قراءة جديدة
الشيخ شمس الله مريجي(*)
تمهيد ــــــ
برزت قضية الفكر المعاصر في إيران، منذ البدء وحتى الآن، على أساس الأدوار التاريخية وماهية الرؤية للحضارة الغربية وطبيعتها أو الثقافة الدينية والمحلية، آخذةً بنظر الاعتبار التطورات السياسية ـ الاجتماعية للمجتمع بأشكالها المختلفة، سواء الغربية منها أو الوطنية أو اليسارية أوالدينية.
ويمكن لإعادة قراءة هذه الأحداث أن تمهد الأرضية المناسبة لنشاط الباحثين الاجتماعيين والمفكرين في المجتمع؛ ذلك أن الاطلاع على الأحداث الفاعلة في الساحة الاجتماعية، أو فهم الأرضية المناسبة للنشاطات المستقبلية، يرتبط بنسبة كبيرة بالأحداث التي برزت في القرن الأخير في إيران. وهذه المقالة تسعى إلى أن تكون لها نظرة أخرى ــ ولو موجزة ــ لقضية الفكر المعاصر في إيران.
ويمثل التجديد الفكري([1])، كنتاج غربي ونتيجة متمخضة عن منهج التفسير الإنساني للبشر نحو العالم والإنسان، رؤية فكرية ترمي إلى إعطاء تفسير جديد للإنسان والشؤون الإنسانية. وهذه الرؤية وليدة عصر التنوير وانتصار الفلاسفة على كنيسة القرون الوسطى، وهو العصر الذين كانت فيه الفرضية المسبقة لفلاسفته تقوم على أساس قدرة العقل البشري على حل المسائل الإنسانية ومتطلباته، من دون الحاجة للوحي السماوي. وبتعبير آخر: إن الإنسان قادر على أن يمهد طريق السعادة والرقي لنفسه ولأفراد النوع البشري بالاستفادة من عقله الذاتي، دون أن يكون بحاجة لهداية السماء وتعاليم الوحي في هذا الطريق؛ لأن العقل البشري قادر على أن يوفر للإنسان حياة سعيدة بالاستفادة من التجربة والعلوم التجريبية، ويخترق أسرار الكون والإنسان وكنههما، ويمهِّد سبل الهداية. وعلى رأي «كانت» والمفكرين من أمثاله: «على كل فرد أن يكون على الدوام حراً في تجنيد نفسه للعمل الجماهيري العام. وهذا الأسلوب هو الأسلوب الوحيد القادر على تطوير التنوير بين بني البشر… والشيء الممنوع من الأساس هو التوافق على منهج ديني ثابت لا يحق فيه لأي شخص أن يفتح الطريق أمام التشكيك فيه علانية. أنا أعرف الوجه الحقيقي للتنوير في الأمور الدينية، أي خروج الإنسان من مرحلة الأفعال الطفولية([2])، أكثر من أي شخص آخر».
وبناء على ذلك فإن الشخص المثقًّف هو الذي يعمل بشكل مهني محترف في خلق العلم النظري والآراء والرموز وتأليفها ونشرها. وقد استخدم مصطلح المثقف لأول مرة بشكل واسع في قضية محاكمة «دريفوس» في فرنسا سنة 1894م. وقد استخدم هذا المصطلح بهدف الإشارة لأصحاب الأقلام الذين كانوا يوجِّهون قضية الاعتراض على مسألة المحاكمة([3]).
وبناء على ذلك فإن التنوير من الناحية النظرية لا يعد شيئاً سوى التوضيح المنسجم والمنضبط للآراء العقلية التي أخضعت جميع مراكز العلوم الطبيعية والأخلاقية وغيرها لسيطرتها الفكرية في إطار الرؤية الكونية لعصر التنوير.
إنّ الخصائص والفروع الفكرية والرؤية الكونية للتنوير عبارة عن:
1ـ أصالة العقل والفهم البشري أمام الوحي الإلهي.
2ـ مبدأ التطور [والمراد التطور المادي].
3ـ الأسلوب التجريبي.
4ـ ظهور المفهوم الجديد للطبيعة (التفسير الرياضي والكمي للطبيعة)([4]).
إلا أن التنوير في إيران له قصة أخرى؛ ذلك أن التنوير في إيران كان منذ البدء عبارة عن التعلق ببعض الآداب والفروع التي جاءت من الغرب وأخذت مكان أحكام الشريعة، ولا يذكرون شيئاً عن الدين عادة، وكأن التنوير يعني مجرد التعرف والاطلاع على بعض الآراء والعقائد والقواعد وضوابط العمل السياسي، أو لغرض دحضها أو إثباتها فقط([5]).
وقد أشار قائد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي إلى أن ولادة هذه الفكرة الغربية في إيران جاءت مريضة، إذ قال سماحته في خطبته في جامعة طهران: «ولد التنوير في بلادنا مريضاً؛ والسبب يكمن في أنه بالإضافة لمرض الشطط والتشرذم وعدم الاتزان الكلامي الموجود في طبيعة التنوير، وحاجته إلى من يجمعه ويأخذ بيده، فقد خُتم على جبهة التنوير عندنا بختم التقليد الأعمى القبيح منذ البداية، وظنوا أن كل ما تم تمريره في الغرب يجب أن يمرر عندنا أيضاً. أي إن التنوير عندنا لم يكن منظّماً بأي شكل من الأشكال؛ لأنهم أخذوا ينظرون إلى مقلدين مختلفين. وكانت تلك هي بلية التنوير الكبرى عندنا، والتي مازالت مستمرة حتى الآن»([6]).
وبعد هذه المقدمة نذهب صوب المائة عام الأخيرة من تاريخ إيران بالاستفادة من الوثائق والشواهد التاريخية؛ لكي نقوم بدراسة قضية التنوير التي دخلت إيران تحت عنوان المتنورين فكرياً، وندرس الأجيال المتعددة لهذه القضية.
قضايا التنوير وتياراته ــــــ
1ـ المتنوّرون المتأثّرون بالغرب ــــــ
مما لاشك فيه أن بلورة النظريات الفكرية بمستوى الظاهرة جديدة الظهور ـ سواء أكانت اجتماعية أو سياسية أو قانونية وأمثال ذلك ـ كانت وستبقى تتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر بالظروف الاجتماعية وبالتحولات التي تحدث في المجتمع. بل ويصدق هذا الأمر بشأن الأفكار الدخيلة كذلك. ورغم أن التنوير فكرة غربية، وبشارة عصر التنوير لغرب الأرض، إلا أنه يحتاج لبيئة اجتماعية مناسبة وظروف خاصة لكي يدخل إلى إيران.
إن تخلف المجتمع يمكن أن يصبح أحد العوامل المهمة جداً في توفير الوسط المناسب لدخول الأفكار التي تدعي التطور والتنمية. وقد تعرضت إيران بعد العصر الصفوي والتطورات الملموسة لتلك الحقبة للركود الواضح والتخلف الفاضح؛ بسبب بعض العوامل. فإن الهزيمة أمام روسيا، ودخول العناصر الضعيفة والكسولة والمتملقة في نفس الوقت إلى الجهاز الحاكم، أحالت إيران إلى بلد متخلف بحيث لم يعد يملك القدرة على المحافظة على سيادته. وفي ذلك الوقت أدى سفر الأمراء وذراري الملوك وحاشية البلاط القاجاري إلى الغرب، ورؤية الجلال الظاهري والحضارة المتطورة لتلك الديار وجبروتها، إلى أن يفقدوا وعيهم، وبهتوا لما فيها من العمارة، وشعروا بالضعة والعجز أمام المدنية الحديثة، ورأوا أن طريق الخلاص لمجتمعهم المتخلِّف هو في التبعية الكاملة دون قيد أو شرط للغرب. يقول السيد الحائري بهذا الصدد: «اطلاع الإيرانيين على الحضارة الغربية في عهد فتح علي شاه القاجاري، والرغبة الشديدة في اقتباس التكنولوجيا الغربية ومدنيتها؛ نظراً لتخلف المجتمع الإيراني، والهزيمة في الحربين مع روسيا، خلق رغبة جامحة في تقليد الغرب لدى الأفراد الذين كانوا يقفون في الصف الأول للرغبة في الارتباط بالغرب. إن الشعور بالعجز والضعة أمام الحضارة المدنية الجديدة، والحاجة للتكنولوجيا والإنجازات العلمية، كان يضاعف من هذه الرغبة([7]).
القضية الأولى للتنوير في إيران، والتي كانت مبادئها وغاياتها من نتاج اختلاط المجتمع الإيراني التقليدي والمتخلف مع المدنية الغربية، أنه لم يكن في إيران فيلسوفٌ ولا ناقدٌ، بل سعت، من خلال النموذج الذي عثرت عليه لاتّباعه، كرسول للعصر الحديث لتوقظ إيران من حالة السبات التاريخي والركود المخيم عليها. واختار هذا الجيل في خضم المواجهة مع المدنية الجديدة، والتردد ما بين الأخذ بها أو ردّها بشكل كامل أو انتقائي، طريق الأخذ الكامل والتام بالمدنية الغربية، من دون أي تدخل أو تصرف إيراني فيها([8])؛ بدعوى أن الحضارة الغربية لا تقبل التجزئة. وأضفى هذا الاستدلال ـ مع الرؤية غير الناقدة، بل المقرونة بالانبهار ـ المشروعية على الأفكار والعقائد الجديدة للغرب، الناتجة عن عصر التنوير، واستسلم دون قيد أو شرط للثقافة الغربية، ومهَّد السبيل أمام تخريب الثقافة والتقاليد الإيرانية.
مع الميرزا أبو الحسن الشيرازي ــــــ
لعرض هذه الحقيقة المرّة يكفي أن نقرأ شخصية الميرزا أبو الحسن الشيرازي، الذي كان من المبادرين في هذه القضية، من لسان الوثائق المتبقية من ذلك العصر.
«لا يوجد بين رجال البلاط شخصٌ قليل الشأن وأجنبيٌّ أكثر من الميرزا أبو الحسن خان. ويجب أن نقول: إنه من المنصف القول: إنه لا يمكن العثور كذلك على شخص أجدر منه لهذه المنزلة الوضيعة. وكان هذا الرجل من الضعة والدناءة في جميع معاملاته مع الناس، بحيث إن أي شخص من أبناء جلدته لم يقترب منه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وكانوا يتجنبون معاملته ومعاشرته. الأخلاق الرذيلة التي كان يتسم بها، وعاداته الفاسقة أيام شبابه، مازال يحتفظ بها على ما كانت عليه إلى وقتنا الحاضر، وقد وصل به العمر إلى منتصف الطريق، بحيث عندما يذكر اسم ذلك الشخص فإن جميع رجال البلاط يذكرونه بإهانة واشمئزاز. وهو ابن أخت الحاج إبراهيم كلانتر، مؤسِّس السلطة القاجارية على أثر خيانته لـ «لطف علي خان زند». وذهب إلى الهند بعد مدة من مقتل الحاج إبراهيم على يد فتح علي شاه، وبقي هناك لمدة ثلاث سنوات، ومن ثم عاد بدعم من الإنكليز؛ ليصبح في زمرة وزراء البلاط. وعهد إليه بحقيبة وزارة الخارجية. وذهب ثانية إلى السفارة البريطانية، وانضم عام 1814 ـ أي قبل 14 عاماً من حصوله على منصب الوزارة ـ انضم إلى المحفل الماسوني، وخصَّصوا له راتباً شهرياً مقداره ألف روبيّة مدى الحياة»([9]).
وكتب السيد مدد پور حول فترة شباب هذا الشخص قائلاً: «الميرزا أبو الحسن الشيرازي بن محمد عين الله الأصفهاني سليل عائلة منحطة ومتداعية، أقامت فترة من الزمن في شيراز وأخرى في أصفهان. وكانت حالته المعيشية وطبيعة العمل الذي يمارسه في شبابه وضيعة للغاية، بمعنى أن أسرته تركته في عنفوان شبابه، وقد كان شاباً مليحاً حسن الوجه، وحيداً يفعل ما يشاء. وكانت سوقه رائجة في تلك الأيام لدى وجوه المدينة؛ إذ كان أبو الحسن خان يرقص لهم بملابس النساء، ويتزيّن بزينتهن»([10]).
ومن البديهي القول: إنه يجب أن لا نتوقع من أمثال هؤلاء المتنورين سوى الصبابة والغراميات. كما يعترف هو أيضاً أنه ترك قلبه في غرب الأرض رهينة لدى «الحور المدللات»، وكان يذهب لـ «حفلات الرقص» و «أماكن المرح والتفرج» لهذه الجماعة. وخلال مدة عام ونصف من إقامته في إنكلترا لم يقم سوى باللهو والمرح والتجسس، فضلاً عن انتمائه إلى حلقة عملاء الاستعمار البريطاني. وتحفة سفره أنه اعتبر عقل المعاش «الإنگليز» قد بلغ مستوى الكمال، ويستحق أن يُقتبس. وهذا الاقتباس يؤدي ـ حسب رأيه ـ إلى أن نمسك رأس الخيط المتمثل بـ «عقل المعاد» كما هو حقه بأيدينا في أقل فترة ممكنة. ولهذا السبب قدّم حكماء الغرب وعقلاؤه «عقل المعاش» على «عقل المعاد»([11]).
ملكم خان، أبرز مثقَّف متأثِّر بالغرب ــــــ
يوجد في هذه القضية أفراد، مثل: طالبوف، آخوند زاده، ميرزا آقا خان الكرماني وأمثالهم، إلا أن ملكم خان يعد أبرزهم، بل على رأي البعض هو أبو حركة التنوير في إيران([12]). فقد أمضى فترة طفولته في فرنسا، وبعد أن أنهى دراسته الابتدائية والمتوسطة والاطلاع على منهج «آغوست كانت» عاد إلى إيران، وعيِّن مترجماً في وزارة الخارجية، وفي عام 1275هـ ش (1896م) أسس أول محفل ماسوني.
وتبلور التوجه السياسي والاجتماعي نحو الغرب بنشاطات ملكم خان وأفكاره([13])، التي كانت تستند على مبدأ التسليم دون قيد أو شرط للمدنية الجديدة في جميع الأبعاد الحياتية وأركانها. ورغم أن تقي زادة قال في كتاب زندگي طوفاني: إنني أول من ألقى رمانة الاستسلام للحضارة الغربية بكل جرأة، إلا أن مؤلِّف كتاب «فكر آزادي ومقدمه نهضت مشروطيت إيران» يعتقد أنه يجب اعتبار ملكم خان أول من أوصى علناً بأخذ الحضارة الغربية بدون أي تدخل أو تعديلات إيرانية عليها([14]).
يرى ملكم خان أن الإيرانيين، الذين يحتاجون في جميع الصناعات للنموذج الذي يقتدون به، يجب أن يقلِّدوا الأوروبيين؛ لأنه توجد في أصل الحضارة الغربية بعض الأصول والقواعد الأساسية التي تقود للتطور والرقي. يقول: «نحن نتصور أن درجة تطورهم بذلك المقدار الذي نراه في صناعاتهم فقط، في حين أن أساس تطورهم تجلى في المنهج والحضارة. وبالقدر الذي تطورت فيه الشعوب الأوروبية في المعامل والمعادن فقد تطورت في مسألة خلاص الإنسان وتحرره أكثر بمئات المرات… [وبناء على ذلك] فإن طريق الخلاص ينحصر في ذات الطريق التي شيدوا لنا من خلالها علوم الدنيا سهلة واضحة»([15]).
ويؤكد ملكم خان، الذي كان متأثراً جداً بالمدنية الغربية، وقال بأن علومها هي أفضل سند للعقل البشري حتى يومه ذاك، أنه كما يجب أن لا نبدأ من الصفر في الميدان التكنولوجي، بل يجب أن نستفيد من الإنجازات العلمية والمنتجات الصناعية للغرب، ففي الفلسفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية ونظام إدارة الدولة وسن القوانين في المجتمع أيضاً لابد من تقليد الغرب والاستفادة من تجاربهم([16]).
ولا يرضى ملكم خان بالاقتباس من الغرب وتقليده على المستوى السطحي له، ولا ينادي بتقليد مدنيته ومظاهره التكنولوجية فحسب، بل يرى أنه يجب على إيران والإيرانيين الأخذ بثقافته وعلومه وبنيته، من دون أي تدخل أو تصرّف فيه، وأن لا يكتفوا بالتقليد في تخطيط المدن وبنائها وما شاكل ذلك فقط. يقول بهذا الشأن: «أجل، علوم هذه البلاد هي أفضل سند لعقل الإنسان، ولكن يجب أن لا نكون بهذا المستوى من الحماقة والسذاجة حتى نعتقد أن الحصول على هذه العلوم إنما يتم من خلال التفرج على شوارع لندن»([17]).
إنّ ميزة ملكم خان عن باقي أقرانه، مثل: آخوند زادة، والميرزا آقا خان، تتمثل في أنه كان يعبر عن أفكاره بغطاء ديني؛ لأن الإيرانيين ـ وعلى العكس من الغربيين ـ يمتلكون الكثير من رجال الدين الذي يتمتعون بحضور دائم في جميع شؤون حياتهم، ويساهمون إلى حد كبير في حل قضاياهم الاجتماعية. لذا كان من البديهي أن يجد تقليد الغرب وثقافته بيئة مناسبة له. ومن هنا كان ملكم خان يسعى للترويج للتعاليم الغربية وثقافتها وتغليفها بمسوح الدين، وكان ينتقد آخوند زاده، الذي كان قرينه، أو من مريديه لو صح التعبير، ويقول: لماذا يذهب إلى محاربة الدين والتعاليم الدينية علانية، على الرغم من أنه يرى أن ألد أعداء تنظيم البلاد وإعداد الأمة وتحرُّرهم على الطريقة الغربية هم شريحة العلماء وزعماء التعصب([18]). ولكن ـ حسب قوله ـ: هنا إيران، وليس الغرب لينفذ أي شخص كل ما يحلو له، فالعلماء المجتهدون يسلخون جلود رؤوسنا. لذا كان يسعى إلى أن يجعل أقواله منسجمة مع ما يريده المجتهدون والدين، ليقول: «سيادة الوزير، هذه الأقوال أصبحت قديمة منذ مدة. لا تتهم المجتهدين المساكين دون مسوِّغ؛ إذ ما يزال يوجد الآن في إيران من بين المجتهدين من يدرك ما يعنيه النظام الأوروبي، ثم من أين فهموا أن قواعد النظام الأوروبي هي خلاف الشريعة والإسلام، فعندما اتخذ قراراً بضرورة أن يقلل العاملون في ديوان المالية للدولة من نفقاتهم ماذا كان رأي المجتهدين في ذلك([19]).
ويقول في موضع آخر: هل أن هدف الأنبياء من جهودهم التي بذلوها منذ بدء الخليقة وإلى زماننا هذا شيءٌ آخر غير وضع قانون للحضارة والمدنية؟([20]). إنه يسعى إلى أن يطبق البعض من تعاليم التنوير الفكري في الغرب مع بعض التعاليم الإسلامية. وكمثال على ذلك: يرى أن ضرورة الحرية يمكن أن تتطابق مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويقول: اكتشف الحكماء الأجانب بعد جهد دام عدة آلاف من السنين قانوناً لا يمكن التعبير عنه في إيران بأية لغة كان. الأساس في رقي بني آدم يكمن في هذا الحق الأزلي، وهو أن يكون كل شخص مخيَّراً في التعبير عن أفكاره ومعتقداته بكل حرية، حرية الكلام والقلم وغيرها. البعض من عقلائنا غيَّروا معنى الحرية بشكل كامل؛ إذ إن أي أحمق لم يقل بوجوب أن نعطي الحرية للناس ليقولوا كل ما يردُ على لسانهم. نعم، عموم طوائف الغرب؛ وبسبب ما يمتلكونه من رقي ومدنية، لا يطالبون سوى بالحرية، ولكن أي نوع من الحرية؟ الحرية القانونية، وليس الحرية الفوضوية. عندما نتحدث في هذا الموضوع مع علماء الغرب يقول الأساتذة المعروفون، الذين لديهم معلومات أوضح بكثير من تلك التي لدينا عن أصول الإسلام: إن السبب في الحيف الذي تعيشه الشعوب الإسلامية يكمن في أنهم ضيَّعوا قواعد الإسلام العظيمة. حرية الكلام والبيان التي تعتبرها كل الشعوب المتحضرة أساس النظام العالمي ثبَّتها أئمة الإسلام، وأوجبوها على كل الناس، بكلمتين شاملتين جامعتين، هما: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. فأيُّ قانون حكومي عبَّر عن حق الكلام والبيان بشكل صريح وواضح أكثر من هذا؟
والملفت في الأمر أنه في هذه المطابقة يتعرض لنا ولمعلِّمينا، أي العلماء الأعلام، بعدم الفهم. واعتبر المعلِّمين الغربيين والأجانب أفهم منا. وكأن المجتهدين الغربيين الأجانب فهموا الإسلام بشكل أفضل من الذين هم في الداخل، وقاموا بتطبيق نموذج منه في الغرب.
وعلى أية حال فإن جميع المظاهر التقليدية والدينية تعد برأي المثقفين المتأثرين بالغرب مانعاً أمام التكامل والرقي. فإما أن توضع جانباً، أو أن تمارس بشكل خاص وشخصي. كما حصل هذا الأمر بعينه في الغرب، بمعنى أنهم وضعوا مسألة إزاحة الدين عن الساحة، وصولاً إلى الإلحاد ومعاداة الدين، عنواناً رئيسياً لعملهم. وأصبحت نتيجة جهودهم تلك على النحو التالي: إن الدين هو أمر شخصي وداخلي، وكان المثقفون المتأثِّرون بالغرب يسعون لتطبيق هذا النموذج في إيران أيضاً، رغم أنهم أطلقوا في الظاهر ألفاظاً وعبارات إسلامية؛ بدوافع نفعية ومصلحية. وبحسب تعبير ملكم خان: إنهم كانوا يقدمون التعاليم الغربية إلى الشعب الإيراني بغطاء ديني. وبناء على الاعتقاد الصحيح للبعض فإنه بسبب إفراط المثقفين المتأثرين بالغرب وتفريطهم ختم تقليدهم السطحي والظاهري للحضارة الغربية، وفقدانهم لوعيهم وفهمهم الصحيح لثقافة المجتمع الدينية، على هذا الجيل بأزمة الهوية ومرض التقليد المحض، بحيث إن الوصفة التي أجازوها لمعالجة التخلف الحاصل، والانعتاق من الوضع الموجود، تسببت في المزيد من الابتعاد عن الهوية والشخصية الإسلامية والوطنية للشعب. والملاحظ أن تبعيتهم المتنامية لثقافة الغرب وجهودهم الحثيثة في هذا المسار لم تعالج التخلف والركود الحاصلين في المجتمع، ولم تخلق حركة اجتماعية ـ ثورية تحظى بشيء من احترام الناس وتأييدهم([21]).
2ـ المثقفون اليساريون ــــــ
يعود تاريخ الاشتراكية واليسارية في إيران إلى فترة تواجد العمال والكسبة الإيرانيين في مدن القوقاز المختلفة، وتأثرهم بالمؤسسات الاشتراكية الديمقراطية لروسيا. إلا أن النشاطات الحزبية وتنظيمات اليساريين بدأت بشكل متزامن مع الثورة الدستورية ونشاط الديمقراطيين الاشتراكيين لهذه الفترة، واستمرت مع نشاط الشيوعيين في عهد رضا خان والمجموعة المعروفة بمجموعة الـ 53 شخصاً. وبدأ تردد الإيرانيين على مدن القوقاز منذ أواخر القرن التاسع عشر، وكان عددهم في تزايد كل عام، بحيث إنه منذ عام 1259 إلى عام 1269هـ ش (1880 ـ 1890م) كان ينتقل سنوياً ثلاثون ألف إيراني من النقطة الحدودية في منطقتي جلفا وخدا آفرين باتجاه القوقاز. وباحتساب الأفراد الذين يعبرون الحدود بدون جواز سفر يرتفع هذا العدد ليصل إلى حوالي مئة ألف شخص أيضاً([22]). يقول كسروي: في أوائل القرن العشرين كان يعمل حوالي عشرة آلاف إيراني في محلة الصابونجي وبالا خاني في العاصمة باكو فقط([23]).
هؤلاء الأفراد الذين كانوا يعملون في مدن القوقاز، وخاصة في باكو وطشقند، كانوا يعيشون في ظروف سيئة للغاية وغير إنسانية، كما هو الحال في مدنهم؛ إذ كانوا يشهدون وقوع الفجائع وحالات الظلم الاستبدادية للحكام. ساعد اندلاع الثورة في روسيا القيصرية عام 1905م، وما رافقها من شعارات الاشتراكيين التي تنادي بالعدالة ومحاربة الظلم، على جرّ العمال إلى جانب الأحزاب اليسارية في النضال الاجتماعي. ولكن لا بد من القول هنا: إن إقبالهم على الأفكار اليسارية والاشتراكية لم يكن على أساس الإيمان بنظرية ماركس، بل على أساس فقدان العدل والظلم الذي كانوا يعانون منه على أيدي الحكام المحليّين والحكوميين. وبين الأعوام 1905م إلى عام 1917م ظهرت الحركات الاشتراكية ـ الديمقراطية في القوقاز على أيدي المسلمين. وفي أوائل عام 1905م أسس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي منظمة خاصة باسم «همت» كشعبة منبثقة عن ذلك الحزب في آذربايجان. لقد شكل تأسيس هذه المنظمة الخطوة الأولى على طريق تأسيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الإيراني في القوقاز، بحيث إن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الإيراني تأسس في القوقاز بقيادة نريمانوف بعد مرور عام واحد على تأسيس منظمة «همت» في باكو، وفتح عدة شعب محلية في أكثر مدن هذه المنطقة، ومنها: تفليس وإيروان ونخجوان([24]).
وحسب ما قاله السيد كسروي فإن المجاهدين في تبريز تم تنظيمهم في عام 1905م أيضاً تحت قيادة علي مسيو التابع مباشرة للجنة باكو؛ لكي يساهموا في مسألة ثورة المجاهدين والمناضلين في آذربايجان([25]).
وبانتصار الثورة الشيوعية في أكتوبر عام 1917م تأثرت المدن الإيرانية الشمالية والمثقَّفون الذين كانت لهم ميول يسارية بهذه الثورة. كما أن الأوضاع المضطربة في إيران، وبخاصة حدوث الثورات المحلية في كيلان وآذربايجان، ومشاعر العداء للإنگليز والقيصرية، ساعد كثيراً في توسيع ذلك([26]).
حزب تودة: رمز الثقافة اليسارية ــــــ
بسقوط رضا خان في أكتوبر عام 1941م، واحتلال أكثر مناطق البلاد من قبل الحلفاء، توفرت أجواء وظروف جديدة لممارسة النشاطات السياسية والاجتماعية. فمن جهة كان المجتمع متعطشاً لثورة اجتماعية تكون قادرة على تهدئة الاضطرابات؛ ومن جهة أخرى قامت ـ بانهيار استبداد الحاكم ـ العديد من الأحزاب والمجاميع بتأسيس الأحزاب والمنظمات وممارسة النشاطات الاجتماعية على خلفية التنافس للوصول إلى الحكم([27]). وفي مثل هذه الظروف قام المثقفون اليساريون بتأسيس حزب تودة بخليط من النشاطات العلنية والسرية، وبصورة سلمية وقانونية، على أساس العقيدة الماركسية ـ اللينينيّة([28]). وفي ما يتعلق بالخلية الأولى لحزب تودة يقول مؤلف كتاب « تأملاتي درباره روشنفكري در إيران»: تأسس حزب تودة الإيراني عام 1320هـ ش (1941م) من قبل جمع من المثقفين الإيرانيين الماركسيين والمتعاطفين مع الماركسية، وبقيادة حيدر علي أف، وعناصر من وكالة الاستخبارات السوفياتية، وبأموال حكومة الاتحاد السوفياتي. وبما أن الروس كان مطلعين على تذمر الشعب الإيراني واستيائه من الإيديولوجية الماركسية فقد أقدموا على المحافظة على الظاهر، ولم يسموا حزب تودة على أنه تشكيل ماركسي، بل على أساس أنه يمثل جبهة وطنية ديمقراطية. وتم انتخاب سليمان ميرزا، الذي كان من أوائل المروّجين للثقافة الغربية في إيران، ووزيراً للمعارف في حكومة رضا خان، رئيساً للحزب([29]).
والجدير بالذكر أن المثقفين والقادة اليساريين لحزب تودة لم يكونوا يعتبرون أنفسهم منصَّبين من قبل القوى الأجنبية وتابعين لهم، بل إنهم كانوا يُدينون مجرد الاعتماد على القوى الأجنبية، ويطلقون الشعارات الوطنية، وينادون بالحكومة الديمقراطية. وجاء في بيان اللجنة المركزية للحزب، والذي نشر بمناسبة الذكرى الخامسة لتأسيس الحزب: إن الحزب هو الذي أقام الاحتفالات الوطنية الإيرانية الأخيرة. ومن خلال إحياء أحد أكبر أعيادنا الحضارية القديمة (مهرگان)([30]) قام بتحويل هذا اليوم العظيم للإيرانيين والخسرويين القدماء إلى عيد للجماهير المظلومة([31]).
ولم يكتفِ هذا الحزب في شعاراته بهذا المقدار، بل بما أنه كان يريد أن يكسب الأعضاء من بين أفراد الشعب المسلم المتدين كان يحاول أن لا يكشف عن وجهه اليساري في تعاطيه مع الدين. حتى أنه كان يحاول الابتعاد عن عنوان الشيوعية والمادية. ولم يقم بأي نشاط إعلامي أو بأي إجراء علني معادي للمذهب([32]). وضمن إطار سياسة التظاهر بعدم التعارض مع المذهب، وبهدف الحصول على دعم الجماهير المسلمة، قدّمت الأقلية في المجلس الرابع عشر من نواب الحزب مشروع قانون لمحاربة المشروبات الكحولية واستعمال الترياق. وفي أيام محرم كانت تلقى في نادي حزب تودة محاضرات حول ثورة الإمام الحسين×([33]). وحول سؤال عن مذهب الحزب تجيب صحيفة رهبر (القائد)، وهي الصحيفة الناطقة بلسان حزب تودة، على النحو التالي: «أكثرية أفراد الحزب مسلمون ومن أبناء المسلمين، ويكنون احتراماً ومودة خاصتين تجاه الشريعة المحمدية الغراء، ولن يسلكوا أي طريق يتنافى مع هذا الدين، ولن يقبلوا أي هدف يتعارض معه. الناس يفهمون جيداً هذه الخدعة من السيد ضياء الدين وأعوانه وأنصاره، وهذه الملابسات والتهم غير الواردة ضد حزب تودة هي عبارة عن نوع من الجدل السياسي البعيد عن الشهامة، وكان متبعاً منذ القدم؛ وذلك أن كل من كان ينادي بالحقّ يصبح هدفاً لقوى الاتهام، ويتهم بارتكابه المخالفات الدينية»([34]).
كان هذا الحزب يسعى في البعد السياسي أيضاً ليعبِّر عن نفسه بالبيان والبنان بأنه يحب الوطن ويناهض الأجنبي، ويعلن أنه يشترط مبدأ المحافظة على المصالح الوطنية لإيران في إقامة العلاقات مع دول الغرب والشرق (الإنگليز والروس). وجاء في نفس تلك الصحيفة: في أي يوم نشعر فيه أن جارتنا الشمالية تريد أن تفرض مصالحها الاستعمارية علينا في إيران، على العكس من إرادتنا، أو تهدف إلى أن تفرض نظامها السياسي على شعبنا بالقوة، أو تريد أن تضم إيران إلى أراضيها، فإننا سنحارب هذا المنهج بكل قوة([35]).
و كان حزب تودة يسلك أية طريق ممكنة لكي يكسب الجماهير والشعب. فتارة عن طريق الدين؛ وأخرى عن طريق الوطنية وحب الوطن؛ وثالثة عن طريق الثورية والوقوف إلى جانب العدالة، واستخدام الألفاظ والعبارات العلمية؛ للتعبير عن أنه الوحيد الذي يمتلك التفكير العلمي دون غيره؛ ليكسب شريحة الشباب المثقف الدارس. كما خصص لكل فئة وشريحة خاصة برامج إعلامية وشعارات جذّابة. فقد طالبوا للعمال بقانون حديث، ودفع أجور مناسبة، والتأمين، والسكن الحكومي، ومنع تشغيل الأطفال؛ وللفلاحين بتوزيع الأراضي الحكومية، والملكية، وبيعها بشكل مناسب على الفلاحين، وإلغاء النظام الإقطاعي؛ وللفئات الأخرى بالحقوق السياسية، والمساعدات المادية، والسلامة المهنية، وتقليل الضرائب([36]).
قدَّم حزب تودة نفسه للجماهير والمثقفين على أنه ملاذهم الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه، من خلال رفعه للشعارات المتنوعة الخادعة، وإعلامه الشامل على كل الأصعدة. كما أن الأجواء الناجمة بعد الانقلاب على الشاه لم تكن قليلة التأثير في تطوير أهداف هذا الحزب. وفي هذا الخصوص كتب عبد الله برهان يقول: «عادت الأجواء في إيران بعد زوال الشاه إلى تنفسها الطبيعي. وأصبح حزب تودة بمثابة المقر الوحيد للتنوير الفكري في البلاد أمام السياسيين والمتعلمين وأصحاب الشهادات. كما وجدت ثقافة الكثير من مصطلحات السياسة وعلم الاجتماع والفلسفة والاقتصاد والمدارس الفكرية المختلفة طريقها بين الناس لأول مرة بواسطة حزب تودة، ودخلت أذهان جمع من الإيرانيين بشكل محبوك، وانشدّت لها مجاميع من الشباب والعمال»([37]).
كما كتب حميد جمشيد حول هذا الموضوع: «طبقة العمال وجماهير الشعب انشدّوا كذلك لشعاراتهم المطالبة بالعدالة؛ لأن هذا الحزب عُرف بأنه المدافع عن حقوق الكادحين؛ بسبب ميوله، ومطالبته بالعدالة. والانتماء الواسع للمثقفين للحزب جاء نتيجة لهذه الميول»([38]).
إلا أن هذا الضجيج الإعلامي والسياسي لحزب تودة لم يتمكن من إخفاء وجهه الحقيقي لدى المفكرين وجماهير الشعب إلى ما لا نهاية. وانطلاقاً من أن القمر الذي تحت الغيم لن يبقى مخفياً أبداً فقد انكشف ارتباط حزب تودة وتبعيته للجارة الشيوعية، على خلفية تقلباته السياسية في مساعدة الديمقراطيين المطالبين بالاستقلال في آذربايجان، ومساندة منح امتياز نفط الشمال للاتحاد السوفياتي، وتوفير الغطاء الإعلامي والجهد السياسي لهذا المشروع داخل المجلس وخارجه، ووقوف الجيش الأحمر إلى جانب التظاهرات التي قام بها الحزب في طهران. وعلى أساس ذلك خسر هذا الحزب قاعدته الجماهيرية، واقتصر على عدد من القيادات والمعتاشين على الحكومة الروسية.
وقد يمكن العثور على السر في عدم قدرة حزب تودة على إخفاء وجهه الحقيقي خلف ستار الوطنية وحب الوطن والعدالة في قرارات المؤتمر الدولي الثالث الذي عقد في عام 1921م؛ إذ جاء وفقاً لتلك القرارات أن الأساس في تنظيمات الأحزاب الشيوعية في العالم وكل الأحزاب الأخرى أنه يجب أن تتم تحت إشراف الشيوعية العالمية، وأن تنفذ قرارات الشيوعية العالمية وتوجيهاتها من قبل الأحزاب الشيوعية، وعلى كل عضو في المراحل المتقدمة للحزب أن يشعر بالمسؤولية تجاه أعداء الشيوعية العالمية([39]).
3ـ المثقفون القوميّون والوطنيون ــــــ
مصطلح «ناسيوناليسم»، المتكون من اندماج المصطلحين Nation وLism، يعني الاستقلال والوطنية. وهو عبارة عن فكرة برزت في عالم السياسة، تهدف إلى رفض السيطرة السياسية الناجمة عن الوراثة، والحقوق الإلهية، والقوانين الطبيعية، والمجيء برأي الأمة والشعب كبديل عنها. والمراد بالشعب هنا ذاك الذي يفكر في المصالح الوطنية، ويقف بوجه كل ما يتنافى ويتقاطع مع المصالح الوطنية. ومن الناحية التاريخية يعود تاريخ ظهور هذه النظرية إلى عصر النهضة([40]). وبعد الثورة الفرنسية بدأ مسار تغيير الحكم والسلطة من السلاطين، الذين أزاحوا الإقطاعيين والدين عن المجتمع، إلى حكم الشعب. وبإدخالهم شعارات الحرية وحكم الشعب في المفهوم الحديث للوطنية والديمقراطية يكون الثوار الفرنسيون قد علَّموا الأوروبيين، ومن ثمَّ سائر الأمم الأخرى، هذه المفاهيم([41]).
تعود الفكرة الوطنية في إيران إلى تعرّف الإيرانيين على الأفكار الغربية والأوروبية الجديدة. ويمكن اعتبار المثقفين المتأثرين بالغرب أول من روّج لفكرة الحكم الجماهيري؛ لأنهم كانوا يصرون على أن نكون غربيين من الرأس حتى أخمص القدم، ونفكر مثلهم؛ لننقذ البلاد من الفتور الذي تعانيه. إن إحدى أنماط التفكير الغربي تكمن في التفكير الوطني والجماهيري. ومن هنا لا بد من القول: إن ملكم خان ومرافقوه هم من السباقين في هذا النمط من التفكير. ويمكن القول: إن الميرزا آقا خان الكرماني تحمّل مسؤولية رفع لواء هذه النظرية أكثر من الآخرين. وهذا الشخص، الذي كان يرى أن إحياء الأمة يتم في ظل التخلي عن الإسلام، والإقبال على الثقافة القديمة، وبخاصة الديانة الزرادشتية، كان يثني على الآداب والتقاليد الإيرانية قبل الإسلام ويمتدحها، ويسعى ـ من خلال إيجاد أواصر تاريخية مع الماضي السحيق ـ إلى إعطاء صورة رومانسية عن الوطنية والإيرانية، ويرى حدود إيران نسيم العنبر، وترابها أغلى من الذهب والمجوهرات، ورياضها تسرّ الناظرين، وهواءها لا مثيل له([42]).
ورغم أن الميرزا آقا خان لم يكن البادئ بالنظرية القومية في إيران، إلا أنه الشخص الذي أوصلها إلى حد الإفراط. وحسب تعبير السيد طبري: قومية الميرزا آقا خان الكرماني ارتبطت بـ «الشوفينية». ومن هذه الناحية يمكن اعتبار نظريته هي الأساس في ظهور قومية رضا شاه الشاهنشاهية والمنظّر لحكمه المستبدّ([43]).
إنّ الميزة التي تميز الوطنية الإيرانية والآقا خانية عن الوطنية الغربية هي أن الوطنية في الغرب لم تنحدر إلى الحرب العمياء ضد الدين، على الرغم مما هو عليه من التباين الذاتي مع الديانة الأصيلة، بل إن أفراداً، مثل: لوثر، وكالون، اعتبروا المسيحية التقليدية من مفردات الهوية القومية وفقاً للتفسير الإنساني، ولكن المثقفين الوطنيين في إيران ذهبوا إلى رفض جميع الآداب والعادات الإسلامية والعودة إلى الآداب والعادات القومية لفترة ما قبل الإسلام، وأخذوا يمتدحون الدين الزرادشتي([44]).
يقول آقا خان الذي سعى في هذا الأمر أكثر من الآخرين: لا أعتقد أن أيّ دين انسجم مع طبع الإيرانيين أكثر من دين زرادشت حتى الآن([45]). وعلى العكس من دين زرادشت فإن الدين الإسلامي كان يناسب القبائل الوحشية، المطبوعين على السرقة، الذين لم يكن أمامهم سبيل آخر للعيش سوى السلب والنهب، ولم يكونوا يسلكون طريقاً غير طريق الفحشاء والتهور، وتشيع بينهم مختلف صور الفحشاء والظلم([46]).
إنّ ميزة الفكرة القومية القديمة لبعض المثقفين، مثل: ملكم خان، والكرماني، وآخوند زادة، وطالبوف، وشاه زادة، وجلال الدين ميرزا القاجاري، هو عدم الاهتمام بالدين، بل معاداته أيضاً. لقد تمت إعادة إحياء الحضارة الإيرانية القديمة قبل الإسلام في هذا الإطار، وبذلت الأجهزة الإعلامية لحكومة رضا خان جهوداً واسعة على هذا الطريق. كما أقبل الروائيون والكتّاب على إبراز ملامح الثقافة القديمة وإحياء الأساطير القديمة لإيران في رواياتهم الشوفينية، أمثال: صادق هدايت، الذي اعتبر إعادة إحياء حركات مهرگان أسوة، وچهار شنبه سوري، و نوروز، بمنزلة الواجبات الوطنية. واعتبر هدايت أن الخرافات والعادات والتقاليد السيئة الموجودة في الثقافة الإيرانية دخلت إليها من الثقافات الأخرى، وتوطدت دعائمها في إيران بعد غزو العرب لها([47]).
وكما ترون فإن هذه الرؤية هي امتداد لنمط تفكير آقا خاني، الذي كان يقول: بدخول الإسلام تبّدلت الملابس الإيرانية الزاهية بالثياب العريضة والعباءات غير اللائقة، وانزوت النساء خلف أستار الحجاب، وتُرِكن في البيوت([48]).
إنّ هذه القومية التاريخية القديمة تغيرت؛ ولأسباب تاريخية، وللخصائص الاجتماعية لاحتلال إيران في أكتوبر عام 1941م، إلى القومية المناهضة للأجانب([49]). وفي هذا الوقت الذي أزيح فيه رضا خان عن السلطة، ولم يكن الشاه الجديد الشاب يمتلك القوة الكافية على خلق الأزمات السياسية، تهيأت الأرضية المناسبة لظهور الأحزاب والمجاميع الوطنية القومية المناهضة للأجانب على خلفية احتلال إيران من قبل الحلفاء. في عام 1943م برز حزب تودة بشعاراته الوطنية (على الرغم من أنه صدر عن الأفكار الروسية، ودخل الميدان للحفاظ على مصالحها). ولكي لا يبقى الإنگليز متخلفين عن ركب التنافس مع منافسهم العتيق، أي الروس، ولكي يكون لهم دوراً فعالاً في التحولات الجارية في إيران، وجدوا أن السيد ضياء بيدق جيد، فأطلقوا سراحه من منفاه في فلسطين، وكلفوه بتشكيل الحزب([50]).
أسس السيد ضياء الدين، الذي انتخب نائباً في المجلس عن مدينة يزد بدعم من الإنگليز، في صيف عام 1944 «حزب الإرادة الوطنية»، وصحيفة «الرعد».
«پان إيرانيست» حزبٌ آخر دخل ميدان العمل السياسي عام 1947م، وبقي يمارس نشاطه السياسي ضمن إطار حزب «ملت إيران» بالإيديولوجيا القومية إلى عام 1951م. وغير هذه الأحزاب هناك أحزاب أخرى تأسست من قبل بعض الأفراد الذين كانوا يريدون أن يحصلوا على موطئ قدم لهم في الأوضاع الجديدة الناجمة بعد عام 1941م، وأن يتوصلوا بالتالي إلى تحقيق مصالحهم الشخصية من خلال العمل الحزبي، مثل حزب عدالت (العدالة)، من قبل علي دشتي، النائب عن مدينة طهران، في صيف عام 1942م؛ والحزب الديمقراطي، من قبل قوام، في حزيران عام 1946م.
ظهور الجبهة الوطنية في إيران ــــــ
الأحداث السياسية للأعوام 1945م إلى عام 1947م، والأهم من ذلك كله انتشار الحرب الباردة، وإلى جانب ذلك الاختلاف الحاصل في وجهات النظر بين أمريكا وبريطانيا بشأن بعض السياسات المتبعة في المنطقة، أدت بمجملها إلى أن يعمل السياسيون المستقلون والوطنيون في إيران إلى الاستفادة القصوى من هذه الأوضاع باتجاه تحقيق الأهداف الوطنية. إن سياسة دعم الفكرة الوطنية في البلدان المجاورة للاتحاد السوفياتي وتعزيزها، التي أثارت اهتمام الولايات المتحدة، هيأ الأجواء المناسبة لظهور المد الوطني، ومن ثمَّ تشكيل الجبهة الوطنية في إيران. لقد شجع التقارب النسبي للسياسيين والمنظّرين الأمريكيين لبدء الحركة الجماهيرية في إيران الوطنيين الإيرانيين على إيجاد الظروف الدولية الملائمة والبدء بالتحرك الوطني([51]).
ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة لن تقدم أيَّ نوع من أنواع الدعم من دون الأخذ بنظر الاعتبار ضمان مصالحها. وهذه حقيقة واضحة لا يكتمها الأمريكيون أنفسهم. يقول ديك تشيني بهذا الخصوص: لقد سعينا بكل جدٍّ منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن إلى مساعدة أصدقائنا وحلفائنا؛ للدفاع عن أمننا ومصالحنا المشتركة([52]).
ويوضح «روبين» المراد من المصالح الأمريكية على النحو التالي: كان الاهتمام بالنفط في فترات الحرب العالمية يثير الأمريكيين ويراودهم؛ لمصلحة الشركات النفطية لهذا البلد، ولكنهم لم يدخلوا إيران بشكل جدي؛ بسبب رغبتهم في الابتعاد عن سياسة التنافس مع بريطانيا([53]).
عندما أعلنت الجبهة الوطنية عن انبثاقها، مستندة في ذلك على الدعم الخارجي، وبخاصة الولايات المتحدة، قامت النخب والرموز السياسية؛ ولأهداف متعددة، بحشد كل إمكانياتهم في الأحزاب والتجمعات المختلفة؛ للانضمام إليها، وقاموا بدعمها وتقويتها من خلال النشاطات الإعلامية والسياسية والاجتماعية. وذهب «حزب إيران» بزعامة «إلهيار صالح»، الذي كان يضم مجموعة من المثقَّفين، والفنانين الكبار، وحملة الشهادات الغربية، وأساتذة الجامعات، والصحفيين والإعلاميين، وطلبة الجامعات غير الشيوعيين من ذوي النزعة اليسارية، وأحزاب أخرى، من قبيل: زحمت كشان إيران (الكادحين)، پان إيرانيست، جمعيت آزادي مردم إيران (جمعية الحرية للشعب الإيراني)، ومجمع مسلمانان مجاهد (تجمع المسلمين المجاهدين)، ذهبوا للانضمام إلى الجبهة الوطنية([54]).
وعلى الرغم من أن الجبهة الوطنية كانت ذات توجهات وطنية غير استعمارية في ظاهر الحال، إلا أنها لم تعمل إطلاقاً على مواجهة المظاهر الداخلية للتبعية والعناصر التابعة للأجانب. وبناءً على ما قاله خليل مالكي ـ الذي كان من أعضاء حزب كادحي إيران، والمنضوين تحت لواء الوطنية ـ كانت الجبهة الوطنية معتدلة في سياستها، وتتسم بالمرونة والتساهل، وعارية عن الحزم مع الإقطاعيين والرأسماليين المتنفذين، الذين كان أغلبهم متعاوناً مع القوى الأجنبية([55]).
وعلى أية حال أدى عدم الاهتمام بعلماء الدين، وفقدان المصداقية في التعامل معهم ـ وهم الذين تعاونوا معهم على أساس المصداقية ومناهضة الوجود الأجنبي ـ، وتنوع الأطياف المختلفة في الجبهة، وفقدان الإستراتيجية الواضحة، إلى عدم تمكن المثقفين الوطنيين في هكذا إطار للجبهة الوطنية من أداء رسالتهم المتمثلة باستئصال النفوذ الاستعماري، وأن يقعوا بالتالي تحت نفوذ النظام الشاهنشاهي (الملكي) القديم مرة أخرى، ويعودوا إلى ذات الحلقة المفرغة لنفوذ الرأسماليين وعملاء القوى الاستعمارية وهيمنتهم. ولم تؤدِّ سياساتهم الخاطئة إلى عدم إخراجهم من تلك الدائرة فحسب، بل فقدوا أصدقاءهم الحريصين أيضاً. وبالتالي ذهب بريقهم وبريق أفكارهم من أوساط المجتمع الإيراني.
4 ـ التنوير الفكري الديني ــــــ
بعد عقدين من سياسة محاربة الدين ـ التي تبناها رضا خان ـ في المجتمع، وبعد أكتوبر 1941م (تاريخ انهيار النظام المستبد لرضا خان)، عاد الاهتمام بالدين مرة أخرى من قبل الأحزاب والتجمعات الأخرى، ولكن ليس باعتباره عاملاً مؤخِّراً ومانعاً من التطوُّر (حسب اعتقاد المثقفين)، بل بمثابة عامل محرّك ومؤثر باتجاه تفعيل المجتمع وبعثه من جديد، وخرج من حالة الانزواء والانكفاء التي حصلت له على أيدي المثقَّفين المجددين المرتبطين بالنظام السابق، وعاد إلى صلب الحياة السياسية والاجتماعية. هذه العودة إلى الدين جاءت على خلفية القدرة الاجتماعية العظيمة للدين والمتدينين، من أمثال: الإمام الخميني، والعلامة الطباطبائي، ووصول أحداث التجديد والتنوير الفكري المذكورة إلى طريق مسدودة إيديولوجياً. ومن الجدير بالذكر أن هذه القضية تنسب للمثقفين الذين يحملون الصفة الدينية، والذين عملوا على تحرير أنفسهم من الإطار الفكري الحسي والعقلي. ومن هنا سعوا إلى إعادة ترميم الدين في إطار التفكير العقلي المحض، أو العملي التجريبي، رغم أنهم سلكوا في هذا المنحى طريق التقليد أيضاً، وتأخَّروا كذلك في هذا المسار لعدة سنوات([56])؛ وذلك أن ما يشبه هذا الأمر قد حدث في بلدان إسلامية أخرى، كمصر وسوريا والهند، وكان هناك بعض الأشخاص، أمثال: محمد عبده، والكواكبي، ورشيد رضا، وسيد أحمد خان، وإقبال اللاهوري، ممَّن نادوا بهذه النمط من التفكير. وعلى أية حال فقد أخذت هذه القضية تُتابع بصورة أكبر من قبل الذين لا يتمتعون بعمق فلسفي لازم. وهذا الأمر عبر عن نفسه جيداً عند دراسة القضايا من قبل أولئك الأشخاص.
أعمال التنوير الديني ــــــ
وسنبحث في هذا الجزء من المقالة ـ وبشكل مختصر ـ بعضاً من محاور أنشطة هذه القضية، التي يمكن أن نسميها نوعاً من المنحى التجديدي أو المذهب الديني التجديدي.
أ ـ نقد مثقَّفي الجيل السابق ــــــ
إلى ما قبل انقلاب 28 مرداد 1322هـ ش (19 تموز 1943م) توفرت فرصة مؤاتية لجميع المذاهب الفكرية الجديدة للبروز والظهور، ونشطوا باتجاه رقي المجتمع وتطوره؛ بالتخلي عن الدين ووضعه جانباً، والتمسك بالتعاليم المستوردة ما أمكنهم ذلك. ولم يأتِ هذا المنهج بنتيجة تذكر، سوى الترويج للفكر الغربي ونشره، ومحاربة التعاليم الدينية. وعنت مسألة التجديد في الفكر الديني لنقد التاريخ السابق للتنوير الفكري في إيران، والنماذج المطروحة، ونتائجها الفكرية المتمخضة عنها، وقالت بأن النموذج المقدّم لا يتناسب وثقافة المجتمع الإيراني وهويته التاريخية. يقول الدكتور علي شريعتي في هذا الصدد: «بغض النظر عن صحة أية مقولة من الناحية العلمية وأحقيتها في ما يتعلق بقضايا المجتمع هناك عامل آخر يجب أن يأخذه المثقف بنظر الاعتبار ويدرسه بدقة، وذلك هو جغرافية تلك المقولة أو الأطروحة، أي أن يرى هل أن توقيت طرح تلك الأطروحة في هذا الزمكان صحيح أم لا؟»([57]).
ولقد أقبل المجدِّدون الدينيون ـ بعد رفضهم لآراء المجدِّدين غير الدينيين، وقبولهم للمقدمة القائلة بعدم وجود التعارض الأساسي بين السنّة والحداثة ـ على تغيير السنن وتنقيتها، وأطلقوا شعارات العودة إلى الذات وعصر النهضة والبروتستانتية الإسلامية([58]).
وحسب اعتقاد المثقفين الدينيين لم يكن السلف المثقَّف قادراً على أن يصبح هادياً ومرشداً يليق بالجماهير كما يجب وينبغي؛ لأنهم أولاً: لم يكترثوا للحقائق الملموسة للمجتمع والمؤسسات الدينية. وثانياً: انفصلوا عن جماهير الشعب، وانهمكوا بطرح أنفسهم، بمعنى أنه لم يكن لديهم لغةٌ وأسلوبٌ جماهيريٌّ. وبدلاً من الاستعانة بالمؤسَّسات الدينية، وإمكانيات الإسلام المتوفرة بالقوة، في تحريك الجماهير، كانوا يستعينون بالأساطير الشائعة قبل الإسلام([59]). وقد تعرضت هذه المستويات من النشاطات والرؤى للنقد العلمي والعملي من قبل المثقَّفين الدينيين.
ب ـ نقد الفكر الديني ورجال الدين ــــــ
كان المثقفون الدينيون ـ الذين يرون أن رسالتهم الأساسية تتمثل في إحياء دين المجتمع ومذهبه ـ يرون أن هذا العمل يستلزم نقد الآراء التقليدية لأئمة الدين والمذهب في المجتمع. ومن هنا توجَّهوا نحو نقد الدين في وضعه الموجود فعلاً كمؤسسة وثقافة وقادة تقليديين. وحسب اعتقاد المثقفين الدينيين لم يكن بوسع المفهوم التقليدي والمتداول للدين أن يتواءم مع الآراء الجديدة والحديثة ومنجزاتها، ويجب أن يتم إخراجه من الأطر التقليدية. يجب إعادة قراءة مفاهيم الدين السابقة من مصادره الأولى وتجديدها. لقد كان بازرگان وشريعتي أول من اهتم بهذا الأمر، وسعيا إلى تلميع الوجه التقليدي للدين بالتعاليم العلمية. يقول الدكتور شريعتي في هذا الخصوص: «لا نتحدث عن الدين الذي كان مطبقاً في السابق، ويحكم في المجتمع، بل نتحدث عن الدين الذي ثار أنبياؤه لإزالة الأشكال المختلفة لدين الشرك»([60]).
ويرى بازرگان أنّ حالة المتدينين عندنا يمكن تشبيهها بتلٍّ من مواد البناء، المتراكم بعضها على البعض الآخر، فهي جميعها جيدة ومرغوبة، إلا أن عنصر الترابط والانسجام مفقود في ما بينها، وهي غير مرتبة وفقاً لخارطة معينة، وتنظيم صحيح إلى جانب بعضها البعض، ولم تشكل بيتاً أو بناية منتظمة([61]).
المحور الآخر لنقد المثقفين الدينيين للدين كان موجَّهاً لرجال الدين التقليديين وعلماء الحوزة العلمية والمرجعية الدينية بشكل أساسي. فهم لا يعتبرون رجال الدين مراجع في تفسيره، وكانوا يسعون إلى أن يجعلوا الدين في متناول الجميع؛ استلهاماً من تعاليم مارتن لوثر، معتبرين ظهور طبقة من رجال الدين تسمى باسمهم يؤدي إلى تمركز الأفكار والأعمال الدينية، ويمثل مقدمة للتحجر الديني([62]).
لقد كان تعاون بعض العلماء وتواجدهم في بلاط السلاطين سبباً لتوجيه سهام انتقاد المثقفين الدينيين نحوهم، واعتبارهم انتهازيين وخاطئين تجاه الدين والتدين. ومن الواضح إلى أيّ مدى يمكن أن تنطبق هذه الآراء والانتقادات مع حقيقة رجال الدين والمؤسسة الدينية. فهل حدثت الثورات الكبيرة ـ التي أدت إلى إحداث التغييرات الجذرية في المجتمع ـ عن طريق آخر غير المؤسسة الدينية؟ يوجد في العصر الحالي على الأقل، وبدءاً من الميرزا الشيرازي وصولاً إلى الإمام الخميني، الذي يعتبر زعيمهم أجمع، شاهدٌ حيٌّ على أن المثقفين الدينيين كانوا بصدد تهميش طبقة رجال الدين، الذين هم بمنزلة الوسطاء بين الله والناس، وإلغاء دورهم في المجتمع، بعد هذه الموجة من الانتقادات؛ لأنهم يعتبرونهم منافسين لهم، وفي وجودهم لم يكن بإمكانهم تغيير حقيقة الدين وجوهره بتفسيراتهم الترموديناميكية والتاريخية.
ج ـ الاستفادة من العلوم الحديثة ــــــ
لم يرَ المثقفون الدينيون، وعلى العكس من الذين أعلنوا عن استسلامهم الكامل أمام المدنية الحديثة وتخلوا عن سنّتهم، وجود أي تباين بين هذين الأمرين، وسعوا إلى إيجاد التواؤم والتوافق بين المفاهيم والمنجزات العلمية الجديدة والتعاليم الدينية، والقول بأنهما لا يستغنيان عن بعضهما، بحيث لا يمكن التهرب من المنجزات العلمية الحديثة ولا الوصول بالمجتمع إلى الحالة المثالية بدون السنّة. وفي هذا السياق يمكن اعتبار المهندس مهدي بازرگان ـ المتخرج من الهندسة الترموديناميكية في فرنسا ـ من ضمن المبادرين الذين قاموا ببعض الخطوات في هذا السياق. وهو يرى أن تحضّر الإنسان وتطوره إنما يحصل في السير بموازاة طريق الأنبياء وعلى امتداده، وأن تطور العلوم التجريبية للمدنية الجديدة وسيرها التكاملي ليست في حالة تضاد وتعارض مع الأهداف السامية للدين الإسلامي والقرآن الكريم اللذين يضمنان سعادة البشرية، ويعتقد أنه بالإمكان إيجاد المواءمة بينهما. كما كان سحابي يعتقد أيضاً أنه يمكن المجيء بالدليل على إعجاز القرآن من النظريات العلمية، أو القول بصحة نظريات التكامل عن طريق القرآن([63]).
لقد كانت هواجس هؤلاء المثقفين، في إثبات أو دعم هذا التواؤم، تنطلق من تحاشي خطأ مثَّقفي الأجيال السابقة من المتأثرين بالغرب، الذين جعلوا العلم مقابل الدين في قضية النهضة الغربية.
لم يؤدِّ الترابط بين العلم والدين وتناغمهما إلى إيجاد مذهب جديد مقابل المؤيدين للغرب والمتأثرين به أو المعارضين له فحسب، بل كان بإمكانه الانتقال إلى معالجة الماضي بسرعة أكبر؛ لأنه ـ يعكس من جهة ـ صورة ملتزمة للإنسان الذي كان فاعلاً في مسار الحركة الاجتماعية والتدخل في شؤون عاقبته ومآل أمره، ومن جهة أخرى لا يلقي بمسؤولية الله تعالى عن جميع الأمور بناء على أساس الرؤية التقليدية. وبالإضافة إلى ذلك فإن الإنسان، ومن خلال تأسيسه للمؤسسات الاجتماعية، والاستفادة من العناوين الحديثة، كالديمقراطية والحرية، لا يجعل المصالح العامة ضحية لمصالحه الشخصية. لم ينظر إلى مفهوم الوطنية على أساس أنه منفصل عن المذهب، على العكس من رؤية المثقفين المتأثرين بالغرب، بل كان يتم التأكيد في توضيحه على ضرورة تطعيمه بالوطنية أيضاً؛ لكي يشير إلى عدم وجود التضاد في ما بينهما، ولا يلغي أحدهما الآخر. ويمكن للدين والمذهب أن يشكل، مع العواطف والمشاعر والأعمال الخاصة التي توجبها العقيدة الدينية، عاملاً معزِّزاً ومحرِّكاً للوطنية ومسانداً لها، وتمنحها خصائص ممتازة([64]).
اعتبر المهندس مهدي بازرگان والدكتور علي شريعتي أن بعض المنظمات، مثل: منظمة مجاهدي خلق، وغيرها، كانت تسعى للمبادرة باتجاه إحياء السنّة بالاستفادة من التعاليم العلمية. ومن الواضح هنا أننا نظرنا إلى الاستفادة من التعاليم العلمية في تفسير التعاليم الدينية على شكل قضية جارية، وإلا فإن هذا الأسلوب كان موجوداً قبل بازرگان والأحداث التي برزت. كما يشير بازرگان نفسه إلى حالة من هذا القبيل؛ إذ يقول: «تعرفت على تفسير القرآن لأول مرة في الصف الرابع المتوسط، والذي كان من ابتكار الميرزا أبو الحسن خان فروغي. والشيء الذي كان يتسم بالحداثة ويلفت الأنظار أن الميرزا فروغي كان يقوم بتفهيم آيات القرآن وإثباتها من خلال تبيين حقيقتها وأحقيتها بناء على أساس النظريات العلمية والتاريخية والاجتماعية، فضلاً عن ترجمتها بشكل بسيط»([65]).
د ـ التجديد الديني والدور الاجتماعي ــــــ
وفقاً لما يراه المثقف الديني، وانطلاقاً من أن إحياء الدين يؤدي إلى وعي المجتمع وانتباهه لأوضاعه والسعي للتخلص من الاستبداد والاستيلاء الأجنبي، فإن أدنى قدرٍ من بذل الجهد في هذا الخصوص يمكن أن تكون له تأثيرات كبيرة؛ لكون المجتمع مجتمعاً دينياً وثقافة الناس دينية. ويمكن للدين الإسلامي أن يتحول إلى أقوى قوة اجتماعية واعية ومبدعة، لما يمتلكه من نفوذ في إيمان الناس وقلوبهم.
يقول الدكتور علي شريعتي: «المذهب الشيعي بحد ذاته مذهب مناهض للاستبداد، وبإمكانه أن يزلزل قصور الظالمين. وجميع هذه المنجزات الاجتماعية مشروطة بإحيائه، وبتغيير أسلوب الفهم التقليدي للدين»([66]).
يعتقد بازرگان «أن الإسلام كجوهرة تدحرجت من قمة الجبل إلى قعر الأودية، وحملت في طريقها الكثير من الطين والأحجار، وعندما وصل قاع الوادي أصبح مقيداً بمجموعة من الشوائب. وهدفنا يتمثل في إزالة هذه الشوائب والخرافات العالقة به؛ حتى نصل إلى ذلك الجوهر. وهذا هو إحياء الدين بعينه»([67]).
ومن البديهي أن إحياء الدين يحتاج بحد ذاته إلى طريقة معينة. ولا بد من ملاحظة الأسلوب والطريقة التي يستخدمها المثقَّفون الدينيون في إحياء الإسلام. يتحدث الدكتور شريعتي عن أسلوبه ومنهجه في عملية الإحياء، فيقول: «بهدف فهم الإسلام ومعرفته استفدتُ من بعض النصوص التي تستخدم في أوروبا لدراسة بعض العلوم الإنسانية، واستنبطتُ طريقة يمكن استخدامها بشأن أي مذهب من المذاهب، وتتمثل في معرفة خمسة وجوه بارزة لأي مذهب، ومقارنتها مع الوجوه المشابهة لها في المذاهب الأخرى، وهي: 1ـ الله أو الآلهة.2ـ النبي، بمعنى المؤسِّس. 3ـ شكل ظهور النبي والمخاطبين. 4ـ الكتاب. 5ـ النخبة من أفراد المذهب([68]).
ومن الواضح مدى التباين الموجود بين فهم الدين بنظرة دينية سطحية، وهو ما عليه المثقَّفون الدينيون، والأسلوب المعمق الذي تسير عليه الحوزات العلمية ورجال الدين الشيعة؛ وبين النتيجة التي خرج بها الأول والنتيجة التي تولدت عن الآخر. فأحدهما يرعى مجموعة الفرقان التي مزَّقت دماغ مفكِّر من طراز المطهري؛ والآخر يربي أبناءً من طراز حسين فهميدة، الذي يتحمل أعباء الدفاع المستميت عن أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم لثمانية أعوام، ويخرج مرفوع الرأس من ميدان العلم والعمل.
وعلى أية حال فإن رجال حركة التجديد الفكري الديني، الذين برزوا بعد انهيار استبداد الشاه رضا خان على شكل ظاهرة فكرية، سعوا إلى إعادة تنظيم الدين بفهم جديد له، وأن لا تكون ردود أفعالهم انفعالية أمام المدنية الجديدة ومنجزاتها، على الرغم من حصول هذا الأمر عند التطبيق.
ملاحظة ــــــ
قد يُسأل: أين تأتي مكانة علماء التجديد الفكري،كأمثال: الشهيد المطهري، في مسألة التجديد الفكري هذه؟ ولماذا لم تذكروا شيئاً عنهم وعن نشاطاتهم؟
وللإجابة عن ذلك لابد من القول: إن التجديد الفكري أو المذهب العقلي المعروف هو ظاهرة غربية ونتاج عصر التنوير. وهذه الظاهرة تقوم على أساس الاعتماد على العقل الذاتي باعتباره العامل الوحيد في حل المشاكل التي تعاني منها البشرية. ومن الواضح الجلي أن بعض العلماء، كالشهيد المطهري، يهتمون قبل كل شيء بالوحي والتعاليم التي يأتي بها الوحي. ولكن هذا لا يعني بطبيعة الحال أنهم لا يعيرون أهمية للعقل؛ لأن العقل ـ حسب ما يراه هؤلاء العلماء ـ عبارة عن شرع من الداخل بحد ذاته. وبتعبير آخر: إن العلماء الواعين من ذوي الضمير الوقاد يبذلون ما في وسعهم في فهم الدين. وفي هذا الفهم يكون لعاملي العقل والنقل دوراً أساسياً. ويستفاد منهما في الحقيقة كأدوات لتوضيح الدين. في حين أن المثقفين الدينيين يعتبرون العقل والدين أمران مستقلان، ويسعون لإيجاد نوع من التناسب بينهما. ومن هنا كيف يمكن أن ننظر للعلماء الحريصين، كالمطهري، كنظرتنا إلى المثَّقفين الدينيين، ونضعهم ضمن هذا القالب؟ المقالة التي بين أيدينا سعت لإعادة قراءة قضية التجديد والتنوير الفكري في إيران، وليس التجديد الفكري بمعناه اللغوي؛ لكي يهتم بها جميع الذين يعملون على توعية المجتمع وتثقيفه.
مسك الختام ــــــ
وفي الختام لابد من الالتفات إلى بعض الملاحظات:
أولاً: ليس مراد كاتب هذه المقالة، ولا أيّ محقق منصف، أن يغمض العلماء والباحثون أعينهم عن العالم من حولهم، ويُحبسوا في نطاق أنفسهم ومجتمعاتهم، ولا يكون لهم أي نوع من أنواع التعامل الفكري مع جيرانهم وأفراد نوعهم، سواء في الداخل أو الخارج. ولكن يجب على أي مفكر أن يتعامل بحذر مع الأفكار والنظريات الجديدة، وبخاصة الآراء التي ليست من سنخ آرائه وأفكاره، وأحياناً تتباين وتتقاطع معها، ويقيّم تعاليمه، وفي حالة التضاد يبتعد عنها. ومما يؤسف له أنّ المثقفين الإيرانيين المعروفين بالمتنورين فكرياً بعيدون عن هذه الحقيقة، وقد اشتروا ما كان يصاغ في غرب الأرض بأرواحهم، وهم مغمضو العيون.
ثانياً: يجب على أي مفكر، وقبل أن يواجه نظريات الآخرين، أن يسعى إلى معرفة نظرياته، وبعبارة أخرى: أفكاره الوطنية والدينية، جيداً، ويقف على نقاط ضعفها وقوتها، ومن ثمَّ يتوجه صوب أفكار الآخرين، ويتحدث عن النواحي الإيجابية والسلبية فيها. والمؤسف أنه إن لم نقل أن جميع المثقفين لم ينجحوا في فهم ثقافتهم ونظرياتهم، فإن أغلبهم كانوا كذلك. وعدم فهمهم الدقيق لثقافتهم الغنية جعلهم يقعون في مستنقع الانبهار والدهشة أمام أفكار الغرب وقد لاحظنا هذه الحقيقة جيداً خلال هذه الدراسة.
ثالثاً: يجب أن نبحث في الدافع لدى المثقفين الإيرانيين وهدفهم. ولو استثنينا المجموعة أوالجيل الرابع فإن الأجيال الأخرى لم يكن لديهم أي هدف آخر سوى خدمة الأجنبي، ولاسيما أن أغلبهم ممّن ترعرع في أحضان الغرب، ومن المستخدمين لأفكارهم، والكثير منهم يستلمون رواتب شهرية من الدول الغربية، كما أن أسمائهم وعناوينهم تلاحظ في الوثائق الموجودة، حتى أن مقدار الرواتب التي يستلمونها مذكورة هي الأخرى فيها.
رابعاً: يوجد في كل مجتمع من المجتمعات بعض الأفراد الذين يميلون للمجون والنفس الأمارة بالسوء، ويستسلمون لرغباتهم وشهواتهم الحيوانية. ومن البديهي أن يصبح الدين حائلاً كبيراً أمام طلباتهم المسرفة، فما بالك بدين كالدين الإسلامي ومذهب أهل البيت^. إن أفراداً، كالميرزا آقا خان الكرماني، والميرزا أبو الحسن خان الشيرازي، والميرزا يحيى دولت آبادي، وأمثالهم، ممَّن كانوا مغرمين بذوات الحسن والجمال، وأزقة باريس ولندن، كانوا بصدد إعادة صياغة هذا المشهد في إيران، وسعوا إلى إخراج أزقة طهران وشيراز وكرمان وغيرها من المدن على نفس تلك الشاكلة. وكان من الضروري أيضاً توفير الثقافة اللازمة لهذا الأمر. ولذلك كانوا يسعون إلى تحقيق أهدافهم ضمن إطار حركة التنوير الفكري، وأطلقوا صرخات إصلاح المجتمع على اعتبار أنهم مثقَّفون.
خامساً: إن أي منهج أو مسار لا يحمل تلك القيمة العليا للعقل كما يحملها الدين الإسلامي، وبخاصة الثقافة الأصيلة لمذهب أهل البيت^، وإلى المستوى الذي يعتبره الرسول الباطني. فهو يستنطق القرآن الصامت بالعقل، ويجعل العقل بمنزلة ملاك الأعمال. إلا أنه لا يعتبر هذا العقل عامل التطور الوحيد؛ ذلك أن العقل يدرك في الكثير من الموارد أنه بحاجة للتعاليم السماوية، وأن تلك التعاليم هي التي تمنحه الألق والرشد. وبناء على ذلك لا ينبغي التخلي عن النقل والتعاليم السماوية بحجة الاستفادة من العقل وعقد الآمال على منجزات العقل العملي، والتوجه نحو التعاليم الأرضية بطُعم التنوير الفكري والابتعاد عن تعاليم الحق والوحي. والأمر المسلّم به أن الاستفادة من التعاليم السماوية ينطوي على منهجنا وطريقتنا المثلى، ألا وهو طريق الاجتهاد الفاعل. وإن أي كتاب تقرأه لا يمكن أن تستفيد من تعاليمه من دون الرجوع إلى علماء الدين.
الهوامش
(*) باحث متخصّص في علم الاجتماع والكلام الإسلامي، له كتابات عديدة.
([2]) كانْت والآخرين، روشنگری چيست (ما هو التنوير): 26، ترجمة: سيروس آروين پور (طهران، دار نشر آگاه، 1376).
([3]) هالري ايوا اتزيوني، روشنفکران وشکست در پيامبري: 1 ـ 2, ترجمة: الدكتور حسين کجوئيان (طهران، مؤسسة تبيان للثقافة والنشر، 1378).
([4]) راجع: أرنست كاسيرر، فلسفه عصر روشنگری: 17, ترجمة: يد الله مؤمن.
([5]) رضا داوري، روشنفکري وروشنفکران، مجموعة مقالات تحت عنوان جريان روشنفکري روشنفکران در إيران: 18، (طهران، دار نشر به باوران، 1379).
([6]) من خطاب قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي، في جامعة طهران، بتاريخ 12/5/1998.
([7]) عبد الهادي الحائري، نخستين رويارويی های أنديشه گران إيران با دو رويه ای تمدن بورژوازی غرب: 280، (طهران، دار نشر أمير كبير، 1378).
([8]) جهاندار أميري، روشنفکری وسياست: 23، (طهران، دار نشر مركز وثائق الثورة الإسلامية، 1383).
([9]) جواد بهمني، فاجعه قرن: 73 ـ 74، (طهران، 1358).
([10]) محمد مدد پور، سير تفکر معاصر در إيران 3: 105، (طهران، مؤسسة منادي تربيت الثقافية، 1379).
([11]) أبو الحسن إيلچي، حيرت السفراء: 210، نقلاً عن مدد پور، نفس المصدر السابق: 105.
([12]) جمشيد بهنام، إيرانيان وأنديشه ای تجدد: 78، (طهران، دار نشر فروزان روز).
([13]) للمزيد من المعلومات عن النشاطات والخصائص الشخصية لملكم خان راجع كتاب: سکولاريسم وعوامل شکل گيری آن در إيران، لشمس الله مريجي.
([14]) فريدون آدميت، فکر آزادی ومقدمه مشروطيت إيران: 114، (طهران، دار نشر الخوارزمي، 1355).
([15]) المصدر السابق: 117 ـ 119.
([16]) (لم تظهر الكتابة في الاستنساخ).
([17]) محمد محيط الطباطبائي، مجموعه آثار ميرزا ملکم خان: 78، (طهران، دار نشر علمي).
([19]) المصدر السابق: 13 ـ 14.
([21]) جهاندار أميري، المصدر السابق: 25.
([22]) عبد الرحيم طالبي، مسالك المحسنين: (طبعة القاهرة، 1304).
([23]) أحمد كسروي، تاريخ مشروطه إيران: 194، (طهران، دار نشر أمير كبير، 1357).
([24]) جهاندار أميري، المصدر السابق: 147ـ 148.
([25]) كسروي، المصدر السابق: 726.
([26]) جهاندار أميري، المصدر السابق: 151.
([27]) محمد علي (همايون) كاتوزيان، اقتصاد سياسي إيران: 210، ترجمة: محمد رضا نفيسي وكامبيز عزيزي، (طهران، دار نشر مركز، 1372).
([28]) خليل ملكي، برخورد عقايد وآراء: 16، (طهران، دار نشر مركز، 1374).
([29]) شهريار زرشناس، تأملاتي درباره روشنفکري در إيران: 129، (دار نشر برگ، 1373).
([30]) وهو عيد إيراني قديم يصادف في السادس عشر من شهر (مهر) من السنة الإيرانية، ويُسمّى بعيد الخريف أيضاً.
([31]) إسناد تاريخي جنبش کارگری: 2989، نقلاً عن كتاب روشنفکري وسياست، المصدر السابق: 30.
([32]) أنور خامه ای، فرصت بزرگ أز دست رفته: 248، (دار نشر هفته، 1363).
([33]) جهاندار أميري، المصدر السابق: 161.
([34]) صحيفة رهبر، العدد 267، التاريخ 20/12/1322، المقالة رقم 9: «مذهب إسلام أز نظر ما»، نقلاً عن كتاب روشنفکري وسياست: 162.
([36]) يراوند إبراهيميان، إيران پس أز انقلاب: 350، ترجمة: أحمد گل محمدی ومحمود براهم فتاحی، (طهران، شرفي، 1377).
([37]) عبد الله برهان، کارنامه حزب تودة وراز سقوط مصدق 1: 36، (طهران، دار نشر العلم، 1378).
([38]) حميد شوكت، نگاهی أز درون به جنبش چپ در إيران: 52، حوار مع: مهدي خان بابا طهراني (طهران، شركة انتشار المساهمة، 1380).
([39]) جهاندار أميری، المصدر السابق: 167.
([40]) گائنا موسکا؛ بوتوگاستون، تاريخ عقايد ومکتب های سياسي: 405، ترجمة: حسين شهيد زادة، (طهران، دار نشر مرواريد، 11370).
([41]) أندرو وينسنت، نظريه های دولت: 51، ترجمة: حسين بشيرية (طهران، دار نشر ني، 1371).
([42]) فريدون آدميت، أنديشه های ميرزا آقا خان کرمانی: 51، (طهران، دار نشر پيام، 1357).
([43]) إحسان طبري، أوضاع إيران في المرحلة المعاصرة: 100، نقلاً عن نقش روشنفکري وابسته 6: 92، (دار نشر قدر ولايت).
([44]) مدد پور، المصدر السابق 4: 72.
([45]) صد خطابه (مائة خطبة)، الخطبة السابعة عشر، نقلاً عن روشنفکران وابسته: 6.
([46]) هشت بهشت، نقلاً عن نقش روشنفكران وابسته 6: 97.
([47]) صادق هدايت، نيرگستان: 19، (طهران، دار نشر أمير كبير، 1342).
([48]) فريدون آدميت، المصدر السابق: 206.
([49]) جهاندار أميري، المصدر السابق: 187.
([50]) إيرج ذوقي، إيراني وقدرت های بزرگ در جنگ جهانی دوم: 96، (طهران، دار نشر پاژنـگ، 1368).
([51]) باری روبين، جنگ قدرت ها در إيران: 62، ترجمة: محمد مشرقي (طهران، دار نشر آشتياني، 1363).
([52]) ريتشارد ديك تشيني، إستراتژی دفاعي آمريکا در دنيای در حال تحول: 51، ترجمة: محمد حسين جمشيدي (مجموعة مقالات) (طهران، كلية الحرس الثوري للقيادة والأركان، مكتب الدراسات، 1372).
([53]) روبين، المصدر السابق: 18.
([54]) جهاندار أميري، المصدر السابق: 202.
([55]) خليل ملکي، نهضت ملي إيران وعدالت اجتماعي: 7، اختيار وتنقيح: عبد الله برهان (طهران، دار نشر مركز، 1377).
([56]) راجع: حميد پارسانيا، حديث پيمانه: 310، (مكتب معارف للنشر والتوزيع).
([57]) علي شريعتي، چه بايد کرد؟ (مجموعة المؤلفات) 20: 274، (طهران، دار نشر قلم).
([58]) راجع: كتاب راه طی شده، لمهدي بازرگان؛ وکتاب بازگشت به گذشته، لعلي شريعتي.
([59]) كما لاحظنا ذلك في الصفحات المتقدمة، وكيف تحرك أمثال آقا خاني الكرماني في هذا الاتجاه.
([60]) علي شريعتي، مذهب عليه مذهب (مجموعة المؤلفات) 22: 28، (طهران، دار نشر چاپخش).
([61]) مهدی بازرگان، احتياج روز (ما نحتاجه اليوم)، مجموعه مذهب در أوروپا: 56، بجهود: السيد هادي خسروشاهي (طهران، شركة انتشار المساهمة).
([62]) علي شريعتي، إسلام شناسی (مجموعة المؤلفات) 30: 31، (مشهد، مطبعة طوس).
([63]) راجع: كتاب خلقت إنسان، ليد الله سحابي، (شركة انتشار المساهمة).
([64]) جهاندار أميري، المصدر السابق: 269 ـ 270.
([65]) حسن يوسفي إشکوري، در تکاپوی آزادی 1: 45، (طهران، دار نشر قلم).
([66]) علي شريعتي (مجموعة المؤلفات) 30: 116.
([67]) لطف الله ميثمي، نوگرايی ديني: 231، (طهران، دار نشر قصيده، 1377).
([68]) حسن يوسفی إشکوري، شريعتي ونقد سنت: 108، (طهران، دار نشر ياد آوران، 1379).