العلاقة والإشكاليات
حوار مع: الشيخ غلام رضا الفياضي(*)
تحاول مجلّة «نصوص معاصرة» استعراض بعض الأفكار لمثقفين وعلماء دين ناشطين في العلوم العقلية في ما يتعلّق بالحوزة العلمية والدراسات العقلية؛ كونه من المحاور الهامّة في المحافل العلمية في المؤسّسة الدينية، والذي ما زال يشهد جدلاً ونقاشاً. (التحرير)
تقويم الدراسات العقلية في الحوزة العلمية ــــــ
_ ضمن تقديم الشكر لسماحتكم على منحنا فرصة الحوار فإن أول سؤال يطرح هو: كيف تقيّمون حالة العلوم العقلية في الحوزة العلمية؟ وهل كان فيها التطور المطلوب أم لا؟
^ لابد من ذكر مقدمة حول ضرورة وجود المباحث الفلسفية والكلامية، ثم نجيب على سؤالكم. كما تعرفون فإن أساس وجود الحوزات العلمية هو الآية المباركة {فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة: 122)، أي لابد في كل عصر من وجود جماعة يتعهدون بالتفقه في الدين. والتفقه هو الفهم العميق للدين. ومن الواضح جداً أن للدين ثلاثة محاور أساسية، هي: أصول الدين؛ والأخلاق؛ وفروع الدين.
وكما يظهر من اسم «أصول الدين» فإنها أساس الدين. ولذا نجد رواية صحيحة، وردت في كتب موثوقة، منها: «كفاية الأصول»، للمرحوم الآخوند الخراساني، تقول: «لو أن أحداً قام دهر…»، لكنه كان منكراً لمسألة واحدة، وهي الإمامة، «أكبّه الله على منخريه…»، أي حتّى لو كان معتقداً بالمبدأ والمعاد، وكان اعتقاده بهما اعتقاداً صحيحاً، إلا أنه في مسألة الإمامة كان منحرف العقيدة، فلا قيمة لأعماله. وبناءً على ذلك فمن أراد الوصول إلى ثمرة في فروع الدين فمن الواضح جداً إنه لابد أن تكون أصول دينه وأساس اعتقاده متقناً. ولذلك فشأن الحوزات العلمية الاهتمام بأصول الدين وبحثها، كاهتمامها وبحثها في فروع الدين. وتوجد روايات كثيرة حول الأخلاق أيضاً. فمثلاً: تجد «لا تنظروا إلى كثرة صلاته وصومه، ولا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده»، بل انظروا إلى وفائه بالعهد، وهل أنّه صادق أم لا؟؛ لأنه ربما يكون قد اعتاد على تلك العبادات. وجاء في بعض الروايات أن «الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب». وعليه فإذا كانت وظيفة الحوزات ومشروعيتها التفقه في الدين فلا ينبغي حصر الدين بالفقه والأصول المتداول، بل لابد من البحث حول المسائل الفلسفية والكلامية، التي تؤسس لعقائدنا الأصلية؛ وتدفع الشبهات عنها. وقد كانت هذه القضايا متداولة في الحوزات العلمية على طول التاريخ، كما تبين ذلك من مطالعة تاريخ الحوزات أيضاً. فتجد السيد المرتضى ـ مثلاً ـ يُشار إليه في المجال الفقهي والأصولي بصفته فقيهاً فحلاً، وإذا لاحظته بكون مفكراً وعارفاً بالإسلام فهو صاحب رأي ونظر في المسائل العقائدية أيضاً، فهو من كبار الفقهاء، وكذلك من كبار المتكلمين. كذلك الحال في الشيخ الطوسي، والعلامة الحلي؛ لأن لهؤلاء كتباً أساسية في الكلام، كما أن لهم كتب أساسية في الفقه. وكذلك هو حال الخواجة نصير الدين الطوسي وغيرهم. فالعلوم العقلية كانت بهذه المنزلة.
لكن دائماً كانت هناك حساسية من العلوم العقلية، كأن يكون بعض الأشخاص على غير بينة بما يجري في تلك العلوم، أو لم يكونوا يعرفون لغة تلك العلوم، ويسمعون عن مسائل تلك العلوم من بعيد، وعلى ضوء ما فهموه من الكتب، ويفسرون ألفاظها حرفياً وبحسب المعنى اللغوي. لذلك كانوا يسيئون الظن بها. مثلاً: من المسائل القطعية في الفلسفة قاعدة السنخية بين العلة والمعلول، لكن الذين لا معرفة لهم بالفلسفة يعتقدون أن السنخية تعني المشابهة، ثم يستنتجون أن المشابهة تتعارض مع الآية الشريفة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، وأن الفلسفة تتعارض مع العرفان. إذاً يجب أن لا تدخل الفلسفة إلى الحوزات العلمية. وكل هذا ناشىء من عدم الفهم الصحيح للسنخية. لكنه عندما يفسر السنخية، بمعنى ضرورة وجود خصوصية (مناسبة) في العلة، وبسببها نشأ منه ذلك المعلول الخاص، وهذا هو معنى السنخية، وليس نفس معنى المشابهة. وبناء على ذلك المعنى الذي يذكره الفلاسفة، ولأن في أغلب الكتب الفلسفية فصلاً تحت عنوان: إن الله تعالى لا يشاركه شيء في أي معنى من المعاني، فإن هذا هو معنى الآية الشريفة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، لكنه يطرحه بلغة فلسفية، وببيان عقلي واستدلالي، ولا يطرحه مثل الآية القرآنية، ويقول: إنّه تعبد؛ لأنه حينها لم يتوصل إلى اعتبار القرآن كلاماً إلهياً؛ لأن سؤاله الأساسي هو عن وجود الله تعالى، ونريد أن نعرف الله بإحدى صفاته السلبية، وهي «ليس كمثله شيء»، فلابد أن نثبت محتوى الآية ببيان عقلي. والذين خالفوا تلك العلوم أوقفوا نمو هذه العلوم وتطورها في الحوزة العلمية بالمستوى المطلوب. وإذا لاحظتم فإنّ كتاب «المعالم» كتاب أصولي، وكذا «تهذيب الأصول»، و«المحاضرات»، لكن كتاب «المعالم» أصبح مهملاً تقريباً في الحوزات؛ لأن هذا العلم تطوَّر إلى حدٍّ لا يمكن معه الدفاع عن تلك النظريات. وإذا كنا نعتقد أن العقل لابد أن يفكر بحرية في العلوم، ولا سيما في العلوم العقلية، ولابد من احترام نتائج ذلك التفكير والتعقل، ويكون الإنسان دائماً في مقام النقد والتمحيص العقلي لأفكار الآخرين، إذاً لابد أن نروّج هذه العلوم العقلية، وتكون حلقات تلك العلوم ـ كالفقه والأصول ـ في حركة دائمة؛ من أجل تبيين عقائدنا؛ لأن من يريد أن يفهم الآية الشريفة {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللهُ لَفَسَدَتَا} لابد أن تكون لديه قدرة على التحليل للمسائل العقلية، ولابد أن يكون قد عَرَف مبانيها. فكما يقال: إن علم الأصول ضروري لدارسة علم الفقه، ويقال: إن من يريد أن يصبح فقيهاً لا يمكنه أن يستنبط من الآيات والروايات بدون الأدوات الفقهية والأصولية، وإن المسلك الأخباري نوع من الجهالة في الفقه، كذلك لا يمكن في المسائل الاعتقادية الاستنباط من الآيات والروايات مباشرة، ولابد من المعرفة بالمنطق والفلسفة، نظير: الحاجة إلى علم الأصول في الأبحاث الفقهية (الفرعية). أي إن من يريد استنباط العقائد وتبيينها من الآيات القرآنية فإنه مضطر ـ علاوة على معرفته بأصول الفقه وبالمباحث التي ترتبط بالكتاب والسنة، مثل: مباحث من الألفاظ، وحجية خبر الواحد، وحجية الظاهر، أو مباحث التعادل والتراجيح ـ أن يتوفر على قابلية التحليل والتفكير العقلي، وأن يكون ماهراً في المنطق؛ لكي يتمكن من تقرير المسائل كما كان عظماء الشيعة يقررونها في الماضي والحاضر. وإنما كان للشهيد مرتضى المطهري منزلته، ووجدت مؤلَّفاته مكاناً في الحوزة، لخصوصية الشهيد المطهري في توضيح المسائل العقيدية ببيان عقلي وافٍ، بحيث إن الشخص عندما يستمع له يعتقد أنه يشرح ما في نفسه. وبناءً على ذلك فأصل ضرورة هذه العلوم من الوضوح بحيث لا تدع مجالاً للشك والشبهة عند كل بصير.
دور الإمام الخميني في إحياء العلوم العقلية ــــــ
لكن أقول لكم: إنه بفضل الثورة الإسلامية في إيران، وببركة أن قائد تلك الثورة شخص مثل الإمام الخميني&، الذي كان يتمتع بوعي وبصيرة لا نظير لها، وفضلاً من كونه أستاذاً ماهراً في العلوم العقلية كان مرجحاً لها أيضاً ـ وأنا لتخصُّصي في هذا الفرع العلمي كنت أدقِّق في كلماته وخطاباته، ولا أتذكر أنه يوماً ذكر الفقه والأصول ولم يذكر الفلسفة ـ، وببركة القائد السيد الخامنئي، الذي عندما التقينا به ضمن اللجنة العليا للحوزة قال: كلما كان السيد البوشهري يقدم تقريره عن عمل الحوزة وأدقق فيه كنت أجد السيد البوشهري يتكلم عن الفلسفة في الرتبة الخامسة والسادسة؛ ولذا فأنا أوصي بتقوية هذا الفرع العلمي في الحوزة، بحيث تصبح الحوزة هي المرجع له.
تطوّر الدراسات العقلية في الحوزات العلمية ــــــ
_ هل تطورت الحوزات العلمية في هذا الفرع العلمي تطوراً مناسباً أم لا؟
^ بفضل الله تعالى نعم؛ لأننا عندما نقارن الحالة اليوم مع ما كانت عليه قبل الثورة الاسلامية نجد أن هناك تقدماً جيداً، أي إن الكثير من الحوزات تدرِّس هذه العلوم. وقد تمَّ تشكيل مركز تخصصي في الحوزة. وإن وجود مثل مؤسسة الإمام الخميني& للتعليم والتحقيق يؤشِّر على تقدم واضحٍ. لكننا نعتقد أن هذا أقل من الطموح، وإن كان انطلاقة جيدة وجديرة بالثناء، لكن لابد أن نعي أن «رسالة عملية» واحدة تكفي تلك الشيعة في مجال العمل الفقهي بينما تنقسم الشبهات إلى أنواع وأقسام وتطرح شبهات جديدة أيضاً، وعلى أساس تلك الشبهات تعرض أسئلة جديدة لنفس المتدينين، وهي تحتاج إلى جلسات شفاهية، يعني أن تجلس وتستمع إلى شبهة وإشكال الآخر، ثم تجيبه. ويوجد من يقومون بذلك، سواء من الحوزة أو خارجها. هناك من يأتي من أطراف إيران إلى مدينة قم؛ لكي يجد جواباً عن سؤاله، ورفع الإبهام عنه. وعليه لابد أن تكون لدينا في الحوزة طاقات مدربة يرجع إليها الناس. وإذا كان في مقالة أو كتاب جواب عن سؤال ما فقد ينبثق منهما سؤال جديد. وإذا حاول العدو إيجاد ثغرة في هذه الأمة فإنما يدخل من هذا الطريق، ويطرح شبهاته على العقيدة، وفي الوقت الذي يطرح شبهاته حول الأحكام كذلك يطرح شبهاته حول فلسفة الأحكام، ويزلزل الأذهان.
مشاكل منهجية وتعليمية أمام العقليات في المعاهد الدينية ـــــــ
_ ما هي المشاكل والنواقص في المناهج والكتب الدراسية الموجودة؟
^ أحد الأصول الأساسية في أي مركز تعليمي وجود مجموعة لتدوين المتون الدراسية، وبصورة دائمة، يعني أنه لا يمكن أن نصل في وقت ما إلى القول بأن المتون الدراسية كاملة، ولا تحتاج إلى تجديد، بل يؤدي طرح أسئلة جديدة إلى الحاجة إلى إصلاح وتكميل المتون الدراسية. وعليه عندما تكون الحوزة نشطة في هذا الجانب فالنتيجة أن تقدّم أجوبة جديدة، أو تطرح أسئلة جديدة، أو يثبت أن بعض المسائل لا ضرورة لها، فمن اللازم حذفها من المنهج، أو أن هناك بعض المسائل التي لم تطرح حتى الآن وهناك شعور بالحاجة إلى طرحها، أو يفتح لها فصل أو باب جديد. عندما تلاحظون الفقه والأصول تجدونه قد تغير، ولم يبق ثابتاً، فأنا في أصول الفقه كنت قد درست كتاب «معالم الدين»، ودرست بعده كتاب «القوانين»، ثم «الرسائل» و«المكاسب»، لكن كتاب «المعالم» لا يدرس اليوم، وأخذت مكانه كتب أخرى، وذهب كتاب «القوانين»، وجاء «أصول الفقه»، بدلاً عنه. وهذه التغييرات كانت في الفلسفة أيضاً. وبناء على ذلك فلا نبلغ التكامل في أي وقت؛ لأن العلوم تتكامل بمرور الأيام. وهذا يستدعي أن تتغير المتون الدراسية وتعدّل على الدوام.
عناصر ازدهار العلوم العقلية في المؤسّسة الدينية ــــــ
_ ما هي العوامل المؤثرة في ازدهار العلوم العقلية في الحوزة؟
^ أحد العوامل هو التشجيع الذي أبداه الإمام الخميني& والسيد القائد الخامنئي، وذلك البرنامج الذي قامت به اللجنة العليا المشرفة على الحوزة؛ لتنمية وتوجيه هذه العلوم؛ لأن من يريد دراسة الفقه وأصوله إذا لم يدرس الفلسفة فسوف لن يكون درس أصوله جيداً. وعندما تلاحظون أساتذة الأصول تجدون الأستاذ الناجح والمتمكن من بيان آرائه الأصولية هو الأستاذ المتمكن في العلوم العقلية. وهكذا في العلوم الأخرى، مثل: علوم التفسير، وعلم الحديث، وغيرها. وبعبارة أخرى: إن العلوم العقلية بمثابة الأم والأساس لسائر العلوم. إن كتابَيْ «بداية الحكمة» و«نهاية الحكمة»، للعلامة الطباطبائي، دُوِّنا على مستوى المعارف العامة لكافة الأقسام العلمية. وبعد ذلك لابُدّ من دراسة المعارف في كل فرع علمي بما يناسبه، وبنحو مفصَّل، بالاضافة إلى إلى دراسة «البداية» و«النهاية». ولا فرق في ذلك بين سائر الفروع العلمية، مثل: علوم الحديث، والاقتصاد، والحقوق، وعلم النفس الإسلامي، وعلم الاجتماع الإسلامي، و…، التي يجب أن يكون للأبحاث العقلية خطٌّ فيها. وهذا ما يحتاج إلى برمجة متكاملة لكل الحوزة، بعد إعداد المتون الدراسية لكل واحد من الفروع العلمية في الحوزة، وتدريب الأساتذة الذين يمكنهم تدريس هذه المواد.
عدم كفاية الخطوات الحوزوية المنجزة حتى الآن ــــــ
_ هل أن الخطوات التي قامت بها الحوزة في مجال الفلسفة المقارنة مقبولة؟
^ ليست مقبولة بما فيه الكفاية. لا توجد الأرضية لذلك، فضلاً عن أنه لا يوجد العدد الكافي من المتقدمين لهذا الفرع العلمي. وإذا أردنا تأمين تلك الحاجات، وأن نصل إلى المستوى المطلوب، فأول الأشياء الضرورية لذلك القابليات المستعدة لهذا العمل. فمن يريد الدخول إلى هذا المجال لابد أن يُقيَّم، ويدخل بعد النجاح في التقييم. ولذا فإنما يمكن القيام بذلك عندما يكون لدينا عدد كافٍ من المتقدمين لهذا الفرع العلمي، لكن الأمر ليس كذلك للأسف. ليس لدينا في الحوزة الطاقات الكافية للتدريب، أو فقُلْ: ليس لدينا العدد الكافي من المتقدمين؛ بسبب الظروف المختلفة الموجودة في الحوزة؛ ولذلك فإن الكثير من الطموحات لم تنفذ. وعلى المسؤولين والمتولين لشؤون الحوزة أن يعقدوا المحاضرات لإرشاد الطلاب وتوجيههم. وهذا لا يعني أن يحضر الطلاب بأنفسهم، بل لابد من الإعداد، ودعوة الطلاب، وأن يحضر الأساتذة وأصحاب الاختصاص في الفروع العلمية؛ ليعرِّفوا تلك الفروع للطلاب؛ لكي لا يبقى الطالب رهناً لمسموعاته الناقصة حول الفروع العلمية. فليأتِ أصحاب الاختصاص، ولتعقد الندوات. وإذا كان لمخالفٍ كلامٌ يستحق الطرح فليطرحه. والحقيقة قلة هكذا أشخاص. ولابد من وجود من ينقد كلامهم، ويوضح المسألة؛ لكي يكون الطالب على وعي، وتُبيَّن له حقيقة الفروع العلمية، وما هي مواطن استعمالها؟ وهل أنها تستحق الدارسة أم لا؟ وأمثال ذلك من المسائل التي ينبغي أن تطرح وتناقش.
وهناك مؤسسات تكفَّلت بهذه المهمة، ومنها: مؤسسة الإمام الخميني، التي تضم أقساماً فلسفية ناجحة. ولدينا في الفلسفة المقارنة طلابٌ اشتغلوا في هذا المجال، ولهم القابلية على تحليل ومناقشة الأفكار المنحرفة للأعداء.
مصير العقليات في المعاهد الدينية ــــــ
_ إلى أي حد وصل الإبداع والتنظير في العلوم العقلية في الحوزة؟ وهل حدث مثل ذلك أم لا؟
^ نفس ما يوجد في الحلقات الدراسية العليا في الفقه وأصول الفقه موجود أيضاً في الفلسفة، لكن بأعداد أقل. إن عدد الحلقات الفقهية والأصولية أكثر، وعدد الطلاب المشاركين فيها أكثر أيضاً، ولكن في مثل هذه الأبحاث يكون المشتركون أقل، والحلقات كذلك قليلة، لكن ذلك طبيعي جداً، فعندما يكرس جماعة جهدهم على فرع علمي يظهر الإبداع، ويصلون إلى أفكار جديدة، وتنقد الأفكار القديمة وتنقض. ومن الطبيعي أن يؤدي تلاقح الأفكار إلى نضج أفكار جديدة. ونحن لدينا ـ بفضل الله ـ أشخاص يطرحون أفكاراً ومسائل جديدة. مثلاً: لم يكن لدينا في ما سبق فرع علمي بعنوان «نظرية المعرفة»، أما الآن فلدينا أساتذة جيدون في هذا الفرع، وصدرت مؤلَّفات جيدة في هذا المجال. ومثلاً: في فلسفة العلم، أو فلسفة العلوم الاجتماعية، أو فلسفة التاريخ، والفلسفات المضافة الأخرى، فإن الحوزة إما تُعِدُّ الكوادر؛ أو يوجد فيها بالفعل مختصُّون في هذه الفروع، ولهم القابلية على النقد والتحليل. وهذه المسائل تقترن بالإبداع. وكما قلتُ سابقاً فإن الفاصلة كبيرة بين ما هو موجود وما نطمح إليه.
___________________________________
(*) عضو «جماعة المدرّسين»، وأستاذ بارز للفلسفة الإسلامية، ناشط في مجال البحث الفلسفي بالتعاون مع مؤسسة الإمام الخميني التي يشرف عليها الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي.