أحدث المقالات

مطالعة مقارنة في البرامج الجامعية قبل وبعد الثورة

د. سهراب بهداد(*)

ترجمة: السيد حسن علي مطر  الهاشمي

تنويه ـــــــ

يحتوي المقال الذي بين أيدينا على أفكار كثيرة في مجال بلورة علم الاقتصاد والاقتصاد الإسلامي في الجامعات. والتفصيل بشأنها خارج عن سعة هذا التنويه، لكن يبدو من الضروري التذكير بمسألتين:

المسألة الأُولى ـ إنّ مصطلح «الاقتصاد الإسلامي العامي» مستعار من أدبيات الاقتصاد الماركسي. وطبقاً للتحليل الماركسي فيما يتعلق بالاقتصاد الرأسمالي والاقتصاد السياسي وطريقة الإنتاج الرأسمالي ينقسم علماء الاقتصاد إلى قسمين:

1 ــ البرجوازيون.

2 ــ العاميون.

فالبرجوازيون هم أولئك الذين يسعون إلى كشف قوانين الاقتصاد الرأسمالي دون تبريرها، من قبيل: (آدم سميث) و(ديفيد ريكاردو). في حين أنّ القسم  الثاني من علماء الاقتصاد ـ بدلاً من كشف القوانين الرأسمالية ـ كان يحاول تبرير الاقتصاد الرأسمالي، وبدلاً من الاستناد إلى ميادين إنتاج وتوزيع النعم المادية، يتدارس كيفية تكوّن القيمة، وفي الحقيقة بدلاً من التركيز على كشف جذور الثروة وتوزيعها ـ والتي هي مادية بالضرورة ـ يتم الاهتمام بدراسة نفسيات الأفراد. وبما أنّ هؤلاء يهتمون بظاهرة «الأعراض المحسوسة» في الاقتصاد كما يعبّر (كانط) بدلاً من اهتمامهم بظاهرة «الجواهر»  في الروابط الرأسمالية، ويغيّرون موضوع علم الاقتصاد، فإنهم لا يتدارسون الجوانب الاجتماعية الأُخر.

إنهم يبحثون في الاقتصاد البحت بدلاً من الاقتصاد السياسي، وقد بدأ هذا التيار الفكري  في نهايات القرن التاسع عشر، ولا يزال يشكل القاعدة النظرية للاقتصاد في مختلف  البلدان  والجامعات. فمثلاً كان (استانلي جونز) يقول: لا ينبغي تتّبع جذور الإنتاج، فالمهم في الاقتصاد هو الاستهلاك، والمهم في الاستهلاك التركيبة الذهبية لدى المستهلك، وكان  يقول: يجب حذف كلمة >السياسة< بعد >الاقتصاد< والاكتفاء بكلمة >الاقتصاد< بمفردها.

 كما آثر منافسه (ليئون فالراس) تسمية مؤلفه (الاقتصاد البحت) ليؤكد عدم اهتمامه بالعلاقات الاقتصادية بين الطبقات الاجتماعية، وإنما يبحث في سوق الأموال فقط، ويصرِّح (آلفرد مارشال) ـ وهو من أقطاب هذهِ  المجموعة ـ بعدم اقتفاء أثر العلة؛ وذلك لكون العلة والمعلول متعاقبين، ولا يتأتى لشخصٍ معرفة العامل الحاسم في المسائل والظواهر الاقتصادية. وعليه تّبدلاً من بحث جذور وعلل المظاهر الاقتصادية، ينبغي بحث مسائل السوق الاستهلاكية. وطبقاً لهذه الرؤية لا يعني الاقتصاد بدراسة القوانين التي تسود  الإنتاج  وتوزيع النعم المادية، وبحث روابط  الطبقات  الاجتماعية. واستناداً لرأي كاتب المقال فإنّ علماء الاقتصاد الإسلامي من المتأثرين بـ (النهائيين) عاميون، واقتصادهم الإسلامي اقتصاد إسلامي عامي.

المسألة الثانية ـ تعود  قراءات الكاتب حول الاقتصاد الإسلامي  في حوزة قم العلمية إلى عقد الستينيات من السنوات  الشمسية، وبغض النظر عن طريقة الرؤية إلى هذهِ المسألة، فقد حصلت تغيرّات منذ تلك الفترة، الأمر الذي يستدعي تحليلات وقراءات أُخر.

جولة تاريخية في الوضع الجامعي مطلع الثورة ــــــ

لم يكن ربيع  حرية عصر الثورة  في الجامعات الإيرانية  متخلفاً أو رجعيّاً، فقد تحولت الجامعات بفعل  الحركة الثورية التي قام بها أبناء الشعب إلى مراكز للنشاطات السياسية،  حيث  تتجمّع  حشود الناس، وأصبحت مواقع  للصراعات  السياسية  بين  الفرقاء، حتى أضحت السيطرة على ساحة  كرة  القدم  في  جامعة  طهران  مظهراً  لقدرة  المنظمات  السياسية.

فبتاريخ الحادي عشر من شهر فبراير/ شباط من عام 1979م الموافق للثاني والعشرين من شهر بهمن من عام (1357هـ ش) تّم سحب أول دبابة محررة من جيش الشاه إلى باحة جامعة طهران، واتخذت منظمة مجاهدي خلق في إيران كلية العلوم مقرّاً لها، كما اتخذت منظمة فدائيي خلق في إيران من كلية الهندسة مقراً لنشاطاتها، وبين هاتين المجموعتين  انطلقت مجموعة  ثالثة تعرف بـ (لجان الثورة الإسلامية) إلى مسجد الجامعة لتتخذه مقراً لها، وقد حولـه الشبيبة الأعضاء  فيها إلى مشجباً للأسلحة التي غنموها من النظام الشاهنشاهي. وعندما أعيد فتح  الجامعات  بُعيد  ثورة  الثاني  والعشرين من بهمن من ذلك العام، كان تقسيم باحات الجامعات الأخر في البلاد مشابهاً لما عليه الوضع في جامعة طهران، حيث أقدمت التيارات السياسية المختلفة على اقتسام المساحات الداخلية في الجامعات، واحتلت الكثير من الغرف، بل وتم  تقسيم  حتى جدران الجامعات للأغراض الدعائيّة ونصب مختلف أنواع اليافطات والملصقات الخاصة  بكل تيار من التيارات. فكانت الحياة الاجتماعية داخل الجامعات مضطربة كاضطراب الحياة  الاجتماعية خارجها، ولكن الفارق كان يتجلّى في موضع آخر؛ ففي الوقت الذي كانت فيه الهيمنة السياسيّة تحسم لصالح قوى نظام الجمهورية الإسلامية على مستوى المجتمع، كان ينحسر دورها داخل الجامعات؛ فينفرد الخصوم السياسيون في حربٍ عقائديّة، وتحولت الجامعات إلى مراكز لاستقطاب الأعضاء وتدريب الجامعيين  الناشطين  سياسياً، فكان الكثير منهم من المنظمين للاعتراضات السياسية داخل المصانع  والمزارع  والمدن، وفي خضمّ ذلك كان عدد الجامعيين وأعضاء الهيئة العلمية من الموالين للنظام قد تقّلص بشكل ملحوظ.

    في ظل هذهِ الأوضاع  والظروف عندما  كانت  اللجان الثورية الإسلامية  للجامعيين تدعو من خلال بياناتها إلى  تعطيل الجامعات لإقامة «البعثة الإسلامية» و«الثورة الثقافية» و«التطهير الإسلامي»، بدأ الهجوم على الجامعات في شهر أبريل من عام (1980م) الموافق لشهر فروردين من عام (1359هـ ش). وبعدها بادرت الكثير من  التجمعات الإسلامية من خارج الجامعة،  مثل قوات الحرس الثوري، والمنظمة الإسلامية للعمال في مصنع (الإنقاذ) لصنع  السيارات في تبريز ـ من خلال بياناتهم ـ إلى دعم مواقف الجامعيين من أعضاء التجمعات الإسلامية.  وفي السادس عشر من  شهر أبريل/ نيسان من عام 1980م الموافق للسابع والعشرين من شهر فرورين من عام (1359هـ ش)، عمدت جماعة من الجامعيين اليساريين المعترضين في جامعة تبريز إلى إثارة الشغب أثناء خطاب  الشيخ  الهاشمي  الرفسنجاني (عضو شورى الثورة). وبعد ثلاثة أيام أمرت شورى  الثورة  بإزالة  مكاتب  جميع  التيارات  السياسية  من  باحة  الجامعات  خلال ثلاثة  أيام، وتمّ  إغلاق الجامعات كافة في الخامس من  يونيو/حزيران، الموافق للخامس من خرداد،  تمهيداً لأسلمة  نظام  الجامعات في البلاد. وحينما اعترضت بعض المنظمات  الجامعية على  هذه  القرارات  الصادرة  عن  شورى  الثورة  بتاريخ  الحادي والعشرين من شهر أبريل من عام 1980م الموافق للأول من شهر أرديبهشت من عام (1359هـ ش)، توجّهت اللجان  الجامعية  الإسلامية  إلى  الإمام  الخميني، وهي تكرّر الشعار الآتي: «إلغاء الدراسة الاستعماريّة، وقيام الجامعة الإسلاميّة» فقال آية الله الخميني في خطابه:

خطاب الإمام الخميني ، مشروع انطلاق أسلمة الجامعات الإيرانية ـــــــ

«إنّ جامعاتنا عميلة واستعماريّة،وهي تعمل على تربية جيلٍ مغترب، كما أنّ الكثير من أساتذتنا هم من المتأثرين بالغرب، وقد تأثر بعض الشباب من البسطاء والسّذج بأفكارهم الباطلة، وعندما نسعى إلى منح الاستقلال للجامعات، ونحاول أن نحدث فيها تغييرات جذريّة كي تنال استقلالها كاملاً؛ فلا تكون تابعة للغرب أو الشرق، نجد الأحزاب قد تحالفت ضدّنا، وهذا يؤكد أنّ شبابنا لم يحصلوا على جامعات إسلاميّة وتربويّة، وأنهم لم يخضعوا لتربية صحيحة، ومن هنا يجب العمل على أسلمة الجامعات».

وهكذا بدأت (الثورة الثقافيّة)، وبعدها بيومٍ واحد ـ حيث كان الجامعيون يدافعون عن الحصون الجديدة لحريّة الجامعات ـ باشرت الجماهير هجومها على >أوكار فساد التنوير<؛ فسقط الكثير من الجامعيين بين قتيلٍ وجريح، وتمّ الإعلان عن غلق الجامعات رسميّاً، واستمرّ الإغلاق عامين كاملين بانتظار (الانبعاث الإسلامي)، وفي نهاية المطاف استولى (حزب الله) على الساحة السياسية في جامعة طهران، وتحوّلت إلى مكانٍ دائمٍ لإقامة صلاة الجمعة.

لجنة الثورة الثقافية ، والخطوات الأولى لأسلمة الجامعات ـــــــ

أُلقيت مهمّة أسلمة الجامعات على عاتق (لجنة الثورة الثقافيّة)، وكانت مهمّتها تتلخص في إعداد المناهج الدراسيّة الجديدة، وتدوين الدروس الضروريّة، وإقامة نظامٍ جامعيّ إسلامي، وكانت المهمّة الأساسيّة لهذه اللجنة تنحصر في بحث المناهج الدراسيّة في فرع العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، وخاصّة ما كان منها يتعلق بفرع الاقتصاد والاجتماع والحقوق والسياسة وعلم النفس، وكان فرع الاقتصاد يحظى بأهميّة محورية من بين جميع هذه الفروع؛ وذلك لأنّ تعريف النظام الاقتصادي كان من الأمور الحادّة بين مختلف الفئات في نزاعاتها السياسيّة بعد الثورة، وقد قطعت الجمهوريّة الإسلاميّة على نفسها عهداً على إقامة نظام الاقتصاد الإسلامي، ومن هنا كان تعريف الفرع الجامعي للاقتصاد الإسلامي يؤخذ بمعنى تعيين النظام الاقتصادي للبلاد.

 أُوكلت مهمّة التعريف الإسلامي والمؤيّد لهذه الفروع إلى (مكتب التنسيق بين الحوزة والجامعة) برئاسة حجّة الإسلام والمسلمين محمّد تقي مصباح اليزدي، وهو من أساتذة الحوزة العلميّة في قم المقدسة، وبعد ذلك تمّ التشجيع على توحيد النظام التعليمي في الجامعة والحوزة العلميّة (أو في الأقل  في فروع العلوم الإنسانية والاجتماعية التي تدعي الحوزة التضلع فيها) بغية  إقرار التعاون والتنسيق  بين  الحوزة العلميّة  والجامعات، فمثلاً  قال الإمام  الخميني في خطاب له:

«لقد اهتم الإسلام  أكثر من أي شخص أو مذهب آخر بالعلوم الإنسانية ورقي الإنسان، فإذا  كنتم  بحاجة  إلى  متخصّصين  في هذا المجال فالتمسوهم في الحوزات العلمية … افتحوا الجامعات، ولكن فيما  يتعلق  بالعلوم  الإنسانية  عليكم الاستفادة  من العلماء، وخاصة من علماء  قم».

بدء مشروع أسلمة الاقتصاد في الجامعات ـــــــ

وبعد مدة  طويلة  وجّه (مكتب  التنسيق  بين  الحوزة العلميّة والجامعات) ـ بغية عرض منهج أسلمة الفروع الجامعية وعرض منهج دراسي على لجنة الثورة الثقافية ــ دعوة  إلى  مجموعة  من  أساتذة الاقتصاد في الجامعات للسفر إلى قم المقدّسة بهدف التعاون  مع الحوزة العلميّة  في هذا  المجال، وكان  من المقرر أن  تقوم  هذهِ  المجموعة  بإطلاع المدرسين في  الحوزة العلميّة على  الفروع  الجامعية،  وفي المقابل  يخضعون لدورة يطلعون  فيها على  مطالعات  المدرسين  في الحوزة العلميّة حول الرؤية  الإسلامية الشموليّة  وأساليب القراءات الإسلامية.

كان من الواضح أنّ أكثر أساتذة الجامعة يرون في نشاط لجنة  الثورة  الثقافية  مانعاً من  حرياتهم  الجامعية، ولذلك امتنعوا عن المشاركة في هذا الشأن، وكانت  مهمة  هذه  المجموعة  من المدرسين  في الحوزة  وأساتذة الجامعات عبارة عن البحث في مدى انطباق النماذج السائدة في علم الاقتصاد على الرؤية الشمولية للإسلام  «من وجهة  نظر المدرسين  في  الحوزة العلميّة». وكان من الأهداف الأساسية لهذا التحقيق البحث في نطاق  «الاقتصاد الإسلامي» وفصل الموارد الإسلامية الخالصة من غيرها. ومن هنا، اضطلع (مكتب التنسيق بين الحوزة العلميّة والجامعة) بوظيفتين متقابلتين:

الأولى: البحث في علم الاقتصاد الجامعي.

الثانية: تبيين علم الاقتصاد الإسلامي.

وتبعاً لذلك، كان يجب ـ بطبيعة الحال ـ عرض رؤية الإسلام الأصيلة للاقتصاد من وجهة نظر هذهِِ المجموعة.

   فرع الاقتصاد في مرحلة ما قبل الثورة ، مشاريع التحوّل وقرارات الأمركة بدل المنهج الفرنسي  ـــــــ

يعّد علم الاقتصاد فرعاً جديداً في إيران؛ ففي الحقيقة نشأ فرع الاقتصاد في بداية العقد السادس من القرن العشرين للميلاد (نهاية العقد الشمسي الثالث). وأما قبلها فقد كان الطلاب  يتبعون  برنامجاً  تعليمياً  مشابهاً  لما  عليه  الجامعات  الفرنسية  في  العقود الأولى  من القرن العشرين، حيث  كان عليهم  الحضور في فصول مادة الاقتصاد السياسي في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة طهران، (وكانت المجموعة الأولى من  الأساتذة  الإيرانيين في العقد الميلادي الثالث والرابع ــ العقد  الشمسي الأول والثاني ـ قد درست  في فرنسا). وكان  يتم  تدريس علم  الاقتصاد  من  خلال  منهج توصيفي يؤكد على تاريخ  الفكر الاقتصادي القائم على عناصر نظرية النقد والضرائب.

وفي  بداية العقد الميلادي السادس (نهاية العقد الشمسي الثالث) تم افتتاح  فرع الاقتصاد في  جامعة البهلوي (شيراز الحالية)، والجامعة الوطنية في طهران (الشهيد بهشتي الحالية)، وكان جلّ أعضاء هيئتها العلمية من الدارسين في الجامعات البريطانية  والأمريكية،  بل وكانت لغة  التعليم المتبعة في جامعة البهلوي في شيراز هي اللغة الإنجليزية.

 وتأسست  كلية الاقتصاد في جامعة طهران بعد منافسة شديدة في كلية الحقوق والعلوم السياسية  والاقتصادية في عام (1967م) الموافق لـ (1346هـ ش). وقد كان رئيسها الأول هو(حسين بيرنيا) الذي درس الهندسة  في كلية (بلي تكنيك) الفرنسية، كما درس الاقتصاد في جامعة كامبردج بإشراف (جان مينارد كينز). ومن بين الأساتذة الآخرين (منوشهر آكاه) المتخرج في جامعة أكسفورد، و(منوشهر زندي حقيقي) وقد درس في جامعة  باريس على  يد (فرانسوابرو).  كما درس سائر الأساتذة في مختلف الجامعات الأوروبية  وفي  مقدمتها باريس.  وكذلك تم عرض المنهج  الدراسي  لكلية الاقتصاد في  جامعة  طهران بعد استشارة (جان هيكس) و(ارسولا هيكس) في عام
(1968م) الموافق لـ (1347 هـ ش) حيث قدما إلى طهران لهذه الغاية. وقد كان المنهج الدراسي في فرع الاقتصاد  في  جامعة  طهران ـ كالمنهج  الدراسي  في الجامعة الوطنية (الشهيد بهشتي حالياً) وجامعة البهلوي  (شيراز الحالية) ـ مطابقاً تماماً  للمنهج  الدراسي في الجامعات الأمريكية.

كان لأمركة  المناهج  الدراسية  في فرع الاقتصاد في الجامعات  الإيرانية  عاملان أساسيان؛ فأولاً: في العقد الميلادي السادس (العقد الشمسي الرابع) ـ ونظراً للحاجة المتزايدة إلى الموظفين والمدراء في مؤسسات الدولة ـ تمّ تجديد وتوسيع هيكلة نظام التعليم  العالي في البلاد  تلبية لهذه الحاجة،  وتمّ كذلك توسيع عدد كبير من الجامعات وعدد أكبر من الكليات والمعاهد والمدارس العالية. ومن جهة أخرى حدد المخططون لنظام التعليم العالي للبلاد أنجح التوجهات في مجال رفع كفاءة الموظفين في النظام التعليمي الجامعي المتبّع في الولايات المتحدة الأمريكيّة. وعليه،  كان  قيام المنهج  الدراسي  في فرع الاقتصاد على نموذج الجامعات الأمريكية، من العناصر الرئيسة التي اعتمدها المخططون لنظام التعليم العالي خلال تلك الأعوام. وقد كان هذا أهم تحوّل حدث في جامعة طهران منذ تأسيسها، حيث كانت تتبع المنهج التعليمي الفرنسي. وكان السبب الرئيس في الكثير من التغيرات في النظام والمنهج الدراسي في جامعة طهران يعود إلى الدكتور فضل الله رضا الذي كان قبل تعيينه  رئيساً  لجامعة طهران في عام (1967م) الموافق لـ (1346هـ ش)، أستاذاً  في فرع هندسة الكهرباء في جامعة سيراكوز الأمريكية.

 كان تسنم الدكتور رضا هذا المنصب الحساس في الجامعة،  نقطة الانفصال عن التقليد القديم؛ لم يكن الدكتور رضا عضواً في اللجنة العلمية لجامعة طهران، ولا عضواً في أي لجنةٍ علمية  في أيّ من  جامعات البلاد الأُخر، <وإنما كان مدرّساً  لفترة  وجيزة في جامعة آريامهر الصناعية (شريف الصناعية حالياً)، ولم يكمل دراسته في فرنسا، بل في الولايات المتحدة الأمريكية، (وقد كان رؤساء جامعات البلاد  يتم  تنصيبهم من قبل الشاه).

مضافاً إلى ذلك، كان الكثير من الجامعات  الأوروبية في بداية العقد الميلادي السادس  (العقد الشمسي الرابع) ومن بينها الجامعات الفرنسية  قد اتخذت  منحىً أمريكياً إنجليزياً يعرف بـ ( نيوكلاسك  كينزي)، ونعلم أنّ الكثير من الجامعيين الإيرانيين آنذاك  يخضعون  في مواصلة  دراستهم  في الماجستير والدكتوراه  لمثل هذهِ الظروف التعليمية. وعليه يمكن القول: إنّ سياسة أمركة المناهج الدراسية في الجامعات قد زادت من سرعة الوتيرة التي بدأت انطلاقتها في الأزمنة السابقة.

تزامن  نموّ علم الاقتصاد  كفرع  جامعي مع  نمو عدد المواد الدراسية  في الجامعات، وكان أول درس جديد في علم الاقتصاد ترجمة لكتاب (Economics)  edition, 1948  First  لمؤلفه ( بول ساموئلسون) وقد نشرت هذهِِ  الترجمة  في إيران عام (1964م) الموافق لـ (1343هـ ش)  تحت عنوان (الاقتصاد). وفي هذا الاتجاه خصّصت منظمة التخطيط والميزانية، ميزانية خاصة بهدف نشر المناهج  الدراسية  في علم الاقتصاد، وعلى هذا النحو تمت  ترجمة الكثير من المناهج  التعليمية  الفرنسية  والإنجليزية  إلى اللغة الفارسية. وكان  بعضها ترجمات  خالصة، وبعضها مزيج من الترجمة والتأليف، وكان هذا النوع من الكتب يحتوي بشكل  عام على خلاصة من مختلف  الدروس الأجنبية  دون أن  تشير إلى مصادرها. وكذلك كان من بين المناهج الدراسية كراسات يعدها الأساتذة لفصولهم؛ فيتم  تكثيرها من قبل المجاميع التعليمية  ذات الصلة  وتوزّع  على طلاب  الجامعة.  فساعد ذلك على تسهيل الأمور على الأساتذة  والطلاب، بالإضافة إلى تحديد المادة  التي  كان من المقرر تدريسها في نصف من العام الدراسي. ولكن كان عدد  الدروس ذات العناوين  الفصلية أو فهارس المصادر الضرورية  قليلاً  للغاية، وفي الحقيقة كان هذا النوع من الدروس والكراسات هي المواد الدراسية والتعليمية الوحيدة المتاحة للأساتذة.

الانقسامات السياسية حيال الاقتصاد قبل الثورة ـــــــ

كان علم الاقتصاد الذي يدرّس في جامعات إيران هو الاقتصاد التقليدي الحديث  على طريقة كينزي، وكانت الدروس التي  يستفاد منها بشكل واسع في علم الاقتصاد سواء في ذلك المترجم  منها والمؤلف،  تقليداً  لكتاب (Economics) لساموئلسون. وكانت  الدروس الأُخر التي كانت تنشر للفصول الدراسية في الغالب انعكاساً للاقتصاد السائد آنذاك. ويندر أن تجد سعياً من المؤلفين في تحرير أنفسهم من تلك القيود التقليدية التي كانوا يرسفون بها. ربما عاد شطر من هذهِ القيود في تنوّع آراء معرفة الأساليب، إلى عمليات التقطيع،  حيث كان يتم العمل بشكل منهجي على منع الاقتصاديين من ذوي الميول اليسارية من التدريس، وفي الحقيقة كان أيّ انتقاد للاقتصاد السائد آنذاك أو نظام السوق الحرة يعدّ دليلاً على يسارية الناقد، وهذا  يعني  تضييق  الخناق عليه  سياسياً، وبرغم  ذلك بادر أساتذة  قلائل في فرع  الاقتصاد في فصولهم  الجامعية، أو من خلال كتيباتهم، إلى نقد الاقتصاد السائد في البلاد. ولكن  ينبغي الإذعان إلى أن مسألة التقطيع كانت تشكل  جانباً من القيود على معرفة الأساليب في الاقتصاد؛ وذلك لأنّ التقطيع في غالبه كان يخلق الموانع أمام  ترويج  نماذج الاقتصاد المفرطة. في الحقيقة كنا نلاحظ  في إيران غياباً  كاملاً  لرؤى الاقتصاد الليبرالي والاقتصاد غير المفرط،  كالاقتصاد المؤسساتي الذي يتم تدريسه في الكثير من المجامع  التعليمية في الجامعات الأمريكية المحافظة. وأحياناً يندر أن يقوم الأساتذة بنشر كتيبات مترجمة حول الدراسات التطبيقية أو المسائل المتعلقة بالاقتصاد الليبرالي.

وكان هناك في مواجهة هذا النوع من الاقتصاد الجامعي المحافظ  والأُحادي النظرة، تيار مخالف قوي يكمن في >التحليل النقدي< أو >الاجتماعي<، وكان مصدره ما ينشر من الكتب غير الجامعية والتي  كانت تلبي حاجة طبقة المتنوّرين في إيران الموالية  للاقتصاد السياسي. وقد كان لطبقة المتنوّرين آنذاك ميول يسارية في الغالب، وكانت أدبياتها تعتمد بشكل رئيس على ترجمة الأفكار اليسارية، وكانت في الواقع وجهاً للراديكالية الرأسمالية والامبريالية. ولم يكن من بين المترجمين لتلك الأفكار سوى النزر القليل من المحترفين في علم الاقتصاد، وأكثرهم كان قد تعلم الاقتصاد واللغة الإنجليزية بجهود ذاتية. وكان اختيار النص للترجمة يعتمد في الغالب على توفره في إيران، وبديهي في مثل تلك الظروف أن لا يتوفر في المكتبات الإيرانية سوى النزر القليل من هذه الكتب الأجنبية، فكان على المترجمين أن يلجأوا لإعداد الكتب والمقالات إلى أصدقائهم في الخارج أو الرجوع إلى الصحف المحدودة حول دراسة الكتاب، وعندها كان مصدر التراجم في الغالب  ينحصر في (Monthy Review Press) أو (Progress Publishres)، وذلك لشهرتها لدى المترجمين.

والنوع الآخر من القيود المفروضة من قبل أجهزة  الرقابة والتقطيع، حيث خلقت نوعاً آخر من المحدودية في انتقاء المؤلفات وترجمتها، ولذلك كانت العناوين المترجمة في هذه المجالات مشتّتة في الغالب وغير منسجمة، ولابد من التنويه إلى أنه لم يترجم إلى الفارسية سوى القليل من نصوص الاقتصاد التقليدي، حتى إنك لا تجد أيّ ترجمة لمؤلفات ماركس، و(المؤلفات التقليدية) للماركسية. فلم تتوفر هذه المؤلفات لدى الطلاب الإيرانيين حتى بلغتها الأصليّة إلاّ فيما ندر. وذلك لاعتبارها أفكاراً هدّامة من قبل النظام الشاهنشاهي.

أزمة الترجمات الاقتصادية ـــــــ

كانت أغلب الترجمات ضعيفة جداً، وأدّى افتقار المترجم إلى المعلومات اللغوية والاقتصادية إلى جانب القيود التي تفرضها أجهزة رقابة الدولة إلى زيادة الطين بلة. فكانت الترجمات مشوّهة في الغالب وغير دقيقة، وفي أكثر الموارد كان المترجم يحذف المقاطع التي ترفضها الرقابة. وكذلك كان المترجم يضطر إلى تحريف بعض المفردات التي حُظر استعمالها من قبل الرقابة، من باب المثال ترجمة كلمة (Class) بمعنى طبقة، كانت تستبدل بكلمة (مجموعة). و(Capitalism) بمعنى رأسمالي، كانت تستبدل
بـ (نظام السوق). و(Socialism) بمعنى الاشتراكية، تستبدل بـ (النظام المنهجي).
و(Exploitation) بمعنى الاستقلال، تستبدل بـ (الاستثمار والانتفاع). و(Employees) بمعنى العمال، تستبدل بـ (الموظفين أو الأجراء). و(Manager) بمعنى المسؤول، تستبدل بـ (المدير). و(Capitalist) بمعنى الرأسمالي، تستبدل بـ (ربّ العمل). وبرغم ذلك فقد تمّ نشر بعض كتب الاقتصاد الماركسي في إيران قبل انتصار الثورة، ومن أبرزها عدة مجلدات ترجمها أو نقحها (فرهاد نعماني)، وقد عرض فيها للجامعيين الإيرانيين نماذج من الأدبيات السائدة في الاقتصاد الماركسي. وكان أول نموذج للاقتصاد الماركسي يطبع في إيران في نهاية العقد الميلادي السابع (العقد الشمسي الخامس)، هو عبارة عن مادة دراسية أعدّها أعضاء كلية الثقافة والعلوم للاتحاد السوفيتي السابق، وقد أدى شيوع سمعة هذا الكتاب إلى إثارة مخاوف الرقابة التي أذنت بطبعه قبل الالتفات إلى محتواه بسبب اشتهاره، فبادرت إلى حظره وأودعت مترجمه السجن. ولكن أعيد طبع هذا الكتاب بعد حركة الشعب الثورية التي أدت إلى فتح الأبواب أمام الكتب المحظورة، لينفذ من السوق على يد المتنورين الماركسيين ثانية. فكان هذا الكتاب من النصوص الأساسية للاقتصاد، والتي لم يمكن الحصول عليها أو الاستفادة منها باللغة الأجنبية.

  لم يكن هذان الاتجاهان ـ أعني الاقتصاد الجامعي التقليدي، والاقتصاد السياسي الثوري ـ ناضجين أو مكتملين. ولكن مهما كانت النواقص، فقد شكل هذان الاتجاهان أرضية مساعدة لتقدّم  مجموعة من الجامعيين الباحثين والمتعطشين الأذكياء من الذين يرون في غالبيتهم أنّ الاقتصاد السياسي يشكل جزءاً لا يتجزّأ من نضالهم السياسي، وكانت هذهِ المجموعة من الطلاب بشكل عام على دراية بالكتب المهمة في الاقتصاد السياسي والنقد الاجتماعي المتوفرة في المكتبات. وكانت رغبة هذا النوع من الجامعيين على العموم مشدودة إلى الأدب والتاريخ وغير ذلك من العلوم الإنسانية ولاسيمّا علم الاجتماع منها. وذلك لتوفر المسائل المدوّنة  بكثرة في هذهِ المجالات. وكان حجم تأثير هذه الكتب يلحظ من خلال حجم الأسئلة التي يلقيها الطلاب داخل الفصول الدراسية وخارجها بشأن محتوياتها. وكان الطلاب في الغالب يطالعون كتب الاقتصاد السياسي التي لم يكن هناك إلزام في المناهج الدراسية بقراءتها، وإنما كانوا يقرؤونها في الغالب لغرض مجادلة وإثارة ومشاكسة الأساتذة المحافظين (الذين يتهمهم الطلاب بأنهم لا يتقنون سوى اجترار الترّهات الرجعية).

وبذلك كان الطلاب في مرحلة البكالوريوس في الاقتصاد يقطعون شوطاً دراسياً غير متعارف. فمن جهة كانوا يدرسون أسس علم الاقتصاد السائد >الغربي< في إطار المنهج الدراسي التحقيقي، ومن جهة أخرى يقرؤون الكثير من المطالب حول الإحصاء والاقتصاد القياسي والمتمم لهذا البرنامج الدراسي، قراءة واسعة يمارسها الطلاب أنفسهم في مجال الاقتصاد السياسي >الاقتصاد الماركسي غالباً<، وبطبيعة الحال كان هناك قليل من الدروس في العلوم التربوية التي لم تحظ باهتمام الأستاذ والطالب على السواء. وبذلك يكون الطالب الاعتيادي في آخر دورة في بكالوريوس الاقتصاد قد تعرف على أسس الماركسية، ومقدارٍ من أدبيات الاقتصاد السياسي الموجود في إيران. ولكن لاشك في أنّ هذهِ المعلومات كانت مشتتة وغير مدوّنة. ومهما كان، فبرغم أنّ الطلاب لا يشاركون  في الجدل الفكري الانتقادي أثناء فترة الدراسة الجامعية (وذلك بسبب عدم كفاية الوقت لمناقشة المسائل بحرية، ويندر أن يجبر الطالب على القيام ببحث نقدي أو المشاركة في الاختيارات الأصولية والناجعة)، إلا أنّهم كانوا يتمتعون بدافع قوي في التحليل النقدي للمسائل الاجتماعية وغالباً ما كان يعقد الطلاب بينهم حلقات للبحث والجدل. وعليه، فقد كان الذوق الفكري، والنشاط السياسي، والكفاءة التحليلية القوية لدى الطلاب (الذين انهوا الامتحانات العامة برغم تركيزها على الرياضيات) من العوامل التي تعوّض النقص الموجود في بنية الدراسة الرسمية لهذا الفرع. ولابدّ من التذكير بأنّ الكثير من المتخرجين في فرع الاقتصاد في العقد الميلادي السادس والسابع، كان يتم استقطابهم بوصفهم طاقات تكنوقراطية كفوءة في مؤسسة التخطيط والميزانية والمصرف المركزي ومركز إيران للإحصاء، والكثير من الوزارات والمصارف الأُخر والمؤسسات الخصوصية والحكومية.

وقد نجح بعضهم فيما بعد في العقدين الميلاديين السابع والثامن (العقدين الشمسيين الخامس والسادس) في الحصول على شهادة الدكتوراه من البلدان الأجنبية (والولايات المتحدة في الغالب)،  وأقام عدد منهم في الجامعات الأمريكية والأوروبية، بينما عاد الآخرون أدراجهم  إلى إيران.

الاقتصاد الثوري الإسلامي ، المراحل الأولى والمداميك الأولية ـــــــ

لم يكن هناك ما يذكر من الحديث حول الاقتصاد الإسلامي قبل حركة الشعب الثورية في عام (1357ش/1979م)، فكتاب (الإسلام والملكية) لمؤلفه آية الله السيد محمود الطالقاني (الطبعة الأولى، طهران، 1330هـ.ش)، وكذلك الترجمة الفارسية لكتاب (اقتصادنا) لمؤلفه آية الله السيد محمد باقر الصدر، والذي صدرت طبعته الأولى باللغة العربية في بيروت عام (1340هـ.ش)، وطبعت ترجمته الفارسية في إيران عام (1971م) الموافق لـ ( 1350هـ ش)، لم يشهدا إقبالاً كبيراً. في واقع الأمر كان الوضع حيث لا يعتبر فيه أيّ من علماء الاقتصاد في بلادنا نفسه عالماً في الاقتصاد الإسلامي، بل لم يكتب أيّ منهم كتاباً أو مقالاً في الرؤية الإسلامية؛  ليكون مدخلاً لعلم الاقتصاد الإسلامي. جدير ذكره أنّ علماء الاقتصاد الإيرانيين الثلاثة الذين شاركوا في المؤتمر العالمي للاقتصاد الإسلامي الذي عقد في مكة المكرّمة عام (1976م) الموافق لـ (1355هـ ش) لم يكن أيّ منهم  عالماً في الاقتصاد الإسلامي. في حقيقة الأمر أن الذين يعرفون بالإسلاميين من علماء الاقتصاد إنما دخلوا ساحة التنوير الإيراني في الأشهر الأخيرة من عمر النظام الملكي، حيث طبع كتاب (الاقتصاد التوحيدي) لمؤلفه (أبو الحسن بني صدر) للمرة الأولى خارج البلاد في عام (1978م)، وقريباً من هذا التاريخ صدر العديد من الكراسات المتفرقة حول أبعادٍ من الاقتصاد الإسلامي في نهاية عام  (1978م) الموافق
لـ  (1356هـ ش)، إلاّ أنّ واقع الأمر أنّ هذه الكراسات كتبها أناس ليس لديهم كثير معرفة بالإسلام  أو الاقتصاد.

علي شريعتـي وأهم محاولات البحث في الاقتصاد الإسلامي ــــــ

إن أهم شخصية أعدت الأرضية الخصبة لبحث الاقتصاد الإسلامي في إيران هو الدكتور علي شريعتي، وهو متنوّر مسلم يحمل رؤية العالم الثالث، وبذلك فهو شبيهٌ بـ (فرانس فانون) من هذهِ الناحية. فقد كانت آراؤه شديدة القرب من آراء (ماركس) و(سارتر)، وكان إلى حدٍّ ما مطلعاً على التيارات الفكرية الأوروبية المعاصرة. لقد بدأ الدكتور شريعتي نشاطه الجامعي في إيران عام (1964م) الموافق لـ (1343هـ ش) بعد عودته من فرنسا وحصوله على الدكتوراه من جامعة السوربون في علم الاجتماع. وفي دورة قصيرة، ولكنها مفعمة بالنشاط والعطاء، عمد إلى طرح مباحث في مجال معرفة الإسلام من المنظار الاجتماعي. وأثار حفيظة علماء الدين من المحافظين والتقليديين بسبب ما أعلنه من أنّ الإسلام هو دين المستضعفين وأنه يقوم على فلسفة الحرية (وليس مجموعة من الأسس الجامدة وغير الحيوية). إنّ النقطة الجوهرية والمحورية في الرؤية الثورية للإسلام عند شريعتي تكمن في رؤيته حول >فلسفة التاريخ<.

في الواقع كانت هذهِ الرؤية كما هو واضح رؤية مؤسلمة عن مفهوم المادية التاريخية، فهو يعتقد أنّ النزاع بين هابيل وقابيل إنّ هو إلاّ انعكاس لتضاد أساسي على طول التاريخ: فهو (التضاد بين الملكية الخاصة والعامة)، يقول شريعتي: إنّ هابيل عندما يضحّي بالجمل فهو في الحقيقة (يمثل عصر الاقتصاد القائم على الرعي والاشتراكية البدائية التي سبقت عصر الملكية). في حين إنّ قابيل إذ يضحّي بالحنطة (يمثل النظام الزراعي الإقطاعي والملكية الخاصة) ويرى أنّ قتل قابيل لهابيل نموذج لنهاية الاشتراكية البدائية، وبداية لعصر الملكية الفردية، وهذهِ المسألة هي التي تفسر الصراع الدائم بين المالكين وأولئك الذين يفتقرون إلى أدوات الإنتاج.

إنّ شريعتي يستخدم تحليلاً طبقياً ماركسياً كاملاً من حيث الشكل والبيان والمحتوى. فليس من الغرابة أن يتهمه خصومه التقليديون من المسلمين فيما بعد بالمادية، ونعلم أنّ اتهام المسلم بهذه التهمة يساوي نسبة الارتداد إليه. إلاّ أنّ شريعتي مع إذعانه بوجود بعض أوجه الشبه بين رؤيته ورؤية ماركس، يرفض اتهامه بالمادية. إنّ الآراء الخاصة بشريعتي حول الإسلام أدت إلى جذب الكثير من الشباب الناشط والموالي للماركسية، نحو الإسلام. حقيقة الأمر أن شريعتي كان مدركاً لميول المتنوّرين الإيرانيين نحو الماركسية. ولذلك كان يخضع الإحساس بالضعة لدى المتنوّرين المسلمين أمام الماركسية تحت مجهر الملاحظة والدراسة والاختبار.

 من الأمور الملفتة للانتباه في طرح بحث الإسلام والماركسية من وجهة نظر شريعتي، استعماله الصريح والأمين للمصطلحات الماركسية، وذلك في فترة تحظر فيها الرقابة استعمال مفردات مثل >الاستثمار< و>البروليتاريا<، بل وكل إشارة للثورة أو النضال الطبقي، ولذلك كان اليساريون من الكتاب يلجؤون إلى تغيير المصطلحات الماركسية لضمان بقائهم في الساحة وعدم تعرّضهم للمساءلة القانونيّة. لقد تمكن الدكتور شريعتي بهذا النهج من خلال البحث الحر من طرح الآراء الماركسية واستعمال المصطلحات الماركسية الصحيحة نسبياً، وساعد على الترويج للماركسية ونقد الامبريالية في إيران. وتكمن المفارقة في أنّ نهج الدكتور شريعتي هذا دعا بعض التجمعات اليسارية في إيران إلى اتهامه بالتواطؤ مع نظام الشاه للانقضاض على الماركسية. وحينما أفرج عن الدكتور شريعتي من السجن وأخذ بنشر كتابه في الرد على الماركسية في صحيفة كيهان تحت عنوان (الإنسان، الماركسية، والإسلام)، ارتفعت حدّة اتهام اليساريين لـه بمناوأة الماركسية. ومن جهة أخرى ادعى علماء الدين المحافظون دعم النظام الملكي للدكتور شريعتي في تهجّمه على الإسلام. ولكن بالنظر إلى اشتهار الدكتور شريعتي بين المتنوّرين المتدينين، لم تظهر اتهامات هاتين المجموعتين إياه إلى العلن.

كان الدكتور شريعتي حاملاً لرؤية ثورية عن التشيّع. فهو يقول: إنّ التعاليم الإسلامية تدعو المظلومين والمستضعفين إلى تحرير أنفسهم من رذائل الروابط الطبقية (التي قيدتهم بأغلال الفقر والاستغلال). وذلك لاعتقاده بأنّ الإنسان إنما يحصل على حريته من خلال زوال الملكية، وقيام النظام التوحيدي اللاطبقي.

من شريعتـي إلى مجاهدي خلق ــــــ

كان الكثير من المعجبين بشريعتي من الشباب الناشط يلتحقون بمنظمة مجاهدي خلق أو يتحولون إلى مؤيدين لها. فقد كانت رؤية هذه المنظمة بشأن فلسفة التاريخ قريبة من رؤيته، وإن كانوا أصرح منه في بيان تبعيتهم للماركسية. وكانت هذه المنظمة ترى أنّ القوة الوحيدة القادرة على إقرار التغيرات التاريخية تكمن في النزاع الطبقي، وترى أن النظام الاجتماعي التوحيدي نظام لا طبقي.

  كانت منظمة المجاهدين ـ مثل الدكتور شريعتي ـ مناهضة للامبريالية. ويبدو أنّ هذهِ المنظمة لوعيها نظرية «التبعية» كانت مؤيدة لأسلوب تحليل وآراء هذه النظرية، وكانت تعتقد ـ من خلال الالتفات إلى سيطرة الامبريالية على النظام العالمي للاقتصاد ـ انعدام فرص بلدان المنطقة في النمو الرأسمالي، ولذلك كان يذهب بها التصور إلى أنّ الهدف ينبغي أن يكون في رفض التبعية، واتباع سياسة تعمل على إلغاء الروابط الاجتماعية القائمة.

اعتمدت منظمة المجاهدين رؤية ماركسية بحتة في تحليل العلاقات التجارية، وكانت تقيم لأعضائها دورة سرية في علم الاقتصاد من خلال كراس تحت عنوان (اقتصادنا الميسر) في (209) صفحات، وقد ألفه أحد أعضاء المنظمة واسمه (محمود عسكري زاده) وهي نسخة مبسّطة لنظرية (قيمة العمل) لماركس. وعندما ألغيت الرقابة في نهاية العقد الميلادي السابع (العقد الشمسي الخامس) بفعل أحداث الثورة الإسلامية، حصل إقبال شديد على هذا الكتاب، وقرر كمادة دراسية في الفترة الأولى التي تلت انتصار الثورة في الكثير من الجامعات.

د. بيمان بين نقد الرأسمالية والماركسية ــــــ

 كانت معالم وجذور الأفكار الماركسية بادية بوضوح في مؤلفات الإصلاحيين من المسلمين قبل الثورة من الذين ألفوا في جوانب من الاقتصاد الإسلامي، ومن بين هؤلاء الدكتور(حبيب الله بيمان) الذي ينفي وجود العلاقات القائمة على المالكية في الإسلام، ويرى أنّ لرؤيته هذهِ صبغة بحثية خلافاً لرؤية الدكتور شريعتي ومجاهدي خلق. فهو من خلال إسراء مفهوم مالكية الله، يرفض جميع أشكال الحدّ من حصول الطبقة العمالية الكادحة على أدوات الإنتاج. حيث يقول: بالالتفات إلى قوله تعالى: >وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ< يجب توفير تلك الأدوات وجعلها في متناول الجميع، بغية استخدامها في عملية الإنتاج. وهذا البحث في الواقع يعود إلى أصل «مالكية الناس» الناظر إلى مفهوم الملكية في  الإسلام وكونها عامّة. ويرى أيضاً أنّ الأدوات نتاج حضارة بشرية، ولذلك لا يمكن أن تكون ملكيتها انحصاريّة وفردية، بمعنى أنّ لجميع أفراد البشرية حقّ امتلاك أدوات الإنتاج. مضافاً إلى ذلك يرى أنّ على الفرد أن يأكل بمقدار عمله وأن لا يأخذ أكثر من حاجته. ويرى أن تكديس الثروة أمر مرفوض ومخالف للإسلام، وذلك لاعتقاده بأنّ رأس المال لا يأتي إلاّ من طريق الاستثمار، ويشرح ذلك بالاستفادة من تحليل ماركسي بحت. يمكن إنفاق الأرباح الفائضة في شراء أدوات جديدة، إذ في غير هذهِ الصورة سيضطر العمال الفاقدون لأدوات الإنتاج إلى توظيف طاقتهم في خدمة أصحاب الأدوات الإنتاجية، وسيعمل أصحاب الأدوات على استثمارهم من خلال تخصيص القيمة الفائضة التي أنتجها العمال أنفسهم، وسيعمل الاستثمار بدوره على زيادة مستوى الإنتاج، وبذلك يغدو بإمكان الرأسماليين استخدام عدد أكبر من العمال وتخصيص قيمة فائضة أكثر. ويرى أنه لو أمكن توفير أدوات الإنتاج لجميع الأفراد لما حصل هذا الأمر. وبذلك يصل الدكتور (بيمان) إلى نتائج مشابهة لآراء (سان سيمون)، وينصح بقيام رأسمالية برجوازية مصغرة.

حظي نقد (بيمان) للرأسمالية والاستثمار، ورأيه في المجتمع الإسلامي المثالي بمكانة خاصة بين المسلمين الثوريين (خاصة بين الثوريين الذين لم يكن بوسعهم  من الناحية العقائدية قبول المادية التاريخية التي تؤمن بها منظمة مجاهدي خلق) خاصة بعد أن عرّف قانون الجمهورية الإسلامية هذهِ المنظمة بكونها (منظمة المنافقين) وذلك في عام
(1981م) الموافق لـ (1360هـ ش). كان (بيمان) قد نظّم أتباعه في مجموعة اسمها (حركة المسلمين المجاهدين)، وبطبيعة الحال كانت رقعة أفكار الدكتور بيمان الاقتصادية أوسع من إطار هذهِ المجموعة المذكورة بكثير. كما كانت الصحيفة الأسبوعية لهذهِ الجماعة وعنوانها  (الأمة) في أوائل العقد الميلادي الثامن (العقد الشمسي السادس) ذات جمهور واسع من الشباب الثوري المؤيّد لنظام الجمهورية الإسلامية، وكان لها تأثير واسع فيهم حتى كان يشار إلى هذهِ الصحيفة أحياناً على أنها ناطقة بأفكار التيار الثوري المتطرف في الجمهورية الإسلامية والذي يُدعى بـ ( تيار خط الإمام).

إن الآراء الثورية للدكتور بيمان في الاقتصاد الإسلامي، كانت في واقعها نموذجاً للآراء الفقهية الكلامية في الاقتصاد المخالف لنظام الشاه، إلاّ أنّ هذهِ الرؤية برغم انحيازها التحقيقي، حيث تسعى إلى التأكيد على حجية القرآن ومصادر الفقه الإسلامي، لم تبتعد عن كونها انعكاساً للماركسية، سواء من الناحية العقائدية أو أسلوب العمل. وكان هذا هو دليل انجذاب الشباب من الناشطين والمثقفين المسلمين إلى التفسيرات الثورية للاقتصاد الإسلامي، خصوصاً بين مجموعة من الطلاب الجامعيين من المؤيدين للنظام الاشتراكي والعرفي. ومهما كان فإنّ التمييز بين هاتين المجموعتين على صعيد النشاط الاجتماعي كان في غاية التعقيد والإشكال؛ وذلك لأنّ مصادر هاتين الجماعتين (المسلمة وغير المسلمة) تحظى بمستوىً واحد من الاعتبار والحجية.

الاقتصاد الإسلامي العامي ، مشروع السيد محمد باقر الصدر ـــــــ

كانت آراء الدكتور شريعتي الثورية وأفكار منظمة المجاهدين والجماهيريين تقوم على الأساليب الماركسية البحتة، في حين يمكن اعتبار الآراء الاقتصادية الإسلامية والعامية لآية الله السيد محمد باقر الصدر تجديداً كلامياً في الاقتصاد التقليدي الحديث، إن لآية الله الصدر ـ الذي تركت رسالته الاقتصادية في كتابه (اقتصادنا) من بين المنظرين لنظام الجمهورية الإسلامية تأثيرات عميقة ـ كلاماً صريحاً في بيان التوجّه العام للاقتصاد الإسلامي، فهو يرى أنّ الاقتصاد الإسلامي ليس علماً يُعنى بتفسير ومعالجة الظواهر المتعيّنة في الخارج، بل (هو ثورة لقلب الواقع الفاسد وتحويله إلى واقع سليم)، فهو يرى أنّ الوظيفة العلمية تجاه الاقتصاد الإسلامي أنّما يأتي دورها بعد قيام النظام الاقتصادي. وعليه، يذهب آية الله الصدر إلى أنّ وجود علم الاقتصاد الإسلامي ما هو إلاّ ادعاء لا يقوم على أساس، وعلاوة على ذلك فهو يشير إلى أنّ علم الاقتصاد الإسلامي يمكنه التحقيق والتدبّر ودراسة الأفكار والمفاهيم العامة في ظل مجتمع إسلامي يطبق فيه منهج الاقتصاد الإسلامي تطبيقاً كاملاً.

    يذهب السيد الصدر إلى أنّ الحرية الفردية في الإسلام مشروطة بمراعاة الأحكام الإسلامية، وعليه إذا سعى بعض الأشخاص إلى الإضرار بسلامة المجتمع من خلال سلوكياته المنحرفة، فإنّ للدولة الإسلامية كامل الحق في أن تحدّ من حرياته (ومنها حقه في الامتلاك). ويقترح السيد الصدر فيما لو أمكن توفير المستوى الأدنى من الرفاهية لجميع أفراد المجتمع أنّ تلعب الدولة الإسلامية دور العامل التنظيمي في إقرار التوازن الاجتماعي. ويرى أن ذلك يستلزم الحد من تمركز الثروة بيد الأفراد.

إن نظام الاقتصاد الإسلامي الذي يقترحه السيد الصدر يشبه في أصوله النظام الرأسمالي إلى حدٍّ كبير، وذلك لما نعرفه من دور الدولة في ضمان الاستقرار الاجتماعي في النظام الرأسمالي. كما تتضح مشابهة الرؤى الاقتصادية لآية الله الصدر لأسس نظام الاقتصاد الرأسمالي من خلال أسلوبه في تحليل العلاقات التجارية. وقد كرّس غالبية الجزء الأول من كتاب (اقتصادنا) للرد على المنهج الماركسي، فإنه في سعي منه إلى إبطال مفهوم (الاستثمار من خلال الثروة) يرد ّنظرية ماركس في قيمة العمل، حيث يقول في كيفية تكوّن القيمة على أساس الطلب:

«ويمكن فهم العلاقة بين القيمة الاستهلاكية والقيمة التبادلية في إطار العامل النفسي، فإن القيمة الاستهلاكية للسلعة هي الطلب، فهو الذي يحدد القيمة.. أما القيمة الاستهلاكية فهي وإن كانت منشأًً للقيمة، ولكنها لا يمكنها تحديد مقدار الطلب لوحدها.. فهناك تناسب عكسي بين العرض والطلب. وعليه، كلما زاد العرض قلّ الطلب وانخفضت القيمة».

إن السيد الصدر لإدراكه أنّ هذا النوع من التحليل قد يصّنفه في صفوف المدافعين عن الرأسمالية، أكد أنّ تحليله مجرد بيان للعناصر المشتركة بين الإسلام والرأسمالية، إلا أن هذا لا يعني أنه يدافع عن الرأسمالية الغربية بكل سلبياتها ومظالمها. وبالالتفات إلى كلام الشهيد الصدر القائل بأنّ الإسلام لا يدعي لنفسه منهجاً اقتصادياً، يكون ذلك مفهوماً بالبداهة، إلاّ أنّ هذا الموقف منه لم يكن كافياً في طمأنة المسلمين الناشطين والإصلاحيين في عصره (حيث لم يكونوا ليؤمنوا بالرأسمالية ولا بمنهجها). وقد نجح تيار الاقتصاد السياسي القوي في فرض الواقعية الاجتماعية للرأسمالية وبناء مؤسسات منهج الاقتصاد التقليدي الحديث في المجالات الفكرية والاجتماعية بعناوين مختلفة عن بعضها تماماً. بحيث يمكن تمييزها من بعضها بسهولة. أي أنّ الأوضاع الفكرية لدى العلماء المسلمين كانت بنحوٍ بحيث أثارت حتى المترجم الإيراني لكتاب اقتصادنا وهو السيد (محمد كاظم الموسوي البجنوردي) ليرى موقف السيد الصدر المؤيد للنظام الرأسمالي، جديراً بالمعارضة، وقد أعلن صراحة مخالفته لهذا الموقف.

الاقتصاد الإسلامي المدعوم من الحوزة العلمية بقم ، علامات الافتراق عن مشروع الصدر ـــــــ

أصدرت (جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم) كتاب (الاقتصاد الإسلامي) المدعوم من قبلها عام (1984م) الموافق لـ (1363هـ ش)، وقد بُنيَ الموقف الاقتصادي فيه على الرؤية التقليدية للفقه الإسلامي، والذي تراه جماعة المدرسين موافقاً لنظام السوق والاقتصاد التقليدي الحديث.

ومما يجدر ذكره هنا أنّ جماعة المدرسين برغم اتفاقها في الموقف مع آية الله الصدر في هذهِ الأسس، إلاّ أنها رفضت اقتراحه للدولة الإسلامية فيما يتعلق بتوفير «التوازن الاجتماعي» وفرض القيود للحيلولة دون ظهور الثروات الكبيرة، وبدلاً من ذلك تؤكد على >التنمية الاقتصادية< في مجال من >المساواة الاجتماعية<، وترى طلب الربح دافعاً إسلامياً مشروعاً. ولا تعتبر جماعة المدرسين نتيجة العلاقات السوقية عقلائية فحسب، بل وتراها منصفة وعادلة، بل إنّ جماعة المدرسين تتجاوز حتى دعاوى علماء الاقتصاد التقليديين (الذين يغضون الطرف عن مسألة العدل والإنصاف)، وتذهب إلى أنّ بلوغ المستوى الأقصى من الرفاهية >بما لمفهوم التقليدي الحديث من معنى<، يعد هدفاً للنظام الاقتصادي في الإسلام. ولكن بما أن المجتمع يواجه مشكلة مزدوجة وهي >الحاجة اللامحدودة مع المصادر المحدودة< يتعين على الدولة الإسلامية أن تفرض بعض القيود على حقوق الأشخاص. ولذلك تذهب جماعة المدرسين من خلال نوع من الاستنتاج الأرسطي لهذهِ القضية إلى ضرورة حماية حقوق الملكية للحيلولة دون الاضطرابات الاجتماعية. ويَقوم رأي جماعة المدرسين بشأن حقوق الملكية ـ في الإطار النوعي لاقتصاد السوق  ـ على الاعتقاد بالأصلين السائدين في الاقتصاد التقليدي الحديث، وهما:

1ـ محدودية المصادر .

2ـ مشروعية اكتناز الثروة .

يرى بعض علماء الاقتصاد من المسلمين مفهوم >محدودية المصادر< مخالفاً للتعاليم الإسلامية، وذلك لاعتقاده بانّ الله لعلمه وحكمته قد وفّر للإنسان جميع ما يحتاجه من  المواهب والنعم >إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ< ويروى أنّ كل أنواع المحدوديات الظاهرية في المصادر ما هي إلا نتاج للتخطيط الاجتماعي السّيّئ وغير المناسب، فمثلاً يذهب أبو الحسن بني صدر إلى أنّ قلّة ومحدودية المصادر إنما هو تجلٍّ للعلاقات الاجتماعية الظالمة التي يرى أنها لا تتفق والمجتمع الإسلامي المثالي؛ فهو يرى أنّ >علم الاقتصاد الراهن يوقفنا على حقيقة إمكانية بلوغ القدرة الظالمة القصوى تحت ذريعة محدودية المصادر واستثمارها، بل وتشديد تلك المحدوديات المزعومة< في حين يذهب (المدرسون) إلى أن الآيات القرآنية الدالة على وفرة النعم الإلهية في الأرض تختص بمرحلة عصر الظهور >حيث تُخرج الأرض جميع طاقاتها ومصادرها وتكون جميع النعم والمواهب الإلهية تحت تصرف المؤمنين<.

 كما آمن (المدرسون/جماعة المدرسين) بمشروعية اكتناز الثروة، إلاّ أنّ (الدكتور بيمان) الذي يرفض هذا الاكتناز انطلاقاً من أصل >مالكية الله< يرى أنّ قيام أفراد قلائل باكتناز الثروات يؤدي إلى حرمان الكثير من الناس من الحصول على المصادر الطبيعية، وهذهِ الحقيقة تؤدي بدورها إلى استغلال الأفراد الذين لا يملكون إلاّ قدراتهم العضلية، حيث يتم استغلالهم بطبيعة الحال من قبل أولئك الذين احتكروا المصادر الطبيعية لأنفسهم. وعليه، فمن وجهة نظر (بيمان) يُعدّ اكتناز الثروة وأجور العمل وجهين لعملة واحدة.

 إلاّ أنّ (جماعة المدرسين) يجيبون عن هذا الموقف بجوابين:

 الأول: إنهم يقولون ـ على طريقة علماء الاقتصاد التقليديين ـ: إنّ التوزيع المتساوي والعادل (distributional equity) يهدد التنمية الاقتصادية وبتبعها الرفاه الاجتماعي. كما أنهم يعتقدون أنّ العمل بإزاء الأجر يساعد الذين يملكون (النقود)، إلاّ أنّ طاقتهم على العمل محدودة، ونتيجة لذلك سينتفع المجتمع من الاتحاد القائم بين الثروة والعمل بشكل أفضل.

والثاني: إنهم يقولون بأنّ العمل من أجل الأجر لا يرفضه الإسلام  بتاتاً. إنّ الموقف المعارض لبعض علماء الاقتصاد من المسلمين للعمل من أجل الحصول على الأجر ينطلق من فحوى قوله تعالى: >وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى< ويرى هذا الصنف من علماء الاقتصاد مثل آية الله الصدر والدكتور بيمان والدكتور أبو الحسن بني صدر أنّ الذي يمكنه امتلاك «المنتوجات والمحاصيل الطبيعية» هو الذي توصل إليها وحصل عليها بجهده وسعيه وعمله. في حين ذهب المدرسون إلى أنّ الذي يحدد مالكية الأفراد للمصادر الطبيعية ليس هو العمل المباشر للفرد فحسب، بل إذا تمّ توظيف العمال من قبل صاحب الثروة بأجر «منصف» فعندها لا يتناقض هذا مع المبادئ الإسلامية. فإنهم يرون أنّ الأجرة إذا دفعت بشكل «منصف» لا يكون العامل مالكاً لنتيجة عمله، وإنما ملك عمله لصاحب المال بعد أن استلمه منه، فلا ينتفع بعدها بشيء، كما أنه لم يخسر شيئاً أيضاً؛ لأنّ القيمة التي أضافها للمصادر الطبيعية تعادل الأجر الذي حصل عليه. ويرى (المدرسون) فيما يتعلق بالمعاملات أنّ الأجور وأسعار السوق «منصفة» وكذلك تبدو متغيرات السوق ضرورية لرفع معطيات النظام الاقتصادي. وعليه، فمن وجهة نظر (المدرسين) مهما بلغ مقدار الأجر الذي يُعطى للعمال، فهو عادل ومنصف ما دام موافقاً ومنسجماً مع القيمة السوقية.

ويرى (المدرسون) أنّ كل ما يحصل عليه الفرد من الأرباح بواسطة النشاط المربح في السوق فهو مشروع «شرط أن لا يكون عن طريق الخداع وغيره من الأمور المحرمّة كالربا».

وخلاصة القول: إنّ (المدرسين) برغم شجبهم للرأسمالية الغربية، يؤكدون أهمية “المبــادرة الفرديــة” (Private  initiative) في الســوق بوصفها وسيلة لرفـــع مستـــوى الإنتاج الاقتصادي.

في الحقيقة أن الرؤية الاقتصادية الإسلامية للمدرسين تحدد إطاراً لإقامة اقتصاد للسوق لا تتدخل الدولة فيه إلاّ بالحّد الأدنى، وبذلك يكون (المدرسون)  من أنصار أشد التفاسير أصولية للاقتصاد الحديث، في حين أنّ هذا التفسير قد غضّ الطرف حتى عن “نقائص وعيوب السوق” كما أنه لا زال مستمراً في غضّ الطرف عنها.  ولذلك فإنّ هذهِ الجماعة ترفض الكثير من تدخلات الدولة في الشؤون الاقتصادية «مثل قوانين العمل، وقيود صرف العملة الصعبة في البلدان الصناعية والنامية». إنّ الاقتصاد الإسلامي الذي تؤيّده جماعة المدرسين في الحوزة العلمية الدينية بقم هو الاقتصاد الذي يدافع عن الروابط الإنتاجية للنظام الرأسمالي، ولا تتحمل الرؤية الثورية ـ الإسلامية المطالبة بالمساواة.  فمن وجهة نظر المدرسين حتى رؤية السيد الصدر القائمة على >التوازن الاجتماعي< تعدّ مرفوضة.  ومن الناحية المنهجية تمثل هذهِ النظرة الرؤية الاقتصادية التقليدية الحديثة بحذافيرها. فالذي يحدد الأجور والأسعار هو السوق، وتعتبر عادلة ومنصفة «شرط أن تكون بعلم المتعاقدين، وأن لا تنطوي على الخداع والاحتيال». وفي هذهِ الرؤية الاقتصادية تحظى التنمية الاقتصادية بأولوية كبيرة، وأنّ بإمكان السوق أن يشكل ضمانة للتنمية الاقتصادية. وعليه، فإنّ علم الاقتصاد التحليلي السائد في الإطار التحليلي لدى (المدرسين)،  هو مجموعة من الآراء العلمية، وهو لذلك لا يتعارض مع الإسلام ولا يتنافى معهُ بالضرورة.

    البرنامج الدراسي الجامعي الإسلامي التقليدي الحديث – كينزي ـــــــ

طبقاً لهذا النوع من الإعلان العقائدي والمنهجي في الاقتصاد في رؤية (جماعة المدرسين)، اقترح مركز الثورة الثقافية في شهر فبراير/شباط من عام (1984م) الموافق لـ (بهمن1363هـ ش) منهجاً دراسياً عامّاً لفرع الاقتصاد في الجامعات الإيرانية كافة، التي كان من المقرر افتتاحها في الخريف من العام اللاحق لتلك السنة. ومن ثم تمّ تطبيق هذا المنهج الدراسي المقترح في جامعات البلاد قبل أن تتم المصادقة عليه من قبل الشورى العليا للتخطيط في وزارة الثقافة والتعليم العالي.  وبعد سنوات من المشاورات وفي شهر ديسمبر/كانون الأول من عام (1991م) الموافق لـشهر آذر من عام (1370هـ ش) قدمت وزارة الثقافة والتعليم العالي النسخة المصححة وأقرّته رسمياً بوصفه منهجاً دراسياً في فرع الاقتصاد، وقبل في جامعات البلاد كافة.

 وطبقاً لتقريرٍ عن اجتماعات وزارة الثقافية والتعليم العالي، فإنّ البرنامج الدراسي لفرع الاقتصاد يهدف إلى تخريج خبراء تتوفر فيهم المواصفات التالية:

1ـ الإيمان بأصول العقيدة والفكر الإسلامي، وأن تكون رؤيتهم الدينية منسجمة مع أسس الاقتصاد الإسلامي.

2ـ أن تتوفر فيهم الكفاءة في معالجة مشاكل المؤسسات الخاصة والعامة وتجزئتها وتحليلها، والتنسيق مع الخبراء في هذهِ المجالات.

3ـ أن يكونوا قادرين على تحمّل مختلف المسؤوليات على المستويات الإدارية كافة  في المؤسسات الخصوصية والحكومية.

4ـ أن يكونوا مؤهلين لمواصلة التعليم في مستوى الدراسات التكميلية.

يتَضمن هذا البرنامج الدراسي مئة وأربعين وحدة دراسية، يطويها الطلاب في ثمانية فصول دراسية، تستغرق سبعة عشر أسبوعاً، وهي عبارة عن ثلاثة وعشرين وحدة في العلوم التربوية، وواحد وثمانين وحدة تخصّصية، وأربعين وحدة خاصة بفرع الطالب، وهي عبارة عن ستة فروع محددة: الاقتصاد النظري، والاقتصاد التجاري، والاقتصاد الصناعي، واقتصاد الشحن والنقل، والنقد والصيرفة، والاقتصاد والزراعة.

إنّ هيكل البرنامج الدراسي لفرع الاقتصاد في جامعات إيران شبيه بهيكل البرامج الدراسية في الجامعات الأمريكية، إلاّ فيما يتعلق بتأكيدها الشديد على الوحدات الدراسية في الاقتصاد، وإهمالها الكامل للدروس الاختيارية غير الاختصاصية. إنّ إحدى خصائص التعليم في الجامعات الإيرانية هو اهتمامها المتواصل بالدروس التخصّصية في الفرع المحدّد؛ لأنّ الهدف المتصّور من الدراسة على مستوى التخرّج، إمّا هو التعليم الحرفي أو الإعداد لمواصلة الدراسة في المراحل التكميلية، هذا وتؤكد فصول الأنظمة الداخلية المصادق عليها من قبل وزارة الثقافة والتعليم العالي أنّ المتوقع من المتخرجين في هذا الفرع أن يكونوا إما خبراء يمكنهم التنسيق مع الخبراء الآخرين من الذين يتمتعون بمستويات علمية أوسع، أو أن يتمكنوا شخصّياً من مواصلة الدراسات التكميلية.

   إنّ هذا البرنامج الدراسي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالوحدات الدراسية الإسلامية، حيث هناك أربع عشرة وحدة من بين ثلاث وعشرين وحدة تختص بالدروس التربوية في العلوم الإسلامية (انظر الجدول رقم [1]). لا يوجد في هذا البرنامج الدراسي دروس في الأدب أو الفلسفة أو العلوم والتاريخ غير الإسلامي، في الحقيقة لا تتوفر الفرصة لأي طالب في فرع الاقتصاد لمطالعة تاريخ إيران والعالم، أو التعرف على المدارس الفلسفية الأُخر خارج إطار الإسلام، وإنّ البرنامج الدراسي العام هو المجال الوحيد الذي يتمكن الطالب من خلاله اجتياز مثل هذهِ الوحدات الدراسية، إذ إنّ بقية الوحدات الدراسية لمرحلة التخرّج تخُص الوحدات الاقتصادية والتي يضطر فيها الطالب في المواد الاختيارية إلى اختيار الدروس من بين المواد الاقتصادية المناسبة لفرعه.

   الجدول رقم (1): البرنامج الدراسي العام لفرع الاقتصاد ـــــــ

ت عنوان الدرس عدد الوحدات
1 الفارسية (1) 2
2 الإنجليزية (1) 2
3 المعارف الإسلامية (1) 4
4 الأخلاق الإسلامية (1) 2
5 الرياضة والتربية البدنية (1) 1
6 الفارسية (2) 2
7 الإنجليزية (2) 2
8 المعارف الإسلامية (2) 2
9 الأخلاق الإسلامية (2) 2
10 الرياضة والتربية البدنية (2) 1
11 تاريخ الإسلام 2
12 الثورة الإسلامية وجذورها 2
13 النصوص الإسلامية 2

المصدر: وزارة الثقافة والتعليم العالي، تقرير اجتماع الثاني والعشرين من ديسمبر/كانون الأول عام(1991م) الموافق للأول من شهر دَي من عام (1370هـ ش).

 إنّ أكبر عدد للوحدات الدراسية لطلاب مرحلة التخرج في فرع الاقتصاد، عبارة عن خمسٍ وعشرين وحدة تخصّصية في الاقتصاد (راجع جدول رقم[2]). لم يدرج درس أسس ومباني الاقتصاد ضمن هذهِ الوحدات، لافتراض أنه من الدروس السابقة للمرحلة الجامعية، إلاّ أنّ الجامعات كافة أدرجت هذا الدرس وألزمت الطلاب بدراسته، ومهما كان فبرغم أن الوحدات التخصّصية في فرع الاقتصاد في مرحلة التخرج أكثر بكثير من جميع الوحدات التخصّصية في الفرع نفسه والمرحلة في الجامعات الأمريكية، إلاّ أنّ ترتيب وعرض هذهِ الوحدات شبيه بالوحدات الدراسية في الجامعات الأمريكية. وفي الوقت نفسه فإنّ هذهِ الوحدات الدراسية شبيهة بالوحدات التخصّصية لفرع الاقتصاد في مرحلة التخرج قبل انتصار الثورة الإسلامية. ويبدو أنّ أسلمة افتتاحيات الدروس كان لها تأثير محدود جدّاً في هذا المجال. أي في الحقيقة أضيف درسان من الدروس الإسلامية التخصّصية، وهما: الأسس الفقهية للاقتصاد الإسلامي، والنظام الاقتصادي في صدر الإسلام. ونعلم أنّ هذين الدرسين ليسا من الدروس الاقتصادية في جامعات العالم.

بشكل عام يتعيّن على الطلاب بعد إكمال البرنامج الدراسي العام، أن يمضوا الدروس الاختصاصية في إحد الفروع الاقتصادية الستة، إلاّ أنه من الناحية العملية نجد الجامعات المهمّة في البلاد تقرّ الدروس في فرعين فقط، وهما: الاقتصاد النظري والاقتصاد التجاري. وغالباً ما يذهب الجامعيون إلى اعتبار الاقتصاد النظري من الفروع الدقيقة وذات السمعة الأفضل، لذلك يحظى هذا النوع بإقبالٍ كبير. ويجب على هؤلاء الجامعيين اجتياز أربعين وحدة، منها ثمان وعشرون وحدة (إلزامية)، واثنتا  عشرة وحدة (اختيارية)، (راجع الجدول رقم [3]). وهذهِ الوحدات شبيهة أيضاً بالوحدات المتّبعة في الجامعات الأمريكية، والدرس الوحيد الذي يحمل طابعاً إسلامياً في هذهِ المجموعة هو درس(المصرف الإسلامي برقم 329 لفرع الاقتصاد النظري) وأمّا من ناحية المضمون فليس هناك بين الوحدات الدراسية المقررة في برنامج وزارة الثقافة والتعليم العالي في إيران والوحدات الشبيهة بها في الجامعات الأمريكية سوى فارق قليل جدّاً. فنجد مثلاً أنّ درس (أسس ومباني الاقتصاد برقم 101 لفرع الاقتصاد) شبيه بالوحدات الدراسية المتّبعة في الكثير من الجامعات الأمريكية (راجع الجدول رقم [4])، حيث يبدأ هذا الدرس بالأسس التقليدية الحديثة «الندرة والاختيار» ومن ثمّ يتم التعرض بنوع من التحليل التمهيدي لنظرية القيمة والوفرة الاقتصادية، أي بنفس الطريقة التي يتمّ فيها عرض هذهِ الدروس على الجامعيين في غير فرع الاقتصاد. وإنّ محتوى درس أسس ومباني الاقتصاد (101) في الجامعات الإيرانية، خلافاً لوحدات الاقتصاد التمهيدية المتّبعة في الجامعات الأمريكية «سواءٌ في النظرة الليبرالية أو المحافظة» لا تتعرض لبحث المسألة الاجتماعية أبداً.

                الجدول رقم (2): الدروس التخصّصية لفرع الاقتصاد ـــــــ

رقم الدرس   عنوان الدرس                        عدد الوحدات       الحاجة

101           أسس أو مباني الاقتصاد (أ)             4

201           الإنجليزية(3)                                3                  07

202           الأسس والنظام والإدارة (ب)            3

203           قانون التجارة (ب)                          3

204           مقدمات علم الاجتماع (ب)              3

205           الرياضيات (1)                              4

206           الرياضيات (2)                              4                 205

207           الإحصاء (1)                                 4                 205

208           الإحصاء (2)                                 4            206 و207

209           أسلوب البحث                               3                 208

210           الحسابات (1)                               3

211           الحسابات (2)                               3                 210

212           جغرافيا الاقتصاد الإيراني (ب)        4

213           الاقتصاد المختصر(1)                     4

214           الاقتصاد المختصر (2)                    4                 213

215           الاقتصاد الموسع (1)                       4                 213

216           الاقتصاد الموسع (2)                       4                 215

217           النقد والمصارف                             3                 216

218           المباني الفقهية للاقتصاد الإسلامي    3            214 و216

219           الاقتصاد العام                               3            214 و216

220           النظام الاقتصادي في صدر الإسلام   3            214 و216

221           النظم الاقتصادية (ب)                    3                 220

222           التجارة العالمية                               3            214و216

223           الضرائب العالمية                            3                 222

224           التنمية الاقتصادية                         3            214و216

225           الاقتصاد الإيراني                          3                 224

                  المجموع                                  81 وحدة

أ ـ من المفترض اجتياز هذا الدرس في المراحل الإعدادية، فإذا لزم الأمر فعلى المجموعة التعليمية ذات الشأن إقراره.

ب ـ يمكن استعاضة هذهِ الدروس بدروس من الوحدات الاختيارية.

المصدر: راجع الجدول رقم (1).

  إنّ درس الاقتصاد المختصر (213 و214)، والاقتصاد الموسع (215 و216) من مناهج هذا الفرع، إذ يشكل مقدمة لجميع الدروس الاقتصادية الأخر. إنّ الدرس الأول من كل واحد من هاتين المجموعتين الاقتصاد المختصر(1) والاقتصاد الموسع(2) يعادل درساً في فصلين (أسس ومباني الاقتصاد) في أمريكا، والذي يعد من الدروس الإلزامية في الجامعات الأمريكية للدخول في فرع الاقتصاد. والغاية من إقرار درس الاقتصاد المختصر(1)، والاقتصاد الموسع(2) واحدة.

جاء في النظام الداخلي المصادق عليه بالنسبة لهذهِ العناوين:

<إنّ الهدف من هذا الدرس تعليم النظريات الاقتصادية على المستوى المختصر (الموسع) ووضع تلك النظريات في إطار الأسس والمباني الإسلامية، وقد اتبعنا في عرض إطار هذهِ الدروس منهجاً لإيجاد تحليل علمي للاقتصاد والقيم والآراء الفقهية الإسلامية، وبيان رابطة منطقية بينها>.

    الجدول رقم (3): الدروس التخصصية لفرع الاقتصاد النظري  ـــــــ

رقم الدرس عنوان الدرس عدد الوحدات الحاجة
301 الاقتصاد الزراعي 3 214
302 الاقتصاد الإداري 3 208و 214
303 الاقتصاد العام 3 219
304 الرياضيات في الاقتصاد 3 206و214و216
305 الاقتصاد القياسي 4 206 و214 و216
306 تاريخ الفكر الاقتصادي 3 214 و216
307 تقييم المشاريع 3 214 و216
308 البرمجة الاقتصادية 3 224
309 اقتصاد المصادر 3 214
المجموع 28  وحدة

(تابع) الجدول رقم(3): الدروس التخصصية لفرع الاقتصاد النظري ـــــــ

رقم الدرس عنوان الدرس عدد الوحدات الحاجة
310 اقتصاد النفط والطاقة 3 309
311 مقدمات برمجة الحاسوب 3 205
312 الميزانية 3 219
313 الاقتصاد المدني 3 214 و216
314 الاقتصاد المحلي 3 214 و216
315 البحث الميداني 3 208
316 حسابات الشركات 3 214
317 اقتصاد العمل 3 214
318 اقتصاد الرفاه 3 214
319 اقتصاد التعاونيات 3 224
320 الاقتصاد المتمركز 3 221
321 اقتصاد العالم الثالث 3 224
322 الحسابات الوطنية 3 216
323 حساب الاحتمالات والإحصاء الاستنباطي 3 208
324 الرياضيات (3) 3 206
325 الإدارة المالية (1) 3 211
326 الاقتصاد الصناعي 3 214 و216
327 اقتصاد الشحن والنقل 3 214
328 أسس الضمان 3 205
329 المصرف الإسلامي 3 217
330 علم السكان 3 208
331 قياس الاقتصاد التطبيقي 3 305
332 البحوث الاقتصادية (1) 1ـ3 214 و216
333 البحوث الاقتصادية (2) 1ـ3 214 و216
334 البحوث الاقتصادية (3) 1ـ3 214 و216
335 الإنجليزية (4) 3 201
 الدروس الاختيارية (12 وحدة)

المصدر: راجع الجدول رقم (1).

الجدول رقم (4): فهرس عناوين درس أُسس ومباني الاقتصاد (رقم الدرس 101)ـــــــ

أولاً- مقدمات علم الاقتصاد

1ـ ما هو علم الاقتصاد؟

2ـ الندرة والاختيار: المعضلة الاقتصادية.

3ـ العرض والطلب: نظرة عابرة.

4ـ الاقتصاد المختصر والاقتصاد الموسع.

ثانياً- الاقتصاد الموسع

5ـ الربح والتوفير.

6ـ الاعتدال في الطلب.

7ـ التغيرات في الطلب (تحليل معدل الارتفاع).

8ـ الاعتدال في العرض.

9 ـ السياسة المالية والاقتصاد في العرض.

10ـ  النقد والمصارف.

 11ـ سياسة النقد والاقتصاد الوطني.

ثالثاً- الاقتصاد المختصر

12- اختيار المستهلك ومنحنى طلب الفرد.

13- طلب الجميع للبضاعة .

14- المعطيات الداخلية ونفقات الإنتاج.

15- الربح الجيد والتسعير: تحليل هامشي.

16- السمرة والصناعة في سوق التنافس التام.

17- نظام الأسعار والتعريف بالحرية الاقتصادية .

18- الانحصار .

19- السوق بين التنافس التام والانحصار .

20- ميكانيزما السوق: نقاط الضعف وطرق الحل.

21- التسعير وعوامل الإنتاج.

22- القوة العاملة: المعطيات المهمّة .

23- مقارنة النظم الاقتصادية.

المصدر: راجع الجدول رقم (1).

قراءة تقويمية في البرامج الجامعية الإيرانية في فرع الاقتصاد ــــــ

 وبذلك يذهب الصدر و(جماعة المدرسين) إلى اعتبار الاقتصاد (الغربي) السائد «علماً في الاقتصاد». ويتم وضع الاقتصاد الإسلامي «ضمن الترتيبات التنظيمية والمؤسساتية المؤيدة من قبل الإسلام» إلى جانب هذا النوع من «التحليل العلمي». وكذلك تم إقرار وتأييد أسس، مثل: المنفعة الشخصية، وعقلنة عمل المسؤولين في الاقتصاد، وسعي المستهلك للحصول على المستوى الأعلى من الربح، أو هدف المؤسسة أو السمسار الاقتصادي فيما يتعلق برفع أرباحها ومصالحها إلى أعلى المستويات. وبذلك يكون أسلوب عرض الدرس وشرح الموضوع جارياً على الطريقة التقليدية في التحليل التقليدي الحديث، ولكن مجرداً عن بعض التوضيحات الهامشية بشأن المصطلحات المتعلقة بالعقود الإسلامية أو مشروع إدراج الأهداف الاجتماعية ضمن «أرباح المستهلك والسمسار الاقتصادي». وبعد دراسة توابع الإنتاج والتكاليف تم بحث أُمور من قبيل: تحليل البنية السوقية، والأسواق العاملة، والتوازن العام، وتحليل الرفاهية في الرؤية التقليدية الحديثة.

إنّ إطار عرض الدرس هذا شبيه إلى حدٍّ بعيد بإطار العناوين المقدمة في دروس الاقتصاد المختصر المتداولة في حصص الجامعات الأمريكية. كما يمكن ملاحظة هذا الشبه في دروس أُخر، مثل: الاقتصاد الموسع، والتجارة العالمية، والضرائب العالمية والتنمية الاقتصادية أيضاً. بل إنّ درس (النقد والمصارف) ـ برغم نفي مفهوم ربح النقد في الإسلام والجمهورية الإسلامية ـ ما هو إلاّ ترجمة أمينة لدرس (نظرية النقد) المقرر في الجامعات الأمريكية، الذي يؤكد فيه على أهمية دور النقد في السوق النقدية. وإنّ درس (المصرف الإسلامي) يندرج ضمن الدروس الاختيارية.

إنّ البرنامج الدراسي لفرع الاقتصاد «المصادق عليه من قبل وزارة الثقافة والتعليم العالي» في الجامعات الإيرانية يحمل ماهية أمريكية واضحة، سواء من ناحية الشكل أو المضمون. كما يمكن ملاحظة هذا الشبه في النصوص الدراسية التطبيقية في الجامعات الإيرانية (الملحق2). برغم أنّ الكثير من النصوص الدراسية في الاقتصاد الإسلامي تمّ تأليفها بأقلام غربية أو هندية ـ باكستانية، وقد سعى مؤلفوها إلى أسلمة الاقتصاد النظري السائد في الغرب، إلاّ أنه لم يترجم إلى الفارسية سوى النزر القليل منها. بل، وقلما أُدرجت النصوص الدراسية التي ألفها بعض الكتاب الإيرانيين حول الاقتصاد المؤسلم في البرنامج الدراسي التمهيدي لطلاب الجامعات.

ربما عاد سبب الشبه بين البرنامج الدراسي في فرع الاقتصاد في الجامعات الإيرانية والأمريكية إلى هيمنة علماء الاقتصاد الدارسين في أمريكا على الجامعات الإيرانية. فمثلاً نرى أنّ مدير قسم الاقتصاد في اللجنة الثورية الثقافية قد نال شهادة الدكتوراه من إحدى الجامعات الأمريكية، وأنه قبل أن يلتحق باللجنة الثقافية الثورية في عام (1980م) الموافق لـ (1359هـ ش) كان عضواً في الهيئة العلمية لجامعة ولاية كليلوندا الأمريكية. وفي عام (1993م) الموافق لـ (1372هـ ش) كان عدد أعضاء الهيئة العلمية في كلية الاقتصاد في جامعة طهران قد بلغ أربعة وثلاثين عضواً، وكان ثمانية وعشرون منهم قد حصلوا على شهادة الدكتوراه: ستة عشر شخصاً من أمريكا، وأربعة أشخاص من فرنسا، وثلاثة من ألمانيا، واثنان من إنجلترا، وواحد من تركيا. وأكثر هؤلاء الأساتذة المتخرجين في أمريكا يؤكّدون في تدريسهم على المصادر الدراسية المطبوعة في أمريكا في نهاية العقد الميلادي السابع وبداية العقد الثامن (العقد الشمسي السادس).

    إنّ لجنة الثقافة الثورية، وكذلك وزارة الثقافة والتعاليم العالي كانتا تشجّعان على ترجمة النصوص الدراسية في أغلب الفروع الدراسية إلى الفارسية، فمثلاً بدأ مركز النشر الجامعي (التابع للجنة الثورة الثقافية) أعماله في فترة تعطيل الجامعات بتكليف مختلف الأفراد بترجمة النصوص وتدوين أنواع الدروس. وكذلك كانت مؤسسة دراسات وتدوين كتب العلوم الإنسانية (التابعة لوزارة الثقافة والتعليم العالي) من المشجّعين والداعمين لترجمة الدروس الجامعية إلى الفارسية، ويتحقق نشاط نشر هذا النوع من المراكز الحكومية إلى جانب نشاط نشر المراكز التقليدية في الجامعات وغيرها من المؤسسات ووزارات البلاد. فمثلاً عمدت وزارة التخطيط والميزانية إلى نشر كتاب (التنمية الاقتصادية) لمؤلفه تودارو (TODARO). كما عمدت منظمة الإذاعة  والتلفزة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى نشر كتاب (الاقتصاد الموسّع) بقلم: دورنبوش فيشر
(DURNBUSCH  FISHER) .

 لقد شهدت بنية فرع الاقتصاد في إيران   بعد الثورة أسلمة جزئية: فأمّا برنامج الدروس والعناوين فكانت على ما هي عليه قبل الثورة تقريباً. وأمّا البرنامج المصادق عليه من قبل وزارة الثقافة والتعليم العالي فقد كان البرنامج الدراسي الذي تقترحه على الجامعات في الحقيقة أنموذجاً عصرياً لفرع الاقتصاد على ما هو متّبع في الجامعات الأمريكية. وقد انعكس هذا التغيير في الإصرار على الأساليب الكميّة «الذي كان سائداً في الجامعات وقلما كان متّبعاً في بعض الكليات الفنية» وطرح بعض العناوين الجديدة بشأن الدروس المقترحة في الاقتصاد النظري.

 من الاختلافات المهمة بين العناوين المقترحة من قبل وزارة الثقافة والتعليم العالي، وعناوين ما قبل الثورة أنّ بعض الدروس الجديدة تحمل نقداً صريحاً لنظام الاقتصاد العالمي، ولكن بشكل غير منظم، ففي العنوان المقترح لدرس الاقتصاد العالمي (222) تمّ بحث نظرية التبعية والامبريالية بشكل إجمالي. وأنّ درس الضرائب العالمية (223) يتضمن قسماً حول (تحليل الربح الفائض) و(المبادلة غير المتكافئة). وفي درس التنمية الاقتصادية
(224)، أُدرج بحث نقد نظام الاقتصاد العالمي كجزءٍ من أهداف هذا الدرس، ويهدف هذا الدرس إلى تعليم المهارات التحليلية للطالب كي يجيب عن أسئلة من قبيل الأسئلة الآتية:

ما هي أسباب الفقر والتقدم الاقتصادي البطيء في أكثر البلدان الآسيوية والإفريقية وبلدان أمريكا اللاتينية؟… ما هي مسؤولية الأنظمة الرأسمالية العالمية والشيوعية في تخلف هذهِ الأنظمة الاقتصادية؟… كيف يمكننا تخليص أنفسنا من التبعيّة للغرب والهيمنة الإمبريالية؟… هل يمكن لنظريات الكتّاب الغربيين أن تساعد شعوب العالم الثالث؟

   غير أنّ محتوى هذا الدرس لا يقدّم للطالب أي تحليل يساعده على الإجابة عن هذهِ التساؤلات. فهذا الدرس هو في واقع الأمر جولة في التنمية حتى بدايات العقد الميلادي السابع. ولكن مع ذلك فإنّ تأييد إدراج عناوين مثل: الامبريالية، والتبعية، والتوزيع غير المتكافئ في الإطار القانوني للبرنامج الدراسي في فرع الاقتصاد جدير بالملاحظة إذا ما قيس بعناوين الدروس في مرحلة ما قبل انتصار الثورة، حيث لم يكن بالإمكان استعمال مثل هذهِ المصطلحات إلاّ في إطار الأدبيات السرية والأروقة الخفية.

 أما التغيير المهم الآخر، فعبارة عن السعي إلى توحيد وتحسين عناوين الدروس في   جامعات البلاد كافة، وكأنّ هذا الأمر لم يكتب لـه النجاح من الناحية العملية، خاصة وأنه لم يكن من الممكن لأعضاء الهيئة العلمية إعداد الكادر التدريسي للكثير من الجامعات في الأقضية والمحافظات. ونعلم أنّ هذا ما لا يتأتى حتى للجامعات الأمريكية، سوى القليل من الجامعات التحقيقية الرئيسة التي تتوفر على عدد كبير من أعضاء الهيئة العلمية لتدريس جميع هذهِ الدروس. إلاّ أنّ الذي أدى إلى تشديد الأزمة في إيران هو قلّة الأساتذة في فرع الاقتصاد.

 أوضاع المناخ الدراسي الجامعي في إيران ، ميزات وأزمات ـــــــ

 طوال العقد الميلادي السابع (العقد الشمسي الخامس) حيث كانت الحاجة إلى الأساتذة الجامعيين أكثر بكثير من عدد الأفراد المتواجدين في هذا المجال، ولكن تمّ التغلّب على هذهِ المشكلة إلى حدٍّ ما، حيث أدّى الحل في تلك المرحلة إلى أن ينتهي لمصلحة جمع من الأساتذة، عُرفوا بـ «الأساتذة المنبريين»، وكان نشاط هؤلاء الأساتذة المنبريين يتلخص في التدريس في مختلف جامعات البلاد بأُجرة على عدد الساعات التدريسية، وكانوا يتنقلون يومياً بين محافظات البلاد بواسطة الطائرات، وربما بلغت ساعات التدريس لكل واحد منهم عشر ساعات يومياً. وقد عرفت هذهِ الجماعة بما يصطلح عليه في أمريكا بأساتذة الطيران (FLYINQ PROFESSORS (. ويُعد التدريس لهؤلاء الأساتذة ـ وهم في الغالب من أعضاء الهيئة العلمية الدائمين في الجامعات ـ لمدة ثلاثين إلى أربعين ساعة في الأسبوع أمراً طبيعياً ومألوفاً، في حين أنّ عدد الساعات التدريسية أسبوعياً في أكثر الجامعات العالمية المهمة لكل أستاذ عبارة عن درسين طوال مدة الدراسة، وست ساعات من الاتصال الاستشاري مع الطلاب طوال الأُسبوع.

  إنّ السبب في رواج هذهِ الظاهرة هي الرواتب المتدنية التي يتقاضاها أساتذة الجامعات، فطوال العقدين الماضيين كانت رواتب الأساتذة في بداية انتسابهم تكاد لا تفي بما يعادل تأجير شقة صغيرة تناسب الطبقة المتوسطة في طهران. وإنّ الرواتب التي يتقاضاها أساتذة الطيران من خلال تدريسهم أكثر بكثير من رواتبهم الاعتيادية. ومن الطبيعي أن تؤدي هذهِ الظاهرة بالتدريسيين في حقل الاقتصاد إلى: عدم توفر الأساتذة للطلاب، وتعيين المستوى الأدنى من الواجبات الدراسية للجامعيين بحدود درس عادي أو كراسة قليلة الحجم، وتتلخص تكاليف الطالب الجامعي في مستوى التخرج بالامتحان النهائي دون أن يطالب بتحقيق أو كتابة تقرير أو امتحان أثناء الدراسة، أو أي اختبار مختصر أو ما شاكل ذلك. إلاّ أنّ الذي سدّ النقص وعالج الضعف في هذا الفرع هو العدد الكبير من الوحدات التخصصية ممّا يؤدّي بطبيعة الحال إلى التكرار المتوالي للكثير من المفاهيم الأساسية لهذا الفرع وعلم الاقتصاد طوال المرحلة الدراسية. إلاّ أنّ العدد الكبير من الوحدات الدراسية في فرع الاقتصاد يؤدّي إلى حذف الكثير من الدروس العامة للعلوم التربوية. إلاّ أنّ إدراج برنامج يثري دروس العلوم التربوية كان يمكنه تحويل نقص الأساتذة بنقصهم في الفروع الأُخر.

أدلجة الجامعات ــــــ

في الأعوام التي تلت الثورة الثقافية حصلت بعض التغيرات في الوسط الدراسي الاجتماعي والسياسي، منها الإقصاء السياسي للطلاب المنهمكين في العمل السياسي في الجامعات المهمة في البلاد والسيطرة الآيديولوجية الواضحة لنظام الجمهورية الإسلامية على النظام التعليمي العالي. فعندما افتتحت الجامعات سنة (1984م) الموافق لـ (1363هـ ش) تعرض الطلاب والأساتذة إلى غربلة شديدة، فتمت إحالة الأساتذة الناقدين أو غير الإسلاميين على التقاعد أو تمّ إقصاؤهم بمختلف الذرائع. وأما الناشطون السياسيون من الطلاب فتمّ طردهم أو أنهم لم يرجعوا إلى الجامعات مخافة الملاحقات المحتملة. أما الذين عادوا إلى الجامعات منهم فكانوا ملزمين بإعلان الوفاء للجمهورية الإسلامية والتعهد بعدم القيام بأيّ نشاط مناوئ للنظام، كما كان الجامعيون الجدد ملزمين بأداء اختبار عقائدي تحت عنوان (الرؤية الدينية) يؤهّلهم للدخول إلى الجامعة، وعلاوة على ذلك يتمّ انتقاء حوالي أربعين بالمئة من الجامعيين من بين أبناء الشهداء الذين استشهدوا في الحرب بين إيران والعراق، والمتطوعين في تلك الحرب (أعضاء التعبئة العامة والبسيج). ومن بين أعضاء مختلف المؤسسات الإسلامية. وبذلك كان يتم ضبط الفصول الدراسية عقائدياً ولكن بشكل غير مباشر.

إنّ انحراف الأستاذ أو الطالب نحو ما يصطلح عليه الجامعيون المنتسبون إلى التكتلات الإسلامية «غير إسلامي أو مخالف للإسلام» كان لـه تبعات مختلفة داخل الصفوف وخارجها من قبل مختلف اللجان العقائدية المشرفة. إن شبكة التجمعات الإسلامية ومكاتب الجهاد الجامعي التي تعّد جزءاً من التشكيلة الرسمية لإدارة الجامعات، كانت من العناصر الأساسية لفرض الرقابة العقائدية على نظام التعليم العالي في البلاد. وبذلك كان يحكم الأجواء الجامعية نوع من الحتمية «الشاملة للعقيدة الإسلامية بمعزل عن التفسير الثوري لها، وبمعزل عن الاقتصاد السائد في الغرب». الأمر الذي أدّى بالجامعيين وأعضاء الهيئة العلمية إلى التوجه نحو الأساليب الاقتصادية دون الأساليب التحليلية للاقتصاد. وفي الحقيقة ربما أمكن اعتبار هذا النوع من الدراسة المغربلة سياسياً في الجامعات، مقاومة سلبية ضد جهود بعض تيارات النظام للهيمنة السياسية العقائدية بشكل كامل بوصفها من أهم أهداف نظام التعليم العالي في البلاد.

بالالتفات إلى عدم جاذبية مفهوم «الاقتصاد الإسلامي» في المسرح السياسي للبلاد «وقد كان هذا بنفسه معلولاً لانتهاج سياسة تحرير الاقتصاد من قبل حكومة الجمهورية الإسلامية» يبدو أنّ الهيمنة الآيديولوجية الإسلامية في مراكز التعليم العالي في البلاد آخذة بالأفول، وفي الوقت الراهن يبدو أنّ الطالب المسلم والمناضل في العقد الميلادي الثامن (العقد الشمسي السادس) يترك موقعه لجيل جديد من الطلاب يتركز اهتمامه على البحث عن فرص للعمل، وليس لهم ما كان لأقرانهم من الجيل السابق الذين كان هاجسهم الوحيد ينحصر بالأهداف الإسلامية والثورية. وبذلك فإنّ الاقتصاد السائد في الحقيقة آخذ بالتحرر من المسؤولين الكبار في البلاد ومجموعة من الطلاب الإسلاميين في الجامعات. ومهما كان فإنّ الطريف في البين أنّ مسألة قيام الثورة الثقافية والتطهير الإيديولوجي للعلم وفرع الاقتصاد «الذي كان لـه الحظ الأوفر من مخالفات المنظرين في الجمهورية الإسلامية» عاد في النهاية ليعمل على تعزيز أمركة فرع الاقتصاد الذي تمّ التأسيس له في العقد الميلادي السادس (العقد الشمسي الرابع) في إيران.

الملحق رقم (1) ـــــــ

فهرس لبعض الكتب الدراسية لفرع الاقتصاد التي كانت تدرّس بشكل واسع في إيران قبل انتصار الثورة الإسلامية:

أ ـ في مجال الأسس والمباني الاقتصادية:

Paul samuelson, Eonomics: Lntroductory Analysis (New York: McGraw-Hill, 1958

ترجم إلى الفارسية تحت عنوان (الاقتصاد) في جزأين، المترجم: حسين بيرنيا (طهران، بنكاه ترجمة ونشر كتاب عام 1343 هـ ش).

 مباني علم الاقتصاد، تأليف منوشهر فرهنك (طهران، انتشارات دانشكاه ملي إيران، عام 1342 هـ ش).

ب ـ في حقل الاقتصاد الفردي:

نظرية السعر والإنتاج العامة، تأليف: منوشهر زندي حقيقي (طهران، انتشارات جامعة طهران، عام 1350 هـ ش )

أصول الاقتصاد الفردي، تأليف: باقر قديري أصلي (طهران، مدرسة عالي بازركاني، عام 1351هـ ش).

Richard H . Iefrwitch, The price System and Resource Allocayion (New York: Holt, Rinehart and Winston, 1966).

ترجم إلى الفارسية تحت عنوان (نظام الأسعار وخصخصة مصادر الإنتاج)، المترجم: مير نظام سجّادي، (طهران، مؤسّسة العلوم المصرفيّة، عام 1351 هـ ش)

 جـ ـ في حقل الاقتصاد الموسّع:

  النظريات الاقتصادية في القرن العشرين، تأليف: منوشهر زندي حقيقي (طهران، انتشارات جامعة طهران عام 1348هـ ش ).

  الاقتصاد الشامل، تأليف: محمود منتظر ظهور (طهران، مدرسة عالي بازركاني، عام 1350 هـ ش )

هـ ـ في حقل النقد والمصارف:

   النقد، تأليف محمد مشكاة (طهران، دهخدا، عام 1348 هـ ش)

M.Harlan Smith,The Essentials of Money and Banking (New york: Random House, 1968 ).

   ترجم إلى الفارسية تحت عنوان (أسس النقد والمصارف ) المترجم: نصر الله وقار (طهران، مؤسسة العلوم المصرفية، عام 1350 هـ ش).

و ـ في حقل الاقتصاد العالمي:

 نظرية الاقتصاد العالمي الحديثة، تأليف محمد مشكاة (طهران، انتشارات مدرسة عالي بازركاني، عام 1359 هـ ش).

الملحق رقم (2) ـــــــ

فهرس لبعض المواد الدراسية في فرع الاقتصاد، والتي تم تدريسها في الجامعات الإيرانية على نطاق واسع بعد انتصار الثورة الإسلامية:

أ ـ في حقل أسس ومباني الاقتصاد:

Dominick Salvator, Principhes  of  Economics  (New York: McGrow-Hill 1982).

ترجم إلى الفارسية تحت عنوان (أسس علم الاقتصاد) المترجم: محمد ضياء بيكدلي (طهران، مؤسسة العلوم المصرفية، عام 1370 هـ ش).

مبادئ علم الاقتصاد، تأليف: طهماسب دولتشاهي، (طهران، انتشارات خجستة، عام  1371 هـ ش ).

ب ـ في حقل الاقتصاد الفردي:

John P.Doll and  Frank Oranzem, Production Economics: Theory with Application ( New york: wiley 1984 ).

ترجم إلى الفارسية تحت عنوان (اقتصاد الإنتاج)، المترجم: محمد رضا ارسلان بد (طهران، مركز نشر دانشكاهي، عام 1366 هـ ش).

H.R.Varian, Microeconomic Analy-sis, 2nded.( New York: W.W.Norton,1984)

ترجم إلى الفارسية تحت عنوان بحوث في الاقتصاد الفردي المتطوّر، المترجم: محمد طبيبيان، (طهران، انتشارات بيشرد، عام 1368 هـ ش).

Charles E.Ferguson,Microecono-mic Theory (Home Wood: Richard lrwin, 1966).

ترجم إلى الفارسية تحت عنوان (نظرية الاقتصاد الفردي)، المترجم: محمود روزبهان، (طهران، مركز نشر دانشكاهي، عام 1370 هـ ش).

Dominiek Salvatore, Theory and Problems of Mierotheory. Schwan’s Outline ( New york:McGraw-Hill,1983)

ترجم إلى الفارسية تحت عنوان: (نظرية الاقتصاد الفردي ومشاكله) المترجم: حسن السبحاني، ( طهران، نشر في عام 1370 هـ ش ).

  1. Charles Maurice and Owen R.Philips, Economic Analysis:Theory and Application(Home Wood:Richard lrwin,1986).

ترجم إلى الفارسية تحت عنوان (الاقتصاد الفردي)، المترجم: أكبر خميجاني (طهران، انتشارات دانشكاه طهران، عام 1372هـ ش).

ج ـ في حقل الاقتصاد الشامل:

FredGlahe, Macroeconomic Theory and Policy (New york: Harcourt Brace Jovanovich (1997).

ترجم إلى الفارسية تحت عنوان (نظرية وسياسة الاقتصاد الشامل)، المترجم: مهدي تقوي (طهران، مكتبة فروردين، عام  1365هـ ش ).

Rudiger Dornbusch and Stanley Fischer,Macroecomics,3rd ed.(Singapore:McGraw-Hill lnternational, 1958 ).

ترجم إلى الفارسية تحت عنوان (الاقتصاد الشامل) المترجم: محمد حسين تيزهوشان تابان (طهران، إذاعة الجمهورية الإسلامية في إيران، عام 1370 هـ ش).

  د- في حقل الاقتصاد القياسي والتحليل الرياضي:

Jean .E. Weber,Mathematical Anal-ysis:Business and Economic Appliea- tions (New york: Harper and Now (1982).

ترجم إلى الفارسية تحت عنوان (التحليلات الرياضية وتطبيقاتها في الاقتصاد والتجارة) المترجم: حسين علي بوركاظمي (طهران، انتشارات جامعة الشهيد البهشتي عام 1367 هـ ش).

Robert S. Pindyck and D. L. Rubinfield, Econometric Models and Economic Forecasting (New York: McGraw-Hill (1981).

ترجم إلى الفارسية تحت عنوان (نماذج الاقتصاد القياسي والتكهنات الاقتصادية)، المترجم: محمد أمين كيانيان (طهران، مؤسسة مطالعة وتدوين كتب العلوم الإنسانية، وزارة الثقافة والتعليم العالي، عام 1370 هـ ش).

Potturio Rao and Roger Le Rey Miller, Applied Econometics (BeLmont, CA: Wadsworth [1971]).

ترجم إلى الفارسية تحت عنوان (الاقتصاد القياسي التطبيقي)، المترجم: حميد أبريشمي، (طهران، مؤسسة التحقيقات النقدية والمصرفية، عام 1370 هـ ش).

Oscar lange, lntroduction to Econometrics, 2nd ed. (New York: Pergamon Press, 1962).

ترجم إلى الفارسية تحت عنوان (معرفة الاقتصاد السياسي)، المترجم: محمد حسين طوقاني نجاد، (طهران، مركز نشر دانشكاهي، عام 1370 هـ ش).

Damoder, N. Gujarati, Basic Econometrics (New York: McGraw-Hill (1984).

ترجم إلى الفارسية تحت عنوان (الاقتصاد القياسي)، المترجم: حميد ابريشمي، (طهران، انتشارات جامعة طهران، عام 1371 هـ ش).

  هـ ـ في حقل النقد والمصارف:

نظرية النقد، تأليف: باقر قديري أصلي، (طهران، انتشارات جامعة طهران، عام 1366 هـ ش).

Dudley G. Luckett, Money and Banking (New York: McGraw-Hill [1984]).

ترجم إلى الفارسية تحت عنوان (النقد والمصارف)، المترجم: محمد رضا حاجيان، (كلية الاقتصاد في جامعة طهران، عام 1367 هـ ش).

 و ـ في حقل التجارة والضرائب العالمية:

Dominick Salvatore, lnternational Economics, Schwan’s Outline (New York: Macmillan [1978]).

ترجم إلى الفارسية تحت عنوان (الاقتصاد العالمي)، المترجم: هدايت ايران برور، وحسن كلريز، (طهران، نشر ني، عام 1366 هـ ش).

(الاقتصاد العالمي)، تأليف: رحيم بروجردي، (طهران، انتشارات الجامعة الحرّة، عام 1370 هـ ش).

 زـ في حقل الاقتصاد العام:

Robin W, Boadway, Public Sector Economics (Cambridge: Winthrop, 1979).

ترجم إلى الفارسية تحت عنوان (الاقتصاد العام)، المترجم: جمشيد بجويان، (طهران، انتشارات الجهاد الجامعي، عام 1366 هـ ش). وهناك أيضاً ترجمة أخرى بنفس العنوان، للمترجم: جواد بورمقيم، (طهران، نشر ني، عام 1369 هـ ش).

   الاقتصاد العام، تأليف: أحمد جعفري صميمي، (طهران، انتشارات علمي، عام 1371 هـ ش ) .

   ج ـ في حقل التنمية الاقتصادية:

Michael p. Todaro , Economic Dev-elopmentin the Third World, 2nd  ed . ( New York : Longman [1981]).

    ترجم إلى الفارسية تحت عنوان (التنمية الاقتصادية في العالم الثالث)، المترجم: غلام علي فرجادي وحميد بهرامي، (طهران، وزارة التخطيط والميزانية، عام 1366 هـ ش).

________________________________________________________

(*) أستاذ الاقتصاد في جامعة دنيسون بولاية أوهايو.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً