أحدث المقالات

أ. نبيل علي صالح(*)

ينقسم التراث أو التاريخ الثقافي والحضاري الغربي ـ بحَسَب التحقيب الزمني الذي وضعه فلاسفة التفكير الغربي ـ إلى ثلاث مراحل أساسية: الأولى منها هي مرحلة العصور القديمة (عصر الإغريق اليونانيين حيث الفترة الذهبية للفلسفة والعقل، وتمتدّ من 500ق.م حتّى العام 400م، الذي تبنّى فيه الرومان الدين المسيحي؛ والمرحلة الثانية الأطول هي مرحلة العصور الوسطى، وتبدأ من تاريخ سقوط الإمبراطورية الرومانية في الغرب حتّى فتح إسطنبول، إيذاناً بسقوط الحضارة الرومانية البيزنطية في الشرق على يد السلطان محمد الفاتح في العام 1453م. وهي كانت مرحلة ظلامية على الغرب عموماً؛ والمرحلة الثالثة هي المسمّاة (مرحلة العصور الحديثة)، وتبدأ من منتصف القرن الخامس عشر، حيث تفجّرت معالم النهضة الأوروبية (مع الدعوة إلى إحياء الفلسفة والعلوم اليونانية)، مروراً بعصر الأنوار في القرن الثامن عشر، حتّى العصر الحالي.

يعدّ مصطلح العصور الوسيطة أو القرون الوسطى مصطلحاً غربياً بامتيازٍ، لا علاقة لنا نحن (في اجتماعنا العربي والإسلامي) به، لا تأسيساً ولا نحتاً فكرياً؛ حيثُ ظلّت (تلك العصور الوسطى) تُعْتَبر ـ بالنسبة إلى الفكر الأوروبي ومؤرِّخيه على الأقلّ ـ عصوراً مظلمة بكلّ معنى الكلمة، انحدرت فيها البشرية الأوروبية ـ إذا جاز التعبير ـ إلى أدنى غرائزها ووَعْيها، حيث سادَتْ فيها الكنيسة (بتعاليمها وقداستها) في أكثر تجلّياتها رجعية([1])، معبِّرة عن نفسها خصوصاً بمحاكم التفتيش التي وقفت متصدّية لكل فكرٍ حرّ، ولكلّ محاولة لأنسنة الأفكار والصعود والارتقاء بالمجتمعات، فكان أن حُرِّم الفكر الحرّ، وحُظر أيّ تجديد في المفاهيم. لكنّ الإرادة البشرية والحضور العقلي ورفض البقاء في سجون الفكر القروسطي دفع العقلاء مجدَّداً إلى تسليط الضوء العقلي على العصر الإغريقي؛ في محاولة لإعادة اكتشافه، فتراكمت التطوّرات، وتفجرت ينابيع المعرفة فلسفات إنسانية راقية، بايعت العقل مرجعية للتجديد والإصلاح الديني.

وبالاستطراد قليلاً يمكن القول: إنّ اهتمامَ الغرب في العصور الوسيطة كان منصبّاً على الدين والوحي والتقاليد الدينية الموروثة من عهود سابقة، وكانت الثقافة والعقل آخر اهتمامات النخب المفكرة، وهي نخب الدين من رجالات الإكليروس القروسطي ممَّنْ كانت لهم آراء وتوصيفات ونصوص ومفاهيم مقدّسة حول مختلف شؤون الناس الخاصة والعامة، وكانوا يمنعون انتهاكها بحجّة الحفاظ على قدسيّتها وعذريّتها التاريخية إذا صحّ التعبير، بل كانوا يعاقبون عليها أشدّ وأقسى ألوان وصنوف العذاب، حتّى اشتهرت عنهم محاكم التفتيش الصورية، التي أسهمت في دفع الناس إلى ترك الدين، والابتعاد عن طقوسه وتعاليمه، والسير وراء فلسفات وضعية، وتبنّي رؤى مجتمعية مغايرة للدين، صاغتها عقول روّاد التنوير الأوروبي، في ردٍّ معرفي عقلي على ترّهات وأباطيل الأفكار الكنسية المتخلِّفة، التي كان يمثلها الكاهن في وَعْيه وسلوكه وعلاقاته. وهذا ما حدث مع العالم «كوبرنيكوس»(1473 ـ 1543م)، الذي قام بأولى الثورات العلمية على الكنيسة، وذلك من خلال ما طرحه في كتابه (الثورة في عالم السماوات)، وناقض فيه النظرية الكنسية القديمة القائلة بأن الأرض هي مركز الكون. كما كان من البديهي أن يحدث التناقض، وبالتالي التصادم المكلف، بين الفكر السائد المهيمن على العقل والسلوكيات الخاصة والعامة منذ قرون طويلة سابقة وبين حاجات الناس المتفاقمة، التي لم يكن بمقدور الفكر التقليدي الرثّ والمنحطّ الإجابة عنها، ومعالجة تداعياتها في الشأن العام. وفي مثل هذه الحالات كان على الفلسفة (والعقل) أن تأخذ دَوْرها، لتصبح إحدى مكوّنات ثقافة المجتمع؛ لأنّ الإيمانَ (الديني) لا يمكنه على الإطلاق أن يتنكّر (عملياً وواقعياً) للعقل، أو يستغني عن التفكير العقلي، حتّى في حالة رفضه له (وهو لا يرفضه بطبيعة الحال).

من هنا حاول فلاسفةُ العصر الوسيط ومفكِّروه الكبار، من مسيحيين ومسلمين، القيام بما يمكن القيام به من عمليات فكرية واجتهادات عقلية؛ للتوفيق بين مرجعيتين متصادمتين: مرجعية العقل؛ ومرجعية النقل، بين العقل والنصّ، بين النسبيّ والمطلق. فبذلوا كلّ جهدهم، وصرفوا كلّ وقتهم، لتكييف النصّ الديني مع التغيُّرات والمستجدّات الحياتية، مجمعين على أنّ العقل والنقل مصدران أساسيان وضروريان للمعرفة.

وهكذا وجدنا ـ مثلاً ـ فيلسوفاً كبيراً، كالفيلسوف النصراني (المسيحي) القديس «أوغسطين»، يبذل معظم جهوده للتوفيق بين فلسفة أفلاطون وفلسفة أفلوطين من جهةٍ والعقائد المسيحية من جهةٍ أخرى. ونفس الشيء فعله القديس «توما الأكويني»، حين انصرفَ بجهوده إلى التوفيق بين تعاليم أرسطو وعقائد المسيحية. وكذلك فعل الفلاسفة والحكماء المسلمون في محاولاتهم التوفيق بين حكمة الإغريق ونصوص القرآن.

وخلال هذه المرحلة لم تظهر معالم واضحة للفكر المادّي، بل كانت أهمّ الأسئلة التي انشغل بها فلاسفة العصر الوسيط، في محاولتهم الإجابة عنها، متركّزة حول طبيعة العقل، وحدوده، وماهية شروط المعرفة العقلية…، وتبيان أسباب وجود تعارض العقل مع النقل، وبأيٍّ منهما يمكن الأخذ، العقل أم النقل؟

وعلى صعيد التاريخ الإسلامي والفلسفة «العربية ـ الإسلامية» (التي تألّقت خلال فترة الجمود والانحطاط الغربي ـ مرحلة العصر الوسيط) فقد تمظهرتْ الفلسفة والحضارة بأشكال دينية، أي إنها ارتبطت بالتاريخ الديني رغم احتكاكها وتفاعلها الخصب والثريّ مع باقي الحضارات والفلسفات الأخرى التي ظهرت على مسرح الأحداث، كحضارة اليونان التي كانت حضارة العقل، وحضارة الرومان التي كانت حضارة القانون.

وقد نجم عن هذه التفاعلات الحضارية قراءات جديدة للمعرفة وأسسها وأصولها، وعن دَوْر الفرد البشري فيها، ومعنى وجوده، وإرادته ومسوؤلياته وحرّيته. ونحن نتحدّث هنا عن تطوّر فكري وعقلي حدث في عمق التاريخ الإسلامي، الذي يحيط النصّ بأحداثه من كلّ الاتجاهات الفردية والعامة. فمثلاً: رأينا كيف تحدّث المعتزلة عن الحرّية عموماً، وخاصّة عن حرّية الإنسان ومسؤوليته عن أفعاله، وأنّ العدالة الإلهية تقوم على حرّية هذا الإنسان، وتحكيم العقل؛ لأن الثواب الحقيق العادل يقتضي حرّية الفعل والسلوك والمسؤولية الكاملة عنه. كما نتحدّث عن الإضافة الفكرية النوعية لابن خلدون حول «تاريخانية» الحدث، وتأثير الظروف المادية على الإنسان، وعن قربه من المعتزلة رغم أشعريّته؛ حيث وضع الأساس لما يقترب من علم تاريخ اجتماعي حقيقي، في ربطه المدنية والتمدّن بالعمران. كما نتحدّث عن الفيلسوف الفارابي والحكيم ابن سينا اللذين اعتمدا في العمق على حكمة العقل، قبل أنْ يطوّرها ابن رشد إلى مقولة رائدة في وقته، وهي: «إن العالم يتطور على أساس العقل…». كما يمكن الحديث هنا عن منعطف أبي بكر الرازي، الطبيب الحاذق والتجريبي؛ حيث إنّ ما يميِّزه هو ظهور بعض الآثار «المادية» في فلسفته التي ظهرتْ في القرن العاشر الميلادي. ثم طبقة ابن حزم الأندلسي الظاهري (القرن 11م) وفخر الدين الرازي (القرن 13م).

وعلى الرغم من أنّ الفلاسفة المسلمين عاشوا في ظلّ عدم القدرة على الفصل ما بين الفلسفة واللاهوت، إلاّ أنه ظهرت لدى بعضهم أفكار ونزعات عقلانية (غير دينية) صِرْفة. فكان الكندي أوّل مفكّر عربي وضع قضية المعرفة في إطار يتجاوز معناها ومظهرها اللاهوتي.

كما ظهرتْ ـ خلال هذه الفترة الزمنية ـ شخصيات كثيرة أخرى «قلقة شاكّة» إذا صحّ التعبير، ذهبت أبعد مدىً من مجرّد اتخاذ العقل كبديلٍ للنصّ المنقول المتوارث، بل يمكن القول: إنها نهجت النهج المادّي الصريح تقريباً، وأثارتْ كثيراً من الأسئلة والإشكاليات، اعترضت من خلالها على طبيعة المقدّس والنصّ الديني الإسلامي، وكانت تسمّى بالزنادقة أو الهراطقة، آمنت بأفكار مخالفة بل ومناقضة لتوجّهات وتعاليم الدين الإسلامي، ومع أنها لم تتحوَّل إلى خطٍّ واضح وبارز على صعيد الاجتماع الديني الإسلامي، فقد أثارت كثيراً من المخاوف لدى أئمّة الدين الإسلامي وعلمائه.

ومصطلح الزندقة أو الزنادقة، والهرطقة أو الهراطقة، هو مصطلحٌ عامّ كان يطلق على حالات عديدة، يعتقد أنها أطلقت تاريخياً لأول مرّة من قِبَل المسلمين لوصف أتباع الديانات المانوية أو الوثنية والدجّالين ومدّعي النبوة، والذين يعتقدون بوجود قوتين أزليتين في العالم، وهما: النور؛ والظلام. ولكنّ المصطلح بدأ يطلق تدريجياً على عموم أصحاب البِدَع والملحدين، كما ويطلقه بعضهم على كلّ مَنْ يعيش ما اعتبره المسلمون حياة المجون من الشعراء والكتّاب، واستعمل البعض تسمية زنديق لكلّ مَنْ خالف مبادئ الإسلام وتشريعاته الأساسية. ويعتبر ظهور حركة الزندقة في الإسلام من المواضيع الغامضة التي لم يسلّط عليها اهتمام يذكر من قِبَل المؤرِّخين، بالرغم من قِدَم الحركة التي ترجع إلى زمن العباسيين. وهناك كتبٌ تاريخيةٌ تتحدّث بصورة سطحية عن أشهر الزنادقة، والمحاربة الشديدة التي تعرّضوا لها في زمن خلافة أبي عبد الله محمد المهديّ. ومن هذه الكتب: كتاب «الفهرست» لابن النديم، وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، وكتاب مروج الذهب للمسعودي. ومن البديهيّ للمتتبِّع لتاريخ تلك الحقبة الزمنية أن يعي بأن الزندقة أضحَتْ تهمة التهم التي يرمى بها أحياناً أيّ مخالف للآراء السائدة (التقليدية) في زمانه، دون النظر حتّى لجوهر الرأي([2]).

وكان من أبرز رموز الهراطقة والزنادقة الذين ذكرهم ابن النديم في فهرسه([3]) كلٌّ من: صالح بن عبد القدوس، وأبي عيسى الورّاق، وابن أبي العوجاء، وابن المقفَّع، وغيرهم.

وأما «الدهريّون» فهم أشخاصٌ كانوا ينفون الخلق الإلهي، ويعتقدون بالخلق الطبيعي، أي الخلق المادّي. وقد أطلق القرآنُ الكريم لقب أو مصطلح «الدهر»([4]) على تلك القوة التي يؤمنون بها، والتي يعتقدون بأنها هي مَنْ تُميتهم وتُحييهم، في دلالة على الخلق الطبيعيّ، لا الإلهيّ. كما أطلق عليهم علماء الكلام المسلمون مصطلح (الدهريين)، يقول تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ﴾ (الجاثية: 24)([5])، وقوله تعالى: ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ﴾ (المؤمنون: 35)، وقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً﴾ (الإسراء: 49).

ويُشتقّ المصطلحُ من كلمة «الدهر»، حيث إن أتباع هذا النهج كانوا يرَوْن أن الزمان (أو الدهر) هو السبب الأوّل للوجود، وأنّه غير مخلوق، ولا نهائي، وأن المادّة لا فناء لها.

بما يجعلنا نفترض إمكانية أن نعتبر «الدهرية» شكلاً قريباً من اعتقاد «اللادينية» و«الإلحاد» والفكر المادّي الذي كان ينتشر في كثيرٍ من حضارات وأمم العالم.

يبقى أن نقول هنا حول الدهريين: إن ظهورهم سبق مرحلة ظهور الإسلام، وهم لم يتحوَّلوا إلى نهجٍ وخطّ فكري فاعل ومؤثِّر في حركة التاريخ، بل بقي دَوْرهم محدوداً وضعيف الأثر([6]) حتّى خلال العصر الوسيط وما بعده.

كلّ هذا كان يعني أن التاريخ العربي والإسلامي لم يكن تاريخاً ناصعاً مليئاً بقِيَم الدين والإيمان بتعاليمه ومقدّساته، والاقتناع التامّ والمطلق بالشريعة التي جاء بها هذا الدين فقط. فقد وجدت في هذا التاريخ ـ وخاصّة في المرحلة الوسيطة غربياً والذهبية إسلاميّاً ـ الكثير من الشخصيات الفكرية والفلسفية المعروفة التي شكّكت ليس في السلوكيات والأفعال، وإنما في جوهريّة الدين وأصل الخلق، بما يعني أنها كانت ذات نهج فكري مادّي طبيعي (تعيد الخلق لقوة الطبيعة يعني المادة). وقد لاحظنا أنّ كثيراً من المؤرِّخين لم يسلّطوا الضوء الكافي على تلك الشخصيات، التي كانت بغاليبتها تخفي قناعاتها خوفاً، وبعضها الآخر كان يعلنها فيقتل وتحرق كتبه. لكن المفكِّر المشهور «عبد الرحمن بدوي» حاول في كتابه المرجعي «تاريخ الإلحاد في الإسلام»، من مصادر عدّة، تجميع أفكار «الدهريّين» وأقوالهم، وتوثيق ما يمكن توثيقه من أخبارهم وحوادثهم، باعتبارهم جزءاً من هذه الحضارة العربيّة والإسلاميّة الكبيرة والغنيّة، التي أثَّروا فيها وتأثَّروا بها، وكوَّنوا حالةً وحراكاً في داخلها، تأثر به رُبَما حتّى المدافعون عن الدين أنفسهم، من شيوخه والمتكلِّمين به، بحيث اضطرّتهم إلى تطوير أدواتهم وسبل مواجهتهم حتّى تتناسب بقدر الإمكان مع العلم الحديث، والفلسفة الوافدة، وروح العصر، ممّا وقع في مصلحة العامة، وأثرى حضارتهم.

المادية (الفكر المادي) في العصر الحديث

مرَّ الغرب الحديث بتجارب كبرى سياسية واجتماعية، كان من أبرزها حضوراً وتدفقاً وجودةً وتأثيراً تَفَجُّر النهضة العقلية والفكرية في القرنين الخامس والسادس عشر. وقد أسهمت (تلك النهضة) في بروز تجارب غير معهودة من قَبْل، بنيت على قاعدة الحسّ والمعاينة والاختبارات. كما أدّت تلك النهضة إلى نشوء نظريات فكرية وفلسفية جديدة، لم تكن لتأتي ويتمّ ابتكارها وتخليقها لولا التحرُّر من سجون الكَبْت الفكري والديني الكنسي، الذي كانت سيطرته مهولة على البشر والحجر والشجر. وهذه هي الفلسفة الحديثة التي نشأتْ ـ في واقع الأمر ـ على يد كثير من فلاسفة الأنوار والحداثة العقلية، وبخاصّة «رونيه ديكارت» بشكّه المنهجي، وحقائقه الثلاث (الله، والنفس، والجسم)، وتأمّلاته عن الكوجيطو (الكوجيتو)؛ و«فرانسيس بيكون» بدعوته إلى التخلّي عن الميتافيزيقا باعتبارها دراسةً عقيمة ولا جدوى منها، وبدء الحديث عن خطوط المنهج التجريبي القائم على المشاهدة والملاحظة والتجربة والاستنتاج العلمي، الذي يأتي على هيئة قانون علميّ صريح وواضح. وهذه الفلسفة الحديثة أخذتْ عنواناً عريضاً لها، مارسَتْه بقوّةٍ وفاعلية، وهو عنوان النقد والحفر الفكري المعرفي المعتمِد فقط على العقل. وبذلك قطعتْ صلتها بالفكر الفلسفي الميتافيزيقي السابق ذي الصبغة اللاهوتية، والذي كان منشغلاً ـ كما قلنا ـ بمشكلة الوجود والميتافيزيقا، دون التطرُّق والبحث لمشاكل الإنسان وحاجاته الدنيوية وهمومه ومتطلّباته الأرضية.

وهكذا بدأت العقولُ والأفكارُ الحديثة تهتمّ بمشكلة المعرفة وخدمة الإنسان، التي كان ديكارت يقول عنها بأنها معرفة مفيدة في الحياة، تجعل من أنفسنا سادة الطبيعة وملاكها([7]).

وبدءاً من القرن السابع عشر، بدأ صعودٌ مهمّ للفكرة المادية، حيث ستتّخذ المادية اتجاهاً ملحداً واضحاً، يقوم على التعارض بين المادة والجوهر المفكّر. وفي نظرية المعرفة ترد المعرفة إلى الحواس وحدها. وهي تتصوّر الكون على أنه كلّ مؤلف من أجسام مادية، فيه تجري أحداث الطبيعة وفقاً لقوانين موضوعية ضرورية. والزمان والمكان والحركة تعدّ أحوالاً للمادة. وكل ظواهر الوعي (الفكر) تتوقف على التركيب الجسماني للإنسان([8]). وقد تجرّأ وقتها العديد من الكتّاب والفلاسفة على طرح مفاهيم لا دينية، والإعلان الصريح عن طبيعة أفكارهم وتوجّهاتهم المادية الإلحادية المعادية للدين (أو للمثالية التجريدية). ونذكر منهم: «لامتري» و«هولباك» و«هيلفيتيوس»، وكل من: «دولباخ» و«نيتشه». وقد صُنِّفَتْ هذه النظريات حينذاك بالميكانيكية. كما ستُصنَّف لاحقاً أفكارُ فويرباخ بالمقارنة مع المنظومة الجدلية للماركسية؛ لأنها كانت تتجاهل مبدأ الفعل وردِّ الفعل، ولا تقرّ إلاّ بما في الطبيعة من تغيّرات كمِّية. وفي القرن التاسع عشر أدان الفيلسوف «أوجست كونت» المادية؛ لأنها ـ على حدِّ زعمه ـ تُنْزِل الأعلى إلى الأسفل. لكنّنا نلاحظ ـ في المقابل ـ أنّ هذا المفهوم (أي المادية) قد ساد في فروع عدّة من العلم: كالبيولوجيا التي رفضت كلَّ غائية، وأعادت تفسير كلِّ شيء استناداً إلى مسبِّباته الفيزيائية والكيميائية؛ أو كعلم النفس، حيث صار الوعي مجرّد ظاهرة طارئة، وصار النفساني مجرّد اشتقاق لما يمكن مراقبته فيزيائيّاً (كبسيكولوجيا السلوك، على سبيل المثال)([9]).

إذن، لاحظنا أنّ فلاسفةَ الحداثة الغربية وقفوا عموماً موقفاً سلبياً من الدين. ولم يكونوا ـ في غالبيتهم ـ مؤمنين به، ولا بوجود الإله الذي جعلوه معطىً مخلوقاً، وجعلوا الإنسان مجرّد كائنٍ آليّ تحرِّكه غرائزه الوحشية المظلمة القابعة داخله، كما يصوّره (داروين)، أو تدفعه القوانين الآلية التي لا يمكن تجاوزها، كما تصوّره الفلسفة المادية. بعد أن فعل ما فعل بهذا المخلوق الكريم قوَّض علاقته بخالقه، وجعلها علاقةَ تناقضٍ لا علاقةَ انسجامٍ، وعلاقةَ صراعٍ لا علاقةَ عبوديةٍ. وبسببٍ من هذه الثقافة التفكيكية استشكل الفكر الغربيّ الحديث والمعاصر علاقةَ العقل الإنساني بالدِّين الإلهيّ، ووصل بذلك إلى وصف تلك العلاقة بالتنافر والتضادّ، بل والتناقض، لكنّه انقسم في محاولة حلِّه هذه المشكلة المفتعلة إلى اتجاهين([10]):

الاتجاه الأوّل: اتجاه (مادّي) صِرْف، حدّي ومتطرِّف في تناوله للدين ومعالجته للمسائل المرتبطة به، سلباً أم إيجاباً. وكان هدفه متمحوراً حول القضاء على الدِّين من أساسه، وسحق مصدره جملةً وتفصيلاً، مع تأليهه للعقل الإنساني. وهذا الاتجاه وإنْ كان قد ضعف تأثيره الفكري في فكر السواد الأعظم من الشعوب الغربيّة، إلاّ أن طروحاته ما زالت قائمة. وقد مثَّله لفيفٌ من مشاهير الفلسفة الغربية باختلاف اتجاهاتهم الفلسفية، من وضعية ومادية تقليدية وماركسية. فمنهم، على سبيل المثال: «دولباخ»، و«نيتشه»، و«لاميتري»، كما مثَّلهم لاحقاً فلاسفة كُثر، مثل: «ماركس» و«لينين»، وغيرهم.

ولو استطردنا قليلاً هنا، في تحليل هذا الاتجاه، سنلاحظ أنّ مادية هؤلاء قد سلكت مسلكين مختلفين، وانقسم أتباعها إلى طائفتين:

1ـ المادية الميكانيكية (العلمية): تقوم الرؤية المادية الميكانيكية (التقليدية) على قاعدة أن كل حادثة أو واقعة خاصة أو عامة لا بُدَّ لها من سببٍ خارجي تسبب بها، أو علة خارجية أحدثتها. فطبيعة هذه الفلسفة تستلزم وجود علّة من خارج الحدث الواقع.

وتاريخياً، أسند أتباع هذا المسلك نظريتهم إلى الفيلسوف اليوناني «ديموقريطس»، والذي تنسب إليه النظرية الذرّية، وحاصلها أنّ المادّة عبارة عن جزيئات صلبة صغيرة لا تقبل التغيّر ولا الانقسام. فالمادّة الأوّلية هي مجموع تلك الذرات الصلبة والجواهر الفردة. وأما الظواهر الطبيعية ـ ككون شيء إنساناً أو حيواناً أو نباتاً ـ فهي ناتجة عن انتقال تلك الجواهر الفردة من مكانٍ إلى آخر. ويعتقدُ أصحابُ هذه الفلسفة بالإدراكات الصحيحة المطلقة، وأن أدوات الإدراك، كالحسّ، ليس لها دَوْرٌ إلاّ كونها وسائل انتقال من الخارج إلى الذهن. وقد تبنى هذا المنهج جُلُّ الفلاسفة المادّيين في القرن الثامن عشر الميلادي([11]).

2ـ المادية الديالكتيكية (الجدليّة): وهي النظرية العامة للحزب الماركسي اللينيني. وقد سُمِّيت بالمادية لأن أسلوبها في النظر إلى حوادث الطبيعة، أو طريقتها في البحث والمعرفة، هي ديالكتيكية؛ ولأن تعليلها حوادث الطبيعة وتصوّرها لهذه الحوادث، أي نظريتها، هي مادّية([12]).

وهذه الفلسفة الديالكتيكية تختلف ـ في العمق ـ عن الرؤية أو الفلسفة المادية الميكانيكية (العلمية) التي ترجع علّة الحدث إلى داخل الذات، بينما تحيل الفلسفة الميكانيكية كلّ حدث أو صيرورة إلى سبب خارج الذات. وهذه النظرية ـ التي باتت مذهباً فلسفياً ـ ادّعى أنصارها أنها تنطبق على كلّ شيء، وعلى نطاقٍ شامل. وقد أدّى ذلك، كما هو متوقّعٌ، إلى قدرٍ كبير من التفكير النظري الفلسفي، على الطريقة الهيجيلية، حول مسائل كان من الأفضل تركها ـ كما يقول الفيلسوف برتراندرسل([13]) ـ للبحوث العلمية التجريبية. ويظهر أول مثال لذلك في كتاب إنجلز «ضدر دورنج/دوهرنج anti ـ duhring»، الذي انتقد فيه نظريات الفيلسوف الألماني دورنج.

ولم يكتفِ ماركس (منظِّر الفلسفة الديالكتيكية الجدلية والتاريخية) بتحديد موقف فلسفي وعلمي ـ كما يُزعم ـ من ظواهر الوجود والحياة على الصعيد العلمي، بل جرى توسيع نطاق مبادئها (الديالكتيكية) حتّى تشمل دراسة الحياة الاجتماعية، وتطبّق هذه المبادئ على حوادث الحياة الاجتماعية والاقتصادية ومجمل فعاليات النشاط البشري الأخرى، أي على درس المجتمع، وعلى درس تاريخ المجتمع، معيداً (ماركس) كلّ التطورات فيه إلى الجدل والديالكتيك الذاتي الأساسي عندها وهو النشاط الاقتصادي. فالتطور السياسي، والحقوقي، والفلسفي، والديني، والأدبي، والفنّي، يرتكز ـ كما يرى أنجلز ـ على التطوّر الاقتصادي([14]).

تاريخياً، ظهرت الفلسفة الديالكتيكية (الجدلية) في القرن التاسع عشر، وتعامل روّادها مع الكون ككلٍّ مادّي متماسك وديناميٍّ، مؤكّدة على تبادل التفاعل بين العناصر (حيث يصبح كلُّ فعل سبباً بدَوْره، والعكس صحيح)، وحيث يؤدي تراكُم التغيّرات الكمّية للحياة إلى تغيّرات نوعية في الوجود؛ ممّا يعني ـ ضمن إطار ذلك ـ التصوُّر للواقع، الحلَّ التدريجي للتناقضات الداخلية كأساس للتاريخ. من تصور كهذا جاءت المادية التاريخية كمفهوم (ماركسي) مطبَّق على التاريخ كتحصيل حاصل، وكإحدى النتائج الرئيسة للمادية الجدلية. لذلك نراها تركز على أهمية العامل الاقتصادي في الوجود الإنساني (لأن ما يعرِّف بالإنسان عملياً هو ما ينتجه من أدوات كينونته)، وتؤكّد على أن ما يميِّز التاريخ هو الصراع الطبقي، الناجم أيضاً عن العلاقات الاقتصادية بين البشر. لكنْ يبقى أن هذه البنية التحتية الاقتصادية لا تعيِّن تعييناً ميكانيكياً تطوّرَ البنى الفوقية. فبالعكس، يجب التفكُّر في تفاعلها المتبادل، وذلك على الرغم من بقاء العامل الاقتصادي هو العامل الحاسم في نهاية الأمر([15]).

الاتجاه الثاني: وهو الاتّجاه التوفيقي الذي اعترف بطرفَيْ المشكلة التي استشكلها، لكنّه أقصى الطرف الثاني، وهو الدِّين، من ميدان المعرفة البشرية، وربطه بالوجدان القلبي المجرّد من معنى العقل والتعقُّل.

وقد بلور هذا الاتجاه الموقف العام للفكر الغربي المعاصر من الدِّين والوحي. فقد أصبح مفهوم الدِّين عند الغربيين مثل: مفهوم الأدب والفنّ القائم على معايير ذاتية، ترفض إقامة البراهين العقلية على صِدْقها، ويستحيل الإقناع بصِدْقها إقناعاً عقلياً.

وقد ذهب إلى هذا الاتجاه كثيرٌ من الفلاسفة الغربيين على اختلاف اتجاهاتهم الفلسفية. ومنهم، على سبيل المثال([16]): باسكال، وإيمانويل كانت (عمانوئيل كانط)، وبرتراند رسـل، وجورج سنتيانا.

إذن، يتّضح مما تقدّم أنّ هناكَ مراحلَ وأدواراً عدّة عبر التاريخ الإنساني مرتْ بها «الفكرة المادية» بتطوّرات متتالية عديدة مختلفة، حيث كان هناك فلاسفة تبنّوا «المادية» منهجاً حتّى في فترة ما قبل الميلاد (من دون أن يظهر هذا التبنّي كخطّ معرفي معياري رصين). وتابعهم على هذا المنوال والخطّ فلاسفةٌ محدثون ومعاصرون. وقد تميّزت المادية القديمة عن المعاصرة والحديثة من حيث إنّ الفلاسفة القدماء كانوا يفسّرون الوجود الخارجي تفسيراً مادياً مطلقاً كانطباع من الحواس المادية. فالأشياء لها وجود خارجي مستقلّ عن إدراكنا لها، أو أن إدراكنا للأشياء لا يؤسّس وجودها بأيّ حال، ومن ثَمَّ فقد تمّ تفسير الموجودات كلّها بالمادة. وأما الفلاسفة الماديون في العصر الوسيط فقد قالوا بوجود علمٍ فيزيائي، أو بالتحديد وجود علم ميكانيكي، يدرس انتقال الأجسام في المكان، وأيضاً وجود دينامية كونيّة للعلم الرياضي الذي أصبح نموذجاً للمعرفة بالنسبة لكلّ العلوم ابتداءاً من هذه المرحلة. وأما الفلاسفة المحدثون فقد حاولوا إيجادَ رابطٍ بين الأشياء وبين إدراكنا لها، ليخرجوا بنتيجة مفادها: إننا لا ندرك سوى المحسوسات، وإنّ التجربة العقلية هي أساس معرفتنا، وإنّ المحسوسَ هو الحقيقة، بما يعني أنّهم لمْ يجعلوا للعالم الخارجي وجوداً مستقلاًّ عن إدراكنا.

وربما يتسنّى لنا مستقبلاً استكمال البحث في هذا المجال (العقلي)، الذي أسّست له الفلسفة الإسلامية تأسيساً جيّداً، تميَّزت به عن غيرها.

الهوامش

(*) باحثٌ وكاتبٌ في الفكر العربيّ والإسلاميّ. من سوريا.

([1]) يقول والتر ستيس في كتابه «الدين والعقل الحديث» عن هيمنة الديني على العصر الوسيط: «…في استطاعتنا أن نقول أن (صورة العالم) عند رجل العصر الوسيط قد سيطر عليها الدين… ولم يكن هناك خلال العصور الوسطى ما يمكن أن نطلق عليه اسم العلم… ويمكن التذكير ببعض الوقائع المعروفة جيداً. فقد كان للنظرية الجيوسنترية (مركزية الأرض) طوال العصور الوسطى سيطرة لا تناقش. فالأرض تقف بلا حركة في مركز الكَوْن، وتدور الشمس والقمر والكواكب والنجوم حولها، متّخذة شكل الدوائر… إلى أن جاء كوبرنيكوس الذي ساوره الشكّ في ذلك…». (راجع: والتر ستيس، «الدين والعقل الحديث»: 23 ـ 24، ترجمة وتعليق وتقديم: أ. د. إمام عبد الفتاح إمام، مكتبة مدبولي، القاهرة، طبعة عام 1998م).

([2]) يمكن مراجعة كتاب: عبد الرحمن بدوي، «من تاريخ الإلحاد في الإسلام»: 36 ـ 44، 1945م.

([3]) محمد بن إسحاق النديم، «كتاب الفهرست لابن النديم في أخبار العلماء المصنِّفين من القدماء والمحدثين وأسماء كتبهم». مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، 2009م.

([4]) وقد جاء في الأحاديث: «لا تسبّوا الدهر؛ لأن الدهر هو الله». وقد ورد الحديث في كثير من كتب التراث، ككتاب صحيح مسلم، الألفاظ من الأدب وغيرها، الحديث (2246)؛ سنن أحمد بن حنبل (2: 275، 318)، وسنن مالك، الجامع، الحديث (1846).

([5]) طبعاً هذا الحديث الذي يذكره القرآن على لسان الدهريين يدلّ على حالة تخمين ظني (أسطوري تخيلي)، ولا يقوم على أساس عقلي أو مصداق عقلاني. أي لا يبنى على علم وبينة صريحة، وليس له من غاية سوى إثارة أسئلة وتفجير إشكالات وجدالات مستمرّة بلا أيّ طائل، سوى الشكّ بغاية الشكّ ذاته، دون البناء العقلي البرهاني اللاحق. بما يعني أنّ السؤال القائم على التخيّل والظنّ لن يغيّر في الواقع على المستوى المطلوب؛ لأنّ الظنّ لا يولّد حقيقة، ولا يغني عن الحقّ شيئاً. وموضوع على هذه الدرجة العالية والحيوية من الأهمية ـ الشكّ بوجود الله ـ لا بُدَّ من أن يكون مبيناً وقائماً على أساس متين، وأن تكون أدلّته وبراهينه قوية وحاضرة.

([6]) يتحدث صاحب الملل والنحل (أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني)، في كتابه الملل والنحل، عن الدهريين، ويسميهم بـ «معطلة العرب». وميّزهم بثلاث مجموعات:

1ـ مجموعة تنكر الخالق والبعث.

2ـ مجموعة تقرّ بالخالق، وتنكر البعث.

3ـ مجموعة تقرّ بالخالق والخلق الأول، وتنكر الرسل.

(راجِعْ: برهان الدين دلو، «جزيرة العرب قبل الإسلام» 2: 621 ـ 623، منشورات آنيب ـ الجزائر، وبيروت ـ دار الفارابي، 2004م).

([7]) ج. لويس، «مدخل إلى الفلسفة»: 118 ـ 119، ترجمة: أنور عبد الملك، الدار المصرية للكتب، القاهرة، 1957.

([8]) عبد الرحمن بدوي، «موسوعة الفلسفة»: 407.

([9]) أوليفييه شالين، «فرنسا في القرن الثامن عشر»: 228، دار بيلان، باريس ـ فرنسا، 2006.

([10]) عبد الله بن نافع الدعجاني، «جدلية العقل والدين بين الفكر الغربي والدين الإسلامي»: 185، دار جداول للنشر، دمشق، ط1، 2013م.

([11]) جعفر السبحاني، «نظريّة المعرفة»: 118، (بقلم: الشيخ حسن محمد مكّي العاملي). الدار الإسلامية، بيروت، ط1، 1990م.

([12]) جوزف ستالين، «المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية»: 17، تقديم: خالد بكداش، المكتبة الاشتراكية ، دار دمشق للطباعة والنشر، 2007.

([13]) برتراند رسل، «حكمة الغرب» 2: 196، ترجمة: د. فؤاد زكريا، سلسلة عالم المعرفة، رقم الكتاب: 365، تموز 2009.

([14]) فريدريك أنجلز، «رسائل حول المادية التاريخية 1890 ـ 1894»: 25.

([15]) جوزيف ستالين، «المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية»: 44، دار التقدم، موسكو، 1938م.

([16]) عبد الرحمن بدوي، «مدخل جديد إلى الفلسفة»: 214 (بتصرُّف)، وكالة المطبوعات، الكويت، ط2، 1979م.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً