أحدث المقالات

      خصائص أو مكوّنات لغة الدين عند شبستري

   1ـ مقدّمة

التفسيرية: أي أن اللغة الدينية تعتمد على مفسِّر، كالنبيّ بالنسبة إلى القرآن.

النقدية: بمعنى أن كل تفسير للنصّ الديني قابل للنقد، ولا يوجد تفسير رسمي.

الامتيازية: بمعنى أن اللغة الدينية تمتاز عن اللغة الفلسفية، والعلمية، والسياسية، و…

الرمزية: بمعنى أن لغة الدين لا تقدّم لك الحقيقة كاملةً، بل ترمزها إليك، كما هو الحال في اللغة القصصية والأدبية.

التاريخية: ويشرح شبستري قولـه بأنها تاريخية في صدورها، وهذا معناه ـ عنده ـ صيرورة النصّ الواحد ذا دلالات مختلفة باختلاف التاريخ. فلكي نفهم النصّ يجب أن نضع أنفسنا داخل مناخه التاريخي، ونترك مناخنا الحاضر. وهذا ما يستدعي أو يطرح محاور عدّة:

أوّلاً: ما هي محفّزات المؤلّف لذكر النصّ؟ ما هي ظروفه التاريخية؟ ما هي ظروف مخاطَبيه؟ ما هي نوعية لغته؟…

ثانياً: هل بإمكان المؤلّف أن يوصل المعنى لمخاطَبيه؟ وبعبارة أخرى: هل يمكن أن يستوعب النصّ اللفظي طبيعة المعنى المستكنّ في عقل المتكلّم؟ وماذا يمكن أن تترك هذه المسألة من تأثيرات على النصّ وتفسيره؟

ثالثاً: تحديد مركز المعنى، فيما يشبه مقولة: المعنى والمغزى المعروفة عند أمثال دو سوسِّير([1])، بمعنى أنّ النصّ لـه دلالة شكلية، وله مركز تدور حوله كل الدلالات والمفردات الصغيرة. فالمطلوب اكتشاف البناء الرئيس للنصّ، الذي تقوم عليه بقية أجزائه. وأفضل منهج لذلك عند شبستري هو منهج الاستنطاق التاريخي. لكن العقبة الكؤود هنا هي الفاصل الزمني بين المفسِّر والمؤلِّف، مما يجعل خلفيات المفسّر وغياب المؤلّف عائقاً أمام عملية الكشف عن بؤرة المعنى.

 

    2ـ الانفصال الزماني بين المفسِّر والمؤلِّف

ولكي يحلّ شبستري معضل الانفصال الزمكاني بين المفسّر والمؤلّف عبر المنهج التاريخي يستعين بما يسميه «الحاصل الإنساني المشترك»؛ إذ يعطينا مؤشّراً قويّاً، لكنّه غير حاسم، على وجود إمكانية لفهم النصّ، رغم ضياع الحضور التاريخي زمن المؤلّف. فالقاسم الإنساني المشترك يفسح المجال بعض الشيء لفهم خطاب الإنسان الآخر، ولو مقداراً نسبياً من الفهم. لكنْ على أيّ حال لا يوجد ـ عند شبستري ـ مسير قهقرائي نحو التاريخية فحسب لعملية فهم النصّ، ولا سيّما نصوص السنّة النبويّة، فالمفسّر في عملية استنطاق التاريخ يرجع إلى الوراء ليعيش مناخ المؤلّف، ويغدو واحداً من سكان قريته أو أبناء عشيرته أو…. لكن البقاء في التاريخ لا يمنحنا تفسيراً للنصّ، يمكن صياغته علمياً. إذاً فالمطلوب رجوع من التاريخ إلى الحاضر. وهنا معضلة أخرى؛ إذ كيف يرجع المفسّر إلى الحاضر؟ وإذا أراد تقديم صيغة علمية تفسيرية لما وعاه من النصّ فما هو السبيل إلى ذلك، حتى لا نتورّط بإنتاج نصّ تاريخي، فلا نكون قد فعلنا شيئاً؟

 

    3ـ وظيفة الترجمة

والجواب عند شبستري يكمن في ما يسمّيه وظيفة الترجمة، أي ترجمة النصّ من إطاره التاريخي إلى الإطار المعاش اليوم. وهذا ما يضعنا أمام منزلقين:

الأول: الخضوع لتأثير بيانية النصّ القديم، مما يحيل النصّ المترجم إلى نسخة مشوّهة عن النصّ الأصلي، لا هي عينه، ولا غيره.

الثاني: إسقاط ظروف الحاضر على النصّ وتطويعه لصالحها، وهذا ما يقتل عملية الاستنطاق التاريخي برمّتها.

 

  4ـ لا يوجد تفسير يقيني لأي نصّ

من هنا، يرفض شبستري وجود تفسير يقيني لأي نصّ؛ إذ لا وجود في عالم الإنسان لقراءة قطعية الانطباق. وكل القراءات «ظنية» و«اجتهادية». فعلينا دائماً توقّع ظهور قراءات جديدة. ومن هنا ـ أيضاً ـ يشكّك في الثلاثية التي وضعها العلماء المسلمون منذ قديم الأيام لتنويع النصّ إلى: نصّ، وظاهر، ومجمل؛ إذ سيغدو النصّ عديم الوجود([2]).

يقول شبستري: «إذا غدا الدين وسيلة سياسية، وإذا أعلن رجال الدين أن أفكارهم نهائية، لا يُسمح لأحد بنقدها، وإذا اعتقدوا أنّ أوامرهم وتوصياتهم ـ المشوبة عادة بالنواقص والثغرات ـ هي أوامر وتوصيات الخالق، وإذا جعلوا من أنفسهم قدّيسين ـ أو روحانيين ـ، فلن يكون بوسعهم صياغة خطاب أو تفسير ديني. يجب أن يكون التفسير والخطاب الديني المعاصر عقلانياً، عادلاً، رحيماً، واقعياً، ورسالياً. ولا يتاحُ لأحد صناعة خطاب وتفسير ديني إلاّ إذا اختبر العقلانية المعاصرة، والعدالة المعاصرة، والرحمة المعاصرة، والواقع المعاصر، وكانت سيرته نزيهة نقية، إلى درجة تخوله نقل رسالة الله «الأخرى تماماً» إلى الناس.

إذاً فالحسّ التاريخي على مستوى النظرية كان حاضراً بقوّة عند شبستري([3]).

     5ـ المقاربات التأويلية لدى شبستري

تمثّل مقاربة شبستري التأويلية، في المعرفة الدينية، أساساً متيناً لقراءة جديدة للدين الإسلامي، تنطوي على عدد من العلامات التي تميّزها عن القراءة المحافظة. تقوم تلك القراءة على سبعة مبادئ رئيسة:

1ـ الإنسان مكرَّم، حامل للروح الإلهية، والعقل الذي يضعه الإسلام في مقام الرسول الباطن. الإنسان كنوع مؤهَّلٌ لخلافة الله على الأرض، ولهذا فهو محلٌّ للثقة.

2ـ في ما يتعلَّق بالعلم فإن كمال الدين يعني كمال الهداية. قد يوفّر الدين بعض المعارف التي لا يستطيع الإنسان التوصل إليها بمفرده، أمّا في الجوانب التي يمكن بلوغها عن طريق التجربة البشرية، أو العقل الجمعي، فغاية ما ينتظر من الدين توفيره هو الإرشاد فحسب. ولهذا لا تتوقَّع من الدين أن يتدخل في الأمور العلمية، أو التجريبية، أو الرياضية، وهكذا الحال في مجالات العلوم الإنسانية.

3ـ السياسة، أي التدبير في المجال العامّ، عملٌ عقلاني يعتمد على التجربة والعقل الجمعي. وهي لا تنطوي على أمور ثابتة أو تعبُّديّة.

4ـ يلعب عنصر الزمان دوراً مهماً في الاجتهاد الفقهي. ويستهدف الاجتهاد وفق هذه القراءة استبعاد الأعراف والتقاليد الخاصّة بزمن الوحي، والتي دخلت في التراث الديني، وجرى اعتبارها بمرور الزمان من ثوابت الدين.

5ـ غرض الدين الأسمى هو إغناء الضمير الإنساني، وتعزيز وعي الإنسان بمعاني وجوده، ومساعدته على التناغم والانسجام مع الكون المحيط به.

6ـ الأحكام الثابتة (وهي قليلةٌ جداً) جزءٌ من قواعد العمل في المجتمع الديني. أما الجزء الآخر فهو الأحكام المتغيِّرة. وهو مجال واسع ومفتوح أمام المجتمع كي يصوغ الأحكام التي تناسب حياته في مختلف الأوقات.

7ـ الديموقراطية الإسلامية هي نظام الحياة السياسية للمسلمين في العالم الحديث. وهي ثمرة لتجربة البشر طوال قرون عديدة. وليس المقصود من نسبتها إلى الإسلام استنباطها من الكتاب (القرآن) والسنّة، بل الإشارة إلى أنّها منهج عقلاني لا يتنافى مع قيم الإسلام، وأنّها وسيلة يمكن للمسلمين الأخذ بها لتنظيم حياتهم([4]).

 

     في سياق موروث التصوّف والعرفان الإسلامي

    1ـ الوحي والتجربة

كردٍّ على هذا الاعتراض يطوّر شبستري أطروحة متينة الحجّة. فالوحي في حقيقته الجوهرية لا يعدّ في حدّ ذاته كلمة الله الخالدة في نظر شبستري. إنّما يغدو كلمة الله فقط عندما يستدعي التجربة الدينية لدى المتقبِّل. وتبعاً لذلك فإنّ هذه الكلمة تظلّ تحقّق حضورها الآني فقط عبر العنصر المتقبِّل. وتلك هي التجربة الدينية التي يعتبرها شبستري «جوهر الإيمان».

لأنّ نبوة الأنبياء تعرف إذا خامر الإنسان طائفٌ ولو بسيط مما خامر الأنبياء، وعندها سيرى أنّ الشكل الأكمل لما حصل لـه حصل للأنبياء، وحينئذٍ سيؤمن بالنبوة. إذاً فالتجارب الدينية مهمّة جدّاً للإيمان بالنبوات، التي هي بدورها تجارب دينية على أعلى المستويات([5]).

 

   2ـ الإيمان هو الفناء في ذات الله

ويؤكِّد شبستري على أنّ مفسِّري الوحي الإسلامي يفسِّرون الكتاب والسنة وفقاً لما لديهم من تصوّرات مسبقة، وبناءً على رغباتهم وميولهم، بدون أيّ استثناء. ثم يلفت نظر علماء الدين إلى قضية مفادها: تعتبر التطلعات والميول والفهم المسبق للمفسّرين والفقهاء في كلّ عصر شرطاً أساسياً لأيّ تفسير وإفتاء مقبول، ولا يتيسّر تكامل العلوم الدينية بدون ذلك([6]).

ليس الإيمان، حسب شبستري، بالقناعة، ولا هو علمٌ بشيء ما. فالقناعات الدينية والآراء والنظريات يمكنها أن تكون أشكالاً تعبيرية عن الإيمان، لكنها ليست الإيمان ذاته.

الإيمان هو قبل كلّ شيء الفناء الكامل في ذات الله، وهو السكينة المتحققة في الاتحاد بالله. ويكون بذلك عملية لقاء بين الإنسان والله. ويستند شبستري في مفهومه هذا للإيمان إلى موروث التقاليد الصوفية والعرفانية في الإسلام، وبصفة خاصة ابن عربي(1240م)، وكذلك إلى ثيولوجيا([7]) الوجود لعالم اللاهوت البروتستنتي بول تيليتش([8]).

 

    3ـ القراءة الصوفية والواقع

إن مايتوصل إليه شبستري هنا هو إعادة النظر في الإيمان كعنصر جوهري في الدين لصالح فهم تشريعاتي للدين. سيكون مفهوم الإيمان كتجربة دينية. إذاً الفكرة الجوهرية تمهّد لـ «ثيولوجيا جديدة»([9])، وسيكون عليه أن يعوض عن التركيز الأحادي؛ إمّا على التشريع؛ أو على المقولات الميتافيزيقية البحتة([10]) حول الله؛ أو أن يتمّمهما على الأقلّ.

وعلى أيّ حال فقد أثار الفلاسفة وبعض المتصوّفة والعرفاء مقولات ومفاهيم متنوّعة ومتمايزة. وإذا ما أردنا أن نحكم في ما يتعلق ببُعدِ أو قربِ هذه القراءات المتنوّعة من الدين عن هذا النمط والمنهج الجديد المنتظم فلا بدّ لنا من أن نقول: إن قراءة بعض المتصوّفة (العرفاء) أقرب إلى الواقع الجديد، من حيث عواقبها وآثارها، لا من حيث مضمونها، أي إن هذه القراءات تترك الإنسان أكثر حريةً في تنظيم حياته الدينية، كما تمنح الأفراد حقّ تنظيم حياتهم وكيانهم الاجتماعي، وفقاً لما يشخِّصونه من الصحة والصواب([11]).

 

   4ـ النظرة الوجودية للحقيقة

انطلاقاً من ذلك أوصى فريق من المتألِّهين والعرفاء بأن ينظر للحقيقة الدينية نظرة وجودية، أي ينظر إليها بثلاث خصوصيات.

1ـ ينبغي أن تتحلّى الحقيقة الدينية بالتوثّب والحركة الحيويّة، بمعنى أنني بكل قيودي: التاريخية والاجتماعية، واللغوية، والجسمانية، لا أواجه الحقيقة النهائية في تجربتي الدينية([12])، إلاّ إذا غيّرتني هذه الحقيقة، ومنحتني ولادة وحياة جديدة، وأضفتُ على حياتي معنى عميقاً مطلقاً.

ثم يجب مواجهة الحقيقة الدينية من مدخل «التغيّر والتحوّل»، لا من مدخل منطقي، أو بطريقة انتزاعية ذهنية، فحيثما نجد المعنى النهائي والولادة النهائية والثقة النهائية فهناك تكمن الحقيقة.

2ـ إنّ الحقيقة شخصية وحوارية، أي إن الحقيقة المطلقة التي يتعرّف عليها الإنسان في تجربته الدينية حقيقة شخصية([13]). وإذا انجلت الحقيقة المطلقة أو الوجود المطلق للإنسان بصورة شخصية عبر التجربة الدينية فإنها ستبدو وكأنها تتكلّم مع الإنسان وتخاطبه. وبالتالي فالخصوصية الثانية هي أنّ علاقتنا بالحقيقة المطلقة علاقتي «أنا» و«هو».

3ـ كون هذه الحقيقة «خافية» و«فرّارة»، فهي ليست من قبيل الحسابات الرياضية، أجدها متى ما احتجت إليها وطلبتها؛ ذلك أنني أعيش داخل تلك القيود الأربعة التي تحجبها عنّي. وثمة حاجة إلى صرخة دائمة تخرجني على الدوام من حالي؛ لكي أستطيع مواصلة اللقاء بتلك الحقيقة المطلقة. وهذه قضية تنطوي على مفارقة، بمعنى أنني لا أكون في ذاتي إلاّ حينما أكون خارجها. وهناك مقولةٌ معروفة: «مَنْ احتفظ بنفسه فقد خسرها، ومَنْ خسرها فقد وجدها». إذا أردتُ حفظ تلك القيود التاريخية خسرتُ نفسي وفقدتها، أمّا حينما أتحرر من القيود التاريخية وأقفز عليها فسأكون قد تجاوزتها رغم قيدي بها. الحسّ الداخلي([14]) يجتمع هنا والحسّ الخارجي([15]). وهذا أقصى ما يمكن أن تبلغه الثيولوجيا المعاصرة.

هذه هي الخصائص الثلاثة التي ينبغي أن تتَّسم بها الحقيقة المطلقة. وعليه لا خوف من النسبية هنا. إنني أنظر إلى القضية من هذه الزاوية. والمطلق مهمّ بالنسبة لي. إنّ حقيقة مثل هذه الظروف مطلقة بالنسبة لي. ومن الممكن أن تنتاب هذه الحال شخصاً آخر في ظروف أخرى، وتطرأ على شخص ثالث في ظروف متفاوتة. وبالتالي لا أجد في القبول الفلسفي بالتعددية الدينية بالمعنى الذي ذكرته محذور النسبية. فالنسبية الباطلة الفارغة من المعنى هي أن يرى الإنسان للحقيقة التي يؤمن بها زمناً محدَّداً تبطل بعده. ومثل هذا المعنى الباطل لا تفيده النظرة الوجودية لحقيقة الدين([16]).

إنّ النموذج المعرفي لدى اليهود والنصارى والمسلمين هو النموذج الأرسطي. ولذلك كانوا يقاربون القضية بهذا النموذج. واليوم إذا توصَّلنا إلى نموذج آخر، كنموذج التجربة الدينية، فينبغي مقاربة الوحي وفهمه طبق هذا النموذج، والنظر إلى جميع مسائله من هذه الزاوية. أما المشكلات التي قد يخلقها هذا النموذج، وكيف يمكن تذليلها، فهذه إشكاليّات كانت على طول الخطّ. وقد كان للذين تناولوا القضية بالنموذج الأرسطي مشكلاتهم أيضاً، ولم يستطيعوا إقناع الجميع بما يقولون. فالفقهاء والمتكلِّمون والعرفاء (المتصوّفة) لم يستسيغوا حلول الفلاسفة الأرسطية أبداً، وذهبت كلّ جماعة مذهباً مختلفاً. فالمعتزلة قالت شيئاً، والأشاعرة قالت شيئاً آخر، والفلاسفة والعرفاء قالوا شيئاً مختلفاً.

وهكذا بقيت التجاذبات والسجالات قائمة. وهذه هي الخصوصية الثالثة التي ذكرتها، أي إن الحقيقة «خافية»، ولا يصح أن نتوقَّع حلّ قضايا الدين والتديّن كحلّ القضايا الرياضية. وقد قال العرفاء (المتصوّفة): إنّ الله يحبّ عدم استقرار الإنسان، الناجم عن آلام فراقه([17]).

 

    الحرّية كشرط للإيمان

   1ـ مقدّمة

إلى جانب البُعد الروحاني يركز شبستري على مظهر آخر للإيمان، بجعله يرتكز بالمقام الأول على حرّية الإرادة، التي تمثّل إحدى الخصوصيات الجوهرية للكائن البشري.

لكنّ الإنسان في الوقت نفسه كائن ناقص، فلا هو بالقدير، ولا بالعليم، ولا هو حتى بالمتعالي عن الفناء. وبالتالي يكون الإيمان بحثاً عن الخلاص من عدم كمال الإنسان في كمال الله([18]).

 

   2ـ تغيُّر الإيمان

إن الإيمان قرارٌ واعٍ يتّخذه الإنسان؛ للاعتماد على الله; قرارٌ قائم على الحرّية الباطنية للإنسان. لكنّ الأمر لا يتعلّق هنا بقرار يتّخذه المرء في لحظةٍ ما، ويظلّ ثابتاً دائماً على مدى الزمن، بل هو قرار مطالب بالتجدّد على الدوام على ضوء متغيرات ظروف الحياة وشروطها.

من هنا سيكون على المؤمن أو المؤمنة أن يعيد النظر على الدوام في الذي يعدّ من باب الإيمان، والذي لا يعدّ كذلك. وذلك يعني أنّه على المؤمن أو المؤمنة أن يميز بوعي بين ما يرتكز على قرار باطني حرّ، ويتوافق مع التجربة الروحية، أو لنقُلْ: الدينية، وما هو في النهاية مجرّد محاكاة ظاهرية لسلوكيات دينية متداولة وقوالب جاهزة.

لذلك سيكون من الضروري التفاعل بصفة جدّية ومنفتحة مع نقد الفكر الديني، سواء ذلك الذي يطوّره المسلمون أو غير المسلمين. وبذلك يقيم شبستري علاقة وثيقة بين مفهوم الإيمان والطموحات التحرّرية والنقدية الذاتية العالية.

     3ـ الدين والديموقراطية والإيمان

ويذهب شبستري بالجدال إلى مدى أبعد، حين يقرِّر أنّ الديموقراطية ضرورية للإيمان (الدين)، مثلما هي ضرورية للمجتمع. ويستشهد باثنين من المكوّنات الأصلية للديموقراطية: المساواة؛ والحرّيات المدنية؛ ليؤكد أنّ «إطار الديموقراطية الليبرالية هو الوحيد الذي يوفِّر الفرصة لتحقيق الغايتين العظميين من غياب الدين، أي العدالة وانعتاق الإسلام»([19]).

 

     4ـ الاستبداد الديني والإيمان

يقول شبستري: إنّ تدخل الدولة في الشأن الديني سوف يقود بالضرورة إلى الاستبداد الديني. وخلال العقد الأول بعد الثورة الإسلامية كان هذا التدخّل سبباً في نقص الحقوق المدنية للشعب، وقهر الشباب والنساء، وعزل النخبة المفكِّرة والمثقَّفين. إضافة إلى أنّه يهبط بدور الدين والإيمان إلى المجال المحدود للقانون، بدلاً من أهم وظائفه، أي توفير المُثُل العليا الضرورية للحياة الاجتماعية، وتعميق معناها.

 

   5ـ عجز الفقه التقليدي عن إيجاد أرضية إيمانية

يرى شبستري أنّ جوهر المشكلة يكمن في عجز الفقه التقليدي بمجمله عن استيعاب الأفكار الجديدة، والتعامل معها على نحو مناسب. ويعتقد شبستري أنه لا توجد أيّة فرصة على الإطلاق لتنسيج مبدأ الجمهورية والمفاهيم المرتبطة به في الفقه السائد؛ لأنّها ببساطة تنتمي إلى مجالٍ علميّ آخر، هو الفلسفة السياسية، وليس الفقه([20]).

 

     الإسلام وحقوق الإنسان

      1ـ الحرّية وحقوق الإنسان

لا بدّ أن تكون الحرية الباطنية للإنسان مرتبطة أيضاً بحرية خارجية؛ ذلك أن القرار الباطني الذي يعقد به المرء التزامه تجاه الله لا يمكن أن يكون مفروضاً من الخارج.

إنّ مجمل العقائد الدينية التي تُملى على الناس ـ ما الذي ينبغي أن يؤمنوا به وما لا ينبغي ـ لا تمثِّل من هذا المنطلق دليلاً يقود إلى الإيمان الحقّ، بل حواجز تعيق مسيرة تفتُّق الإيمان.

وما إن تقوم مجموعةٌ ما، وبالأخصّ إذا كانت حائزة على سلطة تأثير سياسية واجتماعية قوية، لتدّعي لنفسها احتكار المعرفة بما هو صحيح وما هو خطأ من الناحية الدينية يكون الدين قد أُخضع للاستعمال المغرِض، ويجرّد من العنصر الجوهري الذي يقوم عليه الإيمان.

من هذا المنطلق يغدو من اليسير فهم كُنْه مرافعات شبستري لصالح الاعتراف بحقوق الإنسان العامة والكونية (لا الإسلامية على وجه التحديد) من طرف المسلمين، ودعوته إلى نظام سياسي ديموقراطي.

 

   2ـ روح الإسلام وحقوق الإنسان

إن حقوق الإنسان والديموقراطية تتوافق وروح الإسلام، لا لأنها من الأحكام التي جاءت في القرآن والسنة النبوية، أو لأنها تجد مبرّراً لها في الشريعة، بل لأنّها تمثِّل التأويل العقلاني والمعاصر لمفهوم الحكم العادل.

وإن إنجازها على أرض الواقع يمكّن من تحقيق الشروط السياسية والاجتماعية التي ينتعش في ظلها الإيمان الحرّ وبالتالي الحقيقي، بدلاً من أن تكون عائقاً لـه. إن الديموقراطية وحقوق الإنسان تخدم الإسلام في النهاية أكثر بكثير من أيّ نظام يُدعى «إسلامياً»، لكنّه «استبدادي».

وبعبارة أخرى: طالما بقي علماء الدين (الفقهاء) جالسين في بروجهم العاجيّة، ويستنكفون النزول إلى ساحة العلوم الجديدة، ويرفضون الخوض في المباحث النظرية للعصر الحديث، لا يمكن التعويل على معطياتهم الفكرية. فإغلاق أبواب الاجتهاد، والاعتصام بحبل علم الأصول والأحكام الفقهية للسلف، لا يقود إلى أيّ نتيجة.

 

    3ـ الحياة الاجتماعية وحقوق الإنسان

وفي مضمار شكل الحياة الاجتماعية وحقوق الإنسان يذهب شبستري إلى ما ذهب إليه الفيلسوف وعالم الاقتصاد والسياسية كارل بوبِّر، من القول بأن القضية المهمة ليست «مَنْ الذي يجب أن يحكم»؟ وإنما: «كيف يجب أن يحكم»؟

ويؤكِّد على أن القرآن والسنّة يشدِّدان على «قيم ومُثُل الحكومة»، ولا يؤكِّدان بالضرورة على «شكل الحكومة».

وبما أن إدارة المجتمع تستلزم العلم والبرمجة فهو يقترح تفويض هذه المهمة إلى مَنْ تتوفر فيهم هذه الكفاءة، أي إلى الساسة والاقتصاديين والخبراء في مجال الحكم. وفي مثل هذه الأحوال يهتم الفقه بتطوير المُثل المستقاة من القرآن؛ لأنّ الفقه عاجز عن تحليل واقع المجتمع، ولا يمكنه التخطيط لتفسير ذلك الواقع لنيل أهداف معيّنة، ولا يمتلك القيم السياسية والإنسانية الحديثة([21]).

فمثلاً: إن ضرورة التنمية الاقتصادية والثقافية ليس لها مبدأ أساسي في القرآن والسنة، والتنمية هي هدف اجتماعي، حيث يجد أفراد المجتمع حاجة وضرورة إليها، ويتحرّكون بكامل إرادتهم الحرّة لتحقيقها([22]).

أما بالنسبة إلى العالم الإسلامي فيقول شبستري: «إنني أستنتج، وللأسف، عدم حصول أيّ تفاعل فكري جادّ في العالم الإسلامي، مع ما طرأ في القرون الحديثة من متغيِّرات على العلم والفلسفة»([23]).

 

   4ـ العدالة وحقوق الإنسان

ويتساءل شبستري: هل بإمكاننا ـ نحن المسلمون ـ النظر إلى حياتنا الدنيوية من منظار تعاقدي؟ وهل يسمح لنا فكرنا الديني بهذا النوع من القراءة والرؤية؟ هل يمكننا أن نجعل حياتنا شبيهة بالتعاقد الذي يقوم به عدّة أشخاص؛ بغية تأسيس شركة مساهمة؟ هل نحن مستعدّون للاعتراف من زاوية فكرية دينية بأننا نريد أن نؤسِّس بناءً اجتماعياً، يقع ضمن دائرة مسؤولياتنا بوصفنا أفراداً مستقلّين؟ هل يمكننا القول: إننا نريد أن نؤسِّس لكيان اجتماعي قائم على العدالة وحقوق الإنسان، مترافق مع تفسيرات فلسفية؟

ثمة تياران حالياً يقفان بالضبط ـ كلاهما ـ أمام إشكاليّة جادّة. فوفقاً لنمط تفكير أحدهما يمكن، بل يجب، بلورة بنية اجتماعية وسياسية، قائمة على العدالة المستنبطة من الكتاب (القرآن) والسنّة. لكنْ طبقاً لتفكير آخر (الذي أنتمي إليه) لا معنى للعدالة المستنبطة من الكتاب والسنّة، بل لا بدّ من وضع أسس الكيان الاجتماعي وإقامتها على الأصول المستنبطة من التفسير العقلاني للعدالة، وحقوق الإنسان. وهو بحثٌ يجرّ إلى عدد كبير من الموضوعات. فمثلاً: ما هي تلك المسائل المتفرِّعة على العدالة وحقوق الإنسان؟ وما هي الحرّيات السياسية ـ الاجتماعية المتصلة بمفهوم العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان؟ وما هو معناها؟ وما هي الحرّية في إطار العدالة؟([24]).

 

    5ـ الشورى وحقوق الإنسان

ومن مصاديق هذا النوع من الاجتهاد أيضاً محاولة إقامة هيكلية شوروية، هي مجتمع ديموقراطي؛ اعتماداً على آيات الشورى الواردة في القرآن الكريم. فهذا الأمر غير ممكن أيضاً؛ ذلك أن الشورى التي كانت موجودة في عصر صدور النصّ القرآني لا ربط لها أصلاً بالكيان الشوروي لحكومة ديموقراطية، نتحدث نحن عنها اليوم. إن هذا النوع من الاجتهادات اللامنهجيّة، واللاعلمية، وغير القابلة للدفاع عنها، لا يمكن وضع نظريات محكمة وفقاً لها واعتماداً عليها([25]). وهل تستنبط حقوق الإنسان من القرآن؟ هل يمكن الحصول عليها من طريق الأحاديث؟ خُذْ لذلك مثال المساواة، من وجهة نظري لا يمكن بأيّ وجه من الوجوه الحصول على مفهوم المساواة بمعناه المعاصر عن طريق الكتاب والسنة([26]).

يقول شبستري: ما طرح في إيران والقاهرة وأماكن أخرى تحت عنوان «حقوق الإنسان الإسلامية»، أو بعبارة أخرى: «الميتافيزيقية»، لا يمثِّل سوى رأي جماعة خاصّة، والمسلمون غير ملزمين باتّباعه. فليس هناك رأي محدَّد، يكون الفصل والحَكَم. ولا شكّ في أنَّ معنى هذا الكلام في العالم المعاصر هو أنَّ جماعة تريد إشعال حروب جديدة، وإراقة دماء، بذريعة حقوق الإنسان([27]).

 

      شبستري وعلم الكلام الجديد

     1ـ مدخل

منذ أكثر من مئة عام، وبعد اطّلاع المسلمين على الفكر الغربي بما فيه من أسئلة لم يعرفها العقل المسلم من قبل، طالب دعاة الإصلاح بتغيير آلية التفكير الإسلامي، وبناء منهج تفكير عصري. وخلال العقود الماضية طالب البعض بإخراج علم الكلام الجديد من دائرته الضيقة، ودفعه نحو التأقلم مع متطلّبات المجتمع في العصر الحديث، ومحاولة نقد الماضي، والتأسيس لفكر ديني حديث.

 

   2ـ ولادة علم الكلام الجديد

وبمناسبة حوار أجراه شبستري حول علم الكلام الجديد، منشور في كتابه «مدخل إلى علم الكلام الجديد»([28])، نجده يصرِّح بأن الحديث عن الكلام الجديد يكتسب معناه إذا قبلنا أنّ الغرب شهد في القرون الثلاثة أو الأربعة الأخيرة ولادة مجموعة من الفلسفات والتيارات الفكرية الجديدة. فإذا تعاطينا مع هذه الفلسفات والأفكار على أنّها تمثل واقعاً قائماً، وأَوْليناها قيمةً ما، فحينئذٍ يكون هناك معنى للحديث عن الكلام الجديد. وبخلاف ذلك لا معنى للحديث عنه. وأنا شخصيّاً لا أعتقد أن علم الكلام الجديد هو علم الدفاع عن العقيدة، بل هو تفكير بالعقيدة، وحاجة إلى الفهم والاعتقاد. فعندما نريد الكلام مع بعضنا حول ما يهمّنا هذا الكلام لا بدّ لـه من لغة معقولة، مفهومة، مشتركة، هذه اللغة هي ليست دفاعاً، بل حواراً مع الآخر([29]).

إنّ المتكلمين الجدد هم الذين لا يرَوْن في التحولات المعرفية الفلسفية والتقنية والعلمية والثقافية الغربية انحرافاً عن المسار. وإن هذه الفئة هي مَنْ كان يعتقد أن ما حصل هو تعبير عن واقع ظهر في منهج التفكير الإنساني، يجب التعاطي معه بجدّ. كما كان هذا التيار يرى أنّ ظهور المسائل الفلسفية الجديدة، وعلى الأخصّ في النطاق المعرفي، تسبّب بمشكلات جدية للفلسفة الأولى. وبذلك لا يجب أن تنحصر مهمة بيان الدين وتعريفه والحديث عنه في قالب الفلسفة الأولى (يقصد الفلسفة ذات المرتكزات الأرسطية)، بل يجب البحث عن منهج آخر ومقولات جديدة يصبّ فيها الموضوع الديني. فعند هذه النقطة «انبثق الكلام الجديد الذي تبنّاه هذا التيار، والتزم به».

   3ـ شبهات وردود

إن هناك شبهات جديدة تثار حول الإسلام، ولا بدّ أن يقدّم الفكر الإسلامي إجابات جديدة عن هذه الشبهات. وهذا يعني أنّه حقل جديد يُعنى به المشتغلون بالفكر الإسلامي المعاصر بصورة أساسية، وليس مطروحاً للتداول في أوساط جميع المشتغلين بالفكر والتراث الإسلاميين.

فالكلام الجديد يستهدف تقديم تصورات وصياغات نظرية للفكر الإسلامي في لغة معاصرة، أي مفهومة من الجيل الجديد الذي يمتلك أدوات مفهومية ومعرفية مختلفة. وبالتالي لا يستطيع التفكير وفق المنهج التقليدي. وبعبارة أخرى: هناك شريحة كبيرة من المسلمين لا يستطيعون اليوم استخدام المنهج التقليدي الأرسطي، كما استخدمه ابن سينا أو صدر الدين الشيرازي مثلاً؛ لأن السعي من أجل إعادة عصر اليقين في عصرنا الحاضر هو سعي عقيم وعديم الجدوى([30]).

فالكلام الجديد لا تنحصر مهمّته فقط في البحث والقراءة للأسئلة الجديدة، وإنما هو عبارة عن منهج جديد في التفكير والتحليل، يتناول الإسلام كموضوع أساسي ومحوري. فعندما يقول ابن سينا بأن الوحي عبارة عن اتصال النبيّ بالعقل الفعّال (العقل العاشر) كان يعبّر بذلك عن الوحي، وهي محاولة منه للفهم في داخل المنظومة المفهومية التي كانت سائدة قديماً.

اليوم يوجد الكثير من المسلمين لا يستطيعون القبول بمقولة العقول العشرة، وهم عاجزون عن فهم الوحي كما فهمه المعتزلة، الذين قالوا: إن الوحي عبارة عن أصوات وحروف منظومة مخلوقة ابتدائياً وارتجالياً من الله في الهواء، أو في سامعة النبي، مثلاً.

كذلك المباحث الجديدة المطروحة حول موضوع التأويل ـ الهرمنوطيقا ـ، أي كيفية فهم النصوص. هذا العلم، الذي يعنى بفهم المعنى، والذي تأسَّس من حوالي قرنين من الزمن، يشكِّل للمعاصرين ميداناً جديداً يمكن الاشتغال فيه أكثر من الميادين السابقة… غير أنّ هذه النظريات يمكن أن تتحوّل إلى ميدان عمل وتفكير، وهي مشروطة باللسانية والدلالية، التي أخذت تتّسع وتتجذّر في العلوم الإنسانية، ويواكبها علم جديد آخر هو «الفيلولوجيا»([31])، أي علم فقه اللغة.

إذا استندنا إلى هذه العلوم في قراءة القرآن الكريم مثلاً سيكون بحثنا ونتائجنا متفاوتة ومختلفة عمّا ألفناه، أو قال به السلف.

ومسألة فكرة الله، التي هي محوريّة في الكلام القديم، والتي يتفرّع عنها أسئلة حول كيفية توجّه الإنسان إلى الله عزّ وجلّ، وفكرة الخالق… وقد كان القدماء يتوسَّلون بالبراهين الفلسفية لإثبات وجود الله تعالى، لكنْ يوجد الآن مسلمون كثيرون لا ترضيهم تلك البراهين، ولا تشبع فضولهم العلمي. وذلك سبب ما مارسه الفلاسفة المحدثون والمعاصرون من نقد على المنطق، وخصوصاً ما قدَّمه «كانط» و«هيغل» من إسهام جدير بالاهتمام. تلكم كانت أمثلة، أريد أن أقول من خلالها: إنني لا أقصد بالكلام الجديد مجرّد تقديم الإجابات الجديدة عن شبهات جديدة، كما قد يتوهم البعض، وإنّما نقصد به بلورة منهج جديد واتّجاه جديد لفهم الإسلام برمّته، وضمناً فهم فكرة الله تعالى، والنبوّة، وسائر المسائل الدينية([32]).

 

    4ـ الأسئلة المستعصية وعلم الكلام الجديد

فكما هو واضحٌ عند هذا المفكِّر إن علم الكلام الجديد هو العلم الذي يُجيب عن الأسئلة الدينية المستعصية، بتوسط المعارف الإنسانية التي ظهرت خلال القرون الأربعة الأخيرة في العالم الغربي.

والواضح أن منظور شبستري يرتكز على منهجية التعاطي مع الموضوع، ويصرِّح بولادة علم الكلام الجديد، وإنْ كان هذا الاستدلال قد لا يكون كافياً في الجزم بهذه الحقيقة، لكنّ شبستري ـ على الأقلّ ـ يراه كافياً، بل إنه يرى علم الكلام الجديد علماً قائماً بذاته، ولا يحتاج إلى استدلال، حتّى في مراحله الأولى، وقبل النضج والتكامل.

وفي حوارٍ آخر أجراه حول نفس الموضوع صرَّح بأنّ علم «الكلام الجديد لا تنحصر مهمته فقط في البحث والقراءة للأسئلة الجديدة، وإنما هو عبارة عن منهج جديد في التفكير والتحليل، يتناول الإسلام كموضوع أساسي ومحوري، مؤكِّداً في نفس الوقت بأن هذا العلم لا زال في مراحله الأولية، وأنه ينتظر الإنضاج بالمراكمة المعرفية والتنظيرية.

ويُفهم من مضمون حديثه أنّ ما يحتاج إليه العالم الإسلامي اليوم بشدّة هو علم كلام جديد يقضي على الترهّل والهزال الفكري الموجود حالياً. وفي هذا السياق، وبالالتفات إلى الصبغة الأرسطية([33]) الطاغية على الإلهيات الإسلامية والفلسفة (الإسلامية)، تبدو إشارة شبستري إلى اللاهوتي والفيلسوف الألماني رودولف بولتمان([34])مثيرة في مغزاها؛ لأنه اضطلع بمهمّة إزالة الطابع الأسطوري عن الديانة المسيحية، متأثِّراً في ذلك بآراء الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر([35])، وداعياً إلى المصالحة بين العقل والوحي([36]).

 

     5ـ النبي والتجربة الدينية

إذا اعتبرنا الدين سلوكاً إنسانياً خاصّاً فسننجرّ إلى القول أيضاً بأن دين النبيّ عبارة عن سلوكه الخاصّ المميّز المترافق وتجربته الوحيانية. ومن زاوية ظاهراتية ـ وبشكل ملخَّص ـ يمكننا القول: إن دين النبي عبارة عن اعتراف وشهادة؛ اعتراف بألوهية الله؛ وشهادة بالناحية الخارجية لـه…. وقد دعا النبي الآخرين إلى الاعتراف بألوهية الله، وشكلّت هذه الدعوة مضمون رسالته أيضاً. فدين النبي متمركز على تجربته، والتجربة النبوية تجربة مملوءة تنضح منها إلى غيرها (خلافاً لتجارب المتصوّفة والعرفاء). هذا الاعتراف وتلك الشهادة من ذاتيّات التجربة النبويّة للأنبياء. ويمكن القول ببيان قاصر: إنَّ هؤلاء يقومون بفعل التجربة، بحيث يقدرهم ـ الله تعالى ـ على البيان والكلام بما لم يكونوا ليقدروا عليه لولا ذلك. والمعنى المركزي والجوهر الأساس هو ذاك الاعتراف وتلك الشهادة. إنهم يمارسون التجربة، حيث يسخِّرهم الله ـ سبحانه ـ؛ بقدرته الإلهية، للاعتراف والشهادة. ومن الطبيعي أن تتبلور هذه الشهادة وذاك الاعتراف في لغة وثقافة خاصّة. ومن هنا يبرزان ضمن إشكال المحدوديات التي تتّسم بها تلك اللغة والثقافة. وكل ما يرتبط بتلك اللغة والثقافة وذاك الزمان والعصر إنّما هو من أعراض وطوارئ التجربة النبوية. وعليه فإذا اعتبر شخصٌ ما أنّ الوحي عامل بعث واعتراف وشهادة بالنسبة إلى النبيّ، واعتقد ـ أيضاً ـ أنّ لغة تلك التجربة لغة رمزية، فلن يرى ما يتحقَّق تحقُّقاً تاريخياً، اجتماعياً، ثقافياً، مضموناً ذاتيّاً للوحي، ومن ثَمّ لن يعتبره جوهراً لدين النبيّ حينئذٍ.

    6ـ تاريخية التجارب النبويّة

وعلى أيّ حال إنني أرى أنه لا بدّ من طرح هذا السؤال على أنفسنا: ما هي الرسالة الأساسية التي كان يحملها هؤلاء العظماء؟ وما هي التلوُّنات التي اكتستها هذه الرسالة عبر التأريخ؟

إنّ هذا السؤال سؤال علمي، يمكن تقديم جواب عنه وفقاً للمنهج الظاهراتي([37])

إنّ النبيّ إنسان بُعث في ظروف تاريخية خاصّة، وفتح آفاقاً معنوية خاصة، أمّا أين هو ذاك الأفق المعنوي؟ فهذا ما لا بدّ من تقديم إيضاح معقول لـه في علم الكلام الجديد. وفي هذا النوع من القراءة والنظرة للدين ستقدّم سلسلة من التصورات الجديدة عن الله، والنبيّ، والوحي، والإيمان، وغيرها.

وعلى أيّ حال فما جرت الإشارة إليه آنفاً إنّما هو نوعٌ من الاجتهاد في الأصول، يستدعي بدوره تحوُّلاً في نهج الاجتهاد في الفروع أيضاً، وعلى حدّ تعبير محمد إقبال: إيجاد تحوّل في كلّ الجهاز والكيان الإسلامي. ففي هذا النظام الجديد تكتسب مفاهيم، من قبيل: الله، والوحي، والنبي، والقانون، والقيم الدينية، وغير ذلك، معاني خاصّة. وهذا التحوّل المشار إليه لا يعني إطلاقاً أيّ نوع من الخروج عن الإسلام، وإنّما هو بيان لفهم خاصّ عن نبيّ الإسلام في هذا العصر. ومن الممكن أن لا تكون أمامنا أيّ وسيلة سوى تقديم فهم جديد لرسالة النبي. وهذا الإمكان يمنحنا مجال التطابق وواقعيات الحياة في كلّ العصور، وفي ظلّ كافّة الهيكليات والنظم الاجتماعية والسياسية.

 

    7ـ مدّ الجسور بين الحاضر والماضي

لقد ابتعدنا في زماننا الحاضر ألفاً وأربعمائة عام ـ كفاصلة تاريخية ـ عن عصر النبيّ. ونحن على دراية واضحة بهذه الفاصلة التاريخية، ولا يمكننا تجاهلها. وعلينا أن نمدّ جسور الترابط مع عصر الرسول ورسالته، انطلاقاً من هذه النقطة التي نحن فيها. ومن الطبيعي أن يختلف فهمنا لرسالة النبي في عصرنا الحاضر الذي نعيش فيه عن فهم أولئك الذين كانوا يعيشون في أوضاع تاريخية سابقة. لكنّ هذا لا يعني خروجنا عن الإسلام، كما لا يعني ذلك بالنسبة إليهم هم أيضاً. وليس من الضروري أن يكون المتكلِّم الذي كان يعيش في قرون سابقة مخطئاً في فهمه لأعمال وكلمات النبيّ، كما لا ملزم لأن يكون المتكلِّم المعاصر مع بعده الزمني الكبير عن عصر النبي مشتبهاً في نظرته لأحاديثه وسلوكيّاته أيضاً؛ فقد كان ذلك الفهم ميسَّراً لأولئك، فيما تيسَّر هذا الفهم للمتأخِّرين الجدد. وإذا ما تحقّق هذا الفهم الجديد وخرج إلى العيان والكينونة فسوف يؤدّي إلى إحداث تغيّرات عميقة في النمط والمنهج والمسار، تغيُّرات ستحلّ الكثير من القضايا…([38]).

     مناقشةٌ في نظرية هرمنوطيقا (تأويل) الكتاب والسنّة

بعد هذا الاستعراض الذي أوردناه لنظرية شبستري حول الهرمنوطيقا لفهم القرآن والسنّة لا بدّ من ذكر بعض النقود التي وردت حول هذه النظرية.

    مقدّمة

هنالك نظريتان في وجود قواعد للتأويل (الهرمنوطيقا) أو عدم وجود ذلك. وإن فِتغنشتاين([39]) أحد أولئك الذين رفضوا قوننة الهرمنوطيقا، ويرى أنّ الفهم الجيّد لاستخدام الألفاظ كافٍ للتوصّل إلى التفسير الصحيح.

لكنّ الذين يرَوْن أنّ للهرمنوطيقا قواعد لا يتّفقون على رأيٍ موحّد. فعلى سبيل المثال: يعنى شلايماخر([40]) بفهم النصّ لغةً، بما هو مكوّن لغوي للتراث والتاريخ، ومشكّل للقناعات والفكر، من ثمَّ فهمه في سياق السيرة والتاريخ هو أن يتقمّص المؤوّل ذهنيّاً تجارب المؤلّف وأفكاره التي ولّدت النصّ، ليدرك قصدَه، قصد المؤلِّف. وهذا ما يسميه شلايماخر «الفعل التكهّني». وهو يدشِّن، فضلاً عن ذلك، تأويلاً يتخطّى عتبة النصّ المقدّس إلى عالم النصوص الأدبية والفلسفية والفنية. وبذلك ينقل التأويل من اللاّهوت إلى نصوص العلوم الإنسانية عموماً.

فـ (دلتاي)([41])على عكس شلايماخر، مع أنَّ رأي فِيتغنشتاين يستند إلى فهم الاستخدام الصحيح للألفاظ، فهو قريبٌ من أحد محوري نظرية شلايماخر، التي هي عبارة عن فهم قواعد أنواع العبارات والصور اللغوية الثقافية للمؤلّف.

شلايماخر يسير على خطى الفلاسفة ـ المفكِّرين ـ الرومنطيقيين، أي «الرومنطيقية الفلسفية»([42])، بينما فرويد([43]) ويونغ([44]) وماركس([45]) ليسوا كذلك. وهايدغر([46]) متأثِّر بـ (دلتاي)، ولكنّه يعدّه متورّطاً بالنزعات الذهنية. في حين يعني فهم النصّ لدى سبينوزا([47]) البحث عن «الحقيقة» المضمرة في النصّ. لذا يأتي فهم شلايماخر تحوُّلاً من الحقيقة إلى المنهج، إلى آليات إدراك المعنى. ومقارنة بهما معاً يأتي عمل دلتاي تجاوزاً لصرامة منهج شلايماخر، وذلك حين فكّر في التجربة؛ إذ يقترح دلتاي في مواجهة مشكلة فهم تجربة الآخر مفهوم «الفكر» أو «الروح» كسياق معياري يوحِّد الأفراد في إطارهم الاجتماعي والتاريخي،كما يوحّدهم في حياتهم الخاصة. وبذا يُنزل دلتاي الفكر هيغلياً([48]) من السماء (المعرفة المطلقة والمتعالية) إلى الأرض (معرفة متجذِّرة في تجربة الحياة، أي في عالم الحياة)([49]).

ظهرت في إيران ترجمات ومؤلّفات عديدة تحت تأثير النحل الهرمنوطيقية الغربية. وأحد نماذجها: كتاب هرمنوتيك كتاب وسنّت «هرمنوطيقا الكتاب والسنّة»، للدكتور محمد مجتهد شبستري.

من إيجابيات الكتاب تنظيمه لقواعد وضوابط الهرمنوطيقا. أمّا النقطة السلبية فيه فهي عدم الإشارة إلى المراجع والمصادر([50]).

 

  بيان النظرية وعرضها

نبدأ بتحقيق المقدّمات والمقوّمات التي وردت في كتاب «هرمنوتيك كتاب وسنّت»؛ لنتعرّف إلى النتائج الناجمة عنها، ثم نقدها أو تقويمها. وحسب ما يقرّره المؤلّف فإنّ عملية تفسير وفهم النصوص ترتكز على المحاور الخمسة التالية، كما أشرنا إليها في البحث:

1ـ مفاهيم المفسِّر السابقة، أو قبليات المفسّر (الدور الهرمنوطيقي).

2ـ الميول والتطلّعات التي ترسم الطريق للمفسّر.

3ـ استنطاقه للتاريخ (أسئلة حول التأريخ).

4ـ تشخيص بؤرة المعنى في النصّ، وتفسير النصّ كوحدة مترابطة تجتمع أطرافها في هذه البؤرة.

5ـ ترجمة النصّ من خلال الأفق التأريخي للمفسِّر (إسقاط النصّ على الظروف التاريخية للمفسّر).

طبقاً لهذه المحاور ما لم تكن لدى المفسّر قبليات ومقبولات مسبقة لن يكون بإمكانه تفسير نصّ معين. فلا بدّ له إذاً من معلومة أوّلية، حتّى ولو كانت مجملة أو بسيطة. ولا يمكنه إنْ انطلق من المجهول المطلق أن يفهم شيئاً من أيّ نصّ. فالفهم والتفسير لا يكون ممكناً إلاّ إذا توفّر الإنسان على معلومات معينة حول الموضوع، وكان في ذات الوقت جاهلاً لمعلومات وتفاصيل أخرى عنه. فهو يعلم عن الموضوع شيئاً لكنّه لا يعلم عنه كلّ شيء. وكلّما تحرّك الباحث بين معلوماته ومجهولاته، وبالعكس، تكاملت معرفته أكثر، وهذا ما يسمّى بالدور الهرمنوطيقي([51]).

 

     المناقشات والمداخلات

    مدخل (قبليّات المفسِّر أو الدور الهرمنوطيقي)

كلّ فهم يبدأ «بالسؤال». والسؤال مبنيّ على عدّة معلومات مسبقة: الشخص أو النصّ الذي يسأل عنه، لغة السؤال معرفة مسبقة، وإلى أيّ علم من العلوم ينتمي السؤال، ليعرف ما الذي يقع في إطار تلك العلوم، وما الذي يقع خارجه، وغير قابل للسؤال. ويظهر في النتيجة توقُّع الجواب المتعلّق بالعلم المقصود. لا يجب أن يضع المفسّر فهمه المسبق في المعنى المركزي أو بؤرة النصّ، وإلاّ فإنّ الطريق لن توصله إلى أيّ مكان.

بتوضيح الفرضية المسبقة يصل الدور إلى العلاقات والتوقُّعات التي يستمدها الإنسان من السؤال عن النصّ. إنّ لدى الإنسان توقُّعات تتعلّق بمعيشته وحريته ومصيره. وعلى أساس هذه التوقعات نفسها يطرح أسئلة اقتصادية أو حقوقية أو دينية أو فلسفية.

يأتي بعد هذه المرحلة دور توجيه السؤال إلى التاريخ. يجب أن يعلم المفسِّر كيف فهم المفسِّرون السابقون ذلك النصّ؟ وما هي الظروف الاجتماعية التي قيل أو كتب فيها النصّ؟ وماذا كان المؤلّف أو القائل يريد أن يقول لمخاطَبيه؟

يجب أن تُوضَّح في هذه المرحلة المعاني الكافية وراء الكلمات والعبارات، ودور النصّ في الحثّ على المعرفة والعمل، وقصد المتكلّم الجدّي، والتأثير الذي يتركه النصّ. ويأتي بعد ذلك دور الكشف عن «بؤرة النصّ». ويجب أن يكون كشف النقطة المركزية في معنى النصّ من وجهة كونه المحك والمعيار.

وهنا تبرز أمامنا الأسئلة التالية: لماذا يختلف المفسّرون؟ وما الذي ينبغي فعله حتّى ينطق بنفسه، فيسمع المفسّر إليه، بعيداً عن تأثيراته الذاتية، ثم يقوم بترجمة الحصيلة إلى الإطار التاريخي الذي يعيش فيه؟ وكيف يمكن للبشر المنتمين إلى أطر أو مراحل تاريخية مختلفة، أو لأولئك المنتمين لثقافات متفاوتة في زمن واحد، كيف يمكنهم أن يفهموا بعضهم؟

يجيب شبستري: إنّ المشتركات الإنسانية هي التي تمكِّن البشر في الحقب التاريخية المختلفة من أن يفهموا بعضهم([52]).

لنرَ الآن إنْ كان قد أجيب عن أسئلتنا إجابات واضحة أم لا.

 

 1ـ ما معنى ترجمة النصّ إلى الإطار التاريخي للمفسّر؟

هناك رأيٌ آخر يقول: يجب أن نستند في فهم النصوص إلى بديهيات غير محتاجة إلى التفسير. وإذا كان فهم جميع النصوص غير بديهي، ومتوقّف على التفسير، لن نتوصّل قطعاً إلى أيّ فهم. وإن هناك بعض الأفهام ليست بحاجة إلى التفسير. وكذلك هنالك أفهام هي مفاتيح لأفهام تحتاج إلى التفسير، إلاّ إذا قيل: إن الإدراك غير المتوقّف على التفسير ليس فهماً، فيكون لدينا، بناءً على ذلك، نوعان من الإدراك. ومع ذلك يبقى أصل الإشكال وارداً.

بهذه المحاسبة يعلم أن الدور الأصلي في دلالة النصّ على المعنى هو في عهدة أوّلية قواعد علم الدلالة([53]). فحين يعلم الإنسان جيداً قواعد دلالات الألفاظ على المعاني، والصرف والنحو، ويعرف متون المجاز والكناية والاستعارة، ويعرف تاريخ الأدب والأساليب الأدبية، وتكون له معرفة بما فهمه القدماء من نصٍّ قديم، فمن الممكن أن يختلف المفسّرون أيضاً، ولكنّ هذه الاختلافات لا تصل إلى الحدّ الذي تحمل الإنسان على أن ييأس من فهم النصوص المعيّنة. نعم، إنّ المشتركات الإنسانية لا تساعدنا فقط في فهم مقاصد بعضنا بعضاً، وإنّما هي توصلنا إلى فهم مشترك للنصوص. وحتماً إن المباني الفكرية والعقدية يمكن أن تؤثّر في التفسير. وإذا أراد مفسّر أن يصون نفسه من تأثيرها فعليه أن لا يحمِّل تفسيره للنصّ آراءه ونظراته وعقائده، أي أن لا يتكلَّم بدلاً عن النصّ، بل يترك النصّ نفسه يعبِّر عن محتواه.

 

  2ـ الفهم المسبق أو الفرضيّة المسبقة

المقصود بالفهم المسبق أو الفرضية المسبقة، كما بيّنا ذلك، أنّ المفسّر ما لم يملك فهماً مسبقاً لا يمكن أن يفسّر النصّ.

ولكنْ لتفسير أيّ نصٍّ من النصوص، ما لم يكن لدينا معارف متعلّقة بدلالة الألفاظ وبالمعاني اللغوية والقواعد النحوية، ستواجهنا مجهولات، ولكنّ القول: إننا سنواجه المجهول المطلق غير صحيح؛ لأن النصّ أمامنا، ونعرف أنّنا لا نعرف عنه شيئاً. بناءً على ذلك إذا سعينا وراء فهمه فلا نكون قد بدأنا البحث عن مجهول مطلق، ولكننا نكون قد بدأنا علمنا بمعلومات مفادها أنّ أمامنا نصّاً، وهذا النصّ يحمل رسالة؛ لأنّ كاتبه كان يبغي تفهيم مقاصده، وكان يتوقَّع تفهّماً من مخاطَبيه الفعليين أو مخاطّبيه بالقوّة. ولكي ينال المبتغى والمقصود راعى التكلُّم بلغة القوم، وحرص على مراعاة قواعد اللغة التي يكتب بها، واستعمل الألفاظ حسب دلالتها.

إذا كانت هنالك فرضيّات لازمة لتفسير النصّ فهذه هي. الذين يُريدون مثلاً قراءة الخطّ المسماري، وترجمة الكتابات (النصوص) الأثريّة الباقية من العصور الغابرة، وتفسيرها، لم تكن لديهم من القبليّات حول تلك النصوص سوى ما ذكرناه، لكنّهم تدريجيّاً اكتشفوا مفاتيح لقراءة الخطّ المسماري، ثم ترجموا الكلمات، وتوصَّلوا إلى مقاصد النصوص القديمة بهذه الطريقة.

هل كان «غروتفد»([54])، عالم الآثار الألماني، أوّل شخص يعرف شيئاً عن هذا الخطّ، أو أنّه ـ كآخرين لا حصر لهم ـ واجهته مجموعة من الرموز المسمارية، كالآشورية والبابلية والهخامنئية، وطرأ على ذهنه هذا السؤال: ماذا تخبرنا هذه العلامات؟ ما هي الرسالة التي كان يُريد كتّاب هذه النصوص ومبتدعوها توجيهها إلى الأجيال اللاحقة؟ وما هي المفاتيح اللازمة لفتح الأقفال؟

لاحظوا أنّ طرح هذه الأسئلة لم يكن يستوجب أيّ معرفة مسبقة عن النصّ المكتوب بالخطّ المسماري، وإنّما فقط الذي كان يرى هذه الخطوط كان يتساءل: ما هو المقصود؟ المقوّمات والمقوّمات اللازمة هي أنه يجب في البداية أن يوضع الخطّ المسماري مقابل الشخص، بعد ذلك، وبعد الأخذ بالاعتبار أنها لم تظهر مصادفة، وأن شخصاً قد ابتكرها لتفهيم أمر معيَّن مقصود، يسأل نفسه: ما هي هذه الخطوط؟

بعد طرح السؤال يجد المفاتيح لقراءة الألفاظ، وتركيب الجمل، وكشف الدلالات، وفي النهاية يقرأ اللغة، ويترجمها حسب فهمه لها.

يتحدّث شبستري عن الأحكام المسبقة دون الإجابة عن الأسئلة التالية: هل لدينا أحكام مسبقة ثابتة أم لا؟ هل يجيب النصّ إيجاباً على كافّة رغبات القارئ أو المفسّر ونوازعه أم لا؟ هل لدينا معيار نحتكم إليه في تقييم فهمنا المختلف أم لا؟ ألا يشمل التعدّد نظرية تعدّد القراءات نفسها؟ أيّ قراءة تعدّ منهجية؟

 

   3ـ البعد المعنوي للدين

يرى شبستري أنّ المفسّر الديني يدرك بقراءة النصّ الديني ـ وهو الكتاب والسنّة ـ أنّ رسالة الدين الأساسية هي الدعوة إلى الله، وخلق البُعد المعنوي، والأمل، وهدفية الحياة([55]).

ولكنْ لِمَ تتمحور رسالة القرآن والسنّة حول الروحانية والأمل وهدفية الحياة؟ هل يمكننا أخذ هذه الرسالة من خارج الدين، أو علينا الرجوع إلى الدين نفسه؟ في الهرمنوطيقا تستبين رسالة كلّ نصّ بالرجوع إليه، وتفسيره، لكنْ لم يأتِ شبستري بمصادر من النصّ. يمكن القول بأن الدعوة إلى الروحانية والمعنويات تقع ضمن نطاق التوحيد، لكنّ التوحيد في الكتاب والسنّة أوسع بكثير من الدعوة إلى الروحانية أو المعنوية. وكذلك لنصّ الكتاب والسنة دعوات أخرى تجاهلها المؤلّف.

 

    خاتمة (العلم والدين)

رغم هذه النقود التي وُجّهت إليه أظن أن الجهود التي بذلها شبستري لتبرير مدخل تأويلي (هرمنوطيقي) لفهم الكتاب والسنّة عملٌ كبير، وخليق بالتأمُّل. فشبستري، وخلافاً لآخرين، من أمثال: المهندس مهدي بارزگان، والدكتور علي شريعتي، والشيخ مرتضى مطهري، ليس بصدد التوفيق بين العلم والإسلام، أو تسويغ مدخل علمي إلى الدين، وإنّما يعتقد بضرورة الانطلاق إلى ما هو أبعد من هذه المساعي، والتأكيد على المعرفة الدينية والفهم الديني، بدلاً من التأكيد على الدين نفسه. ولهذا السبب لا نرى شبستري يتحدّث عن التوفيق بين العلم والدين، وإنّما يتحدّث عن استخدام الأدوات العلمية والمعرفية؛ لغرض فهم الدين على نحو أفضل.

 

 

الهوامش

([1]) فردينال دو سوسِّير «Ferdinand de saussure»(1857 ـ 1913)، عالم اللسانيات السويسري.

([2]) انظر: محمد مجتهد شبستري، نقدي بر قرائت رسمي أز دين: 247.

([3]) انظر: حيدر حب الله، نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي: 730 ـ 731، مؤسّسة الإنتشار العربي، بيروت، نقلاً عن: محمد مجتهد شبستري، هرمنوتيك كتاب وسنّت (تأويل الكتاب والسنة): 13 ـ 32.

([4]) انظر: توفيق السيف، حدود الديموقراطية الدينية: 235 ـ 237.

([5]) انظر: مجلة «كيان»، العدد 28: 13، سنة 1995م، طهران.

([6]) انظر: هرمنوتيك كتاب وسنّت: 7 ـ 8، منشورات طرح نو، طهران، 1996م.

([7]) ثيولوجيا «Theology»: علم اللاهوت الذي يبحث في الله وصفاته وعلاقته بالعالم والإنسان. وعلم اللاّهوت قسمان:

1ـ علم اللاّهوت الطبيعي «Natural Theology»، المبنيّ على التجربة والعقل.

2ـ علم اللاّهوت الاعتقادي «Dogmatic Theology»، المبنيّ على الوحي، أي على كلام الله المحفوظ في الكتب المقدّسة. وقد قسّم علماء اللاّهوت فيما بعد هذا العلم إلى قسمين آخرين، هما:

1ـ اللاّهوت الأخلاقي «Moral Theology».

2ـ واللاّهوت السلبي «Negative Theology».

فالأوّل يبحث في قواعد السلوك الموافقة لمعطيات الوحي.

أمّا الثاني فهو يطلق على اللاّهوت الذي ينفي الصفات عن الذات الإلهيّة. وهذا ما قال به المعتزلة وبعض الفلاسفة، الذين نفوا الصفات عن المبدأ الأوّل؛ لأن إطلاق الصفات على الله يعني وصف الخالق بصفات المخلوقين. وهذا ما وقعت فيه المشبّهة. لذلك كان التعبير عن الذات الإلهيّة بنفي الصفات أَوْلى.

([8]) «Pull Tillich»(1965م) فيلسوف ألماني، ولد في ستاريدل (ألمانيا). والده كان قسِّيساً بروتستانتياً. بعد الحرب العالمية الأولى بدأ بالتدريس في عدّة جامعات ألمانية. وفي عام 1933م أدان النازية بشكلٍ صريح وعلني، ممّا أفقده منصبه في جامعة فرنكفورت. ترك أمانيا ولجأ إلى الولايات المتحدة، حيث حاضر في جامعات نيويورك وهارفرد وشيكاغو. من مؤلّفاته التي نشرت باللغة الإنجليزية: «اللاّهوت والثقافة»، «الديانة التوراتيّة والأنطولوجيا»، «حبّ وسلطة وعدالة»، «اللاهوت المنظّم»، «الشجاعة في أن تكون».

حاول تيليتش أن يقيم لاهوتاً جديداً انطلاقاً من الثقافة. فهو يعتبر أن الديانة تنبع من الثقافة. فإذا كانت الديانة جوهر الثقاقة فهذه الأخيرة هي صورة أو شكل للديانة. وكان يريد أن يصل إلى خلاصة مفادها: «إنَّ أيّ لاهوت غير ممكن فهمه، إلاّ في الإطار الثقافي الذي ولد فيه».

([9]) «New Theology».

([10]) «Metaphysics» علم ما بعد الطبيعة: وهو الاسم الذي يطلق اليوم على مقالات أرسطو المخصوصة بالفلسفة الأولى.

([11]) انظر: فصلية «الحياة الطيّبة»، العدد 9: 66، ربيع 2002م، بيروت.

([12]) يعتقد شبستري بأن هذه القيود أو الحُجُب الأربعة تمثِّل مصدر الشقاء والألم للإنسان في هذا العالم. يقول: هناك حجب أخرى يمكن أن يلمسها الإنسان من خلال التجربة الدينية، وكلمات العرفاء، الذين عبَّروا عن هذه القيود (الحُجب) بكلمة «السجن».

([13]) Personal.

([14]) Imanenaz.

([15]) Trasendenz.

([16]) مجلة «كيان»، العدد 28: 12، سنة 1995م، طهران، في حوار مع الدكتور شبستري وآخرين حول «التعدُّدية الدينية».

([17]) انظر: المصدر السابق: 12 ـ 13.

([18]) انظر: صحيفة جامعة «المجتمع»، العدد 88: 10، 3 يونيو 1998، طهران، محاضرة للدكتور شبستري، تحت عنوان: ضرورت عبور أز شكل گرايي ديني (ضرورة تجاوز الشكلية الدينية).

([19]) توفيق السيف، حدود الديموقراطية الدينية: 221، دار الساقي، لندن ـ بيروت، 2007م، نقلاً عن صحيفة «آفتاب»، العدد 7: 4، طهران، 2001م، مقال للأستاذ شبستري، تحت عنوان: مردم سالاري چيست؟ (ما هي سيادة الشعب؟).

([20]) انظر: فصلية «الكلمة»، العدد 50: 121، شتاء 2006م ـ 1427هـ، بيروت، نقلاً عن كتاب نقدي بر قرائت رسمي أز دين (نقد القراءة الرسمية للدين): 168 ـ 171.

([21]) نقدي بر قرائت رسمي أز دين: 18 ـ 19.

([22]) محمد مجتهد شبستري، إيمان وآزادي (الإيمان والحريّة): 89، منشورات طرح­ نو، طهران.

([23]) الدكتور مهرزاد بروجردي، المستنيرون الإيرانيون والغرب: 239، ترجمة: حيدر نجف، دار الهادي، بيروت، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، 2007م.

([24]) فصلية «الحياة الطيّبة»، العدد 9: 53 ـ 54، ربيع 2002م ـ 1423هـ، بيروت، في حوار بين محمد مجتهد شبستري ومحسن كديور.

([25]) المصدر السابق: 74.

([26]) انظر: المصدر السابق: 77؛ وكذلك انظر: صحيفة جامعه «المجتمع»، العدد 82: 10، 3 يونيو 1998، طهران.

([27]) انظر: نقدي بر قرائت رسمي أز دين: 242.

([28]) لم يكتب شبستري كتاباً بهذا العنوان، بل هو كتابٌ جمع من عدّة مقالات متفرّقة. ومع الأسف عناوين الكتاب غير منظّمة، والترجمة غير دقيقة، كما أكَّد لي المؤلّف بنفسه.

([29]) انظر: مجلة «المنطلق»، العدد 113: 118، خريف 1995م ـ 1416هـ، بيروت.

([30]) انظر: مجلة «كيان»، العدد 10: 11، سنة 1993م، طهران، مقال للدكتور شبستري، تحت عنوان: نقد تفكّر سنتي در كلام إسلامى «نقد الفكر الكلاسي ـ التراثي ـ في الكلام الإسلامي».

([31]) «Philology»: علمٌ يُعنى بدراسة مفردات اللغة وتراكيبها، على وجه من الشمول، يستوعب دلالات الألفاظ «semanties»، والأصوات اللغوية «phonetics»، والمقارنة بين اللغات من حيث خصائصها المميّزة، وغير ذلك من المباحث.

([32]) انظر: مجلة «المنطلق»، العدد 113: 109 ـ 112، خريف، 1995 ـ 1416هـ، بيروت، في حوار مع شبستري، تحت عنوان: «الكلام الجديد، تساؤلات في الموضوع والمنهج».

([33]) نسبة إلى الفيلسوف اليوناني والعالم الموسوعي ومؤسِّس علم المنطق أرسطو «Aristotle»(384 ـ 322ق.م).

([34]) «Rudolf Bultmann»(1884 ـ 1976) لاهوتي وفيلسوف ألماني. كان يرى بأن المسيحية مصبوغة بصبغة ميتولوجيّة. وهذا عائدٌ في رأيه إلى كون الكتّاب الإنجيليّين «Evangelists» أرادوا أن يحكوا عن مجيء يسوع الناصري، ويكتبوا عنه بلغة مغايرة للفكر الإغريقي «Greek» العقلاني، فانتقلت إلى لغتهم تعابير ومفاهيم لا تعبِّر عن مفهوم «الوحي» وغايته.

من مؤلّفاته: يسوع(1926)، العهد الجديد: إنجيل يوحنّا(1941)، لاهوت العهد الجديد(1953)، يسوع المسيح والميتولوجيا(1958)، و…

([35]) «Martin Heidegger»(1889 ـ 1976). ومن الأمور التي قام بها رودولف بولتمان هي استعارته من مارتن هايدغر تحليلاته لوجود الإنسان في العالم، وطبقّها على وجود الإنسان الخاطئ المبعد من الله، فوصف هذا الوجود بأنه وجود قلق وجزع وخطيئة وسقوط. وهذه التعابير تتردَّد دائماً عند هايدغر عندما يصف حال «الإنسان في العالم». وقال بولتمان: إنّ هذه المعاني الهايدغريّة، هي التي نجدها في وصف حال الإنسان في أسفار «العهد القديم». لذلك قد أطلق على لاهوته اسم: اللاهوت الوجودي «Existentialist Theology».

وقد تعرّض بولتمان لنقد شديد، وخصوصاً من جانب اللاّهوتيّين التقليديين، وخصوصاً أنّ منهجه قد شكّ في الصحّة التاريخية لأحداث الأناجيل الأربعة.

([36]) انظر في ذلك: محمد مجتهد شبستري، مسيحيت قرون وسطى وزمينه­هاي پيدايش سكولاريسم (مسيحية القرون الوسطى وأرضية نشوء العلمانية)، جريدة «كيهان هوائي»: 19، 2 يوليو «July»، 1986م، طهران.

([37]) «Phenomenology» (الفينومينولوجيّ): هو منهجٌ يُظهر المعنى الخفي بحروف منطوقة، وهو علم ما يظهر ذاته، الذي يجعلنا نرى الظاهرة، والبنى الداخلية لها والمتعلّقة بها، والتي كانت خافية علينا، ولم يكن لها ظهور سافر من قبل.

([38]) انظر: فصلية «الحياة الطيبة»، العدد 9: 64 ـ 66، ربيع 2002م، بيروت.

([39]) لودفيك فِتغنشتاين «Ludwig wittgenstein»(1889 ـ 1951).

([40]) فردريك شلايماخر «Frderic Shleirmacher»(1768 ـ 1834).

([41]) فلهلم دِلتاي «Wilhelm Delthey»(1833 ـ 1911).

([42]) Philosophical Romanticism: يطلق هذا المصطلح على مذاهب الفلاسفة الألمان، الذين عاشوا في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وأشهرهم: فيخته «Fichte»، وشيلينغ
«Schellign»، وهيغل «Hegel»، وشوبنهاور «Schopenhaur». وتتميّز مذاهب هؤلاء الفلاسفة أو المفكّرين بالخصائص التالية:

1ـ معارضة اتّجاهات القرن السابع عشر، التي كانت تقوم على تمجيد العقل، واعتباره القيمة الأولى في الإنسان.

2ـ التركيز على العاطفة وعلى الطبيعة؛ لأنَّ هذه الأخيرة وسيط بين الإنسان والله.

3ـ إحياء الوعي الديني، وإعادة اكتشاف الفولكلور؛ لأنّه يمثِّل روح الشعوب ومصدر إلهامها.

4ـ التعلُّق بفكرة الحياة وفكرة اللاّنهاية، وإعادة الاعتبار للحدس والحريّة والعقوبة
«spontaneity».

([43]) سيغموند فرويد «Sigmund freud»(1856 ـ 1939).

([44]) كارل غوستاف يونغ «Carl Gustav Jung»(1875 ـ 1961).

([45]) كارل ماركس «Karl Marx»(1818 ـ 1883).

([46]) مارتن هايدغر «Martin Heidegger»(1889 ـ 1976).

([47]) باروخ سبينوزا «Baruch Spinoza»(1632 ـ 1677).

([48]) جورج فيلهيلم فردريتش هيغل «Georges wilhalm Friederich Hegele»(1770 ـ 1831).

([49]) انظر: هانزجورج غادامير، الحقيقة والمنهج، الخطوط الأساسية لتأويلية فلسفية: 17 ـ 18، ترجمة: حسن ناظم وعلي حاكم صالح، دار أويا، طرابلس (ليبيا)، 2007م.

([50]) استفدنا في هذه المناقشة من أفكار الدكتور عبد الله نصري والدكتور أحمد بهشتي، مع بعض التغييرات والإضافات الطفيفة في نقدهما لنظرية الدكتور محمد مجتهد شبستري، المنشورة في فصليّة «نصوص معاصرة»، العدد 7: 264 ـ 302، صيف 2006م ـ 1427هـ، بيروت؛ و«قضايا إسلامية معاصرة»، العدد 6: 140 ـ 162، 1999م ـ 1420هـ، قم؛ و«المنهاج»، العدد 36: 17 ـ 40، شتاء 2005م ـ 1425هـ، بيروت.

([51]) انظر: هرمنوتيك كتاب وسنّت: 16 ـ 29.

([52]) انظر: نقدي بر قرائت رسمي أز دين: 257.

([53]) «Semantics»: هو العلم الذي يدرس دلالة الكلمة وتطوّر معناها. وقد وضع هذا المصطلح الفرنسي ميشال بريال «Michel Bréal» عام 1883، ليفرّق بين علم المعاني وعلم الأصوات
«Phonology». وقد أتى فرديناند دو سوسِّير «Ferdinand de Saussure»، مؤلِّف كتاب «علم الألسنية العام»، ليضيف إليه تفصيلاً جديداً، وهو دراسة وتقلّبات معنى الكلمة داخل (نسق) «system» أو (بُنية) «structure»، فبيَّن أنّ معنى الكلمة غير مرتبط بتاريخها وحده، بل هو مرتبط بتاريخ الكلام كله. من هنا نشأت «البُنيويّة» في اللغة، وهي تنطلق من مفهوم، وهو أنّ الكلمة أو المفردة تحتمل عدّة معانٍ، لا تدلّ على (أشياء) أو (معانٍ)، بل لها في حدِّ ذاتها قيمة لسانية واجتماعية. فاللغة ظاهرة اجتماعية تعبِّر عمّا هو مقول، وعمّا يجب قوله.

([54]) Georg Friedrich Grotfend(1775 ـ 1853).

([55]) انظر: نقدي بر قراءت رسمي أز دين : 368.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً