الشيخ حسن حسين البشيري(*)
مدخل
إن مسألة الغناء من المسائل القديمة، المطروحة المبحوثة منذ عهد الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا. وقد بحثها فقهاء الفريقين بالتفصيل في كتبهم الفقهية، فاختلفوا في حكمه، وتعددت آراؤهم؛ فمنهم من جوّزه مطلقاً؛ ومنهم من حرّمه كذلك؛ ومنهم من قال بالتفصيل، الأمر الذي يكشف عن أهمية هذه المسألة وصدارتها من بين المسائل الفقهية. وهي كذلك؛ لأن الغناء مما اقترن بحياة الإنسان، ولم ينفك عنها غم وهم. ومن هنا اهتم الفقهاء قديماً وحديثاً بالبحث عنه؛ لاستكشاف حكم الشارع، في كتبهم الفقهية عند بحثهم عمن تُرَدُّ ومن تُقبل شهادته. وبحث فقهاء الإمامية عنه في كتاب المكاسب المحرمة. وإن كان القدماء منهم قد بحثوا عنه أيضاً في كتاب الشهادات. ومضافاً إلى تلك البحوث فقد ألَّفوا عشرات الرسائل في حكم الغناء. والأمر الذي جلب اهتمام الكثير من الفقهاء المتأخرين عند بحثهم عن الغناء هو تحديد مفهوم الغناء وتعريفه لغةً وشرعاً، مما يكتنفه بعض الغموض في بعض مصاديقه وأفراده، فبحثوا عن مفهوم الغناء، وعن حكمه، ثم تطرقوا إلى ما ادُّعي من وجود مستثنيات عن حرمته ــ، بناء على حرمته ــ فبحثوا عنها. ونحن نقتفي أثر هؤلاء الفقهاء، فنبحث عن مفهوم الغناء لغة وشرعاً، ثم عن حكمه، ومستثنياته، ونضيف إنشاء الله إلى ذلك البحث بالتفصيل عن حكم الموسيقى وآلات اللهو، وحكم الفنون الدارجة في عصرنا، وبالله نستعين، وعليه نتوكل، إنه خير ناصر ومعين.
1ـ في معنى الغناء
أـ الغناء لغةً
قال في الصحاح، في مادة (غني): والغَناء (بالفتح): النفع، والغِناء (بالكسر) من السماع([1]).
وقال في مادة (غرد) بالتحريك: التطريب في الصوت والغناء([2]).
وقال في مادة (شدا): وشدوت أشدو إذا أنشرت بيتاً أو بيتين تمدّ به صوتك، كالغناء([3]).
وقال في العين، في مادة (سمع): والسماع: الغناء، والمسمعة: الجارية المغنية([4])، وفي مادة (غني): والغناء ممدود في الصوت([5]).
وقال ابن الأثير: في حديث آخر: «ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن يهجر به». قيل: إن قوله: «يهجر به» تفسير لقوله: «يتغني به»، وقال الشافعي: معناه تحسين القراءة وترقيقها، ويشهد له الحديث الآخر: «زينوا القرآن بأصواتكم». وكل من رفع صوته ووالاه فصوته عند العرب غناء([6]).
وقال في لسان العرب، في مادة (سمع): وكل ما التذَّته الأذن من صوت حسن سماع، والسماع: الغناء([7]).
وقال في (لحن): اللحن من الأصوات المصوغة الموضوعة، وجمعه: ألحان ولحون. ولحن في قراءته إذا غرد وطرب فيها بألحان([8])… قال ابن بري وغيره: للحن ستة معان: الخطأ في الإعراب واللغة، (والغناء)، والفطنة، والتعريض، والمعنى…. واللحن الذي هو الغناء وترجيع الصوت والتطريب شاهده… وفي الحديث: اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق. اللحن: التطريب وترجيع الصوت وتحسين القراءة والشعر (والغناء). وقال الجوهري، في مادة (حدا): الحداء سوق الإبل والغناء لها([9]).
وفي مادة (غني): والغناء من الصوت ما طرب به…. وقال أبو العباس: الذي حصلناه من حفاظ اللغة في قوله‘: «كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن» على معنيين: على الاستغناء؛ وعلى التطريب([10]).
وفي تاج العروس: ويقال: السماع: الغناء، وكل ما التذّته الآذان من صوت حسن: سماع([11]).
وقال ابن خلدون في تعريفه لصناعة الغناء: هي تلحين الأشعار الموزونة بتقطيع الأصوات على نسب منتظمة معروفة، يوقع كل صوت منها توقيعاً عند قطعه، فيكون نغمة، ثم تؤلف تلك النغم بعضها إلى بعض على نسب متعارفة، فيلذ سماعها لأجل ذلك التناسب وما يحدث عنه من الكيفية في تلك الأصوات»([12]).
ولا يخفى أنه في صدد بيان معنى وتعريف صناعة الغناء، ولذلك خصها بالشعر؛ لأن صناعة الغناء في الشعر، وأما نفس الغناء فقد لا يكون في الشعر كما هو واضح، وهو تعريف جيد وعرفي وعلمي.
هذا كله في معنى الغناء لغة. واتضح أنه ليس إلا تحسين الصوت بالترجيع والتقطيع، مما يوجب التذاذ السامع إذا سمعه، فتتغير حالته النفسية، وقد تصل إلى حد الحركة والأفعال الموزونة، المسمّى بالرقص. والظاهر أن الترجيع في الصوت هو المراد من التطريب في كلام ابن منظور في «لسان العرب»، وغيره، فقد عرف الطرب في كتاب العين([13]) بترجيع الصوت، وقال في لسان العرب([14]): طرَّب وتغنى… ويقال: طرَّب فلان في غنائه تطريباً إذا رجََّع صوته وزيَّنه… والتطريب في الصوت: مدّه وتحسينه، وطرّب في قراءته: سدَّ ورجَّع. فليس المراد به الفرح والحزن([15])، أو الخفة التي تعتري الإنسان عند شدة الفرح أو الحزن، كما في بعض كلمات الأعاظم؛ فإن ذلك وإنْ كان من معاني الطرب كما ذكروا، إلا أنه ليس المراد به في ما ورد في تعريف الغناء؛ لأن الطرب بمعنى الخفة لفرح أو حزن أمر لازم للغناء عادة وغالباً، وقد ينفك عنه لأجل رداءة الصوت مثلاً، وليس داخلاً في معناه، كما أنه قد يحصل بغير الغناء أيضاً، مع أنهم بصدد تعريف الغناء بما هو هو، فذكروا أنه التطريب، وأنه من الصوت ما طرّب به، وذكروا في معنى الطرب أن التطريب في الصوت هو تحسينه ومده والترجيع به، وأنّ (طرّب) بمعنى تغنّى. وهذا يكشف بكل وضوح عمّا قلناه، وأن الطرب بمعنى الخفة لفرح أو حزن ليس داخلاً في معنى الغناء، وليس لازماً دائمياً له، فالحالات الناشئة من بعض الأغاني من فرح وسرور ليست داخلة في معنى ومفهوم الغناء، ولا لازمة له.
وعلى أية حال اتّضح أن الغناء لغة هو كيفية لنفس الصوت، وهي تحسينه بالمد والترجيع والتقطيع عادة بنحو موزون، يوجب عادة لذة للمغني والسامع، سواء كان مشتملاً على معانٍ حقة أم باطلة؛ لأن هذه أمور شرعية حادثة، واللغة أعمّ منها وأقدم؛ لأن الغناء كان موجوداً لدى العرب حتى قبل الإسلام، وإن كان قد انتشر وشاع بين المسلمين، وتعددت فنونه وألحانه بعد الفتوحات الإسلامية؛ بسبب دخول المغنين العجم من الفرس والروم إلى البلاد الإسلامية، واتخاذ الخلفاء والأمراء الفتيات والمعازف في مجالسهم وأفراحهم. فليس الغناء صناعة حادثة بعد الإسلام حتى يتقيد معناه بما اقترن بالباطل، واشتمل على المعاني الباطلة اللغوية. فالغناء لغة كما يصدق على الألحان الشعرية الباطلة كذلك يصدق على الألحان ذات المضمون الشعري الجيّد، وقد يحصل مجرد انصراف من دون تغيير في الموضوع له، وهذا ما نبينه لاحقاً إن شاء الله تعالى.
ب ـ معنى الغناء شرعاً
هل للغناء حقيقة شرعية أو متشرعية؟ وهل أن الشارع قد تصرف في معنى الغناء اللغوي بالتضييق أو التوسيع أو أن الغناء المستعمل في النصوص قد استعمل في نفس معناه اللغوي؟
لا شك في أن الأصل عدم الانتقال وثبات اللغة، كما حقِّق في علم الأصول، مع عدم الدليل على الانتقال والتغيير، بل البرهان قائم على خلافه، وهو تعريف الفقهاء سنة وشيعة في كتبهم الفقهية الغناء بنفس ما ورد عن اللغويين في تعريفه، كما تقدم عن الشافعي، وعن القهستاني في ردّ المختار([16])، أن الغناء هو ترديد الصوت بالإلحان في الشعر مع انضمام التصفيق المناسب لها، وإنْ كان التصفيق لا دخل له في معناه، كما هو واضح، كما عن بعضهم أن الغناء أداء الكلام بألحان موزونة، أو ترديد الصوت بالشعر ونحوه بألحان([17])، هذا ما عن السنة.
وأما فقهاء الشيعة فعرَّفه العلامة الحلي بمد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب([18])، وعرّفه الشهيد الأول بنحو ذلك([19])، وعرّفه الشهيد الثاني بمد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، أو ما سمي في العرف غناءً وإن لم يطرب، سواء كان في شعر أم قرآن أم غيرهما([20])، وغير هؤلاء ممن عرّف الغناء وبيّن معناه الشرعي، فلم يزيدوا على معناه اللغوي شيئاً، سواء في مادة الغناء أم في هيئته.
ومما يدل أيضاً على وحدة المعنى اللغوي والعرفي في عصر النصوص مع المعنى الشرعي هو عدم نفي الفقهاء واللغويين والأدباء صدق مفهوم الغناء على قراءة القرآن الكريم بصوت حسن جميل مع الترجيع والترديد في تفسيرهم للحديث النبوي المعروف: «ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن»([21])، وحديث: «لم يأذن الله لشيء كما أذن للنبي‘ يتغنى بالقرآن»([22])، بل فسروا الحديثين إما بتحسين الصوت وترقيقه، وإما بالاستغناء بالقرآن عن غيره([23]).
ويكشف أيضاً عما قلناه تمسك جملة من الفقهاء؛ لإثبات حرمة الغناء بالقرآن الكريم، بروايات النهي عن الغناء وإطلاقها، مما يدل على عموم مفهوم الغناء عرفاً وشرعاً ولغةً، كما أن بعضهم سلم بذلك، لكنه خصَّ الغناء المحرم بغير القرآن بنحو التقييد والتخصيص، لا التخصص.
وفي ختام هذا الموضوع ينبغي الإشارة إلى بعض الأمور:
الأول: إن عموم مفهوم الغناء وشموله لما كان مضمونه حقاً أو باطلاً، ولما كان لهواً أو ليس بلهو، لا يمنع من دعوى انصراف الغناء موضوعاً أو حكماً إلى ما كان لهواً، وما كان متضمِّناً لمعانٍ باطلة محرمة، فإن الانصراف شيء واختصاص الموضوع له اللفظ وتقيده شيء آخر. ولا يبعد انصراف مفهوم الغناء في زماننا عن ترتيل القرآن وشبهة بالترجيع والترقيق، ولكن هل كان هذا الانصراف موجوداً في زمان صدور النصوص؟
وعلى فرض عدم الانصراف موضوعاً فهل أن حكمه ـ وهو الحرمة ـ منصرفٌ عن الغناء المذكور أو لا؟ هذا ما يأتي البحث عنه في أدلة حرمة الغناء وجوازه.
الثاني: أحال بعض الفقهاء المتأخرين والمعاصرين تعريف الغناء وتحققه إلى العرف وفهم الناس والعوام.
وهو غير دقيق وبعيد عن التحقيق؛ لأن المفهوم اللغوي للغناء ـ وهو المفهوم الشرعي كما بيناه ـ أعمّ من المفهوم العرفي المعاصر له وأوسع. ومثاله: ما يسمى بالنشيد الوطني وغيره، فإنه لا يعبر عنه بالغناء عرفاً بلغ ما بلغ من الترجيع والتقطيع في الصوت، مع أنه غناء بالمفهوم الشرعي واللغوي والعرفي القديم بلا شك ولا شبهة. فالصحيح هو التحقيق والبحث عن معنى الغناء لغة وشرعاً قبل الحكم بحرمته أو جوازه، وإنْ كان الحكم بحرمة مطلق الأغنية المعروفة في عرفنا ـ بناء على الحرمة ـ حقّاً ومصيباً.
2ـ أراء الفقهاء في الغناء
أـ رأي الجمهور في حكم الغناء
يظهر من علماء العامة أنهم اختلفوا في حكم الغناء، وإنْ كان المشهور ـ على ما في بعض كلماتهم ـ هو الحلّ والجواز. كما يظهر اختلاف المتأخرين في نسبة قول ورأي معيّن إلى بعض المتقدمين. وإليك بيان ذلك:
قال الشوكاني في نيل الأوطار: وقد اختلف في الغناء مع آلة من آلات الملاهي وبدونها، فذهب الجمهور إلى التحريم، مستدلين بما سلف، وذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر وجماعة من الصوفية إلى الترخيص في السماع، ولو مع العود واليراع…. وأما مجرد الغناء من غير آلة فقال في الإمتاع: إن الغزالي في بعض تآليفه الفقهية نقل الاتفاق على حلّه، ونقل ابن طاهر إجماع الصحابة والتابعين عليه، ونقل التاج وابن قتيبة إجماع أهل المدينة عليه، وقال الماوردي: لم يزل أهل الحجاز يرخصون فيه في أفضل أيام السنة المأمور فيه بالعبادة والذكر، قال ابن النحوي في العمرة: وقد روي الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعين، فعن الصحابة عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف…، وأما التابعون فسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، وشريح القاضي…، وأما تابعوهم فخلق لا يحصون، منهم: الأئمة الأربعة، وابن عيينة، وجمهور الشافعية…، إلى آخر عبارته التي نقلناها باختصار([24]).
وقريب منها ما نقله الجزيري([25]) عن أئمة المذاهب الأربعة، إلا أنه نقل عن مالك أن ما يجوز من الغناء هو الرجز الذي يشبه ما جاء في غناء جواري الأنصار.
وفي المجموع([26]) للنووي، الشافعي المذهب، أنه يكره الغناء وسماعه من غير آلة مطربة…، ولا يحرم…، ويحرم استعمال الآلات التي تطرب من غير غناء، كالعود والطنبور…؛ وأما الحداء فهو مباح…».
هذا، ولكن في إحياء العلوم([27]) للغزالي ما يلي: حكى أبو الطيب الطبري عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وسفيان وجماعة من العلماء ألفاظاً يستدل بها على أنهم رأوا تحريمه. ثم نقل عن الشافعي بعض العبارات لذلك. والإنصاف أنها أدل على الجواز منها على الحرمة. وأضاف الطبري: وأما مالك فقد نهى عن الغناء، وقال: إذا اشترى جارية فوجدها مغنية ردها، وهو مذهب سائر أهل المدينة، إلا ابن سعد وحده، وسفيان الثوري، وحماد، وإبراهيم، والشعبي، وغيرهم… ونقل أبو طالب المكي إباحة السماع عن جماعة، فقال: سمع عبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير والمغيرة بن شعبة ومعاوية وغيرهم، وقال ذلك كثير من السلف الصالح، صحابي وتابعيّ بإحسان، وقال: لم يزل الحجازيون عندنا بمكة يسمعون السماع، وأما أبو حنيفة رضي الله عنه فإنه كان يكره ذلك، ويجعل سماع الغناء من الذنوب…. ثم ذكر اختلاف الرواة عن أحمد، واستنتج أخيراً بقوله: هذا ما نقل من الأقاويل، ومن طلب الحق في التقليد فمهما استقصى تعارضت عنده هذه الأقاويل»، انتهى كلام الغزالي.
وقال ابن عبد ربه الأندلسي(328هـ)([28]): «اختلف الناس في الغناء، فأجازه عامة أهل الحجاز، وكرهه عامة أهل العراق». ونقل أيضاً عن إسحاق بن قولويه: حدثني إبراهيم بن سعد الزهري قال: قال لي أبو يوسف القاضي عمارة: ما أعجب أمركم يا أهل المدينة في هذه الأغاني، ما منكم من شريف ولا دنيء يتحاشى عنها…».
والظاهر من مصادر الحنفية القول بالتحريم([29]). ولذلك أفتوا بعدم جواز الإجازة على الغناء؛ لأنه معصية. كما أن صريح الظاهرية هو القول بالجواز والحل، مثل بعض الشافعية، كما عرفت في عبارة النووي.
واختلفوا في رأي مالك بن أنس، إلا أن المنسوب إليه في المرونة الكبرى هو كراهته للغناء، ككراهته قراءة القرآن بالألحان، ولم يتضح مقصوده بالألحان، ولم يتضح مقصوده من الكراهة هنا، حيث إنه قد يراد منها التحريم، وقد يراد الكراهة المصطلحة.
ولا يخفى عليك بعد هذه العبارات وغيرها أنه من الصعب جداً المعرفة الدقيقة لأقوال العامة، وخصوصاً أهل المدينة، وإنْ كان يرجح عندي قولهم بالحل والجواز. وإنْ كنا نهتم بالتحقق من أقوالهم وآرائهم ورواياتهم فلأنّ روايات أهل البيت^ ناظرة إليها بالقبول أو الرفض في كثير من الأحيان، فمعرفتها تساعد الفقيه في تفسير أخبار الأئمة^، وإدراك المراد الجدي منها([30])، وحمل الروايات الموافقة لهم على التقية في حال التعارض.
ب ـ رأي الزيدية والإسماعيلية في حكم الغناء
ذهبت الزيدية إلى حرمة الغناء. ففي شرح الأزهار([31])، للإمام أحمد المرتضى(840هـ): وكذلك مما يوجب التعزير الغناء والقمار…. قال في الانتصار: رأي أئمة العترة ومن تابعهم أن الغناء محظور، تردّ به الشهادة، ومن فعله كان فاسقاً.
كما أن في مسند([32]) زيد بن علي× روايات يمكن فهم الحرمة منها.
وأما الإسماعيلية فيظهر منهم أيضاً القول بحرمة الغناء، بل وغيره من آلات اللهو. فقد أورد القاضي([33]) النعمان المصري الإسماعيلي(363هـ) في الدعائم روايات وأخبار تدل على التحريم، وقد تأتي الإشارة إليها إن شاء الله تعالى.
ج ـ رأي الإمامية في حكم الغناء
لا يظهر من المتقدمين من الإمامية أي خلاف في حرمة الغناء، بل صرح كثير منهم بها. ولذلك قال في الجواهر([34]): بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، والسنة متواترة فيه، وفيها ما دل على أنه من اللهو واللغو والزور المنهيّ عنها في كتاب الله، فيتفق حينئذٍ الأدلة الثلاثة على ذلك، بل يمكن دعوى كونه ضرورياً في المذهب، فمن الغريب ما وقع لبعض متأخِّري المتأخرين، تبعاً للمحكيّ عن الغزالي، من عدم الحرمة فيما لم يقترن بمحرَّم خارجي…».
وقد وردت الفتوى بتحريمه في فقه الرضا×([35]) والمقنع للشيخ الصدوق(381هـ)([36])، والكافي للحلبي(447هـ)([37])، والمقنعة([38]) للشيخ المفيد(413هـ)، والخلاف([39]) للشيخ الطوسي(460هـ)، حيث قال: الغناء محرم، يفسق فاعله، وترد شهادته، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: هو مكروه، وحكي عن مالك أنه قال: هو مباح. والأول هو الأظهر؛ لأنه سئل عن الغناء؟ فقال: هو فعل الفساق عندنا…. ثم قال: دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم…. ونحو ذلك قوله في المبسوط([40]): فالغناء عندنا محرم، يفسق فاعله، وترد شهادته، وقال بعضهم: هو مكروه، فأما ثمن المغنيات فليس بحرام إجماعاً؛ لأنها تصلح لغير الغناء من الاستمتاع بها وخدمتها…. كما حرَّمه في النهاية([41]) أيضاً. ومثله فتوى ابن البراج(481هـ)([42])، وابن إدريس(598هـ)([43])، والمحقق، والعلامة، والشهيدين…. ولم يتبين لي الخلاف في حرمة الغناء إلا من الفيض الكاشاني(1091هـ)([44])، حيث خصَّ حرمته بما إذا كان مشتملاً على الحرام، وما كان معهوداً في زمن بني أمية من دخول الرجال عليهنّ، واستماعهم لصوتهنّ، وتكلّمهن بالأباطيل….
وقد نسب هذا القول في كثير من الكلمات إلى المحقق السبزواري(1090هـ) في كفاية الأحكام. ولكن الموجود فيه ليس ذلك، فإنه استثنى أولاً الغناء في قراءة القرآن الكريم عن الحرمة، ولم يستبعد حمل روايات حرمة الغناء على ما كان شائعاً في ذلك الزمان، وهو الغناء على سبيل اللهو الباطل، واشتماله على المحرمات، ثم قال ثانياً: فإذاً لا ريب في تحريم الغناء على سبيل اللهو والاقتران بالملاهي ونحوهما، ثم إن ثبت إجماع في غيره كان متبعاً، وإلا بقي حكمه على أصل الإباحة، وطريق الاحتياط واضح»([45])، فهو لم يُفْتِ بتخصيص الحرمة بذلك، كما أفتى المحدث الكاشاني، إنما لم يستبعد حمل روايات الحرمة على المقترن باللهو والملاهي.
3ـ أدلة حرمة الغناء
يستدل لحرمة الغناء بعدّة أدلّة هي:
3ـ 1ـ الإجماع
استند إليه كثير من المتأخرين في إثبات حرمة الغناء مطلقاً، فإنه لم ينقل أي خلاف عن قدماء أصحابنا، بل قد عرفت في استعراضنا لأقوالهم أنهم نصوا على الحرمة وعدم الجواز، كما ادعى الشيخ إجماع الأصحاب عليها. فلا ريب إذاً في تحقق الإجماع والاتفاق. إنما الكلام في حجية مثل هذا الإجماع، باعتبار أنه مدركي، وإن مستند التحريم هو الروايات والآيات، كما نصّ عليه كثير منهم. وقد ثبت في محله عدم حجية الإجماع المدركي، بل محتمل المدركية، وحينئذٍ فقد يدَّعى عدم حجية هذا الاتفاق لإثبات حرمة الغناء.
ولكن يمكن التغلّب على هذه المناقشة المطردة في أغلب موارد الإجماع بأن التتبع لروايات كبار الرواة وفتاوى أعاظم الفقهاء يفضي إلى القطع بأن حرمة الغناء كانت أمراً مسلّماً عند الإمامية، بل حتى عند الزيدية والإسماعيلية والفطحية، خلافاً لما كان عليه كثير من فقهاء العامة، ولذلك لم يرووا رواية واحدة تجوز الغناء بنحو مطلق. نعم، رووا في خصوص غناء المغنية في الأعراس رواية أبي بصير الآتية، وأفتى بها بعضهم. كل ذلك يكشف عن ارتكاز الحرمة في أذهان المتشرعة والرواة والفقهاء. وهذا الارتكاز المعاصر للمعصومين^ لا يدع مجالاً للريب في تحريم الأئمة^ للغناء، ونهيهم عنه([46]). نعم، بما أن الإجماع دليل لبي، وأدلة المجمعين هي الروايات التي بأيدينا وغيرها، فلا يصح الأخذ بإطلاقه، والتعدي به عما يستفاد من نفس تلك الأخبار. فلا يثبت بالإجماع المذكور أكثر مما يستفاد من الأحاديث والآيات، وهو ـ على الأقل ـ حرمة الغناء، ولو لم يقترن بآلات اللهو والمعازف.
3ـ 2ـ الآيات القرآنية
الأولى: قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (لقمان: 6 ـ 7).
وتقريب الاستدلال بها يقع في محورين:
الأول: في النظر إلى الآية الشريفة بقطع النظر عن الروايات المفسِّرة لها.
فنقول: إنه ورد في تفسير القمي([47]) أن الآية الكريمة نزلت في النضر بن الحارث بن علقمة، وكان النضر راوياً لأحاديث الناس وأخبارهم.
ونحوه ما أورده في الدر المنثور([48]) عن ابن عباس بأن النضر اشترى أحاديث العجم وصنيعهم في دهرهم…. ولكنه روى أيضاً عن ابن عباس أنها نزلت في رجل من قريش اشترى جارية مغنية؛ ليصد عن سبيل الله. وبغض النظر عن مورد نزولها فإن الآية ظاهرة في الإشارة إلى شخص أو أشخاص كانوا يقومون بإضلال الناس عن القرآن والذكر عن طريق اشتراء لهو الحديث. والمراد بالاشتراء في هذا المورد هو استحبابه واختياره وترجيحه على الحق، مثل: قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ (البقرة: 16)، وهو اصطلاح قرآني تكرر استعماله كثيراً فيه. وأما المراد بلهو الحديث فهو الحديث والكلام الذي يُشغل الناس عن القرآن وأحكامه وآياته، ويصدهم عن سبيل الله تعالى، بحيث تكون نتيجة الانشغال به والإقامة عليه نسيان الله سبحانه والإعراض عنه وعن القرآن. ولا ريب في انطباق ذلك على الغناء الذي يتعاطاه أهل الفسوق والعصيان، فإن ألحانه ومضامينه مما يُخلد الإنسان إلى الأرض، ويُهيّج عنده القوى الشهوية والحيوانية والشيطانية، فيكون الغناء محرَّماً بدلالة الآية الشريفة. نعم، لا يمكن استفادة حرمة مطلق الغناء منها، بل ما كان منه لهواً ومضلاًّ للناس عن سبيل الله تعالى وشريعته، بمضامينه أو بألحانه أو بكليهما، وأما غير ذلك فلا تدلّ الآية على حرمته.
الثاني: في استنباط الحرمة من الآية بملاحظة الروايات المفسِّرة لها، وهي روايات كثيرة فسَّرت (لهو الحديث) في الآية بالغناء. وإليك بعضها:
1ـ معتبرة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر× قال: سمعته يقول: الغناء مما وعد الله عليه النار، وتلا هذه الآية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ ([49]).
2ـ رواية الوشاء قال: سمعت أبا الحسن الرضا× يسأل عن الغناء؟ فقال: هو قول الله عز وجل: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ…﴾ ([50]).
وفي مصادر السنة([51]) نسب هذا التفسير إلى رسول الله‘، فعن أبي إمامة، عن النبي‘، قال: لا تبيعوا القينات، ولا تشتروهن ولا تعلِّموهن، لا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام، في مثل هذا أنزلت هذه الآية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾. ومثله ما روي عن عائشة عنه‘. كما روي تفسير لهو الحديث([52]) بالغناء وأشباهه عن ابن عباس، وابن مسعود، وعكرمة، ومجاهد، وغيرهم.
ثم إنه لا ينبغي أن يستفاد من هذه الروايات أكثر وأوسع مما يمكن استفادته من نفس الآية الشريفة، فالغناء المحرَّم بها ليس إلا ما كان لهواً وباطلاً، فإذا كانت مضامين الغناء حقة وذكراً لله تعالى وأوليائه، وكان لحنه غير ألحان الفسّاق وأهل المعاصي في مجالسهم، فلا يحرم حينئذٍ مثل هذا الغناء بهذه الروايات، كما لا يحرم بنفس الآية الشريفة.
الثانية: قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنْعَامُ إِلاّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ (الحج: 30).
والاستدلال بمقطع ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾، بتقريب أن الزور هو الكذب والباطل، فالغناء المتضمِّن لذلك يجب الاجتناب عنه؛ لقوله: «فإجتنبوا». كما وردت بذلك الأحاديث الكثيرة عن الأئمة الطاهرين^، وإليك بعضها:
1ـ رواية زيد الشحام قال: سألت أبا عبدالله× عن قوله عز وجل: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ قال: قوله الزور الغناء([53]).
2ـ مرسلة ابن أبي عمير، التي وردت صحيحة مسندة في تفسير القمي، عن أبي عبد الله×، في قوله الله تعالى: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾، قال: قول الزور الغناء([54]).
3ـ رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله× عن قول الله عز وجل: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ ؟ قال: الغناء([55]).
وهناك روايات أخرى بهذا المضمون أيضاً، وهي وإن كانت لا تخلو من إشكال في السند أو المتن إذا نظرنا إلى كل واحدة منها بالخصوص، لكنها مستفيضة تبعث على الوثوق والاطمئنان بصدور بعضها على أقل تقدير.
الثالثة: قوله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً﴾، حيث إن المراد بالشهادة فيها هو الحضور والسماع، والمراد بالزور الكذب وقول الباطل، الذي يتحقق عادة في الغناء. ويدلّ عليه:
1ـ صحيحة محمد بن مسلم وأبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله×، في قول الله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ ؟ قال: الغناء. وهي وردت بطريقين.
2ـ ما رواه في دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد× أنه سئل عن قول الله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ ؟ قال: من ذلك الغناء والشطرنج([56]).
وقد روي ذلك أيضاً عن محمد بن الحنفية، والحسن، ومجاهد([57])
كما أنه قد روي تفسير اللغو في قوله سبحانه: ﴿وَإِذا مَرُّوا باللّغوِ مَرّوا كِرامَاً﴾ بالغناء في خبر محمد بن أبي عباد عن الحسن الرضا×([58])، وخبر أبي أيوب الخزاز قال: نزلنا المدينة، فأتينا أبا عبد الله×، فقال: أين نزلتم؟ فقلنا: على فلان صاحب القيان، فقال: كونوا كراماً، فوالله ما علمنا ما أراد، وظننا أنه يقول: تفضَّلوا عليه، فعدنا إليه، فقلنا: لا ندري ما أردتَ بقولك: كونوا كراماً، فقال: أما سمعتم قول الله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً﴾([59]).
إلا أن كلتيهما ضعيفتان؛ الأخيرة منهما بسهل بن زياد، فيمكن التغلب على ضعفها ببعض الوجوه المذكورة في محلها.
ونوقش في الاستدلال بالآية الشريفة بكلتا فقرتيها، والروايات المفسرة لها، بأن أقصى ما تدل عليه هو مطلوبية التنزه عن مشاهدة الزور ومطلوبية الإعراض عن اللغو؛ لأنها لم تتضمَّن أمراً أو نهياً لكي يستفاد منها الإلزام؛ لأنها وردت في سياق وصف عباد الرحمن، فذكرت منه ـ مثلاً ـ: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً﴾، وذكرت: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾. وهذه الخصال غير واجبة التوفر في المؤمن، وإنما هي مطلوبة مستحبة، فليكن كذلك وصفهم بـ ﴿لا يشهدون الزور﴾. إلا أن هذه المناقشة وإنْ صحت في المقطع الثاني من الآية، لكنها بعيدة عن المقطع الأول؛ لأن الزور معناه لغة الكذب أو مطلق الباطل، وهو معنى له مبغوضية شرعية إلى حدّ الحرمة، في الآيات والروايات وفي أذهان المتشرعة، ألا ترى قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤوا ظُلْماً وَزُوراً﴾ (الفرقان: 4)، وقوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً﴾ (المجادلة: 2) في المظاهرين من نسائهم، حتى أنه عطف على الرجس من الأوثان في الآية المتقدمة: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾؟!. ومن هذا الباب أطلق على الشهادة الكاذبة شهادة الزور في الروايات، وإنْ لم يستشهد بها في الآية. وعلى ذلك فتطبيق الزور على الغناء في الروايات يدل بنفسه على الحرمة والمبغوضية الشديدة، وخصوصاً إذا كان بمعنى الكذب في الآية؛ إذ لا يعقل كونه مكروهاً فقط([60])، وأما الاستشهاد بسياق الآية، الذي هو في مدح عباد الرحمن، فيردّه أن من جملة الأوصاف التي ذكرت فيها التنزه عن الشرك، وقتل النفس المحترمة، والزنا. فالاستشهاد بقرينة السياق في غير محله. فاتَّضحت تمامية الاستدلال بالآية الشريفة على الحرمة.
ثم إن الحرمة المستفادة من هذه الآية والآية السابقة إنما هي بمناط كون الغناء زوراً ولغواً وباطلاً، فإذا لم يكن الغناء كذلك فلا تشمله الآيتان. فاستفادة حرمة مطلق الغناء منهما ومن أمثالهما، كما يظهر من بعض المحققين، في غير محلها.
3ـ 3ـ الروايات الشريفة
وهي على طوائف:
الأولى: ما تضمن النهي عن الغناء بالمطابقة، وهي ما يلي:
1ـ صحيحة زيد الشحام قال: قال أبو عبد الله×: بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة، ولا تجاب فيه الدعوة، ولا يدخله الملك([61]).
إلا أنها قاصرة عن الدلالة على الحرمة؛ لأن بيت الغناء يطلق على البيت الذي يكثر فيه الغناء، وهو عادة مقترن بسائر الملاهي المحرمة، ويكون من عادة أهله الغناء واللهو واللعب. ولعله لذلك لا تؤمن فيه الفجيعة…
على أن هذه الآثار المذكورة في الرواية لا تنحصر في حرمة سببها وعاملها، كما يظهر بملاحظة أمثالها.
2ـ رواية أبي سماعة، عن أبي عبد الله× قال: الغناء عشّ النفاق([62]).
وهي ضعيفة سنداً بسهل ومحمد بن علي أبو سمينة، بل بأبي جميلة المفضل بن صالح على رأي. كما أنها قاصرة الدلالة على الحرمة، وإن كانت تساعد على فهم موضوع الحرمة في سائر الروايات.
3ـ صحيحة الريان بن الصلت قال: قلتُ للرضا×: إن العباسي أخبرني أنك رخصت في سماع الغناء، فقال: كذب الزنديق، ما هكذا كان، إنما سألني عن سماع الغناء، فأعلمته أن رجلاً أتى أبا جعفر محمد بن علي×، فسأله عن سماع الغناء، فقال له: أخبرني إذا جمع الله تعالى بين الحق والباطل مع أيِّهما يكون الغناء؟ فقال الرجل: مع الباطل، فقال له أبو جعفر×: حسبك، فقد حكمت على نفسك، فهكذا كان قولي له([63]).
وخلاصة هذه الرواية أن الإمام الرضا× لم يرخِّص في سماع الغناء؛ لأن (الغناء) في الباطل. فهي كما تدل على حرمة الغناء تدل على حرمة الاستماع إليه. ويحتمل عدول الإمام أبي جعفر× عن الجواب بالحرمة إلى ما ذكره لأجل التقية من التصريح بها، أو لأجل إقناع السائل بها، من خلال تنبيهه على أن الغناء من الباطل الذي ينبغي الاجتناب عنه.
4ـ معتبرة عبد الأعلى قال: سألت أبا عبد الله× عن الغناء؟ وقلتُ: إنهم يزعمون أن رسول الله‘ رخَّص في أن يقال: جئناكم جئناكم، حيونا حيونا نحييكم، فقال: كذبوا، إن الله عز وجل يقول: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ﴾ (الدخان: 38)، ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ (الأنبياء: 17 ـ 18)، ثم قال: ويل لفلان ممّا يصف، رجل لم يحضر المجلس<([64]).
هكذا ورد الحديث في الكافي. لكن في الوسائل: وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين، بدل (السماوات)، وحينئذٍ تكون كلتا الآيتين من سورة الأنبياء متصلتين، وأما على ما في الكافي (السماوات) فالآية الأولى من سورة الدخان، والثانية من الأنبياء.
ومهما يكن فإن ظاهر تكذيب الإمام× للزعم المذكور، ونفيه ترخيص النبي‘ في ذلك، هو عدم الجواز والحرمة. واستشهد× لكلامه بالآيتين المذكورتين، باعتبار أن الغناء لهو وباطل، والله سبحانه منزَّه عنهما في التكوين، فكذلك في التشريع.
والظاهر أن الترخيص المذكور المنسوب إلى النبي الأكرم‘ هو إشارة إلى ما ورد في مصادر الجمهور من أن النبي‘ نهى المغنيات في العرائس عن قولهن:
أهدى لها زوجها أكبش يحججن في المربد وزوجــــها في النـــادي يعــــلم مــــا في غــــــد
وقال× لهن: قولوا: أتيناكم أتيناكم، فحيانا وحياكم([65]).
أو إشارة إلى قول النبي‘ لعائشة: أهديتم الجارية (التي زوَّجها رسول الله‘) إلى بيتها، قالت: نعم، قال: فهلاّ بعثتم معهم من يغنيهم، يقول: أتيناكم أتيناكم، فحيونا نحييكم، فإن الأنصار قومٌ فيهم غزل([66]).
وفي صحيح البخاري أن النبي‘ قال لها: يا عائشة، ما كان معكم لهو؛ فإن الأنصار يعجبهم اللهو([67])، ولم يشِرْ إلى الغناء المعروف.
وفي الطبقات الكبرى([68]) أن النبي‘ قال لهم: قولوا: أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم، لولا الحنطة السمراء لم نحلل بواديكم، ولولا الذهب الأحمر ما جئناكم.
وأيّاً كان فلا إشكال في دلالتها، بل هي أقوى من كثير من الروايات؛ لأن ظاهرها تحريم نفس اللحن الغنائي، ولو كان مضمونه حقّاً وصدقاً؛ لأن ذلك لا يخرجه عن اللهوية. نعم، ليس هذا المضمون من المضامين والمعاني المحبوبة والمطلوبة شرعاً، كالأذكار والمدائح والمراثي. فلا ينبغي الخلط بين حقانية المعنى وبين مطلوبيته. كما لا ينبغي قياس أحدهما بالآخر.
إنما الإشكال في سند هذه الرواية، فقد ضعَّفه سيدنا الأستاذ كاظم الحائري في إحدى مقالاته([69]). وليس في السند من يتطرق إليه الشك سوى (عبد الأعلى) راوي الحديث؛ لأن السند عبارة عن: الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن يونس بن يعقوب، عن عبد الأعلى. وهؤلاء كلُّهم معروفون بالوثاقة والفضل، سوى عبد الأعلى، فإنه مردَّد ـ كما يتوهم ـ بين عبد الأعلى بن أعين الثقة وبين عبد الأعلى مولى آل سام المجهول، إلا أن الصحيح أولاً: اتحاد الرجلين، وأن هناك رجلاً واحداً، وهو عبد الأعلى بن أعين مولى آل سام، وهو ثقة معتمد. وثانياً: إن عبد الأعلى في هذه الرواية خاصة هو عبد الأعلى بن أعين؛ لأن الراوي عنه فيها هو يونس بن يعقوب، وهو قد روى تارة عن (عبد الأعلى) مجرَّداً، وأخرى عن (عبد الأعلى بن أعين)([70])، مما يدل على وحدتهما في رواياته. ويضاف إلى ذلك ما ذكره السيد الخوئي& في المعجم([71]) من أن عبد الأعلى في الروايات هو ابن أعين الثقة. ولعله لمعروفيته وشهرته، على ما يظهر من الرسالة العددية للشيخ المفيد. وتفصيل البحث في محله.
5ـ رواية محمد بن عمرو بن حزم ـ من حديث ـ قال: دخلت على أبي عبد الله× فقال: الغناء، اجتنبوا الغناء، اجتنبوا قول الزور، فما زال يقول: اجتنبوا الغناء اجتنبوا، فضاق بي المجلس، وعلمت أنه يعنيني([72]).
وهي تامة الدلالة، لكنها ضعيفة؛ بعدة مجاهيل.
الثانية: روايات حرمة استماع الغناء. وهي تدل على حرمة الغناء نفسه بالملازمة العرفية، وهي:
1ـ صحيحة عنبسة، عن أبي عبد الله×، قال: استماع اللهو والغناء ينبت النفاق كما ينبت الماء الزرع([73]).
وهي تامة سنداً؛ لأن عنبسة فيها هو ابن بجاد العابد، الذي يروي عنه الحسن بن محبوب، وهو ثقة. لكنها ضعيفة الدلالة على الحرمة، وخصوصاً مع عطف الغناء على اللهو الظاهر في المطلق؛ لأن مطلق اللهو ليس حراماً.
2ـ رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر× قال: سألته عن الرجل يتعمد الغناء يجلس إليه؟ قال: لا([74]).
والظاهر أن المقصود بالسؤال هو عن الاستماع إلى الغناء، ولذلك عدّاه بـ «إلى». فليس المقصود السؤال عن مجرد الجلوس عند المغني، وإلا لقال: «يجلس عنده». وعلى كلا التقديرين فلا إشكال في دلالتها على حرمة أصل الغناء، كما هو واضح. لكن المشكلة في مصدر هذه الرواية؛ لأنها من كتاب علي بن جعفر. وهذه النسخة المتداولة التي يروي عنها صاحب الوسائل غير معتبرة على التحقيق. نعم، يصلح ما فيها لتأييد معتدّ به.
3ـ صحيحة مسعدة بن زياد، التي رواها المشايخ الثلاثة، قال: كنت عند أبي عبد الله×، فقال له رجل: بأبي أنت وأمي، إني أدخل كنيفاً، ولي جيران، وعندهم جوارٍ يتغنين ويطربن بالعود، فربما أطلت الجلوس استماعاً مني لهن؟ فقال×: لا تفعل، فقال الرجل: والله، ما آتيهنّ، إنما هو سماع أسمعه بأذني، فقال: لله أنت، أما سمعت الله يقول: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ ؟! فقال: بلى والله، لكأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله من عربي ولا من عجمي، لا جرم أني لا أعود إن شاء الله، وإني أستغفر الله، فقال له: قم، فاغتسل وصلِّ ما بدالك، فإنك كنت مقيماً على أمر عظيم، ما كان أسوأ حالك لو متَّ على ذلك، احمد الله وسَلْه التوبة من كل ما يكره، فإنه لا يكره إلا كل قبيح، والقبيح دعه لأهله، فإن لكلٍّ أصلاً([75]).
ولكن يمكن المناقشة في دلالتها بأن مورد السؤال هو استماع الغناء مع العود، فيحتمل تعلق النهي بهما معاً، أو بأحدهما خاصة. ومع ورود الاحتمال يبطل الاستدلال. اللهم إلا أن يقال: إن قوله×: فإنه لايكره إلا القبيح، والقبيح دعه لأهله، نهيٌ عما سئل عنه لقبحه، ولا ريب ـ بملاحظة الروايات ـ في قبح أصل الغناء، ولو من دون عود وشبهه، فتأمَّل.
4ـ صحيحة محمد بن مسلم وأبي الصباح الكناني ـ المتقدمة ـ، عن أبي عبد الله×، في قوله الله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾، قال: الغناء، حيث إن الشاهد فيها إما الاستماع؛ أو مجرد حضور المجلس، فتدل على حرمة أصل الغناء.
5ـ ومما يلحق بهذه الطائفة صحيحة حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله×، قال: سألته عن قول الزور؟ قال: منه قول الرجل للذي يغني: أحسنت([76]). وقد رواها الصدوق& في «معاني الأخبار» منفرداً.
وظاهر السؤال هو عن قول الزور، الوارد في آية: ﴿واجتنبوا قول الزور﴾. وقد طبَّقه الإمام× في هذه الرواية على قول الرجل: أحسنت. وهو يناسب ويلازم عرفاً وعند المتشرعة حرمة نفس الغناء، وإلا فما معنى حرمة قول: (أحسنت) لو كان الغناء غير محرم؟!
ولا ينبغي أن يتوهم معارضة هذه الرواية للروايات السابقة التي فسرت الزور بنفس الغناء؛ لأنها جميعاً من باب الجري والتطبيق للمصداق، وليس من باب بيان المفهوم وتعريفه، كما هو واضح ومحقَّق.
6ـ مرسلة إبراهيم بن أبي البلاد، الواردة في بيع المغنية، عن أبي الحسن× قال: لا حاجة لي فيه، إنّ هذا سحت. وتعليمهن (المغنّيات) كفر. والاستماع منهن نفاق. وثمنهن سحت([77]).
إلا أنها ضعيفة؛ بالإرسال. وقد وردت بسند صحيح، وليس فيها التعليم والاستماع.
7ـ رواية سعيد بن محمد الطاطري (الطاهري)، عن أبيه، عن أبي عبد الله×، قال: سأله رجل عن بيع الجواري المغنيات؟ فقال: شراؤهن وبيعهن حرام، وتعليمهن كفر، واستماعهنّ نفاق([78]).
وهي أيضاً ضعيفة؛ بجهالة الوالد وما ولد.
الثالثة: روايات حرمة بيع المغنية وكسبها، وهي:
1ـ صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد، التي رواها عبد الله بن جعفر عن محمد بن الحسين (ابن أبي الخطاب)، عنه، في قرب الإسناد ـ ورواها الكليني والشيخ باختلاف، إلا أن في إسنادهما ضعف الإرسال ـ، قال: قلت لأبي الحسن الأول×: جعلت فداك، إن رجلاً من مواليك عنده جوار مغنِّيات، قيمتهن أربعة عشر ألف دينار، وقد جعل لك ثلثها، فقال: لا حاجة لي فيها، إن ثمن الكلب والمغنية سحت([79]).
2ـ ما ورد في التوقيع الشريف للإمام الحجة# قال: وثمن المغنية حرام([80]).
لكنها غير واضحة من حيث السند ومجهولة.
3ـ رواية الحسن بن علي الوشّاء قال: سئل أبو الحسن الرضا× عن شراء المغنية؟ قال: قد تكون للرجل الجارية تلهيه، وما ثمنها إلا ثمن كلب، وثمن الكلب سحت، والسحت في النار([81]).
وقد رواها الكليني، إلا أنها مخدوشة بسهل بن زياد.
4ـ رواية نصر بن قابوس قال: سمعت أبا عبد الله× يقول: المغنية ملعونة، ملعون من أكل كسبها([82]).
وهي ضعيفة؛ بجهالة إسحاق بن إبراهيم؛ وبورود اللعن في بعض المكروهات أيضاً، فتأمل.
5ـ صحيحة أبي بصير قال: قال أبو عبد الله×: أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس، وليست بالتي يدخل عليها الرجال([83]).
وقد رُويت هذه الرواية بأسانيد متعددة. وهذا السند أصحها. ولذلك اختلفت متونه بعض الاختلاف. وأخرجها المشايخ الثلاثة كلهم. وأفتى بمضمونها المشهور، فقيَّد حرمة الغناء بغير المغنية في الأعراس، وهي مشعرة، بل ظاهرة ـ خصوصاً بملاحظة ما ورد في بعض متونها من سؤال أبي بصير عن كسب المغنيات ـ في حرمة كسب المغنية في الجملة، إلا في العرائس؛ لأن تجويز كسبها في محل الكلام يفهم منه عرفاً ـ أي بحسب عرف المتشرّعة ـ حرمة كسبها في غير العرائس ولو في الجملة. وبعبارة فنية: إن القيد في الرواية قيد احترازي له مفهوم جزئي.
وخلاصة مضمون هذه الطائفة هي حرمة بيع المغنية (بأي معنى فسَّرناه)، وحرمة كسبها من صناعة الغناء، فتدل على حرمة أصل غنائها؛ بالملازمة العرفية والشرعية، كما هو واضح.
الرابعة: روايات النهي عن مطلق الملاهي، التي تشمل الغناء بإطلاقها، بل القدر المتيقن منها هو الغناء وآلاته. ومن هنا طبقت آية (لهو الحديث) على الغناء. وهي روايات عديدة، لكن أكثرها ضعيفة السند. وأصح ما فيها هو ما رواه الكليني منفرداً بإسناده الصحيح عن حمران، عن أبي عبد الله×، في حديث مفصَّل طويل، قال× فيه: ألا تعلم أن من انتظر أمرنا، وصبر على ما يرى من الأذى والخوف، فهو غداً في زمرتنا؟ فإذا رأيت الحق قد مات وذهب أهله…، ورأيت الملاهي قد ظهرت، يمر بها لا يمنعها أحد أحداً، ولا يجترئ أحد على منعها..، ورأيت القرآن قد ثقل على الناس، وخفّ على الناس استماع الباطل…، فكن مترقِّباً، واجتهد ليراك الله عز وجل في خلاف ما هم عليه…الحديث([84]).
وهناك طائفة أخرى من الروايات هي أخبار حرمة التغني بالقرآن الكريم. وقد أعرضنا عنها؛ لأجل ضعفها؛ ولما يأتي من البحث عنها في مستثنيات حرمة الغناء لاحقاً إن شاء الله تعالى.
نتيجة البحث في أدلة حرمة الغناء
يستفاد من أدلة حرمة الغناء عدة أمور:
الأول: إنه لا شك في حرمة الغناء ـ أعاذنا الله منه ـ وعدم جوازه؛ بملاحظة الإجماع والآيات والروايات. إلا أن المهم في المقام هو استشكاف هل أن الحرمة ذاتية أو عرضية؟ أي هل تعلقت الحرمة بالغناء بما هو غناء أو أنها تعلقت به بعنوان آخر ملازم له أو غير ملازم؟
وفي الجواب على ذلك لابد من ملاحظة الأدلة المتقدمة:
أما الإجماع فقد عرفت أنه دليل لبي لا ينبغي التمسك بإطلاقه؛ لأنه يرجع إلى ارتكاز الحرمة عند المتشرعة من الرواة والفقهاء؛ ولأن أدلة المجمعين اللفظية قد وصلت إلينا، فلابد من النظر فيها.
وأما الآيات فلم يرِدْ في القرآن الكريم نصٌّ في حرمة الغناء بعنوانه، وإنما الوارد ـ كما سبق أن عرضنا ـ هو حرمة اشتراء اللهو وقول الزور والباطل.
وقد سبق أن أثبتنا ـ ولو بملاحظة الروايات الواردة في تفسيرها وتطبيقاتها ـ أن من مصاديق اللهو واللغو والباطل الغناء، فلا يثبت بالآيات إلا حرمة ما كان من الغناء لهواً وزوراً؛ لأننا بيّنا في تعريف الغناء أنه أعم وأوسع مفهوماً من اللهو والباطل من وجه، أي بينهما عموم وخصوص من وجه لغةً، وإنْ كان الحق انصراف الغناء إلى ما كان لهواً وباطلاً؛ لأن أغلب مصاديقه هو الغناء اللهوي والباطل، ولذلك جعل في الروايات من مصاديق اللهو والزور، وهو الذي انتشر في البلاد الإسلامية بين الخلفاء والولاة والمترفين والفساق، فلم يكن يتبادر إلى الذهن ابتداءً إلا الغناء اللهوي، فاتَّضح أن المستفاد من الآيات هو حرمة الغناء حرمة عرضية، أعني حرمته لأجل كونه لهواً وباطلاً وزوراً، لا بما هو هو.
وأما الروايات فهي بجميع طوائفها لا تثبت حرمة الغناء حرمة وذاتية، لأن ما صح من روايات الطائفة الأولى سنداً ودلالة هو صحيحة الريان بن الصلت وعبد الأعلى، وفي كلتيهما تحريم الغناء بمناط كونه باطلاً ولهواً. ولم يصح من الطائفة الثانية شيء تطمئن إليه النفس سنداً ودلالة؛ ليتمسك بإطلاقه كما تقدم. وليس في الطائفة الثالثة إطلاق؛ لأن الحرمة المستفادة منها إنما هي بالدلالة الالتزامية لحرمة بيع المغنية وكسبها، ولا إطلاق في أصل المدلول المطابقي؛ لأن غناء المغنيات كان باللهو والباطل، كما هو واضح. وأما الطائفة الرابعة فأمرها واضح؛ إذ لم يرِدْ فيها عنوان الغناء لكي يستدل بها على حرمته ذاتاً.
هذا كله مضافاً إلى ما تقدم من أن المنصرف عرفاً من الغناء هو ما كان لهواً وباطلاً، وبهذه العناوين ورد عليه التحريم.
ولا ريب في صدق ذلك على الأغاني المعروفة المتداولة في هذا الزمان، فتحريمها لا شبهة فيه ولا ريب.
الثاني: يتفرَّع على الأمر السابق أن الغناء إذا كان لا ينطبق عليه عنوان اللهو والزور والباطل فليس بحرام بحرمة الغناء، ومنه: الغناء في القرآن، والمدائح، والمراثي، والأدعية، والمناجاة؛ لأن الغناء فيها لا تصدق عليه تلك العناوين، إلا إذا كان بألحان أهل الفسوق والمعاصي، ممّا يصيِّره عملاً لهواً وباطلاً.
وسيأتي إنشاء الله تعالى البحث عن هذه الأمور بالتفصيل عند دراستنا لمستثنيات حرمة الغناء.
الثالث: ظهر مما تقدم أن الغناء اللهوي حرام، سواء اشتمل على الترجيع في الصوت والتقطيع والترديد أم لا، وسواء كان بمد الصوت أم لا؛ لأننا ذكرنا سابقاً كلمات اللغويين والفقهاء الظاهرة في تقييد الغناء بمد الصوت مع الترجيع، إلا أن ذلك بحسب عرفهم وزمانهم وما هو الغالب، وإلا فإننا نشاهد بالوجدان في عصرنا هذا بعض ألحان الأغاني خالية وعارية عن هذه الأوصاف، لأن أساليب الغناء وألحانه تتطور وتتجدد مع مرور الزمان كغيره من الأمور، فربَّ غناء في زمان لم يكن يصدق عليه الوصف في زمان قبله، مع أن كله غناء عند العرف لما يشتمل عليه من الصوت الحسن الجميل المؤثر في النفوس والمطرب لها، فالمهم إذاً هو تحقق عنوان اللهو والباطل في الصوت، فيحرم حينئذٍ.
الرابع: ظهر أيضاً مما سبق أن الغناء محرم، سواء كان مطرباً، بمعنى الخفة الناتجة عن الفرح أو الحزن، أم لا، لأننا أوضحنا بما لا مزيد عليه في معنى الغناء أن الطرب بذلك المعنى ليس هو مقصود اللغويين في تعريفهم للغناء بالتطريب، بل مقصودهم المعنى الآخر له، وهو الترجيع في الصوت، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى قد يكون الغناء مطرباً (الخفة لفرح) وقد لا يكون كذلك، وإن كان الغالب الأول فيه فيحرم مطلقاً، إذا كان لهويّاً وباطلاً وزوراً، وإن كان بصوت قبيح رديء لا يحرك ساكناً في النفس، أو كان بلحن قديم ليس له موقع في الزمان الحاضر.
السادس: إنه ثبت بما تقدم من الأدلة على حرمة الغناء حرمته، سواء كان مقترناً بأمور محرمة، من آلات اللهو والاختلاط الجنسي ونحوها، أم لا؛ لأن الأدلة كلها مطلقة، بل آبية عن التقييد بعد أن كان الغناء بنفسه لهواً وباطلاً وزوراً (غالباً)، وقد أنيطت الحرمة بهذه العناوين، فلا يصح تقييد حرمة الغناء بما إذا اقترن بآلات اللهو، فإنه يرجع إلى تقييد حرمة اللهو باللهو، وهو لا معنى له.
4ـ نظرية تجويز الغناء، تحليل ونقد
ومن هنا يظهر ما في رأي المحدث الكاشاني&(1091هـ) ومن تبعه؛ فإنه مما لا يمكن المساعدة عليه بوجه من الوجوه؛ فإنه خص حرمة الغناء بما اشتمل واقترن بالمحرَّمات الشرعية. فقال في مفاتيح الشرائع([85]): الذي يظهر من مجموع الأخبار الواردة في الغناء، ويقتضيه التوفيق بينها، اختصاص حرمته وحرمة ما يتعلق به من الأجر والتعليم والاستماع والبيع والشراء كلها بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن بني أمية، من دخول الرجال عليهن، واستماعهم لصوتهنّ، وتكلّمهنّ بالأباطيل، ولعبهنّ بالملاهي من العيدان والقضيب وغيرها. وبالجملة ما اشتمل على فعل محرم، دون ما سوى ذلك؛ لما يشعر به قوله×: «ليست بالتي يدخل عليها الرجال». وذكر نحو ذلك في المحجة البيضاء، كما سبق.
وقد تبع المحدث الكاشاني في هذا الرأي أستاذنا السيد كاظم الحائري في مقالته([86]) عن الغناء، فقال: «وقد تلخص من كل ما ذكرناه أن الغناء وحده ليس حراماً، وإنّما يحرم إذا اقترن بدخول الرجال أو الموسيقى. وإن الغناء بالقرآن ونحوه بلا موسيقى ليس حراماً، ولا مكروهاً». لكنه استدرك أخيراً وقال: وقد ثبت بظواهر بعض النواهي السابقة حرمة الغناء اللهوي.
واستدل السيد الأستاذ على كلامه الأول بروايتين:
الأولى: صحيحة أبي بصير المتقدمة قال: قال أبو عبد الله×: أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس، وليست بالتي يدخل عليها الرجال.
وقد روى هذه الرواية المشايخ الثلاثة، إلا أنه في الكافي([87]) والتهذيب([88]) والاستبصار([89]) وردت كلمة (ليست) بدون العطف بالواو على ما سبقها، وفي الفقيه([90]) مع العطف بالواو، كما أثبتناها عن الوسائل.
وكيف كان فتقريب الاستدلال بهذه الرواية على عدم حرمة الغناء غير المقترن بدخول الرجال هو: إن قوله×: «ليست بالتي يدخل عليها الرجال» بمثابة التعليل لجواز الغناء في الأعراس، فيثبت به جوازه مطلقاً، إذا لم يقترن بدخول الرجال.
ويلاحظ على ذلك:
أولاً: بما ذكره الأستاذ نفسه من احتمال أن يكون قوله: «ليست…» بمثابة التقييد لجواز الغناء في الأعراس، لا التعليل؛ إذ لم يتصدره أدوات التعليل لكي يكون ظاهراً فيه، وخصوصاً على نسخة العطف بالواو، كما في الفقيه. فالرواية مجملة من هذه الجهة.
وثانياً: إن تقييد حرمة الغناء بذلك مخالف للإجماع الذي أثبتنا حجيته فيما نحن فيه. والإجماع الحجة يفيد اليقين الذي لا يتزلزل بهذه الرواية وأمثالها.
وثالثاً: بما أشرنا إليه من أن المستفاد من الآيات والروايات هو أن حرمة الغناء بمناط اللهو والباطل والزور. وهذا يتحقق ولو من دون اختلاط الجنسين. وتقييده بعدمه غير عرفي وغير معقول. فلاحظ ـ مثلاً ـ صحيحة الريان بن الصلت المتقدمة، فهل تجد فيها قابلية التقييد بذلك؟
ورابعاً: إن تقييد جميع الروايات الواردة في تحريم الغناء، البالغة حدّ الاستفاضة، بل التواتر، سواء ما ورد منها في تفسير الآيات أم غيرها، بهذه الرواية الواحدة غير مقبول عرفاً أبداً؛ فإنه من أوضح مصاديق تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلا يعقل تقييد كل تلك الأخبار الكثيرة بهذه الرواية.
الثانية: رواية علي بن جعفر، عن أخيه×، قال: سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر والأضحى والفرح؟ قال: لا بأس به، ما لم يزمر به([91]).
وهذه الرواية انفرد بها علي بن جعفر في مسائله، ونقل عنها الحميري في قرب الإسناد، عن عبد الله بن الحسن، عنه. إلا أن في قرب الإسناد: «ما لم يُعصَ به» بدلاً من «ما لم يزمر به». ولكن ما في الأخير غير معتبر؛ بجهالة عبد الله بن الحسن.
وقد أفاد السيد الأستاذ بأن هذه الرواية تدل على جواز الغناء الخالي عن الموسيقى، حتى في غير القرآن.
أقول: إن الجواب التفصيلي عن هذه الرواية سيأتي إن شاء الله في بحثنا عن مستثنيات حرمة الغناء. ولكن نسجل عليها هنا الملاحظات التالية:
الأولى: ورد في بعض نسخ كتاب المسائل «ما لم يؤمر به»، بدلاً من «يزمر». وقد أشار إلى ذلك محقِّقو الكتاب المذكور([92]). كما ورد كذلك في الوسائل. ومعه فلا يصح الاستدلال بالحديث.
الثانية: إن قوله×: «ما لم يزمر به» ليس بمعنى ما لم يقترن الغناء بالمزمار ـ كما أفاد الأستاذ ـ، بل بمعنى: ما لم يكن الصوت بنفسه صوتاً مزمارياً، كما ذكر السيد الخوئي&([93]). وهو الأنسب والأوفق لأدلة حرمة الغناء، من الإجماع والآيات والروايات. والمراد بذلك هو أن الغناء يجوز ما لم يكن بصوت مزماري، وهو الصوت واللحن المطرب اللهوي الباطل. فتكون الرواية موافقة لما قدمناه من حرمة الصوت اللهوي، دون غيره، ولا أقل من احتمال ذلك، الموجب للإجمال، وعدم صحة الاستدلال.
الثالثة: إن مورد هذه الرواية هو الفطر والأضحى والأفراح، ولا ينبغي التعدي عنه إلى غيره، والفتوى بعدم حرمة الغناء غير المقترن بالموسيقى مطلقاً.
الرابعة: يرد على هذه الرواية ما أوردناه على الرواية السابقة من الملاحظات الثلاثة الأخيرة.
هذا كله بناء على صحة النسخة الواصلة إلينا من كتاب علي بن جعفر، وإلا فالقضية سالبة بانتفاء الموضوع. والحق أنها غير معتبرة، وليست بحجة، كما سيأتي بعض الكلام عن ذلك لاحقاً إن شاء الله تعالى.
فاتَّضح عدم صحة ما ذهب إليه المحدِّث الكاشاني&، وما استدل به السيد الأستاذ؛ لإثباته ونصرة مذهبه.
ثم إن السيد الأستاذ(حفظه الله)، بعدما استنتج من الروايتين عدم حرمة الغناء غير المقترن بدخول الرجال والموسيقى، ذكر أنه ثبت بظواهر بعض النواهي حرمة الغناء اللهوي. وإذا أضفنا إلى ذلك ما ذكره في تعريف الغناء، من أنه الصوت المطرب، وأن المفهوم منه ما كان مستعملاً عادةً للتلهي والتلذذ، ويستعمل لذلك، كانت النتيجة حرمة الغناء مطلقاً، سواء اقترن بدخول الرجال والموسيقى وأمثالها من المحرمات أم لا؛ لأن الغناء إذا كان صوتاً لهوياً، وثبتت حرمة ذلك، صارت النتيجة حرمة مطلق الغناء. وهذا ما يتعارض تماماً مع ما توصل إليه من عدم حرمة الغناء غير المقترن بما ذُكر.
هل هناك دليل على جواز الغناء؟
وفي ختام البحث نشير إلى أنه لا يوجد أي دليل في مصادرنا الروائية والفقهية ـ ولو رواية ضعيفة ـ يدل على جواز الغناء بشكل مطلق. فاحتمال جوازه مطلقاً لا ينبغي أن يتطرق إلى ذهن الشيعي بعد تلك الأدلة الدامغة على حرمته. نعم، ورد جوازه في غناء المغنية في الأعراس ونحوه ـ كما تقدمت الإشارة إلى مدركه ـ، لكن إذا ثبت ذلك فهو تخصيص لحرمته المطلقة، وليس دليلاً على إباحته مطلقاً. هذا ما عندنا.
وأما ما عند العامة فقد أوردوا روايات نسبوها إلى النبي الأكرم‘ تدل بظاهرها على جواز الغناء، ولو اقترن بالآت اللهو واللعب. ولأجلها ذهب بعضهم إلى إباحة الغناء، بل اشتهر بينهم ذلك، كما تقدم.
فمن تلك الروايات ما خرّجوه في سننهم وصحاحهم عن عائشة قالت: دخل عليّ رسول الله‘، وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش، وحوَّل وجهه، ودخل أبو بكر، فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند رسول الله‘، فأقبل عليه رسول الله‘، فقال: دعهما، فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فلما سألت النبي‘ قال: أتشتهين تنظرين؟ قلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة، حتى إذا مللت، قال: حسبك؟ قلت: نعم، قال: فاذهبي»([94]).
ومنها ما رووه أن أمة سوداء أتت إلى النبي‘ بعد رجوعه من بعض مغازيه، فقالت: إني كنت نذرت إن ردَّك الله سالماً أن أضرب عندك بالدف وأتغنّى، فقال لها النبي‘: إن كنتِ نذرتِ فاضربي، وإلا فلا، فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر، وهي تضرب، ثم دخل عليّ، وهي تضرب، ثم دخل عثمان، وهي تضرب، ثم دخل عمر، فألقت الدف تحت استها، ثم قعدت عليه، فقال رسول الله‘: إن الشيطان يخاف منك يا عمر…»([95]). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث بريدة. وغيرها من الأحاديث والروايات التي تشهد متونها على فسادها وسقمها. وليست هي إلا كسائر أحدايث الفضائل المختلفة الموضوعة للرفع من شأن بعض الصحابة، ولو كان على حساب النبي الأكرم‘ وأخلاقه وزهده وحكمته وعصمته…. فلا حاجة إذاً في البحث عن أسنادها ومدركها، والبحث عن معارضتها لما روي عن أهل بيت النبي الأعظم^ بأسانيد صحيحة من حرمة الغناء، وتنزيه ساحة رسول الله‘ عن هذه الخزعبلات والترهات والأباطيل.
ومما يلفت النظر في روايات أصحابنا في المقام عن الأئمة^ أنه مع اشتهار مثل هذه الأخبار الموضوعة، وكثرة القائل بها، عند أبناء العامة، لم يرِدْ أيُّ حديث يردّ أو يؤيد مثل تلك الأخبار، أو يدل على حلية الغناء والملاهي ـ كما أشرنا ـ، الأمر الذي يدل على أن أئمة الهدى^ لم يتقوا في هذه المسألة عن العامة، ولم يداروهم فيها، كما اتقوا في بعض المسائل، مما يكشف عن حرمة الغناء حرمة شديدة، لاتقية فيها ولا مداراة ولا تساهل، كما في الخمر وشبهه، فتدبر.
الهوامش
(*) باحث وأستاذ في الحوزة العلمية في مدينة النجف، من العراق.
([1]) الجوهري، الصحاح 6: 2449.
([2]) المصدر السابق 2: 516.
([3]) المصدر السابق، 6: 2390.
([4]) العين 1: 349.
([5]) المصدر السابق 4: 450.
([6]) النهاية في غريب الحديث 3: 391.
([7]) لسان العرب 8: 165.
([8]) المصدر السابق 13: 379 فما بعدها.
([9]) المصدر السابق 14: 168.
([10]) المصدر السابق 15: 139 فما بعدها.
([11]) تاج العروس 11: 227.
([12]) مقدمة ابن خلدون: 441.
([13]) العين 7: 420.
([14]) لسان العرب 1: 557.
([15]) الأنصاري، المكاسب 3: 196، وغيره؛ صحاح الجوهري 1: 171.
([16]) حاشية رد المختار 6: 664.
([17]) غناء موسيقي 3: 2302.
([18) تحرير الأحكام 2: 209.
([19]) الدروس الشرعية 2: 126.
([20]) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 3: 212.
([21]) صحيح البخاري 8: 209.
([22]) المصدر السابق 6: 108.
([23]) ابن قدامة 1: 806.
([24]) نيل الأوطار 8: 264 فما بعدها.
([25]) الفقه على المذاهب الأربعة 2: 41 ـ 44.
([26]) المجموع 20: 229 فما بعدها.
([27]) إحياء علوم الدين 2: 107ـ 108.
([28]) العقد الفريد 2: 390.
([29]) المبسوط 16: 38.
([30]) للاطلاع على مزيد من المعلومات حول آراء العامة وفتاواهم في الغناء راجع: كتاب (غناء موسيقي) الفارسي، لمجموعة من المؤلفين 3: 2297 فما بعدها، فإنه بلغ الغاية في استعراض آرائهم وكلماتهم.
([31]) شرح الأزهار 4: 383.
([32]) مسند زيد بن علي: 423.
([33]) دعائم الإسلام 2: 207 فما بعدها.
([34]) جواهر الكلام 22: 44.
([35]) فقه الرضا: 281.
([36]) المقنع: 455.
([37]) الكافي: 281.
([38]) المقنعة: 587 ـ 588.
([39]) الخلاف 6: 305.
([40]) المبسوط 8: 223.
([41]) النهاية: 365.
([42]) المهذب: 344.
([43]) السرائر 2: 120و222.
([44]) المحجة البيضاء 5: 226ـ227.
([45]) كفاية الأحكام 1: 434.
([46]) (يضاف إلى المتن مباشرة) : لأنه لو كان جائزاً لصدرت عنهم^ روايات ولو قليلة، ووصلت إلى الرواة والفقهاء؛ لأن المسألة مما يكثر بها الابتلاء. فوجود أخبار الحرمة، وفتوى الأصحاب طبقها، وعدم وجود ونقل أخبار جواز، يكشف بنحو القطع عن حرمة الغناء وعدم جوازه شرعاً…(يتبع بـ: نعم بما…) .
([47]) تفسير القمي 2: 161.
([48]) الدر المنثور 5: 158.
([49]) الوسائل 17: 304.
([50]) المصدر السابق 17: 306.
([51]) الدر المنثور 5: 159.
([52]) المصدر السابق.
([53]) الوسائل 17: 303.
([54]) المصدر السابق: 305.
([55]) المصدر السابق.
([56]) دعائم الإسلام 2: 208.
([57]) الدر المنثور 5: 80.
([58]) الوسائل 17: 308.
([59]) المصدر السابق: 316.
([60]) يتبع بـ (وإن كان المناسب له؛ بملاحظة الروايات، كونه بمعنى الباطل، لا مجرد الكذب؛ لأن الغناء مصداق بارز للأول، وإن صدق عليه الثاني أحياناً). وأما الاستشهاد….
([61]) الوسائل 17: 303.
([62]) المصدر السابق: 305.
([63]) قرب الإسناد: 148. وأورده صاحب الوسائل في 17: 306، نقلاً عن الكافي: عن العدة، عن سهل، عن علي بن الريان، عن يونس. وهذا ضعيف؛ بسهل، لكن رواية الريان المروية في قرب الإسناد وعيون أخبار الرضا× (2: 14) صحيحة تامة.
([64]) الوسائل 17: 307؛ الكافي 6: 433.
([65]) السنن الكبرى 7: 289.
([66]) مسند أحمد 3: 391.
([67]) صحيح البخاري 6: 140.
([68]) الطبقات الكبرى 8: 440.
([69]) مجلة فقه أهل البيت، العدد 40: 19.
([70]) مثال الأولى في الوسائل 22: 73، و25: 73؛ ومثال الثاني 17: 358، و3: 409.
([71]) معجم رجال الحديث 9: 254 ـ 255.
([72]) الوسائل 17: 309.
([73]) المصدر السابق: 316.
([74]) المصدر السابق: 312.
([75]) الوسائل 3: 332.
([76]) الوسائل 17: 309.
([77]) المصدرالسابق: 124.
([78]) المصدر السابق.
([79]) الوسائل: 123.
([80]) المصدر السابق.
([81]) المصدر السابق: 124.
([82]) المصدر السابق: 121.
([83]) المصدر السابق.
([84]) الوسائل 16: 170 ـ 175.
([85]) مفاتيح الشرائع 2: 21.
([86]) مجلة فقه أهل البيت، العدد40.
([87]) الكافي 5: 120.
([88]) التهذيب 6: 357.
([89]) الاستبصار 3: 62.
([90]) من لا يحضره الفقيه 3: 161.
([91]) الوسائل 17: 122.
([92]) مسائل علي بن جعفر: 156.
([93]) مصباح الفقاهة 1: 309.
([94]) صحيح البخاري 2: 2.