المقدّمة
في الآونة الأخيرة ـ وخلافاً لما هو المجمع عليه بين فقهاء المسلمين من الإفتاء بأنّ مقدار دية المرأة يبلغ النصف من دية الرجل ـ أفتى سماحة الشيخ يوسف الصانعي ـ حفظه الله ورعاه ـ بمساواة المرأة للرجل في الدية. وقد انتهى سماحته أخيراً إلى هذه النتيجة إثر دراسة تخصّصية وبحث فقهيٍّ في الأدلّة العامة والخاصّة المتعلّقة بموضوع الدية، توصّل فيها إلى بعض الوجوه التي اعتقد صحّتها وإمكان الاستدلال بها على المساواة بين الرجل والمرأة في الدية، كما لاحظ على الأدلّة التي تمسّك بها سائر الفقهاء لإثبات القول المعروف من كون ديتها على النصف من دية الرجل.. بعض الملاحظات اعتبرها واردةً عليها، ومضعّفة لها ومسقطة.
ونحن إذ نطالع المنهج المتّبع في الاستدلال نجد أنفسنا أمام رأي جديد يستند على بُنية وأساسٍ وعناصر فقهيّة شكلاً ومضموناً ومنهجاً، وهو ما يدعونا إلى التعامل معه على أنّه مجهود علميّ قيّم، دافعه روح التطلّع إلى الحقيقة، وطلب الحكم الشرعي الواقعي، وذلك بإيلائه الأهميّة اللازمة، وطرحه على طاولة البحث، ودراسة أدلّتة المقامة أو ما يمكن إقامته عليه أو على الرأي الآخر بأسلوب علمي منهجي، وبروح حيادية بعيدة عن التعصّب لأحد الرأيين على حساب الآخر، أو التأثر بإيحاءاته المتراكمة عبر القرون أو الإبداعية المنبثقة عن قيم التجدّد والعصرنة. وهو ما يخلق أرضية مناسبة لتقييم الأدلة والتوصّل إلى رأي فقهي يبتني على أسس موضوعية لا ذاتية.
الخلفيات التاريخية لمسألة الدية ومواقف الفقهاء
لا يستغني الباحث في أيّ حقل علمي عن دراسة الخلفيات التاريخية لموضوع بحثه، باعتباره يزوّده بإطلالة على خطّ السير الذي مرّ به موضوع البحث عبر التاريخ، والمنعطفات والتعرّجات التي قطعها منذ ظهوره وصولاً إلى عصرنا الحاضر.
وقد حظي موضوع البحث عن دية المرأة بسير تاريخي زاخر بعناية المشرِّع حيث وفرة النصوص، واهتمام الناقل؛ حيث دقّة النقل وحسن التنظيم والتبويب لها، ورعاية الباحث حيث عمق البحوث وسعة الدراسات المخصّصة له. لكن نتائج الدراسات التخصصيّة التي أجراها الفقهاء على النصوص التشريعية الواردة في دية المرأة ـ وبالرغم من النوازع والدوافع التي يثيرها هذا الموضوع، والشبهات والتساؤلات التي يخلقها في أذهان عموم الناس، فضلاً عن فقهائنا الأعلام المتلبّسين بلباس التقوى والورع في دين الله، والمتخلّقين بأخلاق الأنبياء في التزوّد بالعدل والإنصاف ورعاية حقّ الضعفاء والمساكين عن وجه التفرقة بين المرأة والرجل في الدية ـ جاءت متفقة ومتطابقة في ثبوت النصف من دية الرجل ديةً للمرأة؛ وهو ما يعدُّ مؤشِّراً مؤثراً في تقييم النصوص الواردة وفهمها واستنطاقها مهما كانت روح التجدّد والتحديث طاغيةً على نفس الباحث، مستحوذةً على لبِّه وعقله.
ونحن إذ لا يسعنا ذكر فتاوى الفقهاء الذين بحثوا الحكم في دية المرأة منذ زمان الغيبة الصغرى حتى زماننا هذا، نقتصر على الإشارة لها لمراجعتها والتأكّد منها، مثل ما ذكره الشيخ المفيد، وابن إدريس الحلي، والسيد المرتضى، والطوسي، وعلي بن محمد القمي،وابن زهرة الحلبي، والمقدّس الأردبيلي، والفاضل الهندي، والسيد علي الطباطبائي، والسيد جواد العاملي، والمحقق النجفي، والسيد الخوئي([1]).
وهذا الذي أشرنا إليه إنّما هو في أصل الدية دون تطبيقاتها وفروعها الأخرى التي يعجز المرء عن حصرها وإيرادها، مثل ما ذكروه في قصاص النفس، وكل عضو من الأعضاء بين الرجل والمرأة، حيث أفتوا بحقّ القصاص للمرأة على الرجل مع دفع الفائض من ديته عن جنايته، وكذلك فروع اشتراك أكثر من شخص في قتل المرأة أو في قتلها الرجل حيث تعرّضوا لديات المشتركين في القتل أو المقتولين، ومطالبة أولياء الدم بالقصاص منهم وما يفضل من دياتهم على فرض ذلك، وكذلك ما جاء منهم في ديات نساء أهل الذمّة وأعضائهنّ، وأحكام الفروع الواردة في الخنثى المشكل وأنّ ديته نصف دية رجل ونصف دية امرأة، وأيضاً الأحكام الواردة في السقط المجنيّ عليه، وأنّ فيه ـ مع استبانة كونه أنثى كاملة ـ نصف دية الرجل، ومع عدم استبانته ديةٌ كدية الخنثى نصف دية رجل ونصف دية امرأة.. إلى غير ذلك من الفروع والتطبيقات التي أوردها الفقهاء بكثرة في كتبهم، وربما ادّعى على غير واحد منها إجماع الفقهاء وتسالمهم.
وحقيقة الحال أنّ أحداً من كلّ هؤلاء الفقهاء لم يفتِ بالمساواة في الدية بين الرجل والمرأة حتى من قبل فقهاء المذاهب الأخرى أيضاً على قدر تتبعي، إلاّ ما نقل عن ابن عليّة والأصمّ، كأنها ضروري من ضروريات الدين.
قراءة في أدلّة مسألة الدية بين الرجل والمرأة
يقع البحث هنا في محورين:
المحول الأوّل: أدلّة نظرية التساوي في الدية
يستند سماحة الشيخ الصانعي في فتواه بالمساواة بين الرجل والمرأة في الدية إلى دليلين هما:
1ـ الاستناد إلى نصوص تشريع الدية
يتعرّض سماحة الشيخ الصانعي في هذا الدليل إلى الروايات الواردة في تحديد مقدار الدية، وقد ذكر أنّ هذه الروايات تبلغ أربع عشرة رواية، لكنه اكتفى بذكر اثنتين منها كأنموذج لما يستدلّ به على فتواه، وأهمل ذكر الباقي بالنظر لاتفاقها في المضمون مع الروايتين اللتين أوردهما، وقد قرّب الاستدلال بهذه الروايات بأنها حدّدت مقادير الدية من دون تفصيل بين دية الرجل والمرأة، فلو كان مقدار الدية مختلفاً بينهما لفصّلت، فالإطلاق وعدم التفصيل كاشف عن التسوية بينهما في مقادير الدية. والروايتان هما:
1 ـ صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج قال: <سمعت ابن أبي ليلى يقول: كانت الدية في الجاهلية مائة من الإبل، فأقرّها رسول الله 2، ثم إنّه فرض على أهل البقر مائتي بقرة، وفرض على أهل الشياة ألف شاة ثنية، وعلى أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم، وعلى أهل اليمن مائتي حُلّة>.
2 ـ رواية حماد بن عمرو وأنس بن محمّد عن أبيه عن جعفر بن محمّد عن آبائه في وصيّة النبي 2 لعليّ % قال: <يا علي! إنّ عبد المطّلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام ـ إلى أن قال ـ وسنّ في القتل مئة من الإبل، فأجرى الله ذلك في الإسلام>.
ووصف الرواية الثانية بالصحيحة وبأنّ المشايخ الثلاثة ـ ومراده الشيخ الكليني والصدوق والطوسي ـ نقلوها في كتبهم الحديثية.
ثم ذكر أنّ جميع روايات الباب تصلح للاستدلال بها على المساواة في الدية بين الرجل والمرأة بالطريقة المتقدّمة، ولا يتوهمّ فيها الاختصاص بالرجل أو بالمسلم إلاّ في روايتين: إحداهما ورود التعبير فيها <بدية الرجل> وفي الأخرى بدية المسلم، ولما كان بحثه لا ينصبّ على المساواة بين الرجل والمرأة في الدية بل عليه وعلى المساواة بين المسلم وغيره فقد تعرّض لكلتا الروايتين بالمناقشة، ونحن نذكر ما يرتبط بالمساواة بين الرجل والمرأة في الدية باعتباره موضوع هذه المقالة، تاركين البحث عمّا يرتبط بالمساواة بين المسلم وغيره في الدية إلى فرصة أخرى.
والرواية التي ورد فيها لفظ <دية الرجل> هي ما رواه أبو بصير قال: <دية الرجل مئة من الإبل، فإن لم يكن فمن البقر بقيمة ذلك، فإن لم يكن فألف كبش، هذا في العمد، وفي الخطأ مثل العمد ألف شاة مخلّطة>.
وقد ناقش الصانعي الرواية بأربع مناقشات هي:
أولاً: إن التعبير بكلمة الرجل عن الأحكام المشتركة والعامة بين الرجل والمرأة، بل كلّ إنسان متداول في الروايات وكلام الفقهاء بكثرة.
ثانياً: إنّ الحديث المذكور مشكوك الصدور عن الإمام المعصوم؛ لأنّه لم يروه أبو بصير عن أحد.
ثالثاً: سند الرواية غير معتبر، فإنّ أبا بصير مشترك بين الثقة والضعيف ولا توجد قرينة على تعيينه، مضافاً إلى أنّ إبراهيم وأبا جعفر الواقعين قبل علي بن أبي حمزة في سند الرواية ضعيفان.
رابعاً: إنّ الحديث المذكور يرتّب؛ فيلزم أوّلاً بمئة من الإبل، فإن لم تتيسّر فمقدار قيمتها من البقر، فإن تعذرت فألف شاة، والحال أن هذا الترتيب لا ينسجم مع ما تضمّنته سائر الروايات، مضافاً إلى إعراض فقهائنا عن هذا المضمون، فمضمون هذه الرواية مرفوض من قبل الفقهاء([2]).
وقفة نقدية مع الاستدلال على التساوي بنصوص تشريع الدية
ويلاحظ على ما ذكره سماحة الشيخ الصانعي هنا أمور:
الأوّل: إنّ الرواية الأولى التي استند إليها الشيخ الصانعي رواها عبدالرحمن بن الحجّاج نقلاً عن ابن أبي ليلى عن رسول الله 2، واسم ابن أبي ليلى، وإن لحق كثيراً من أسماء رواة الحديث مثل عبدالرحمن بن أبي ليلى الأنصاري من أصحاب أمير المؤمنين %، ومحمد ابنه، وعبيد الله بن عبدالله بن عيسى بن عبدالرحمان الأنصاري حفيد ابنه، ومحمد بن إبراهيم بن أبي ليلى، وسفيان بن أبي ليلى الهمداني([3]) وربما غيرهم، لكن الوارد مطلقاً في أسانيد الروايات هو محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى القاضي الكوفي المعروف الذي مات سنة 148هـ، وكان من أصحاب الإمام الصادق % ([4])، وكان أبوه من أصحاب علي % قيل: إنه مات سنة 81 أو 82 أو 83هـ([5]). وكان ممّن شهد صفين([6]).
وقد روى العلاّمة الحلّي عن ابن عقدة عن عبدالله بن إبراهيم بن قتيبة، عن ابن نمير ـ حين سئل عن ابن أبي ليلى ـ أنه قال: <كان صدوقاً، مأموناً، ولكنه سيء الحفظ جدّاً>([7])؛ ولذا وصفه العلامة الحلّي وابن داود وبعض المتأخرّين بأنه ممدوح([8])، وشهادة ابن داود له بالمدح إن كان استناداً إلى هذا التعديل باطلة لبطلان مستندها، وإلاّ فهي غير معلومة المستند مع تأخر زمانه عن مصادر جرح وتعديل الرجال، وقد ثبت في محلّه أنّ توثيقات المتأخرين وتضعيفاتهم فاقدة لملاك الحجيّة عند مشهور الفقهاء([9]).
من هنا، أنكر جماعة من المختصّين بعلم الرجال مدحه ووصفوه بالانحراف([10])، حتى نسب إلى السيد صدر الدين الصدر قوله: <إنّ نصب الرجل أشهر من كفر إبليس>([11])، لكنّ السيّد الخوئي أنكر وجود ما يدلّ على نصبه([12]).
إلاّ أنّ الظاهر من بعض الروايات التي سردها في ذمّه أنه كان يردّ شهادة أصحاب بعض الأئمة ( المختصّين بهم، وبل ويشكّك في رواياتهم عنهم([13])، وقد ولي ابن أبي ليلى القضاء مدة طويلة لبني أمية، ثمّ لبني العباس، وكان يقضي بين المسلمين من غير استنادٍ إلى الأئمة المعصومين ( ([14])، وقد وردت روايات كثيرة بذمّه، بعضها صحيح السند([15])؛ ومنه يظهر حال الرجل وأنّه ضعيف.
الثاني: إنّ ابن أبي ليلى وإن روى روايات كثيرة عن رسول الله 2 وعليٍّ %، لكنه ـ على ما تقدّم في ترجمة الشيخ الطوسي له ـ مات عام 148هـ، وهذا يعني أنّ بين وفاته وبين استشهاد الإمام أمير المؤمنين % في عام 40هـ ما يقرب من 108 سنوات، يضاف إليها السنّ التي سمع فيها عنه حيث يعوّل فيها على سماع الراوي، ولنقدّرها بسن العشرين عاماً فيصبح عمره عند وفاته 128 سنة، وهو سنٌّ نادراً ما يبلغه أحدٌ من الناس، ولو كان لعُدّ من جملة المعمّرين ولم يذكر عنه ذلك، فلا يعقل إدراكه عليّاً % فضلاً عن الرسول الأعظم 2 الذي تفصل بين وفاته وشهادة أمير المؤمنين % 29 سنة؛ ومنه يتضّح أن في رواياته عنهما إرسالاً، وهو الذي صرّح به السيد الخوئي في ترجمته([16])؛ فالرواية المستدلّ بها حيث إنّها مروية عن رسول الله 2 فهي مرسلة، لا يعتدُّ بها.
لكنّ هذا الإشكال إنّما يتمّ على الرواية بالمقدار الذي أورده سماحة الشيخ الصانعي، وأمّا على ما جاء في كتب الحديث من تتمّة لها فيمكن تصحيح مضمونها من خلال ما ورد في التتمّة، حيث قال عبدالرحمن فيها: فسألت أبا عبدالله % عمّا روى ابن أبي ليلى، فقال: <.. كان عليّ % يقول: الدية ألف دينار، وقيمة الدينار عشرة دراهم، وعشرة آلاف لأهل الأمصار، وعلى أهل البوادي مئة من الإبل، ولأهل السواد مئتا بقرة، أو ألف شاة>([17]).
الثالث: ذكر سماحة الشيخ الصانعي ضمن إشكالاته التي سجّلها على الرواية الأولى من روايات الطائفة الثالثة ممّا عرضه دليلاً للمشهور في فتواه، وهي رواية أبان بن تغلب، ذكر عدّة إشكالات، منها وقوع عبدالرحمن بن الحجّاج في سندها، وهذا الإشكال بنفسه يرد عليه في الاستدلال بهذه الرواية هنا، إذ الراوي لها هو عبدالرحمن بن الحجّاج نفسه، فكيف قبل بها هنا ورفضها هناك؟!
الرابع: إنّ التقريب الذي قرّب به سماحة الشيخ الصانعي الاستدلال بروايات الباب على فتواه هو اقتضاء الإطلاق وعدم التفصيل في مقدار الدية بين دية المرأة والرجل المسلمين وغيرهما وهو ما يفيد استواء الجميع في الدية.
والظاهر أنّ استدلال سماحته مبني على أنّ اللام الداخلة على لفظ الدية هي لام الجنس، ليشمل المقدار المعيّن للدية بجميع أفرادها وأصنافها الناشئة من إضافتها إلى فرد الإنسان المتصف بوصف الذكورة أو الأنثوية أو الإسلام أو الذمة أو غير ذلك، مع أنّ المستفاد من مجموع الروايات الواردة في هذا الباب وجميع أبواب الديات اتّخاذ صنف من أصناف الدية هي الدية الكاملة معياراً وميزاناً وأساساً، وجعله هو الصنف المعهود في الأذهان والمتبانى عليه بين العقلاء عند إطلاق لفظ الدية معرّفاً من دون إضافته إلى لفظ آخر، ثم قياس سائر أصناف وأفراد الدية عليه. ومن يرغب في التأكّد من ذلك فليراجع الروايات الواردة في ديات الجراح والشجاج والكسور، وديات الأعضاء والمنافع، وديات أهل الذمّة، والديات الواردة في إسقاط الجنين، والتجاوز على الموتى بقطع بعض أعضائهم وغير ذلك، فإنّه يتبيّن له ذلك بوضوح.
بل التعبير بالدية الكاملة والناقصة أمر شائع ومتداول عند الفقهاء في كتبهم أيضاً مما يكشف عن وجود مثل هذا الارتكاز، فانظر ما جاء في كلمات الصدوق، والمفيد، والطوسي، والمحقق الحلي، والعلاّمة الحلّي، وغيرها([18])، بل لا معنى للتعبير بمثل ثلث الدية، ونصف الدية، وثلثاها وعشر الدية وغير ذلك من الكسور المضافة إلى الدية ما لم يفرض الرواة الدية الكاملة، فما ورد في بعض الروايات أو كلمات الفقهاء من التعبير بدية الرجل، أو دية المسلم، أو دية الرجل الحرّ المسلم تصريح بما بني على إضماره في سائر الموارد.
وبناء على ما ذكرناه، فالتقديرات المذكورة تقديرات للدية الكاملة، وهي دية الرجل الحرّ المسلم فقط، فلا إطلاق فيها ليعمّ دية المرأة وغير المسلم والعبد وغيرهم؛ وبذلك يبطل مبنى الاستدلال المذكور.
الخامس: إنّ الرواية الثانية التي أوردها سماحة الشيخ الصانعي كأنموذج لسائر الروايات الواردة في الباب فيما يتمسّك به دليلاً على فتواه، ووصفها بأنها صحيحة([19]) ضعيفةٌ جدّاً؛ لجهالة جميع الرواة الواقعين في سندها من بعد الشيخ الصدوق، وحتى راويتيها عن الإمام الصادق %: حماد بن عمرو وأنس بن محمّد وابنه، فإن سند الصدوق إليهما كلّه مجاهيل([20]).
السادس: إن بعض الروايات الواردة في الباب المذكور لا تصلح أن تكون مستنداً لسماحة الشيخ الصانعي في استدلاله؛ لضعف أسانيدها عنده أو عند المشهور؛ فمن ذلك الرواية السابعة من الباب التي ورد في سندها محمد بن عيسى عن يونس مباشرة([21])، فإنها ضعيفة على مباني سماحة الشيخ الصانعي، حيث رمى الروايتين الأولى والثانية من الطائفة الأولى من الروايات التي عرضها مستنداً لفتوى المشهور بالضعف بسبب ذلك([22])، وما ذكره هناك يأتي هنا حذو القذّة بالقذّة، مضافاً إلى أنها مرسلة؛ لأن يونس لم يصرِّح باسم من يروي عنه، بل عبّر عنه بقوله: عن بعض أصحابنا([23]).
ومثلها الرواية الثامنة والثالثة عشرة بطريقين من طرقها الثلاث([24]) إلاّ أنه لا إرسال فيهما، وإنما رواهما يونس عن محمد بن سنان، وفي وثاقة محمّد بن سنان الواقع في الطريق الثالث للرواية الثالثة عشرة([25]) أيضاً كلام طويل بين الرجاليين([26]). وبه تضعف الرواية الثالثة عشرة بجميع طرقها.
ومنها: الرواية العاشرة؛ حيث وقع في سندها القاسم بن سليمان([27])، ولم يوثق([28])، ومنها: الرواية الرابعة من روايات الباب، فإن جميلاً لم يرو مقول القول([29]) عن إمام، لورود التعبير فيها بأنّه قال من دون ذكر القائل، وظاهره ـ كما تقتضيه قواعد العربية ـ استناد مقول القول إليه، فلا تكون حجّة؛ وهي بذلك تشبه الرواية الثانية عشرة التي رواها أبو بصير وورد فيها التعبير بقال من دون إسناد إلى القائل أيضاً([30])، وقد رماها سماحة الشيخ الصانعي نفسه بالضعف أيضاً([31]).
فهذه خمس روايات من روايات الباب المستند إليه في الفتوى ساقطة سنداً على مبنى سماحة الشيخ الصانعي أو طبقاً لما ضعفناه.
السابع: إن بعض روايات الباب التي اعتبرها الشيخ مستنداً لفتواه، اشتملت على دلالات تتنافى مع الدلالات المستفادة من سائر الروايات والتي جعلت أساساً لبناء الفقهاء فتاواهم عليها، مما يوجب سقوطها عن الحجية بسبب إعراض الفقهاء عن مضمونها، وهو ما قد ينسحب إلى مجموع الرواية بما فيه دلالتها على الحكم بالمساواة في الدية بين الرجل والمرأة نفسه، خصوصاً وأنّ الصانعي أسقط بعض الروايات التي عرضها بوصفها مستنداً للمشهور في فتواه عن الحجية بسبب ذلك، كالرواية الثالثة من الطائفة الأولى منها([32])، ومضمرة سماعة ([33])، والرواية الثانية عشرة من روايات الباب التي استدل بها على فتواه، وهي الرواية التي رواها أبو بصير بأنها رتّبت بين خصال الدية، وهو مناف لمدلولات سائر الروايات الواردة في الباب، فتسقط عن الحجية([34])، رغم أنّ ذلك إنما يخدش في دلالة الرواية على الترتيب دون دلالتها على المساواة بين الرجل والمرأة في الدية فإن الدال عليه أمر آخر.
فمن جملة روايات الباب الأخرى التي يمكن إسقاط حجيتها عن هذا الطريق الرواية الثالثة منه، فهي مع ضعف طريقين من طرقها الثلاثة بإرسال إبراهيم بن هاشم الرواية عن بعض أصحابه، تضمّنت جعل قيمة كلّ ناب من الإبل عشرين شاة([35])، ممّا يرفع الدية في الشياة إلى ألفي شاة، وهو ينافي الوارد في بقية الروايات من جعل الدية في الشياة ألف شاة، فتسقط الرواية عن الحجية عند من يقول بسقوط الرواية بتمامها عن الحجية نتيجة بعض فقراتها عنها.
وكذلك الروايتان الخامسة والسادسة؛ حيث حصرتا الدية بدية الإبل، فتنافيان مضمون سائر الروايات الدالّة على التخيير بينها وبين خصال الدية الأخرى.
لكن مبنى الربط بين الدوالّ والدلالات المختلفة المستقلّة عن بعضها بحسب الدلالة في الحجيّة والاعتبار غير صحيح، ولذلك لا نرى هذه الإشكالات واردة على روايات الباب إلاّ بمقدار ما يعرّض فقرة الاستدلال على الموضوع للإشكال.
الثامن: إنّ سماحة الشيخ الصانعي حصر الروايات التي يمكن أن تكون آبية عن الإطلاق والشمول لدية المرأة نتيجةً لتقييدها بلفظ روعي فيه معنى الذكورة بروايتين هما: الرواية الثانية التي ورد فيها التعبير بالمسلم مضافاً إلى الدية وإن كان مراده من سوقها بيان المعارض من الروايات لفتواه بمساواة دية المسلم لغير المسلم، لا ملاحظة صفة الذكورة، والرواية الثانية عشرة التي ورد فيها التعبير بالرجل مضافاً إليها أيضاً([36])، والحال أنّ ما ذكره سماحته ليس بصحيح، لوجود روايات أخرى غير الروايتين اللتين ذكرهما روعي في ألفاظها صفة الذكورة أيضاً، مثل خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبدالله %: <من قتل مؤمناً متعمّداً قيد منه..>([37]) فإنّه روعي فيها صفة الذكورة كما روعي فيها صفة الإسلام بلفظ الإيمان. والرواية صحيحة السند بأحد طرقها الثلاثة، وإن كانت ضعيفةً بالإرسال من إبراهيم بن هاشم بطريقيها الآخرين. وكذلك مثل الرواية العاشرة من روايات الباب والتي ورد لفظ الرجل في ذيلها حيث قال %: <إذا ضربت الرجل بحديدة فذلك العمد>([38])، إلاّ أن يقال بأنّ المذكور في ذيلها رواية أخرى مستقلّة غير واردة في مقام الوارد فيه الصدر لتصبح قرينة لفظية متصلة بالكلام صارفة له عن ظهوره في الإطلاق، وإنما جمع الراوي بين الاثنين في كلامه أو جمع بينهما أثناء التدوين، ولعله لذا ورد الفصل بينهما بلفظ <وقال>، وكذلك مثل الرواية الثالثة عشرة؛ حيث ورد في قوله %: <فلا يرد قتله> مذكّراً لم يعطف عليه بقوله <أو قتلها> كما ورد فيها لفظ <ولي المقتول> ولم يعطف عليه بقوله: <أو المقتولة>.
لكن هذه الإشكالات غير واردة على ما تفضّل به سماحته من أنّ هذه الألفاظ تستعمل لبيان الأحكام المشتركة والعامّة بكثرة في الفقه، فورودها لا يعني أبداً احترازيّتها عن غيره، نعم، في مثل إضافة الدية إلى المسلم أو الرجل تدلّ على تقيّد الموضوع والاحتراز باللفظ عن غيره كما ستأتي الإشارة إليه قريباً.
هذا، وتوجد روايات أخرى ضمن روايات الباب تقيّد الموضوع بلفظ الرجل سيأتي الإشارة إليها ضمن النقطة اللاحقة.
التاسع: إنّ سماحة الشيخ الصانعي اقتصر على مراجعة كتاب الوسائل لدى البحث عن أدلّته على فتواه، دون أن يراجع المصادر التي أخذ عنها صاحب الوسائل رواياته أو الكتب التي أخذت رواياتها عن نفس مصادر كتاب الوسائل، مع أنّ اللازم لمن يريد التمسُّك بالإطلاق دليلاً على حكم معيَّن ـ كما فعل سماحته ـ مراجعة تلك المصادر، والسبب في ذلك هو أنّ صاحب الوسائل ـ ككثير من كتب الحديث غيره ـ اعتمدت تقطيع الروايات أساساً في تبويب الروايات على الأبواب والعناوين المتناولة في الكتب، والمنظّمة لمتونها بموجبها اقتصاراً على موضع الشاهد، وحيلولةً دون الإطالة، الأمر الذي يفوّت على الباحث الالتفات إلى القرائن الأخرى الواردة في الفقرة المقتطعة التي قد يستفيد منها قرينة لفظية متّصلة بالكلام مؤثرة في تعيين ظهوره.
فمن أين علم سماحة الشيخ الصانعي بأنّ الرواية الواردة في الباب الأوّل من أبواب ديات النفس والتي ورد فيها لفظ الدية مطلقاً تشتمل في فقرتها المقتطعة والواردة في الأبواب الأخرى كبيان معنى العمد مثلاً أو بيان ديات الأعضاء والجروح وغيرهما على ما يصلح للقرينية على أنّ المراد بالدية هنا دية الرجل؟ لذا وجدنا من الضروري مراجعة هذه الروايات؛ للتأكّد من كونها مقتطعة من رواية أم لا، وما إذا كانت تلك القطعة المحذوفة مشتملة على ما يصلح للقرينية على أن المراد بالدية في الموجود في روايات الباب دية الرجل.
وقد وجدنا كثيراً من روايات الباب المستدلّ بها كذلك؛ فالرواية الثانية منها مثلاً مقتطعة من رواية ورد في صدرها قول أبي عبدالله %: <دية الخطأ إذا لم يرد الرجل مئة من الإبل أو..>، وظاهر قوله: <إذا لم يرِد الرجل> أن فاعل فعل (يُرد) ضمير مستتر يعود على القاتل، والرجل مفعول به للفعل (يُرِد)، وبه تتقيّد الدية لأنها تدور مدار المقتول، ويكون معنى الجملة: إن دية الخطأ هي ما إذا تسبّب القاتل في قتل رجلٍ من دون أن يكون قصده وأراده؛ فالرواية مبنيّة على فرض المقتول رجلاً، ومعه يحتمل في لفظ الرجل أن يكون وروده احترازاً عن المرأة التي تجب لها ديةٌ غير دية الرجل؛ لذا كان من المفترض بالشيخ الصانعي عدّها ضمن الروايات المحتمل فيها التقييد، لا الروايات المطلقة.
ومثلها الرواية السابعة؛ فإنها مقتطعة من رواية تضمّها مع قطعة ورد فيها ما ورد في الرواية التاسعة من لفظ: <من قتل مؤمناً متعمّداً> المشتملة على صيغة الذكورة والإيمان كما تقدم([39])؛ فقد يُجعل ذلك قرينةً عليها أيضاً، ويكون المراد بالدية المذكورة فيها دية الرجل المسلم لا غيره.
كما أنّ الرواية الثامنة مقتطعة من الرواية الثالثة عشرة بطريقيها الأخيرين، وقد اشتملت على ضمائر وأسماء صريحة مذكّرة، كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك، وكذا الرواية الثالثة عشرة الواردة في التهذيب مقتطعةً من رواية طويلة الذيل وردت فيها ديات الجناية على الأعضاء والأطراف بالتفصيل([40])، وقد اشتملت الرواية فيما يرتبط بالاستدلال الذي أقامه سماحة الشيخ الصانعي على أمرين: أحداهما ورود لفظ الرجل في صدر الرواية؛ حيث قال أبو عبدالله %: <في أنف الرجل إذا قطع من المارن فالدية تامّة، وذكر الرجل الدية تامّة، ولسانه الدية تامّة، وأذنيه الدية تامّة..>، وثانيهما ورود التعبير عنه % فيها: <وجراحة المرأة والرجل سواء إلى أن تبلغ ثلث الدية، فإذا جاز ذلك، فالرجل يضعف على المرأة ضعفين..>.
ومع اشتمال الرواية على هاتين الفقرتين لا يبقى لها إطلاق ليتمسّك به سماحة الشيخ الصانعي، وهذا خير شاهد لما أسلفناه من أن لفظ الدية عند إطلاقه يمكن أن يراد به الدية الكاملة المنطبقة على دية الرجل المسلم الحرّ، فلا ينافيه الحكم بكون دية المرأة على النصف من ديته.
العاشر: إنّ التعبير بالرجل وإرادة عموم الإنسان الشامل للذكر والأنثى والمسلم وغير المسلم وإن كان كثيرَ التداول في رواياتنا كما هو في كلمات الفقهاء، لكنّ حمله على ذلك إنما يصحّ في خصوص الموارد التي لا يرى للرجل في الحكم خصوصية، فتلغى خصوصية الرجل ويتعدّى بالحكم إلى سائر أفراد الإنسان ممّن يحتمل ثبوت خصوصية لهم تمنع عن إسراء الحكم إليهم؛ إذ الأصل في كلّ قيد وارد في الدليل دخالته في موضوع الحكم والاحتراز به عن غيره، وليس المقصود إثبات المفهوم، كما تصوّر الشيخ الصانعي؛ حيث ذكر في ملاحظته الأولى على الحديث الثاني من أحاديث الباب والذي ورد فيه لفظ <دية المسلم>: أن اللقب لا مفهوم له، وإثبات الحكم لمسلم لا ينفي الحكم عن غير المسلم، وأنّ عدم بيان حكم غير المسلم ناشئ من جهة عدم الابتلاء به([41])؛ فإنّ مفهوم المخالفة ـ على ما ورد تعريفه في الكتب الأصولية ـ عبارة عن المدلول الالتزامي للمنطوق الذي ينتفي بموجبه الحكم الكلّي الثابت في المنطوق على موضوعه عن الموضوع بسبب اختلال بعض القيود المأخوذة فيه([42])؛ وعلى هذا فيكفينا في المقام أن نثبت أنّ الدليل المذكور وارد على دية الرجل المسلم الحرّ، ولا إطلاق له ليشمل دية المرأة، وإن كان ساكتاً عنها ولا يثبت انتفاء المقدار الثابت في دية الرجل ديةً لها ليذكر ما ذكر، وهذا المقدار تتكفّل به أصالة الاحتراز في القيود أن نحتاج إلى القواعد المتمسّك بها في باب المفاهيم؛ ولهذا السبب لا نجد أحداً من الفقهاء تمسّك بهذه الروايات لإثبات كون دية المرأة على النصف، بل هم يتمسّكون لإثبات أن المقادير المذكورة هي مقادير لدية الرجل، وأمّا إثبات أن دية المرأة على النصف من المقادير المذكورة فيتمسّكون بالروايات الأخرى الواردة في كون دية المرأة على النصف، والتي استعرض الشيخ الصانعي قسماً منها ضمن الأدلة التي أبرزها مستنداً للقول المشهور.
الحادي عشر: إنّنا لو فرضنا أنّ لفظ (الدية) الوارد في روايات الباب هو جنس الدية، لا الدية الكاملة، لينعقد للروايات المذكورة إطلاق يعمّ جميع الديات بجميع أصنافها وأفرادها التي منها دية المرأة، فلا يتمّ لسماحة الشيخ الاستدلال على صحّة فتواه إلاّ بعد الفحص واستبعاد كل معارض للإطلاق ولو في بعض أصناف الدية وأفرادها كدية المرأة، فإنّه مع وجوده يكون مخصّصاً للإطلاق المذكور وفقاً لقواعد الجمع العرفي، فلا ينتهي الأمر إلى السقوط، ولعلّ هذا هو السبب الذي دعا سماحة الشيخ إلى تضعيف كلّ الروايات الدالّة على كون دية المرأة على النصف من دية الرجل.
الثاني عشر: إنّ خدش الشيخ الصانعي رواية أبي بصير برميها باشتراكه بين الثقة والضعيف وعدم تعيّن المقصود منها غير صحيح؛ فإن لفظ (أبي بصير) وإن ورد كنيةً لجماعة هم: يحيى بن القاسم، وليث بن البختري، وعبدالله بن محمد الأسدي، ويوسف بن الحارث، وحمّاد بن عبدالله بن أسيد الهروي([43])، لكنّ السيد الخوئي ذكر: <أنّ أبا بصير إذا أطلق فالمراد به هو يحيى بن القاسم أو أبي القاسم، وعلى تقدير الإغماض فالأمر يتردّد بينه وبين ليث بن البختري المرادي وكلاهما ثقة، فلا أثر للتردّد المذكور، وأمّا غيرهما فليس بمعروف بهذه الكنية، بل لم يوجد مورد يطلق فيه: أبو بصير، ويراد غير هذين>([44]).
2ـ الاستناد إلى الأصول والقواعد العامّة في الإسلام
ذكر سماحة الشيخ الصانعي أنّ هناك عدداً من الآيات والروايات يدلّ على التساوي بين أفراد الإنسان في بناء الشخصيّة وفي المواهب والقابليات، وسائر الخصائص الإنسانية الأخرى، بالمعنى الذي يمكن معه ادّعاء دلالة الأصول والقواعد الإسلامية على المساواة([45]). ذاكراً عدّة الآيات والروايات للتدليل على ذلك، مثل قوله تعالى: >يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَث مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ الله الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ< (النساء: 1)، وقوله: >يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ< (الحجرات: 13)، وقول
رسول الله 2: <أيُّها الناس! إنّ ربّكم واحد وإنّ أباكم واحد، كلّكم لآدم، وآدم من تراب. إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجميّ فضل إلاّ بالتقوى>، وقوله 2: <فالناس اليوم كلُّهم أبيضهم وأسودهم، وقرشيُّهم، وعربيُّهم وعجميُّهم من آدم، وإنّ آدم % خلقه الله من طين، وإن أحبّ الناس إلى الله يوم القيامة أطوعهم له وأتقاهم>، وقوله 2: <إن الناس من آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط، لا فضل للعربيّ على العجمي، ولا للأحمر على الأسود إلاّ بالتقوى>، وقال الإمام عليّ %: <الناس إلى آدم شرع سواء>([46]).
قراءة نقدية للاستناد في التساوي إلى أصول الإسلام العامّة
ويلاحظ على التمسّك بهذه المجموعة من الآيات والروايات هنا عدّة أمور:
الأوّل: إنّ التسوية بين أفراد النوع البشري الشامل للرجل والمرأة، وإن كان ظاهراً من مجموعة الآيات والروايات، لكن لما كانت التسوية من المفاهيم ذات الإضافة التي تدور سعة وجوهراً مدار الجهة الملحوظة فيها، لذا لابُدّ من البتِّ أوّلاً في أنّ الملحوظ في التسوية بين أفراد النوع البشري التسوية بينهم في جهة خاصّة أم في جميع الجهات؟ إذ يمكن أن يتصوّر أن يكون المراد من التسوية بينهم التسوية في الأصل والمحتد، أو في مادّة التكوين، أو في الخالق والربّ، أو في العلاقة بينهم وبين ربِّهم، أو في الخصائص الإنسانية والقدرات والمواهب والطاقات، أو في الخصائص الجسمانية، أو في الأحكام والتشريعات، أو في الموقع والمكانة الاجتماعية أو الدور الذي يلعبه كلّ فرد من أفراد الإنسان داخل المجتمع الإسلامي، أو في المسؤولية تجاه القانون الإلهي، أو في الاستحقاقات الثابتة لكلّ واحد منهم وأنّ لهم حقوقاً واحدة، وربما يكون المراد من التسوية المذكورة التسوية بينهم في جميع هذه الأمور أو في بعضها دون البعض، أو يكون المراد بكلّ آية التسوية بين الناس في جهة هي غير الجهة التي سوّت الآيات أو الروايات الأخرى بين الناس فيها. وليس بمقدور أحد أن يرجّح أحد هذه الاحتمالات على غيرها إلاّ بعد إقامة الدليل والبرهان على ذلك.
والذي يمكن أن يقال: إن القدر المتيقّن من مفاد الآيات والروايات هنا هو التسوية في جهتين: إحداهما التسوية بينهم في الخلقة والتكوين سبباً ونسباً إشارة إلى تمتّعهم بطبيعة إنسانية واحدة تؤهّلهم الصعود في سلّم التكامل المعنوي والقرب من الله بامتثال أوامره ونواهيه. وثانيتهما التسوية بينهم في علاقتهم مع الربّ مبدأ ومعاداً. وليس فيما عدا هاتين الجهتين ما يدلّ على التسوية بين الناس في شيء آخر، كالتسوية بينهم في الأحكام والتشريعات أو الحقوق والواجبات أو المواقع والأدوار أو غير ذلك مما ذكر؛ ولذلك يمكن فرض التغاير بين أفراد الناس ـ ومنهم الرجل والمرأة ـ في كثير من الأمور كاختلافهم في كثير من الطاقات والمواهب والصفات الفردية أو في الإمكانات والوسائل المتاحة لهم أو في ظروفهم البيئية والأسرية أو في أجوائهم الفكرية والثقافية أو غير ذلك ممّا تختلف بموجبه التكاليف والوظائف الفعلية التي عليها المدار في الطاعة والمعصية والثواب والعقاب دون ما لا ابتلاء للمكلّف به ولا يخرج عن كونه حكماً إنشائياً. وكذا اختلافهم في الأدوار.
ثانياً: إن المستفاد من كلمات بعض الفقهاء والمفسّرين وجود تفاصيل في الطبيعة الإنسانية بين الرجل والمرأة أيضاً وأن التفاصيل بينهما ليست في سنخ الوجود، فالرجل والمرأة مخلوقان كما صرح القرآن الكريم من نفس واحدة وطبيعة واحدة، بل في الكمال والنقص، فنفس المرأة وإن كانت من سنخ نفس الرجل، لكن المودع منها في بدن الرجل ضعف المودع منها في بدن المرأة، وبسببه تتغاير خصالهما الجسمية والروحية، وإن بقيت طبيعتها النوعية واحدة؛ فمن يُزهق نفس رجل يختلف عمّن يزهق نفس امرأة في أنّه يزهق نفساً تبلغ في درجة وجودها ضعف ما تبلغه نفس المرأة وإن تساويا في أصل الإزهاق؛ ولذلك كان ما يبذل بإزائهما من الدية متفاوتاً وإن تساويا في أصل القصاص.
وهذا ما يظهر من كلام للسيد المرتضى، والشيخ المفيد، والشيخ الطبرسي، والشهيد الثاني، والطباطبائي، والمحقق النجفي، وفي بعض الكتب الفقهية التعبير بأن نفس المرأة نصف نفس الرجل([47]).
ثالثاً: إنّ الآيات والروايات المستدلّ بها لإثبات التكافؤ بين الرجل والمرأة في الخصال والخصائص النوعية يُعارضها ما ورد من آيات وروايات تصرّح بالتفاضل بين الجنسين كقوله تعالى: >الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ< (النساء: 34)، وقوله تعالى: >وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ< (البقرة: 228)؛ فإن المستظهر منها رجوع التفاضل بين النساء والرجال إلى خصوصيات ذاتية بقرينة استناد المفاضلة بينهما إلى ذات الرجال والنساء، وهذا المعنى فهمه عامّة المفسّرين من الآيتين المتقدّمتين.
رابعاً: إنّ ما أورده سماحة الشيخ الصانعي من آيات وروايات لم يفهم منها أحدٌ ما فهمه سماحة الشيخ من مساواة بين الرجل والمرأة في مبلغ التعويضات عن الجنايات الواقعة عليهما رغم مرور أربعة عشر قرناً على النصوص المذكورة، وتداول الفقهاء لها بكثرة لكونها من جملة النصوص المشهورة، ولو فهم منهم أحدٌ ذلك لنقل إلينا، ولم ينقل. وهذا يؤكّد ما ذكرناه من أنّ المعنى المستفاد منها هو التسوية بين الرجل والمرأة في مجالات أخرى غير ما ذكر.
خامساً: إنّ من الغريب أن يكون الحكم في ديات الرجال والنساء هو التساوي، ثمّ يكتفى في مثل هذا الباب ـ على أهمّيته القصوى ـ بمثل هذه الأدلّة العامّة والمجملة، ولا تردِ ولا رواية واحدة خاصّة بالموضوع تدلّ على المساواة خصوصاً مع وجود الروايات الكثيرة المفرّقة في الحكم بين المرأة والرجل في الدية. والروايات التي ذكرها سماحة الشيخ الصانعي كدليل أوّل لفتواه واردة في مقدار الدية لا في مقدار دية المرأة بخصوصها، ولا في مساواة دية المرأة لدية الرجل، فلا تعدُّ ضمن الروايات الخاصة بالموضوع؛ وهذا بنفسه يشكّل قرينة قويّة على أنّ الحكم في دية المرأة ما عليه المشهور، لا ما أفتى به سماحة الشيخ الصانعي.
سادساً: على فرض كون الآيات والروايات التي أبرزها سماحة الشيخ الصانعي كدليل ثانٍ على فتواه دالّة على المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الجهات أو في الجهات الراجعة إلى طبيعتهما النوعية الواحدة، فإنّ دلالتها على ذلك تكون بالإطلاق وقرينة الحكمة، فتعارضها الروايات الدالّة على أن دية المرأة تعدل نصف دية الرجل، وحيث إنّها أخصّ موضوعاً منها فتخصّصها في غير ما يتعلّق بالدية.
لكنّ سماحة الشيخ الصانعي يصرّ على إبطال الروايات المذكورة وإسقاطها عن الاعتبار لكيلا تعارض الأدلة المقدّمة من قبل سماحته فتخصّصها، وهو ما سوف نتناوله فيما يأتي مفصلاً إن شاء الله تعالى.
سابعاً: إن الروايات التي أوردها سماحته غير ثابتة الصدور؛ لضعف أسانيدها مرسلةً في كتبنا، ومسندة برواة لم تثبت وثاقتهم عندنا في كتب أهل السنّة، فهي لا تصلح مستنداً بالميزان الفقهي، وإن ثبتت صحّة مضامينها ارتكازاً أو بأدلة أخرى لكن ضمن الحدود التي استفدناها منها خلال مناقشاتنا المتقدّمة.
المحور الثاني: أدلّة نظرية عدم التساوي في الدية بين الرجل والمرأة
تعرّض سماحة الشيخ الصانعي إلى ثلاثة أنواع من الأدلة على فتوى المشهور بأنّ دية المرأة على النصف من دية الرجل، وهي الروايات والإجماع والوجوه الاستحسانية، وناقشها جميعاً، فنحن نستعرض كلّ دليل أورده منها ونذكر مناقشاته عليها ثم نجيب بما يمكننا الإجابة عليه منها.
1ـ الاستناد إلى الروايات لإثبات عدم التساوي
قسّم سماحة الشيخ الصانعي الروايات الدالة على عدم المساواة في الدية بين الرجل والمرأة إلى ثلاث طوائف، هي طائفة الروايات الدالة على المطلوب بالمطابقة، وطائفة الروايات الدالة عليه بالالتزام، وطائفة الروايات الدالة على التساوي بينهما في ديات الأعضاء ما لم تبلغ الجناية ثلث الدية فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف([48])، ولنشر إلى كلّ طائفة وفقاً للمنهج الذي ذكره سماحته.
الطائفة الأولى: الروايات الدالة على أنّ دية المرأة تعدل النصف من دية الرجل بالمطابقة.
وقد ذكر سماحة الشيخ الصانعي أنها خمس روايات هي:
1 ـ رواية عبدالله بن مسكان الأولى عن أبي عبدالله % في حديث قال: <دية المرأة نصف دية الرجل>([49]).
2 ـ رواية عبدالله بن مسكان الثانية عن أبي عبدالله % قال: <دية الجنين خمسة أجزاء: خُمسٌ للنطفة عشرون ديناراً، وللعلقة خُمسان أربعون ديناراً، وللمضغة ثلاثة أخماس ستون ديناراً، وللعظم أربعة أخماس ثمانون ديناراً، وإذا تمّ الجنين كانت له مائة دينار. فإذا أنشئ فيه الروح فديته ألف دينار أو عشرة آلاف درهم إن كان ذكراً، وإن كان أنثى فخمسمائة دينار، وإن قتلت المرأة وهي حُبلى فلم يُدرَ أذكراً كان ولدها أم أنثى فدية الولد نصف دية الذكر ونصف دية الأنثى، وديتها كاملة>([50]).
3 ـ رواية الحلبي وأبي عبيدة عن أبي عبدالله % قال: سئل عن رجل قتل امرأةً خطأ وهي على رأس الولد تمخض قال: <عليه الدية خمسة آلاف درهم، وعليه للذي في بطنها غرّة وصيف أو وصيفة أو أربعون ديناراً>([51]).
4 ـ كتاب ظريف بن ناصح عن أمير المؤمنين % قال: <… فإذا نشأ في خلق آخر وهو الرّوح فهو حينئذٍ نفسٌ بألف دينار كاملة إن كان ذكراً، وإن كان أنثى فخمسمائة دينار، وإن قتلت امرأة وهي حبلى فتمّ، فلم يسقط ولدها ولم يعلم أذكرٌ هو أو أنثى، ولم يعلم أبعدها مات أم قبلها، فديته نصفان: نصفه دية الذكر ونصفه دية الأنثى..>([52]).
5 ـ رواية أبي جدير القمّي قال: سألت العبد الصالح % عن النطفة ما فيها من الدية، وما في العلقة، وما في المضغة، وما في المخلّقة، وما يقرُّ في الأرحام؟ فقال: <.. فإذا اكتسى العظام لحماً ففيه مائة دينار، قال الله (عزّ وجل): >ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ< فإن كان ذكراً ففيه الدية، وإن كانت أنثى ففيها ديتهما..>([53]).
مناقشة الشيخ الصانعي لروايات الطائفة الأولى
وقد ناقش سماحة الشيخ الصانعي الرواية الأولى بأنها ضعيفة السند، لرواية محمد بن عيسى عن يونس، وقد ردّ محمد بن الحسن بن الوليد روايته التي ينفرد بنقلها، وبأنّ وثاقة محمد بن عيسى بن عبيد محلّ خلاف وتردّد بين الفقهاء لتضعيف الشيخ الطوسي والسيد ابن طاووس والشهيد الثاني والمحقّق الحلي وجماعة آخرون إياه، وتوثيق النجاشي له، ومع تعارض الجرح والتعديل يكون الأقوى ترك العمل بهذه الرواية.
كما ناقش الرواية الثانية بمناقشتين: الأولى دلالية حيث إنّ موضوعها دية الجنين، فينبغي إلغاء خصوصية الجنين لتعميمها للمرأة، ولكن العرف لا يقبل ظهورها العرفي في ذلك. والثانية وقوع محمد بن عيسى ـ وهو ابن عبيد ـ في سند الرواية راوياً لها عن يونس أو غيره؛ فتبتلي بالإشكال السندي نفسه الذي ابتلت به الرواية السابقة، بل النقل عن يونس هنا غير معلوم لورود التعبير فيها بـ (أو غيره) فتبتلى باحتمال الإرسال.
وناقش الرواية الثالثة بمناقشتين: الأولى ورود كلام الإمام % في قضية في واقعة، فلا يمكن جعلها أساساً في سائر القضايا. وعلى فرض كونها ليست كذلك فتختصّ بمورد السؤال ولا يمكن تعديتها لجميع موارد ديات النساء. والثانية أن حجّية الفقرة المرتبطة بحكم دية الجنين ساقطة لمنافاة الحكم المذكور بدفع غرّة وصيف أو وصيفة أو بذل أربعين ديناراً لما عليه فتوى الأصحاب في الجنين؛ فيكون معرضاً عنه من قبلهم. ومع سقوطها عن الحجية تسقط الفقرة الأولى عن الحجية أيضاً لوجود الترابط بين الحكمين المانع من ادّعاء التبعيض في حجية الرواية.
وأما الرواية الرابعة والخامسة فلم يناقشهما سنداً أو دلالة بشيء حيث ادّعى تماميتهما من هاتين الجهتين، غير أنه أشكل عليهما بإشكال عام وهو مخالفتهما للكتاب والسنّة، وهو ما يأتي البحث عنه في نهاية الدراسة([54]).
وقفة نقدية مع مناقشات الشيخ الصانعي
ويلاحظ على كلام الصانعي هنا عدّة ملاحظات هي:
أوّلاً: إنّ تقسيم سماحة الشيخ الروايات التي يمكن التمسّك بها مستنداً لفتوى المشهور إلى طوائف ثلاث: روايات دالّة بالدلالة المطابقية، وأخرى بالدلالة الالتزامية، وروايات واردة في ديات الأعضاء والشجاج والجراح، تقسيم غير منضبط؛ لتداخل هذه الأقسام في بعض الروايات، بأن تشتمل بعض الروايات على فقرتين أو أكثر دلالة بعضها مطابقية على المطلوب، وبعضها الآخر التزامية عليه، وربما اشتملت الرواية على فقرة ثالثة مختصّة بالأعضاء مثلاً؛ فجميع الروايات الثلاث التي عرضها ضمن روايات الطائفة الثانية نموذجاً، تشتمل على فقرتين: إحداهما دالّة على أنّ دية المرأة نصف دية الرجل بالمطابقة، والأخرى دالّة على أنّ ديتها نصف ديته بالالتزام، حيث إن قول الإمام أبي عبدالله % في صدر الأولى: <إن شاء أهلها ]أهل المرأة المقتولة[ أن يقتلوه قتلوه، ويؤدّوا إلى أهله نصف الدية..>([55]) دالٌّ بالالتزام على أن دية الرجل تفضل عن ديتها بمقدار نصف الدية الكاملة. وقوله % في ذيلها: <وإن شاؤوا أخذوا نصف الدية خمسة آلاف درهم>([56]) دالٌّ بالمطابقة على أن دية المرأة نصف الدية الكاملة، وأنّ مقدارها خمسة آلاف درهم. ومثلها الروايتان الأخريان.
وكان الأجدر بسماحة الشيخ الصانعي تقسيم الروايات إلى طوائف وفقاً لموضوعها مثلاً، ويذكر عند كلّ رواية الفقرات الدالّة بالمطابقة أو الالتزام على مبنى المشهور فقرةً فقرة، ووفقاً لما أسلفناه، فهناك عدد كبير من روايات الطائفة الثانية والثالثة دالّة ـ أيضاً ـ بالمطابقة على رأي المشهور، والروايات التي أوردها ضمن روايات الطائفتين خير دليل على ذلك.
ثانياً: إنّ ما أورده سماحة الشيخ الصانعي على سند الروايتين الأولى والثانية حول وضع محمّد بن عيسى بن عبيد قابل للإجابة، وذلك:
1 ـ إنّ عدم رواية الصدوق وشيخه ابن الوليد الروايات التي يرويها محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس اجتهادٌ من الصدوق وشيخه لا نعلم الوجه فيه، واجتهاد مجتهد في أمرٍ ليس حجّةً على مجتهدٍ آخر ليتعبّد به مثل الشيخ الصانعي، ولا هو نقل لحال الرجل بالجرح والتضعيف أو شهادة به ليأخذ به استناداً إلى حجية قول الرجاليّ، إذ لو كان نقلاً لحاله أو شهادة به، لالتزم المحدّثان بضعفه وعدم الرواية عنه سواء روى هو عن يونس أو عن غيره، وسواء تفرّد بنقلها عنه أو اشترك آخرون معه، مع أنّ الصدوق روى عن محمد بن عيسى بن عبيد في كتاب المشيخة وحده ما يزيد عن ثلاثين موضعاً، روى فيها عن غير يونس([57])؛ فالاجتهاد المذكور حجّة على صاحبيه فقط، ووجوده كعدمه بالنسبة إلينا، بل قد روى هو عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس في غير كتاب من لا يحضره الفقيه روايات كثيرة([58]).
2 ـ إنّ الأخذ بقول الرجالي إنما يكون في صورة عدم معلومية مستند التوثيق والتضعيف، وإلاّ فإن علم لم يعد للفقيه حاجة إلى الأخذ بقوله؛ نظراً لتمكّنه هو من الحكم وفقاً لقواعد الاستدلال العامّة والتوصّل إلى وثاقة الراوي أو عدمها، بل لو علم لم يجز تقليده فيه لمجتهد آخر، وسبب قولنا هذا أنّه وإن تعارض في الرجل التوثيق والتضعيف، لكنّ العبارات الواردة في توثيقه تدلّ على أنّه مبتن على شهادة حسّية من الموثق أو ممن اعتمد عليه، بخلاف عبارات الجرح والتضعيف فإنها تدلّ على أنّه محض اجتهاد قائم على مستندٍ لا دلالة فيه على ضعف الراوي.
فممّن وثق محمّد بن عيسى بن عبيد النجاشي([59])، وجعفر بن معروف حسب نقل الكشي([60])، وأيوب بن نوح حسب نقل النجاشي([61])، والكشّي([62])، وبورق([63])، وكلّها ظاهرة في الحسيّة، أمّا المضعّفون له فمنهم الشيخ الطوسي في الفهرست([64])، والرجال([65])، والاستبصار([66])، وابن طاووس والشهيد الثاني والمحقق الحلي، وغيرهم([67]). لكن تضعيف الشيخ الطوسي له معلوم المستند، فإنه ليس إلاّ استثناء الشيخ الصدوق وشيخه ابن الوليد لرواياته، وذلك لظهور ذكره في الفهرست والاستبصار المتقدّمين استثناء الصدوق وشيخه لرواياته بعد ذكر ضعفه في أنه تعليل له، والمستند المذكور حيث حقّقنا الأمر فيه وأثبتنا عدم دلالته على ضعف محمد بن عيسى بن عبيد، فلا يبقى بعد ذلك وجهٌ لتضعيف الطوسي له، أما تضعيف الباقين فغير مهمّ؛ لما تقرّر من أنّ قول المتأخرين من الرجاليين ليس حجّة؛ وعليه يرتفع الإشكال السندي الذي أثاره الشيخ الصانعي.
ثالثاً: إنّ احتمال الإرسال في الرواية الثانية والذي أثاره الشيخ الصانعي قائم على نقل الكليني في الكافي والحرّ العاملي في الوسائل([68])، أمّا على نقل الطوسي للرواية بإسناده عن علي بن إبراهيم فإنّ عبارة <أو غيره> غير موجودة، فاحتمال الإرسال منتفٍ عن الرواية([69])؛ لكن عند تعارض أصل عدم التقصير في الروايات (نقل الطوسي) وأصل عدم الزيادة فيها (نقل الكليني والعاملي)؛ فإنّ أصل عدم الزيادة هو المحكّم، ويكون الأصل مع الرواية المتضمّنة للفظ (أو غيره)، فاحتمال الإرسال مستحكم، هذا مع أن الشيخ الطوسي زاد في سند الرواية بعد عبدالله بن مسكان قوله: <عمّن ذكره>([70])، فتكون الرواية مرسلة عنده أيضاً لكن من قبل ابن مسكان هذه المرّة، لا من قبل يونس وعلى سبيل القطع لا الاحتمال أيضاً.
رابعاً: إنّ ما رمى سماحة الشيخ الصانعي الرواية الثالثة بورود كلام الإمام % في قضية شخصية، فلا يصلح حجّة في سائر الموارد وإن كان ظاهرها كذلك، لكن لا يظهر في الرواية للواقعة والرجل القاتل والمرأة المقتولة أيّة خصوصية تقتضي كون الحكم الصادر من الإمام % فيها شخصياً، فهو حكم على طبق القاعدة كاشف عنها فيطبّق في سائر الموارد والقضايا الأخرى، كما أن مجرّد كون المرأة حاملاً لا دخل له بحكم الإمام % أيضاً؛ لكون الدية الثابتة على القاتل بقتلها غير حكم الإمام % في مورد الجنين.
خامساً: إنّ ما رمى به سماحة الشيخ الصانعي الرواية الثالثة أيضاً بالسقوط؛ لسريان عدم حجيّة من فقرة إلى أخرى، مناقش فيه:
1 ـ إنّ الإعراض غير صحيح على إطلاقه؛ إذ أفتى بموجبها الطوسي في التهذيب والمبسوط والخلاف، وابن الجنيد، وابن أبي عقيل العماني([71])، ومع إفتاء مثل هؤلاء لا تعدُّ الرواية معرَضاً عنها على الإطلاق، ويحكم بسقوطها عن الحجية.
2 ـ إنّ سقوط الرواية عن الحجية بسبب سقوط بعض فقراتها عنها غير مقبول أصوليّاً، كما صرّح به الشيخ الأنصاري، والسيد الحكيم، والسيد الخوئي([72])، والسبب هو احتمال تطرّق الخلل إلى فقرة الحديث المطروحة كحصول سقط فيها أو تحريف أو اشتباه من الراوي في سماعها أو صدورها عن الإمام % تقية ونحوها من الأمور، وهذا لا يسوِّغ للفقيه طرح بقية فقرات الرواية التي تتضمّن ـ بحسب الظاهر ـ حكماً شرعياً واقعياً بعد عدم وجود ما يدلّ على تطرّق الخلل إليها هي أيضاً، واللجوء إلى ما يتضمّن حكماً آخر، فإنّ فيه مع عدم المبرِّر لذلك كذباً على الله سبحانه إن لم يكن على النبي 2 والأئمة المعصومين ( أيضاً؛ نعم، لو فرض ثمّة ترابط بين فقرات الرواية بنحو يمنع عن انعقاد ظهور لبعضها مع انتفاء مدلول الأخرى أو يمنع من البناء عليها لتلازمها أو غير ذلك كان ذلك سبباً لسقوط مجموع الرواية عن الحجية، كما يقول المحقق الهمداني في مورد خاصّ([73]).
3 ـ إن دعوى سماحة الشيخ الصانعي الترابط بين الحكم في دية الجنين والحكم في دية أمّه غريبة جدّاً؛ إذ واضحٌ أنّ السبب في الحكم في دية الجنين ـ لو سلّم مخالفته لمسلّمات الفقه الإمامي فرضاً ـ احتمال صدوره موافقاً لفتوى أهل السنّة والجماعة تقيّةً، وأمّا الحكم في دية الأمّ فلا يتطرّق إليه الاحتمال المذكور؛ لكون جميع روايات الشيعة موافقة له، ولا توجد حتى رواية واحدة تدلّ على خلاف ذلك ـ صراحةً أو ظهوراً ـ عدا الروايات التي استعرضها سماحة الشيخ وقد تقدّم ما فيها من كلام، وهكذا يتّضح سلامة الاستدلال بهذه الروايات.
مناقشة الشيخ الصانعي لروايات الطائفة الثانية
الطائفة الثانية: الروايات الدالّة بالملازمة على أنّ دية المرأة تعدل نصف دية الرجل، وقد ذكر سماحته أنّ مضمون هذه الروايات دالُّ على أنه متى اقتصّ من رجل حُرٍّ بقتله امرأةً حرّة، فقتل بها، لزم دفع نصف الدية إلى أهل الرجل المقتصّ منه؛ ومعنى ذلك أن دية المرأة تعدل نصف دية الرجل، وإلاّ لم يكن وجه لدفع نصف الدية، وذكر سماحته أنّ عدد هذه الروايات في كتب الحديث المعتبرة يبلغ (15) رواية، حوالي عشرة منها ذات سند معتبر([74])، ومن جملة هذه الروايات خبر عبدالله بن سنان، ورواية عبدالله بن مسكان، وخبر الحلبي([75])، ثم قال: وكذا الروايات 4، 5، 6، 7، 8، 9، 12، 13، 15، 19، 20، 21 من الباب نفسه([76]).
ثم أشكل على هذه الروايات بإشكالين:
الأوّل: إنّ المدلول المطابقي لهذه الروايات ليس حجّةً، كما أثبتناه في المساواة بين الرجل والمرأة في القصاص، وقد ثبت في محلّه أن الدليل الفاقد للحجية في مدلوله المطابقي فاقدٌ لها في مدلوله الالتزامي أيضاً، لتبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية وجوداً وحجية.
الثاني: إن الاستدلال بروايات لزوم الدية في قتل العمد لموارد القتل الخطأ إنما يكون ممكناً في صورة إلغاء الخصوصية عن قتل العمد، بأن يقال مثلاً: لا فرق بين قتل العمد وقتل الخطأ، لكنّ إلغاء الخصوصية عن قتل العمد مشكل؛ لاحتمال كون الحكم بتنصيف الدية في قتل العمد نظراً لتسلّط أهل المقتول على التخيّر بين القصاص وأخذ الدية، أمّا في قتل الخطأ الذي لا يسوغ فيه القصاص، بل تؤخذ الدية حصراً، فلا يمكن الحكم بالتنصيف، وعلى أية حال فتسرية الحكم من هذه الروايات إلى مسألة قتل الخطأ مشكلة جدّاً([77]).
وقفة نقدية مع إشكالات الطائفة الثانية
يلاحظ على ما ذكره سماحة الشيخ الصانعي هناعدّة أمور:
أوّلاً: ما عرضه الشيخ من مدلول للروايات المذكورة يمثل جزءاً مما تضمّنته روايات الباب 33 وهو مدلول التزامي لا مطابقي على كون دية المرأة تعدل نصف دية الرجل كما ذكر، وأمّا الجزء الآخر منها فيتضمّن دلالة مطابقية على التنصيف في الدية، وقد تقدّم الحديث عن هذا الأمر.
ثانياً: قد أخطأ سماحته فيما يخصّ الروايتين: 15، 19؛ فإنّ الأولى لا دلالة لها على المطلوب بالمضمون الذي ذكره، وإن دلّت عليه بمضمون آخر، وأمّا الثانية فلا دلالة لها عليه أصلاً، فعدّهما ضمن الروايات الدالّة بالمضمون ـ كما ذكر ـ غير صحيح.
ثالثاً: إنّ ما ذكره من سقوط مدلول الروايات المطابقي عن الحجية مختصٌ به وحده، فهو حجّة عليه على نظريّاته في المساواة بين الرجل والمرأة في القصاص دون غيره من الفقهاء؛ فإنّ مدلول الروايات المطابقي غير ساقط عن الحجيّة عندهم، فيكون حجةً عليهم وفقاً لمبناهم، فالمناقشة مبنائية.
رابعاً: إنّ ما ذكره من الاستشكال في إلغاء الخصوصية غير واضح؛ إذ القصاص حقٌّ مشروع لولي المقتول، وقد وجّهته الشريعة، بل حضّت عليه بذكر فائدته حيث قال تعالى في كتابه المجيد: >وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِيْ الأَلْبَابِ< (البقرة: 179)، ولا علاقة له بدفع الفاضل من دية الجاني عن جنايته؛ فإنها قاعدة كلّية ثابتة في غير مورد أو فرض معين، بل تثبت فيما لو فرض قتل ولي دم المقتول القاتل خطأ بعد تنازله عن حقّ قصاصه، بل في كل مورد يحصل التهاتر بين المقتولين والقاتلين في الديات كما في رواية زيبة الأسد، ورواية السكري المتباعجين بالسكاكين([78])، ومنه الاصطدام المتسبّب في تلف بعض نفوس المصطدمين، وغير ذلك ممّا ذكر الفقهاء فروعه المختلفة في كتبهم.
خامساً: إنّ ما أشكل به الشيخ الصانعي على رواية أبي بصير من عدم معلومية القائل، وأنّ ظاهر الإسناد في الفعل رجوع الضمير إلى أبي بصير نفسه، ربما أجيب
عنه بأنّ حاله حال الروايات المضمرة الأخرى التي ذكر في الجواب عنها أن إضمار اسم الإمام % هو للتكتّم والتقيّة، وهو كثير الوقوع في رواياتنا فلا يضرّ بالرواية.
لكنّ الجواب عنه غير تامُّ؛ إذ وقوع ذلك بفرض التقيّة لا يمنع من وقوعه بفرض آخر، كفرض فتوى أبي بصير في المسألة مثلاً، نعم، لو قيل بأنّ أبا بصير مع جلالة منزلته وعظم مكانته لا يحتمل أن يفتي أحداً من عند نفسه أو من غير سماعٍ عن
الإمام %، خصوصاً مع كون الإفتاء في السابق يقتصر على تطبيق الرواية في الغالب وإعمال قواعد الجمع العرفـي مثلاً ممّا لا يتضمّن إدخال عناصر ذاتية اجتهادية خاصة خارجة عن نطاق النصوص الشرعية أمكن حينئذٍ الاستناد إلى الرواية، إلاّ إنه جواب غير تامٍّ أيضاً؛ لدخول بعض العناصر الذاتية للمجتهد في الإفتاء، ولا أقلّ من ترجيح بعض الروايات على بعضها عند التعارض، وهو لا شكّ مضرّ بالاستناد إلى الرواية، اللهم إلاّ أن يقال بأنّ ذلك غير مانع أيضاً؛ لأنّ المفتي إنما يرجّح مضمون رواية على أخرى، فما يفتي به مضمون رواية عن الإمام %، إذاً، فيصحّ الاستناد إليه وإن احتمل بل وجد المعارض، إذ فيه تعمل قواعد التعارض فلا إشكال.
إشكالات الشيخ الصانعي على روايات الطائفة الثالثة
الطائفة الثالثة: الروايات الدالّة على قصاص وديات أعضاء كلّ من المرأة والرجل بعد بلوغها الثلث، وقد ذكر سماحة الشيخ أنّ هذه الطائفة من الروايات تدلّ على أنّ دية قطع أعضاء المرأة تساوي دية الرجل فيما لم تبلغ الثلث، فإن بلغته نقصت دية المرأة إلى النصف، وممّا يزيد على الثلث دية النفس فيجب تنصيفها([79])، ذاكراً وجود خمس روايات تدلّ على رأي المشهور هي صحيحة أبان بن تغلب المشهورة في الدية([80])، ومضمرة سماعة([81])، وصحيح جميل بن درّاج([82])، وخبر أبي بصير([83])، وصحيح الحلبي([84]).
وقد أشكل سماحة الشيخ الصانعي على هذه الطائفة بقسمين من الإشكالات هما:
الأوّل: إشكالات مورديّة خاصّة؛ حيث لاحظ على صحيحة أبان بن تغلب جملة ملاحظات اعتبرها موجبةً لوهنها بنظر العقلاء، مثل توقف المحقق الأردبيلي في سندها لوجود عبدالرحمن بن الحجّاج([85])، ومثل كون أبان من كبار الفقهاء والمحدّثين المقرّبين؛ فهل يعقل أن يردّ على كلام إمامه بهذه الطريقة؟، ومثل أنّ جواب الإمام أخيراً يشير إلى جهل أبان بحرمة القياس وآثاره المضرّة؛ وهو غير محتمل في حقّ أبان، ومثل كون تعجّب أبان ناتج عن أمر عقلائي وطبيعي قائم على فحوى أجوبة الإمام % السابقة عليه، فلماذا يواجه باعتراض الإمام % والحال أن الأخذ بفحوى الدليل يُعدّ من جملة أصول الاستنباط والاستدلال الفقهي، والحجر الأساس في عملية الاجتهاد؟ ومثل عدم تلاؤم الجواب المذكور في الرواية مع تساؤل أبان وتعجّبه، إذ تعجّبه كان من تشريع حكم كهذا في عالم الثبوت، ولم يجب الإمام % عليه، بل أجاب بما يرجع على ما لو كان أبان شاكّاً في حجّية الكلام الصادر من الإمام %، والحال أنّه لا شكّ لدى أبان في ذلك، وكان المناسب في جواب الإمام % تبيين العلّة في ذلك كما هي سيرة أئمتنا ( في إجاباتهم على الأسئلة المتشابهة، فإنّ مثله غير عزيز في روايتنا حتى أنّ الشيخ الصدوق ألّف كتاباً كاملاً في تبيين علل الأحكام الواردة في الروايات أسماه بعلل الشرائع، ومثل تشابه مضمون هذه الرواية مع ما هو موجود في روايات أهل السنّة في حوار بين ربيعة وسعيد بن المسيب، ومعه ألا يحتمل صدور رواية أبان عن الإمام % تقيّة؟
كما لاحظ الشيخ الصانعي على الرواية الثانية بأنّها مضمرة، والحسن الواقع في سندها مجهول([86])، وتضعيف البعض لعثمان بن عيسى الواقع في طريقها، أو عدّه من المجهولين([87])، واشتمال متن الرواية على تهافت بين الصدر الذي جعل بلوغ ثلث الدية فيه غاية للمساواة بين الرجل والمرأة في الدية، والذيل الذي جعل تجاوز الثلث فيه غاية للمساواة، فالمفروض التعبير في الذيل ببلوغ الثلث كما هو واقع في سائر الروايات.
أمّا الروايات الثالثة والرابعة والخامسة، فقد أشكل عليها سماحة الشيخ بأنّها واردة في موارد القتل العمد حيث يثبت القصاص لأهل القتيل ولا عموم لها لدية القتل الخطأ، وتعديتها من موردها بإلغاء الخصوصية عنها إلى موارد القتل الخطأ ممتنع لاحتمال كون ذلك بلحاظ ثبوت حقّ القصاص في تلك الموارد.
الثاني: إشكالات عامّة، حيث أورد الصانعي بأنّ ظاهر الأخبار المساقة هنا اختصاص حكمها بديات الأعضاء، بل ذلك كالنصّ فيها؛ لذا فإسراء حكمها إلى ديات الأنفس التي تحظى بأهمية قصوى في الكتاب والسنّة والمجتمعات البشرية والعقل غير مقبول، مضافاً إلى أنّه لمّا كانت هذه الروايات غير حجّة في موردها بسبب مخالفتها للكتاب والسنّة؛ فتعميمها لغير موردها، وسلب الحجية عنها في موارد ديات الأنفس يكون ثابتاً بنحو أولى.
وبعد هذا كلّه يقول سماحة الشيخ الصانعي: <ومن الطريف أن يعلم أنّ المحقق الأردبيلي علّق في ذيل هذا البحث قائلاً: هذا الحكم مشهور، وهو خلاف بعض القواعد المنقولة.. والمعقولة أيضاً>، ثم يذكر بأن ما يدلّ على الرأي المذكور روايتان: إحداهما صحيحة أبان، والأخرى مضمرة سماعة، ويناقش في دلالة وسند كلٍّ منها([88]). ثم يذكر الشيخ الصانعي في خاتمة الدليل الأوّل للمشهور وجه الإشكال الأصلي على الروايات، وأنه مخالفتها للكتاب والسنّة المتضمّنة لكثير من الآيات والروايات الدالّة على نفي الظلم عن الله سبحانه والمصرّحة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الهوية الإنسانية. ثم يسوق جملة من الآيات نموذجاً لما ذكر([89]).
ردّ على مناقشات الشيخ الصانعي للطائفة الثالثة
ويلاحظ على ما ذكره سماحته عدّة أمور:
أوّلاً: إنّ حصره الروايات الواردة في المورد بخمس روايات غير صحيح، لوجود روايات أخرى غير ما أورده، مثل صحيح الحلبي([90])، ورواية أبي بصير([91])، وخبر ابن أبي يعفور([92])، ومروية أبي بصير الأخرى([93])، وخبر أبي مريم([94])، وقد يورد على صحيح الحلبي ما أورده سماحته على مضمرة سماعة من التهافت بين صدرها وذيلها، وهو ما ستأتي الإجابة عنه لاحقاً، كما قد يورد على روايتي أبي بصير بأنهما واحدة؛ لوحدة الراوي والمروي عنه والمضمون، وإن اختلفت الألفاظ لاحتمال النقل بالمعنى الذي تقرّر جوازه في محلّه، وهو إشكالٌ وارد، كذلك يورد على رواية أبي مريم أنّ إطلاقها شامل لما قبل بلوغ الثلث الذي تقرّر في محلّه تساوي الرجل والمرأة في الدية فيه، فيكون منافياً لما هو المسلّم عند الإمامية، وفي مثله يعدُّ الحديث مهجوراً، فيسقط عن الحجية، وليس ثمّة فقرتان لكي يقال بأن سقوط إحداها عن الحجيّة غير مسقط للأخرى عنها؛ إذ لا تلازم بين الحجيّتين، لكنّ الإشكال غير وارد؛ لإمكان الجمع العرفي بين الرواية ومنافياتها بتخصيصها بما عداها مما هو وارد في الباب، ويحتمل إطلاقها على ما إذا بلغت الجناية ثلث الدية، كما هي القاعدة من حمل المطلق على المقيد في الروايات المتنافية بحسب الظاهر.
كما قد تناقش أسانيد بعضها، كرواية أبي بصير الأولى بوقوع علي بن أبي حمزة البطائني في سندها، وهو واقفيّ ضعيف، ورواية أبي بصير الثانية بوقوع عثمان بن عيسى وسماعة فيها، والإشكال على الرواية الأولى صحيح، أمّا الثانية فلا، لكون عثمان الرؤاسي وسماعة ثقتين، أمّا الثاني فواضح، وأمّا الأوّل فقد قال عنه الشيخ الكشي في ترجمته <ولا يتهمون ]الأصحاب[ عثمان بن عيسى>([95]) ووقفهما بعد وثاقتهما غير مضر.
لكن ثمة إشكال يرد على جميع هذه الروايات، وهي أنّها جميعاً واردة في القصاص، ولا دلالة لها على نقصان دية المرأة إلى النصف بعد تجاوز أو بلوغ الثلث، وإنما دلّت على تضاعف جراحة الرجل ضعفين على جراحة المرأة، فلعلّه في القصاص وحده، نعم، يستثنى من ذلك صحيحة الحلبي حيث ورد فيها: <فإذا جازت الثلث صيّرت دية الرجال في الجراحات ثلثي الدية، ودية النساء ثلث الدية>، فإن دلالتها على التضاعف في الدية واضحة.
ثانياً: إنّ ما نقله سماحة الشيخ عن المحقّق الأردبيلي فيما يخصّ وثاقة عبدالرحمن بن الحجّاج من رواية الصدوق عن أبي الحسن موسى % قوله: <إنه لثقيل في الفؤاد>، وأنه رُمي بالكيسانية يمكن أن يجاب عنه بأنّ ما رواه الشيخ الصدوق , عن أبي الحسن % لم يذكر الطريق إليه، فهو مرسل، لا يمكن التعويل عليه، كما أنّ قول الإمام الكاظم %: إنه لثقيل في الفؤاد، عبارة مدح، لا ذمّ؛ إذ معناه إنّ له مكانة ومنزلة عظيمة في القلب، كما صرّح به السيد الخوئي ) ([96]) خصوصاً وأنّ الإمام % كان يذكر ذلك في غيبته وكلّما ذكر عنده، والإمام % ليس ممّن يذكر أحداً سوءاً في غيبته إلاّ إذا كان ممّن لا يرى له حرمة، ومن البعيد أن يكون عبدالرحمن بن الحجّاج كذلك، خصوصاً بعدما قال النجاشي في حقه إنه: <كان ثقة ثقة، ثبتاً، وجهاً، وكانت بنت بنت ابنه مختلطة مع عجائزنا تذكر عن سلفها ما كان عليه من العبادة>، ومع ذلك فبقرينة قوله: <إذا ذكر عنده> يستكشف فهم الصدوق منها المدح وكونها كذلك.
وأمّا ما رواه الكشي قال: سمعت أبا الحسن % وذكر عبدالرحمن بن الحجاج فقال: <إنه لثقيل على الفؤاد>([97]) ففيه تصحيف على الظاهر، خصوصاً وأنّ الرواية ضعيفة بضعف عثمان بن عديس وجهالة الحسين بن ناجية([98]).
وأمّا رميه بالكيسانية فلم يتحقّق من أحد يُعتدُّ بقوله، خصوصاً وأنّ الكيسانية ـ على ما ذكر في وصفهم ـ من فرق الشيعة يزعمون أن محمداً بن الحنفية حيّ غاب في جبل رضوى، وربما يجتمعون في ليالي الجمعة في الجبل ويشتغلون بالعبادة([99])، والحال أنه قائل بإمامة سائر الأئمة (؛ لروايته عن أبي عبدالله % وأبي الحسن موسى % وأبي الحسن الرضا %؛ فكيف يكون كيسانياً؟ اللهم، إلاّ أن يقال بأنه كان على الكيسانية فرجع عنها، وهو غير مضرّ. ولو فرضنا جدلاً بقاءه على الكيسانية لم يكن ذلك موجباً لضعف روايته؛ لما هو معروف من أن انحراف الرجل في عقيدته لا يلغي وثاقته في النقل، وبناء المشهور من حجية خبر الثقة لا العدل.
ثالثاً: إنّ ما ورد في الرواية من التعبير في كلام أبان وإن لا يخلو من سوء تعبير، لكنّ أباناً لم يرد الإساءة للإمام أو التهجّم على كلامه، بل قصد نقل مدى الاستغراب الذي يحمله الشيعة في العراق من هذا الحكم، وهو غير منافٍ لمنزلته العلمية؛ وكيف كان فمع صحّة السند المروي بطرق متعدّدة لا مناص من التعبُّد بما جاء في الرواية.
رابعاً: لا يستلزم ردّ الإمام % على كلام أبان أنه يتضمّن معنى القياس كونه قائلاً به ولا اتّهامه به أو الجهل به و.. بل أراد الإمام % تنبيه أبانٍ إلى ابتناء استنكاره المذكور على القياس ولو لغفلةٍ منه، فلا ينافي ذلك مكانته العلمية ومنزلته الرفيعة، خصوصاً وأن كثيراً من أجلّة فقهائنا ومحدّثينا وصفوا باستعمالهم القياس، رغم ما ورد في حقِّهم من مكانة ومنزلة رفعية، مثل ما جاء في حقّ محمد بن أحمد بن الجنيد([100])، ومحمد بن علي بن النعمان الأحول([101])، والفضل بن شاذان، ويونس بن عبدالرحمن، وجماعة غيرهم([102])، ولا شكّ في جلالة هؤلاء وعظم مكانتهم ومنزلتهم العلمية.
خامساً: إنّ القياس الذي ذكره الإمام % إذا كان من قياس الأولوية الذي يختاره أغلب فقهائنا ويقولون به، فلا مثلبة فيه على أبان ولا على غيره([103])، وقد صرّح الشيخ الصانعي نفسه بأنّه أمر عقلائي مبتنٍ على فحوى أجوبة الإمام([104]).
سادساً: إنّ تعجّب أبان أرجعه بعض فقهائنا إلى قياس الأولوية، غير أنه جعل أولويته أولويّةً محضة لم تؤخذ من فحوى كلام الإمام %، كما تصوّر سماحة الشيخ، مع أنّ الأولوية الحجّة عندنا لابُدّ أن تؤخذ من فحوى الكلام، فانظر كلام الشيخ محمد رضا المظفر وغيره في ذلك([105])،
أمّا لماذا لا يُعدّ تعجّب أبان من قياس الأولوية المستفادة علّته من فحوى الخطاب؟ الظاهر أنّ السبب في ذلك يرجع إلى أنّ المراد بفحوى الخطاب هو ظهور كلام المتكلم وفقاً لمناسبات الحكم والموضوع في كون الحكم لم يثبت لموضوعه المصرّح به في لسان الدليل لذاته، بل للجامع بينه وبين غيره، وإنما تعرّض له في لسان الدليل بالذكر باعتباره الحدّ الأدنى لمصاديق الجامع، فقوله تعالى: >فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ< لا يراد منه إثبات حكم الحرمة لذات التأفّف، وإلاّ لم يتجاوز عنه إلى غيره؛ لأنّ ورود حكم على عنوان لذاته معناه ثبوت الملاك المقتضي له فيه وحده، بل الظاهر من الآية ـ وفقاً لمناسبات الحكم والموضوع ـ ثبوت حكم الحرمة لكلّ ما يعدُّ مؤذياً للأبوين، وأدناه التبرّم والتأفّف، وإنّما انصبّ النهي على التأفف باعتباره المصداق الأدنى لجامع إيذاء الأبوين، فإسراء الحكم من التأفّف إلى الضرب والشتم وغيرهما ممّا هو من مصاديق جامع الإيذاء للأبوين قد يحصل من خلال إدراك العلّة للحكم التي هي الجامع بين التأفّف والضرب، غير أنّ استفادته كانت من ظهور الدليل في أنه ليس بصدد تحريم التأفّف لذاته، بينما المستفاد من رواية أبان أنه لم يعتمد على ظهور كلام الإمام في أنّ الزيادة الحاصلة في الجناية تستوجب الزيادة في مبلغ الدية؛ إذ فقرات كلام الإمام خالية عمّا يدلّ على ذلك، وإنّما استفاد أبان ذلك من أحد أمرين:
الأوّل: اعتماده على كبرى كلّية ارتكازية عامّة مفادها أن للأكثر حكم الأقل وزيادة، فطبّق هذه الكبرى على المورد؛ حيث إنّ قطع الثلاثة وزيادة ينبغي أن يثبت فيه الدية بقدر ثلاثين من الإبل وزيادة.
الثاني: استفادته من أجوبة الإمام % على أسئلته المتكرّرة، حيث كان الإمام يزيد في مبلغ الدية كلّما زاد أبان في مقدار الجناية في مفروض السؤال.
لكنّ الاستنكار والتعجّب الذي أبداه أبان عند سماعه جواب الإمام % عن قطع أربع أصابع من المرأة لا يتناسب والفرض الثاني؛ لكونه لا يعدو أن يكون استنتاجاً استفاده من عدد ضئيل من أجوبة وردت في مصداق معيّن، فخطؤه في هذا الاستنتاج لا يقتضي ردّة فعل شديدة كهذه، بخلاف ما إذا فرضنا استنتاجه مبنيّاً على الفرض الأوّل؛ فإنّه بالنظر لارتكازية هذه القضية الكلّية العامّة التي قد يكون مقدار ما مرّ على أبان خلال حياته من مصاديقها ما لا يُعدّ ولا يحصى تقتضي ردّة فعل شديدة أبداها أبان على جواب الإمام %، بل ربما عُدّت القضية من البديهيات الأوّلية الثابتة بحكم العقل؛ لذلك فهي تستدعي هذا الإنكار، وحينئذٍ فلابدّ من حمل أسئلة أبان المتكرّرة التي كان يزيد فيها كلّ مرّة في الجناية بمقدار أصبع على أنه بلغه مثل هذا الحكم قبل ملاقاته الإمام؛ فأراد أن يستوضح الأمر جليّاً.
وعلى أيّة حال، فاعتماد أبان على القاعدة المنتزعة من أجوبة الإمام % على أسئلته الواردة في متن الرواية في النتيجة المتوقّعة له من زيادة مبلغ الدية بقطع أربع أصابع من المرأة عن قطع ثلاث منها هو قياس مستنبط العلّة؛ لأنّه استنبط العلّة في الزيادة من خلال سبر موارد محدودة لثبوت مقادير الجناية المختلفة ومبالغ الدية الثابتة لكلّ مقدار منها، فيكون قد اعتمد على ما هو ظنّي الدلالة على علّة الحكم، والظنّ ليس بحجّة. كما أنّ اعتماده على القاعدة الكبرى الارتكازية المذكورة وإن كان صحيحاً باعتبارها قاعدة قطعية لكنّه أخطأ في تطبيقها على المورد؛ لأنّها إنما تصحّ في صورة كون مفروض موضوع الحكم في حال الزيادة هو ذاته مفروض موضوعه في حال عدمها، أي أن مفروض الجناية بقطع الأربع أصابع في المرأة مع مفروض الجناية بقطع الثلاثة أصابع منها واحداً، مع أنّه ليس كذلك؛ وذلك لورود عامل آخر مؤثر في الحكم بمبلغ الدية في مفروض الجناية بقطع الأربع أصابع لم يكن ثابتاً في الحكم بمبلغ الدية في مفروض الجناية بقطع الثلاث وهو جنس المجني عليه، فإنّ هذا العامل وإن كان موجوداً في فرض قطع الثلاث لكنّه لم يكن مؤثراً في الحكم بمقدار الدية حينها؛ إذ تأثيره يبدأ من بعد بلوغ دية الجناية ثلثا الدية الكاملة.
وبعبارة أخرى: إنّ المشكلة التي واجهت أباناً في قياسه هو ظنّه أنّ العامل المؤثر في الزيادة في مبلغ الدية واحد، وهو الزيادة في مقدار الجناية، والحال أنّ المؤثر في ذلك عاملان: أحدهما مقدار الجناية الواقعة، وثانيهما جنس المجنيّ عليه، غير أنّ العامل الثاني لا يبدأ في التأثير في الحكم بمبلغ الدية إلاّ متى بلغ قدر الجناية ثلث الدية الكاملة، وقد نبّه الإمام % أباناً على دخول العامل الآخر في احتساب مبلغ الدية بقوله: <إنّ المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف>.
بقي الكلام في وجه تسمية هذا بالقياس مع أنّه ليس من القياس المصطلح في شيء؛ إذ هو من التطبيق؛ فقد يقال: إنه استعمال للقياس بمعناه اللغوي الذي هو عبارة عن المقارنة؛ فإنّ أباناً قاس مبلغ الدية في مورد الجناية بقطع أربع أصابع على مبلغ الدية في مورد الجناية على الثلاث، ولا ريب في أنّ اعتماد هذا النوع من القياسات في الفقه ودون التفات إلى العوامل المؤثرة في الحكم يؤدّي إلى محق الدين ومحو الشريعة؛ كما قال الإمام %؛ وبهذا يظهر وجه الإجابة على إشكال سماحة الشيخ الصانعي بأنّ الإمام % تمسّك بجواب إسكاتي في ردّ أبان دون الجواب الإقناعي؛ إذ جواب الإمام % كان إقناعيّاً لا إسكاتياً؛ حيث بيَّن له الوجه في حصول النقيصة في مبلغ الدية رغم الزيادة في مقدار الجناية.
وأمّا ما اقترح الشيخ الصانعي الإجابةَ به على سؤال أبان بتبيين العلّة في تشريع حكم كهذا في عالم الثبوت فهو إجابة على سؤال آخر وهو العلّة في تشريع مبلغ دية المرأة على النصف من دية الرجل لا نقصان مبلغ ديتها بقطع أربع أصابع منها عنه بقطع الثلاث؛ وهو سؤال لم يوجّهه أبان للإمام، بل لعلّه كان معلوم الوجه لديه؛ لوضوح اكتفائه بالجواب الذي ذكره الإمام % عن الزيادة، مع أنه لو كان ذلك الحكم غير واضح الوجه لديه لعقّب جواب الإمام % له بالسؤال عن وجه ذلك، خصوصاً وأنّه من أصحاب الأئمة ( المقرّبين لديهم والذين لا يمنعهم مانع عن طلب العلم وتحرّي الأحكام الشرعية مهما فرض الظرف، بل الحكم بكون دية المرأة على النصف من دية الرجل هو على درجة من الشيوع والوضوح بين السنّة والشيعة لا يتطرّق إلى أحد السؤال عن الوجه في تشريعه.
سابعاً: إنّ ما احتمله سماحة الشيخ من كون الرواية صدرت عن الإمام % تقيةً، يمكن الجواب عنه بعدة أجوبة هي:
1 ـ إنّ لسان الرواية ولحن خطاب الإمام % لأبان وأسلوب محاججته له، والاستدلال الذي أبداه في جواب اعتراض أبان، ومؤاخذته أباناً على استعماله القياس.. كلّها تنفي احتمال صدور الرواية تقيّةً وموافقة لأهل السنّة.
2 ـ ليست رواية أبان وحدها التي تدلُّ على الحكم المذكور، لكي يقال باحتمال صدورها تقيّة، بل يوجد العديد من الروايات غيرها، وتقدّم عرض بعضها من قبل سماحة الشيخ نفسه، وأوردنا نحن قسماً آخر منها.
3 ـ إنّ الحمل على التقية إنما يكون مؤثراً في صورة حدوث تعارض بين الروايات، ولا يمكن الجمع بينها بوجه من الوجوه؛ فتجعل المخالفة لأهل السنّة من المرجّحات بين الطائفتين، أمّا مع عدم وجود تعارض لاتفاق الروايات على كون دية المرأة على النصف من دية الرجل، فمجرد احتمال التقية في روايةٍ غير كاف في إسقاطها عن الحجّية.
ثامناً: إنّ رواية سماعة وإن وردت مضمرةً، لكنّ الإضمار إنما يكون مضرّاً حيث لا يستظهر من الرواية أو من حال الراوي من يعود عليه الضمير، أمّا إذا استظهر منهما أو من أحدهما ذلك وكان من يعود عليه الضمير معلوم الوثاقة أو العدالة أو العصمة فلا إشكال حيث تكون الرواية حجّة عندئذ، ورواياتنا لما كانت مستندةً إلى سماعة الذي يستفاد من ظاهر حاله المعلوم مما نقل عنه في كتب التراجم أو ما ورد من رواياته أو الروايات الواردة بحقّه أنه حين يروي مضمراً ـ خصوصاً بصورة السؤال عن الحكم وجوابه ـ فإنه يروي عن الإمام % لا عن غيره، وليس مهمّاً بعد ذلك أن يكون الإمام % جعفر الصادق أو موسى الكاظم ‘ لتساويهما في حجية أقوالهما بعد العصمة.
هذا وقد بلغ مجموع رواياته التي رواها مضمرةً (390)، عدا عمّا رواه بألفاظ أخرى كأبي إبراهيم والعبد الصالح؛ وهذا العدد الكبير من الروايات يكشف
عن أنّه كان يتّقي ويتحفّظ كثيراً في الرواية عن الأئمة ( حفاظاً على حياته أو
حياتهم (، إذ لا يعقل أن يكون أراد بذلك التعمية على الآخذين عنه رواياته، والإبهام عليهم مع كون الأصل في المتكلّم إيضاح تمام مرامه بكلامه، ولا ريب في أنّ المروي عنه الحكم ممّا يدخل في مرام المتكلّم السامع لتفرّع الأخذ بالرواية والعمل بها عليه، كما لا يعقل أن يكون صدر ذلك عنه غفلة وسهواً، فلا يبقى سوى الاحتمال الذي ذكرناه فتضعيف روايات مثله برميها بالإضمار ممّا لا يُقبل.
تاسعاً: إنّ الحسن الذي رماه سماحة الشيخ الصانعي بالجهالة ما من شكّ في أنّه الحسن بن محبوب الزراد؛ لأنه الوحيد الذي اسمه الحسن وروى عن سماعة، وروى عنه الحسين بن سعيد، فيكون ذلك قرينة مبيّنة له، وهو ثقة جليل القدر([106]).
عاشراً: إنّ عثمان بن عيسى، وإن وقف على الإمام الكاظم % ولم يقُل بإمامة الرضا %، لكنه ثقة في رواياته عند السيد الخوئي؛ لشهادة الشيخ وعلي بن إبراهيم وابن شهرآشوب بها، مؤيّدةً بدعوى بعضهم أنه من أصحاب الإجماع([107]).
والشيخ لم يتعرّض للرجل، أمّا عبارة: <ولا يتهّمون عثمان بن عيسى> فهي وإن كانت دالّة على الوثاقة لو ثبتت عن الطوسي أو عن غيره من الرجاليين القدماء المعتبرين، لكنها واردة في كتاب الكشي لا عنه أو عن الشيخ الطوسي، بل عن نصر بن الصباح الذي كثيراً ما تعرّض السيد الخوئي لعدم الاحتجاج بكلامه لجهالته وعدم توثيقه حتى في الترجمة نفسها حيث عبّر عنه بأنه ليس بشيء([108])، وأمّا شهادة علي بن إبراهيم فهي مبنية على وثاقة من وقع في طريق روايات تفسيره، وهو مناقش فيه ولم يثبت هذا المبنى عند كثير من الفقهاء نعم، السيد الخوئي قال به زماناً ثم رجع عنه في أواخر حياته على ما نقل بعض الثقات عنه. نعم شهادة ابن شهرآشوب له بعدّه من ثقات الكاظم % لا بأس بها، ومعها فالطريق صحيح من جهته.
ثمّ إنّ الرواية يكفي في صحّتها واعتبارها وثاقة إمّا الحسن بن محبوب أو عثمان بن عيسى لا كليهما، وذلك لأنّ كلاًّ منهما روى عنه الحسين بن سعيد، وروى عن سماعة، فيكفي في صحّة الطريق إحراز وثاقة أيٍّ منهما، فلا يتصوّر أنّ ما أثاره سماحة الشيخ من إشكالات عليهما معناه الخدش في أكثر من واسطة في الطريق، وإنما هي بمجموعها خدشٌ في واسطة واحدة مشتركة.
حادي عشر: إنّ التهافت الذي ذكره الشيخ الصانعي بين الرواية وذيلها يمكن أن يجاب عنه بعدّة أجوبة:
1 ـ ليست الرواية وحدها التي تتضمّن هذا المعنى، بل توجد روايات أخرى غيرها تعلّق نقصان دية المرأة على تجاوز الثلث، مثل صحيح الحلبي وخبر ابن أبي يعفور ورواية أبي بصير الثانية ممّا أشرنا نحن إليه سابقاً.
2 ـ لا تهافت بين الرواية وذيلها بناءً على دخول الغاية في المغيّى؛ إذ قوله: حتى تبلغ الثلث في الصدر، معناه أنّ ما بلغ الثلث حكمه التساوي، فإذا جاوزه رُدّ على النصف.
3 ـ إنّ الاختلاف الواقع بين الروايات فيما كان على الثلث مردّه ـ على الظاهر ـ إلى اختلاف فهمهم عن الإمام % موافقاً لمبناهم في الغاية أنها داخلة في حكم المغيّى أم لا، فمن فهمها داخلةً عبّر في الذيل بجازت، ومن فهمها خارجةً عنه عبّر فيه ببلغت، ومعه تعامل معهما على أساس الميزة الصحيح في العلّة، والشاهد على ما نقول أنّ روايتي أبي بصير اللتين ذكرناهما إحداهما عبّرت بـ(بلغ)، والأخرى عبّرت بـ (جاز)، مع أنّ المستظهر أنهما رواية واحدة بطريقين كما تقدّم، وإنما اختلف التعبير فيهما باختلاف طريقهما، فيتضح أنّ سبب الاختلاف ناشئ من الراوي.
4 ـ إنّ غاية الاختلاف المذكور وقوع التعارض بين طائفة الروايات المعبّرة بجاز، والروايات المعبِّرة ببلغ، وإجراء قواعد التعارض فيها، لا إسقاط الرواية بكاملها عن الحجّية بسبب ذلك.
ثاني عشر: إنّ ما أورده سماحته على الروايات: الثالثة والرابعة والخامسة، ليس إشكالاً مستأنفاً غير الإشكال الذي أورده على روايات الطائفة الثانية، وقد أجبنا عنه هناك.
ثالث عشر: إنّ الروايات المساقة ضمن هذه الطائفة وإن وردت في ديات الأعضاء، لكنّ ما تضمّنته من قاعدة عامّة تشمل ديات الأنفس بعمومها؛ إذ هي مما بلغت الدية الثلث فيه أيضاً. والتفريق بين الجراحات وغيرها لا قائل به، بل المناط في الدية هو العطب والإتلاف بجرح كان أو بغيره.
ثم إنّ المنع من إسراء الحكم المدلول عليه بهذه الروايات بحجّة وجود خصوصيّة في ديات الأنفس غير موجود في ديات الأعضاء إنما ينفع المستدلّ مع وجود عامّ فوقاني يرجع إليه في ذلك، أمّا مع المناقشة في وجوده فلا أثر للمناقشة في ذلك.
رابع عشر: إنّ هذه الطائفة لمّا كانت أخصّ من عمومات الكتاب فمخالفتها له لا يسلبها الحجية ولا يسقطها عن الاعتبار، بل يخصّصها فقط؛ فيكون التساوي بين الرجل والمرأة ثابتاً فيما عدا ديات الأنفس وما بلغ الثلث من ديات الأعضاء.
خامس عشر: إنّ ما نقله الشيخ الصانعي عن الأردبيلي من مشهورية الحكم، وكونه على خلاف بعض القواعد العقلية والنقلية إنما ورد فيما إذا قطع رجلٌ عضو امرأة قطعاً موجباً للقصاص، فلها الاقتصاص منه من دون ردٍّ إن كانت الجناية دون الثلث في الدية، وإلا ردّت نصف دية العضو، وليس وارداً في أصل مسألة الدية، كما أنّ قوله: إنّ الحكم على خلاف بعض القواعد المنقولة مراده به التساوي في الدية بين الرجل والمرأة إلى الثلث، فلا يصبُّ في صالح الرأي الذي اختاره سماحة الشيخ، وهكذا قوله بمخالفة الحكم للقواعد المعقولة فهو وإن كان يصب في صالح فتوى الشيخ، إلاّ أنه مستدرك بقوله بموافقته للقاعدة الأوّلية الثابتة في دية نفس المرأة، والقاضية بأنّ ديتها على النصف، ويكشف عما ذكرناه ما ورد في تتمّة عبارته التي أورد الشيخ الصانعي جزءاً منها حيث قال: <هذا الحكم مشهور، وهو خلاف بعض القواعد المنقولة، مثل كون طرف الإنسان إن كان واحداً فديته دية صاحبه، وإن كان اثنين فدية كلّ واحدة نصف ديته، وأنّ دية اليد نصف دية النفس. وهي منقسمة على الأصابع، فكان ينبغي أن يكون دية أصبع المرأة خمساً من الإبل ودية الإصبعين عشراً، والثالث خمس عشرة، ويكون لها القصاص في الإصبع بعد ردّ خمس من الإبل، والمعقولة أيضاً: فإنّ العقل يقتضي أن يزيد دية أربع أصابع على دية الثلاث، وإن لم يزد لم ينقص، وهنا قد نقص فإنّها عشرون إبلاً، ودية الثلاث ثلاثون، ولكن دية الأربع على هذا الوجه موافقة للقاعدة الأولى، فإنّ مقتضاها كون دية الأربع عشرون، والخمس أصابع خمس وعشرون، وهكذا؛ فلابُدّ من حكمة تشرِّع الزيادة في الثلاث والاثنين والواحد فيهما>([109]).
وعليه، فما ذكره الشيخ الصانعي لا يصبُّ لصالحه مطلقاً؛ إذ إشكال الأردبيلي كامنٌ في الزيادة التي فرضت للأصابع الثلاث الأولى، وأنّها على خلاف القاعدة، فيما إشكال سماحة الشيخ في نقيصة دية المرأة عن دية الرجل في ديات الأنفس وديات الأعضاء فيما زاد على ثلث الدية، بل إنّ الأردبيلي قال في بحث دية المرأة وكونها على النصف:
<إن قتلت المرأتان رجلاً قتلتا معاً، فإنّهما قاتلتاه، ولا دية حينئذٍ؛ إذ هما بمنزلة رجل واحد، وكلّ واحدة نصف الرجل، وديتها نصف ديته، وقد تقرّر ذلك، كأنّه مجمع
عليه.. >([110])، وفي كلامه وما بعده ما يشهد لذلك، فليراجع.
سادس عشر: إنّ ما ذكره من مخالفة الروايات للكتاب والسنّة المتضمّنة نفي الظلم والمصرّحة بالمساواة في الهوية الإنسانية لا دلالة فيه أصلاً، وقد تقدّمت الإجابة عن الآيات والروايات الدالّة على المساواة، أمّا المتضمّنة لنفي الظلم عنه فيفتقر إثبات كون الحكم المذكور مشتملاً على الظلم أوّلاً ثم الاستدلال بالآيات والروايات على نفيه، وإلاّ يكون نحو مصادرة على المطلوب.
2 ـ الاستناد إلى الإجماع لإثبات عدم التساوي
ذكر سماحة الشيخ الصانعي ادّعاء الأصحاب إجماعهم بل إجماع المسلمين عليه، وأنه كاشف عن رأي المعصوم %، مستشكلاً بإشكالين هما: ظهور عبارة الأردبيلي في موضعين من كتابه بما يدل على تردّده فيه حيث عبّر عن ذلك بقوله: <كأنّ دليله الإجماع>، وأنّ الإجماع المدّعى مع وجود كلّ هذه الروايات المتعدّدة التي نقلناها لا يعدو أن يكون مدركياً، وليس بحجّة.
وقفة مع دليل الإجماع ونقده
ما ذكره سماحة الشيخ الصانعي في نقد الإجماع متينٌ غاية المتانة، وإن لا يخفى على سماحته:
1 ـ أن الإجماع المذكور إنما ادّعي ممّن يقول بحجّية الإجماع رغم وجود المدرك، ولعلّه مبتن على بعض مستندات حجية الإجماع التي لا يضرّ معها وجود المدرك كقاعدة اللطف مثلاً، لكنّ هذا المستند ليس حجّة عند المعاصرين من فقهائنا لثبوت بطلانه عندهم.
2 ـ إنّ قول المقدس الأردبيلي: <كأنّ دليله الإجماع> في الموضع الأوّل يرتبط بدية أطفال المسلمين عند الانعقاد أو بعد الولادة وهو مورد خاصّ، والإجماع كما تقرّر في محلّه ليس له إطلاق ليشتمل الموارد الخاصّة، فلذلك يحاول المقدّس الأردبيلي الإشارة إلى إجماع خاصٍّ بالمورد المتقدّم. نعم، المورد الآخر واردٌ في دية الأنثى بشكل عامٍّ لكنّه ذكر الأدلّة محيلاً للقارئ على ما تقدّم منّا نقله سابقاً، وما نبّهنا من مدى تأكيده على قبول النصف في دية المرأة وتطبيقه لها على الفروع الأخرى.
مطالعة نقدية للأدلّة الاستحسانية
ذكر سماحة الشيخ الصانعي هنا العامل الاقتصادي للرجل وتفوّقه على المرأة فيه، ثم نقده بنقدين: الأوّل: إنه من الوجوه الاستحسانية التي لا إشارة في الروايات إليها. والثاني: إنّ الاختلاف المذكور بينهما متغيّر من مجتمع لآخر ومن زمان لآخر.
وما ذكره في غاية الإتقان، ولا ردّ لنا عليه، لكنه ليس مستنداً يعوّل عليه من قبل فقهائنا.
خلاصة البحث
اتضح مما تقدّم أنّ الأدلّة التي ساقها سماحة الشيخ الصانعي لا دلالة لها على المطلوب، ثم لو كانت دالّةً فهي مخصّصة بكثير من الروايات المعتبرة والصحيحة التي لا يتطرّق الشكّ إليها في أسانيدها أو دلالتها، وما فتوى الفقهاء من السنّة والشيعة بموجبها وعدم مخالفة أحد منهم في ذلك إلاّ كاشف عن هذا الأمر، فالأصحّ التمييز في الدية بين الرجل والمرأة.
* * *
الهوامش
([1]) انظر بالترتيب: المقنعة: 764؛ والسرائر 3: 389؛ ورسائل المرتضى 1: 253؛ والانتصار: 539؛ والخلاف 5: 254 ـ 256؛ والمبسوط 7: 148؛ وجامع الخلاف والوفاق: 564، 575؛ وغنية النـزوع: 414؛ ومجمع الفائدة والبرهان 14: 322؛ وكشف اللثام 2: 496؛ ورياض المسائل 14: 187؛ ومفتاح الكرامة 10: 368؛ وجواهر الكلام 43: 32؛ ومباني تكملة المنهاج 2: 205.
([2]) الشيخ يوسف الصانعي، نظرية مساواة الدية بين الرجل والمرأة والمسلم والكافر، مقالة في مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد الأول: 75 ـ 78، ترجمة: حيدر حب الله، شتاء 2006م، بيروت.
([3]) انظر بالترتيب: الخوئي، معجم رجال الحديث 10: 324، و17: 227، و12: 62، و15: 229، و9: 156.
([4]) رجال الطوسي: 288، ترجمة 210 من أصحاب الصادق %.
([5]) طبقات ابن سعد 6: 109؛ وتاريخ بغداد 10: 199.
([6]) رجال الطوسي: 72؛ واختيار معرفة الرجال 1: 315 ـ 317.
([7]) خلاصة الأقوال: 271.
([8]) انظر بالترتيب: خلاصة الأقوال: 271؛ ورجال ابن داوود: 177؛ ورجال الرواة 2: 138.
([9]) المصدر نفسه 1: 42.
([10]) انظر: طرائف المقال 1: 650؛ ومعجم رجال الحديث 17: 227.
([11]) نقل في معجم رجال الحديث 17: 227.
([12]) المصدر نفسه 17: 227.
([13]) اختيار معرفة الرجال 1: 387.
([14]) معجم رجال الحديث 17: 227.
([15]) المصدر نفسه.
([16]) المصدر نفسه.
([17]) وسائل الشيعة 29: 193 ـ 194، باب 1، من أبواب ديات النفس، ح1.
([18]) المقنع: 526؛ والمقنعة: 743؛ والخلاف 5: 281؛ ونحوه في المبسوط 7: 177؛ والسرائر 3: 333؛ وشرائع الإسلام 4: 1053؛ وقواعد الأحكام 3: 711؛ والمهذب البارع 5: 411؛ وكشف اللثام 2: 529؛ وجواهر الكلام 43: 24.
([19]) الصانعي، برابري ديه: 22؛ ونظرية مساواة الدية، مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد 1: 76.
([20]) أنظر: من لا يحضره الفقيه 4: 536؛ ومعجم رجال الحديث 2: 117، 135، 3: 33، 4: 151، 7: 236، 15: 351، 16: 194، 18: 49.
([21]) وسائل الشيعة 29: 196، باب 1، من أبواب ديات النفس، ح7.
([22]) الصانعي، برابري ديه: 41 ـ 42؛ ونظرية مساواة الدية، مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد 1: 82.
([23]) وسائل الشيعة 29: 196 باب 1، من أبواب ديات النفس، ح7.
([24]) المصدر نفسه، ح8، 13.
([25]) المصدر نفسه، ح13.
([26]) معجم رجال الحديث 17: 159 ـ 172.
([27]) وسائل الشيعة 29: 196، باب 1، أبواب ديات النفس، ح10.
([28]) معجم رجال الحديث 15: 24.
([29]) وسائل الشيعة 29: 196، باب 1، أبواب ديات النفس، ح4.
([30]) المصدر نفسه، ح12.
([31]) برابري دية: 24.
([32]) المصدر نفسه: 43.
([33]) المصدر نفسه: 58.
([34]) المصدر نفسه: 25.
([35]) وسائل الشيعة 29: 196، باب1، أبواب ديات النفس، ح3.
([36]) الصانعي، برابري ديه: 23؛ ونظرية مساواة الدية، مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد 1: 76 ـ 77.
([37]) وسائل الشيعة 29: 196، باب1، من أبواب ديات النفس، ح9.
([38]) المصدر نفسه: 197 باب1، أبواب ديات النفس، ح10.
([39]) انظر: الكافي 7: 282؛ والتهذيب 10: 160، ح641.
([40]) التهذيب 10: 247، ح977.
([41]) الصانعي، برابري ديه: 26؛ ونظرية مساواة الدية، مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد 1: 77.
([42]) انظر بهذا الصدد: كفاية الأصول 1: 300 ـ 301؛ وفوائد الأصول 1: 477؛ ونهاية الدراية 1: 319 ـ 320؛ وبحوث في علم الأصول 3: 137 وما بعدها؛ ودروس في علم الأصول ح1 ـ 2: 218.
([43]) رجال النجاشي: 226، 321، 441؛ ورجال الطوسي: 140، 144، 275، 321، 346؛ واختيار معرفة الرجال 2: 780؛ ومعجم رجال الحديث 7: 223، و11: 320، 15: 144، و21: 78، 176.
([44]) معجم رجال الحديث 22: 65، وانظر: المصادر السابقة.
([45]) الصانعي، برابري ديه: 28 ـ 29؛ ونظرية مساواة الدية، مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد 1: 78 ـ 79.
([46]) انظر هذه الروايات في: تحف العقول: 34؛ وبحار الأنوار 22: 118، 348، و75: 57.
([47]) الانتصار: 539؛ والمقنعة: 752؛ ومجمع البيان 1: 489؛ والروضة 10: 35؛ ومسالك الأفهام 15: 105؛ ورياض المسائل 2: 504، 536؛ وجواهر الكلام42: 73؛ ومجمع الفائدة 14: 90؛ والزبدة: 672.
([48]) الصانعي، برابري ديه: 36؛ ونظرية مساواة الدية، مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد 1: 80.
([49]) وسائل الشيعة 29: 205، باب5، أبواب ديات النفس، ح1.
([50]) المصدر نفسه: 229، باب201، أبواب ديات النفس، ح10.
([51]) المصدر نفسه: 206، باب5، أبواب ديات النفس، ح3.
([52]) المصدر نفسه: 312، باب19، أبواب ديات النفس، ح1.
([53]) المصدر نفسه: 317، باب19، أبواب ديات النفس، ح9.
([54]) الصانعي، برابري ديه: 41 ـ 43؛ ونظرية مساواة الدية، مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد 1: 82 ـ 83.
([55]) وسائل الشيعة 29: 80، باب33، أبواب ديات النفس، ح1.
([56]) المصدر نفسه.
([57]) معجم رجال الحديث 18: 122.
([58]) علل الشرائع 1: 147، 2: 391، 542، 579، 603؛ وعيون أخبار الرضا 2: 38، 39، 52؛ والخصال: 68، 98، 300؛ والأمالي: 68، 355، 366، 377، 507، 547، 713، 727؛ والتوحيد: 93، 97، 106، 138، 312، 329، 334، 354، 359، 411؛ وثواب الأعمال: 177؛ وفضائل الأشهر الثلاثة: 43؛ وكمال الدين: 203، 224، 350، 351، 357، 414، 642؛ ومعاني الأخبار: 6، 9، 117، 162، 174، 201، 344.
([59]) رجال النجاشي: 333.
([60]) اختيار معرفة الرجال 2: 817.
([61]) رجال النجاشي: 348.
([62]) اختيار رجال الحديث 2: 796.
([63]) اختيار رجال الحديث 2: 817.
([64]) الفهرست: 216.
([65]) رجال الطوسي: 391، 448.
([66]) الاستبصار 3: 156.
([67]) تنقيح المقال 3: 160.
([68]) الكافي 7: 343؛ ووسائل الشيعة 29: 229.
([69]) تهذيب الأحكام 10: 281، ح1099.
([70]) المصدر نفسه.
([71]) المبسوط 4: 125، 257، و7: 196، 198؛ وانظر: 206؛ والخلاف 4: 113؛ وتهذيب الأحكام 10: 287؛ ومختلف الشيعة 9: 41، 411.
([72]) الأنصاري، الصلاة (ق): 415؛ والحكيم، مستمسك العروة الوثقى 8: 409؛ والخوئي، مستند العروة (كتاب الصلاة) 5: 218، ق1.
([73]) مصباح الفقيه 1: 331.
([74]) الصانعي، برابري ديه: 44؛ ونظرية مساواة الدية، مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد 1: 83.
([75]) وسائل الشيعة 29: 80، باب33، أبواب قصاص النفس، ح1، 2، 3.
([76]) الصانعي، برابري ديه: 46؛ ونظرية مساواة الدية، مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد 1: 84.
([77]) الصانعي، نظرية مساواة الدية، مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد الأول: 84.
([78]) وسائل الشيعة 29: 233، 236 ـ 238، باب4، أبواب موجبات الضمان، ح1، 2.
([79]) الصانعي، برابري ديه: 48؛ ونظرية مساواة الدية، مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد 1: 84 ـ 85.
([80]) وسائل الشيعة 29: 352، باب44، أبواب ديات الأعضاء، ح1.
([81]) المصدر نفسه، ب44، أبواب ديات الأعضاء، ح2.
([82]) المصدر نفسه: 164، باب 1، أبواب قصاص الطرف، ح3.
([83]) المصدر نفسه: 163، باب1، أبواب قصاص الطرف، ح2.
([84]) المصدر نفسه: 163، ب1، أبواب قصاص الطرف، ح1.
([85]) مجمع الفائدة والبرهان 14: 470.
([86]) المصدر نفسه: 469.
([87]) معجم رجال الحديث 12: 129 ـ 132.
([88]) مجمع الفائدة والبرهان 14: 468 ـ 471.
([89]) انظر في هذا كلّه: الصانعي، نظرية مساواة الدية، مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد 1: 86 ـ 91.
([90]) وسائل الشيعة 29: 165، باب1، أبواب قصاص الطرف، ح6.
([91]) المصدر نفسه: 163 ـ 164، باب1، أبواب قصاص الطرف، ح2.
([92]) المصدر نفسه: 164، باب1، أبواب قصاص الطرف، ح4.
([93]) المصدر نفسه: 383 ـ 384، باب5، أبواب ديات الشجاج، ح1.
([94]) المصادر نفسها، ح2.
([95]) اختيار معرفة الرجال 2: 860.
([96]) معجم رجال الحديث 10: 341.
([97]) اختيار معرفة الرجال 2: 740.
([98]) معجم رجال الحديث 10: 345.
([99]) طرائف المقال 2: 242.
([100]) رجال النجاشي: 385 ـ 386.
([101]) اختيار معرفة الرجال 2: 430؛ وانظر معجم رجال الحديث 18: 34 ـ 43.
([102]) رسائل المرتضى 3: 311.
([103]) البهائي، مشرق الشمسين: 271.
([104]) الصانعي، برابري ديه: 53 ـ 54؛ ونظرية مساواة الدية، مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد 1: 86 ـ 87.
([105]) أصول الفقه 2: 178 ـ 180.
([106]) انظر بالترتيب: معجم رجال الحديث 9: 308 ـ 316، و6: 96.
([107]) المصدر نفسه 12: 132.
([108]) المصدر نفسه.
([109]) مجمع الفائدة والبرهان 14: 468.
([110]) المصدر نفسه 13: 451 ـ 455.