أحدث المقالات




حقوق الإنسان بين الشرعة الدولية والشريعة الإسلامية

د. محمد السماك

أمران أساسيان لا بد من إلقاء الضوء عليهما للحديث عن جدلية العلاقة بين الشريعة الإسلامية والشرعة الدولية حول حقوق الإنسان.

الأمر الأول:

هو موقع الإنسان في التعاليم وفي القيم الدينية الإسلامية.

أما الأمر الثاني:

فهو الفهم الإنساني للنصّ الديني عامة وخاصة ما يتعلق منه بهذه الحقوق بصورة خاصة بالنسبة للأمر الأول، فإن الإنسان في الإسلام هو خليفة الله على الأرض. وخلافة الله مهمة تعكس أعلى مراتب التكريم الإلهي للإنسان، {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(1).

ولأن الإنسان هو خليفة الله، فقد {سخر الله له ما في السماوات وما في الأرض}(2) {للّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ *وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}(3).

هذا يعني أن الله سخّر قوانين الطبيعة ليتمكّن الإنسان من القيام بمهمة خلافة الله في إعمارها. {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}(4). ذلك إن من مقومات خلافة الله عمارة الكون وبنائه خدمة للإنسان وليس إفساده وتدميره. وهذا مظهر آخر من مظاهر التكريم الإلهي.

ولكن لا يمكن أداء هذه المهمة في خلافة الله ما لم تتوفر للإنسان المعرفة. ولذلك فإن الله خلق الإنسان بحيث يقدر على استجلاء وعلى استيعاب علوم الدنيا كلها. {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا }(5). ولذلك حثّ الله الإنسان على أن يتفكر في نفسه وفي الكون من حوله، حتى يدرك أنّ سقف العلم مرتفع وأنَّ آفاقه واسعة وأنه مهما اكتشف من معادلات المعرفة فثمة المزيد الذي يجب أن يعمل عقله وفكره على اكتشافه. { وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }(6). و{فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}(7).

ومن مظاهر التكريم الإلهي للإنسان أيضاً أن الله خلقه {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}(8) و{صوّره في أحسن صوره}(9) من الخلية الحية بما تحمله من مورّثات ووظائف، إلى العقل المفكر وما يستطيع أن يصل إليه من آفاق المعرفة والقدرة على الإبداع والاستدلال. {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم}(10).

والمهم في ذلك هو أن تكريم الله للإنسان في الإسلام هو تكريم لذاته الإنسانية وتكريم لدوره (خلافة الله) وليس لإيمانه، "حتى إن الله فضّل الإنسان على كثير ممن خلق تفضيلاً"(11). فضّله حتى على الملائكة الذين لا عمل لهم سوى عبادة الله والذين خلقهم من نار وخلقه من طين وذلك عندما أمرهم بالسجود لآدم الإنسان.

وبرزت مقومات التفضيل التكريمي من خلال المعرفة التي شاء الله أن يودع منها عقل الإنسان ما لم يشأ أن يودعه عقل الملائكة. فالإنسان يعرف ما لا تعرفه الملائكة والمعرفة كرامة وتفضّل، {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}(12).

أودع الله في الإنسان بعض مفاتيح المعرفة وهي في ذاتها صفات إلهية من دونها لا يستطيع الإنسان أن يقوم بمهمة خلافة الله. من هذه المفاتيح/ الصفات أن يكون الإنسان رقيباً على نفسه ممسكاً بناصيتها قيّماً عليها.

كثيرة جداً هي المخاطبات الإلهية في القرآن الكريم لقوم يعقلون. لقوم يعلمون. لقوم يتفكرون.

{َوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى}(13). { فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ}(14). { قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ}(15)، { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}(16)، { أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ}(17)، { أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ }(18)، { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}(19).

عندما يسخر الله للإنسان ما في السماوات وما في الأرض(20)، فإن معنى ذلك أن الإنسان أهم من الطبيعة. وعندما يجعل الله علاقة الإنسان به علاقة مباشرة، وعندما يجعل حسابه ثواباً وعقاباً مهمة إلهية فقط، وعندما يحمّل الله الإنسان تبعات خياراته وأعماله في الدنيا وينصبه حكماً على نفسه وقاضياً على نواياه، فإنه بذلك يرفع من قدره ويكرّمه ويؤكد اصطفاءه واختياره.

هذه الصفات تجرد الإنسان عن التبعية العمياء، وتسمو به إلى الطاعة المطلقة لله من خلال العقل والعلم والفكر، وبالتالي من خلال الاختيار.

وزيادة في تكريم الذات الإنسانية فإن الإيمان بالله في الإسلام لا يكون وراثياً من بطن أم مثلاً، ولا يكون إجرائياً بطقوس رمزية، ولكنه يكون بفعل إرادة فردية. {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}(21). والإيمان لا يكون بالإكراه. {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}(22). والـ(لا) هنا ليست ناهية أي لا تُكرهوا الناس حتى يؤمنوا، ولكنها نافية بمعنى لا يكون إيمان بالإكراه.

إن الذاتية الإنسانية تتبلور في الأنا من خلال صياغة الركن الأول في الإسلام. فعبارة (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، تعني أنا الإنسان أقرّر إنني أؤمن وأشهد بما أؤمن، أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وللتأكيد على الحرية الإنسانية التكريمية للإنسان ترد في القرآن الكريم آيات كثيرة تذكر النبي بحدود مهمته رسولاً من عند الله، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ* إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ }(23). {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}(24)، {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}(25).

ولقد ذهب الإسلام في احترام حرية الإنسان وفي احترام وكالته عن نفسه أمام الله تأكيداً لكرامته الإنسانية إلى حد إلغاء أي وساطة بين الله والإنسان. فلا سلطة لأي مرجعية على إيمان الفرد سوى سلطته على نفسه في الدنيا وسلطة الله في الآخرة ثواباً أو عقاباً.

كانت هذه السلطة وراء انفجار العلاقة بين الكنيسة والمجتمع الأوروبي في العصور الوسطى، حيث قامت حركات تغييرية اكتسبت فيما بعد اسم الحركات الإصلاحية وانبثق عن هذه الحركات مبدأ حقوق الذات الفردية وتوفير ضمانات لاحترامها في الأنظمة والقوانين الوضعية.

وفيما بعد كرست ثورات التحرير وخاصة الثورة الفرنسية المبادئ الأولية لحقوق الإنسان الفرنسي، ومن ثم الأوروبي، فالغربي، فالعالمي؛ على النحو الذي ورد في إعلان 1948م.

من خلال ذلك يجدر التوقف أمام أمر أساسي وهو أن التكريم الإلهي للإنسان الوارد في القرآن الكريم هو تكريم بالمطلق. سواء كان الإنسان مؤمناً بالله أو كافراً به. سواء كان مسلماً لله أو جاحداً له. وبالتالي فإن التكريم ليس وقفاً على فئة دون أخرى من الناس. فالكرامة الإنسانية المستمدة من إرادة الله وفضله كرامةً تشمل الناس جميعهم أياً يكن جنسهم أو لونهم أو لغتهم وبصرف النظر عن معتقداتهم. فالله ليس رب اليهود وحدهم، أو رب النصارى وحدهم. أو رب المسلمين وحدهم، إنه رب العالمين، بلا استثناء.

هذا في الأساس والجوهر، وفيما عدا ذلك تفاصيل تتعدد بشأنها الأفكار والآراء والاجتهادات.

ففي شهر فبراير من عام 2000م عُقد في روما مؤتمرٌ إسلامي حول موضوع حقوق الإنسان أهاب بجميع حكومات العالم وجميع الهيئات والمنظمات والمؤسسات الدولية المعنية بهذه القضية مراجعة الإعلانات والمواثيق الدولية الخاصة بالحقوق الإنسانية مراجعة موضوعية لسد الثغرات الموجودة فيها وتعويض ما جاء فيها من نقص، وتدارس هذه الحقيقة في ضوء الحاجات الإنسانية ومراعاة المبادئ التي رأت أن الإنسان يحتاج إليها لضمان حقوقه. ومن هذه المبادئ ربط الحقوق الإنسانية بمرجعية تراعي المعتقدات والقيم الدينية التي أوصى بِها الله -سبحانه وتعالى- على لسان أنبيائه ورسله، ومنها أيضاً ربط الحقوق بالواجبات من خلال مفهوم يرتكز على قاعدة التوازن بين وظائف الإنسان واحتياجاته في بناء الأسرة والمجتمع وعمارة الأرض على نحو لا يتعارض مع إرادة الله تعالى.

وقد أدركت أهمية هذا الأمر مجموعة من 24 شخصية عالمية (من رؤساء الدول والحكومات السابقين في اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية وتايلند وسنغافورة والولايات المتحدة وكندا والبرازيل وفرنسا)، برئاسة مستشار ألمانيا الأسبق هيلموت شميدت فأعدت مشروعاً إلى الأمم المتحدة لإصدار إعلان عالمي حول (مسؤوليات الإنسان).

تقول مقدمة المشروع المقترح: إن (التأكيد الحصري على الحقوق وحدها يمكن أن يسفر عن صراعات وانقسامات وعن خلافات لا نهاية لها. وإن إهمال مسؤوليات الإنسان يمكن أن يقود إلى حافة اللاقانون والفوضى).

ويؤكد المشروع على (أن سيادة القانون وتعميم مبادئ حقوق الإنسان يعتمدان على استعداد الرجال والنساء للتصرف بعدالة). وينصّ المشروع على (أن كل إنسان هو قيمة ثمينة في ذاته وأنه يجب أن يحافظ عليه دون شروط). كما ينص على (أن الصراعات يجب أن تحَلّ من دون عنف وأن على كل شخص أن يلتزم الأمانة والحقيقة في القول والعمل). في الأساس، وكما يقول المشروع أيضاً، فإنه لا يستطيع أي شخص أو أي جماعة أو منظمة أو دولة أو جيش أو جهاز أمن أن يضع نفسه فوق الخير والشر. إن الجميع يخضعون لمقاييس أخلاقية معينة، ولذلك فإن كل شخص مسؤول عن تعميم الخير وعن تجنّب الشرّ في الميادين كافة.

إلا أن هذه المبادرة لم تغيّر من مضمون الشرعية الدولية ولا من حجم الفروقات بين ما تنصّ عليه وبعض الثوابت العقدية في الأديان والثقافات الأخرى وفي مقدمها الإسلام، فانطلاقاً من الفروقات بين ما تقول به الشريعة الإسلامية، وما نصّت عليه الشرعة الدولية، دعا المؤتمر الإسلامي الذي عُقد في روما إلى مبادرةٍ بهدف تطوير الشرعة الدولية لتتوافق مع الشريعة، كما سنبيّن ذلك تفصيلاً فيما بعد.

أما بالنسبة للأمر الثاني، أي للمفهوم الإنساني للنصّ الديني، فلا بد من الإشارة إلى أن الفكر الديني ينطلق من نص مقدس. هذه القدسية تضفي على النص صفة الديمومة، وترسي قواعد للثوابت من العقيدة والإيمان، بحيث يكون الخروج عنها خروجاً عليها. وبالتالي تجاوزا لقداستها…

أما الفكر المدني فينطلق من تجربة إنسانية، مفادها: أن كل ما هو إنساني هو غير مقدس، وبالتالي فإن النص هنا يبقى معرضاً للخطأ والصواب و مفتوحا أمام التغيير والتبديل وبالتالي أمام الطعن والتجريح، وبحيث يكون الخروج عنه في مستوى العودة عن الخطأ.

النص الديني هو نص إلهي يستمد قدسيته وبالتالي صدقيته من مصدره. وليس بالضرورة من مضمونه، وبالتالي فإن التعامل معه ينطلق من أساس قدسيته لتبرير أهمية مضمونه وجدواه. أما النص المدني فإن أهميته تكمن في مضمونه وليس في مصدره. هنا لا يهم من الذي شرّع، الذي يهم هو ماذا شرّع.

في النص الديني يقدم التشريع على أنه ثوابت مطلقة، هذه الثوابت ترسم دوائر محددة لحركة الفكر الديني. أما النص المدني فإنه مفتوح بلا حدود على إعادة النظر؛ ولا يوجد دستور إلا ويحدد كيف تتم عملية إعادة النظر فيه.

لا توجد طريقة لإعادة صياغة النص الإلهي، بل لا يجوز أصلاً إعادة النظر في هذا النص. ولكن توجد دائما طريقة لإعادة النظر في فهم النص الإلهي. وهذا هو معنى الاجتهاد. إن النص الإلهي -من حيث هو إلهي- هو نص مطلق ولكنّ فهم النص عملية إنسانية، وبالتالي فإن الفهم هو فهم نسبي بخلاف النص المطلق.

ثم إن النص ثابت ودائم، أما الفهم فمتحرك ومتغير بمجرد أن يدخل النص العقل الإنساني لفهم معناه، يخرج الفهم عن قداسة النصّ ويصبح شأنا إنسانياً غير مقدّس، بمعنى أنه يصبح قابلاً -كأي فكر إنساني آخر- للتغيير والتبديل.

وعندما نتحدث عن الفكر الديني الإسلامي، يتحتم علينا التمييز بين الشريعة والفقه. فالتشريع إلهي عام و مطلق وثابت، أما الفقه (من فقه يفقه فهو فقيه) فهو إنساني خاص ونسبي ومتغير. والفقيه يتأثر في اجتهاداته التفسيرية بعوامل عديدة. منها :

أ – ثقافته الدينية.

ب- البيئة التي يعيش فيها (مقاصد الشريعة في الربع الخالي غيرها في سيبيريا مثلاً).

ج- حدود التماس بينه وبين المقومات الحضارية التي تعاصره.

د – قدرته العلمية على استشفاف آفاق المستقبل وتحدياته.

من أجل ذلك تتعدد الاجتهادات. ومن أجل ذلك تتعدد المذاهب الفقهية. يقول أبو حيان التوحيدي في كتابه(الامتاع والمؤانسة) : (ما دام الناس على فطر كثيرة وعادات حسنة وقبيحة ومناشئ محمودة ومذمومة، وملاحظات قريبة وبعيدة، فلا بد من الاختلاف على كل ما يُختار ويُجتنب).

لم تكن الشريعة الإسلامية وحدها في حالة تماس مع الأسس والمبادئ التي قامت عليها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. إن مجموعة الدول الآسيوية انطلاقاً من شرائعها العقدية وتمسكاً منها بعاداتها وتقاليدها الاجتماعية التي تستند إلى هذه الشرائع والثقافات، وجدت نفسها في حالة تماس أيضاً مع الشرعة الدولية، وقد تجسد ذلك في إعلان بانكوك (نيسان – إبريل 1993م) الذي نص على أنه (طالما أن حقوق الإنسان تعتبر عالمية بطبيعيتها المواكبة لتطوّر القواعد الدولية الحالية، فيجب أن تؤخذ في الاعتبار أهمية الخصائص القومية والإقليمية وكذلك الخلفيات التاريخية والثقافية والدينية المتعددة)، غير أن مؤتمر فيينا الذي عُقد بعد أشهر قليلة في حزيران ـ يونيو من العام ذاته، شدّد التأكيد على عالمية الشرعة الدولية وعلى وجوب تطبيقها دون أي استثناء، أو حتى دون أي مراعاة للتقاليد الاجتماعية أو القانونية أو الثقافية. ورفض المؤتمر الذي شارك فيه ألفان من المنظمات غير الحكومية الدولية لحقوق الإنسان على رفض أي ادعاء بنسبية حقوق الإنسان ووصف الدعوة إلى هذه النسبية بأنه محاولة لتبرير انتهاك هذه الحقوق.

وذهب المؤتمر إلى أبعد من ذلك عندما رفض اعتبار قضية حقوق الإنسان قضية داخلية تخص الدولة المعنية. أي أن المؤتمر رفض نسبية العالمية، بشقّيها المبدئي والتطبيقي. ومن هنا كان كذلك التصادم الاجتهادي بين الشريعة الإسلامية وبين بعض مواد الشرعة الدولية. وقد بدأ ذلك في 10/12/1948، في ذلك الوقت، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة (كان عدد الدول الأعضاء 58 دولة فقط) الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومن بين ثماني دول تحفظت على الإعلان (دول الكتلة الاشتراكية السابقة)، حصرت مصر والسعودية تحفظهما في مادتين :

أولاً: المادة 16 التي تنص على حق الرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج أن يتزوجا ويؤسسا أسرة دون أي قيد بسبب العِرق أو الجنسية أو الدين. فقد اعتبرتا ذلك مخالفا للشريعة الإسلامية التي تقول بعدم صحّة زواج المسلمة من غير المسلم، وذلك على قاعدة أن الإسلام يعترف بالمسيحية واليهودية، وأن هاتين الديانتين لا تعترفان بالإسلام رسالة من عند الله.

ثانياً: المادة 16 التي تنص على حق كل إنسان في تغيير ديانته أو عقيدته. فقد اعتبرت مصر والسعودية ذلك مخالفاً للشريعة الإسلامية أيضاً التي تعتبر المسلم الذي يغير ديانته مرتداً.

وفيما عدا ذلك وافقت مصر على مواد الوثيقة كلها.

ارتفع عدد الدول الأعضاء اليوم إلى 168 دولة ولم يسبق لأي دولة انضمت إلى الأمم المتحدة بعد عام 1948م أن طالبت بتعديل الوثيقة أو سجلت أي تحفظ عليها بما في ذلك الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي (54 دولة).

جرى هذا الأمر أيضا بالنسبة للإعلان العالمي لحقوق الطفل، فعندما أعلنت الأمم المتحدة في عام 1989م الوثيقة الدولية حول حقوق الطفل، بادرت 171 دولة من بينها 43 دولة عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي إلى المصادقة عليها، وامتنعت 29 دولة بما فيها خمس دول أعضاء في المنظمة.

رغم أن ثلاث دول إسلامية اشتركت في لجنة الصياغة التي وضعت نص الوثيقة، فقد أبدت 12 دولة إسلامية تحفظات حول عدد من موادها، وهي المواد 12 و 14 و 16 و 17 و 20 و 29 و 30. وكل التحفظات الإسلامية تدور أساساً حول موضوع واحد.

وهو ما يبدو في النص أنه مخالف للشريعة الإسلامية مثل حق الطفل في اختيار دينه في عام 1993م ربط المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي عقد في فيينا منظومة حقوق الإنسان بالديمقراطية وبالتنمية، وأكد على اعتبار كل هذه الحقوق وحدة لا تتجزأ، يتوجب احترامها والالتزام بها. فالبند الثامن من إعلان فينا يقول (إن حق التنمية يتمثل في تحقيق المساواة في الفرص للتمكن من المواد الأساسية (التعليم – الخدمات الصحية – التغذية – المسكن – العمل). وكذلك في التقاسم المنصف والعادل للمداخيل. وأكد الإعلان أيضاً على:

(كونية الحقوق وترابطها وتكاملها وعدم تجزئتها، وعلى أهمية الحق في التنمية واعتباره حقاً عالمياً وجزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان).

إذا كان القانونيون الوضعيون يقسمون حقوق الإنسان إلى قسمين رئيسيين هما الحقوق السياسية المدنية، والحقوق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فإن الإسلام كدين يقسم حقوق الإنسان إلى ثلاثة أقسام : حقوق الله (العبادات) وحقوق العبد الإنسان وحقوق المجتمع. وهناك تداخل متكامل بين هذه الحقوق.

وقد أوضح هذا الأمر إعلان القاهرة في 4/8/1990م لحقوق الإنسان في الإسلام، والذي أجمعت على إقراره كل الدول الإسلامية، وعلى الرغم من أن ثقافة حقوق الإنسان في الغرب (أوروبة – أميركا الشمالية) تتمركز على الفرد في الدرجة الأولى منذ الانقلاب على الكنيسة، كما أسلفنا، فإنها لم تصل في تكريم الإنسان وحفظ حقوقه إلى المستوى الذي وصل الإسلام إليه. ولا نقول ذلك تعصباً للإسلام، ولا تقليلاً من قدرة الشرعة الدولية. ونضرب على ذلك مثلاً موقف كل منهما من حق حفظ الحياة وحق حفظ العرض.

فبالنسبة للأمر الأول، نجد أن الشرائع الدولية ممثلة في قوانين العقوبات الوضعية كانت تقول بعقوبة الإعدام لكل من يقتل نفساً عمداً مع سبق الإصرار على ذلك أو الترصد له. وتميل اليوم هذه القوانين إلى التخلّي عن عقوبة الإعدام واستبدالها بالسجن لسنوات طويلة.

(أما الشريعة الإسلامية فترتكز على آيتين من القرآن الكريم في التعامل مع هذا الأمر، الآية الأولى مكِّية، هي قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}(26).

والثانية مدنية وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ {2/178} وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(27).

ومعلوم أن المكّي من القرآن يتجه نحو الأحكام الكلية، دون أن يعرض لقيود أو تفاصيل، وإنه موجه إلى الأفراد دون أن يخلع عليهم وصفاً مشتركا بينهم هو عبارة{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}، أما المدني فيأتي مكملاً للأحكام الكلية ويضع القيود والتفصيلات ويخاطب الناس بصفة الإيمان المشترك بينهم. ذلك لأن الحياة في مكة كانت حياة دعوة مترددة بين الرفض والقبول وعدم الاستقرار. ولكن حينما هاجر الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة ودخل الناس في دين الله أفواجا، تكوّنت منهم أمة واحدة ونزلت الآيات كلها وفيها عبارة{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ..}.

ولذلك يمكن القول: بأن عقوبة القتل كنظام محدد لم يكمل تشريعها إلا في المدينة بعد أن استقر المسلمون وأصبحوا دولة لها نظامها، وأصبح الخطاب للدولة ذاتها في مباشرة حق العقاب.

والقصاص معناه المماثلة: أي أن يعاقب القاتل بمثل فعله، فيُقتل كما قتل، ولا يشترط أن يكون القتل مسبوقاً بسبق إصرار أو ترصد، أو أن يقع بالسم أو على شخص له صفة معينة، أو أن يكون مقترناً بجناية أخرى كما فعل القانون. بل يكفي أن يكون عمداً، وما من شك في أن تقرير القصاص في جرائم القتل العمد دون نظر إلى الظروف الخارجية التي تصاحب جريمة القتل هو تحقيق لفكرة العدالة والمساواة، إذ يجازي المجرم بمثل فعله أو القاعدة المتعارف عليها بين الناس جميعاً هي أن الجزاء من جنس العمل)(28).

وبالنسبة للأمر الثاني – وهو حفظ العرض- فإن الشريعة الإسلامية تعتبر كل اتصال محرم بين رجل وامرأة سواء كان أحدهما أو كلاهما متزوجاً أو غير متزوج فعل زنى يعاقب عليه. أما الشرائع الوضعية فتعتبر الزنى (خيانة زوجية)، وتعاقب عليه على هذا الأساس فقط. أما إذا كان اتصالاً بالتراضي بين غير متزوجين فلا إثم عليهما بموجب هذه القوانين.

تبين هذه الفوارق في التعامل مع الأمرين مدى التباين في المفاهيم القيمية والأخلاقية بالنسبة لاحترام حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والشرعة الدولية.

فإذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد نقل الاهتمام بالإنسان وحقوقه من المستوى الوطني إلى المستوى الدولي، وإذا كانت العلاقة بين الإنسان ودولته – قبل الإعلان- شأنا داخلياًَ من شؤون تلك الدولة لا يعطي الخارج (مجتمعاً أو دولة) حق التدخل، فإن الإعلان أرسى قاعدة جديدة للسلام العالمي تقوم على وجوب احترام حقوق الإنسان في المجتمعات الوطنية، وأعطى بالتالي المجتمع الدولي حق التدخل من بوابة الدفاع عن السلام والاستقرار الدوليين.

 

حول حقوق الأقليات

في 14 ديسمبر -كانون الأول 1993م اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة (الإعلان العالمي لحقوق الأقليات). ومن شأن هذا الإعلان نقل قضية الأقليات من إطارها المقيّد بحدود الدولة المعنية بها، وبشرعية هذه الدولة وأنظمتها القانونية، إلى الشرعية الدولية. إن حماية الهوية الإثنية ثقافياً ولغوياً أو حماية العقيدة الإيمانية لأي أقلية في أي دولة، لم يعد شأنا من الشؤون الداخلية لهذه الدولة، بل أصبح شأنا دولياً. وبقدر ما تفيد الأقليات الإسلامية في الدول غير الإسلامية من هذا التشريع الدولي الجديد، كذلك يفترض أن تفيد منه الأقليات غير الإسلامية في الدول الإسلامية، والأقليات غير العربية في الدول العربية.

في الأساس لا تستطيع دولة عربية أو إسلامية أن تطالب بأمر وترفضه في وقت واحد، لا تستطيع ولا يحق لها أن تطالب بحق الأقليات الإسلامية في الدول غير الإسلامية في ممارسة شعائرها الدينية، وأن تمنع أقليات غير إسلامية من حقها في ممارسة شعائرها في الدول الإسلامية. إذا كان تقييد حرية المسلم الدينية في المجتمعات غير الإسلامية، يقوم على قاعدة عدم الاعتراف بالإسلام ديناً من عند الله، فإن تقييد حرية الكتابي (المسيحي أو اليهودي) في المجتمعات الإسلامية يخالف الشريعة الإسلامية في الأساس. من أجل ذلك فإن حق الكتابي في التمتع بحريته الدينية في مجتمع إسلامي لم يكن في حاجة إلى صدور الإعلان العالمي لحقوق الأقليات حتى يصبح شرعيا، فهو شرعي بموجب الشريعة الإسلامية وليس بموجب الشرعة الدولية. أما حق المسلم في التمتع بحريته الدينية في مجتمع غير مسلم، فإنه يتكرس في هذه الشرعة وتتثبت دعائمه.

لذلك فإن تصوير الدول العربية على أنها تتخذ موقفاً سلبياً من هذه الشرعة هو تصوير مبالغ في سلبيته. ذلك إن هذه الدول العربية عانت في الماضي ولا تزال تعاني حتى اليوم وبشدة، من سوء استغلال قضايا الأقليات في الوطن العربي. وهي تخشى من توظيف هذه القضايا للإمعان في تمزيق العالم العربي وتفتيته، لذلك فإنها معذورة إذا ما شككت في إمكانية استخدام هذه الشرعة الدولية كغطاء لتبرير تدخلات محسوبة وربما مبرمجة، أكثر من استخدامها من أجل حماية الحقوق المشروعة لهذه الأقليات.

والواقع أنه منذ أن اعتمدت أوروبة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر سياسة جذب المسيحيين في العالم العربي ليكونوا قاعدة لها، تداخل الدفاع عن حقوق الأقليات بالسياسات الأوروبية الاستعمارية – النظام العالمي السابق- وهذا ما يخشى أن يتكرر الآن أيضاً من خلال محاولة ربط سياسات النظام العالمي الجديد بالدفاع عن حقوق الأقليات الإسلامية غير العربية أو الأقليات العربية غير الإسلامية في الدول العربية. وبالتالي فإن التحفظ، وحتى السلبية التي قد تبديها دولة أو دول عربية وإسلامية من موضوع شرعة حقوق الأقليات، مردها إلى هذه الخشية التي لها ما يبرّرها، وليس إلى مبدأ الحق الذي تؤكده الشريعة الإسلامية.

مع ذلك، فإن الإعلان العالمي لحقوق الأقليات يشكل قفزة جديدة في اتجاه عملية التكامل في التدخل في الشأن الداخلي لأي دولة تنتهك حق أقلية من أقلياتها الوطنية أو حق إنسان من مواطنيها. فالإعلانان يشكلان معا القاعدة الجديدة التي تقوم عليها العلاقات بين الدول والمجتمعات المعاصرة.

 

حول حقوق المرأة

وتشكل المقارنة بين موقع المرأة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وموقعها في الشريعة الإسلامية نقطة جدال حاد يسوده كثير من سوء الظن ومن سوء الفهم معاً. تقتضي موضوعية البحث في هذه المقارنة التوقف أمام الأمور التالية:

واقع المرأة في الثقافة العالمية.

– موقع المرأة في تقاليد بعض المجتمعات الإسلامية.

– حق المرأة في الشريعة الإسلامية.

فبالنسبة للأمر الأول، يقول تقرير لمنظمة الأمم المتحدة أن نصف سكان المعمورة تقريباً هم من النساء، وأن ثلث القوة العاملة نسائية إلا أن عُشر الدخل في العالم هو للنساء. ويعتبر التقرير أن ساعات العمل في المهام المنزلية وفي المشروعات العائلية الأخرى ترفع نسبة ساعات العمل عند النساء إلى ثلثي ساعات العمل؛ إلا أن المرأة تنال أجراً يقل 40 بالمائة عن أجر الرجل. ويقول التقرير أخيراً أن حصة النساء من الممتلكات المنقولة وغير المنقولة في العالم تبلغ واحد بالمائة فقط.

يبدو التباين واضحاً أيضاً في نسبة الأميّة بين النساء والرجال، فعند الرجال تصل نسبة الأمية إلى 23.5 بالمائة، فيما تتجاوز هذه النسبة عند النساء 34 بالمائة، أي حوالي 540 مليون امرأة (حسب إحصاءات 1995م).

كذلك يبدو التباين واضحاً في نسبة الفقراء. إن خمس سكان العالم من الفقراء؛ إلا أن 70 بالمائة من هؤلاء الفقراء هم من النساء. ويقدر عدد اللاجئين في العالم بحوالي 18 مليون شخص بينهم 8 ملايين امرأة. وهناك مائة مليون امرأة مفقودة في آسيا وحدها، أما نتيجة ممارسة عادة وأد البنات، أو نتيجة الإجهاض المتعمد. وتنتشر عادة الوأد والإجهاض في الهند والصين على نطاق واسع. فالعلم يمكن أن يصور الجنين في أحشاء أمه وأن يحدد جنسه ذكراً أو أنثى. فإذا كان الجنين ذكراً تستمر الأم في حمله ورعايته، أما إذا تبين أنه أنثى، فإن الأم تسارع إلى إجهاضه. أدت ممارسة هذه العادة منذ سنوات إلى ظهور خلل في المجتمع الصيني خاصة، إذ بدأ عدد الرجال يتجاوز بشكل واضح عدد النساء. مما حمل السلطات الصينية على منع استخدام أجهزة تصوير الأجنة. وفي الريف الهندي الواسع الانتشار والشديد الفقر حيث لا تتوافر مثل هذه الأجهزة المتطورة، فإن مصير الجنين الأنثى بعد ولادته ينتهي في أحياناً كثيرة بالوأد – أي طمره تحت التراب ـ .

أما في المجتمعات الغربية الراقية والمتقدمة، فإن الصورة مختلفة تماماً، إلا أنها ليست بالضرورة أفضل حالاً. ففي بريطانيا مثلاً زاد الطلاق في العقد الأخير بنسبة 50 بالمائة وتراجع الزواج بنسبة 17 بالمائة. وتقول الإحصاءات البريطانية: إن أربعة أخماس الزيجات تنتهي بالفشل وإن خمس العائلات البريطانية مؤلفة من أحد الأبوين فقط نتيجة الطلاق أو الانفصال. ولعل أخطر مؤشر على وضع المرأة البريطانية هو أن ثلث أطفال بريطانيا غير شرعيين، بمعنى إنهم ليسوا ثمرة زواج شرعي.

تتضائل خطورة هذا الرقم أمام الواقع في أيسلندة مثلاً حيث تبلغ نسبة الأطفال المولودين من دون زواج شرعي 57.3 بالمائة من أطفال أيسلندة.

انعكس هذا الواقع على وضع المرأة، ففي ثلاث دول أوروبية فقط هي فرنسا وألمانيا وبريطانيا تعيش 25 مليون امرأة وحيدة أما بسبب الطلاق أو عدم الزواج. من أجل ذلك يصف الفيلسوف الفرنسي المعاصر جان فورنييه العائلة بأنها (تشكل سداً في وجه التقدم الإنساني).

وفي الولايات المتحدة يبدو حال المرأة أشد مأساوية. فالإحصاءات الأميركية تقول أن 26 بالمائة من الفتيات القاصرات (دون سن السادسة عشرة) اعترفن بأنهن تعرّضن للاغتصاب. والاعتداء على الأطفال ارتفع بين عامي 1985 و 1991م بنسبة 40 بالمائة. وتقول هذه الإحصاءات أيضاً أن 80 بالمائة من جرائم القتل هي جرائم عائلية. ويشكل البيت (وليس الشارع) المسرح الأول لهذه الجرائم العائلية وبنسبة 48 بالمائة. وتكشف هذه الأرقام الأميركية أيضاً عن أنه في كل 18 دقيقة تتعرض امرأة للضرب. وفي السويد البلد الأوروبي المتطور فإن عدد شكاوى الاعتداء والتعذيب الجسدي التي ترفعها نساء إلى القضاء يبلغ 19 ألف شكوى في العام. من أجل ذلك تصف مجلة تايم الأميركية العائلة بأنها (جهنم شخصية). وتقول المجلة إن أخطر مكان بالنسبة للمرأة هو بيتها. وإن أخطر عدو لها هو زوجها أو حتى عشيقها !!.

أما بالنسبة للأمر الثاني، وهو موقع المرأة في تقاليد وعادات بعض المجتمعات الإسلامية، فلا بد أولاً من التمييز بين الدين وبين التقاليد. فالدين كمعطى إلهي شيء، والتقاليد كمعطى اجتماعي شيء آخر. وتالياً لا يجوز تحميل الدين وزر تقاليد تفرزها عادة طبيعة المجتمعات وما تمر به في مراحل تاريخها من تقدم أو تقهقر ومن انفتاح أو انغلاق، ومن ثقافة أو أمية، ولا بدّ كذلك من التنبه إلى أن المقاييس التي تفرضها الثقافة الغربية لمعاني التقدم والرقي والتحضر ليست بالضرورة المقاييس المثالية التي يتحتم اعتمادها في المجتمعات الأخرى وبصورة خاصة في المجتمعات الشرقية. فللغرب تجاربه وله قيمه وله بالتالي مفاهيمه الحضارية، كما أن للأمم الأخرى تجاربها وقيمها ومفاهيمها الحضارية. وإذا كان الغرب يتبوأ مركز الصدارة في العالم الحديث سياسياً واقتصادياً وعسكرياً فليس معنى ذلك أن قيمه الأخلاقية والاجتماعية هي التي قادته إلى هذا المركز. بل أن ثمة قلقاً في الغرب نفسه من أن يؤدي استمرار تآكل هذه القيم الأخلاقية وابتعادها عن الروحانية إلى سقوط العائلة، وتالياً إلى تصدّع المجتمع.

أما عن حق المرأة في الشريعة الإسلامية، فإن التكريم الإلهي للإنسان الذي سبقت الإشارة إليه، هو تكريم للإنسان بالمطلق ذكراً أو أنثى. مؤمناً أو غير مؤمن. وفي الإسلام كذلك فإن الناس كل الناس متساوون في الخلق. يؤكد ذلك ما جاء في القرآن الكريم: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء}(29). وهذا يعني أن الله خلق الرجل والمرأة من نفس واحدة إشارة إلى مساواتهما في أساس عملية الخلق. وفي ذلك اختلاف عن الأدبيات الدينية غير الإسلامية التي تصوّر المرأة بمثابة الشيطان المسؤول عن خروج آدم من الجنة.

ويساوي الإسلام بين الرجل والمرأة في الثواب والعقاب. والله تعالى يقول: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}(30).

{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(31).

{ وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(32).

واضح من سياق هذه الآيات الكريمة أن لا فضل لمسلم على مسلمة، أو لمؤمن على مؤمنة في الثواب والأجر عند الله. كذلك فإن الله تعالى فرض العقوبات على الجرائم الأخلاقية على الرجل كما فرضها على المرأة. فالله تعالى يقول{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ}(33).

{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}(34).

إن المساواة في العقاب واضحة تماماً في سياق الآيتين الكريمتين. كذلك فإن الله سبحانه وتعالى يقول: { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا}(35). و{مَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}(36). وتدل هذه الآيات الكريمة على المساواة في العقاب. ذلك إن الله تعالى يقول: {إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى}(37).

وكذلك الأمر بالنسبة للحقوق الشخصية { لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ}(38). و{ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا}39. فالإسلام ضمن للمرأة حق الكسب وضمن لها حق الإرث.

إذا انتقلنا من هذه القواعد الكلية إلى القواعد الإجرائية التفصيلية نجد الحاجة ماسة إلى التوقف أمام الإشكاليات الآتية:

أولاً:

الأولوية: {لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}(40)، { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}(41). إن ثمة اجتهاداً فقهياً يقول إنه داخل الأسرة حيث يجب أن تعالج الأمور بالشورى بين أفراد العائلة وخاصة بين الرجل والمرأة. يتمتع الرجل بأرجحية القرار العائلي لدوره الاقتصادي ولخبرته في المجتمع.

ثانياً:

الإرث: يقول الله: { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}(42). لا يمكن النظر إلى هذا التشريع الإلهي الواضح خارج سياق مجموعة التشريعات الإلهية العديدة الأخرى التي تنظم علاقة الأسرة الإسلامية وعلاقة أفراد المجتمع الإسلامي. فالتشريعات كلّ متكامل. وتالياً ففي مقابل الامتيازات التي قضت بِها الشريعة الإسلامية للمرأة في الأسرة وفي المجتمع جاء تشريع الإرث بمثابة تعويض للرجل بهدف تمكينه من أداء مسؤولياته الأسرية، فنحن هنا في معرض العدالة لا الأفضلية.

ثالثاً:

الولاية: اجتهد الإمام محمد رشيد رضا في وضع تفسير للآية القرآنية الكريمة التي وردت في سورة التوبة -الآية التاسعة- وهي: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}، يقول رضا في كتابه (حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح المحمدي العام)، إن هذه الآية تعطي المرأة المؤمنة حق الولاية المطلقة في الحياة الدينية والاجتماعية).

وهذا يعني أن المرأة يمكن أن تتبوأ مواقع قضائية واجتهادية وحتى مواقع في القيادة السياسية. إذ إن لها ما للرجل. وبالفعل فقد تبوأت سيدات مسلمات مناصب رئاسية في عدد من الدول الإسلامية (بنغلادش – اندونيسيا – الباكستان – تركيا) من دون أن يشكل ذلك أي اعتراض أو أن يتسبب في أي حرج لأي مرجعية إسلامية دينية محلية أو خارجية. مع ذلك فإن ثمة اجتهاداً مناقضاً للشيخ محمد ناصر الدين الألباني ردّ فيه على اجتهاد محمد رشيد رضا. استند الألباني في رده على الآية { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}(43)، غير أن للعديد من الأئمة المعاصرين وجهات نظر متوافقة مع رضا كالإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه (مسائل حرجة في فقه المرأة)، والشيخ محمد الغزالي في كتابه (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث)، ذلك أنه لا تناقض بين الآيتين الكريمتين.

إلا أنه رغم كل ما يتضمنه التشريع الإسلامي من عدالة ومساواة في فقه المرأة، نجد أن المرأة مهمشة في المجتمع الإسلامي وتعامل في أحيان كثيرة وكأنها قطعة من أثاث البيت، أو مجرد جهاز للإنجاب.

إن هذا الواقع المرير الذي تعاني منه المرأة في بعض المجتمعات المتخلفة ومنها مجتمعات إسلامية، يعزى أساساً إلى التقليد أكثر منه إلى التشريع.

صحيح أن المرأة المسلمة تواجه معاناة مؤلمة. غير أن سبب هذه المعاناة يعود إلى التخلف وليس إلى الإسلام. يرتفع كابوس الظلم عن المرأة عندما يتغلب الإسلام على التخلّف الذي يزنّر بعض المجتمعات الإسلامية ويوصمها بما هو منه براء. إن محاولات ربط معاناة المرأة المسلمة بالإسلام يستهدف ربط الإسلام بالتخلّف، وتالياً تعطيل دور الإسلام في إعادة صياغة شخصية المجتمعات الإسلامية.

يمكن أن نرد المشكلة التي تعاني منها المرأة في بعض المجتمعات الإسلامية إلى عدة عوامل، لعل من أبرزها :

أولاً: عدم التمسك بالقيم الإسلامية إلا جزئياً أو شكلياً، وبصورة استنسابية.

ثانياً: اقتحام قيم غربية للمجتمعات الإسلامية في الملبس والمأكل والسلوك.

ثالثاً: قيام حالات اجتماعية هجينة لا هي بالإسلامية ولا هي بالغربية. مما يؤدي إلى ارتباكات سلوكية غالباً ما تدفع المرأة ثمنها غالياً.

رابعاً: انتشار ظاهرة النفاق الاجتماعي من خلال التباين الكبير بين كيفية التعامل مع المرأة (زوجة أو أما أو أخت) داخل البيت، وكيفية التعامل معها (جارة أو زميلة أو عابرة طريق) في الشارع.

 

حول حقوق الطفل

لا شك في أن الطفل هو سياسياً أضعف مواطن في كل دولة من دول العالم. إنه أكثر عرضة للتجاوز والإهمال. الإدراك العالمي لهذه الحقيقة حمل المجتمعات الحديثة على إيلاء الطفل عناية واهتماما ورعاية أكثر، خاصة في برامج التنمية، كما حملها على منحه الأفضلية في إطار الجهود المبذولة لحماية حقوق الإنسان.

تمكّنت منظمة اليونيسيف بعد عمل دؤوب استمر عدة سنوات من وضع وثيقة حول حقوق الطفل، عرضت الوثيقة على الجميعة العامة للأمم المتحدة في نوفمبر – تشرين الثاني من عام 1989م، وبدأ تنفيذها كشرعة دولية في الثاني من سبتمبر – أيلول 1990م بعد مصادقة 160 دولة عليها. لم يسبق لأي معاهدة أو اتفاقية دولية أن حصلت على مصادقات هذا العدد الكبير من الدول خلال مثل هذه الفترة الزمنية القصيرة.

اعتبر البعض الوثيقة حجر الزاوية في القيم الأخلاقية الجديدة بشأن الطفولة. وذهب البعض إلى اعتبارها حجر الأساس في تاريخ الإنسانية الحديث. لأن احترام وحماية حقوق الطفل تشكل نقطة الانطلاق لإنماء القدرات الكامنة في الفرد في جو من الحرية والاحترام والعدالة.

تحدد الوثيقة/ الشرعة في مادتها الأولى الطفل بأنه (كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة). وتدعو في مادتها الثانية جميع الدول إلى احترام الحقوق الموضّحة في هذه الاتفاقية وتَضْمَنُها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز، بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه، أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره أو أصلهم القومي أو الإثني أو الاجتماعي، أو ثروتهم، أو عجزهم، أو مولدهم، أو أي شيء آخر.

قبل إبرام هذه الشرعة التي تتألف من 54 مادة، صدر عن المجتمع الدولي إعلانان حول الطفل ورعايته. الإعلان الأول يحمل اسم إعلان جنيف (1924)، ويدعو إلى توفير عناية خاصة بالطفل، والإعلان الثاني حول الطفل وحقوقه، ويحمل اسم الوثيقة العالمية لحقوق الطفل وقد تبنتها الجمعية الأمة للأمم المتحدة في تشرين الثاني 1959م واشتملت على عشر مواد.

وبعد إعلان شرعة 1989م، صدرت خمسة إعلانات دولية أخرى مكملة لها، وهي :

1- الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه وخطة العمل لتنفيذ هذا الإعلان في التسعينات، وقد صدر عن مؤتمر القمة العالمي من أجل الطفل (الأمم المتحدة نيويورك، 30 أيلول 1990م).

2- التقارير السنوية التي تعدّها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) عن (وضع الطفل في العالم سنة 1991، و 1992، و 1993، و 1994).

3- ميثاق (حقوق الطفل العربي) الذي أصدرته جامعة الدول العربية سنة 1989م، ونص على حماية الطفولة، ويتكون الميثاق من إحدى وخمسين مادة موزعة على خمسة أقسام.

4- إعلان أنقرة (لرعاية الطفل وحمايته) الصادر عن منظمة العواصم والمدن الإسلامية في 7 يوليو – تموز 1993م، الذي يؤكد الالتزام بحماية الأطفال ورعايتهم وتنشئتهم على القيم الإسلامية النبيلة وعلى المبادئ الأخلاقية الرفيعة، والحفاظ على حقوقهم، كما يؤكد بشدة على الالتزام بمقررات مؤتمرات القمم الإسلامية والعالمية المتعلقة بالأطفال بما يتفق وحقوق الإنسان والطفل في الإسلام.

5- إعلان القاهرة حول(حقوق الإنسان في الإسلام) الصادر في 5 أغسطس – آب 1990م، الذي ينص على ضرورة حماية حقوق الأطفال، ويبين التزامات الدول إزاء تلك الحقوق (المادة السابعة).

هنا لا بد من التساؤل لماذا كان كل هذا التحرك الدولي المكثف نحو حماية حقوق الطفل؟.. للإجابة على هذا السؤال لا بد من إلقاء نظرة سريعة على التطورات السلبية التي تعصف بالمجتمعات الغربية عامة وبالأسرة الغربية خاصة والتي تؤثر بصورة مباشرة على الطفل وبالتالي على مستقبل الإنسانية. فالدراسات الاجتماعية في الولايات المتحدة مثلاً تشير إلى تزايد في انفراط عقد العائلة الأميركية التقليدية. فقد نشرت مجلة (يو.اس.نيوز) في عدد أول آب 1994م دراسة عن مكتب الإحصاء تقول أن 18 مليون طفل أميركي (أي 27 في المائة من أطفال أميركا) يعيشون مع أحد الوالدين فقط سواء مع الأب أو مع الأم. ويمثل هذا الرقم ضعفي ما كان عليه في عام 1970م. وتعيش غالبية هؤلاء الأطفال مع شخص لم يتزوج سابقاً فضلاً عن المطلقين.

يقول عالِم النفس الأميركي ويد هورن الذي يرأس (المبادرة الوطنية للأبوة)، إن هذا الواقع لم يكن له وجود في تاريخ البشرية. ويعكس هذا الاتجاه ارتفاع معدلات الإنجاب بين المراهقات العازبات وبين النساء المتقدمات في السن اللواتي أخفقن في العثور على زوج مناسب، كما يعكس تضخّم المشاكل الناجمة عن الطلاق المتزايد بين المتزوجين.

تقلق هذه المعلومات فئات اجتماعية مسؤولة واسعة في الولايات المتحدة. فالأولاد الذين يكبرون في بيوت إما مع أب، وإما مع أم، هم أكثر تعرضاً للفقر، والعوز، والرسوب في المدارس، من أولئك الذين يكبرون في بيوت يرعاها شخصان متزوجان. ويصبحون هم أنفسهم أباً أو أماً لأطفال من دون شريك زوجي. وتعتمد غالبية هؤلاء الأطفال على الرعاية الاجتماعية الرسمية للدولة الأمر الذي يزيد من اتكال فئات كبيرة من الناس على الدولة.

تلعب التربية الإعلامية دوراً مباشراً في ذلك؛ إذ تشير الدراسات الإحصائية إلى أنه قبل أن ينهي الطفل الأميركي دراسته الابتدائية يكون قد شاهد على الشاشة 8 آلاف جريمة متلفزة و 100 ألف عمل عنف.

هذا الواقع المأساوي للعائلة الغربية بانعكاساته المدمرة على حياة الطفل وعلى حقوقه وعلى شخصيته، عجّل بالمبادرة الدولية التي تمثلت بوضع اتفاقية حماية حقوق الطفل. غير أن هذه الاتفاقية ليست أميركية أو غربية فقط، ولكنها اتفاقية عالمية، موجهة إلى كل دول وشعوب العالم، خاصة بعد أن تحولت الكرة الأرضية إلى قرية بحكم التطور السريع الذي طرأ على أجهزة الاتصال عبر الأقمار الصناعية، مما أدى إلى تصدير هذه الأمراض الاجتماعية ولو بنسب متفاوتة إلى المجتمعات الأخرى بما فيها مجتمعات العالم الإسلامي.

 

أين تقف الشريعة الإسلامية مما نصّت عليه الشرعة الدولية بحق الطفل ؟.

للإجابة على هذا السؤال لا بد من التذكير مجدداً بوجوب رسم خط فاصل بين النص الديني والسلوك الإنساني، أي بين ما تنص عليه الشريعة والوقائع الميدانية. في النص، نلاحظ أن الإسلام أرسى مبادئ شاملة لرعاية الطفولة، تمثلت في الحرص البالغ على تكوين الأسرة الصالحة في ظل الطهر والشرعية، بصفتها الخلية الأساسية للمجتمع المسلم، وحصّنها ضد مزالق الانحراف ومخاطر التمزق، يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وآله:  (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ألا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير). وحرّم الإسلام تحريما قاطعا الإباحية المتفشية في العلاقات بين الرجل والمرأة، حتى لا يبتلي المجتمع المسلم بأطفال غير شرعيين أو مجهولي الأنساب { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً }(44)، وظللت عناية الإسلام الطفل في جميع مراحل وجوده، بدءا بمرحلة الحمل{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {23/12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {23/13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ }(45)، ثم مرحلة الوضع والرضاعة والحضانة. وحفظ له حقوق النفقة والصحة والتربية البدنية والنفسية والتعليم والتربية الملتزمة بالقيم الدينية والأخلاق الرفيعة على الصعيدين الفردي والاجتماعي، سواء فيما بينه وبين نفسه، أو بينه وبين إخوته في المجتمع الواسع أو بينه وبين خالقه جل وعلا، ومن أحاديث النبي صلى الله عليه وآله  قوله: (علّموا أولادكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم). وفي غزوة بدر جرى افتداء بعض الأسرى على أن يعلم الأسير منهم عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة. وحفظ الإسلام للطفل حقه في الميراث منذ تكونه جنيناً في بطن أمه، وفرض للأرحام حرمة وحقوقاً أوجب مراعاتها، كما جاء الإسلام بأول صيحة عرفتها البشرية لإلغاء التمييز بين الذكر والأنثى {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ }(46). ويقول الرسول صلى الله عليه وآله: (من عال بنتاً وجبت له الجنة) ويقول: (خير أولادكم البنات). وحرم الإسلام تحريماً قاطعا العادة الوحشية الظالمة لوأد البنات المستمرة حتى اليوم في الهند مثلا، واستنكر حتى الإحساس بالامتعاض لولادة الأنثى.

كما أن الإسلام أوصى وصاية خاصة بكفالة الطفل اليتيم، ولم يسمح للكفيل أن يسلب الطفل نسبه الشرعي ثمناً لكفالته، بل أصرَّ الإسلام على احتفاظ الطفل بنسبه (ادعوهم لآبائهم)، وحرم التبني الذي من شأنه قطع علاقة الطفل بوالديه مقابل تنشئته، والخلط بين الأنساب، كما أبطل كل ما يترتب على التبني من تبعات مثل الإرث أو حرمة الزواج، فما بني على الباطل فهو باطل، حفظاً للأنساب ونقاء للعلاقات الاجتماعية في إطار من العفة والطهر واستقامة الخلق والسلوك.

لا توجد شريعة كالإسلام، أعلت من قدر الأمومة وقدرتها، وقرنتها بعبادة الله، { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}(47)، وجعلتها سبيلاً إلى الجنة (الجنة تحت أقدام الأمهات) وجعلت بذلك علاقة الطفل بوالديه – وبأمه خاصة – في إطار من الطهر والقداسة ليس لهما نظير فيما سواها من الشرائع، ومن جهة أخرى فقد أكد الإسلام على نحو شديد الوضوح مبدأ مسؤولية الوالدين – خاصة الأب- عن أطفالهما (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).

في ضوء هذه الثوابت الدينية – الأخلاقية التي تقول بِها الشريعة الإسلامية، أبدت 12 دولة إسلامية تحفظات على بعض مواد الشرعة الدولية لحقوق الطفل. فقد رسمت هذه الدول علامات استفهام حول ما ورد في المادة 14 التي تقول: (تحترم الدول الأطراف حق الطفل في حرية الفكر والوجدان والدين). كما رسمت هذه الدول علامات استفهام أخرى حول ما ورد في المادة 16: من أنه (لا يجوز أن يجري أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته). فاعتبرت مالي مثلاً أن هذا النص يتناقض مع قانون العائلة ومع التقاليد الاجتماعية المتأصلة.

وتلاقت أندونيسيا وتركيا وإيران على التحفظ على ما ورد في المادة 17 التي تنص على ضمان حصول الطفل على المعلومات والمواد المعرفية من شتى المصادر الوطنية أو الدولية. وتشجيع وسائل الإعلام على إيلاء عناية خاصة للاحتياجات اللغوية للطفل الذي ينتمي إلى مجموعة من مجموعات الأقليات أو إلى السكان الأصليين.

وتكاد كل الدول الإسلامية تجمع على التحفظ على ما ورد في المادة العشرين لجهة موضوع (تبني الطفل) والتي تقول في الفقرة (ج) أنه (يحق للطفل المتبنى أن يستفيد من ضمانات ومعايير تعادل تلك القائمة فيما يتعلق بالتبني الوطني).

وأبدت دول إسلامية تتعدد فيها الإثنيات تحفظها على ما ورد في الفقرة (ج) من المادة 29 والتي تلزم الدول بالموافقة على(تنمية احترام ذوي الطفل وهويته الثقافية ولغته وقيمه الخاصة، والقيم الوطنية للبلد الذي يعيش فيه الطفل والبلد الذي نشأ فيه في الأصل، والحضارات المختلفة عن حضارته).

وتحفّظت تركيا على المادة 30 التي تقول أنه في الدول التي توجد فيها أقليات إثنية أو دينية أو لغوية أو أشخاص من السكان الأصليين، لا يجوز حرمان الطفل المنتمي لتلك الأقليات أو لأولئك السكان من الحق في أن يتمتع -مع بقية أفراد المجموعة- بثقافته أو (الإجهار بدينه وممارسة شعائره أو استعمال لغته).

بعض الدول الإسلامية مثل إيران وباكستان وموريتانيا وجيبوتي صاغت تحفظاتها بصورة عامة، إذ قالت أنها لا توافق على أي مادة من الاتفاقية تتناقض مع الشريعة الإسلامية. وقد تركت هذه التحفظات انطباعات في المجتمع الدولي قابلة للاستغلال في اتجاه تصوير الشريعة الإسلامية وكأنها لا تحترم حقوق الطفل، أوكأنها غير معنية بقدر كاف بهذه الحقوق.

من أجل ذلك، دعت القمة الإسلامية السادسة التي عقدت في دكار في السنغال في أيلول 1990م إلى تنظيم ندوة فكرية لإعداد وثيقة لتوحيد الموقف الإسلامي من حقوق الطفل. كما أن مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الحادي والعشرين الذي عقد في نيسان 1993م في كراتشي أوصى بعقد هذه الندوة بالتعاون مع منظمة اليونيسيف (صندوق الأمم المتحدة للطفولة).

وفي 28 حزيران 1994م عُقدت الندوة المتخصصة في مقر منظمة المؤتمر الإسلامي في جدة بحضور ممثلين عن 11 دولة إسلامية بالإضافة إلى 15 خبير في شؤون الشريعة الإسلامية والطفولة تم اختيارهم بالتنسيق بين منظمة المؤتمر الإسلامي واليونيسيف. وشاركت في الندوة أيضا هيئات اختصاصية منها منظمة إيسيسكو (المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم) وهيئة الإغاثة الإسلامية التابعة لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، وصندوق الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية، وذلك بصفة مراقب، وقد أقرّت القمة الإسلامية توصيات هذه اللجنة وتبنّتها.

فالتوصيات لم تتنكّر للاتفاقية الدولية. بل عملت على التعريف بوجهة النظر الإسلامية من موضوع حقوق الطفل والتأكيد على القيم الدينية التي تشكل قواعد ومنطلقات لحماية هذه الحقوق والدفاع عنها. وقد جاءت صياغة الوثيقة التي أعدتها الندوة معبرة عن هذا الهدف. فقد ركزت الديباجة الأولى للوثيقة الإسلامية على أن القيم والمبادئ الاجتماعية في الإسلام مصدرها وحي الله. وأن هذه القيم والمبادئ هي التي صاغت الأمة الإسلامية وشكلت أنماط السلوك الاجتماعي فيها. وبينت الوثيقة أن عدم التمسك بهذه القيم بالإضافة إلى ضغوط تاريخية واقتصادية وسياسية قاهرة، هو الذي أدى إلى التقهقر، وإلى تداعي الكيان الأسري وإلى تدني المستوى الثقافي والصحي والاجتماعي. وأكدت على أن العلاج يكون بالعودة إلى القيم السماوية أفراداً ومجتمعات وحكومات وليس بتبني قيم مفروضة من الخارج.

 

خاتمة

في ضوء ما تقدم، كان واضحاً أن هناك موضوعين يشغلان الفكر الإنساني العالمي.

الموضوع الأول: هو التعددية في ضوء العولمة.

الموضوع الثاني: هو حقوق الإنسان في ضوء الاختلافات العقائدية والثقافية.

لقد تعددت المؤتمرات الندوات الدولية حول هذين الموضوعين في العقود القليلة الماضية، وخاصة بعد سقوط الشيوعية.

وفي العالم العربي والإسلامي، يُطرح الموضوعان من زاوية سلبية أحياناً وينظر إليهما من زاوية اتهامية أحياناً أخرى بحجة أن الإسلام لا يقبل التعدد ولا يحترم حقوق الإنسان عامة، وحقوق المرأة وحقق الطفل خاصة. إن هذا الأسلوب في الطرح أدى إلى ردّات فعل تمثّلت في أمرين أساسيين :

الأمر الأول: هو الدفاع العاطفي عن الإسلام من دون أي جهد فكري تأصيلي يذكر وحتى من دون مناقشة علمية للأمور القابلة للالتباس أو لسوء الفهم.

والأمر الثاني: هو محاولة ربط هذا الطرح بما يُعتقد أنه حملة مبرمجة على الإسلام بصفته العدو الجديد الذي يستهدفه الغرب بعد الشيوعية.

وفي الحالتين يوضع الإسلام في موضع الدفاع عن النفس وهو موقف ضعيف من حيث الأساس. إن التأصيل الشرعي لقضية الحقوق في الإسلام بات ضرورة دينية وعلمية وإنسانية أكثر من أي قت مضى. وهو مسؤولية العلماء المسلمين أولاً، وفي الدرجة الأولى.

 

الهوامش:

* كاتب وباحث من لبنان.

1- سورة البقرة، الآية 30.

2- سورة لقمان، الآية 20.

3- سورة إبراهيم، الآيتان 31-34.

4- سورة هود، الآية 61.

5- سورة البقرة، الآية 31.

6- سورة الإسراء، الآية 85.

7- سورة يوسف، الآية 76.

8- سورة التين، الآية 4.

9- سورة التغابن، الآية 3.

10- سورة الإسراء، الآية 70.

11- سورة الإسراء، الآية 40.

12- سورة البقرة، الآيتان 31-33.

13- سورة الروم، الآية 8.

14- سورة الطارق، الآية 4.

15- سورة يونس، الآية 101.

16- سورة الحج، الآية 46.

17- سورة الأعراف، الآية 185.

18- سورة الغاشية، الآيات 16-20.

19- سورة آل عمران، الآية 6.

20- سورة لقمان، الآية 20.

21- سورة الكهف، الآية 29.

22- سورة البقرة، الآية 256.

23- سورة الغاشية، الآيات 20-26.

24- سورة النور، الآية 54.

25- سورة يونس، الآية 99.

26- سورة الإسراء، الآية 33.

27- سورة البقرة، الآيتان 178–179.

28- أحمد موافي، بين المجرم والحدود في الشريعة الإسلامية والقانون، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية 1966م، ص68-69.

29- سورة النساء، الآية 1.

30- سورة الأحزاب، الآية 35.

31- سورة النحل، الآية 97.

32- سورة التوبة، الآية 72.

33- سورة المائدة، الآية 38.

34- سورة النور، الآية 2.

35- سورة التوبة، الآية 68.

36– سورة النساء، الآية 124.

37- سورة آل عمران، الآية 195.

38- سورة النساء، الآية 32.

39- سورة النساء، الآية 7.

40- سورة البقرة، الآية 228.

41- سورة النساء، الآية 34.

42- سورة النساء، الآية 11 والآية 176.

43- سورة الأحزاب، الآية 33.

44- سورة الروم، الآية 21.

45- سورة المؤمنون، الآيات من 12 إلى 14.

46- سورة آل عمران، الآية 195.

47- سورة الإسراء، الآية 23.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً