قراءة منهجية مقارنة في الفلسفة التحليلية وعلم أصول الفقه الإسلامي
د. محمد علي عبد اللهي(*)
مقدمة ــــــ
لا شك أنّ أحد أفعال الإنسان المدهشة ارتباطه اللغوي(1)، والتأمل في حقيقة هذه الظاهرة يثير عدّة أسئلة مهمة، حيث تهدف هذه المقالة للإجابة عن واحدٍ منها، فالإنسان ـ بالإضافة إلى التكلّم الذي لا شك أنه واحد من قدراته ـ يصف كلامه بأوصاف خاصّة؛ فمثلاً عند الحديث عن العناصر والمكوّنات اللغوية التي نستعملها نطلق على «جاء علي» جملة: وعلى «حسن» اسم، و«يتألف المثلث من ثلاثة أضلاع» جملة تحليلية، وكلمتي «إنسان» و «بشر» بأنّهما مترادفان، أو مثلاً جملة: «أخرج يا علي» جملة أمرية، و «كل إنسان فان» جملة عامة وأمثالها، فما هي طبيعة هذه الأوصاف؟ وكيف يمكن إثباتها؟ وما المعيار في صحّتها وسقمها؟ وهل هذه الأوصاف المذكورة تجربية يمكن البرهنة عليها بالمنهج التجريبي أم يبرهن عليها بمنهج آخر؟ وللإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها طرح الفلاسفة التحليليون أبحاثاً مفيدة نشير إلى بعضها في هذه المقالة، وبالرغم من أنّ علماء أصول الفقه لم يبحثوا بشكل مستقل في منهج إثبات المدعيات اللغوية في مباحث الألفاظ من علم الأصول، إلا أن لهم إشارات في طيّ أبحاثهم يمكن على أساسها استنباط منهجهم، وقبل الإجابة عن الأسئلة المذكورة لابد من توضيح نقطة مهمة.
المواصفات والتوضيحات اللغوية ـــــــ
يعتمد كشف منهج إثبات المدّعى في كل علم ـ إلى حدّ كبير ـ على تحديد طبيعة المدعى، وعليه فلابد أن نرى أولاً ما هي المدعيات اللغوية للفلاسفة التحليليين ولعلماء الأصول؟ ثم نبحث حول منهج إثباتها. قال بعض فلاسفة اللغة: إن أغلب ما ندعيه حول اللغة يندرج تحت نمط الأوصاف اللغوية(2) أو التوضيحات اللغوية(3).
يجب أن نميز بين: 1 ـ التكلم. 2 ـ وصف الكلام. 3 ـ توضيح الكلام، بمعنى أنّ نميِِِّز مثلاً بين: 1 ـ «هذة تفاحة». 2 ـ «التفاحة اسم». 3 ـ قاعدة «إن حرف التعريف للمبهم الذي يأتي قبل الاسم المبدوء بحرف مصوّت يستدعي وجود «n» مثل كلمة «an apple»، وأن 2 و 3 هما على الترتيب أوصاف لغوية وتوضيحات لغوية(4).
التكلم: إحدى قدرات الإنسان، أو بالأحرى أحد النشاطات الإنسانية المعقّدة، والذي يعدُّ من نوع المهارات لا المعارف؛ فعندما يتكلّم الإنسان يعرض مهاراته اللغوية ويقوم بأفعال عجيبة، فمثلاً يتكلّم كلاماً ذا معنى أو كلاماً مهملاً (لا معنى له)، ينشئ أو يخبر عن شيء وأمثال ذلك. وقد يكون تحليل هذه الفعاليات اللغوية المذكورة من الناحية البيولوجية أو الظاهرية أمراً سهلاً يسيراً، لكنه ليس كذلك من الناحية المعرفية والمعنائية.
الأوصاف اللغوية ـــــــ
نحن نطلق أوصافاً شتى عند استخدام العناصر والمكوّنات اللغوية أثناء نشاط التكلّم، ومن هذه الأوصاف نقول مثلاً: جملة «ديز فرت وست» جملة مهملة (لا معنى لها) أو أنّ جملة: «أعدك بأن آتي» هي «وعد» وجملة: «كل إنسان فان» جملة عامة، وكلمة «علي» في جملة «جاء علي»، «اسم» أو أن كذا جملة هي «تحليلية» أو «وصفية» وأمثال ذلك، فهذه الأوصاف لها قيمة معرفية وتنتج أسئلة فلسفية مهمة، وأحد هذه الأسئلة الفلسفية هو: ما هو المنهج الذي يحكم إطلاق مثل هكذا أوصاف على العناصر والمكونات اللغوية؟ وكيف لنا إثبات صحتها من سقمها؟
التوضيحات اللغوية ـــــــ
التوضيحات اللغوية مجموعة من الاستدلالات التي تستعمل لشرح وتوضيح الحقائق الموجودة في الأوصاف اللغوية، مثلاً أحد الأوصاف اللغوية أن جملة «أعدك بأن آتي» تحمل «وعداً»، والقاعدة التي تشرح منشأ هكذا ظاهرة لغوية هي «توضيح لغوي».
في هذه المقالة نسعى لمناقشة منهج الإثبات ومعيار إطلاق الأوصاف اللغوية، حيث ما فتأت هذه الأوصاف تعدّ أساساً لأبحاث كثيرة في فلسفة اللغة وكذلك في علم الأصول. ونستعرض أولاً الآراء التي طرحها الفلاسفة التحليليون في خصوص معايير إطلاق الأوصاف اللغوية ومنهج إثباتها، ثم نستعرض آراء علماء الأصول؛ كي تتهيأ الأرضية للتقييم والمقارنة بينها.
معيار إطلاق الأوصاف اللغوية ـــــــ
للإجابة عن هذا السؤال: طبقاً لأيّ معيار نصف قضية «المستطيل له أربعة أضلاع» بأنّها تحليلية مثلاً أو أنّ كلمتي: «إنسان » و«بشر» مترادفتان، ونطلق على جملة «الهواء حار» صفة «تأليفي»؟ طرحت هنا آراء ونظريات مختلفة، نشير هنا إلى بعضها:
1 ـ المعيار المفهومي ـــــــ
بناء على [المعيار المفهومي](5) الذي يعرف أيضاً بالمنهج السقراطي، فإنّ إطلاق واستعمال الكلمات والتعابير اللغوية يكون أولاً مطابقاً لتعريفٍ ابتدائي، ثم إن هذا التعريف والمعنى الابتدائي لابد أن يوضع في مواجهة أمثلة نقضية، ونجري عليه التجربة والاستقراء، فإذا انتقض هذا التعريف الابتدائي في مورد فلابد من رفع اليد عنه وتقديم تعريف آخر ويتحتم الاستمرار بهذا الاختبار إلى حين الحصول على تعريفٍ جامع وبدون نقص.
ولا يحظى هذا المنهج المفهومي بتأييد يذكر في أوساط الفلاسفة التحليليين(6)، بل إنّ أكثرهم يرجّحون المنهج المصداقي؛ لذا سنبحث المنهج المصداقي طبقاً لتفسير «كواين» الذي كان مؤثراً أكثر من غيره في النصف الثاني من القرن العشرين.
2 ـ نظرية «كواين» أو نظرية المعيار المصداقي ـــــــ
أنكر «كواين» ـ المنطقي والفيلسوف المعاصر ـ في مقالته المعروفة «حكمان جزميان تجريبيان» تقسيم القضايا إلى «تحليلية» و«تأليفية»، معتبراً أنه لا يوجد معيار مصداقي(9) لإطلاق وصفي: التحليلي والتأليفي، وكلام «كواين» هذا يتعلّق برأي القائلين بالمعيار المفهومي، ويشير «سيرل»(10) إلى أنّ انتقادات «كواين» حول تقسيم الجمل إلى تحليلية وتأليفية تستبطن مقولة ضمنية، وهي أن تعريفات المفاهيم والأوصاف اللغوية بالاستناد إلى المعايير والإيضاحات غير المصداقية غير صحيح.
وبحسب رأي «كواين»، فإن الأوصاف اللغوية لابد أن تكون على أساس معايير عينية مبنية على سلوك أهل اللغة؛ لأنه لا يمكن تقديم تعريف سابق مقبول ومرض ٍ لمفاهيم من قبيل «التحليلية» «التأليفية» «الترادف» وأمثالها دون استلزام الدور. يقول «كواين»: إنّ شخصاً مثل «كانط» عندما يعرّف معنى كلمة «تحليلي» بأنّها: «القضية التحليلية هي القضية الصادقة بحسب المعنى وبغضّ النظر عن الواقع»، فمن الواضح أنه قد أخذ مفهوم المعنى في تعريفه، وبناء على ذلك فمفهوم المعنى مفروض في التعريف المذكور، لكن ما هو المعنى؟ ما أن نتأمل في باب المعنى حتى ندرك أنّ معنى كلمة أو عبارة لغوية ما ليس إلا الإتيان بعبارات أوضح تكون مترادفة مع تلك الكلمة أو العبارة؛ لذا فمفهوم «التحليلية» متوقف على مفهوم «المعنى» والمعنى متوقف على مفهوم «الترادف»، كذلك مفهوم «الترادف» متوقف أيضاً على «التحليلية» و «المعنى».
بحسب كواين: ما دمنا نسعى لتعريف «الأوصاف اللغوية» على أساس مفهومي مجرّد مرتكز في أذهاننا مسبقاً بدون ملاحظة المصاديق وسلوك المستعملين فإننا سنبتلي بالدور، والطريق الوحيد للخلاص من الدور هو رفع اليد عن التعابير المفهومية وتقديم تعريف مصداقي ما أمكن ذلك. ولما كان «كواين» (11) يرى أننا لا نملك أيّ معيار مصداقي تام للمفاهيم والأوصاف اللغوية فلابد أن نضع هذه المفاهيم جانباً على أنها مجموعة أدوات تعبيرية فلسفية مبهمة وغير مفيدة؛ وبناء على ذلك، فإنّ مقصود كواين من المعيار المصداقي استقراء حالات استعمال توصيف ما أو كلمة ما، وباستقراء حالات الاستعمال هذه يمكن اكتشاف الوجه المشترك الذي ينبني عليه استعمال الكلمة في جميع الحالات وتتخذ بناء عليه معياراً لمعنى الكلمة أو استعمال توصيف ما، وقد يعبر عن نظرية كواين أحياناً بالنظرية «السلوكية» أيضاً. ويجب أن لا يختلط الأمر بين رأي كواين حول المعيار المصداقي واعتقاد القائلين بأصالة التجربة الكلاسيكية والوضعيين المنطقيين حول تحديد معاني الكلمات أو الجمل؛ فبحسب رأي هذين الفريقين فإنّ «الجملة التي لها معنى هي التي يمكن إثباتها أو نفيها بمساعدة التجربة». وفي اعتقاد كواين إنما يصحّ هذا الكلام إذا أمكن اعتبار كلّ جملة مستقلة عن باقي الجمل، وتخضع بمفردها لمحكّ التجربة.
بيد أنّه ـ وطبقاً للمذهب الكلّي(12) لكواين ـ فإنّ هذا غير ممكن، وهذا المذهب أو بعبارة أفضل أحد وجوه المذهب لكواين يدعي أنّ اللغة ليست مجموعة من الجمل المستقلّة والمنفصلة عن بعضها بحيث يمكن تأييد أو إثبات أيّ منها بالتجربة، بل هي شبكة مترابطة فيما بينها تنزع إلى الكلية وتخضع للتجربة في إطارها الجمعي ويقيّم صدق أو كذب الجمل ضمن هذا الإطار، فمثلاً إذا أردنا إثبات الجملة (ألف) بمساعدة التجربة فإننا نؤيّد ضمناً صدق كثير من الجمل الأخرى أيضاً؛ لأنّ التجربة إنّما تؤيد الجملة «ألف» فقط ضمن علاقتها الشبكية بمجموعة واسعة من الاعتقادات والمدّعيات: «جميع معارفنا واعتقاداتنا بدءاً بأكثر الموضوعات الجغرافية والتاريخية صدفةً إلى أعمق القوانين الفيزيائية وحتى الرياضيات البحتة وعلم المنطق.. تشبه ميدان قوى، والتجربة هي المحدّدة لشروطه»(13).
ونستنتج من كلام كواين هنا أنّ الأوصاف اللغوية يجب أن تكون على أساس السلوك المشترك لأهل اللغة بنحو يمكّننا عند إطلاق وصف ٍ لغوي تقديم معيار صوري ومصداقي حصلنا عليه من التجربة، بالمعنى الذي أوضحناه في نظرية المذهب الكلّي.
3 ـ نظرية سيرل أو الشهود اللغوي ـــــــ
كتب سيرل(14) نظريته في الأوصاف اللغوية في ضوء نظرية كواين، وبهدف نقدها وتحليلها، وجدير بالذكر أنّ مقالة كواين «حكمان جزميان تجريبيان» وإنكاره لتقسيم القضية إلى تحليلية وتأليفية، كان له تأثيرات كبيرة على الفلسفة التحليلية، بل يمكن اعتبار ذلك أحد عوامل دخول هذه النهضة الفلسفية إلى العصر الحاضر والمتأخر. وقد دفعت أهمية هذه المقالة الكثير من المفكّرين لتحليلها ونقدها، وذكر “باتنم” في مقالته الرائعة والشيّقة «التحليلية ـ التأليفية»(15) أنّ أغلب الردود على مقال كواين هي أجوبة نقضية؛ لأنهم حاولوا ـ بالاستفادة من الأمثلة النقضية ـ بيان الفرق بين التحليلية والتأليفية، لكن لم يقدّم أيّ منهم تحليلاً لأصل المسألة. وفي اعتقاد «باتنم» إنّ الردّ الوحيد المشتمل على نقطة جديدة والذي استطاع ـ إضافة إلى ذكر المثال النقضي ـ حلّ القضية، هو الردّ المشترك المقدّم من قبل “كريس” و”استراوسن”، في مقال حمل عنوان «دفاعاً عن حكم جزمي»(16).
يعتقد الكاتب أنّ سيرل سعى أيضاً لطرح اعتراض كواين على التمايز بين التحليلية والتأليفية بشكل صحيح وبنحو أوسع، وبعد نقده وتحليله، ذكر تحليله هو. وقد أسمينا نظرية سيرل بـ «الشهود اللغوي»(17) وكان سيرل قد استعمل(18) تعبير «الشهود الممهّد للنظرية»(19) في بيان عقيدته، ويمكن تلخيص نظرية سيرل بالنحو التالي:
الأوصاف اللغوية هي ما يعلم به أهل اللغة بنحو شهودي ويستعملونه وإن لم يملكوا معياراً محدداً للتسمية؛ فمن كانت لغته الأم هي العربية يعلم بدقّة أنّ كلمة «كحال» مرادفة لـ «طبيب عيون» وأنّ كلمة «عين» لها على الأقل معنيان، وأنّ «قطّة» اسم، و «أوكسجين» كلمة لها معنى واضح، وأنّ «مسرحيات شكسبير أفضل من شاعريته» جملة ذات معنى، وجملة «ديز فرت از نهي رام هست» مهملة، وأنّ «القطة على الفراش» جملة، وأمثال ذلك، ومع ذلك فإننا لا نملك المعايير العلمية للترادف والإبهام، وكون الكلمة اسماً والألفاظ ذات معنى أو كونها جملة، وبالإضافة إلى ذلك فإنّ كل معيار من هذه المفاهيم لابد أن يكون متناسباً مع معرفتها وإلا فلابد من رفضها لكونها معياراً غير تام. إذاً فنقطة الشروع بهذا البحث هي أن تعلم هكذا حقائق حول اللغة سواء كانت لدينا قدرة تقديم معايير للأنواع الراجحة من هكذا معارف أم لم تكن(20).
ويتبين من الفقرة التي نقلناها أنّ لنظرية «سيرل» بعدين: إيجابي وسلبي؛ ففي البعد الإيجابي، يعتقد «سيرل» أنّ الأوصاف اللغوية من نوع الواقعيات الشهودية، ولما كانت شهوديةً فإنها ستكون مستغنية عن الملاك. أما البعد السلبي، فهو الاعتقاد بأنّ البحث عن المعيار المصداقي أمر عبثي. والآن ينبغي لسيرل إثبات كلا البعدين في نظريته.
ولإثبات مدّعاه الإيجابي، اعتمد سيرل على نظرية مشهورة في الفلسفة وعلم اللغات، وبحسب هذه النظرية فإنّ التكلّم بلغة يعني القيام بسلوك مقنّن ومعقد. وكنتيجة لهكذا نظرية فإنّ التكلم في الحقيقة هو عرض للمهارات اللغوية. وعندما نتكلّم حول سلوكنا اللغوي وفعالية التكلم فإننا نلجأ إلى أوصاف لغوية، وفي الواقع نحن نصف مهاراتنا اللغوية. وعليه، فالأوصاف اللغوية إنما هي مظاهر لتلك المهارات اللغوية. ويتمكن الإنسان حتى لو لم يكن متعلماً ولا يعرف معنى الأوصاف اللغوية من القيام بأوصاف كالإخبار والإنشاء ويتكلّم بكلام ذي معنى أو كلام مهمل. فالأوصاف اللغوية هي أوصاف للشهود اللغوي، والشهود اللغوي هو تلك المهارات اللغوية التي يتعلّمها أهل اللغة ويستعملونها بنحو طبيعي وشهودي، حتى لو لم يتمكّنوا من تحليل وتعريف أوصافهم اللغوية بدقة؛ فالأوصاف اللغوية ليست قواعد إحصائية ومعطيات تجريبية حاصلة من البحث والاستقراء في السلوك اللغوي للناس. صحيح أنّها كلية، لكن كلّيتها بسبب أنّ توصيف المهارات أمر مقنن. وأن القواعد الحاكمة على السلوك اللغوي للإنسان هي الضامن لكلية هكذا أوصاف.
وربما أمكن تلخيص البعد الإيجابي لنظرية سيرل بهذه النقاط الثلاث:
1 ـ الأوصاف اللغوية توصيف للمهارات التي تصدر من الإنسان عند التكلّم.
2 ـ الأوصاف اللغوية ليست قواعد كلية إحصائية ناشئة من المعطيات التجربية ومشاهدة سلوك أهل اللغة، ومع كونها كلّيةً إلا أنّ كليتها ترتبط بكون تلك الأوصاف توصيفاً للمهارات اللغوية، فيما المهارات اللغوية مقنّنة.
وقد أشار سيرل هنا إلى النظرية السلوكية(21)؛ فبناء لنظرية السلوكيين، تتكوّن الأوصاف اللغوية على أساس التأمل في سلوك أهل اللغة، وأهم شروط إمكان الأوصاف اللغوية هو العلم بسلوك أهل اللغة. ويعتقد سيرل أنّ هذا التحليل للأوصاف اللغوية تحليلٌ نادر؛ لأن الأوصاف اللغوية ليست إخباراً عن سلوك أهل اللغة، فمثلا عندما نقول: «علي» «اسم»، أو أنّ جملة «كل مثلث له ثلاثة أضلاع» جملة تحليلية، فإننا لا نتكلّم عن سلوك أهل اللغة وليست معلوماتنا هذه نتاجاً لتجربة ودراسة في سلوك الآخرين.
3 ـ وعلى الرغم من كون الأوصاف اللغوية توصيفاً للشهود والمهارات اللغوية، لكنّها مع ذلك تقبل الخطأ. ويشرح سيرل هذه النقطة قائلاً: لا يوجد شيء لا يقبل الخطأ في الأوصاف اللغوية؛ بل في شهود المتكلمين قابلية كبيرة للأخطاء، وليس توصيف المهارات الفردية بالأمر السهل دائماً، والقول بأنّ التوصيف يستلزم المهارة في هذه الحالات، لا ينفع في تبسيط المسألة. وهكذا الإشكال الكلي حول التنسيق المعرفي الصحيح المتقدم علينا ومستقل عن كل ما عندنا من التنسيق باق على حاله، وهو إشكال تبديل المعرفة الكيفية(22) [=المهارة] إلى العلم بالحدث(23) [= العلم الإخباري ](24).
وحاصل النقاط المتقدّمة أنّ نظر سيرل يقوم على أنّ الأوصاف اللغوية لا تحتاج إلى ما يسمّى بالمعيار المصداقي والمفهومي سواء في إطلاقها أم إثباتها، بل يكتسب كل شخص ٍ أوصافه اللغوية من التأمل في مهاراته اللغوية فقط. وأخيراً يلخص سيرل نظريته في الأوصاف اللغوية بصراحة قائلاً: «إن هذا الأسلوب، كما أكدتُ ذلك، يعتمد كثيراً على شهود أهل اللغة، وكلّ ما قرأته في فلسفة اللغة إلى هذه اللحظة، حتى في مصنفات أكثر الكتّاب السلوكيين والتجريبيين، كان ـ بهذا النحو ـ مستنداً إلى شهود أهل اللغة. وفي الحقيقة فإنّ فهم كيف يمكن أن يكون الحال غير هذا، أمر صعب؛ لأنّ تلك الضرورة المهمة تكمن في أني لابد لي أن أبرّر ذلك الشهود بأن كلمة «أعزب» تعني «الرجل الذي لم يتزوج»، إذا كانت منطقية، فهي تستلزم تلك الضرورة أيضاً، أن أبرّر شهودي هذا بأنّ مصداقاً خاصّاً من الأعزب معادل بالتمام لمصداق آخر منه، وفي الحقيقة يمكن توجيه هكذا شهود، إلا أنه لا يكون إلا بالاعتماد على غيره من الشهود(25).
كان هذا توضيحاً للجانب الإيجابي من نظرية سيرل، أما الجانب السلبي منها فإنّ سيرل يرى أننا يمكن أن نتفق مع السلوكيين ونقول: إنّ المفاهيم والعبارات اللغوية لابد من إثباتها على أساس المعايير المصداقية، فهذا اعتقاد غير مفيد، لأنه أولا ً: لا وجود للمعيار أو المعايير المصداقية التي يمكن أن تشمل كل الموارد والمصاديق، وثانياً: على فرض إمكان تقديم هكذا معيار، فإنّ كشف صحّته وسقمه وتماميته مبني على معلوماتنا الشهودية.
وكلام «سيرل» هنا في جانبه السلبي ناظر إلى نقد رأي «كواين»؛ فقد ردّ كواين كثيراً من الأوصاف اللغوية لعدم وجود معيار مصداقي. والواقع أن نظرية كواين تكمن في أنّ أيّ توصيف ومفهوم من قبيل: معنى، تحليلي، تأليفي، ترادف، وأمثالها لابد أن تطلق على أساس مصداقي، وإلا فإنها ستكون ناقصة؛ فمثلاً تقسيم الجمل اللغوية إلى تحليلي وتأليفي هو تقسيم ناقص غير صحيح بنظر كواين؛ لأنّ المعيار الذي على أساسه بني التقسيم ليس مصداقياً، بل إنّ هكذا تمايز وجد بناء على تعريفات ذهنية صرفة؛ لذا يمكن أن نجد موارد ومصاديق لا تكون تحليلية ولا تأليفية بحسب المعايير المذكورة.
ويجيب «سيرل» عن إشكال «كواين» قائلاً(26): صحيح أنّ مفاهيم من قبيل التأليفي والتحليلي وأمثالهما ليست بتلك الأدوات الفلسفية المفيدة، إلا أننا عندما نقول: إنّ المعايير المصداقية المذكورة لهذا النوع من المفاهيم غير تامة وناقصة، فإنّ علمنا بنقص هذه المعايير يشير إلى أننا نعلم المراد بمفاهيم «التحليلية» و «التأليفية». يقول سيرل: إن كواين يعترض على التحليلية بقوله: «أنا لا أعرف هل أنّ جملة: كل ما هو أخضر فهو ممتدّ. هل هي جملة تحليلية أم تأليفية؟» وأنّ هذا المثال المذكور مشير جداً. لكنه لا يخبرنا أن مثل «أنا لا أدري أنّ جملة: الكحال طبيب. تحليلية أم لا» وكذلك لا يخبرنا أنّ «أنا لا أدري أنّ جملة: ينزل المطر الآن. تحليلية أم لا» أي أنّ المثال الذي اختاره هو حالة متوسّطة (بين بين). وفي هذا المثال الحالة متوسطة؛ لأنه مثلاً بعض الناس يدعون أن أشياء كالمعطيات الحسية موجودة والتي يمكن أن تكون خضراء، إلا أنهم ينكرون أن يكون للمعطيات الحسية امتداد مكاني. وهذا المثال منتج بالدقة لأنه بين بين.
ولا يمكن تصنيف هذه الجملة بثقة تامة أنها تحليلية أو غير تحليلية. أما تشخيصنا أنّها حالة غريبة فلا يُثبت أننا لا نستطيع الحصول على مفهوم تام من «التحليلية»، بل إنه يثبت عكس ذلك بالضبط؛ وذلك لأنه لو لم يكن لدينا فهم عن المفهوم الذي لابد نشرع به؛ لما تمكنا من إدراك أن مفهوماً ما بين بين في موارده(27). وبناء على رأي سيرل، فإنّ طرح العيار المصداقي لا يحلّ المشكلة أيضاً؛ لأنّ صحّة وسقم أيّ معيار مصداقي يجب أن يقوم على أساس تأمل الشهود الذي عندنا.
لماذا درس علم أصول الفقه الدلالات ومباحث الألفاظ؟ ـــــــ
قبل البحث عن طرق إثبات المدّعيات اللغوية في مباحث الألفاظ عند علماء الأصول، لابد من الإجابة على هذا السؤال: أساساً لماذا يبحث علماء الأصول حول اللغة ومباحث الألفاظ؟ والجواب باختصار: إنّ علم الأصول حسب تعريفه، يضع قواعد وأصول عامة تحت اختيار الفقيه لاستنباط الحكم الشرعي. وأحد المصادر الأصلية لاستنباط الحكم الشرعي بل أهم مصادره هو الدليل اللفظي. ويطلق الدليل اللفظي في علم الأصول على الدليل الذي تتوفر فيه خاصيتان: 1 ـ أن يكون صادراً من منبعٍ موثوق ومعتبر بنحو ما، 2 ـ أن تكون دلالته مبنية على التوافقات اللغوية أو العرف العام لأهل اللغة. وبحسب هذا التعريف، فإنّ الدليل اللفظي عام ويشمل ـ كما أشار إلى ذلك علماء الأصول(28) ـ القول والفعل والتقرير.
ولا ريب أنّ استنباط الحكم الشرعي من الدليل اللفظي إنما يكون ممكناً إذا كان تاماً من جهة الدلالة اللفظية، بالإضافة إلى تمامية الصدور، ويتوقف فهم مفاد الدليل اللفظي والاستفادة منه على العلم بالقواعد والقوانين الحاكمة على اللغة التي تكون في الغالب معنائية وفلسفية. وبناء على ذلك، فلكي يتمكن علماء الأصول من تقديم القواعد والقوانين العامة لاستنباط الحكم الشرعي على أساس الدليل اللفظي لا سبيل لديهم إلا طرح المباحث اللغوية (الألفاظ).
ويتفق الكاتب مع الشهيد الصدر(29) تماماً في أن الفلسفة المتعارفة وعلم اللغة التي في متناول علماء الأصول لو كانت قد تعرّضت لهذه الأبحاث بنحو كافٍٍ لم يفتح علماء الأصول باباً مستقلاً لمباحث الألفاظ ليطرحوا فيه أبحاثاً فلسفية أو ترتبط بعلم اللغة في ماهيتها. وعلى أية حال، فعلماء الأصول أفردوا باباً في كتبهم لمباحث الألفاظ نظراً للفراغ الموجود والحاجة الملحّة لها. وهدفنا هنا أن نرى على أيّ منهج يعتمد علماء الأصول لإثبات مدّعياتهم اللغوية في مباحث الألفاظ؟ صحيح أنهم لم يفتحوا باباً مستقلاً وبحثاً مختصاً تحت عنوان: منهج إثبات المدعيات اللغوية، إلا أنّ هذا لا يعني أنهم لم يتبعواً منهجاً خاصاً لإثبات ذلك.
تقسيم مباحث الألفاظ في علم أصول الفقه وعلاقة ذلك بمنهج إثبات المدّعيات اللغوية ـــــــ
يرتبط كشف إثبات الادعاءات اللغوية في مباحث ألفاظ علم الأصول إلى حدّ كبير بتعيين نوع هذه المباحث. ولقد سعى علماء الأصول كثيراً لكي يقدّموا ـ أولاً ـ ملاكاً يمكن على أساسه تمييز المسائل الأصولية عن غيرها، ويذكروا ـ ثانياً ـ الأبحاث التي يثبت الملاك كونها أصوليةً، وتطرح المسائل التي لا يثبت الملاك أصوليتها كمقدمة في علم الأصول وذلك حسب ترتيبها وطبيعتها.
ولا يتسع بحثنا هنا للموضوع الأول والذي يرتبط بحدود مباحث علم الأصول. أما تعيين المنهج فمن الضروري تعيين نوع مباحث علم الأصول وخاصة مباحث الألفاظ. والغالب أن تقسّم مباحث علم الأصول إلى أربعة أقسام هي:
1 ـ المقدمة، تذكر في مقدمة علم الأصول ـ بعد بيان الروؤس الثمانية ـ عادةً بعض المباحث اللغوية التي لا تدخل ـ بحسب ملاك كون المسألة أصولية ـ في مسائل علم الأصول، إلا أنّ بعض مباحث الألفاظ متوقف عليها، بعض هذه الأبحاث عبارة عن: بحث الوضع، الاستعمال، الصحيح والأعم، والحقيقة الشرعية.
2 ـ مباحث الألفاظ.
3 ـ مباحث الحجج والأمارات.
4 ـ خاتمة في التعادل والتراجيح.
وهذا التقسيم المذكور هو الذي اتبعه علماء الأصول عادةً وإن اختلفت عباراتهم بعض الشيء(30). وملاك هذا التقسيم أنّ محور علم الأصول بحسب التعريف هو الحجّة في الفقه (الدليل الفقهي)، فالدليل الذي يستند إليه الفقيه لا يخرج عن أحد هذه الحالات:
1ـ إما أن يوجب العلم القطعي بالحكم الشرعي، مثل مباحث الاستلزامات العقلية، كبحث مقدمة الواجب وبحث الضد وأمثالها.
2 ـ أن لا يؤدي إلى القطع بالحكم الشرعي بل يقتضي العلم التعبدي به، كمباحث الحجج والأمارات. ويشتمل هذا القسم بذاته على نوعين من الأبحاث:
أ ـ المباحث التي تشكّل صغرى الحجة والدليل الشرعي، كمباحث الألفاظ التي تكون من سنخ الأوصاف اللغوية، أمثال ظهور الأمر في الوجوب وظهور النهي في الحرمة وغيرها.
ب ـ المباحث التي تمهّد للفقيه كبرى الدليل الشرعي، مثل مباحث حجية خبر الواحد، حجية الظواهر، حجية الشهرة وأمثال هذه الأبحاث.
3 ـ الدليل الذي لا هو منشأ للعلم القطعي والوجداني بالدليل الشرعي ولا هو مقتضٍ للعلم التعبدي، بل يعيّن الوظيفة الشرعية للمكلّفين في مقام العمل، مثل أبحاث الأصول العملية الشرعية، كمبحث الاستصحاب والبراءة والاشتغال الشرعي.
4 ـ الدليل الذي يعين الوظيفة العملية العقلية كالبراءة والاحتياط العقليين.
يتبين من هذا التقسيم أنّ أبحاث علم الأصول متنوعة جداً وربما استلزم كل بحث الاستعانة بمنهج خاص، وعلى أية حال، فمقصودنا في هذا المقال هو توضيح المنهج المتبع لإثبات المدعيات في مباحث الألفاظ، وعليه لابد أن نعرف ماهية الأبحاث التي طرحت تحت عنوان «مباحث الألفاظ » في علم الأصول وما هو التصوّر الذي كان عند علماء الأصول عن هذه الأبحاث؟
يمكن القول: إنّ أول الجهود التي بذلها علماء الأصول في مباحث الألفاظ هي التفكيك بين الأبحاث اللغوية الخالصة والأبحاث التفسيرية والتحليلية؛ لأنّ الأبحاث اللغوية الصرفة أبحاث جزئية وخاصة بحيث لو دخلت في استنباط الحكم الشرعي ستكون من العناصر الخاصة لا العناصر العامة في الاجتهاد؛ ولذا يجب ألا تبحث في علم الأصول. وهنا لابد أن نذكّر بأن تصوّر علماء الأصول عن علم اللغة يختلف عن علم اللغة المعاصر، ففي علم اللغة القديم كانت وظيفة عالم اللغة تعداد موارد استعمال الكلمات وإعداد قوائم بالمفردات، أما علم اللغة المعاصر ـ الذي هو في حال تطوّر ـ فينقسم إلى فروع مختلفة ومعقدة، وبعض هذه الفروع وخاصة «المعنائية» يتكفل بأبحاث يصعب جداً تمييزها عن مباحث الألفاظ في علم الأصول والمباحث اللغوية في الفلسفة.
ويرى علماء الأصول ـ بناء على المعيار الذي طرحوه لكون المسألة أصولية ـ أنّ بعض مباحث الألفاظ من مسائل علم الأصول وبعضها من مقدماته. أما في خصوص ماهية هذه الأبحاث فلم يقدّموا تصوراً واضحاً ولم يفتحوا باباً مستقلاً حول منهج إثبات المدعيات اللغوية.
وأعتقد أنّ السيد الشهيد محمد باقر الصدر (1400هـ) ربما يكون الأصولي الوحيد الذي انتبه إلى هذه المسألة، وحاول إلى حدّ ما أن يعين مجال مباحث الألفاظ ويكشف ماهية وحقيقة تلك الأبحاث ومنهج إثبات المدعيات اللغوية. وعليه سنقوم بطرح نظريته وتحليلها في هذا الشأن.
نظرية السيد الصدر حول تقسيم مباحث الألفاظ في علم الأصول ــــــ
يصرّح الشهيد الصدر أن أغلب علماء الأصول قسّموا مباحث الألفاظ إلى مجموعتين: 1 ـ المباحث التي تعتبر ـ بحسب معيار كون المسألة أصولية ـ من مسائل علم الأصول، كأبحاث المشتق والمعنى الحرفي ومعنى الهيئات وأمثالها. 2 ـ المباحث اللغوية التي لا تعتبر من علم الأصول، إلا أنّ فهم بعض المسائل الأصولية متوقف عليها، مثل أبحاث الوضع والمعنى الحقيقي والمجازي والاستعمال والصحيح والأعم وأمثالها.
كان علماء الأصول قد طرحوا المجموعة الثانية بوصفها مقدمة وبصورةٍ متفرقة، لكنّ الصدر يعتقد(31) أنه يمكن توضيح هذه الأبحاث التمهيدية بحيث تتضح نسبة بعضها إلى بعض، وبالقياس إلى عامة مباحث الألفاظ.
إنّ جميع الأبحاث التي ذكرها علماء الأصول في مقدمة مباحث الألفاظ ترتبط بنحو ما باللفظ وإفادة المعنى ولها ارتباط فيما بينها، لأنّا إذا لاحظنا بدقة رابطة اللفظ والمعنى من حيث إفادة الألفاظ للمعنى نجد أنّ لهذه الرابطة طرفين:
1 ـ السامع الذي ينتقل ذهنه بمجرد الإتيان باللفظ إلى معناه (الدلالة).
2 ـ المتكلم الذي يستعمل اللفظ لإفادة المعنى (الاستعمال).
والجانب الأول، أي الدلالة له قسمان: أ ـ الدلالة الناشئة من الوضع وجعل لفظ خاص بإزاء معنى خاص، وهو ما يسمّى بالمعنى الحقيقي. ب ـ الدلالة التي لا تنشأ من الوضع، وهو المسمّى بالمعنى المجازي.
وبحث الحقيقة والمجاز أيضاً تارة ناظر إلى مقام الثبوت، يعني البحث عن منشأ إيجاد المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، وأخرى ناظر إلى مقام الإثبات مثل البحث عن علامات الحقيقة والمجاز، والبحث أحياناً عن مصاديق المعنى الحقيقي والمجازي. فبناء على ذلك تقسّم المباحث التمهيدية للألفاظ ـ بحسب رأي الشهيد الصدر ـ إلى أربعة أقسام:
1 ـ دلالة الألفاظ على المعنى الحقيقي والمجازي بحسب مقام الثبوت، كمباحث الوضع، تشخيص الواضع، أقسام الوضع، تعيين ماهية الدلالة الناشئة من الوضع والربط ونسبته لقصد المتكلم، إمكان وعدم إمكان الاشتراك اللفظي.
2 ـ الاستعمال، شروطه، مقوّماته ومصاديقه.
3 ـ علامات الحقيقة والمجاز.
4 ـ مصاديق المعنى الحقيقي، كالحقيقة الشرعية وبحث الصحيح والأعم.
وبحسب تحليل السيد الصدر، فإنّ هذه الأبحاث ترتبط بعالم اللفظ وتتبع نظماً وانسجاماً منطقياً، وعليه فلا وجه لفصلها عن بقية مبحث الألفاظ.
وتقسّم مباحث الألفاظ في علم الأصول بصورة عامة عند الصدر إلى قسمين: أ ـ بحوث لغوية (علم اللغة). ب ـ بحوث تحليلية (فلسفية). ويعتقد الصدر أنّ الأبحاث اللغوية، وإن كانت تدخل في مجال (علم اللغة)، إلا أنّ علماء الأصول لم يكتفوا في كثير من الموارد بطرحها كما يعدّد علماء اللغة موارد استعمال الكلمات فقط، بل كانوا يخوضون في تفسير وشرح نحو دلالتها. ولهذا السبب يمكن القول: إنّ المباحث اللغوية التي تطرح في علم الأصول على نوعين: 1 ـ مباحث اكتشافية. 2 ـ مباحث تفسيرية.
والمقصود بالمباحث الاكتشافية تلك الأبحاث التي يكون المعنى والمدلول العرفي لكلمة أو تعبير لغوي معين فيها غير واضح. ففي هكذا موارد يرى الشهيد الصدر(32) أنّ روح الجهد الذي يقوم به الأصولي لا يختلف عما يقوم به عالم اللغة. فمثلاً يبحث علماء الأصول أن هيئة الأمر ظاهرة في الوجوب، وما يخطر في ذهن السامع العرفي من هيئة جملة «دافع عن الوطن» هو أن الدفاع عن الوطن لابد أن يتحقق ويجب أن لا يتركه المخاطب، في هكذا بحوث يكتشف معنى الجملة أو الهيئة اللغوية من تبادر أهل اللغة.
وقد استفاد علماء الأصول في المباحث الاكتشافية من منهجين لإثبات مدعياتهم: أ ـ التبادر. ب ـ البرهان. أمّا التبادر أو انسباق المعنى إلى ذهن أهل اللغة عند سماع كلمة أو تعبير لغوي، فهو علامة أن المعنى الحقيقي لهذه الكلمة أو التعبير اللغوي هو ذلك المعنى الذي انتقل إلى الذهن. ومنشأ هذا التبادر هو أيضاً ذلك الشهود اللغوي وارتكازات أهل اللغة. أما الاستفادة من البرهان لتعيين المعنى العرفي كما شرحه الشهيد الصدر فهو بهذين النحوين:
1ـ فيما إذا كان المعنى الحقيقي لكلمة أو تركيب لغوي مردّد بين أمرين أو أكثر فإنّ نفي أحد المعنيين أو أكثر بواسطة البرهان يمكن أن يعيّن المعنى الحقيقي. وفي تلك الحالة يكون البرهان منهجاً سلبياً لتعيين المعنى الموضوع له، ومن الواضح أنّ البرهان هنا لا يعيّن المعنى مباشرةً بل إنّ لازم إقامة البرهان تعيين المعنى، مثلاً في بحث الصحيح والأعم، الذي يراه الصدر من البحوث الاكتشافية، يكون المقصود الأولي هو الإجابة عن أنّ الألفاظ التي يستعملها الناس في ارتباطاتهم الكلامية ويرتبون عليها الآثار كالألفاظ التي يستعملونها في المعاملات والعبادات هل وضعت للصحيح أو الفاسد أو الأعم منهما؟ في هذا المورد إذا تمكّنا بالبرهان أن نثبت أنّ وضع اللفظ لخصوص الصحيح أو الأعم غير ممكن، يثبت الوضع للطرف المقابل بالملازمة.
2 ـ موارد تطبيق كبرى مقدّمات الحكمة على صغرياتها؛ فقد طرح علماء الأصول في باب الإطلاق والتقييد بحثَ مقدمات الحكمة وقالوا: إنّ العاقل إذا تمكّن من أخذ الخصوصيات في كلامه وكان في مقام بيان تمام مقصوده، وقال في ذلك الحال: «أكرم العالم» ولم يأت بأيّ قيد في كلامه، ففي هذه الحال يكون كلامه مطلقاً بالنسبة إلى جميع الخصوصيات والقيود. وهذه المسألة كبرى كلّية مسلمة، إلا أنّ تطبيق هذه الكبرى الكلية على المصاديق يواجه أحياناً صعوبة، بحيث إنّ أهل اللغة والعرف لا يفهمون إطلاق الكلام. وفي هذه الحالة يمكن تطبيق مقدمات الحكمة بواسطة البرهان فبالنتيجة يتعيّن المعنى.
أما الأبحاث التفسيرية، فتوجد بحوث ليس المقصود منها كشف المعنى أو المدلول المتعارف لكلمة أو تعبير لغوي، بل المفروض أنّ المعنى معيّن وواضح، والترديد في التفسير الواقعي لمدلول الكلمة، فمثلاً بحث دلالة صيغة الأمر على الوجوب مادام مختصاً بأصل دلالة الصيغة على الوجوب، بحث كشفي. وقد اعتاد علماء الأصول على إثبات ظهور صيغة الأمر بالوجوب استناداً إلى التبادر. أما الآن، وكما أوضح الصدر (33)، فإنّ ذلك البحث مفروغ منه، وإنما الكلام في تفسير دلالة صيغة الأمر على الوجوب وبيان أنّ منشأ هذه الدلالة هل هو حكم العقل والعقلاء أم الوضع أم مقدّمات الحكمة؟
يعتقد الشهيد الصدر(34) أنّ المنهج المتبع لإثبات المدعيات في المباحث التفسيرية هو نفس المنهج المتبع في تفسير الظواهر في العلوم الطبيعية. ويتألف هذا المنهج من مرحلتين: في المرحلة الأولى، لابد أن نجمع كل موارد استعمال الكلمة أو التعبير اللغوي الذي نختاره في عرف أهل اللغة، وفي المرحلة الثانية، تقدم نظرية حول المعنى تصدق في جميع الموارد بدون نقض. ويرى الشهيد الصدر(35) أن أغلب الأبحاث اللغوية التي تطرح في علم الأصول من نوع الأبحاث التفسيرية. ويختلف منهج عالم الأصول واتجاهه من الأصل عن اتجاه عالم اللغة. ولم يصرح الصدر بشيء حول منهج إثبات المدعيات في المباحث التحليلية والفلسفية، بل يكتفي بذكر أن مقصود علماء الأصول وهدفهم توضيح الاختلاف بين المعاني الاستقلالية والمعاني الربطية، وتعيين خصائص كلّ منها.
مناقشة نظرية السيد الصدر ـــــــ
لابد من الالتفات إلى بعض النقاط في نظرية الصدر:
1 ـ لم يبحث الصدر حول منهج إثبات المدعيات اللغوية وترك المسألة مبهمة.
2 ـ ادعى ـ بشكل عام ـ أن منهج إثبات المدعيات اللغوية في البحوث التفسيرية(36) هو المنهج الاستقرائي أو المنهج المصداقي المتبع في العلوم الطبيعية. لكنه نقض ادعاءه الكلّي هذا وقال في بحث آخر(37 ) ـ وعند الحديث عن الاستفادة من البرهان في المباحث اللفظية ـ: إننا أحياناً قد نلجأ إلى البرهان لتعيين خصوصيات معنى ومدلول عبارة لغوية، وكان المثال الذي ذكره هو نفس المثال الذي أتى به في محل آخر ضمن المباحث التفسيرية، وعلى أية حال فالصدر قد اعتبر البرهان في بعض عباراته مختصاً بالمباحث الاستكشافية، وفي محل آخر اعتقد بجريانه في المباحث التفسيرية.
3 ـ هل التقسيم الذي ذكره الصدر لمباحث الألفاظ في علم الأصول تقسيم جامع؟ لا شك أنّ نظرية الصدر حول منهج إثبات المدعيات اللغوية قائم على نظريته في تقسيم مباحث الألفاظ في علم الأصول؛ فعلى أساس تقسيمه تقسّم المباحث اللفظية بصورة عامة إلى قسمين ـ سواء الأبحاث الأصولية أو التي تعدّ مقدّمةً كما أوضحنا ـ: 1 ـ المباحث التحليلية والفلسفية. 2 ـ مباحث علم اللغة. وتقسم مباحث علم اللغة بدورها إلى قسمين: 1 ـ المباحث الاكتشافية. 2 ـ المباحث التفسيرية. وبحسب تفسير الشهيد الصدر، فإنّ المباحث الاكتشافية بلحاظ النطاق وبلحاظ المنهج أيضاً هي مباحث علم اللغة، أما المباحث التفسيرية فهي وإن كانت مرتبطة بمجال علم اللغة إلا أنها مختلفة من حيث المنهج، فما استعمله علماء الأصول يختلف عن منهج علماء اللغة.
وما ينبغي ذكره في خصوص هذا التقسيم، أنه عند التأمل يمكن إدراك أنّ المباحث التفسيرية في علم الأصول لا تندرج ـ البتة ـ في مجال بحوث علم اللغة؛ لأنه كما نعلم فإنّ علم اللغة يقسّم إلى ثلاثة مجالات مختلفة: أ ـ النحو. ب ـ الفونيمات [phonemic]. ج ـ المعنائية (علم دلالات الألفاظ وتطورها) [semantics ]. ولا شك أنّ المباحث التفسيرية لعلم الأصول مثل بحث منشأ دلالة صيغة الأمر على الوجوب، لا ترتبط بمجالات النحو والفونيمات. والنطاق الوحيد من علم اللغة الذي يظن تكفّله للبحوث التفسيرية هو المعنائية. والمعنائية ـ بحسب التعريف (38) ـ دراسة شبكة العلاقات التي بين شكل اللغة وظواهر العالم الخارجي والمفاهيم الذهنية، وهذا التعريف مقبول من أغلب علماء اللغة. ودراسة المعنى التي هي الوظيفة الأساسية للمعنائية، كانت منذ قديم الأيام محبّذة للفلاسفة والمناطقة أيضاً، بل إنّ المعنائية لها ثلاثة فروع: فلسفية، منطقية، لغوية(39)، ومن الصعوبة تعيين الحدود الدقيقة لكلّ واحدة من هذه المجالات، ويمكن أن تجد التداخل واشتراك الأبحاث في دراسات اللغويين والفلاسفة والمناطقة. أما في المعنائية اللغوية فإنّ التأكيد الأكثر يكون على اللغة نفسها من جهة تحديد كيف يمكن للإنسان أن يدرك المعنى بواسطة اللغة؟ أما البحوث التفسيرية والتحليلية كالاشتراك والترادف والمعنى الحرفي و.. فترتبط بالمعنائية الفلسفية التي هي فرع من فلسفة اللغة(40).
وبحسب التحليل المذكور، فإنّ مباحث ألفاظ علم الأصول تقسّم إلى مجموعتين: 1 ـ المباحث الفلسفية التي لها شأن تحليلي وتفسيري. 2 ـ المباحث اللغوية التي لها بُعد اكتشافي صرف.
والآن وقد أوضحنا نوع مباحث ألفاظ علم الأصول إلى حدّ ما، لابد أن نبحث عن منهج إثبات المدعيات اللغوية.
منهج إثبات المدعيات اللغوية في أصول الفقه ـــــــ
يثبت علماء الأصول الادعاءات والأوصاف اللغوية في تلك المجموعة من مباحث الألفاظ التي تهدف إلى كشف المعنى والمدلول العرفي ـ بنحو أساسي ـ بمنهج التبادر وبالمنهج الاستدلالي والبرهاني أحياناً، ويقصد بهذه المناهج ما يلي:
1 ـ التبادر، قلّما يوجد بحث اكتشافي في علم الأصول لم يتمسّك فيه بالتبادر لإثبات ادعاء أو نفي، لاحظوا مثلاً هذه الموارد:
أ ـ تدل مادة الأمر وهيئته بحكم التبادر والعرف العام على الوجوب(41).
ب ـ اعتبار العلو في معنى مادة الأمر بدليل تبادر العلو والاستعلاء منها(42).
ج ـ تدلّ الجملة الشرطية على المفهوم؛ لأن المتبادر منها أنّ الشرط علة منحصرة للجزاء.
د ـ إن لفظ المشتق موضوع للذات المتلبّسة بالمبدأ؛ لأنّ المتبادر من المشتقات والارتكاز العرفي والعقلائي هو خصوص المتلبس(43).
هـ ـ التبادر أحد أدلة القائلين بان الألفاظ وضعت للصحيح، لا للأعم ولا للفاسد(44).
وليس من الصعب وجدان الموارد المتعدّدة والكثيرة الأخرى التي استند فيها علماء الأصول إلى التبادر في المباحث اللغوية. لكن الذي ينبغي التأمل والدقة فيه أكثر هو أنّ علماء الأصول ماذا أرادوا بالتبادر؟ فقد جاء في تعريفه: «التبادر حالة وجدانية تحصل في النفس وهذه الحالة الوجدانية هي انسباق المعنى (من اللفظ) إلى الذهن بدون حاجة إلى التأمل والتعمّق»(45).
لقد استند علماء الأصول في كثير من الأحيان إلى التبادر، إلا أنهم لم يبحثوا عنه بصورة مستقلة إلا في موضعين: 1ـ في بحث تحديد علامات الحقيقة والمجاز. 2 ـ في بحث إثبات الظهور.
وكان الشهيد الصدر قد ذكر(46) ـ محقاً ـ أن بحث الحقيقة والمجاز الذي يطرح بعد بحث الوضع في مباحث الألفاظ، له ارتباط وثيق ببحث إثبات الظهور؛ لأنّ بحث الوضع مقدّمة لبحث الظهور. وعلى كل تقدير، فإننا سنذكر بحث التبادر في باب الوضع والتبادر في باب الظهور بنحو مستقل؛ لغرض إيضاح المسألة والتمهيد للتقييم والمقارنة بين آراء علماء الأصول في التبادر وبين ما ذكره الفلاسفة التحليليون حول ملاك إطلاق الأوصاف اللغوية.
التبادر، دراسة تطبيقية مقارنة بين أصول الفقه والفلسفة التحليلية ـــــــ
أ ـ التبادر في باب الوضع ـــــــ
تعتبر دلالة الألفاظ على المعاني أمراً وضعياً توافقياً. ويعبّر علماء الأصول عن الدلالة المستندة إلى الوضع بالدلالة الحقيقية، في مقابل الدلالة المجازية التي هي أيضاً دلالة اللفظ على المعنى، إلا أنها لا على أساس الوضع بل استناد إلى القرينة؛ لأنه مع وجود القرينة لا يمكن حمل اللفظ على معناه الحقيقي؛ ولذا تكون دلالة اللفظ على المعنى المجازي في طول دلالته على المعنى الحقيقي؛ لأنّ المعنى المجازي يستلزم دائماً وجود معنى حقيقي دون العكس. وقد بحث علماء الأصول جهتين في مسألة الحقيقة والمجاز:
1 ـ ثبوتية: حيث بحثوا حول منشأ المعنى الحقيقي وكيفية دلالة اللفظ على المعنى الحقيقي والمجازي، وطرحت مسائل من قبيل مسألة الوضع، تشخيص الواضع، أقسام الوضع وعدم تبعية الدلالة الوضعية لقصد المتكلّم.
2 ـ إثباتية: والبحث فيها ناظر إلى أنه كيف يمكن تحديد المعنى الحقيقي للفظ من المعنى المجازي؟
وفي الجواب عن السؤال المذكور، قيل: إنّ أحد طرق كشف المعنى الحقيقي بل أهمها هو التبادر، بمعنى أنّ انسباق المعنى إلى الذهن من اللفظ بنحو آني كاشف عن الوضع. وبحسب هذا الادعاء، يمكن اكتشاف المعنى الحقيقي لكلمة أو عبارة لغوية بمنهج التبادر. وقد أثبت علماء الأصول هذا الادعاء بالطريق التالي: إن منشأ تبادر المعنى من اللفظ يحتمل أحد ثلاثة أمور: أ ـ الرابطة الذاتية بين اللفظ والمعنى. ب ـ وجود قرينة في كلام القائل. ج ـ وضع اللفظ للمعنى. والاحتمال الأول منتف يقيناً؛ لأن الرابطة بين اللفظ والمعنى لو كانت ذاتية سوف لن يكون هناك معنى لتعليم اللغة وتعلّمها. والاحتمال الثاني أيضاً خلاف الفرض؛ لأن الفرض هو خلوّ الكلام من القرينة الخاصة، والنتيجة إنّ الاحتمال الثالث هو الاحتمال القطعي. وعليه كلّما تبادر معنى من اللفظ بدون قرينة اكتشفنا بالمنهج الإنّي أن ذلك هو المعنى الحقيقي للفظ ومستند إلى الوضع.
وبناء على ذلك، فلكي يكون التبادر كاشفاً عن الوضع لابد من توفّر شرطين على الأقل:
1 ـ أن يكون التبادر مستنداً إلى حاقّ اللفظ، أي أن لا يكون المعنى المتبادر مستنداً إلى القرائن الحالية والمقامية.
2 ـ أن يكون التبادر تبادر العرف العام وأهل اللغة؛ فتبادر المعنى من اللفظ لفرد خاص لا يكشف عن المعنى الحقيقي؛ لأنّ هكذا تبادر يمكن أن يستند إلى علل وأسباب أخرى غير الوضع، من قبيل الميول الشخصية، التعليم والتربية الخاصة. وبحسب هذا التحليل فإذا تحقّق الشرطان المذكوران، وتبادر معنى إلى الذهن من لفظ يتضح أنّ اللفظ موضوع للمعنى المتبادر.
وفي خصوص التبادر الكاشف عن الوضع لابد من الالتفات إلى نقطتين مهمتين:
1 ـ التبادر بحسب التعريف أمر شخصي وفردي، ففي هذه الحالة كيف يمكن أن نعرف أن تبادر معنى من لفظ تبادر عمومي ولكل أهل اللغة؟
والجواب: إن تبادر المعنى من اللفظ إلى ذهن شخص يمكن أن يكون له أحد منشأين: أ ـ استناد التبادر إلى قرينة خاصة. ب ـ استناد التبادر إلى الميول والتربية والتعليم والثقافة الشخصية للسامع. ولا طريق لنفي الاحتمال الأول غير التفحص والبحث؛ فإذا ثبت وجود القرينة بعد البحث، ينتفي الشرط الأول للتبادر، ولا يمكن أن يعدّ هكذا تبادر علامةً للحقيقة، ومادام الاحتمال الثاني (ب) موجوداً فلا يمكن أن يكون هكذا تبادر علامةً للحقيقة، ولنفي هذا الاحتمال عقلاً يتمسّك أهل اللغة بأصل عقلائي هو أصل التطابق بين الظهور الشخصي والظهور النوعي. وطبق هذا الأصل، فإنّ تبادر وفهم فرد من أهل اللغة علامة على أنّ المعنى المتبادر معنى نوعي وعام للفظ. وسنتكلم حول هذه المسألة أكثر في تبادر باب الظهور.
2 ـ إذا كان التبادر علامةً للوضع وكاشفاً عن المعنى الحقيقي يلزم الدور؛ لأنه ما لم يكن لدينا علم بالوضع لا يتبادر المعنى إلى الذهن، فإذا أريد للتبادر أن يكون علامةً للوضع ومنشأ للعلم به استلزم الدور.
ومن الحلول المقترحة لحلّ الدور يزداد تصوّرنا عن التبادر ومنشئه. وتجنّباً للإطالة نكتفي بالإشارة إلى حلَّين:
أ ـ حلّ المحقق الخراساني: العلم التفصيلي بالموضوع له متوقف على التبادر، والتبادر متوقف على العلم الإجمالي (الارتكازي) لا العلم التفصيلي بالوضع. وهذا الأمر إذا كان المراد تبادر المستعلم، أما إذا كان المقصود تبادر أهل المحاورة فالتغاير في تلك الصورة واضح(47).
وبناء على رأي الخراساني صحيح أنّ العلم التفصيلي بما وضع له اللفظ متوقّف على التبادر، إلا أنّ التبادر متوقف على العلم الإجمالي الارتكازي، والمقصود بهذا العلم هو العلم البسيط بالكلمات والأوصاف اللغوية الذي عند أهل كلّ لغة، وعليه فالعلم التفصيلي الناشئ من التبادر علم مركّب، يعني أن الفرد يعلم بالتبادر بالوضع ويعلم أنه يعلم به، وهذا العلم التفصيلي في طول العلم الارتكازي حيث يعلم الفرد بمعنى الكلمة فقط ويستعملها، وإن لم يلتفت إلى علمه هذا.
ويطرح حلّ المحقق الخراساني، مسألة العلم الارتكازي ويهيؤ مناخ التقييم والمقارنة مع نظرية الشهود اللغوي في الفلسفة التحليلية.
ب ـ حلّ الشهيد الصدر: وقد قدّم حلاً آخر له أهمية كبيرة من الناحية المعرفية؛ إذ يرى الصدر(48) ـ طبقاً لنظريّته الخاصّة في حقيقة الوضع ـ أن التبادر لا يتوقف على العلم بالوضع؛ ولذا فإنّ كاشفية التبادر عن الوضع لا تستلزم الدور. فالصدر يعتقد أن منشأ انتقال الذهن من تصوّر اللفظ إلى تصور المعنى هو القرن الشديد والأكيد الحاصل ـ ولأسباب مختلفة ـ بين تصوّر اللفظ وتصور المعنى، ووضع اللفظ للمعنى هو أحد طرق حصول هذا الاقتران، وهذا القرن الأكيد بين اللفظ والمعنى هو سبب حصول ملازمة وتداعي بين اللفظ والمعنى، وهذا القرن الأكيد أمر واقعي وليس وضعياً وتوافقياً، وتبادر المعنى من اللفظ معلول لتلك الملازمة والتداعي، إذاً فلا يتوقف التبادر على العلم بالوضع، بل يتوقف على الملازمة والتداعي الذي حصل بين اللفظ والمعنى. وبناءً على تحليل الصدر فإنّ لدينا ثلاث مراحل متتالية في طول بعضها بعضاً:
المرحلة الأولى: القرن الأكيد بين أمرين، فإنّ القرن ممكن أن يحصل بسبب الوضع أو العوامل الأخرى من قبيل كثرة الاستعمال وأمثاله.
المرحلة الثانية: الملازمة والتداعي بين تصوّر اللفظ وتصور المعنى وتحدث هذه المرحلة بعد مرحلة القرن الأكيد.
المرحلة الثالثة: تبادر المعنى من اللفظ وانتقال الذهن من اللفظ إلى المعنى.
وبناء على ذلك، فإنّ تبادر المعنى إلى الذهن غير متوقف على العلم بالوضع، وعليه، فإنّ الطفل يمكن أن يحصل عنده تبادر برغم أنه لا علم له بالملازمة ولا بالوضع وأمثاله. ففي هذه الحالة، حتى إذا لم يكن الفرد عارفاً بالملازمة يحصل له تبادر؛ لأن الملازمة حاصلة بسبب القرن الأكيد وهي منشأ التبادر وانتقال الذهن من اللفظ إلى المعنى.
فما تقدم يشير إلى أنّ التبادر أحد المناهج المهمة في تعيين المعنى الحقيقي للكلمات والتعابير اللغوية. أما علماء الأصول فقد استفادوا من التبادر بوصفه أسلوباً في مجال إثبات الظهور أيضاً، فهل أنّ التبادر في باب الظهور يختلف عنه في باب الوضع؟
ب ـ التبادر في باب الظهور ـــــــ
يعدّ بحث الظهور اللفظي من الأبحاث المهمة في علم الأصول، والمقصود من الظهور اللفظي، ظهور اللفظ في أقرب وأقوى معانيه. وتزداد أهمية مسألة الظهور اللفظي عندما يكون للفظ واحد أكثر من معنى في طول بعضها، كما لو كان للفظ معنى حقيقي ومعنى مجازي أيضاً، ففي هذه الحال يمكن أن يكون لظهور اللفظ في معنى مبنى لارتباط لغوي.
وقد بحث علماء الأصول جهتين في باب الظهور: أ ـ صغروياً، وهذا البحث ناظر إلى تعيين وتحديد الظهور اللفظي، أي تعيين ظهور الألفاظ أو التعابير اللغوية في معنى معيّن مما يمكن أن يكون له أثر في استنباط الحكم الشرعي، كتعيين ظهور الأمر في الوجوب أو ظهور النهي في الحرمة أو ظهور الجملة الشرطية في المفهوم و.. ب ـ كبروياً، والبحث الكبروي في الحقيقة يجاب فيه عن أنه على فرض تعيين الظهور هل يمكن للظهور أن يكون أساساً لفهم وتفسير الكلام أم لا؟ وبتعبير علماء الأصول هل الظهور حجّة أم لا؟ والبحث الكبروي غير مقصود في هذه المقالة. والمهم في بحث الظهور من حيث موضوع هذه المقالة هو البحث الصغروي؛ لأن علماء الأصول قالوا: إنّ أحد طرق تعيين الظهور هو التبادر؛ فما معنى التبادر في باب الظهور؟ وبماذا يختلف التبادر عن الظهور؟
يستلزم الجواب عن الأسئلة المذكورة الالتفات إلى أنّ كلّ كلام له نوعان من الظهور:
1 ـ الظهور التصوري: وهو ظهور اللفظ في المعنى الذي يتبادر إلى الذهن عند سماع اللفظ. ومنشأ هكذا ظهور هو الوضع وعلم السامع بالوضع، ولا ينفك الظهور التصوري عن اللفظ بحال؛ لأنه لا أثر لقصد المتكلم فيه. فإذا كان السامع عالماً بوضع اللفظ لمعنى خاصّ انتقل ذهنه من سماع اللفظ إلى المعنى وإن صدر اللفظ من إنسان قاصد. وبحسب هذا البيان فإنّ الظهور التصوري لا يكون من سنخ الكشف.
2 ـ الظهور التصديقي: وهو ظهور اللفظ في المعنى المقصود للمتكلم، ولا يكفي العلم بالوضع بمفرده لكشف الظهور التصديقي وكشف قصد المتكلم، بل هو منوط بحال المتكلم، وموضوع الأصل العقلائي (أصالة الظهور) في بحث الظهور، هو الظهور التصديقي لا الظهور التصوري. وطبعاً للظهور التصديقي مرحلتان طوليتان:
أ ـ الظهور التصديقي الاستعمالي: ويعني ظهور كلام المتكلم بأنه قصد بالكلام الذي أتى به إيجاد وإخطار المدلول التصوري في ذهن المخاطب. فالظهور الاستعمالي إنما يتحقق فيما إذا كان للجملة ـ أولاً ـ مدلول تصوري، وقصد المتكلّم ـ ثانياً ـ هذا المدلول.
ب ـ الظهور التصديقي الجدي: وهو ظهور كلام المتكلّم في أنه قاصد لكلامه قصداً جدياً، ولا يقصد الهزل والاختبار. ويقع الظهور التصديقي الجدي في طول الظهور التصديقي الاستعمالي وأخصّ منه؛ لأنّ الظهور التصديقي الاستعمالي محفوظ وإن قصد المتكلم الهزل والمزاح أيضاً، خلافاً للظهور التصديقي الجدّي.
وموضوع الظهور اللفظي هو مرحلة الدلالة والظهور التصديقي؛ لأن أصالة الظهور أصل عقلائي يستعمل لكشف المراد الجدي للمتكلم في الارتباط اللغوي. وعلى أية حال، فالمراحل الثلاث للظهور في طول بعضها، بمعنى أنّ الظهور التصوري حيثية تعليلية لتكوين وإيجاد الظهور التصديقي، ولأجل أن يكون الظهور التصديقي كاشفاً عن مراد المتكلم لابد أن تكون الدلالة التصورية موجودة في مرحلة سابقة، ثم تحرز المطابقة بين الظهور التصديقي الاستعمالي والظهور التصوري لكي يتحقّق موضوع الظهور التصديقي. وعليه فإذا ثبت الظهور التصديقي كشف عن مراد المتكلم. وفي مرحلة الظهور التصوري وبتعبير فلاسفة اللغة، في مرحلة المعنى والمدلول المعنائي، لا أثر لكشف المراد وقصد المتكلم بل يكفي مجرد الوضع والتوافق. أما في مرحلة الظهور التصديقي فإنّ كشف قصد المتكلم هو الملاك والمعيار؛ لذا قال علماء الأصول: يجب أن لا تكون هناك قرينة على الخلاف في هذه المرحلة، وإذا شككنا في الظهور التصديقي فإنّ التبادر هو أحد طرق إثباته.
ولا يختلف التبادر في باب الظهور عنه في باب الوضع من حيث الحقيقة والماهية، واختلافه إنّما هو في النتيجة والغاية التي تحمل عليه؛ فيستعمل التبادر في باب الوضع لإثبات الوضع والمعنى الحقيقي، بينما يستعمل في باب الظهور لإثبات قصد المتكلم. وواضح أنّ تبادر الظهور الكاشف عن قصد المتكلم في طول تبادر باب الوضع الذي يثبت المعنى الحقيقي؛ لأن ظهور الكلام في قصده الجدي مبني على أنّ السامع يعرف معنى الألفاظ التي يستعملها المتكلم، أي أن يكون عالماً بالوضع.
وهنا نواجه مثل ما تقدّم في تبادر باب الوضع أيضاً، وهو إشكال تعميم الحالة الشخصية، لأن التبادر أمر شخصي ومن الحالات النفسية للفرد؛ فكيف يمكن جعله أساساً لفهم مراد المتكلم؟ والمهم في باب حجية الظهور هو الظهور النوعي لا الظهور الشخصي. وقد اقترح علماء الأصول طريقين لحلّ هذا الإشكال، وفي الحقيقة لكشف الظهور النوعي عن طريق التبادر:
أ ـ يرى العقلاء أن الظهور الشخصي أمارة عقلائية على الظهور النوعي ويلغون احتمال الفرق بينهما، فعمل العقلاء وسيرتهم على كشف الظهور النوعي من الظهور الشخصي، ويُعبر عن هذه السيرة بأصل التطابق بين الظهور الشخصي والظهور النوعي(49).
ب ـ ويقترح الشهيد الصدر طريقاً آخر، وهو أنه إذا تبادر من كلمة أو تركيب لغوي خاص معنى واحد إلى أذهان عدّة أفراد فيُطمأن حينئذ أن منشأ التبادر هو القوانين العامة الحاكمة على اللغة لا القرائن الشخصية؛ لأن التبادر أمر حقيقي يشير ـ بحساب الاحتمالات ـ إلى أنّ ذلك مقتضى القوانين والقواعد العامة الحاكمة على اللغة(50).
والنتيجة أن العقلاء وأهل اللغة يكتشفون مراد المتكلّم في نظام الاتصال اللغوي بواسطة الظهور اللغوي بناء على القوانين والقواعد العامة في اللغة، إلا أنهم يرون أن السبيل للوصول إلى الظهور اللغوي العام هو الظهور الشخصي، وهو التبادر.
1 ـ دور البرهان في اكتشاف الظهورات ـــــــ
استعان علماء الأصول بالبرهان في بعض موارد تعيين الظهور، والمقصود من البرهان هنا التأمّل العقلي في مقابل التبادر الذي لا يحتاج إلى التأمل. ويشمل التأمل الاستقراء أيضاً. والذي يخطر في الذهن ابتداءً هو كيف يمكن الاستعانة بالعقل والبرهان في باب الألفاظ والأبحاث اللغوية التي هي عالم الفهم العرفي والشهود اللغوي؟ وما العلاقة بين فهم معنى كلمة أو تعبير لغوي والبرهان والاستدلال؟
ولغرض مناقشة هذه المسألة وتحليلها والوصول إلى جوابٍ مقنع، لابد أن نحلّل الموارد التي ادّعي الاستعانة فيها بالبرهان؛ فقد ادّعى الشهيد الصدر(51) أنه يمكن الاستعانة بالاستدلال العقلي في أربعة مواضع من مباحث الألفاظ والظهورات اللغوية:
1 ـ إثبات الظهور: فيمكن الاستعانة بالبرهان لإثبات أصل الظهور بالمنهج الإثباتي وكذلك المنهج السلبي أيضاً؛ أما الحالة الإثباتية فمثل ما إذا تبادر إلى ذهن عدّة أفراد ـ متكثرة ومختلفة مع اختلاف ثقافاتها ـ معنى واحد من لفظ واحد، نطمئن بالظهور النوعي للفظ في ذلك المعنى. ويتبين من استقراء الموارد المتعددة أنّ تبادر المعنى يعتمد على القواعد العامة الحاكمة على اللغة لا الميول ولا الأذواق الشخصية. أما الحالة السلبية، فيمكن أيضاً التمسك بالاستدلال العقلي لإثبات أصل الظهور. وقد اعتمد علماء الأصول على هذا المنهج في بحث الصحيح والأعم وبحث المشتق.
2 ـ إثبات صغرى الظهور بعد الفراغ من الكبرى: يستعان أحياناً بالاستدلال العقلي لتطبيق كبرى حجية الظهور على صغرى الظهور، فمثلاً من المسلّم عند العرف وأهل اللغة أنّ المتكلم الذي في مقام بيان تمام مقصوده، إذا كان قادراً على تقييد كلامه إلا أنه لم يقيّده، فإنّ كلامه سيكون مطلقاً من جميع القيود التي لم يأت بها، ويعبر علماء الأصول عن ذلك بالظهور الإطلاقي، ويرون أنها كبرى كلية مسلّمة، إلا أن أهل اللغة قد يتردّدون أحياناً في موارد تطبيق تلك الكبرى، وفي هذا الشأن يمكن توضيح التطبيق بالبرهان بحيث يزول شك أهل اللغة وترديدهم أيضاً.
3 ـ الاستعانة بالبرهان لفهم خصائص الظهور: من المسلّم دلالة صيغة الأمر وظهورها في الوجوب، إلا أنّ هذا الوجوب ما هي ميزته؟ هل هو عقلي أم وضعي أم غيرهما؟ وهنا يمكن الاستعانة بالبرهان لتعيين خصائص الظهور.
4 ـ تعيين العلاقة والنسبة بين عدّة ظهورات وتنسيق وتنظيم الظهور النهائي بواسطة البرهان.
ويتضح من التأمل في هذه الموارد أنّ البرهان والاستدلال العقلي لا ينفع في تعيين الظهورات اللغوية، أي لا يمكن الاستفادة من البرهان مباشرةً لتوصيف وتعيين المعنى اللغوي ومراد المتكلم، بل يمكن تعيين الظهور بإقامة البرهان بالملازمة.
بين أصول الفقه والفلسفة التحليلية، التقييم والمقارنة ـــــــ
لقد مهّد ما تقدم لممارسة استنتاج وتقييم ومقارنة بين منهج علماء الأصول والفلاسفة التحليليين، وربما أمكن تلخيص المسألة في عدة نقاط كالآتي:
1 ـ الاستفادة من اللغة وإيجاد الارتباط اللغوي تابع لقوانين وقواعد حاكمة على اللغة. ولهذا السبب فإنّ عالم الأصول عندما يبحث عن الدليل اللفظي بوصفه أحد الأدلة المهمة في استنباط الحكم الشرعي لابد أن يحلّل ويناقش هذه القواعد والأحكام. ويبدو أنّ الاهتمام بالنظرية القائلة: إنّ التكلم والارتباط اللغوي من مقولة الفعل، مهمّ جداً في تحقيق الهدف المرجوّ من هذه المقالة. وبحسب هذه النظرية، فإنّ التكلم ظاهرة اجتماعية ومعقّدة في نفسها. ويعرض الإنسان بعملية التكلم المهارات التي اكتسبها بصورة طبيعية ويتبدل هذا الفعل ـ الذي يتحقق بصورة شهودية ـ إلى علم بالتأمل. والذي حيّر الفلاسفة وصار منطلقاً لبحث علماء الأصول هو كيفية توضيح تبديل تلك المهارات إلى علم.
2 ـ بالاستعانة بنظرية الشهيد الصدر و«سيرل» يمكن القول: إنّ مباحث الألفاظ بصورة رئيسية ثلاثة أنواع:
أ ـ المباحث التحليلية والفلسفية: والمنهج في هذه الأبحاث هو التحليل العقلي.
ب ـ المباحث الاكتشافية التي تهدف إلى كشف المعنى والمدلول اللغوي. وهذا النوع من المباحث بتعبير «سيرل» توصيفات لغوية وبتعبير آخر، في هذا النوع من الأبحاث يبحث علماء الأصول وفلاسفة اللغة توصيف ارتكازات وشهود أهل اللغة. والتبادر هو منهج كشف المعنى في هذه المباحث. والحقيقة إنّ كثيراً من مباحث ألفاظ علم الأصول بيان وتوصيف للتبادر والشهود اللغوي.
ج ـ المباحث التفسيرية، وبتعبير «سيرل» التوضيحات اللغوية، والمنهج الذي اقترحه الشهيد الصدر فيها هو منهج العلوم الطبيعية، أي جمع المشاهدات ثم انتخاب التوضيح الأفضل.
3 ـ تشبه نظرية الصدر في باب الوضع وتوضيح كيفية التبادر ما ذكره سيرل حول الشهود اللغوي.
4 ـ لما كان التبادر أمراً شخصياً وفي الواقع نوعاً من التأمل الداخلي، لا يمكن جعله أساساً للأوصاف اللغوية العامة، وبصورة عامة أساساً للارتباط اللغوي، فلابد من إيجاد سبيل منطقي ومعقول للتعميم. وبعبارة أخرى، كيف يمكن معرفة أنّ للآخرين نفس التبادر والشهود الذي للشخص نفسه؟
اقترح علماء الأصول طريقين لحلّ هذه المسألة:
أ ـ الأصل العقلائي القائل بتطابق الظهور الشخصي مع الظهور النوعي.
ب ـ حساب الاحتمالات ومشاهدة أوصاف الآخرين اللغوية. وهذا هو الكلام الذي عبّر عنه «سيرل» بأنّ التطابق بين أوصافي اللغوية وأوصاف الآخرين فرضية تملك الكثير من الشواهد والقرائن.
5 ـ معطيات هذه المقالة جهد ابتدائي في باب المقارنة بين مجالين مختلفين، والكاتب مدرك بالطبع صعوبة المسألة، لكنّ صعوبتها يجب أن لا تمنع من العمل على التقييم والمقارنة. ولا شك أن التلاقح والتعامل النظري في المجالات المختلفة مفيد دائماً وفي المجال الذي بحثناه أيضاً.
الهوامش:
(1).linguistic communication
(2). linguistic characterization
(3). linguistic explanation
(4).searle، speech Acts،1969،pp.14-15
(5).intensional criterion
(6) للمزيد من التفصيل حول المعيار المفهومي والمعيار المصداقي راجع مقالة بنسون ميتس في: Mates،B.”On the verification of Statements about ordinary language”،in، Lyas Colin(ed)
Philosophy and Linguistic،pp.121_130
(7) المنطقي والفيلسوف التحليلي الأمريكي المعاصر (2001-1908)Willard van orman Quine.
(8) نشرت مقالة «حكمان جزميان تجريبيان» [Two Dogmas of Empiricism=] لأول مرة في مجلة (Review January Philosophical) سنة 1951م، ومن ثم في سنة 1953م في كتاب From A Logical point of view
(9).extensional criterion
(10).Searle، speech Acts،1969، p.10.
(11).Quine،From A Logical point of view،1953، p.32.
(12).holism
(13).Quine، from A Logical point of view،1953، p.42.
(14) (1932 -) john R Searle فيلسوف الذهن واللغة الأمريكي المعاصر.
(15).putnam Hilary، “The Analytic and the Synthetic”، in Rosenberg and Travis (eds)، Read-ing in the philosophy of Language،1971، pp.94-126
(16).Ibid، pp.31-94
(17).linguistic intuitions
(18).pretheoretical intuitions
(19).Ernest Lepore and Robert van Gulick (eds) John Searle and his critics، .p.386.
(20).searle، Speech Acts، 1969، p.11.
(21) للاطلاع على آراء السلوكيين وغيرها من الآراء في الباب، لاحظ المقالة الرائعة لريتشارد رورتي: Rorty “intuition”،in،paul Edwards (ed) ،1967، vol.34، pp.204-212
(22).knowing how
(23).knowing that
(24).searle، speech Acts،1969، p.14.
(25).Ibid.، p.15.
(26). Ibid.، p.10.
(27) Ibid.، p.8.
(28) محمود الهاشمي، بحوث في علم الأصول 1: 32، تقريرات بحث الشهيد الصدر.
(29) المصدر نفسه: 221.
(30) لمزيد من التفصيل حول كيفية تقسيم مباحث علم الأصول لاحظ: الهاشمي، بحوث في علم الأصول 1: 55؛ والفياض، محاضرات في أصول الفقه 1: 6 ـ 7، تقريرات بحث الأصول للإمام الخوئي؛ ومنير القطيفي، الرافد في علم الأصول، الحلقة الأولى: 31، تقريرات بحث الأصول للإمام السيستاني.
(31) بحوث في علم الأصول 1: 67 ـ 68.
(32) المصدر نفسه: 223.
(33) المصدر نفسه: 224.
(34) المصدر نفسه: 223.
(35) المصدر نفسه.
(36) المصدر نفسه.
(37) المصدر نفسه 4: 299.
(38) محمد رضا باطني، بيرامون زبان وزبان شناسي [حول اللغة وعلم اللغة]: 16.
(39) كورش صفوي، درآمدي بر معنا شناسي [مدخل إلى المعنائية]: 28.
(40) 0.Honderick ted (ed)، p.820.
(41) محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول، الحلقة الثالثة: 77.
(42) جعفر السبحاني، تهذيب الأصول 1: 100.
(43) محمد إسحاق الفياض، محاضرات في علم الأصول 1: 252، تقرير درس السيد الخوئي.
(44) محمد كاظم الخراساني، كفاية الأصول 1: 29.
(45) كاظم الحائري، مباحث الأصول، ق 2، ج 2: 267، تقرير درس السيد محمد باقر الصدر.
(46) المصدر نفسه: 252.
(47) كفاية الأصول: 18.
(48) بحوث في علم الأصول 1: 165، 166.
(49) المصدر نفسه 4: 292 ـ 293.
(50) مباحث الأصول، ق 1، ج 2: 255.
(51) بحوث في علم الأصول 4: 299.
(*) أستاذ في جامعة طهران، برديس قم.