الإنسانية القرآنية)، وتتّضح الإجابة عن الأسئلة التالية:
1ـ لماذا جاء إلى الأرض؟
2ـ ما هي المرحلة التي تمثِّلها هذه الحياة من مراحل وجوده؟
3ـ ما هو المراد من العبور من هذا الممرّ والمنزل والمرحلة؟
4ـ ما هي احتياجاته المتنوِّعة في هذه الحياة؛ للوصول إلى مقاصده الرئيسة؟
5ـ ما هي الغاية الأساسية؟
6ـ وما هي الأهداف القصوى والأخيرة؟
7ـ هل بوسعه الوصول إلى غايته الأساسية والأخيرة دون تلبية حاجاته في هذه الحياة أم لا؟
فلو لم يتمّ التعرّف على هذه الأمور بشكلٍ صحيح، وبجميع أبعادها، لن يتحقَّق الرقيّ، ولن تكون هناك تربيةٌ ولا هداية. وحتّى المذاهب الهندية القديمة، مثل: البوذية والطاوية والرهبانية، التي كانت تمارس الرياضات الشاقة والقاسية، ويتنكَّر أتباعها للدنيا، ولا يلبُّون متطلّبات الجسد حتّى بما يتّفق مع الموازين الطبيعية والعقلائية، لم تتمكَّن من معرفة الإنسان والحياة، ناهيك عن العالم المادّي المعاصر.
إن الإنسان لم يخلق لمحاربة أناه، وإنما خلق لمحاربة أنانيته، بمعنى أنه خلق من أجل القيام بحركةٍ تكاملية في حياةٍ معتدلة. وفي مجتمع إنسانيّ يستحيل تحقيق هذه الحركة دون عدالة. إذن لا بُدَّ في المرحلة الأولى من العمل على معرفة الإنسان، وتعريف الإنسان على نفسه ـ ولا سيَّما الشباب ـ، ومعرفة احتياجاته المتنوّعة والبنّاءة (وكذلك الاحتياجات الكاذبة؛ بغية نبذها والتخلّي عنها)، في جميع مراحل الروح والجسد، وفي جميع مراحل العمر، وحتّى قبل الولادة وبعد الوفاة.
وإن المعرفة الكاملة للإنسان ـ على نحو ما ذكر ـ هي ذات المعرفة القرآنية بتفسير وبيان المعصوم×، وهي المعرفة الواردة في الكثير من آيات القرآن الكريم، وتمّ تفسيرها في الروايات، وتمّ اعتبار ذروة كمال الإنسان في «التقوى»، واعتبر العدل طريقاً للوصول إلى التقوى، على ما ورد في قوله تعالى: ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة: 8). والعدالة الحقيقية تعني بناء مجتمع خالٍ من الفقر، كما تحدَّث الإمام علي× بشأن الكوفة (وهي المدينة الوحيدة التي كانت تحت سيطرته، بعيداً عن تأثير مختلف أنواع العناصر الهدّامة)، قائلاً: «ما أصبح بالكوفة أحدٌ إلاّ ناعماً، إن أدناهم منزلة ليأكل البُرّ، ويجلس في الظلّ، ويشرب من ماء الفرات»([17]).
وإن كيفية تحقُّق هذا التحوُّل في الكوفة المنكوبة بسبب الحرب، وغير المحصَّنة في حينها، حتّى أصبح الجميع فيها يتمتَّع بالرفاه النسبي، فلا يكون فيها فقيرٌ واحد، وحتّى إذا رأيتَ سائلاً من غير المسلمين كان ذلك مثاراً للتعجُّب([18])، يُعَدّ أمراً بالغ الأهمّية حقّاً. ورُبَما لم يشهد العالم مثل هذه المدينة على مرّ التاريخ.
الأمر التاسع: قد يُتصوَّر أن الدعوة إلى بناء مجتمعٍ خالٍ من الفقر ـ والذي تقدّم ذكر نموذجٍ عملي له آنفاً ـ مجرَّد أمنية ذهنية مثالية مستحيلة التحقُّق. من الممكن قول ذلك، وهو ما تكرَّر قوله بالفعل كثيراً. ولكنّه لا يعدو أن يكون مجرَّد تصوُّر لا يقوم على أساسٍ صحيح؛ إذ كما سبق أن ذكرنا ـ ولا نرى حاجةً إلى التكرار ـ إن القرآن الكريم يأمر بتطبيق العدالة، ويوجب نشر العدالة في الحياة بين الناس. وقد ثبت في علم «أصول الفقه» ـ بالأدلّة العقلية والنقلية ـ استحالة التكليف بما لا يطاق، بمعنى أن العاقل لا يأمر بما لا يُستطاع. وعليه يتّضح أن التكليف بتطبيق العدالة أمرٌ ممكن، ومن هنا فقد أوجبه الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك: قوله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ (النحل: 90).
كما بيَّن القرآن الكريم أن الغاية الاجتماعية من بعث الأنبياء^ هي «إقامة القسط»، وهذا يعني تطبيق العدالة بين الناس على نحوٍ شامل؛ إذ يقول تعالى: ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (الحديد: 25)، بمعنى بناء مجتمع قائم بالقسط. وهل يمكن أن يأمر الله الحكيم والعالم والرحيم والعادل بأمرٍ مستحيل، ويجعله غايةً للنهضة الكبرى وحركة الأنبياء العظمى؟ كلاّ أبداً. وعليه فإن إقامة العدل أمرٌ ممكن وعملي. فما هي العدالة؟ العدالة طبقاً لكلام المفسِّرين الحقيقيين للقرآن، والعالمين بمراد الله سبحانه وتعالى، والمعصومين في مجال هداية وتربية الإنسان، تعني القضاء على الفقر في المجتمع، وأن يصل الناس في معاشهم وحياتهم إلى مرحلة «الاستغناء» وعدم الحاجة، بحيث يستطيعون بذلك سلوك طريق الكمال. فلا تربية من دون عدالة، ولا كمال من دون تربية، ولا هداية من دون كمال، ولا معرفة من دون هداية، ولا عبادة من دون معرفة، ولا سعادة من دون عبادة؛ لأن السعادة الكاملة إنما تتحقَّق في ظل ارتباط الإنسان بالله سبحانه وتعالى. وإن من أهمّ العناصر والأسباب الممهِّدة لارتباط الإنسان مع الله هو تطبيق العدالة. ومن هنا جاء في بيان الغاية من بعث الأنبياء^ (في توجيه الناس إلى الله وهدايتهم إلى معرفة الله وعبادته والحصول على السعادة الكاملة) إقامة القسط، وبسط العدالة بين الناس. ومن هنا رُوي عن الإمام عليّ× أنه قال: «العدل حياة الأحكام»([19]).
إن الذين يفكِّرون في الترويج لأحكام الدين، وفي الوقت نفسه يغفلون عن العدالة وتطبيقها بين الناس ـ الذي يُعَدّ من أكبر الواجبات الإلهية والأحكام الدينية ـ، يبتعدون عن منهج وأسلوب الأنبياء، وعن معرفة الحياة والإنسان، وعن فهم أهداف القرآن، وعن معرفة الماهية «الإلهيّة / الإنسانيّة» لتعاليم المعصومين^ وسيرتهم العملية، وهي التعاليم التي تنفي جميع أنواع «العُسْر» و«الحَرَج»، وترى الاستطاعة بجميع أنواعها لازمةً في أداء التكليف، وهي التعاليم المرتبطة والمتطابقة تماماً مع منطق الحياة المادّية للإنسان في هذه الكرة الأرضيّة التي تمثِّل عالم الاحتياج والتَّبَعية. وقد رُوي عن النبي الأكرم| أنه قال: «لولا الخبز ما صلَّينا ولا صمنا…»([20]). وهكذا الأمر بالنسبة إلى سائر الاحتياجات الضرورية الأخرى. وعليه فإن العمل الصادق من أجل إقامة العدل بوصفه مقدّمة للقيام بالواجبات هو بدَوْره من أهمّ الواجبات أيضاً. وإن الغفلة عن ذلك في مجال الدين وتعريف الدين والدعوة إلى الدين يمثِّل تعريفاً ناقصاً لدين الله عزَّ وجلَّ، وهذا يعني الافتقار إلى العامل والعنصر الضروري في تكامل الفرد وازدهار المجتمع. وحذارِ من أن نعدّ النجاحات الصورية نجاحات حقيقية، فهذا الأمر يُعَدّ آفةً تضاف إلى الآفات الأخرى.
الأمر العاشر: لا يخفى ـ بطبيعة الحال ـ أن تطبيق العدالة وإقامة القسط ليس بالأمر السهل، ولا ينسجم مع جميع الظروف. وقد تقدَّم أن أشرنا في هذا البحث إلى ما يجب فعله من أجل تحقيق العدالة، والأمور التي يجب تحمُّلها، والأثمان التي يتعيّن دفعها، والأواصر التي يجب قطعها. وقد بيَّن الإمام عليّ بن أبي طالب× شرائط وخصائص ومواصفات الذين يريدون إجراء أحكام الله، وتطبيق العدالة الحقّة، ورَسَم عدّة أبعادٍ لمثل هذا الشخص الذي يريد القيام بهذه المهمّة العظيمة، حيث قال: «لا يقيم أمر الله ـ سبحانه ـ إلاّ مَنْ لا يُصانع، ولا يُضارع، ولا يتَّبع المطامع»([21]).
الأمر الحادي عشر: إن الاقتصاد التكاثري والرأسمالي ليس مخالفاً للعدالة ومانعاً من تطبيقها فحَسْب، بل هو ضدّ الإنسانية أيضاً. لنقرأ معاً النصّ التالي: «منذ أن مهَّدت ثقافة الاستهلاك لسلطة الدواء أدَّت الشركات المتعدِّدة الجنسية ـ من خلال فرض النظام الانحصاري في التجارة ـ إلى انحراف الأدوية العلاجية عن مسارها الحقيقي، بحيث أضحى الكثير من المصالح في الدرجة الأخيرة من الأهمّية. إن هذه الهيمنة لم تُؤَدِ إلى اختلال الاستفادة العلاجية فحَسْب، بل حوَّلت الدواء إلى سلعة تجارية، بل وتحوَّلت هذه المادة الحيوية ـ التي تمثِّل ثاني حاجة ضرورية [بعد الطعام] ـ إلى سلعةٍ لتنفيذ الغايات السياسية أيضاً. إن مقارنة المعلومات المعروضة من قِبَل هذا النظام في خصوص دواءٍ واحد في مختلف البلدان تثبت أن كلّ بلد يمثِّل المسرح الأكبر لنشر هذه الثقافة، من خلال التمويه أو المبالغة في بيان الحقائق العلاجية، يتمّ السعي إلى استضعافه ثقافياً؛ ليكون أكثر تقبُّلاً لاستهلاك المزيد من ذلك الدواء»([22]).
وعليه يمكن لنا الآن أن نرى كيف يتصرَّف الساسة والرأسماليون في العالم ـ وفي جميع أنحاء العالم ـ؟ وبأيّ منظار ينظرون إلى الإنسان؟! ومن هنا فإن مكافحة القرآن الكريم لظاهرة «التكاثر» و«التَّرَف»، وما ورد في الكثير من الروايات في طرد ونبذ هاتين الظاهرتين المعارضتين للعدالة والإنسانية، إنما يهدف إلى فتح الطريق أمام بسط العدالة، وأن تنحو البشرية نحو إقامة مجتمعٍ قائم على القسط والعدل.
الأمر الثاني عشر: يتمّ الاهتمام مؤخَّراً ـ وفي بعض الأحيان ـ بأبعاد الآثار غير الاقتصادية لـ «الفقر» أيضاً. أما الإسلام فقد اهتمّ منذ البداية بالآثار المدمِّرة المترتِّبة على الفقر. وهناك الكثير من الروايات الواردة في المصادر الإسلامية بهذا الشأن، حتى رُوي عن النبي الأكرم| أنه قال: «كاد الفقر أن يكون كفراً»([23]). ولا يخفى أن الكفر من أخطر المعاول التي تقوِّض دعائم التربية والتكامل الإنساني للفرد والمجتمع.
إن هذا الحديث ـ وأمثاله ـ يثبت بوضوحٍ أن آفة الفقر لا تقتصر على عدم امتلاك الفرد للقمة عيشه، أو عدم امتلاكه لثوبٍ يستر جسده، بل الفقر يعني كذلك أن لا يمتلك الإنسان مادّة الحياة الأبدية المتمثِّلة بالإيمان والعمل بالأحكام الدينية، حيث يكون مضيِّعاً لثروته الأبدية. وما الذي يمكن فعله بشأن رفع الفقر المعنوي عن المحرومين والمستضعفين وأبنائهم وبناتهم وأطفالهم الأبرياء؟ وكيف يمكن استعادة حقوقهم من مخالب الغاصبين والمفسدين على المستوى الاقتصادي وغيره؟ وكيف يمكن دفع المؤسّسات المعنيّة إلى العمل بوظائفها ومهامّها في هذا الشأن؟
الأمر الثالث عشر: علينا أن ندرك أن الآثار المدمِّرة للفقر لا تقتصر على الأفراد والأُسَر فقط، وإنما تطال المجتمع بأسره؛ وذلك لأن التأثير الهدّام والتَّبِعات الكارثية تنتقل على الدوام من الأفراد والأسر المستضعفة والمحرومة إلى المجتمع، وتعرِّضه لألوان البلاء والمِحَن؛ وذلك لأن أعضاء المجتمع مرتبطون ببعضهم، مثل: الأواني المستطرقة. وعلى هذا الأساس فإن الأصل المسلّم والمحسوس هو أن الفقر والاستضعاف كارثة مهولة، ومصيبة اجتماعية وإنسانية ودينية وتربوية كبرى، وإن آثارها تمتدّ لتطال حتى المتسبِّبين بهذا الفقر والاستضعاف أيضاً، حيث سيواجهون بدَوْرهم أضراراً مادية ومعنوية كثيرة، وتنطوي على مخاطر كبرى في بعض الأحيان: ﴿وَلَعَذَابُ الآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾ (طه: 127).
الأمر الرابع عشر: منذ فترةٍ ونحن نشهد سياسة الاستعمار العالمي في التعاطي مع الإسلام، ومعالجة هذا العامل الذي يشكِّل تهديداً وجودياً له، حيث تعمل السياسة الاستعمارية على انتهاج سياسة الهجوم الثقافي والاعتقادي، وتدمير الأخلاق وإضعاف المعتقدات الدينية والمباني الإيمانية لدى جيل الشباب من المسلمين؛ كي يتخلّوا عن العمل بتعاليم الإسلام (والتي من بينها مواجهة الظلم إلى حدّ التضحية بالأرواح)، أو أن يقذفوا في قلوبهم الشكّ في الحدّ الأدنى، حتّى تتهاوى لديهم القلاع الحصينة التي تشكِّل مانعاً دون تسلُّل المستعمرين، والمتمثِّلة بالأجيال التي حيثما حلَّت شكَّلت عقبة كَأْدَاء أمام المستعمرين، وأخذت تدعو الآخرين إلى التواجد في ساحة المواجهة.
ومن خلال هذه الرؤية الواضحة يتعيَّن على أولئك المتواجدين في البلدان الإسلامية، والذين يسجلون حضورهم باسم الدين ـ سواء بوصفهم من العلماء أو الحكّام ـ، وفي متراس العقيدة والتقاليد المقدّسة، ويتدرَّعون بالعقائد الإيمانية، أن يجعلوا الله نصب أعينهم، وأن لا يغيب عنهم حضور وليّ العصر الإمام الحجّة بن الحسن المهديّ#، وأن يسعوا على الدوام إلى تخليص دوائر حضورهم وسلوكهم، وعليهم أن يعملوا في جميع أبعاد الحضور والتنظير والإدارة والنشاط الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي والقضائي والفنّي وما إلى ذلك من الأمور، بحيث يجرّدون العدوّ من سلاحه، وأن يكون هذا التنظير والسلوك ذاته من الأصالة والقوّة بحيث يُعَدّ دعامةً متينة ومؤثِّرة لصيانة معتقدات جيل الشباب، وأن يشكِّل مستنداً بيد الشباب يمكنهم الاحتجاج به على خصومهم.
واليوم، حيث السياسة القائمة تحكم باسم الدين، فإنّ أيتام آل محمد| يحظَوْن بالدعم ـ بشكلٍ رئيس ـ من خلال كيفية الأداء، ويصرّون على عقائدهم بواسطة عرض الآراء الراقية والجامعة من قِبَل العلماء، ويحصلون على حصانةٍ أمام جميع أنواع الهجمات الاعتقادية والثقافية. إن الأبحاث والدراسات العميقة والأجوبة المقنعة ودفع الشبهات الكلامية والعقائدية مسائل ضرورية حقّاً، كما يمكن للخطب المناسبة والمطابقة للواقع أن تكون نافعةً في محلّها، ولكنها غير كافية؛ إذ المراحل العملية والميدانية تحظى بأهمّيةٍ بالغة، وجيل الشباب يعوِّل على هذه المراحل بشكلٍ أكبر. ومن هنا نجد الإمام جعفر الصادق× يقول: «كونوا دعاة الناس بأعمالكم، ولا تكونوا دعاةً بألسنتكم»([24]).
ومن الواضح أن تطبيق العدالة في المجتمع الديني يقع ـ من وجهة نظر إدارة المجتمع ـ في قمّة الأولويّات، كما أشرتُ إلى ذلك ـ في كتاباتي ـ مستدلاًّ عليه بالآيات والروايات، وتشهد على ذلك التجارب العينية والواقعية أيضاً. إذن فهذا هو العامل الكبير في الحفاظ على أجيال الشباب المسلم.
الأمر الخامس عشر: يتمّ التأكيد في الكلام والمواقف على رفض الليبرالية والليبراليين، والمراد من ذلك هو الليبرالية الثقافية ـ بحَسَب التصوُّر ـ، في حين أن المشكلة الرئيسة والمدمِّرة للروح الثورية تتمثَّل في الليبراليين الاقتصاديين؛ حيث إنه مع وجودهم وبسط سيطرتهم على الأمور لا تكون المواجهة مع الليبرالية الثقافية ـ إذا لم يحدث خطأ في تشخيص المصداق ـ ممكنة، ولا مثمرة. فأسُّ الفساد هي الليبرالية الاقتصادية، التي تنجب الليبرالية الثقافية من تلقائها؛ فكيف يمكن أن تكون هناك ليبرالية اقتصادية في مجتمعٍ ما ومع ذلك يكون في منجىً من الليبرالية الثقافية؟
ومن هنا نجد «القرآن الكريم» يولي أهمّية كبيرة لقارون (بوصفه مظهراً لليبرالية الاقتصادية)، ولذلك يذكره بجميع خصائصه وصفاته؛ لكي يتمّ التعرّف عليه جيّداً. ولذلك فإنه بعد التحذير من الطاغوت السياسي (المتمثِّل بفرعون) لا يكتفي بذكر هامان (مظهر الليبرالية الثقافية)، وإنما يعمل على التعريف بقارون أيضاً. في حين أننا ـ خلافاً لمنهج القرآن والأنبياء ـ نحصر كلّ مخاوفنا (حول ضياع الثورة وسقوط المجتمع، ويأس الشعب، وامتهان التضحيات، وضياع الفرص وانتقالها إلى المستغلّين) بالليبرالية الثقافية فقط (كما أننا في ما يتعلق بتشخيص المصاديق غالباً ما نفكِّر بسطحية)، ولا نعطي أهمّية لليبرالية الاقتصادية أبداً، ولا نحذِّر المجتمع من آفاتها، رغم أنه هو الذي يحترق بنارها.
وفي الختام نروي حديثاً عن النبيّ الأكرم|؛ للتيمُّن والتدبُّر، إذ يقول: «عدل ساعةٍ خيرٌ من عبادة سبعين سنة، قيام ليلها وصيام نهارها»([25]). ونترك للقارئ الكريم إدراك عظمة هذا الحديث في أبعاد بسط العدالة، وبناء المجتمع القرآني، والمساعدة على التكامل الإنسانيّ.
الهوامش
(*) مفكِّرٌ معاصر، وصاحب كتاب (الحياة). أهمُّ شخصيّةٍ تفكيكيّة معاصرة. له كتبٌ عدّة، منها: علم المسلمين، المدرسة التفكيكيّة، الاجتهاد والتقليد في الفلسفة، و….
([1]) انظر: عبد الرزاق اللاهيجي، گزيده گوهر مراد (مختصر گوهر مراد): 23، قدَّم له وقام بتوضيحه مع شرح مفرداته: صمد موحّد، كتابخانه طهوري، طهران، 1364هـ.ش (مصدر فارسي).
([2]) المير أبو القاسم الفندرسكي، رسالة صناعية (حقائق الصنائع)، تقديم وإعداد: الدكتور علي أكبر شهابي، طبعة مشهد، 1317هـ.ش.
([3]) الكليني، أصول الكافي 3: 568؛ محمد رضا الحكيمي، الحياة 6: 345.
([4]) انظر: محمد رضا الحكيمي، الحياة 3 ـ 6، مع قراءة الآيات والروايات المذكورة في هذه المجلدات الأربعة بدقّة، والتفكير في الترابط فيما بينها، وآفاق العمل بها لتحرير المستضعفين بشكلٍ حقيقي.
([5]) الكليني، أصول الكافي 1: 542؛ محمد رضا الحكيمي، الحياة 6: 345.
([6]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 18: 155.
([7]) المطلب الرابع عشر يلاحظ في الصفحات اللاحقة.
([8]) الصدوق، إكمال الدين وتمام النعمة 1: 405. وانظر أيضاً: المجلسي، بحار الأنوار 52: 125.
([9]) روبندرونات طاغور (1861 ـ 1941م): فيلسوفٌ وشاعر ومسرحي وروائي ورسام بنغالي / هندي، غزير الإنتاج. المعرِّب.
([10]) الكليني، أصول الكافي 1: 542؛ محمد رضا الحكيمي، الحياة 6: 346.
([11]) يلاحظ المطلب العاشر في الصفحات الآتية أيضاً.
([12]) وراجع: الأعراف: 59، 65، 73؛ هود: 50، 61، 84؛ المؤمنون: 23، 32.
([13]) المجلسي، بحار الأنوار 70 (أو 67 / طبعة بيروت): 307، نقلاً عن: كتاب (المحاسن).
([14]) اقتباس من كلمة للإمام الصادق×، انظر: تحف العقول عن آل الرسول.
([15]) نهج البلاغة، كتابه إلى الأشتر النخعي حين ولاّه على مصر.
([16]) انظر: الكليني، أصول الكافي 8: 32.
([17]) المجلسي، بحار الأنوار 40: 327، نقلاً عن: كتاب الفضائل، لأحمد بن حنبل. ويبدو أن كتاب الفضائل هذا هو ذات كتاب (مناقب عليّ بن أبي طالب×)، المذكور ضمن مؤلَّفات أحمد بن حنبل الشيباني(241هـ) إمام الحنابلة. انظر: دائرة المعارف تشيُّع 1: 518.
([18]) إشارة إلى قصة الرجل المسيحي الأعمى الطاعن في السنّ الذي كان يسأل الناس في بعض طرق الكوفة، حتّى إذا رآه الإمام عليّ× استغرب الأمر، قائلاً: ما هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين نصرانيّ، فقال أمير المؤمنين×: استعملتموه، حتّى إذا كبر وعجز منعتموه، أنفقوا عليه من بيت المال، حيث نجد الإمام هنا يقول: (ما هذا؟) ولم يقُلْ: (مَنْ هذا؟)، و(ما) تستعمل [في الغالب] لما لا يعقل، أي إن الإمام رأى شيئاً عجيباً وغير متعارف في المدينة. انظر: الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 11: 49، الباب 19، ح1؛ محمد رضا الحكيمي، الحياة 6: 302.
([19]) محمد رضا الحكيمي، الحياة 6: 404.
([20]) الكليني، أصول الكافي 5: 73؛ محمد رضا الحكيمي، الحياة 3: 226.
([21]) نهج البلاغة (فيض الإسلام): 1137؛ (شرح محمد عبده) 3: 176.
([22]) انظر: د. صادق جاويدان نجاد، اطلاعات داروئي (معلومات دوائية) 1: (د)، انتشارات دانشگاه طهران، ط5.
([23]) الصدوق، الخصال 1: 12؛ محمد رضا الحكيمي، الحياة 4: 308 فما بعد، هناك الكثير من الأحاديث في هذا الشأن.
([24]) الحميري، قرب الإسناد: 52؛ الكليني، أصول الكافي 2: 78؛ محمد رضا الحكيمي، الحياة 1: 321 ـ 326.
([25]) المجلسي، بحار الأنوار 75 (أو 72 / طبعة بيروت): 352، نقلاً عن: كتاب (جامع الأخبار)؛ محمد رضا الحكيمي، الحياة 6: 325.