ـ القسم الثاني ـ
نظرية فضل الرحمن في الاجتهاد الديني(*)
نظرية فضل الرحمن في الاجتهاد الديني
انبرى فضل الرحمن لتوضيح منهج استنباط الأحكام للمراحل المتأخرة عن صدر الإسلام، بناء على أساس التحليل الذي استحدثه للتعاليم القرآنية، التي قسمها إلى قسمين: عام وأزلي؛ خاصّ وتاريخي. ويرى أن الاجتهاد الممنهج هو نتاج «الحركتين التوأم»: الحركة من الظروف الراهنة إلى زمن القرآن؛ ومن ثم العودة إلى الوقت الراهن. وتمتلك الحركة الأولى في حدّ ذاتها مرحلتين:
ففي المرحلة الأولى يجب أن تتم دراسة الظروف والسياق التاريخي للقضايا التي نزلت الأحكام لإعطاء الإجابة عن كل واحدة منها. كما ويجب أن تنجز هذه الدراسة على شكل دراسة الظروف والحالة العامة macro situations للمجتمع، والدين، والعادات، والتقاليد الاجتماعية والفردية. وبعبارة أخرى: دراسة الحياة في الجزيرة العربية بشكل عام في فترة ظهور الإسلام. وكذلك دراسة الظروف والحالة الخاصة micro situations لمكة وضواحيها. وبالإضافة إلى ذلك يجب دراسة الظروف والسياق التاريخي لكل واحدة من الأحكام القرآنية التي تم بيانها.
وتتمثل المرحلة الثانية من الحركة الأولى في استخراج القيم القرآنية العامة عن طريق تحليل هذه الإجابات الخاصة، والحصول على المناطات العامة كأهداف اجتماعية وأخلاقية قيمة([1]). وبعبارة أخرى: أشير لمناطات الأحكام أحياناً في آيات القرآن الكريم، وهذه المسألة تحظى بموافقة جميع الفقهاء. ومن ناحية أخرى يرى القائلون بالحسن والقبح العقليين ـ ومنهم فضل الرحمن ـ أن أيّ حكم من الأحكام الخاصة ورد الأمر بها أو النهي عنها بسبب وجود مصلحة أو مفسدة ما في المتعلَّق بها. ومن هذا المنطلق فإن عمل الفقيه في الحركة الأولى يتمثَّل في التوصل إلى هذه المناطات للأحكام؛ ذلك أن هذا العمل يشبه عملية التقطير، حسب تعبير فضل الرحمن؛ إذ يحصل الفقيه بهذه الطريقة على علة الحكم كما يحصل على ماء الورد من التقطير. وفي المرحلة التالية يجب الحصول عن طريق المناطات الجزئية على المناطات الأعمّ، والتي تعد ظهيراً لهذه المناطات الجزئية؛ للوصول إلى أكثر مناطات الأحكام عموميةً. والمناطات العامة هي تلك الأصول الثابتة التي يجب أن تجري كمجرى الروح في جسد جميع الأحكام.
وتعني الحركة الثانية، التي تمثل الحركة من زمن صدر الإسلام إلى الزمن الحالي، تطبيق تلك القيم القرآنية العامة في الظروف الراهنة. وبعبارة أخرى: بنفس الشكل الذي خرجت فيه القيم القرآنية العامة في إطار أحكام خاصة للإجابة عن الظروف السائدة في زمن النبي يجب على تلك القيم العامة أو الأصول الثابتةأن تواجه الظروف التاريخية والاجتماعية والسياسية المعاصرة أيضاً، وتستخرج منها أحكاماً تتطابق مع الحاجة في الوقت الحاضر([2]). ويقول فضل الرحمن: إن التطبيق الصحيح لهاتين الحركتين بحاجة إلى الاستفادة من مختلف الاختصاصات، من قبيل: التاريخ، والتفسير ـ في الحركة الأولى ـ، والعلوم الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية ـ في الحركة الثانية ـ([3]).
كما يلاحظ أن نتيجة الطريقة المقترحة من قبل فضل الرحمن سوف تتمثل بفتح باب الاجتهاد والتجديد والإبداع في الأحكام. ولكن يجب أن لا نغفل عن النقطة التالية، وهي أنه ليس مراد فضل الرحمن من الاجتهاد الاجتهاد المتعارف عليه، والمبنيّ على نصّ الآيات والروايات. إنه يعرّف الاجتهاد بأنه «بذل الجهد لفهم معنى نصٍّ ما أو حكم معين في الزمن الماضي، والذي يشتمل على قانون معين، وتغييره بتطويره، وتوسيع مفاده Expansion، أو تقليصه Restriction. وبعبارة أخرى: الإصلاح على النحو الذي يشمل الظرف المستحدث بحل جديد»([4]). والحقيقة أن مراد فضل الرحمن من هذا التعريف يتمثل في أنه يجب في الاجتهاد أن يصار في البداية إلى تشذيب معنى النص القرآني، أو الروائي، أو الأحكام التي كانت موجودة في سنّة النبيّ الأكرم، من ظروفها التاريخية المحيطة بها، ومن ثم الاستفادة ممّا حصل من ذلك لتوضيح الحكم المطلوب في الظروف الجديدة.
فضل الرحمن والهرمنوطيقا الفلسفية
كل ما تم طرحه حتى الآن في ما يتعلق بالمنهج التفسيري لفضل الرحمن يقوم على المقدمة التالية، وهي أن المفسر يستطيع أن يعود إلى الوراء في التاريخ، وبشكل أدق: يستطيع أن يفهم القرآن الكريم بصورة عينية Objective، وبنفس الشكل الذي كان يفهمه به المسلمون في صدر الإسلام، وأن يستوعب أصوله وقواعده ومقاصده ـ التي لها دور العلة بالنسبة للأحكام ـ. وبعبارة أخرى: الفهم العيني لأيّ نص، وفهم مراد المؤلف منه، أمر ممكن لقرّاء المراحل التاريخية المتأخرة أيضاً. وهذا الرأي ـ الذي يعبَّر عنه كذلك بمصطلح المذهب التاريخي Historicism ـ، ورغم أنه يمتلك ماضياً طويلاً، إلا أنه كان قائماً في القرنين التاسع عشر والعشرين في أوروبا كنظرية بشأن كيفية مواجهة المسائل الاجتماعية الجديدة. وكان التاريخيون يرون بشكل عام أن السنن السائدة في أي مجتمع من المجتمعات تشتمل على ثوابت عامة، وإذا ما أريد لها أن تطبق على الظروف الجديدة يجب أن تطرح وفقاً لضوابط وقياسات جديدة، دون أن يصار إلى تطبيق ذات السنن في كافة الظروف([5]). وبعبارة أخرى: بالإمكان فهم السنن القديمة بذات الشكل الذي كانت تفهم عليه في السابق، واستخراج قواعدها العامة، واستخدامها بصياغة جديدة تتناسب والظروف الجديدة. هذه المقدمة ـ إمكانية الفهم العيني للماضي ـ تم التعرض لها بالنقد والمناقشة في الهرمنوطيقيا الفلسفية. يتمثل المحور الرئيسي للكلام في الهرمنوطيقيا الفلسفية في كيفية الفهم وقد برهن المؤيدون لهذا الرأي، كـ: شلايرماخر، وهارناك، وبولتمان، في دفاعهم عنه على ما يلي: بما أن جميع البشر مشتركون في «حقيقة وجود الإنسان» إذاً فإن كيفية الفهم ستكون متشابهة للجميع. وبعبارة أخرى: يمثل الفهم جانباً من فطرة الناس المتشابهة([6]). وفي المقابل تعرضت نفس هذه المقدمة للتجاذبات من قبل فريق آخر من فلاسفة الهرمنوطيقيا. ومن أبرز الفلاسفة الذين شكَّكوا في هذه المسألة«كادامر» في كتاب«حقيقت وروش (الحقيقة والمنهج)». ويرى كادامر أن نقطة الضعف الرئيسة لهذا الرأي هي في عدم الاهتمام بالاختلافات الموجودة بين الأزمنة والثقافات المختلفة، ومدى تأثيرها في معادلة الفهم، أو الغفلة عنها بشكل كامل. ويرى كادامر أن التحليل النفسي ـ الذي يعد مصطلحاً ذو جنبة سلبية ـ غير كافٍ لفهم نصّ تاريخي معين، والالتفات فقط للفطرة الإنسانية المشتركة، بل يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار كذلك مدى تأثير ثقافة القارئ أو المفسِّر على فهم النصوص التاريخية. والنتيجة التي يخلص لها كادامر هي أن الفهم العيني للنص أو التوصل إلى مراد المؤلف بشكل كامل ـ بالشكل الذي كان يرمي إليه ـ سوف لن يكون ميسوراً على الإطلاق؛ لأننا لن نتمكن من التخلص من تأثير الثقافة والتاريخ([7]) ـ أو ما يسميه كادامر effective history، وهو عبارة عن جميع المقدمات والافتراضات المسبقة التي نحملها عن الإنسان والكون ـ.
وفي هذه الدراسةيشير فضل الرحمن ابتداءً إلى رأي إمليوبتي، الذي يعد أحد ممثلي الرأي الأول، على اعتبار أن الأخذبهذا الرأي سيؤدي إلى غلق باب فهمنا العيني للقرآن، كما كان يفهم عليه في صدر الإسلام. ويرى بتي أن التفسير في الواقع هو الدوران المعكوس لمعادلة التأليف. ولغرض فهم النص يجب أن نرجع إلى ذهن المؤلف عن طريق النص، وأن لا نفهم النص على شكل ظاهرة منفصلة، بل نفهمه كجانب من عموم ذهن المؤلف المنتظم. وبهذه الطريقة يفهم النص في ذهن المفسِّر بذات الشكل الذي كان عليه في ذهن المؤلف([8]). ويوضح فيما بعد ضمن نقده لكادامر أنه يرى أن كلام كادامر صحيح، وأنه على العكس من بتي لا يكتفي بالاهتمام بالصفات الشخصية للمؤلِّف في التفسير، بل يقول بوجوب أن تؤخذ الظروف الاجتماعية والتاريخية وبقية العوامل الأخرى المؤثرة على ملامح شخصية المؤلِّفبنظر الاعتبار أيضاً، بنفس الشكل الذي تم توضيحه آنفاً. وعلى الرغم من كل ذلك يعترف فضل الرحمن أن رأي كادامر يتعارض تماماً مع رأيه، وفي حالة الأخذ برأي كادامر سوف لن يبقى مكان لقبول منهجه التفسيري، أو أي منهج تفسيري آخر للفهم العيني للنصوص التاريخية. ويقول فضل الرحمن، في معرض ردّه على كادامر، موضحاً أنه توجد على مر التاريخ بعض الشخصيات، في جميع الثقافات والسنن، ومنها: الدين الإسلامي، كانت أفكارهم ذات تأثير نافذ وسارٍ بشكل أو آخر على مسيرة تلك الثقافة والسنّة. وكمثال على ذلك: نجد أنه بظهور الغزالي في السنّة الإسلامية حدث تغيُّر في الفكر الإسلامي. ويستنتج أن نقد السنّة وخلق التغيير فيها يستلزم المعرفة والدراية بكل ما تمّ ردّه أو إثباته. وبعبارة أخرى: إن نقد السنّة بحاجة إلى الاطلاع على السنّة. ومن هنا يستنتج أن تغيير هذه المعرفة يحتاج ـ كما يشير كادامر ـ إلى عملية مربكة في دائرة الحياة الغنية بالتاريخ، لا يمكنها أن تمثل توضيحاً مناسباً لهذه التأثيرات العظيمة. ويرى أن إحداث التغيير في السنّة يدل في حدّ ذاته على فهم السنّة. وبعبارة أخرى: يدل على إمكانية الحصول على فهم عيني للتاريخ، وفي الموضوع الذي نحن في صدده فهم القرآن([9]).
منهج الحصول على القواعد العامة للدين الإسلامي
يؤكد فضل الرحمن ـ وكما تم توضيحه ـ على أنه يجب مراعاة الأصول العامة للإسلام في أي حكم من الأحكام بما يتناسب مع ظروف الزمان السائدة. وعلى هذا الأساس فإنه في صدد توضيح طريقة الحصول على هذه القواعد والأصول أيضاً. إنه يقترح طريقتين لتوضيح هذه القواعد:
الأولى: الطريقة التي استخدمت من قبل الصحابة.
الثانية: طريقة التفسير التاريخي للأحكام القرآنية.
المنهج الاجتهادي للصحابة
يرى فضل الرحمن أن هذه الرؤية القلقة سبق وأن كانت موجودة في التاريخ الإسلامي، وكانت تستخدم في عصر صدر الإسلام من قبل الصحابة. فهو يقول: إن الصحابة في صدر الإسلام اتخذوا بعض القرارات عند مواجهتهم للجديد من المسائل في الكثير من الحالات اعتماداً على عموم ما تعلَّموه من القرآن الكريم وسنّة النبي الأكرم، وعاشوا حياتهم على أساسه، من دون أن يكون لهم تأكيد مباشر بالاستناد لآية من آيات القرآن الكريم أو لرواية عن النبي الأكرم‘ (المنهج العقلائي)([10])، بل إنهم كانوا ينبرون للمخالفة في بعض الحالات التي سبق وأن صدر فيها حكم في زمن النبي؛ بدعوى تغيّر الظروف. وبعبارة أخرى: إن سنّة النبي الأكرم‘ قد واصلت ديمومتها وتطورها كسنّة حية بعد وفاته أيضاً في إطار قرارات الصحابة([11]). والمثال الذي يذكره في هذا الصدد يتعلق بعزم الخليفة الثاني على عدم تمليك أراضي الفتوحات في فتح مصر وإيران للمسلمين الفاتحين؛ إذ عندما واجه معارضة المسلمين، واستدلالهم على أن هذا الفعل يعدّ مخالفاً لسنة النبي الأكرم، برَّر عمله هذا بقوله: إن العرب سيتحولون بتقسيم هذه الأراضي إلى أصحاب عقارات وإقطاعيات، وسوف يعرضون عن الجهاد والقتال. وبناءً على الآية الكريمة، من قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ (الحشر: 10)، أصر في المرحلة التالية على قراره، بناء على أساس الروح العامة للقرآن الكريم التي تؤكد على مبدأ العدالة الاجتماعية. على أن هذا القرار تم اتخاذه انطلاقاً من الحفاظ على مصالح الأجيال اللاحقة([12])، ومن دون أي استناد محدَّد لآية أو رواية تدعم فعله هذا([13]). ويتخذ فضل الرحمن هذه الحالة، وغيرها من الحالات الأخرى التي من هذا القبيل، دليلاً على مدّعاه بأن الرؤية الشاملة ـ أي الرؤية التي تأخذ المبادئ الإسلامية العامة بعين الاعتبار في أي حكم فقهي ـ سبق وأن كانت موجودة في صدر الإسلام، وحظيت باهتمام المسلمين بها([14]). وكما يلاحظ فإنه على أساس التفسير التاريخي لمعرفة الأحكام الإسلامية لا يعتبر الاجتهاد مقابل النص أمراً مذموماً وقبيحاً، بل يعتبر منهجاً مقبولاً يتناسب مع الحقائق الموجودة على الأرض. ويتطرق فضل الرحمن في مقالة له([15]) بعنوان (Social Change and Early Sunnah)، بعد توضيحه المفصّل لمراده من «السنّة الحية»، إلى ذكر مجموعة من الأمثلة المختلفة؛ استناداً إلى الأخبار الواردة عن مالك بن أنس في كتاب«الموطأ»، الذي يعد من أقدم الكتب الفقهية لدى السنّة. وبالإضافة إلى ما تقدم ينتقل إلى الحديث عن إلغاء حدّ السرقة في أوقات القحط والفقر، ومنع بيع أم الولد، وتحرير العبد في حالة قيام سيده بإيذائه، وبعض الحالات الأخرى، من قبل الخليفة الثاني، بدون أن تكون لهذه الحالات أحكام سابقة في سنّة النبي الأكرم. ومن خلال تحليله التاريخي للظروف السائدة في عهد الخليفة عمر، وتغير المجتمع الإسلامي بسبب الفتوحات المختلفة، ينبري لإثبات أن سبب هذا التغيير في الحكم الصادر يعود لتغيُّر الظروف الاجتماعية، وخصوصاً في ما يتعلق باتساع رقعة الدولة، ونمو ثروات المجتمع الإسلامي من ناحية، وتدفق سيل العبيد والإماء بعد فتح إيران ومصر من ناحية أخرى. وتتمثَّل النتيجة التي يخلص لها الرحمن من هذا الجزء في أن المسلمين لم ينظروا في القرن الهجري الأول إلى القرآن وروايات النبي الأكرم على أساس أنها سلسلة من التعاليم المتوقفة، فهم يرون أن التعاليم الإسلامية تتسم في حدّ ذاتها بالخلاّقية والحركية والانطباق على مختلف الظروف والمجتمعات. والإسلام هو عبارة عن مجموعة من القيم التي يجب أن تصل إلى مرحلة التطبيق والفعل المتجدِّد في إطار نماذج قابلة للتغيير بشكل مستمر ومتواصل. ويقول: إنه على العكس من الليبراليين، أو ما يسميه بالتصوف السلبي، فهو لا يعارض تطبيق الأصول والقيم في إطار نماذج محددة وواضحة، بل إنه يعترض على النمطية أو الشكلية في الفقه الإسلامي. فهو يرى أن التمسك بالنمطية وإغفال الأصول العامة الحاكمة على الأحكام الإسلامية يؤدي إلى إصابة الفقه الإسلامي بالجمود والتحجُّر([16]).
ويصرِّح فضل الرحمن في مواقف عدّة بأن باب الاجتهاد لم يُغلق لدى السنّة في القرن الرابع أو الخامس الهجري، بل أغلق بظهور الإمام الشافعي في القرن الهجري الثاني. وكان المسلمون حتى زمن ظهور الشافعي عند مواجهتهم للظروف المستجدة يجتهدون على أساس الفهم الذي كان لديهم عن سنّة النبي الأكرم‘ والقواعد الإسلامية ويعطون الحكم الشرعي لأية مسألة على أساس القرآن الكريم وسنّة النبي الأكرم‘، مع الأخذ بنظر الاعتبار ظروفها الزمانية والمكانية، وعلى أساس تلك القواعد العامة. ويضيف قائلاً: 1ـ إنه على العكس من رأي المستشرقين الغربيين فإن «سنّة النبي» كانت أمراً معروفاً للمسلمين في زمن النبي الأكرم، وطيلة فترة القرن الإسلامي الأول، ويرجع إليها المسلمون، ويستندون عليها في مختلف المواقف([17])؛ 2ـ إن نطاق ما كان بين أيدي المسلمين من سنة النبي محدود جدّاً، ولم يشمل جميع تفاصيل الحياة الاجتماعية والفردية؛ 3ـ إن ما كان يعرف بعد وفاة النبي الأكرم تحت عنوان «سنّة النبي» يمثل عنواناً عاماً لـ «سنّة النبي»، والتفسير الجديد الذي كان المسلمون يعطونه عن «سنّة النبي» بما يتطابق والظروف الجديدة؛ 4ـ إن العنوان الآخر الذي كان يستخدم لتفسير معنى «سنّة النبي» من قبل المسلمين هو مصطلح «الإجماع»؛ 5ـ يمثل الاجتهاد إحدى الأدوات التي كان المسلمون يستعينون بها في التفسير الجديد، وقد تم آنفاً توضيح مراد فضل الرحمن من الاجتهاد؛ 6ـ بظهور الشافعي وترسيخ رأيه في ما يتعلق بتقديم الأحاديث بشكل عام، وحجية الخبر الواحد وتقديمه بشكل خاصّ على «الإجماع»، أو تفسير المسلمين لسنّة النبي، تمّ القضاء على العلاقة الطبيعية بين سنّة النبي والاجتهاد والإجماع (التفسير الجديد لسنّة النبي)([18])، وساد الأمر الذي ما زلنا نشهده حتى الآن، أي الكلام والمنهج اللفظي تدريجياً، وتمّ غلق باب الاجتهاد. وبناء على هذا الرأي فإن الإجماع بمعنى عدم وجود المخالف ـ النظرية التي يرتبط رواجها وانتشارها بفترة ما بعد الشافعي ـ لم يكن موجوداً، بل بمعنى الرأي المقبول والمعمول به لدى أكثر الفقهاء، والذي يمكن كذلك أن يكون له مَنْ يخالفه أو يخالفوه. كما أن الإجماع بناء على هذا الرأي يمثل النتيجة المتمخضة عن الاجتهاد، وليس أحد مصادر التشريع الذي يجب أن يتم الاجتهاد بموجبه([19]). كما كانت فتاوى فقهاء المدينة في صدر الإسلام تتباين عن فقهاء مكة والعراق ومصر والشام. ويعود السبب في هذا الأمر ـ برأي فضل الرحمن ـ إلى أن فقهاء كل منطقة أو بلد من البلدان يصدرون فتاواهم بناء على أساس الاحتياجات الاجتماعية والمناخ التاريخي والثقافي لكل بلد من تلك البلدان، وعلى أساس الأصول الإسلامية العامة.
تفسير ودراسة القرآن والسنة
يتمثل المنهج الثاني ـ المستلهم من أسلوب المسلمين في القرن الأول ـ بتفسير القرآن الكريم وسنّة النبي الأكرم‘، ودراستهما؛ بهدف الحصول على القواعد والمبادئ الإسلامية العامة، واستخدام هذه القواعد في الاجتهاد، والمنهج الجديد في إصدار القوانين عن طريق تشخيص علل الأحكام الخاصة، وبعبارة أخرى: الأهداف العامة للقرآن الكريم في وضع القوانين. ويرى فضل الرحمن أن هذا الأسلوب هو الأسلوب المشروع والمنهج الوحيد الممكن اتّباعه لإعادة فتح باب الاجتهاد، كما كان ذلك متَّبعاً في القرن الأول أيضاً. ومن هنا يجب القيام مجدَّداً بدراسة الأحكام الإسلامية على النحو الذي كان المسلمون يتعاملون به مع هذه الأحكام في القرن الإسلامي الأول، ودراستها بظرفها التاريخي، وظروفها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحيطة بها. وفي النتيجة فإن عمل الفقيه عبارة عن استخراج الأصول العامة، وتطبيقها على الحالات الجديدة، وليس التطبيق الحرفي للأحكام التاريخية للكتاب والسنّة على كل حالة ومسألة جديدة([20]). وبرأيه فإن علة الحكم في بعض الأحكام الإسلامية مبيَّنة بشكل واضح في القرآن أو السنّة، «حتى أنه في بعض الحالات التي لم يتمّ فيها ذكر علة أحد الأحكام بشكل صريح وواضح فإن تخمينه سوف لن يكون أمراً صعباً»([21]). وفي كلتا الحالتين سيتمثل الأمر الذي يمكن أن يصبح لنا ملاكاً في العزم ووضع القوانين في التمسك بالعلّة المنصوص عليها، أو العلة التي نحصل عليها من دراسة الظروف التاريخية، وليس الحكم الذي له جنبة تاريخيةبعينه، ويرتبط بزمن النبي ونزول القرآن الكريم.
المبادئ العامة
بناء على الأسلوب المتقدم يكون فضل الرحمن قد تصدى إلى استخراج المبادئ العامة للدين الإسلامي، وأشار إلى نماذج من ذلك في مؤلَّفاته وكتاباته. ومن ضمن المبادئ التي يذكرها: العدالة الاجتماعية؛ والتعاون؛ والأخوة أو المواساة؛ والإيثار([22]). وفي هذا الصدد يعتبر العدالة الاجتماعية أهم هذه المبادئ، ويؤكد على أن تحقيق العدالة الاجتماعية يعد من أهم أهداف الدين الإسلامي([23]). وتصل أهميتها إلى المستوى الذي ذكرت فيه مصاديق لهذا المبدأ إلى جانب التوحيد مراراً، عند ظهور الإسلام، في الآيات المكية للقرآن الكريم، من قبيل: قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ (الحاقة: 33 ـ 34)؛ وقوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ (المدثر: 38 ـ 47)؛ وغيرها من الآيات الكريمة التي تم التأكيد فيها على مبدأ العدالة الاجتماعية بأشكاله المختلفة([24]). وبالإضافة إلى آيات القرآن الكريم فقد أكّد النبي الأكرم بدوره على هذا المبدأ في عدة مواقف، ومنها: خطبته الأخيرة، حيث يقول‘ في هذه الخطبة: «كلكم أبناء آدم… لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض، إلا بالتقوى»([25]). ويصل فضل الرحمن من خلال الاستناد على نماذج أخرى من الآيات والروايات النبوية إلى: أن «ما يستفاد بوضوح من مجموع القرآن وسنّة النبي الأكرم في هذا الشأن أنه لا يمكن تحقيق أية فضيلة أو كمال معنوي بدون قاعدة اجتماعية اقتصادية راسخة وعادلة»([26]). ومن هذا المنطلق نراه يستشهد بالآيات الكريمة لسورة العصر المباركة: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾، وكذلك الآيات التي تؤكد على مبدأ التعاون، أو الآيات والروايات التي تدل على مبادئ الأخوة، والإيثار، ويقول: إن هذه المبادئ هي بمنزلة البنى التحتية للمجتمع الإسلامي، وقيمه، ومبادئه العامة. وبالتالي فإن أي حكم فقهي، في أي زمان، وبأي شكل كان، يؤدي إلى إهمال أحد هذه المبادئ لا بد من إعادة النظر فيه، وصياغته بشكل يمكنه أن يكون بمنزلة المجسد لهذه المبادئ والأحكام.
القيم الإسلامية، حلقة الوصل بين الفلسفة والفقه
المبدأ العام الذي يصر عليه فضل الرحمن هو أن القيم الإسلامية تمثل الحلقة الوسط بين الكلام والفقه. ومراده بهذه المسألة أن الكلام والإلهيات تأخذ على عاتقها إثبات وجود الله تعالى ووحدانيته، وكذلك رسالة النبي الأكرم‘. وتأتي في المرحلة التالية، من حيث المرتبة، منزلة القيم التي أنزل الله سبحانه وتعالى بموجبها الدين الإسلامي كخاتم للأديان؛ لتحقيق تلك المبادئ والقيم. وتأتي منزلة الفقه بعد هذه المرحلة، أي إن الفقه الإسلامي يعني في الحقيقة إعطاء الطرق العملية؛ للوصول إلى تلك المبادئ والقيم.
وبناء على الأسلوب المتقدم يستخدم فضل الرحمن الاجتهاد في سلسلة من الأحكام الاجتماعية التي لا يمكن تطبيقها برأيه ـ بشكلها التاريخي ـ على الزمن الحالي. والواقع أن المواضيع التي تم التطرق لها حتى الآن كانت تمثل الأساس النظري لطرح أسلوب جديد لاستنباط الأحكام. وسنشير هنا إلى نماذج من هذه الأفكار:
فضل الرحمن وفريضة الزكاة
الرأي الذي يقول به فضل الرحمن بشأن الزكاة ـ وبشكل مختصر ـ هو أن من المبادئ القيمة للدين الإسلامي تحقيق العدالة الاجتماعية بين طبقات المجتمع المختلفة. ولغرض الوصول إلى تحقيق هذا الهدف قام النبي الأكرم‘ بتعيين نصاب محدَّد للزكاة. ومن خلال دراسة حكم الزكاة يمكن أن نفهم بشكل جيد أن أخذ الزكاة جاء بهدف تأمين احتياجات المجتمع الإسلامي والفقراء والمحتاجين. ومن ناحية أخرى فإن الزكاة هي الضريبة المالية الوحيدة المذكورة في القرآن الكريم. وقد تضاعفت ـ من جهة أخرى ـ احتياجات المجتمع الإسلامي في الوقت الحاضر بشدة، بحيث إن النصاب الذي تم تعيينه من قبل النبي الأكرم‘ لم يعُدْ في الوقت الحاضر قادراً على تأمين هذه الاحتياجات بشكل كافٍ. ومن هنا؛ وانطلاقاً من المبادئ السامية للدين الإسلامي، والتي تمّ على أساسها تشريع حكم الزكاة، يمكن القيام في الوقت الحاضر بتعيين نصاب جديد للزكاة. وقد اتخذ علماء باكستان موقفاً معارضاً لرأي فضل الرحمن هذا، واستنكروه بشدّة، وقالوا: إنه رأي غير إسلامي. ويشير فضل الرحمن في معرض ردّه على هؤلاء العلماء إلى أن العلماء يعارضون من جهة تغيير نصاب الزكاة، ومن جهة أخرى يعتبرون الزكاة الضريبة المالية الوحيدة في الدين الإسلامي. وبناء على ذلك؛ وانطلاقاً من أن متطلبات المجتمع الإسلامي يجب تأمينها هي الأخرى، فإن الحكومة تضطر إلى وضع ضرائب جديدة. ويمثل هذا الأمر في الواقع السقوط في فخ العلمانية بأيدينا. فإما أن يتم تغيير نصاب الزكاة، أو أن يصار إلى عدم اعتبار الضرائب «لوحدها» إسلامية. وبغير ذلك لا مفر من السقوط في ورطة العلمانية([27]). وهذا الرأي هو الذي أطلق الحملات المعادية العنيفة للعلماء ضد فضل الرحمن، وأدَّت إلى خروجه، أو إقالته في الواقع، من رئاسة معهد التحقيقات الإسلامية، وبالتالي مغادرته باكستان.
رأي فضل الرحمن في الربا وإدارة المصارف
يرى فضل الرحمن أن مسألة تحريم الربا هي من المسلَّمات القرآنية، ويقول: إن من جملة الأمور التي تم التأكيد عليها بشدة في القرآن الكريم مسألة تحريم الربا. ويضيف موضِّحاً: إنه بسبب ترسيخ عملية أكل الربا في المجتمع العربي الجاهلي فإن إمكانية نسخه وتحريمه الكامل موجودة في صدر الإسلام، ولهذا السبب تحدث القرآن الكريم قبل هجرة النبي الأكرم‘ عن ذمّ الربا، قال تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ (الروم: 39). وبعد هجرة النبي الأكرم‘ إلى المدينة، وإقامة المجتمع الإسلامي، صدر الحكم بتحريمه، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 130). ولكن بما أن بعض المسلمين لم يكونوا مستعدّين لمراعاة هذا التشريع الإلهي فقد هدَّدهم القرآن الكريم بأعنف تعبير، واعتبر عملية أكل الربا بمثابة إعلان الحرب على الله ورسوله، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ * وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 275 ـ 280). ويوضح فضل الرحمن قائلاً: إن المراد من «الربا» في القرآن الكريم تلك الشاكلة التي تكون بصورة الربح المركب، أو «الأضعاف المضاعفة» المتَّبعة في الجاهلية. ففي ذلك الوقت إذا لم يكن الشخص قادراً على تسديد دينه في الوقت المقرَّر يصار إلى تمديد المدة، ولكن يضاعف مقدار مبلغ القرض، وإذا لم يتمكن الشخص المدين من تسديد الدين في الموعد القادم فإن دينه يضاعف مرة أخرى([28]). وعلى الرغم من أنه يوافق على أن جميع أنواع الربح، حتى إذا لم تكن بصورة «أضعاف مضاعفة»، محرمة كذلك في الشريعة، ويعتبر السبب في ذلك أن القرآن الكريم قد حرَّم النظام المالي الربوي عن هذا الطريق، واقتلع جذوره؛ حتى وإن لم تكن بعض موارد الربح في هذا النظام المالي الفاسد موجودة بصورة مؤكَّدة مائة في المائة([29]).
ومع كل ذلك فإنه يوضِّح أولاً: أنه رغم أن النظام المالي المصرفي الجديد يقوم على أساس الربح إلا أنه يختلف عن النظام الربوي في صدر الإسلام، ولا يمكن أن نستنتج الحرمة الأولية على أساس التحريم الثاني([30])؛ لأن الربح المشروع لرأس المال أمر مقبول في رأي الإسلام. وعلى هذا الأساس فإن أرباح البنك، سواء كانت بصورة قرض أو في أي إطار آخر، مشروعة أيضاً. والمهم هنا هو أن هذا الربح يجب أن لا يكون بالشكل الذي يؤدّي إلى وقوع الظلم. ومن هنا يجب أن تحدَّدقيمة الفائدة المصرفية وفقاً للعوامل الاجتماعية والاقتصادية المختلفة التي تحدث في المجتمع، وأن لا يسمح بزيادتها بدون سبب. كما يجب أن يعطى القرض المصرفي لأغراض الإنتاج والاستثمار، وليس لقضاء الحاجات الشخصية. ويقول: إذا كانت قيمة الفائدة مرتفعة بدون سبب، أو أن القرض كان لرفع الحاجات الشخصية، فإن هذا القرض هو قرض محرَّم، وسيكون من الربا([31]).
ثانياً: حتى إذا لم يتمّ التسليم باختلاف هذين النظامين الماليين القديم والجديد يمكن القول: يرتبط حكم تحريم الربا بالمجتمع الإسلامي المثالي، المجتمع الذي يصبح فيه التعاون ومساعدة البعض للبعض الآخر مبدأً وقيمةً عليا تحظى بموافقة الجميع عليها. ويقول أيضاً: إن «الصدقة» ـ ليس بمعنى الترحم على الفقراء، بل كعمل مستمدّ من مبدأ التعاون ـ، وطبقاً لآيات القرآن الكريم، هي عمل ضد الربا، وبديل عنه في النظام الإسلامي المبدئي، وفي المجتمع الإسلامي المثالي. ويواصل كلامه منبِّهاً إلى أن إلغاء الربا المصرفيفي المجتمع الإسلامي الحالي، البعيد عن هذه القيم والمبادئ، يعدّ بمنزلة الانتحار، وسيؤدي إلى إثارة الفوضى في النظام المالي للمجتمع. ولا مناص من القبول بالربا المصرفي إلى حين أن نصل إلى تحقيق مجتمع إسلامي نموذجي، ونتوصل إلى بديل مناسب لتأمين الاحتياجات المالية للأفراد. وبغير ذلك سيقع المحتاجون في فخ الربا المركَّب، أو ما يعبَّر عنه في آيات القرآن الكريم بمصطلح «أضعاف مضاعفة»([32]). ويعتبر إصرار العلماء على التطبيق الحرفي لأحكام القرآن بشأن الربا في المجتمع الحالي أمراً غير مقبول؛ لأن نتيجة هكذا عمل في الوقت الحاضر سيكون بمثابة الاعتراض على الأهداف المبدئية للقرآن الكريم([33]).
رأيه في تحديد مدة غياب الرجال لجواز طلاق النساء
إن إحدى المسائل الفقهية التي يتمّ الحديث عنها في ما يتعلق بطلاق النساء هي مسألة الرجل المفقود، والذي لم يأتِ أيُّ خبر عنه. وفي هذه الحالة ما هي المدة التي يجب أن تصبر المرأة فيها لكي يصبح بإمكانها الزواج مرة أخرى. وفقاً للمذهب الحنفي لا يحق للمرأة أن تتزوج إلى أن يبلغ الرجل 96 سنة من العمر. والأساس الذي يقوم عليه رأي الحنفية هو أن المرأة لا يحق لها أن تتزوج طالما هناك احتمال لبقاء الرجل على قيد الحياة. وبما أن العمر الطبيعي لا يكون عادة أكثر من 96 سنة إذاً يجب على النساء في هذه الحالة أن يصبرن حتى يبلغ الرجل 96 سنة من العمر.
وفي المذهب المالكي تم تحديد هذه المدة بأربع سنوات. والسبب في ذلك يعود إلى أن أقصى مدة يمكن أن يحتمل فيها حمل المرأة من زوجها الغائب هي أربع سنوات. وبعبارة أخرى: لا يقوم ملاك الحكم في المذهب المالكي على احتمال بقاء الزوج على قيد الحياة، بل على احتمال حمل المرأة.
والرأي الثاني هو الأكثر قبولاً في الدول الإسلامية؛ لأن رأي الحنفية يوجب العسر والحرج للمرأة. ومع ذلك فقد تمّ تقليل هذه المدة في أندونيسيا إلى سنتين، وفي المغرب إلى سنة واحدة([34]).
رأيه في ميراث الحفيد
إحدى المسائل الفقهية التي تحظى باتفاقمختلف المذاهب عليها هي مسألة عدم وراثة الحفيد لجده في حالة موت الأب. ويتوصل فضل الرحمن، من خلال دراسة الأجواء التاريخية لتشريع هذا الحكم، إلى أنه في القرون الأولى، حيث كانت التقاليد والعادات القبلية هي السائدة بشدة، فقد كانت مسؤولية تربية أبناء المتوفّى، ومتابعة شؤونهم، تقع على عاتق أقرباء الأب، كالجد، والعم، وقد كان الحفيد يُحرم من ميراث جده مقابل هذه المسؤولية. ولكن في الوقت الحاضر، حيث نسخت هذه التقاليد، وانطلاقاً من المبادئ الإسلامية العامة، لم يعد استمرار هذا التشريع مقبولاً. وطبقاً لما ذكره فضل الرحمن أخذت بعض البلدان الإسلامية بالتفكير في إيجاد حل لإرث الحفيد من جده. وكمثال على ذلك: جاء في القانون المدني المصري المُقَرّ عام 1946م إلزام الجد بالوصية لحفيده بالثلث كحدٍّ أعلى. كما لم يدوَّن في القانون المدني الباكستاني أن موت الأب يحول دون أخذ ابنه الميراث من جدّه([35]).
رأيه في تعدد الزوجات
تعد مكانة المرأة بشكل عام، وكذلك الأحكام المتعلقة بهنّ، من الأمور التي تحظى بالاهتمام البالغ لدى فضل الرحمن. ويرى أن هذه الأحكام تاريخية، وترتبط بعصر صدر الإسلام، شأنها شأن بقية الأحكام الاجتماعية الأخرى للدين الإسلامي. واستناداً إلى أسلوبه في البحث يقوم في البداية بدراسة وتقييم المكانة الاجتماعية للمرأة في فترة ما قبل ظهور الإسلام، وفي فترة ظهوره، ويوضِّح أنه لم يكن للمرأة في العصر الجاهلي أية مكانة اجتماعية؛ إذ لم يكن لهنّ الحق في ميراث آبائهن، ولا أزواجهنّ. وبعد موت الزوج كان يجب عليهنّ أن يتزوجن بأحد أقرباء أزواجهن بالإجبار. وفي ما يتعلق بعدد النساء لم يكن هناك أيضاً أي حدّ للرجال في هذا الموضوع. ومع ظهور الإسلام قام القرآن الكريم بإعادة النظر في مكانة المرأة، ووضع لهنّ حق الميراث، ومنحهن حق الاختيار في الزواج، وفي ما يتعلَّق بعدد الزوجات أيضاً حدَّد هذا العدد بأربعة نساء. وتحليلات فضل الرحمن في هذا الشأن هي على النحو التالي: إنه من خلال دراسة ظروف النساء قبل وبعد ظهور الإسلام يتضح لنا تماماً أن توجُّه الإسلام قام على أساس الإيفاء بالحقوق التي تليق بالنساء. ولكن في نفس الوقت لم يكن بالإمكان إجراء هذا التغيير دفعة واحدة، ولم يكن المجتمع كذلك مستعداً لتقبُّل هذا الأمر؛ بسبب الظروف الاجتماعية والتاريخية السائدة في تلك الحقبة. وحسب تعبير فضل الرحمن فإن بإمكان الأفراد السذّج وقليلي الخبرة الادعاء أنه كان يجب تطبيق هذه التغييرات دفعة واحدة. وعلى أية حال يقول صراحةً: إنه وفقاً للآية 3 من سورة النساء، من قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أنْ لا تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أنْ لا تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أنْ لا تَعُولُواْ﴾، فإن القرآن الكريم، الذي سمح بتعدُّد الزوجات، أناط ذلك بمراعاة العدالة بين النساء. وفي مواصلة استدلاله بالآية 28 من هذه السورة، من قوله تعالى: ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾، يخلص إلى أنه؛ نظراً لعدم توفر إمكانية تحقيق العدالة بين الزوجات، فإن القرآن الكريم يتَّجه نحو مسار رفض تعدُّد الزوجات، غير أن التعبير عن هذا الحكم بهذه الكيفية لم يكن ممكناً آنذاك([36]).
رأيه في الحدود
المسألة الأخرى التي تناولها فضل الرحمن، وتحدث عنها بناءً على أسسه وقواعده، هي مسألة الحدود. ويتوصل فضل الرحمن من خلال دراسته لآيات القرآن الكريم ـ التي استخدمت فيها كلمة الحدّ أو حدود الله ـ إلى أنه يوجد تباين واختلاف بين استخدام القرآن الكريم لكلمة الحد والاستخدام الروائي لها. وحسب ما يراه فإن استخدامها القرآني لا يمتلك أي مصداق يحمل صفة العقوبة، أو حتى صفة الحكم القانوني. بل إن كلمة «حدود الله» تحمل جنبة أخلاقية في الاستخدام القرآني. ويدعو القرآن الكريم المسلمين لكي يتعاملوا بالمعروف. وكمثال على ذلك: لا يتم الحديث بشكل واضح في الآيتين 229 و230 من سورة البقرة، التي استخدمت فيها كلمة «حدود الله» 6 مرات، ولا في الآيات الأخرى، عن ماهية مصداق أو مصاديق «حدود الله» بشكل واضح وبيّن. ومن هنا يخلص إلى القول: إن «حدود الله» في هذه الآيات ذات معنى عامّ، وتدعو إلى التعامل بالمعروف في العلاقات بين الزوجين. ومن هذا المنطلق أيضاً يستنتج أن المعاملة الحسنة سوف تتناسب في أي زمان مع العرف السائد في ذلك الزمان. وبعبارة أخرى: إذا كان ينظر إلى سلوك معين في القرن الأول أو القرن الخامس على أنه سلوك حسن في عرف ذلك الزمان فلا يمكن اعتباره بالضرورة نموذجاً ثابت لا يمكن تغييره للمجتمع في الوقت الحاضر أيضاً([37]). وفي الحالات التي ذكرت فيها مصاديق محددة لـ «حدود الله» يرى القرآن الكريم ـ وكما أشير إلى ذلك في الآيتين 12 و13 من سورة النساء ـ أن ثواب الالتزام بتلك الحدود، أو عقوبة التعدي عن تلك الحدود، تحمل جنبة أخروية، وليست لها أية تبعات قانونية([38]). والحالة الوحيدة التي يرى فضل الرحمن أنه قد ترتبت فيهابعض العقوبات على «حدود الله» هو ما يرتبط بآيات الظهار في سورة المجادلة المباركة، والتي جاء فيها أن عقوبة الظهار هي عتق رقبة، وفي حالة عدم التمكن فصيام شهرين متتابعين، وفي حال عدم التمكن فإطعام مسكيناً. والفهم الذي ينقله فضل الرحمن عن هذه الآيات هو كما يلي: أولاً: إن الأمور المذكورة هنا تمثل في الحقيقة كفّارة هذا الفعل، أكثر من كونها عقوبة بالمعنى القانوني. وبعبارة أخرى: إن هدف القرآن الكريم هو تعزيز القيم الربانية، وليس العقوبة بمعنى الزجر والمعاقبة. وبالإضافة إلى ذلك فالآية دليل على أن «حدود الله» ليست عقوبة بشكل معين ونمط محدَّد، بل يمكن أن تكون بأشكال وصور مختلفة. وبعبارة أخرى: يختلف تعريف الحدّ في القرآن الكريم عن تعريف الحدّ بالمصطلح الفقهي. وبالإضافة إلى ذلك يستنتج أن تخفيف الكفارة تدريجياً في هذه الآيات دليلٌ في حدّ ذاته على أن من لا يملك القدرة على إطعام ستين مسكيناً فإن مجرد التوبة ستكفي لحلّية زوجته، وإنْ لم يكن هناك نصٌّ في هذا الخصوص([39]).
وبالإضافة للتفسير المتقدم يطرح فضل الرحمن، من خلال تحليل أقوال فقهاء السنةودراستها في خصوص حقوق الناس وحق الله، الاحتمال التالي: إن «الحدّ» وإنْ كان حق الله وقد تم توضيح العقوبة عليه بصورة قطعية، وبشكل خاص في كلمات الفقهاء، إلا أن فلسفة هذه العقوبات والهدف الرئيس منها هو تقديم عوامل رادعة تمنع بشكل قاطع ومؤثِّر وقوع الجرم أو الذنب. ويرى فضل الرحمن أنه نظراً إلى أنّ «الحدّ» لم يستخدم في القرآن الكريم بمعنى العقوبة القانونية، وأن الحد بمعنى العقوبة هو في الحقيقة مصطلح فقهي، وفلسفته عامل ردع ومنع، فإن جميع العقوبات الواردة في الفقه على الذنوب والجرائم المختلفة قابلة لإعادة النظر فيها مجدَّداً، وبما يتطابق مع الظروف الراهنة([40]).
وهنا بإمكاننا أن نتساءل: لو أننا وافقنا فرضاً على تحليل فضل الرحمن في ما يتعلق بمعنى «حدود الله» في آيات القرآن الكريم، على الرغم من كل ما ورد في الروايات بشأن هذه المسألة بكل دقّة، مع ذكر التفاصيل والجزئيات، فإن إجابة فضل الرحمن عن هذا السؤال تنطلق من رأيه العام في ما يتعلق بمجموع روايات السنّة. فهو يرى أن فقهاء السنّة ينسبون آراءهم في الكثير من المواقف على أنها من أحاديث النبي الأكرم‘. ولهذا فإن هذه الأحاديث، التي يُنسب قسم منها إلى الصحابة والتابعين، وينسب القسم الآخر منها إلى النبي الأكرم‘، لا يمكن الاستناد إليها في هذه الحالات([41]). وتجدر الإشارة هنا إلى أن القيام بتحليل آرائه بشأن حركة تطور أحاديث السنّة ـ المتأثِّرة على نحو بارز بنظريات جوزيف شاخت ـ، ودراستها، يقع خارج حدود اهتمامات هذه المقالة.
ولكن في ما يتعلق بقطع يد السارق المبيَّن حكمه بصريح العبارة في القرآن الكريم، ولكن ليس بعنوان حدود الله بمصطلحه القرآني، يتناول فضل الرحمن هذا الحكم القرآني بالدراسة من زاويتين:
الأولى: إن شروط إثبات وقوع الجريمة لهذا الحدّ ـ وكذلك بالنسبة للجرائم الأخرى ـ من خلال الطرق المبينة في الفقه صعبة للغاية. وبالتالي يمكن القول: إنه نادراً ما يتم تطبيق هذه الحدود من الناحية العملية، وهذا في حدّ ذاته سيبعث على جرأة السارقين وتماديهم، وليس خوفهم وهلعهم. ويرى فضل الرحمن أن الفقهاء، ومن خلال تفهمهم لعدم إمكانية تطبيق هذه الأحكام، انهمكوا في إيجاد مخرج لتبرير أسباب عدم تطبيق هذه الأحكام، بإضافة المزيد من شروط إثبات هذه الحدود. إلا أن هذا الأسلوب مخالف تماماً للمبادئ الإسلامية العامة في إقامة مجتمع قائم على أساس العدل؛ لأنه يؤدي إلى جرأة المجرمين على ارتكاب الجريمة، دون خوف أو وجل من عواقب هذا الأمر. وكما نلاحظ فقد تمّ في هذا السياقإعادة النظر في الحكم المشار إليه (قطع اليد)، مع المحافظة على بقاء الموضوع.
والمخرج الثاني الذي يراه هو التأكيد على تغير مفهوم الموضوع (السرقة) في الوقت الحاضر، قياساً لما كان عليه في صدر الإسلام. وبالتالي يجب أن يتغير الحكم أيضاً؛ بتغير الموضوع. ولدى توضيحه لهذا الأسلوب يشير فضل الرحمن، دون أن يذكر اسم المصدر الذي اعتمده في ذلك، إلى أن السرقة في صدر الإسلام ـ حيث كانت القيم القبلية هي السائدة ـ لم يكن مقتصراً على الاعتداء على الحدود المالية للأفراد، بل كان يحمل مفهوماً أوسع من ذلك بكثير، وكان يمثَّل بشكل من الأشكال اعتداءً على حيثية الأفراد وشرفهم، ولذلك جاءت العقوبة عليه في القرآن الكريم بهذه الصورة من الشدة والقوة. ولكن في الوقت الحاضر، حيث تتصف السرقة بجنبة اقتصادية محضة، ولا تتعرض لحرمة الأفراد وشرفهم، يجب أن يتغير حكمها تبعاً لذلك([42]).
رأيه في المصالح المرسلة وسد الذرائع
لعل الأمر يبدو على النحو التالي: إنه يمكن أن تحلّ مشكلة التطابق مع الظروف الجديدة، أو مواجهتها، من خلال التمسك بالأحكام الثانوية في الفقه الإسلامي. إن التمسك بالمصالح المرسلة وسدّ الذرائع في فقه السنّة نموذجٌ بارزٌ لهذه الحالات. ومع ذلك يرى فضل الرحمن أنه بسبب الافتقار إلى الرؤية الشاملة ـ وعلى رأسها العدالة الاجتماعية ـ فقدت هذه المبادئ فاعليتها وقدرتها على التأثير أيضاً؛ لأن تطبيق هذه المبادئ لم يكن على أساس قواعد أعمّ وأشمل، بل طبقاً لأهواء ورغبات الحكّام، ولغرض التخلُّص من الأزمات والظروف الصعبة التي كانوا يواجهونها. وبالتالي لا يمكن أن نصف النتيجة المتمخضة عن ذلك بأنها إسلامية؛ لأنه لم تتم مراعاة المبادئ الإسلامية وقواعدها العامة فيها، ولا هي علمانية، بل هي حالة من الفوضوية الكاملة في استخراج الأحكام الاجتماعية([43]).
الهوامش
(*) دكتوراه في فلسفة الدين من جامعة برمنغهام، وعضو الهيئة العلمية لجامعة باقر العلوم×، مستشار رئيس جامعة المصطفى‘ العالمية لشؤون البحث العلمي.
[1]. Fazlur Rahman, »Islam and Modernity«, p. 6.
[2]. Fazlur Rahman, »Islam and Modernity«, p. 7.
[3]. Fazlur Rahman،»Islam and Modernity«, p. 7.
[4]. Fazlur Rahman, »Islam and Modernity«, p.8.
[5]. Yahay Birt, The Message of Fazlur Rahman, In: http: //www. freerepublic.com,pp.1-2,
[6]. David A. Pailin, Groundwork of Philosophy of Religion, London: Epworth Press, 1994, p.89.
[7]. Hans Georg Gadamer, Truth and Method, New York: Stage Books، 1975, pXX!! And 245. cited in Islam and Modernity, pp. 8-9.
([8]) يمكن مقارنة هذا الأسلوب مع الأسلوب الذي استخدم في موضوع الظهور للحركة من مقام الإثبات إلى مقام الثبوت، استناداً إلى مبدأ التطابق بين مقام الإثبات والثبوت.
[9]. Fazlur Rahman, »Islam and Modernity«, p. 10.
[10]. Fazlur Rahman, »Islamic Methodology in History«, Karachi: Central Institute of Islamic Research, 1965, p.20.
[11]. Fazlur Rahman, »Islam and Modernity«, p.23.
[12]. Fazlur Rahman،»Islamic Studies and the future of Islam«, in Islamic Studies: A Tradition and Its Problems, ed. Malcolm H. Kerr. Malibu: Undena Publicatons, 1983, p128.
[13]. Fazlur Rahman, »Social Change and Early Sunnah«, 208-209.
Fazlur Rahman، “Islam and Modernity”, p. 24.
([14]) في تتمة هذا الموضوع ينبري فضل الرحمن للإجابة عن السؤال التالي: لماذا تلاشت الرؤية الشاملة بعد عصر الصحابة وفي عصر التابعين تدريجياً، وانهزمت أمام الرؤية المتجزئة؟ يرى فضل الرحمن أن الجمود على الظواهر عند الاستنباط، والذي ظهر بين المسلمين في منتصف القرن الثاني فصاعداً، وكذلك قياس المواضيع الجزئية مع بعضها البعض، كلها نتاج زوال الرؤية الشاملة؛ إذ إن الخوض في تفصيل ذلك خارج نطاق مسؤولية هذه المقالة.
[15]. Fazlur Rahman, »Social Change and Early Sunnah«, pp. 206-16.
[16]. Fazlur Rahman, »Social Change and Early Sunnah«, pp. 214-215.
([17]) أحد المواضيع التي حظيت بالبحث والدراسة من قبل المستشرقين الغربيين في المائة سنة الماضية هو معنى «سنة النبي» ومفادها، والماضي التاريخي لها أيضاً. ويرى كلدزيهر ـ مؤسس الدراسات الإسلامية الحديثة في الغرب ـ أن أسلوب النبي وسلوكه هو الذي عرف بـ «السنة» من قبل المجتمع الإسلامي الناشئ مع بداية ظهور الإسلام، ونسخت «السنّة الجاهلية» بـ «سنّة النبي». وطرح Snouck Hurgronje الرأي القائل أن المسلمين؛ بطرحهم أحكاماً وآراءً جديدة بعد النبي الأكرم، يكونون قد وسعوا دائرة الأحكام الإسلامية، وأضافوا عليها، كما جعلوا لجميع هذه المواضيع مكانة خاصة بتغطيتها بغطاء «السنّة». وانبرى كلٌّ من: LammensوMargoliouth إلى إنكار «سنّة النبي»، وقالا: إن كل ما يعرف بهذا العنوان إما أنه يمثل استمرار السنّة الجاهلية، أو السنن الشائعة بين المسلمين ـ والتي تمثل في الواقع السنن العربية المتداولة قبل الإسلام ـ، وهي التي نسبت إلى النبي الأكرم في القرنين الثاني والثالث الهجريين فصاعداً تحت غطاء «سنة النبي»؛ لإعطاء الحجية لهذه السنن. وقد عزز Joseph Schacht هذا الرأي أيضاً في كتاب «The Origins of Muhammadan Jurisprudence» ـ والذي يعد أحد المصادر الكلاسيكية للدراسات الإسلامية في نطاق الحديث في الغرب ـ، ويعتقد أن تاريخ «سنّة النبي» يعود إلى القرنين الثاني والثالث، ولم يكن مثل هذا العنوان معروفاً في القرن الأول، بل كانت «السنّة» في القرن الأول كان بمعنى المسلمين أنفسهم.
[18]. Fazlur Rahman،»Concepts Sunnah, Ijtihad and Ijma in the Early Period«, p.8.
[19]. Fazlur Rahman،»Islamic Methodology in History«, p. 25.
Birt, » The Message of Fazlur Rahman«، p.4
[20]. Fazlur Rahman،»Islam and Modernity«, p. 23.
[21]. Fazlur Rahman،»Islam and Modernity«, p. 18.
[22]. Fazlur Rahman،»Some Reflections on the ……..in Pakistan«, p. 103.
[23]. Fazlur Rahman،»Islam and Social Justice«, p. 4-5.
Fazlur Rahman،»Economic Principles of Islam«, p. 1-7.
([24]) الفجر: 17 ـ 20، وسور: البلد، والتكاثر، والهمزة، والماعون.
[25]. Fazlur Rahman»Some Reflections«, p. 106.
[26]. Fazlur Rahman»Some Reflections«, p. 106.
[27]. Fazlur Rahman،»The Impact of Modernity on Islam«, p. 119.
Fazlur Rahman،»Islamic Modernism«, p. 328.
(28) على سبيل المثال: إذا تعينت فائدة القرض بناقة عمرها سنة واحدة، ففي حالة عدم التمكن من السداد في الموعد المقرر تمدد مدة القرض وتغير قيمة الفائدة بناقة عمرها سنتان. ولو كان الشيء المعطى بعنوان قرض عشر صواع من القمح يجب أن يعاد في رأس السنة 20 صاعاً، وفي حالة تمديد مدة التسديد سنة أخرى يجب أن يعاد 40 صاعاً للمرابي. أو إذا أعطيت 100 قطعة من الذهب بعنوان قرض يجب أن تعاد 200 قطعة في نهاية السنة، وفي حالة عدم التمكن وتمديد المدة سنة واحدة يرتفع العدد إلى 400 قطعة، وفي حالة تجديد التمديد يجب أن تعاد 800 قطعة، وهكذا. انظر:
Nes,st Cagatay،«Riba and Interest Concept and Banking in the Ottoman Empire»Studia Islamic، No. 32, (1970) ، p. 54.
[29]. Fazlur Rahman, »Riba and Interest«، pp. 6-7.
[30]. Fazlur Rahman, »Riba and Interest«، pp. 7-8.
[31]. Fazlur Rahman, »Economic Principles of Islam«, p. 7.
[32]. Fazlur Rahman, »Riba and Interest«، pp. 40-41
[33]. Fazlur Rahman،»The Impact of Modernity on Islam«, p. 127.
[34].Fazlur Rahman،»A Survey of Modernization of Muslim Family Law«، p.460.
يقول فضل الرحمن في مقالة «The Impact of Modernity» أن هذه المدة هي 90 سنة وفق المذهب الحنفي.
Fazlur Rahman،»The Impact of Modernity on Islam«, p. 121.
[35]. Fazlur Rahman، ” A Survey of Modernization of Muslim Family Law”، p.463-4.
[36]. Fazlur Rahman،»The Impact of Modernity«, p. 121-122.
[37]. Fazlur Rahman،»The Concept of Hadd in Islamic Law«, p. 239.
[38]. Fazlur Rahman،»The Concept of Hadd in Islamic Law«, p.240.
[39]. Fazlur Rahman،»The Concept of Hadd in Islamic Law«, p.241.
[40]. Fazlur Rahman،»The Concept of Hadd in Islamic Law«, p.250.
[41]. Fazlur Rahman،»The Concept of Hadd in Islamic Law«, p. 237.
[42]. Fazlur Rahman،»Islamic Modernism: Its Scope, Method and Alternative«, p.330.
[43]. Fazlur Rahman،»Islam and Modernity«, p.30.