دراسةٌ فقهيّة استدلاليّة
د. محمد جواد سلمان ﭘور(*)
تمهيد
في نصف القرن الأخير، وإثر تنوُّع ورواج المخدِّرات، وبسبب كثرة الإدمان عليها، وما ينتج عنها من آثار سيئة ومضرّة على المجتمع والخصائص التي اكتسبتها، فقد أصبحت من المواضيع المستحدثة في الفروع الفقهية الكثيرة في باب الحدود، والتعزيرات، والمكاسب المحرمة، والأطعمة والأشربة، ممّا أدى إلى اجتهاد الفقهاء في استنباط حكم شرعيّ يحرم تعاطيها والاتجار بها.
في هذا المقال سيتمّ بحث الأدلة ومباني الحكم التكليفي والوضعي للمواضيع المتعلقة بالمخدرات. وعلى هذا الأساس فقد استحدثت المباني الفقهيّة عقوبات مختلفة لجرائم المخدرات.
1ـ مقدّمة
ظهرت مواضيع عديدة ومتنوعة تتحدّث عن المخدرات. وكل واحد منها يخضع للمطالعة والبحث في الفقه، ويدرس كل موضوع منها في أحكام المباني الفقهيّة على حدة. ومع الأخذ بعين الاعتبار حساسية حكومة الجمهوريّة الإسلاميّة بالنسبة لتلك المادة وما يحيط بها من أمور معقَّدة رأت أن التحقيق والاجتهاد الفقهيّ في الفروع المختلفة للمخدرات وجرائمها أمر ضروريّ.
ومن بين هذه المواضيع:
1ـ التصنيع الذي هو أعمّ من الزراعة وعمليّة الإنتاج، 2ـ الحفظ، 3ـ النقل، 4ـ الترويج والبيع، 5ـ التعاطي، 6ـ إيجاد مراكز وأماكن للتعاطي، وتقديم الخدمات اللازمة للمتعاطين، وتهيئة المعدات لسهولة التصنيع والترويج، 7ـ جني الأموال والثروة المكتسبة، ابتداءً من مرحلة الإنتاج حتى وقت تعاطيها، 8 ـ الحصول على الخبر وتقديم المعلومات، 9ـ المقاومة، 10ـ العلاج وترك الإدمان، و…
كل هذا ينشأ عن استعمال المخدرات والتي بالإمكان أن ينطبق على متعاطيها ثلاثة أبعاد فقهيّة: 1ـ حكم تكليفيّ، 2ـ حكم وضعيّ، 3ـ عقوبات.
في ما يختص بالحكم التكليفي والحكم الوضعي هناك من الفقهاء مَنْ جعل نفس المخدرات موضوعاً وملاكاً لحكمه، وعرَّفها على أنها سموم مهلكة، وأجرى عليها أحكام تلك السموم؛ والبعض الآخر جعل نصب عينيه أثرها على الصعيد الشخصي والاجتماعيّ، والأضرار التي تلحق الفرد والمجتمع من جراء تعاطيها. وعلى هذا الأساس بنوا أحكامهم وفتاواهم. وعلى أيّ حال إذا ما أخذنا نفس المخدرات أو الآثار المترتبة عليها نستطيع أن نستخلص من كل موضوع من المواضيع السابقة مصاديق وجزئيّات أكثر من قاعدة فقهيّة، على سبيل المثال: 1ـ قاعدة لا ضرر، 2ـ قاعدة حرمة الإعانة على الإثم والعدوان، 3ـ قاعدة حرمة مقدمة الحرام، 4ـ قاعدة الغرور، 5ـ قاعدة نفي السبيل. وعلى أساس هذه القواعد يتمّ استنباط الحكم الوضعي والحكم التكليفي منا. ويتمّ اتخاذ العقاب والمجازاة على الجرائم المتعلقة بالمخدرات طبق هذه القواعد الفقهيّة، بالإضافة إلى تنقيح ملاك حدّ المفسد في الأرض في بعض الجرائم التي لها علاقة بالمواد المخدرة وتطبيق العقاب المترتب عليها. كل هذا يُعَرَّف على أنه من باب التعزيرات الشرعيّة والقانونية وما يتلاءم مع أوضاع المجتمع ومصلحته والحالات الخاصّة التي ترتكب بحق ذلك الإنسان والعائلة، مع مراعاة تطبيق العقوبات بالنسبة للمؤثِّر والشخص المجرم والمروِّج له، وتحديد معيار وكيفية تلك العقوبات.
ولكي ندرس موضوعاً من المواضيع التي لها فروع متعدّدة في أبواب الفقه المختلفة، مثل: موضوع المخدرات، من الضروري وقبل أي شيء توضيح ماهيته ومكانته في الفقه توضيحاً دقيقاً من الناحية التاريخيّة.
1ـ 1ـ ما هو المقصود بالمخدِّرات؟
المقصود من المخدرات في هذه المقالة جميع أنواع المواد التي تؤدي إلى التخدير، والتي تؤدي إلى الإثارة، والمسببة للتوهم والخمول، وتنتج عنها آثار جسديّة وروحيّة قد نهى الشرع عنها، وبعد استعمالها مرة واحدة أو عدة مرات تسبب الإدمان. وهذه المواد تشتمل على الترياق ومشتقاته، والحشيش وماري جوانا ومشتقاته، والكوكائين، وكذلك المواد الصناعية المخدّرة.
هذه المواد ومشتقاتها إما أنها لم يتم استعمالها في الطب الحديث أو أنّها لم تستعمل مطلقاً، كالترياق، العصارة، الهيروئين، والكوكائين، وإن تم الاستفادة منه في الطبّ، كالمورفين، فإنّ زيادة استعماله تنتج عنها مضار كثيرة([1]). بناءً على هذا من الملاحظ أنه لا يمكن أن تفرض فائدة محددة وآثار ذات مغزى عقلائيّ في حالة فيما لو تم بحثها بصورة عامّة، حيث إن مضارها وآثارها السيئة على الفرد والمجتمع قد وصلت إلى مرحلة سيئة لم تعد خافية على أحد، وهي تهدِّد الأمة الإسلاميّة وجيل الشباب والطبقة العاملة في المجتمع بخطر الفساد والاضمحلال([2]). هذا بالإضافة إلى أنه سيكون لها تأثير سيّئ أكثر ما يكون على الناحية الفيزيكية والجسديّة، وآثار سيئة على الذهن وزوال العقل وضعف الإرادة، ولها النصيب الأوفر في التأثير على متعاطيها بارتكاب جرائم، أمثال: السرقة، والتعدي على الناس بالضرب، والاحتيال، وانتهاك حرمة البيوت،…
وتهدِّد المخدرات خمسة مصالح بشدّة، وتوجه لها بنسب مختلفة ضربات متزايدة. وهذه المصالح هي: مصلحة العقل، مصلحة المال، مصلحة النفس، مصلحة العرض، مصلحة الدين. هذه المصالح التي هدف الشارع حمايتها والمحافظة عليها، وإخضاع كل الأحكام ـ أعمّ من أن تكون أحكاماً إلزامية وغير إلزامية ـ من أجل المحافظة عليها ومنعها من أي ضرر من الممكن أن يقع عليها([3]). ومن الواضح أن استعمال المخدرات وتهريبها بالصورة المنهيّ عنها قد أضرّ في نصف القرن الأخير بأحد المصالح الخمسة، إنْ كان ذلك الضرر قد وقع بواسطة المتعاطي نفسه أو المهرِّب.
1ـ 2ـ تاريخ بحث المخدِّرات في الفقه الإسلامي
لم تكن المخدرات موضوعاً مستحدثاً؛ حيث إنه يوجد في كلام الأئمّة المعصومين^ والفقهاء القدماء ما يدلّ عليها. وقد جاءت بألفاظ من قبيل: البنج، المُفَتِّر، المخدِّر، والأفيون. هذه العناوين الأربعة قد وردت في الروايات، وفي كلام الفقهاء، وترتَّب عليها أحكام شرعيّة مختلفة.
مثلاً: ذكر الشيخ الطوسي في كتابه النهاية: مَنْ بَنَّجَ غيره أو أَسكره بشيء احتال عليه في شربه وأكله، ثم أخذ ماله، عوقب على فعله بما يراه الإمام، واسترجع منه ما أخذ. فإنْ جنى البنج أو الإسكار عليه جناية كان المُبَنِّجُ ضامناً لما جناه([4]).
ومثل هذه العبارة قد وردت في كلام الشيخ المفيد أيضاً في كتابه المقنعة، وقد أضاف عليها: فإنْ جنى البنج على الإنسان أو المسكر من الشراب جناية لزمه أرشها بحسب ما يجب فيها؛ لنقصان الجسم أو العقل أو الحواس([5]).
ونفس هذه الفتوى أتى بها ابن البراج في المهذّب([6])، وابن إدريس الحلّي في السرائر([7])، ويحيى بن سعيد الحلي في الجامع للشرايع([8])، والعلامة الحلي في تحرير الأحكام([9]) والشهيد الأول في اللمعة([10])، وكثير من الفقهاء الآخرين.
عبارات هؤلاء العظماء تبيِّن أنهم كانوا على علم بموضوع المخدرات، كالبنج، الذي هو على الظاهر نوع من الحشيش أو ماري جوانا([11])، وآثاره السيئة على جسد الإنسان وذهنه كزوال العقل ونقصان في الجسم والحواس. ولكنْ لم يطرح استخدامه كما يستخدم حالياً بمسائله المعقَّدة، والإدمان والتهريب لم تطرح كما يتمّ طرحها حالياً، بل كان يستفاد منها على أنها دواء، ويتمّ استعمالها في مجالات نادرة، أو وسيلة لسرقة أموال الآخرين، لا أكثر من هذا. ولكن مع هذا كانوا يحرِّمونه.
2ـ الحكم التكليفيّ
كما قيل سابقاً فإن موضوع المخدرات قد تسبب في ظهور مواضيع وفروع متعدّدة، يستطيع كل واحد منها أن يكون باباً خاصّاً من الفقه والاجتهاد، مثل: 1ـ زراعة الخشخاش؛ 2ـ إنتاج وعمليّة تصنيع المواد المخدرة؛ 3ـ تخزينها؛ 4ـ حملها ونقلها؛ 5ـ ترويجها وبيعها؛ 6ـ تعاطيها؛ 7ـ إيجاد مراكز وأماكن لتعاطي تلك المواد، وتسهيل الخدمات والأدوات اللازمة التي تساعد على ترويجها وتعاطيها؛ 8 ـ العائدات الماليّة والثروة المحصَّلة من كل مرحلة من مراحل الإنتاج إلى مرحلة التعاطي؛ 9ـ الصفقات والعقود التي تعقد بخصوص المخدرات؛ 10ـ جمع الأخبار عن الأسواق التي يتمّ الاتجار فيها وإعطاء المعلومات عن أماكن تصريفها؛ 11ـ مقاومة كلّ مرحلة من مراحل المخدرات؛ 12ـ العلاج والإقلاع عن التعاطي.
إن جميع تلك المواضيع التي تمّ ذكرها بالإمكان أن يكون لها ثلاث نقاط فقهيّة مهمّة: 1ـ الحكم التكليفي؛ 2ـ الحكم الوضعي؛ 3ـ الناحية القانونية وتطبيق العقاب على مرتكب جرائم المواد المخدّرة.
2ـ 1ـ حرمة تعاطي المخدِّرات
إن الحكم التكليفي بحرمة المواضيع من 1 إلى 9 يتوقف على ثبوت حرمة ترويج وتعاطي المخدرات. بالإضافة إلى ذلك فإنّ طريقة إثبات هذا الحكم يترتّب عليها أساس البحوث القادمة في خصوص الأحكام الوضعية، ومعاقبة مرتكبيها.
منذ زمن السيّد أبو الحسن الأصفهاني(1365هـ) إلى يومنا هذا توجد هناك فتاوى صريحة من مراجع ومجتهدين بتحريم تعاطي المخدرات([12]) بجميع أشكالها. كما نجد أيضاً بين كلمات الفقهاء القدماء فتاوى تحكي عن تحريم المخدرات.
ومن الطبيعيّ أنه يوجد بين الفقهاء اختلاف في الآراء حول مبنى تحريم المخدرات؛ فالبعض منهم أخذه كموضوع مستقلّ مطبقاً عليه الحرمة([13])؛ والبعض، كالشيخ الطوسي، ألحقه بالمسكرات([14])؛ وهناك مَنْ اعتبره من السموم، ويفتقد أي فائدة عقلائيّة، ولذلك يستوجب الحرمة؛ والبعض الآخر أدخله في موضوع المُفتِّر، وأفتى بتحريمه([15]).
في باب أدلة حرمة تعاطي المخدرات تُطرح عدّة مباني وأدلة على ذلك:
أـ الروايات
يوجد هناك روايات متعددة في تحريم المخدرات، ولكنْ؛ لضعفها وضعف سندها، لم يستطيعوا الاعتماد عليها في التحريم، مثل: ما جاء في مستدرك الوسائل:
1ـ الأمير صدر الدين محمد بن غياث الدين منصور الدشتكي الشيرازي في رسالة قبايح الخمر: على ما نقله السيّد المعاصر في الروضات، قال: روي عن طريق أهل البيت^ عن رسول الله| أنه قال: سيأتي زمان على أمتي يأكلون شيئاً اسمه البنج، أنا بريء منهم، وهم بريئون مني.
2ـ قال|: سلِّموا على اليهود والنصارى، ولا تسلموا على آكل البنج.
3ـ قال|: مَنْ احتقر ذنب البنج فقد كفر.
4ـ قال|: مَنْ أكل البنج فكأنّما هدم الكعبة سبعين مرة، وكأنّما قتل سبعين ملكاً مقرباً، وكأنّما قتل سبعين نبيّاً مرسلاً…([16]).
5ـ قال|: ألا إن كل مسكر حرام، وكل مخدِّر حرام، وما أسكر كثيره حرامٌ قليله([17]).
6ـ عن الحكم بن عيينة، عن أنس بن حذيفة صاحب البحرين، قال: كتبتُ إلى رسول الله|: إن الناس قد اتخذوا…([18]).
ب ـ الحكم العقليّ
الدليل الأصليّ لتحريم تعاطي المخدرات هو حكم العقل، وتطبيق بعض القواعد والأحكام الفقهيّة القطعية.
طبعاً عند توضيح الدليل العقليّ وكيفية حكمه يمكن توضيح هذا الدليل بصور مختلفة.
يقول الشهيد الصدر في تقسيم القضايا والأحكام العقليّة: يتمّ حكم العقل بطريقتين:
إحداهما: قضايا تشكل عناصر مشتركة في عمليّة الاستنباط.
والأخرى: قضايا مرتبطة بأحكام شرعيّة معينة، كحكم العقل بحرمة المخدر، قياساً له على الخمر؛ لوجود صفة مشتركة، وهي إذهاب الشعور([19]).
وهناك مَنْ حكم بتحريم المخدرات، ولكن ليس من باب قياسه بالخمر، بل لأنّه من المسكرات، وبما أن الشرع الإسلاميّ قد جعل حرمة استعمال المسكرات من المسلَّمات فإن تحريم تعاطي المخدرات يكون شيئاً مسلَّماً. ولكن هل أن المخدرات واقعاً من المسكرات، وله نفس الأحكام الجزائية والتكليفية التي تنطبق على المسكر؟
يعتقد خبراء المخدرات أن منتجات الحشيش والترياق الذي يتم استعمالها بطريقة خاطئة تعدّ بدون أدنى شكّ من المسكرات، وبعد مدة زمنيّة يزيل العقل، وينزل الإنسان إلى المرحلة الحيوانية، ويصبح غير ذي نفع([20]).
أما بملاحظة أكثر آراء الفقهاء فإنها تنصبُّ على أن العرف هو الذي يفرق ويميز بين المسكر والمخدرات([21])، وأن الملاك في تشخيص المسكر من غير المسكر، والخمر من غير خمر، هو العرف. ففي العرف لم تؤخذ المخدرات على أنها عين المسكر، حتّى يجري عليها أحكامه المختلفة. ولكنْ، وبالرجوع إلى الروايات التي بيَّنت حرمة الخمر والمسكرات، والفلسفة والدليل على تحريمه، يمكن القول: من باب تنقيح المناط يسري على المخدرات حكم حرمة الخمر والمسكرات. لذلك فإن جميع أدلة وفلسفة تحريم الخمر التي جاءت في الروايات الصحيحة نراها اليوم بوضوح تتطابق مع المواد المخدرة.
في كتاب علل الشرائع يوجد ثلاث روايات في باب تحريم الخمر:
1ـ حدّثنا محمد بن موسى بن المتوكِّل& قال: حدّثنا علي بن الحسين السعدآبادي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن محمد بن سنان، قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى بن جعفر× يقول: حرم الله عزّ وجلّ الخمر لما فيها من الفساد، ومن تغييرها عقول شاربيها، وحملها إياهم على إنكار الله عزّ وجلّ، والفرية عليه وعلى رسله، وسائر ما يكون منهم من الفساد والقتل والقذف والزنا وقلة الاحتجاز عن شيء من المحارم، فبذلك قضينا على كل مسكر من الأشربة أنه حرام محرم؛ لأنه يأتي من عاقبة الخمر.
2ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه، عن عمّه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي، عن عبد الرحمن بن سالم، عن المفضل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد الله×: لِمَ حرم الله الخمر؟ قال: حرم الله الخمر لفعلها وفسادها؛ لأن مدمن الخمر تورثه الارتعاش، وتذهب بنوره، وتهدم مروته، وتحمله على أن يجترئ على ارتكاب المحارم، وسفك الدماء، وركوب الزنا، ولا يؤمن إذا سكر أن يثب على حرمه، ولا يعقل ذلك، ولا يزيد شاربها إلاّ كل شر([22]).
ج ـ الحرمة من باب أكل السمّ والأضرار الشخصيّة والاجتماعيّة
هناك من الفقهاء مَنْ حرم استعمال المخدرات من باب تحريم الشرع أكل السم([23])، كالسيّد الخوئي، والضرر الذي يسبِّبه للجسم، وما يعترض الجسم والذهن من مخاطر، مما يجعل حرمته في الشرع من المسلَّمات. والبعض الآخر، كالسيد الخامنئي، حرمها لما يلحق المجتمع من أضرار تترتَّب على تعاطيها، فتكون حرمتها من باب الحرمة الشخصية والاجتماعيّة([24]).
فمن الملاحظ هنا أن حرمة استعمال المخدرات من هذا الباب أمر واضح. ولهذا فإن (قاعدة لا ضرر) تنطبق على كلٍّ من المعاني والتفاسير التي جاء بها العلماء حول تعاطي المخدرات، وسوف نشير إليها في ما بعد([25]).
د ـ الحرمة من باب قاعدة حرمة الإسراف
تكرَّر القول في القرآن والأخبار، وكذلك في كلام العلماء، يحكي عن حرمة الإسراف، بالطريقة التي بيّنت أنه ليس هناك شكّ في حرمته. مع هذا فإن كثيراً من الفقهاء لم يوضِّحوا توضيحاً دقيقاً الشؤون والأحكام الجزائية فيه، ولو أن بعضهم بصدد عرض الموضوع والتحقيق فيه مستقبلاً.
يقول الشيخ أحمد النراقي: توضيح هذه القاعدة من الأمور المهمة واللازمة، حيث إنه طرح الموضوع بعنوان قاعدة حرمة الإسراف. ففي البداية بَيَّنَ أدلة حرمة الإسراف، ومن ثم أورد بياناً لمعناه. فقد ذكر للإسراف خمسة عشر معنى، وبعد ذلك أرجع تلك المعاني إلى معنيين اثنين فقط: 1ـ الإنفاق في معصية؛ 2ـ مجاوزة الحدّ، ثم يقول: إن شئتَ عبَّرت عن الأخير بالإنفاق المستقبح عند العقلاء، أو الإنفاق في غير حاجة، أو في ما لا ينبغي، أو في غير حقّه، أو خلاف الاقتصاد([26]).
فعلى أساس كلٍّ من المعنيين السابقين يكون تعاطي المخدرات من المصاديق البارزة في الإسراف. لهذا إذا ما ثبت بأدلة أخرى غير أدلة حرمة الإسراف حرمة تعاطي المخدرات ففي هذه الحالة يكون إنفاق المال من أجل تعاطيها (إنفاقاً في معصية)، ويكون مصداقاً للإسراف؛ أمّا إذا لم يكن بالإمكان إثبات حرمتها بأدلة أخرى غير قاعدة حرمة الإسراف فعندئذ تثبت حرمتها بالمعنى الثاني لمصداق الإسراف؛ لأن تعاطي المخدرات إنفاق للمال في شيء قبيح وغير مستحسن عند العقلاء، والرشيد يرى أنه غير مضطر لتعاطي المخدرات، وفي الأساس هي خلاف الاقتصاد.
إن المهم في تطبيق قاعدة حرمة الإسراف على تعاطي المخدرات هو أنه جاء في بعض كلام الفقهاء في باب الإسراف الحكم بسفاهة المتعاطي، وتطبيق عنوان السفيه عليه، حيث نقل عن السيد مجاهد قوله: فلو صرف ماله في ما لا ينبغي عقلاً أو شرعاً، وإن كان له فائدة دينيّة أو دنيويّة، فإنه مضيِّع لذلك المال شرعاً، مبذِّر، وسفيه([27]).
في دراسة للحكم الوضعي المتعلق بتعاطي المخدرات والعقوبات التي تنطبق عليه، ومع ملاحظة النقطة السابقة، يمكن بحث سفاهة المدمن على المخدرات، والحَجْر على جميع أمواله، وتسليمه لوصيّ قانوني، ومن ثَم تتم دراسة حالته من قبل الحاكم الشرعيّ، وسنتطرق إلى هذا الأمر لاحقاً.
هـ ـ الحرمة من باب قاعدة حرمة مقدّمة الحرام
إن من إحدى الأحكام الكلية والقواعد الفقهيّة حرمة مقدّمة الحرام؛ لأن مقدمة الحرام في بعض الأحيان تكون سبباً لفعل الحرام؛ وأحياناً تكون شرطاً ومجالاً لفعل الحرام.
ففي الحالة الأولى تكون مقدّمة للفعل، وبالتبع تحرز الحرمة.
وفي الحالة الثانية يفترض الشيخ أحمد النراقي فرضين في الموضوع:
الأوّل: هو الشخص الذي يأتي بالمقدمة بقصد أن يتحقّق الفعل الحرام. ويكون هذا الفرض حراماً أيضاً. وقد نفى النراقي الخلاف في حرمة هذا الفرض.
والثاني: هو الذي لا يقصد تحقّق فعل الحرام. وفي هذا الفرض لا يمكن أن تُعرف المقدمة على أنها حرام([28]).
تعاطي المخدرات ـ مع غضّ النظر عن حرمتها في باقي الأدلة ـ من المصاديق المهمة لارتكاب مقدّمة الحرام، من باب الشرط وإيجاد الأرضيّة بقصد تحقق فعل الحرام.
وذلك أن المتعاطي لم يكن قاصداً في البداية الوقوع في مهالك الحرام أو ارتكاب الأفعال المحرمة، كالسرقة والقتل وترك الواجبات الشرعيّة، وسوء الاستفادة من الأقارب، والمفاسد الجنسية و…، ولكن في الوقت الحاضر أعمال الحرام التي يرتكبها أكثر المدمنين بعد تعاطيهم لتلك المخدرات، أو في سبيل الحصول عليها، وما يرمي نفسه به من المهالك المحرمة، ومع علمهم بما ينتظرهم من عواقب ونتائج وخيمة تترتَّب على أفعالهم المحرمة التي يرتكبونها، فيمكن جعل تعاطي المخدرات من باب مقدّمة الحرام بالمعنى الثاني، أي شرط في تحقّقها. ومع العلم بأن المدمن والمروج على علمٍ بما يترتّب عليه من حرمة عند تعاطيه أو ترويجه لتلك المواد، التي تكون في بعض الأحيان شيئاً مجبراً عليه وضروريّاً بالنسبة له، فإنّ هذا العلم بما قد ينتج عن عمله هذا يكون بمنزلة القصد والإصرار على الفعل مع علمه بحرمته.
2ـ 2ـ حرمة تصنيع المخدِّرات وعقد الصفقات عليها وتهريبها
مع العلم بحرمة تعاطي المخدرات، وعدم وجود فائدة عقلائيّة في تعاطيها، وما يترتب عليها من مفاسد تنشأ بعد استعمالها، تتضح لنا جلياً حرمة تصنيعها وتهريبها.
الفقهاء الذين يحرمون تعاطي المخدرات يحرمون تصنيعها وتهريبها أيضاً. وحرمة هذه الأمور التي قد جاء ذكرها في هذا البحث هي الأصل والأساس في مباني العقوبات التي تطبَّق على مهربي المخدرات. فتهريب المخدرات وعقد الصفقات عليها بالإمكان اعتبارها من مصاديق وصغريات القواعد والأحكام الفقهيّة الكلية العديدة التي سنتطرق إلى ذكر بعضها:
أـ قاعدة لا ضرر
تعتبر (قاعدة لا ضرر) إحدى القواعد الفقهيّة المهمّة التي تعتبر أساساً لكثير من الأحكام الفقهيّة الأخرى.
وطبعاً توجد هناك نظريّات كثيرة لتوضيح معنى هذه القاعدة، وأهمها:
نظريّة الشيخ الأنصاري، المبتنية على أساس نفي الحكم الضرري([29]).
ونظريّة الآخوند الخراساني في نفي الحكم بلسان نفي الموضوع الضرري([30]).
وتفسير الإمام الخميني& في قاعدة نفي الضرر من باب الأحكام السلطانية والحكومة([31]).
وتفسيرين آخرين قد تمّت دراستهما من قِِِبَل العلماء، هما:
نظريّة شيخ الشريعة الأصفهاني([32])، وتبتني على اشتمالها على أساس النهي التكليفي.
ونظريّة أخرى في نفي الضرر غير المتدراك، للشيخ النراقي([33]).
وبناءً على التفاسير الخمس لهذه القاعدة التي تمّ ذكرها، وما عدا ما بيَّنه المرحوم النراقي، فإن تهريب المخدرات وعمليّة تصنيعها إلى أن تصل النوبة إلى تعاطيها تعتبر من صغريات القاعدة المذكورة. لذلك إذا ما تم الحكم على إباحته ففي الواقع يكون الحكم على التكسب بها وإنتاجها والصفقات التي تعقد عليها سبباً لأضرار وخسائر تلحق بالأفراد والمجتمع، وتؤثر سلباً على حياتهم، وهذا من المسلَّمات. لذا من باب قاعدة نفي الضرر رُفِع حكم إباحته، وتم تحريمه. موضوع المخدرات والمتاجرة بها وتصنيعها لا يجر غير الضرر والخسارة على المجتمع.
وبعض العقاقير تعتبر من مشتقات المخدرات التي يتم استعمالها في مجال الطب، ومع هذا، وإنْ حكم بحلّيتها، فإنّ لها مضاراً إذا لم تستخدم بطريقة صحيحة، أو إذا استخدمت بكثرة، حتّى وإن كان استخدامها في العلاجات الطبية. لهذا من باب نفي الحكم، وعن طريق نفي الموضوع الضرري، تم تحريمه.
أمّا إذا كنا نعلم أن القاعدة حجّة من خلال باب الأحكام الحكمية والسلطنة؛ لأن الضرر الذي سوف يقع على المجتمع من جراء رواج المخدرات بين أفراده واضح، وحتى بإمكانها أن تهدّد ذات الحكومة، فمن باب الأحكام الحاكمة على الأمر يكون حكمه المنع والتحريم.
وكثير من الفقهاء المعاصرين، كالسيد الخامنئي، يحكم؛ من باب الضرر، بحرمة المتاجرة، والتعامل، والحمل والنقل، والحفظ، و… ([34]).
ب ـ قاعدة حرمة الإعانة على الإثم والعدوان
مضافاً إلى دلالة القرآن الكريم على حرمة المساعدة على الإثم والوقوع في الحرام، حيث قال تعالى: ﴿وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: 2)، يدل عليها حكم العقل والأخبار الكثيرة المستفيضة في موارد خاصّة، وزيادة على ذلك إجماع العلماء على تحريمها، وقد أفتى فقهاء عظام في موارد كثيرة أيضاً طبق هذه القاعدة. وكان البحث ووجهات النظر التي أبدوها تنصبّ في تعيين وتوضيح معنى مدّ يد العون والمساعدة على الإثم والعدوان.
في تحقّق المساعدة في العمل والأداء يجب أن يحدث تدخّل من شخص يمد العون للطرف الآخر يكون على أساسه الوقوع في الجرم والإثم، أو إكماله وتماميته. والذي يقع الشكّ فيه، والقيل والقال، هو اشتراط مدخلية القصد وعلم الشخص المساعد من أجل تحقّق وإكمال وإتمام الجرم. يرى مشهور الفقهاء أنّ العلم بالأمر كافٍ من أجل تحقق المساعدة على قصد تحقيق الحرام من قبل المباشِر([35]). وسواء أثبتنا من وجهة نظر الأدلة الشرعيّة اشتراط القصد والعلم أم لا فليس بإمكاننا أنْ ننكر أن تصنيع وتهريب المخدرات، مع العلم أنه ليس لها فائدة عقلانيّة، ومع ملاحظة استعمالها السيئ، تعد من المصاديق الواضحة في المساعدة على الإثم والعدوان؛ إذ إنّ مصنعها والذي يقوم بتهريبها لديه علم وقصد أن يتم إيصالها في نهاية الأمر إلى ذلك المتعاطي المدمن عليها، الذي تؤثر تأثيراً سلبيّاً على صحّته، وتؤدي به إلى ارتكاب الحرام.
بناء على هذا بالإمكان توضيح تحريم إنتاج وتهرب المخدرات من هذا الباب أيضاً.
طبعا بحث اشتراط القصد والعلم أو عدمهما في تحقّق المساعدة من الناحية الجزائية قد تم تعيينه كثيراً. مثلاً: إذا أحرز أن شخصاً عمل في الاتجار بالمواد المخدرة، وهو لا يعلم بحرمتها، ومع هذا اغترّ بها، فهل بالإضافة إلى بطلان التكسب وعقد الصفقات عليها يرتكب جرم المساعدة على الحرام أم لا؟ هذا البحث يجب أن يتمّ التطرق إليه في مباحث العقوبات.
ج ـ قاعدة حرمة مقدّمة الحرام
إحدى القواعد الفقهيّة التي يبني عليها الفقهاء فتاواهم في المواضيع المختلفة هي قاعدة حرمة مقدّمة الحرام. فإذا كان العمل سبباً في تحقق الحرام وتحمل الإثم يكون نفس العمل من هذا الباب حراماً، كذلك إذا كان شرطاً وأرضيّة في ارتكاب الحرام، بشرط أن يقصد ارتكاب ذلك الحرام، ففي هذه الحالة تكون مقدّمته حراماً أيضاً([36]).
فإنْ لم نعتبر أن تهريب المخدرات سببٌ مؤدٍّ لفعل الحرام، كتعاطي المخدرات، أو سببٌ للجرائم التي يرتكبها المدمن، فأوّلاً: بإمكانها أن تكون أرضيّة وشرطاً لتعاطي المخدرات، بل شرطاً أيضاً للجرائم التي يرتكبها المدمن للوصول إلى هذه المواد. فإحراز علم وقصد المصنِّع والمهرِّب بالنسبة لتعاطي المدمن للمخدرات أو علمهم بالجرائم التي تنشأ بعد ذلك من جراء الإدمان أمر سهل أيضاً، فأيّ من المصنعين أو المهربين لا يريد أن تصل المخدرات إلى يد المدمن؟
وثانياً: في موارد كثيرة يرتكب مهرِّب المخدرات جرائم عدّة غير جرائم التعاطي والجرائم العاديّة، بنحو السببيّة والشرطية، وتكون ملازمة للعلم والقصد، ولها مدخلية فيه؛ وذلك من أجل تسهيل وارتكاب التهريب، مثل: القتل، السرقة، الرشوة، التحايل، التهديد، وعدم الأمن، وأمثال ذلك.
وبناء على هذا فإنّ الحرمة تتأكد أيضاً من هذه الناحية.
د ـ قاعدة نفي السبيل
ومن القواعد الفقهيّة المهمة الأخرى، التي دلّت عليها الآيات القرآنيّة والأخبار المستفيضة والإجماع، والتي اعتمد عليها الفقهاء في موارد كثيرة في استنباط الأحكام الفرعية، هي قاعدة نفي السبيل([37]). وطبق هذه القاعدة تتّضح حرمة أي عمل يكون سبباً في أن يجد أعداء الدين أو غير المسلمين طريقاً للولاية والتسلط على المسلم أو المسلمين. وأحياناً يتفق تهريب المخدرات مع الحوافز السياسيّة من جانب أعداء الإسلام، وحتى في عدم وجود مثل هذه الحوافز فإنّ من آثار انتشار المخدرات انعدام إرادة الدفاع عن حرمة الدين. وفي هذه الصورة يكون السبيل مهيّأً لأعداء الإسلام. وبالإضافة إلى ذلك ربما يوجد أحد المعتادين الذين انتزعت منهم الغيرة الدينيّة ينصاع بسهولة للتعامل مع الكفار وأعداء الدين، ممّا تستوجب عليه ولايتهم، فيوطن نفسه أن يتعاون مع الأجانب في موارد كثيرة. وبناءً على هذا، يتّضح لنا أنه يكون كافياً من أجل صدق القاعدة. لذلك إذا ما حكم بالحرمة على أساس هذه القاعدة فإنه لا يستبعد صحة هذا الحكم على طبقها.
3ـ الأحكام الوضعيّة للمخدِّرات
3ـ 1ـ السفاهة والحجر على المدمن
أـ كما مر سابقاً أن الإسراف هو صرف الأموال في الأمور المذمومة، والتي يراها العقل قبيحة، وتكون سبباً في الضرر الذي يلحق بالإنسان، أو أنها تصرف في معصية الله.
ومن الملاحظ أن صرف الأموال في المخدرات وتعاطيها يعتبر من مصاديق الإسراف. طبعاً بعض الفقهاء الذين بحثوا حرمة الإسراف يصرِّحون بأن صرف الأموال على المخدرات من صغريات قاعدة حرمة الإسراف، وأمّا الإدمان على الكحول والشراب الذي قد تمّ ذكره وما ينفق عليه من مال فإنّه يعدّ بلا شكّ مصداقاً للإسراف([38]). ومن نفس الطريق، وبواسطة تنقيح المناط، وربما بواسطة أولوية إظهار ما يصرفه المدمن من أجل تعاطي المخدرات، يعتبر الإدمان بنظر هؤلاء الفقهاء إسرافاً. لذلك فإنهّم يعتبرون صرف الأموال من أجل الشراب مصداقاً للإسراف، ومن هذه الجهة كان أولاً: ينتهي بالضرر، وثانياً: تصرف هذه الأموال في معصية الله عزّ وجلّ. وهاتان الجهتان، إذا لم نقل بطريق أولى أنّ صرف المال موجودٌ في تعاطي المخدرات، تكون موجودة أيضاً، لذلك فإن استعمال المخدرات مع أنه ينتهي بالضرر، كذلك مع ملاحظة حرمته فهو إنفاق للمال في معصية الله سبحانه.
ومن جهة أخرى أثبت بعض الفقهاء اسم السفيه للشخص المسرف([39]). وبالرجوع إلى الأحكام الأخرى التي اتّخذوها في حقّ الشخص المدمن أنه غير بعيد صحّة إطلاق حكم السفاهة في حقّه، والحجر عليه.
ومن الطبيعيّ أنه من غير الممكن أن يطلق حكم السفاهة في جميع الموارد على الشخص المسرف، أمّا في الأمور التي يفقد فيها الشخص القوّة والإرادة في تجنّب الإسراف ـ وهذا يظهر بصورة لا إرادية، مثل: الشخص المدمن على المخدرات ـ فيمكن اعتباره سفيهاً، ومن ثم يحجر عليه.
ولإثبات وجهة النظر هذه نلفت النظر إلى عدّة أمور مهمة:
ب ـ يعتبر الفقهاء الجرائم الشخصيّة التي يقدم عليها الإنسان، مثل: الانتحار، وإيذاء النفس بضربة مهلكة، من الأعمال الباطلة، وإنْ كانت الصفقات التي يقوم بها تبدو في مثل هذه الحالة عقلائيّة. وقد أفتوا حتّى ببطلان وصيته أو هبته لثلث أمواله. والبعض اعتبر هذا الحكم من باب السفاهة. وقيل: إن عمله هذا ينم عن سفاهته([40]). ومن الملاحظ أنّه بالإمكان أن يعتبر من صغريات هذه الفتوى. لذلك فإن الشخص المدمن على المخدرات في واقع الأمر هو مَنْ يوجِّه إلى نفسه الضربة القاضية، وهو الذي يقوم بعمليّة انتحارية بحقّ نفسه. لذا لإحراز موضوع هذا الأمر يمكن تطبيق حكم السفاهة، ومن ثم الحجر عليه، وإبطال جميع المعاملات والصفقات الماليّة التي يقوم بها، وتوقيف أمواله، وتفويض أمره إلى الحاكم الشرعيّ أو وليّ أمر للبتّ في أمره.
ج ـ عندما يعتبر الفقهاء الصفقات والمعاملات التي يقوم بها السكران باطلة فإن جميع المعاملات والصفقات التي يقوم بها كذلك الشخص الذي يتعاطى المخدرات، مثل: البنج، باطلة أيضاً. وليس هذا إلا لزوال عقله وفقدان القدرة الإرادية والفكريّة على التصميم بخصوص الأموال، ولا يملك القدرة على القيام بالعمل الذي فيه صلاح أمواله. فالشخص الذي لا يملك القدرة على التمييز بين ما يصلح ويفسد أمواله أو العمل على تنميتها سفيهٌ، ويحجر عليه.
إنّ صرف متعاطي المخدرات للمخدِّر، وللأسف، خصوصاً في زمن اشتداد إدمانهم في تزايد يوميّ، والبعض منهم يهدر أمواله في طريق السفاهة، ولن يستطيع أبداً أن ينفق أمواله في طريق آخر فيه صلاح له ولأمواله. وهذا لا ينطبق عليه غير تعريف السفيه في الفقه، وبالإمكان أن يطلق هذا التعريف على الشخص الذي يدمن إدماناً شديداً.
3ـ 2ـ بطلان جميع صفقات المخدِّرات التجاريّة
مع ملاحظ حرمة التهريب فإن الصفقات والاتجار به، والتي هي أعمّ من التصنيع والحفظ والنقل والبيع وتأجير المنازل ووسائل النقل التي لها دخل في مسألة تهريب المخدرات، تعتبر باطلة أيضاً. وبطلان ملكية الأموال العائدة من مثل هذه المعاملات أمر واضح. لذلك فإن من الشروط المهمة في صحّة جميع المعاملات والاتجار بأيّ نوع من العقود العمليّة إباحة نفس المعاملة. بالإضافة إلى أنه من الشروط الأخرى التي لها مدخلية في صحة المعاملات وجود فائدة يحكم بها العقل، وقصد عقليّ، وملكية بالنسبة للأموال التي تدخل في الصفقة.
وعلى فرض حرمة المخدرات فعندما تكون طرفاً في صفقة من الصفقات أوّلاً تعتبر هذه الصفقة غير مباحة. وثانياً: لا تحتوي على فائدة عقلائيّة. وثالثاً: لا يوجد لها قصد يحكم على إثره بها العقل. ورابعاً: شرعاً لا توجد هيمنة على الأموال. لذلك فإن جميع صفقات المخدرات فاقدةٌ لشروط الصحّة الأساسيّة. وعلاوة على هذا بالإمكان اعتبارها معاملات من نوع الغرر، وبهذا تكون مصداقاً لنهي النبيّ عن الغرر.
3ـ 3ـ عدم تملُّك الأموال التي حصل عليها عن طريق التهريب
مع ملاحظة حرمة الاتجار وبطلان الصفقات التي تتم عن طريق المخدرات فإن جميع الذين يجنون الأموال بهذا الشكل وعن هذا الطريق لا يعتبرون مالكين لها، ولا تنتقل إليهم شرعاً. لذا يعتبر ضامناً لتلك الأموال، ويجب عليه إرجاعها إلى أصحابها الأصليّين. وبما أنه غالباً لا يعرف المالك الأصليّ لتلك الأموال فإنه تؤخذ بعين الاعتبار أنها أموال مجهولة المالك، أو أنها في النهاية تعتبر متعلّقة بالمدمنين؛ لأن جميع النفقات التي تصرف على التصنيع وتهريب المخدرات وأرباحها ترجع في آخر الأمر إلى أنها مما ينفقه المدمن على توفير هذه المادّة له([41]).
4ـ أحكام القصاص والعقاب
عند استنباط أحكام القصاص والعقاب في مجال المخدرات، وفي بحث الحرمة والأحكام الوضعية، يوجد هناك فرق بين المدمن والمستهلك وجميع الأشخاص الذين يبادرون إلى إنتاج وتهريب تلك المواد. هنا أيضاً يجب أن لا يكونوا متساوين في القصاص. وأساساً يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار نوعان من التعامل والقصاص الذي يطبق على مثل هذه الشريحة.
4ـ 1ـ المستهلِك والمدمِن
أـ التعزير
بما أن المستهلك عند تعاطيه المخدرات قد ارتكب حراماً، ولا يوجد حدٌّ شرعيٌّ من الحدود الفقهيّة أو عنوانٌ من عناوين الجرائم التي يطبق حدّها عليه، فيجب أن يعاقب في تلك الحالة بالتعزير. هناك بعض الفقهاء يعرِّفون المدمن على أنه شارب للمسكر، غير أنّ هناك جزءاً من الأحكام فقط تلحق المستهلك للمخدرات بشارب المسكر. ولأننا نعتبر عرفاً أن صدق الملاك يقع على المسكر وشاربه فلا يمكن إقامة الحدّ على شارب المسكر؛ لأن العرف لا يعتبر المستهلك للمخدرات شارباً للمسكر. وبناءً على هذا بالإمكان تعزيره شرعاً؛ من أجل استهلاكه للمخدرات، أقلّ من حدّ شرب الخمر التي يستحقّ صاحبها عليها العقاب، ويجب عليه تركها. ومن واجبات الحكومة الإسلاميّة أن تقدم المساعدات المادّيّة والمعنويّة في هذا الخصوص([42]).
ب ـ الحجر والحجز على الأموال
مع مراعاة ما جاء في تلك الأحكام الوضعية التي قد مرت، من أنه عند الثبوت والمصادقة على أن مدمن المخدرات إنسان سفيه ويستحقّ الحجر، ففي هذه الحالة من المؤكَّد عدم قانونية الصفقات التي يعقدها، وبمقتضى ذلك الحكم يتمّ الحجز على أمواله. وفي الحالة هذه توضع أمواله تحت تصرّف الحاكم الشرعيّ أو يُنَصَّب عليه قيِّمٌ يدير شؤون أمواله وأولاده، إلى أن يثبت إقلاعه نهائيّاً عن تعاطي المخدرات، ويعود إلى رشده.
بالإضافة إلى الأدلة والأمارات التي تمّ بيانها في البحث السابق، المؤيِّدة لسفاهة المدمن، ومن ثم الحجر عليه، من الجدير ذكره هنا أنه في حالة تعيين العقاب وإنجازه في حقّ المدمن تلاحَظْ عندها مصلحة المدمن ومصلحة المجتمع في الشروط الحالية، ومن باب المصلحة يتمّ تعيين مقدار ونوع تلك العقوبات. وربما أقرب العقوبات لتلك المصالح هي الحجر عليه، والحجز على أمواله، ووضعه تحت وصاية الحاكم أو وليّ الأمر والقيّم عليه. لذلك فإن الأسلوب المهم الذي يتعامل به، ويتم التصرّف على إثره، مع مدمن المخدرات هو الإقدام على العقوبات المانعة، والتي تقوده إلى أن يبتعد ويقلع عن تعاطي المخدرات، بالطريقة التي تمكنه بعد الإقلاع عنها أن يرجع كأيّ فرد في المجتمع، لا كأيّ مجرم ذي سابقة. فالحكم عليه بالحجر، والحجز على أمواله، إلى أن يقلع عن الإدمان، هي أقرب عمل يقوم به، للوصول إلى الأهداف، ومصلحة ذلك المدمن([43]).
4ـ 2ـ مهرِّب المخدِّرات والمصنِّع لها
يعتبر في زماننا الحاضر المصنّعون والبائعون للمواد المخدرة من العوامل الأصليّة والأساسيّة في ظهور المفاسد المتعدّدة التي تنشأ عن تلك المواد. وهناك مراحل قبل التعاطي تشكّل السبب الرئيس في وقوع تلك المفاسد والجرائم، وفي النهاية لها اليد الطولى في هلاك الناشئة. لهذا إذا لم تكن هناك مثل هذه المواد، ولا تصل إلى يد الناس، ليتعاطوها، فإن جميع هذه المفاسد سوف تختفي من المجتمع. هذه الخلاصة تدلّنا على أن القصاص والعقاب الذي يطبَّق على جرائم المخدرات المنصوص عليه في البحث الفقهيّ، وبالإضافة إلى الأدلة الفقهيّة المعهودة، يجب ملاحظة مصلحة أفراد المجتمع، وفي هذه الحالة سوف يكون للشدّة في القصاص مبرّرٌ، ويكون قريباً من الصواب.
وبالإمكان عرض النقاط التالية، التي تبيِّن جريمة المجرمين المذكورين، والقصاص بحقّهم:
أـ توقيف ومصادرة الأموال المكتسبة عن طريق المخدِّرات
ذكرنا سابقاً أنّ جميع معاملات وصفقات المخدرات تعتبر باطلة، ولا تكون سبباً في التمليك، وعليه فأيّ مبلغ تمّ جنيه عن هذا الطريق لا يتم تملكه شرعاً من قبل المتعامل، ويجب إرجاعه إلى صاحبه الأصليّ. وبما أنه في أغلب الأحيان لا يعرف صاحب ذلك المال فيبدو أن الأموال المكتسبة من الاتجار وإبرام الصفقات بالمواد المخدّرة، بأيّ شكل من الأشكال، كالأرباح المكتسبة من التصنيع والحفظ والتخزين والحمل والنقل من مكان إلى مكان والبيع ومراكز تسهيل التصنيع، والتداول والتعاطي، كل تلك الأموال تعتبر مجهولة المالك.
فإذا تمّ قبول هذا الفرض، ومع مراعاة أن جميع هذه الأموال في آخر الأمر سوف تدفع من قبل المستهلك، فإن المصلحة تقتضي أن الأموال مجهولة المالك يجب أن تصادرها الحكومة، وتضعها في صالح المدمنين على المخدرات؛ للتداوي بها.
ومن الطبيعيّ أنّه يجب إحراز مقدار من تلك الأموال ممّا تمّ ضبطه من أموال المهرّب.
ب ـ حدّ (الفساد في الأرض) الإعدام، وجميع العقوبات الشديدة (التعزير)
1ـ بالإمكان تطبيق جرم المساعدة والإقدام على إيجاد مقدّمة الحرام على كل شخص يقدم على الدخول في مجال المعاملات والاتجار بالمخدرات، ويستحقّون التعزير. ففي هذه الحالة يجب أن يعزَّروا تعزيراً شرعيّاً يتناسب مع نوع الفعل، والمرات التي تم فيها ارتكابه، وكمية المخدرات. ويعيَّن نوع التعزير من قبل الحاكم الشرعيّ. ومع ملاحظة صدق عنوان (المفسد في الأرض) على بعض المهرِّبين فإنّه يجب تنفيذ حكم الإعدام بالنسبة إليهم؛ تنفيذاً للحدّ الشرعيّ. ومما يبدو أن الملاك في تعيين العقوبات التعزيرية للذين قاموا بمساعدة المهرّبين المذكورين هو أن ينفَّذ بهم حدّ القتل على أنهم مفسدون في الأرض. لذا فإن القاضي مخيَّر في أن يختار عقاباً أقلّ من القتل، مثل: السجن، النفي، تعريفه للناس على أنه ارتكب جرم مساعدة مفسد في الأرض، الجلد، مخالفة ماليّة، وأداء عمل إجباريّ.
2ـ في خصوص صدق عنوان الإفساد في الأرض على المهرِّب الأصليّ جراء ما قام به من عمل إجرامي وبعض جرائم المخدّرات الأخرى يتمّ عرض أدلّتها والنقاط المهمة فيها كالتالي:
أـ القصاص فقط من باب إقامة الحدّ أو التعزير الشرعيّ: مع ملاحظة حرمة تهريب المخدرات شرعاً فلا يمكن إقامة القصاص على مرتكبي هذا الجرم عن طريق الأحكام التي تضعها الحكومة، أو التعزيرات التي تجريها عليهم، بل يجب أن يعزَّروا شرعاً، أو أن تقام عليهم الحدود، على أساس أنّهم مفسدون في الأرض.
ب ـ الإفساد في الأرض مستقلّ عن المحاربة: إن عنوان الإفساد في الأرض والمفسد في الأرض عنوان مستقلّ عن ذنب المحاربة أو المحارب؛ وذلك:
أوّلاً: ما جاء في الآية الشريفة: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً﴾ (المائدة: 33).
وفي مقام البيان يوجد عنوانان منفصلان عن بعضهما، الواحد منهما أعمّ من الآخر، لذلك فإنّ كلمة الإفساد في الأرض لم تأتِ في آيات أخرى على أنها محاربة، كالآية الشريفة التي تقول: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ﴾ (المائدة: 32). ويتضح هنا أن قتل النفس لا يعدّ محاربة، غير أنّه من الممكن أن يكون من مصاديق الإفساد في الأرض.
بالإضافة إلى هذه الآيات فإن القرآن الكريم يذكر طغيان الظالمين في الأرض: ﴿أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ…﴾ (الأعراف: 127)، و﴿إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ…﴾ (الكهف: 94)، وإحداث الظلم والخراب بالتعدي: ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا…﴾ (النمل: 34)، والسحر: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ (يونس: 81)، القتل ونزيف الدماء: ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ…﴾ (الإسراء: 4)، التمرّد والعصيان: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ…﴾ (البقرة: 11). لذا لا يمكن أن يعتبر في الآية مورد البحث أن عنوان الفساد في الأرض يساوي المحاربة.
ثانياً: تريد الآية أن تبين في الواقع أحد مصاديق الفساد في الأرض؛ كي تعلل من الطرف الآخر شدّة إثم وجرم المحاربة. وبناءً على هذا فإن عنوان الفساد في الأرض له مصاديق متعددة، والذي بعضها يحمل عنواناً معيناً، كالمحاربة مثلاً.
ج ـ تطبيق مصداق الفساد في الأرض على بعض الجرائم، كما جاء في كلمات الفقهاء: فالفقهاء العظام في أمور متعدّدة أخرى عبَّروا عن غير المحاربة بالمفسد في الأرض، وطبّقوها على بعض الجرائم، وعرَّفوا سبب عقاب هذه الأمور على أنها فساد في الأرض. ونذكر هنا بعض الأمور كمثال:
1ـ تكرار واعتياد قتل أهل الذمّة:
وقد تعرَّض أكثر الفقهاء إلى هذا الفرع في كتاب القصاص، وهو إذا ما اعتاد شخصٌ قتل أهل الذمّة فإنّ حكمه الإعدام. وقد اختلفوا في هذه المسألة على أن هذا الإعدام يطبَّق من باب حدّ المفسد في الأرض أو من باب القصاص؟ وأكثر الفقهاء يعرّفونه على أنه من باب الفساد في الأرض.
جاء في كتاب مختلف الشيعة: وقال ابن الجنيد: …فإن جعل المسلم ذلك عادة قتل بهم، لا من طريق القود، لكن لإفساده في الأرض… والوجه ما أفاده الشيخ لنا أنه مفسدٌ في الأرض بارتكابه قتل مَنْ حرم قتله، فجاز قتله حدّاً…([44]).
الشهيد الثاني كذلك عرّفه على أن هذا الإعدام من باب إجراء الحدّ؛ بسبب الفساد في الأرض؛ لأنه مفسد في الأرض بارتكاب قتل من حرَّم الله قتله…([45]).
2ـ تكرار جريمة سرقة كفن الميت ونبش القبر:
قال ابن إدريس: …لما تكرر عنه الفعل صار مفسداً، ساعياً في الأرض فساداً، فقطعناه لأجل ذلك، لا لأجل كونه سارقاً([46]).
قال ابن فهد الحلّي في المهذب البارع، باب وجوب اشترط السرقة في نبش القبر وسرقة الكفن: …الاشتراط في المرة الأولى دون الثانية، وهو اختيار ابن إدريس في أول المسألة؛ لأنه في الأولى سارق، فيعتبر فيه ما يعتبر في السارق؛ لعموم الأخبار بالمساواة، وفي الثانية مفسدٌ، فيقطع؛ دفعاً لفساده، لا حدّاً، وهو إطلاق الصدوق([47]).
وللشهيد الثاني كذلك نفس وجهة النظر، حيث يقول: …وأما الثاني فلأنه مع اعتياده مفسدٌ، فيقطع لإفساده([48]).
وقد أفتى الشيخ المفيد في المقنعة كذلك بنفس الفتوى، وأطلق عليه عنوان المفسد في الأرض، فقال: …إذا عُرِف الإنسان بنبش القبور، وكان قد فات السلطان ثلاث مرات، كان الحاكم فيه بالخيار، إنْ شاء قتله([49]).
3ـ المرابي:
يقول ابن إدريس في السرائر: …ومن سرق حراً صغيراً فباعه وجب عليه القطع وقالوا: لأنه من المفسدين في الأرض([50]).
4ـ مَنْ يشعل النار في منزل الآخرين:
يقول الشيخ الطوسي في كتاب النهاية: الذي يشعل النار عمداً في منزل شخص آخر، ومن جراء ما أقدم عليه يحترق منزله، ضامنٌ لأيّ تلف يحصل، ويقتل بعد ذلك.
ويعلق العلاّمة في ذيل كلام الشيخ الطوسي بقوله: والوجه ما قال الشيخ…. لنا: إنه من المفسدين في الأرض. ويظهر دليل وجهة نظر الشيخ الطوسي([51]).
5ـ سلب الأموال بواسطة رسائل كاذبة وأسانيد ملفَّقة:
يقول الشيخ الطوسي في هذا الموضوع بقطع اليد؛ وذلك بسبب الفساد في الأرض([52]).
وفي ذيل رواية جاء بها في الإستبصار، باب السرقة عن طريق إرسال رسالة ودليل كاذب: …فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على أن مَنْ يعرف بذلك بأن يحتال على أموال المسلمين جاز للإمام أن يقطعه؛ لأنّه مفسد في الأرض، لا لأنه سارق؛ لأن هذه حيلة…([53]).
6ـ جريمة الساحر وقتله على ذلك:
يقول الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف: …وقد روى أصحابنا أن الساحر يقتل؛ والوجه في هذه الرواية أنّ هذا من الساحر إفساد في الأرض، والسعي فيها به، ولأجل ذلك وجب فيه القتل([54]).
7ـ جريمة استعمال المخدِّرات وما يوجب زوال أو تغيير العقل:
يعرِّف بعض الفقهاء عقاب الذين يستعملون أشياء، مثل: البنج والحشيشة، مما يوجب تغيير حالة الإنسان بزوال عقله على أنّه من باب الفساد.
يقول الفاضل المقداد حول هذا الجزء: …والثاني: المفسد للعقل: كالبنج والشوكران والنبات المعروف بالحشيشة. اتفق علماء عصرنا وما قبله من العصور التي ظهرت فيها على تحريمها. وهل هو لإفسادها، فيعزَّر فاعلها، أو لإسكارها، فيحدّ؟ قال بعض العلماء: هي إلى الفساد أقرب…([55]).
8 ـ تكرار بعض الجرائم التعزيريّة:
بعض الجرائم التعزيرية بعد أن يتكرّر حدّها عدّة مرات، وكذلك الجرائم التي يكون حدّها أقلّ من القتل، ولكن على أثر تكرارها يحكم على مرتكبها بالقتل([56]). والممكن في توجيه وتوضيح مباني مثل هذه العقوبات هو أنه بعد أن يتكرر الفعل، وفي كلّ مرة يطبّق عليه الحدّ أو التعزير، فإنه يتحقّق في حقّه عنوان الفساد في الأرض؛ بنفس تكراره للفعل، وعادته على القيام به.
بالإضافة إلى ما تقدّم عرض ابن حمزة بأسلوب مستقلّ عنوان الفساد في الأرض، وبيَّن عقوباتها.
وقد تمّ ذكر جميع المسائل من أجل عدم استبعاد تطبيق الفساد في الأرض على جريمة تهريب المخدرات. لذلك مع ملاحظة كلمات الأعلام التي مرّ ذكرها لا يمكن ادّعاء عدم ورود عنوان الفساد في الأرض في الشرع لجريمة المهرّب، إذاً فهو غير مفسد في الأرض. بل عند التدقيق في المسائل التي تمّ طرحها من قبل الفقهاء، والتعليلات التي ذكروها حول الفساد في الأرض، يمكن تطبيق عناصر المفسد في الأرض، وسبب تحقّقها، على المهرّب.
عقوبة الحدّ المستقلّ للفساد في الأرض طبق نصوص العقوبات الإسلاميّة
إذا ما دُقِّق في النظام الجزائي الإسلاميّ وفلسفة الحدود والتعزيرات فإننا نجد:
أوّلاً: إنّ فلسفة الحدود هي من أجل منع اختلال النظام، وشيوع الفساد في المجتمع، وشيوع الأعمال التي لها تأثيرٌ كبير في اختلال النظام وانتشار الفساد. وعليه فإن هذه الجرائم تكون مصداقاً للفساد في الأرض بعناوين مختلفة معروفة، وحدّها معين.
ثانياً: الجرائم على حسب الأوضاع والأحوال المختلفة على مر العصور قابلة للتنوع والاتساع، إلا في موارد خاصّة. وأبعاد وخصوصيات جميع الموارد ومقدار تأثيرها في شيوع الفساد واختلال النظام غير متوقّعة؛ فأحياناً يكون فساد بعض الجرائم التي ليس لها عنوان خاصّ في الشرع الإسلاميّ في المجتمع أكثر من الجرائم التي لها عنوان خاصّ، كشرب الخمر، والزنا، والمحاربة…. لذا يجب أن يكون هناك عنوان عامّ تدخل تحته هذه الجرائم، مثل: الفساد في الأرض، الذي جعله الشرع كي يكون بالإمكان في مثل هذه الموارد أن يطبّق حدّ الفساد في الأرض على مرتكبي مثل هذا الجرم، كتهريب المخدرات مثلاً، وإشاعة ثقافة الابتذال والخلاعة، وتشكيل عصابات الفساد والفحشاء. فلا يمكن القول: إن هذه من قبيل الجرائم التي تدخل تحت باب التعزيرات، وعقوباتها أقلّ من الحدّ، إذ ربما يستوجب هذا الادعاء وهن وضعف نظام الجزاء الإسلاميّ.
عقوبة حدّ الفساد في الأرض تستلزم حفظ المصالح الخمسة
الغزالي وبعض فقهاء الإماميّة قالوا: إنّ هدف الشرع هو حماية المصالح الخمسة، وقد جعل جميع الأحكام الإسلاميّة من أجل حمايتها. وهذه المصالح هي عبارة عن: مصلحة الدين، مصلحة العقل، مصلحة النفس، مصلحة العرض، ومصلحة المال. وكل الذي يضمن حفظ هذه المصالح هو نفسه مصلحة، وكل الذي يحاول أن يقضي عليها يعتبر مفسدة وجريمة. والقضاء على المفاسد كذلك مصلحة أخرى([57]).
يقول العلامة المجلسي: خمسة أشياء في الشريعة من الواجب على جميع الأنبياء حفظها: أولاً: الدين؛ ثانياً: النفس؛ ثالثاً: المال؛ رابعاً: النسب؛ وخامساً: العقل.
حفظ الدين بالعبادة، وقتل الكافرين والمرتدين، وإجراء الحدود والتعزيرات على الناس كافّة دون تمييز.
وحفظ النفس بالقصاص وأخذ الدية، فإذا لم يقتل القاتل بالمقتول، ويؤخذ العوض عن الجروح، فسوف يعمّ القتل والفساد العالم.
حفظ النسب بالنكاح وملك اليمين ومنع الزنا واللواط وأمثالها من القبائح، وإجراء الحدّ على مرتكبها.
حفظ المال بإجراء العقود الشرعيّة ومنع الاغتصاب وسرقة مال الناس، وإجراء حدّ الله سبحانه على مرتكب هذه الأفعال.
حفظ العقل الذي يميِّز الإنسان عن باقي الحيوانات بمنع احتساء الشراب وجميع الأشياء المسكرة، وإقامة الحدّ على شاربها([58]).
مع مراعاة ضرورة حفظ المصالح المذكورة فإن الذي يهدّد ويقضي عليها أو على أحدها أحد أنواع عوامل الفساد والرذيلة. وبما أنّ لهذا العامل عنواناً خاصّاً، وعقوبته مثبته ومعينة، فإنّه يعتبر حدّاً، ومن مصاديق الفساد في الأرض، وللحاكم الاختيار في أن يختار التعزير بدلاً من إقامة الحدّ. والحال هذه لو كان العمل شاملاً، أو كان بصورة عادة تتكرّر عدة مرات، وتهدّد إحدى المصالح المذكورة أو أكثر، وتريد أن تقضي عليها، أي إنه فيما لو هدّد عملٌ الدين والعقل والنفس والنسل والعرض والشرف وأموال الناس، بحيث يلحق بها هذا العمل تخريباً وفساداً. وعرفت بمراحل أكثر أن تخريب هذه المصالح بواسطة البعض من هذه الجرائم يطبّق عليها حدّ مصداق الفساد في الأرض. إذاً يجب أن يكون هذا العمل تحت مسمى جريمة حد الفساد في الأرض، وتكون العقوبة بالنسبة للمفسد شديدة جدّاً، تصل إلى حدّ القتل.
فلكي تتّضح لنا الجريمة التي يرتكبها مهرّب المخدرات نرجع إلى وجهات نظر الخبراء في هذا الأمر.
وبناءً على هذا ففي هذا العمل تتهدّد المصالح الخمسة، ويقضى عليها. لذا بالإمكان أن ينطبق عليها مصاديق جريمة الفساد في الأرض البارزة.
عنصرا جريمة الفساد في الأرض
من خلال كلمات الفقهاء في خصوص صدق عنوان المفسد في الأرض نواجه عنصرين مهمّين. ومن أجل تحقّق جريمة الفساد في الأرض يجب إحراز هذين العنصرين:
الأوّل: يتّخذ الفساد والجريمة على أنها عادة متَّبعة، أو على الأقل يقوم بها صاحبها أكثر من مرّة أو مرّتين، أو تجرى بطريقة يسري تأثيرها السيئ على أشخاص آخرين. وعادة يؤخذ هذا العنصر بعين الاعتبار في جميع الأمور التي ينطبق عليها عنوان المفسد في الأرض.
الثاني: الجريمة والعمل الذي يحدث ضرراً في المجتمع والناحية العامّة من الجائز أن يعرّضا النظام الاجتماعيّ للخطر، أو تهدّد الدين والعرض والأموال، وذلك على مستوى المجتمع ككلّ.
وعادة يصدق الفساد على الجرائم التي لا تتجاوز آثارها حدود مرتكبها، ولكن لا يصدق عليه مسمّى الفساد في الأرض. والجدير بالذكر هنا أن المقصود من الأرض المجتمع الإنسانيّ، لا نفس الأرض. وعلى هذا الأساس فإن هذا العنصر الآخر المهمّ من الفساد في الأرض هو أنه يجب أن يؤخذ في الحسبان إحراز انتشار الفساد على مستوى المجتمع ـ على الأقلّ ثلاثة أشخاص فما فوق ـ تقريباً.
مع ملاحظة العنصرين السابقين بالإمكان الوصول إلى نتيجة، وهي: من أجل صدق مسمّى الفساد في الأرض في جريمة تهريب المخدرات يجب أن يحرز عدة أمور ضروريّة، وهي: أوّلاً: مقدار المخدرات التي تدخل في عمل التهريب؛ وفي كل مرحلة من مراحل التصنيع إلى عمليّة الاستعمال؛ بحيث إنه يقع في مصيدتها ثلاثة أشخاص على الأقلّ، أو أقل من هذا المقدار بحيث يتكرّر عمل ذلك الشخص عدّة مرات؛ وفي كلّ مرة يعاقب بأقلّ من عقوبة المفسد في الأرض، يتحمله من حيث باب التعزير.
بناء على هذا فتصنيع وتهريب هذه الكمّية من أيّ نوع من أنواع المخدرات، بحيث يدمن عليها ثلاثة أشخاص أو أكثر، أو بمقدار ما يتعاطاه شخص واحد، ولكن هذا المهرّب قام بتهريب هذا المقدار ثلاث مرات متتالية، وفي كل مرة يعزَّر جراء ما ارتكبه، يكون في هذه الحالة مرتكباً لجريمة الفساد في الأرض، وتكون عقوبته الإعدام.
وبناء على ما ذكر سابقاً فإنّ جميع الذين يمتهنون تصنيع وتهريب المخدرات، بصرف النظر عن أنهم ارتكبوا جريمة استعمال المخدرات أم لا، أو أنّهم مدمنون عليها أم لا، إذا صدق عليهم مسمى المفسد في الأرض تكون عقوبتهم الإعدام، وهو أقرب إلى المصلحة العامّة والصواب.
طبعاً هناك العديد من العقوبات في هذه الجرائم تُعرف على أنها من باب التعزيرات الشرعيّة، والبعض الآخر من باب التعزير القضائي، التابع للدولة أو بأمر حكوميّ.
ومع ملاحظة ما قد مرّ سابقاً فإنّ هاتين النظرتين قابلتان للخدش، ويمكن الطعن فيهما.
يستنتج ممّا سبق
1ـ تعاطي المخدّرات من المحرَّمات الشرعيّة، ويتبعها في الحرمة التصنيع والتهريب.
2ـ تهريب المخدّرات وجميع الصفقات التي تتمّ على إثره بالإمكان اعتبارها من صغريات ومصاديق قاعدة لا ضرار، وقاعدة حرمة الإعانة على الإثم، وقاعدة حرمة مقدّمة الحرام، وقاعدة نفي السبيل.
3ـ حكم السفاهة الصادر بحقّ المدمن والحجر عليه، وإبطال جميع صفقات المخدرات، وسلب حقّه بتملّك الأموال التي قد اكتسبها عن طريق الصفقات والتهريب، تعتبر من أهم الأحكام الوضعية في ملفّ المخدرات.
4ـ يجب أن يجعل هناك فرق بين المدمن على المخدرات والمهرّب، من حيث الكمّية والكيفية. فالمتعاطي لهذه الموادّ ينطبق عليه التعزير، ويحكم عليه بالحجر، ويسلب منه أيّ حقّ بالتصرف الماليّ، إلى أن يثبت إقلاعه عن الإدمان، وعندها ترفع عنه هذه الأحكام.
5ـ مع ملاحظة عنصري جريمة الفساد في الأرض، أي تكرار الجريمة عدّة مرات، وانتقال الآثار السيئة لأكثر من ثلاثة أشخاص، وذلك حسب المقدار المهرَّب من المخدِّرات، أو عدد مرّات التهريب, فإنّ المهرِّب في هذه الحالة يعتبر ممَّنْ يشمله حدّ المفسد في الأرض، وعليه يستحقّ عقوبة الإعدام.
(*) أستاذٌ جامعيّ متخصِّص في القانون والعلوم الشرعيّة، من إيران.
([1]) حسن أسعدي، أهم مشكلتين عالميّتين في القرن العشرين: 174.
([2]) علي رضا الفيض، مقارنة وتطبيق في الحقوق الإسلاميّة الجزائية العامّة 1: 160.
([3]) الفاضل المقداد، نضد القواعد الفقهيّة.
([4]) الشيخ الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى: 721.
([6]) ابن البرّاج، المهذّب 2: 51.
([7]) ابن إدريس، السرائر 3: 511.
([8]) يحيى بن سعيد الحلّي، الجامع للشرائع: 564.
([9]) العلامة الحلي، تحرير الأحكام 2: 234.
([10]) الشهيد الأوّل، اللمعة 9: 305.
([11]) الخبراء وضعوا البنج من ضمن الحشيش وماري جوانا، مع أنه يوجد هناك فرقٌ بينها، حيث إن إدمان ماري جوانا أشدّ من البنج.
([12]) أهم مشكلتين عالميّتين في القرن العشرين: 233.
([13]) جواهر الكلام 41: 449؛ والكلبايكاني، فقه الكلبايكاني 10: 303؛ مسالك الأفهام 2: 370؛ كشف اللثام 2: 457.
ولكن التحقيق هو ما ذهب إليه صاحب الجواهر من الصدق العرفيّ، وجعله الفارق المائز بين المسكر والمُرْقِد والمخدر ونحوهما، ممّا لا يعدّ عند العرف مسكراً…. (فقه الكلبايكاني 10: 303).
من جواهر الكلام: أمّا من بنَّج نفسه بما لا يعدّ مسكراً، أو شرب مرقداً كذلك، لا لغدر، فقد ألحقه الشيخ بالسكران… (جواهر الكلام 42: 182).
ويقول فخر المحققين في إيضاح الفوائد: لو بنج نفسه… قيل: وإشارة إلى قول الشيخ. ومنشأ النظر أنه كالسكران؛ لأن زوال أثر عقله بفعله واختياره مع نهي الشارع عنه… والأقوى عندي أنه كالسكران (إيضاح الفوائد 4: 601).
ويقول الخوئي: قال: النجاسة كحرمة المكسر الجامد، كالبنج، فكما أنه إذا زال عنه إسكاره ارتفعت. ومنه لكونها مترتّبة على البنج المسكر….
([14]) جواهر الكلام 42: 182؛ والحلي، إيضاح الفوائد 4: 601؛ والخوئي، التنقيح 4: 191.
قال في جواهر الكلام: أمّا من بنَّج نفسه بما لا يعدّ مسكراً، أو شرب مرقداً كذلك، لا لغدر، فقد ألحقه الشيخ بالسكران…
([15]) الطريحي، مجمع البحرين 3: 85.
أتى في مجمع البحرين: وفي الخبر نهي عن كلّ مسكر ومفتّر، وهو الذي إذا شرب أحمى الجسد، وصار فيه فتور، وهو ضعف وانكسار. ومن هنا قال بعض الأفاضل: لا يبعد أن يستدلّ به على تحريم البنج ونحوه ممّا يزيل العقل (مجمع البحرين 3: 357).
([17]) المتقي، كنـز العمال 5: 1368.
([19]) الصدر، دروس في علم الأصول: 379.
([20]) أهم مشكلتين عالميّتين في القرن العشرين: 176.
([21]) جواهر الكلام 41: 449؛ فقه الكلبايكاني 1: 303.
([22]) الصدوق، علل الشرائع: 476.
([23]) الخوئي، التنقيح 13: 168.
([24]) الخامنئي، أجوبة الاستفتاءات: 1415.
يقول السيد الخامنئي: يحرم استعمال المواد المخدرة، والاستفادة منها مطلقاً، نظراً إلى ما يترتب على استعمالها بأيّ شكل كان من الأضرار الشخصية والاجتماعيّة المعتد بها… (أجوبة الاستفتاءات 2: 110).
([25]) البجنوردي، القواعد الفقهيّة 1: 176.
([26]) النراقي، عوائد الأيام: 215.
([29]) الأنصاري، المكاسب: 373.
([30]) الخراساني، كفاية الأصول: 432.
([32]) البجنوردي، القواعد الفقهيّة 1: 180.
([34]) أجوبة الاستفتاءات 2: 110.
يقول السيد الخامنئي: يحرم استعمال المواد المخدرة… من الأضرار الشخصية والاجتماعيّة المعتد بها. ومن هنا يحرم التكسب به أيضاً، بالحمل والنقل والحفظ والبيع والشراء وغير ذلك.
([35]) البجنوردي، القواعد الفقهيّة 1: 304؛ النراقي، عوائد الأيّام: 26.
([37]) البجنوردي، القواعد الفقهيّة 1: 157.
([38]) النراقي، عوائد الأيّام: 217.
([40]) الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 5: 30؛ الحلي، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام 2: 245.
([41]) هذه الملاحظة جديرة بالاهتمام، وهي أنّه لو ظهر هذا الفرع بصورة قانون وحكم يجري تطبيقه فإن جميع الأموال التي قد تجنى من المخدّرات بواسطة المهرب والبائع من المدمن والمشتري أوّلاً سوف تضعف الثقة بين المهرّب والمشتري والمعتادين. وهذه أفضل طريقة لمكافحة المخدرات. ثانياً: عند التعرف ومكافحة تجار هذه المادة فإن المدمنين أنفسهم بأمل رجوع أموالهم إليهم فإنهم سوف يقومون بالمساعدة في مكافحتهم. ثالثاً: تخصيص أموال المهربين من أجل نجاة المدمنين، ويمنعون عوائلهم من انتشار وازدياد الإدمان، ويؤمنون عوائل المدمنين من الانخراط في الأشياء الممنوعة.
([42]) يجب أن يؤخذ بالاعتبار أن المدمن بأيّ حال من الأحوال قد ارتكب الحرام، وعليه فإنّ الكلام الذي يقال عن أنّ المدمن ما هو إلاّ إنسان مريض، وليس مجرماً، ولا يجب أن يحاسب بأيّ شكل من الأشكال، غير صحيح، ويستوجب هذا الكلام شيوع الإدمان، وعدم إقلاع المدمن عن التعاطي، وتنتشر تلك العادة القبيحة في المجتمع والأسرة.
([43]) بدون أدنى شكّ إذا تم قبول مثل هذا الحكم بحقّ الشخص المدمن على المخدرات، واتخذ الصفة القانونية، يكون عاملاً مهماً في منع الإدمان على المواد المخدرة للذين قد أقدموا للتوّ على تعاطيها، ومجالاً مناسباً ومحفزاً للمعتادين كي يقلعوا عن المخدرات، والتصميم على عدم العودة لها مرة أخرى.
ومن الجدير بالذكر أنّ من المناسب في هذه الحالة أن يصدر الحاكم حكماً متزامناً مع حكم الحجر وتوقيف الأموال يسقط فيه جميع سوابق المدمن الإجرامية؛ كي يستطيع مستقبلاً أن يجد عملاً يرتزق منه، حتّى لا يرجع إلى مسألة الإدمان مرة أخرى، بعد أن يشترط عليه الإقلاع عن الإدمان نهائيّاً.
([44]) شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام 2: 714.
([45]) الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 10: 55.
([47]) الحلي، المهذب البارع 2: 352.
([48]) الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 2: 253.
([51]) الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 9: 305.
([52]) الطوسي، الاستبصار 4: 163.
([53]) الطوسي، الاستبصار 4: 243.
([55]) الحلي، نضد القواعد الفقهية: 470.