ترجمة: رياض الفيلي
الواقع غير الصحّي في الأماكن الدينية العامة
كنت عائداً لتوّي من مشهد الإمام الرضا(ع)، وكنت أتحدّث مع أحد أصدقائي وانسحب الحديث تدريجياً الى مسألة الزيارة والصلاة والسجود، حيث قلت له: إن المرء لا يستطيع أن يسجد سجدةً طويلة في الأضرحة والمراقد المقدّسة، حيث إن الرائحة الكريهة التي تصدر من الفرش والسجاد تجعل المرء ينصرف عن الأذكار الواجبة في عملية السجود فضلاً عن الأذكار المستحبة، حينها قال لي صديقي بأني اصطحب معي دوماً في هذه الأماكن منديلاً أبسطه وأضع عليه تربةً تخصّني، فرأيت أنها فكرة جيدة! حيث يتجنّب بذلك المرء الرائحة الكريهة التي تصدر من الفرش، واستمرّ حديثنا حول هذا الموضوع وتوصّلنا إلى أنه يمتلك تربة خاصة به، ويجدر بوزارة الصحّة أن تروّج لهذه المسألة في إيران، وكذلك يجدر بها أن تخاطب وزارات الصحّة في البلدان التي توجد فيها العتبات المقدّسة كالعراق وسوريا والسعودية لتبيان هذه المشكلة ومعالجتها. حيث نعلم أن كلّ الناس يخلعون أحذيتهم في هذه الأمكنة ويتنقلون في جميع أرجائها، ولتعرّق أرجل الناس بسبب لبسهم الأحذية وعندما يخلعونها تكون جورابهم رطبةً وناقلةً لمختلف الأوساخ العالقة بالقدم إلى المفروشات التي يتنقلون عليها في هذه الأماكن، سيما مع تردّدهم قرب الأضرحة المقدّسة، وجميعنا يعلم أن الأقدام من أكثر مناطق الجسم عرضةً للأوساخ والتلوث.
نعلم أنّ ذلك نتيجة الزحام الحاصل في هذه الأمكنة حيث تكون الحرارة مرتفعة، ونرى أنه في صلاة الجماعة يتصبّب العرق من جبين المصلين ونتيجة تماس جبينهم للأرض أثناء السجود فإن مختلف الجراثيم والأمراض المعدية قد تنتقل من هذه المفروشات الملوثة الى الإنسان أو بالعكس، وحيث إنّ العين هي أقرب شيء للجبين فإنها من أكثر المناطق في الجسم عرضةً للإصابة بالأمراض، والجدير بالذكر أن بعض الناس يبكون أثناء الصلاة والدعاء والتوسّل إلى الله لقضاء حاجتهم، وبعد ذلك يمسحون دموعهم بأيديهم التي كانت ملتصقة بهذه المفروشات الملوّثة أثناء سجودهم، وبذلك تتعرّض أعينهم لمختلف الأمراض.
وفي هذه الحالة من المتعذر إنكار تلوّث هذه المفروشات وهذه الأرض، وكذلك نرى أنّ الترب التي تستخدم للصلاة في هذه الأماكن ليست أفضل حالاً من المفروشات. وبنظرة عابرة إلى هذه الترب نرى أنّ لونها أصبح غامقاً جداً نتيجة كثرة التعرّق عليها من قبل الأفراد، حيث يصل الحال في بعض الأحيان إلى أنّ بعض المحتاطين يستفسرون عن مدى صلاحية السجود على هذه الترب نتيجة تشكّل طبقة من الدهون المتكلّسة عليها ومدى مصداقية إطلاق اسم التراب عليها؟
ومن غير المعلوم في هذه الحالة كم من الأفراد قد وضعوا ومسحوا جبينهم على هذه التربة؟ وكم من الأيدي لمستها؟ وكم مرّة تم نقلها من مكان الى آخر؟ وما هو مقدار التلوّث الذي أصابها نتيجة وضعها في مواضع مختلفة؟ وكم من الأقدام قد مرّت عليها؟ و…
وفي الوقت الذي نرى فيه أنّ هناك العديد من الأمراض المعدية توجد في بعض الأشخاص وبعضهم يخفون مرضهم عن المجتمع وعن عوائلهم ويكون ملجأهم الوحيد هو الله سبحانه وتعالى، حيث يتضرّعون له في المساجد وفي الأماكن المقدسة ويدعون لشفائهم ويسجدون وتنهال دموعهم ويتعرّقون و… نجد أنّهم بذلك يلوثون المفروشات والترب بهذه الأمراض المعدية، ولذلك كلّه يجب إيجاد حلّ سريع ومناسب لهذه المشكلة.
أين وزارات الصحّة في البلدان الإسلامية عن هذا الواقع؟!
ونحن نرى أن وزارة الصحة في إيران قد أصدرت تعليمات بوجوب وضع مقدار من الأقداح ذات الاستخدام لمرّة واحدة إلى جانب برادات ماء الشرب في الأماكن العامّة لتجنّب انتقال الأمراض المعدية في حالة استخدام قدح واحد لعدد من الأفراد، لكن بالمقابل لم تصدر أيّ تعليمات ولم تتخذ أي إجراءات بخصوص المشكلة التي نحن بصدد بحثها؟! لماذا لا نجد وزارات الصحة في البلدان التي توجد فيها العتبات المقدّسة لا يتابعون هذه المشكلة بشكل جدي لإيجاد الحلّ المناسب لها؟! وهل توجد ضمانات لسلامة جميع المسلمين الزائرين في أرجاء المعمورة، وكمثال على ذلك هل يوجد دليل على أنّ الفرد الذي مرّ من هذا المكان أو صلّى فيه مسبقاً سالمٌ من الأمراض المعدية التي قد تنتقل إلى شخص آخر؟!
صيغةٌ لحلّ المشكل القائم، دواعي العقل وتأييد النصوص
من ذلك تبين لنا أنّ من مستلزمات عصرنا هذا ولرعاية الجانب الصحّي، امتلاك كل فرد لمنديل أو سجّادة يسجد عليها خاصّة به، وبذلك يتجنّب التماسّ المباشر عن طريق يديه وجبهته مع الأشياء الملوثة، وإذا كان من المتعذّر إجبار الناس على هذا الأمر فمن الضروري إجبارهم على امتلاك كل فرد منهم مصقولاً يستخدم للسجود عليه لتجنّب تماسّ جباههم للمفروشات، هذا من جانب، ومن جانب آخر إمكان غسل هذا الحجر بعد كل فريضة صلاة لتجنّب تلوّثه. فمن الأفضل امتلاك سجّادة وحجر من قبل كل فرد؛ حيث إن للسجادة وجهان؛ فالوجه الأسفل منها يكون على تماس مع الأرض أو المفروشات والوجه العلوي لها لا يكون على تماسّ مباشر مع الأرض؛ وبذلك يكون نظيفاً ويوضع عليه حجر السجود، وعند التعرّق لا إمكانية لانتقال التلوّث إلى الإنسان نظراً لنظافة وجهي حجر السجود.
إن كل ما ذكر سلفاً هو من مقتضيات العقل ورعاية الجانب الصحّي، ومن المسائل الجديرة بالذكر والمثيرة للاهتمام في هذا المجال أنّ الرسول الأكرم(ص) كان يمتلك سجّادة خاصّة به وكان يسجد عليها، وفي هذا المجال وردت في صحيح البخاري وغيره هذه الأحاديث كما يلي:
1ـ عن ميمونة قالت: «كان النبي(ص) يصلي على الخمرة»([1]).
2 ـ وقد نقل هذا الحديث عن ميمونة بألفاظ مختلفة بـ «وهو يصلّي على خمرته»([2]).
وهذه الروايات إذا دلّت على شيء فإنما تدلّ على أن النبي(ص) كان يمتلك سجّادةً خاصّة به، وإذا دقّقنا في الرواية الأولى نجد أن «الـ» التعريف في (الخمرة) تدلّ على هذا الأمر؛ وهذه الروايات رواها نفس الشخص ولها نفس المضمون و «الخمرة… هي هذه السجّادة… وهي ما يضع عليه الرجل جزء وجهه في سجدة من حصير أو نسيجة من خوص([3]). وجاء في ترجمة لاروس أن الخمرة «سجادة تحاك من سعف النخيل»، وفي كتاب النهاية لابن الأثير أن الخمرة «مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه من النبات، ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار، وسمّيت خمرة لأن خيوطها مستورة بسعفها»([4]).
وهذا الأمر يثير عجب الإنسان؛ حيث نرى أن الرسول(ص) وفي ذلك الزمان الذي لم تكن مسائل الوقاية الصحية مطروقة فيه، كان يمتلك سجّادة مصنوعة من الحصير، ومن المحتمل أن تكون من أنظف الأشياء في ذلك الزمان، فيما نرى أنفسنا اليوم لا نمتلك سجادة شخصية؛ فلماذا لا نجد أنّ أهل السنة الذين يتناقلون هذه الروايات والأحاديث في صحاحهم لا يوفرون سجادات خاصة للزائرين؟ ونرى أن المملكة العربية السعودية تروّج لسنّة السواك وتعرض وتبيع أعوادها بأشكال مختلفة لتروّج هذه السُّنة لكنّها ـ في المقابل ـ لا توفر لكلّ حاج من حجّاج البيت الحرام سجادةً مصنوعة من الحصير كي يستنَّ الجميع بسنّة النبي الأكرم’ في هذا المجال؟ أليس الحجر وورق الشجر من أوفر وأرخص الأشياء في الحجاز؟ وهل تحتاج إلى شيء أكثر من القصر والحياكة بطريقة معينة وإهدائها إلى الحجّاج؟!
3 ـ عن عائشة قالت: قال لي رسول الله: «ناوليني الخمرة من المسجد، قالت: فقلت بـأني حائض. فقال: إنّ حيضتك ليست في يدك»([5]).
4 ـ وعن عائشة أيضاً، قالت: >أمرني رسول الله(ص) أن أناوله الخمرة من المسجد، فقلت: إني حائض، فقال: تناوليها فإن الحيضة ليست في يدك»([6]).
وقد وردت الروايتان الآنفتان في كتاب الحيض، ودلّتا على طهارة يد الحائض، ويتضح لنا مما سلف ذكره أنه في ذلك الزمان كانوا يكنّون احتراماً كبيراً لسجادة الصلاة إلى درجة أن المرأة الحائض تتجنّب لمسها نظراً لِحُرمتها، وهنا نتسائل: هل لتربة الصلاة في الأماكن العبادية العامّة نفس الدرجة من القدسية والاحترام؟
المؤسف في عصرنا هذا أنّ بعضنا ـ ومن جميع الأعمار ـ بالرغم من أصابته بمختلف الأمراض المعدية لا يكترث ويسجد على هذه الترب، وقد يلعب بها الأطفال في بعض الأحيان و…
5 ـ عن أبي سعيد أن «الرسول(ص) قد صلّى على الحصير»([7]).
وقد جاءت هذه الأحاديث عينها في مسند أحمد بن حنبل أيضاً بشكل كثير، حيث تصل إلى أكثر من عشرين حديثاً.
ومن مجموع الأحاديث المذكورة أعلاه نحصل على نتيجة قاطعة وهي أن الرسول كان يحمل معه دوماً سجادة خاصة به للصلاة، سيما عندما نرى من خلال الأحاديث والروايات أنه كان يحمل معه دوماً كأساً خاصّاً به ولكانت لديه عصا خاصة به و… وبذلك يحصل لنا يقين بأنه كان’ يمتلك سجادة خاصّة، واعتماداً على ذلك كلّه نحكم بأنّ امتلاك كل مسلم لسجادة خاصة به للصلاة يعتبر سنّة من سنن الرسول، ومن المؤسف أن الشيعة وأهل السنة قد غفلوا عن هذا الأمر. بل نجد أنّ أهل السنّة لا يستخدمون التربة للصلاة ويسجدون على الفرش أو السجاد أو الأرض التي يمرّ عليها آلاف الأشخاص في الساعة، وأن الشيعة يستخدمون التربة التي تقع في متناول العديد من الناس في الأماكن العامّة، وإن كان احتمال تلوث هذه التربة أقل لكنّها تبقى دوماً عرضةً للتلوث؛ فمن الأفضل في كل الأحيان اتّباع سنّة النبي(ص) ونشر ثقافة امتلاك كل فرد تربة أو سجادة خاصّة به.
إشكاليات وتساؤلات
قد تقول: من الصعب على كلّ شخص حمل تربة خاصّة به، ونحن نعلم أن الناس يتجنّبون الصعوبات.
والجواب: كما أنّ كل شخص يحمل معه هويةً شخصية ولديه كارت للدخول والخروج من محلّ عمله، كذلك يحمل معه دفتر صكوك سحب النقود والبيع والشراء، ويحمل معه إجازة قيادة وكارت للوقود ومستمسك لإثبات ملكية السيارة.. فما هو الضير في أن يعطي لمسألة الصلاة والسلامة الصحية بعض الأهمية عن طريق امتلاكه منديلاً نظيفاً وقطعة صغيرة مصقولة من الخشب أو الحجر المصقول؟
وقد تقول أيضاً: من الممكن في هذه الحال أن يتّهمنا أهل السنّة بالشرك.
ونجيب: إذا كان الأمر هكذا فمن الأولى ـ والعياذ بالله ـ أن يتهموا الرسول(ص) بهذا الأمر أو أن يكذّبوا صحاحهم ومسانيدهم، بل نحن نطرح هذه المشكلة عليهم ونطلب منهم معالجتها وإيجاد الحلّ المناسب لها ولمختلف جوانبها من تلوّث الأرض والمفروشات وانتقال الأمراض عن طريق الرائحة الكريهة المنتشرة في هذه الأماكن. وإذا ذهب شخص من أهل السنّة إلى المسجد النبوي الشريف ووقف هناك يراقب لساعة واحدة.. فسيرى مئات الأقدام المختلفة للشباب والشيخ يلبسون الجوراب أو بدونه يطئون كل نقطة من أرجاء المسجد الشريف، فماذا يفعل لمعالجة هذه المشكلة الصحية؟!
من جهة ثالثة، نطلب من جميع الذين يصنعون سجدة الصلاة أو التربة أن يصنعوا السجاد بشكل موحّد وبسيط ومن دون نقوشات، ويكون لونها أبيض، وكذلك يختارون حجراً صغيراً وصقيلاً لكي يحمله الناس معهم، كما يحملون مستمسكاتهم الشخصية.
وأخيراً، نطلب من المملكة العربية السعودية أن تعدّ شيئاً في هذا المجال آخذةً بعين الاعتبار جميع الجوانب، وتوزعه على جميع الحجّاج والزائرين كي يتضح للجميع أنه لا يوجد أحد من المسلمين يعبد الأصنام والأحجار، فالجميع يريد أن يسجد على الأرض لله تعالى وأن يهتم بالجانب الصحي، ولكوننا شيعة وأتباع مذهب الإمام جعفر بن محمد الصادق× وأتباع سنّة النبي الأكرم’، نقترح عليهم أن يصنعوا شيئاً من الحجر أو من الحصير للسجود عليه.
ومن الممكن أن تقول: في هذه الحال وبسبب التطوّر الصناعي، من الممكن أن يقترحوا أن يصنعوا سجادة صغيرة من مادّة النايلون تستخدم لمرّة واحدة كما في بقية المسائل كإعداد كيس من النايلون لوضع الأحذية فيه أو وعاء استخدام مرّة واحدة لوضع الغذاء فيه.
ونجيب: إذا كان ما صنعوه من الأرض فلا يوجد إشكال في رأينا للسجود عليه، أما إذا كان من مشتقات النفط فهنا بحث لأنّ النفط من المعادن، وقد نوفق لبحث هذا الموضوع في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.
الهوامش
(*) باحث وأستاذ الدراسات العليا في الحوزة العلمية في إصفهان.
([1]) صحيح البخاري 1: 116، كتاب الصلاة، باب 21، ح381؛ وصحيح مسلم 5: 165.
([2]) صحيح البخاري 1: 115، كتاب الصلاة، باب 19، ح379.
([3]) صحيح مسلم 3: 209.
([4]) ابن الأثير، النهاية 2: 77، 78.
([5]) صحيح مسلم 3: 303 بشرح النووي؛ وسنن ابن ماجة 1: 207، كتاب الطهارة، باب 120، ح632.
([6]) صحيح مسلم 3: 210.
([7]) سنن ابن ماجة 1: 328، كتاب إقامة الصلاة والسنّة فيها، باب الصلاة على الخمرة، ح1029.