أحدث المقالات

إيمان شمس الدين

فخ المصطلحات نقع فيه دوما, فما إن يطرح الآخر مصطلح ما، حتى تلتقطه الألسن, دون أن نمحص هذه المصطلحات على أساس علمي موضوعي, ليصبح الاطلاق دوما على عواهنه، والكل يريد أن يتحدث في كل شيء دون تخصص أو حتى علمية وموضوعية. فمصطلح الإسلام السياسي، مصطلح ملتبس، ورغم ذلك انتشر على الألسن، سواء ألسن الإعلام أو ألسن الناس، أو ألسن المحللين والسياسيين والنخب وخاصة الإسلاميين منهم، رغم التباسه وضبابيته.

الاسلام كشريعة إلهية جاءت بخصائص ذاتية تسمح له بالتجدد,أي هو بذاته كامل وتام وصالح لكل مكان وزمان. يهتم بكل شؤون الحياة حتى السياسية منها ويضع لها إما كليات عامة، يترك تشخيص المصاديق فيه لذوي العقل والقدرة،  للتوفيق بين متطلبات الحياة واستنطاق الاسلام لهذه المتطلبات، أو أنه وضع قوانين بعينها ثابتة وقارَة وصالحة أيضا لكل الأزمنة والأمكنة.

وترك منطقة للفراغ يعود إليها المشرع الحقيقي، كي يوائم بين واقع الحياة ومتطلباتها وثوابت الشريعة، أي أحكامها الأولية.

فالكل منا يتحدث أن الاسلام هو البديل وهو الحل لكل المعضلات, ولكن حينما نرى واقع المسلمين نقف أمام هذا التناقض لا حائرين فقط،  وإنما يصيبنا الذهول، وفقط يلوح في أذهاننا سؤالا واحدا هو: لماذا…؟ بل حينما نرى حال كثير من التيارات الإسلامية وواقع ممارستها للإسلام يصيبنا الشك في مقولة  أن الإسلام هو الحل! بل لا أبالغ لو قلت يَكْفُر بعضنا ببعض، بل يَكْفُر البعض بهذه المقولة، ويؤمن بأن الاسلام مكانه المسجد فقط، وهو عبارة عن مجموعة من الطقوس القشرية، ولا قدرة له على أن يحكم الحياة.

وهنا للأسف وقع الكثير منا في الفخ، ولم يستطع فعليا أن يعود بنفسه لقراءة الاسلام قراءة بعيدة عن روح التعصب بكل أنواعه، قراءة تتسم بالموضوعية والإنصاف، كي يرى الفرق واضحا بين ممارسة المتأسلمين للدين وبين حقيقة وواقع الدين. فهل ممارسة المسيحيين في الغرب للسياسة وفشلهم في بعض مفاصلها يدفعنا لإطلاق مصطلح المسيحية السياسية؟ أم أننا حينما نرى ازدواجية معايير الغرب الذي يدعي الديموقراطية، يدفعنا إلى رفض الديموقراطية ومحاربتها بسبب ازدواجية معايير مدعيها؟ حتى مع ممارسة المتدينين من المسلمين الذين يلتزمون بالشريعة الإسلامية للحكم أو للسياسة وفشلهم في ذلك، فإن ذلك لا يعني خللا في الإسلام كونهم ليسوا عين الإسلام، بل الخلل يكمن في منهجهم أو فيهم أنفسهم، أو أنها تجربة بشرية حاولت فهم الإسلام وتطبيقها، لكن إما أن هناك خللا في فهمها للإسلام، أو خللا في التطبيق، أو عدم قابلية المجتمع لأفكارها وإن كانت صائبة. وقد صرح القرآن الكريم في كثير من آياته وفرق بين الإسلام وممارسات المسليمن، وخاطبهم معاتبا لم تقولون ما لا تفعلون، وفي توجيه قرآني آخر طلب منهم أن يقولوا قولا سديدا، وأن يطيعوا الله ورسوله، وهذا خطاب موجه للذين آمنوا برسول الله، وفي عصر الرسالة، ومع ذلك وضح الله طلبه منهم بالقول السديد وعقبه بطاعته وطاعة رسوله، بل خاطب المسلمين أن لا يقولوا آمنا بل يقولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم. وكل هذه الخطابات تدلل على أن هناك فرق بين النظرية والتطبيق، وأن المطلوب هو السعي للتطبيق الأمثل، وأن من يمارس باسم الاسلام سلوك معين، فإن ممارسته تدينه هو ولا تدين الإسلام.

نعم هناك من  استخدموا الدين كسلاح للسلطة وتحقيق مكاسب سياسية، وخرجت نتيجة ذلك مقولات كمقولة الاسلام السياسي، مرجعة القصور للاسلام وليس لممارسة المتأسلمين.

إن الاسلام دين للحياة, أما ما يقوم به اليوم بعض المتأسلمين الرافعين لشعارات الإسلام، حتى المتدينين منهم باستخدام الدين سلاحا للتكسب السياسي، فهي ممارسات لا شأن للدين بها ولا يتهم بها الاسلام بالقصور..

ولا يوجد شيء اسمه الاسلام السياسي، فالإسلام بنية متكاملة كلية، تعتد بعقل الإنسان وتعطيه مساحة كبيرة لتطبيق هذه البنية وفق راهنها، والإنسان بطبيعته خطاء، بالتالي خطؤه لا يمكن تحميله على الإسلام، بل الخطأ منسوب لشخصه هو، هذا إضافة إلى أن تجارب بعض الإسلاميين السياسية التي حققت انتصارات في ساحات المواجهة مع العدو، وأخفقت في ساحات أخرى، فإن ذلك لا ينتقص من الإسلام ولا من تدينها، بل هي بمثابة تجربة بشرية تحاول تطبيق ما فهمته من الإسلام بالقدر الذي يتيحه المجتمع لها، وبقدر ما تتيحه الظروف لها، وهذا لا يعني عصمتها من الخطأ، بل يعني محاولتها في السعي إلى العدالة المطلوبة، وهو ما تيطلب منها مراجعة وتقييم ونقد وتصويب، كأي تجربة بشرية في الساحات في العالم.

 فكما هناك نظريات علمية شديدة التماسك، ولكن عند تطبيق الدارسين لها يحدث خللا كبيرا في التطبيق، فإن ذلك لا يعني أن هذه النظرية فاشلة، بل يعني أن من طبقها رغم تماسكها ارتكب خطأ في الفهم أو في الممارسة، وهذا لا يدفعنا إلى اتهام النظرية إن كانت متماسكة البنية، بل مراجعة ممارسة المطبقين لها ومحاولة تصويبها وتقويمها. نعم حال كثيرمن السياسيين المتأسلمين  امتطوا الدين للتكسبات السياسية ورفعوا شعار النصرة له، والحقيقة أنهم خذلوه. لكن هناك تجارب إسلامية حققت نجاحات كبيرة وتحولت إلى أرقام صعبة في السياسة العالمية يحسب لها ألف حساب، وهي تجربة بشرية حاولت تطبيق ما فهمته من الإسلام، وتحاول نقد ذاتها وتصويب تجربتها، وهو ما لا ينتقص من الإسلام شيء، لذلك نجاح بعض التجارب الإسلامية، دفع مراكز الدراسات العالمية المؤثرة لإطلاق مصطلح الإسلام السياسي، حتى تجزئ الإسلام من جهة، وتربط فشل بعض الممارسين المتأسلمين بفشل الإسلام كنظرية غير قابلة للتطبيق.

 فعلينا تقع مهمة ملاحظة الفرق بين سياسة الاسلام والتأسلم السياسي . وهو فرق بين النظرية وكيفية التطبيق. بل علينا تقع مهمة عدم إفشال التجارب الإسلامية التي حققت نجاحا مهما في المنطقة، وشكلت رقما صعبا في حسابات العدو، بل علينا نقدها وتقويمها وتصويبها وتسديدها، كي تتطور وتنهض وتواكب كل المستجدات في الساحات العالمية، فالغرب حينما بدأ مسيرته في الديموقراطية طور النظرية ولم يقوضها. وهو رغم مسيحيته فإن آخفق سياسيا، لم نجده يوما أطلق على هؤلاء الذين أخفقوا مصطلح المسيحية السياسية، حتى مع علمانيته فهذا لا يعني عدم وجود تيارات مسيحية دينية داخل العملية السياسية، ومع وجودها لم نقرأ هذا المصطلح، فلماذا يتم إطلاقه على الإسلام ولا يتم إطلاقه على غيره من الأديان؟

فالكيان الصهيوني الغاصب أعلن رسميا دينية الدولة التي يقيمها على أرض فلسطين، واعتبر الدين الرسمي له هو الدين اليهودي، ورغم كل بشاعته السياسية وما يقوم به من مجازر وانتهاكات إنسانية، إلا أننا لم نر الغرب يطلق مصطلح اليهودية السياسية، فلماذا مجددا أطبلق مصطلح الإسلام السياسي؟

سؤال يحتاج بحث عميق لمعرفة خلفياته، والأسباب وراء إطلاقه، ومن أي كانت بدايات إطلاقه، حتى لا نكون سطحيين ولاقطين.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً