د. محمد بن جواد الخرس(*)
مشكلة البحث
تأتي هذه الورقة في سياق تطوير المؤسسة الوقفية لدى المذهب الامامي في المنبع والمصبّ، وهو ما يدعى بالوقف النامي، حيث في المنبع يتم تنويع موارد أموال المؤسسة الوقفية، وفي المصبّ كيفية توظيف ما يتمّ الحصول عليه من أموال، وذلك وفقاً لمفهوم النماء في أموال الأوقاف، والذي يعتبر من أكثرها رواجاً «صناديق الوقف الاستثمارية»، حيث اتسعت دائرة انتشارها، وذلك وفقاً للثمار المالية الكبيرة التي تحقَّقت جراءها.
تعتبر صناديق الوقف الاستثماري أحد أهمّ الأساليب العصرية في مجال تنمية أموال الوقف. وقد سبق إلى العمل به العديد من المؤسَّسات الوقفية في العديد من الدول الإسلامية([1])، كالكويت، والإمارات العربية المتّحدة (الشارقة، وعجمان)، والسعودية، وقطر، وماليزيا. لكنها غير متحققة لدى مؤسسات المجتمع المدني الآخذة بفتاوى علماء المذهب الإمامي، ولا سيما منها المؤسسات الوقفية؛ حيث الشهرة الفتوائية لديهم لا تجيز وقف النقود. وفي هذا الصدد يقول الشيخ الطوسي(460هـ): «وأما الدنانير والدراهم فلا يصحّ وقفها، بلا خلاف. وفيهم مَنْ قال: يصحّ وقفهما، وهو شاذّ. وإنما قلنا: لا يجوز؛ لأنّه لا منفعة لهما مقصودة غير التصرُّف فيهم»([2]).
إن عدم جواز الوقف النقدي لدى الإمامية يعود إلى فقدانه شرط دوام الموقوف؛ لكون المنفعة من وقفها لا تتحقَّق إلاّ باستهلاكها، وهو خلاف شرط حبس العين الموقوفة، وتسبيل ثمرتها. وبذا يقف هذا الأمر مانعاً أمام توظيف تلك الصناديق لدى المؤسسة الوقفية وفق المذهب الإمامي. وهو شرط ليس من مختصات الفقه الإمامي تحديداً، بل يشاطرهم هذا الرأي العديد من علماء المذاهب الإسلامية، كالحنفية، والشافعية، والمالكية، والحنابلة([3])، وليس جميعهم. إلاّ أنه تمت إجازته من قبلهم في مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة عشر المنعقدة في مسقط (سلطنة عمان)، وذلك في 14 ـ 19 من شهر محرّم، عام 1425هـ. والشهرة الفتوائية بعدم الجواز لدى علماء المذهب الإمامي حجبت فرصة قيام تلك الصناديق الوقفية الاستثمارية، رغم الحاجة الماسّة إلى تلك الصناديق الوقفية الاستثمارية، وخصوصاً في ظلّ تفاقم الحاجة المالية الكبيرة لتنمية المجتمع؛ بسبب ما آلت إليه إفرازات اقتصاد السوق، كأحد مظاهر العولمة، وتوجّه دول العالم نحو ممارسة دور الدولة الحارسة من جديدٍ، ولكن بنسخة مطوَّرة عمّا كانت عليه في دوره الأوّل، المقتصرة آنذاك على رعاية الأيتام الأربعة: العدل والقضاء والصحّة والتعليم، وما لحق من ضررٍ أجحف بالطبقة الفقيرة في المجتمع.
وعليه بات من الضروري أن تستفيد المؤسسة الوقفية في المذهب الإمامي من هذه الأساليب العصرية في تنمية الأموال واستثمارها؛ لتسدّ جانب النقص وقصور الموارد المحدودة أمام تعدّد الحاجات المعاصرة.
وهذه الورقة ستعنى بعرض حلولٍ تتناسب مع الطرح العلمي للاستثمار في مجال الأوقاف عبر صناديق تؤدّي نفس الغَرَض المأمول من الاستثمار في صناديق الوقف، ولو بعنوان فقهيّ غير مسمّى الوقف، بحيث يكون حلاًّ لا يخرق فيه الشهرة الفتوائية لعلماء الإمامية، وفي الوقت ذاته تستفيد من تراكم الخبرات في إدارة مثل هذه الصناديق الوقفية الاستثمارية لدى المذاهب الإسلامية الأخرى.
وفي حال تحقيق الهدف المذكور فإن آفاقاً واسعة ستفتح أمام المؤسسة الوقفية في المذهب الإمامي لاستقطاب جانب هامّ من شريحة صغار المدَّخرين، فضلاً عن كبارهم، ممّا يؤدّي إلى وفرة مالية تسمح بتنمية تلك الموارد المالية، وتوجيه عوائدها إلى العديد من أوجه البرّ والإحسان في المجتمع.
والأسئلة البحثية التي يتوجَّه به الباحث حيال هذا المانع الفتوائي هي:
1ـ هل يوجد مخرج شرعي يتجاوز بالمؤسّسة الوقفية في المذهب الإمامي إلى حالة اجتذاب شرائح جديدة من الراغبين في المساهمة في أعمال البرّ، وخاصة منه في مجال استثماره، ليدرّ عوائد يمكن التوسُّع بها في مجال الإنفاق الخيري، وذلك في حالة انسداد باب فتح صناديق الوقف الاستثماري، أم لا؟
2ـ في ظلّ سعة دائرة الفقاهة لدى علماء المذهب الإمامي، وانفتاح باب الاجتهاد لديهم، هل أن جيلاً جديداً منهم تعاطى مع الواقع المعاصر بنظرةٍ جديدة، من شأنها أن تمكِّن المؤسسة الوقفية من استقطاب جانب من مدَّخرات الأفراد نحو تلك الصناديق، وذلك من خلال إجازة الوقف النقدي، أم لا؟
3ـ في حال وجود مخرج شرعي يتجاوز بالمؤسَّسة الوقفية في المذهب الإمامي إلى مكانة تستطيع استقطاب أموال المحسنين إليها بشكلٍ أكبر ممّا هو عليه الآن ـ ولا سيّما منهم صغار المحسنين ـ هل هناك فتاوى لدى علماء الإمامية في مجال فقه المعاملات المعاصرة، بحيث تمنحها الجاهزية لإدارة تلك النقدية المتجمّعة في تلك الصناديق، وذلك وفق صيغ استثمارية حديثة، تأخذ بمعطيات المرحلة الاستثمارية المعاصرة وأساليبها، أم لا توجد فتاوى كافية لهذا الغرض؟
أهمّية البحث
تتّضح أهمية هذا البحث في ما يلي:
1ـ تعزيز توجه المؤسّسات الوقفية المعاصرة للأخذ بالأساليب الاستثمارية الحديثة في مجال إدارة أصولها النقدية.
2ـ توجيه أنظار المسؤولين عن إدارة المؤسّسات الوقفية إلى بعض الأساليب التي من شأنها أن تدفع بتجربة الوقف في المذهب الإمامي نحو التطوير والتنمية، بما يتوافق مع طموحاتها في دعم أوجه البرّ التي تتطلّع إلى دعمها، دون أن تخالف مشهور الفقهاء في الوقف النقدي.
3ـ تلافي مشكلة جمود العديد من المؤسّسات الوقفية ومراوحتها في أساليبها التقليدية في إدارة مكوّنات الأوقاف، وفتح آفاق جديدة لتنويع مصادره، حيث من شأن غياب مثل هذه البحوث فيه تفويتٌ لفرصة الاستفادة من رغبة صغار المدَّخرين في توجيه جانب من مدَّخراتهم نحو مجالات الخير العامّ، هذا من جانب؛ ومن جانبْ آخر تفويت لفرصة نيل الثواب الموعود من الله عزَّ وجلَّ للمتصدِّقين.
4ـ المساهمة في نشر فتاوى علماء الإمامية حيال بعض الأساليب الاستثمارية الحديثة المعمول بها في المؤسّسات المالية الإسلامية.
مسلَّمات البحث
ينطلق هذا البحث من تراثْ فقهي؛ وآخر استثماري، أهمّه ما يلي:
1ـ «الوقف: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة»([4]).
2ـ «الوقف في الأصل صدقة. ويثبت صحّته بأمرين: أحدهما: صحّة التصرف في ما يقفه الإنسان؛ إما بملك؛ أو إذن؛ والآخر: أن يقبضه ويخرجه عن يده إلى مَنْ هو وقف عليه أو لمَنْ يتولّى عنه ذلك أو يقوم مقامه في قبضه»([5]).
3ـ «الصدقة ضربان: مطلقة؛ وغير مطلقة. فالمطلقة: هي كلّ صدقة حصلت عارية من جميع الشروط؛ والذي ليس بمطلق منها ضربان: مشروط؛ ومؤبَّد. والمشروط: كلّ صدقة عُلِّق الانتفاع بها بشرط لا يفيد التأبيد؛ وأمّا المؤبَّد فهو كلّ صدقة شرط إيصال الانتفاع بها إلى أنْ يرث الله الأرض ومَنْ عليها»([6]).
4ـ «الوقف والصدقة شيءٌ واحد، ولا يصح شيءٌ منهما إلاّ ما يتقرّب به إلى الله تعالى، فإنْ لم يقصد بذلك وجه الله لم يصحّ الوقف. والوقف لا بُدَّ أن يكون مؤبَّداً، ولا يجوز أن يكون مؤقَّتاً»([7]).
5ـ «أن يصحّ الانتفاع بها (العين الموقوفة) مع بقائها. ولا ريب أنه يجب أن يكون لتلك العين نفع محلَّل مع بقائها، فلو وقف ما لا نفع فيه بالكلية، أو كان الانتفاع به محرماً، أو كان الانتفاع موجباً لذهاب عينه، كالخبز، والفاكهة، والطعام، بطل. ولا يشترط في الانتفاع كونه في الحال، فيصحّ وقف العبد الصغير، والدابة الصغيرة. ولا يشترط كون العين ممّا تبقى مؤبداً، فيصح وقف العبد، والثوب، وأثاث البيت، والقفار، وضابطه ما عرفت من أنه ما يصحّ الانتفاع به منفعة محلَّلة مع بقائه. والتأبيد المشترط في الوقف إنّما هو بمعنى دوامه بدوام وجود العين الموقوفة»([8]).
فرضية البحث
يستهدف هذا البحث إثبات صحّة الفرضيات التالية من عدمها، وهي كما يلي:
الفرضية الأولى: «على الرغم من أن الشهرة الفتوائية لدى علماء الإمامية تنصّ على عدم مشروعية وقف النقود؛ لانتفاء شرط التأبيد فيها، إلاّ أنه يوجد في الجيل المعاصر من فقهاء الإمامية مَنْ أوجد مخرجاً شرعياً للمؤسّسات الوقفية، يمكن من خلاله تنمية أموال المحسنين، وبالتالي زيادة عوائدها المالية، دون الحاجة إلى القول بجواز الوقف النقدي».
الفرضية الثانية: «هناك من فقهاء الإمامية المعاصرين مَنْ أفتى بجواز وقف النقود».
الفرضية الثالثة: في حال صحّة الفرضية الأولى يمكن تأسيس صناديق استثمارية تهدف إلى تنمية أموال المحسنين، بما يحقِّق الملاك في الوقف النقدي.
تساؤلات البحث
بالاضافة إلى هدف الباحث في إثبات صحّة فرضيّته من عدمها، فهو يستهدف الإجابة عن التساؤلات التالية:
1ـ ما هو الوقف النقدي؟ وما تفصيل الفتاوى الصادرة في صدده؟
2ـ هل يوجد من الفقهاء المعاصرين مَنْ يفتي بجواز الوقف النقدي؟ وما هي منطلقاته في تلك الفتوى؟ وهل لاحظ فيها واقع المؤسّسات الوقفية المعاصرة، وما يكتنفها من فرص استثمارية من شأنها أن تسهم في تنمية الأوقاف، الأمر الذي يسهم في تحقيق يسرٍ مالي يخدم توجهاتها، ويمنحها جانباً من المرونة النوعية، في مجال التخطيط لمشروعاتها، وتنفيذها بعيداً عن الضوائق المالية، التي كثيراً ما تمرّ بها؛ بسبب عدم اليسر المالي؟
3ـ هل يوجد من فقهاء الإمامية المعاصرين مَنْ قدَّم مخرجاً شرعياً للمؤسسة الوقفية؛ من أجل استقطاب جانب من مدَّخرات الأفراد نحو صناديق استثمارية، وفي الوقت ذاته تحقّق نفس الغرض من الصناديق الوقفية؟
4ـ ما هي صناديق الوقف الاستثماري؟ وما هو إطارها القانوني والفقهي؟
5ـ ما هي أنواع الصناديق الاستثمارية التي يمكن أن تشكِّل بديلاً يحقّق الغرض من الصناديق الوقفية؟ وما هي الآثار التي ستترتَّب عليها إنجازها؟
6ـ هل هناك فتاوى منظّمة لعمليات الاستثمار في الصناديق الاستثمارية؟
حدود البحث
للبحث حدّان موضوعيان:
الحدّ الأول: فقهي. ويتمثّل في عرض الرأي المشهور لفقهاء الإمامية حول الوقف النقدي، وما يتمخض عنه من صعوبة تحول دون الوقف النقدي في الصناديق الوقفية، وعرض لبعض آراء المعاصرين حولها، والمخرج الشرعي الذي طرحوه.
الحدّ الثاني: اقتصادي. ويتمثّل في عرض الصناديق الاستثمارية البديلة للصناديق الوقفية، من حيث أهميتها، وضوابط تأسيسها.
منهج البحث: نهج الباحث منهج البحث الوصفي (غير التطبيقي)، ووظف خلاله طريقة الاستقراء ـ الاستنتاج Scientific Method.
تقسيمات البحث
المبحث الأول: تعريف الوقف النقدي، وفتاوى علماء الإمامية فيه.
المبحث الثاني: الصناديق الاستثمارية كبديل للوقف النقدي.
المبحث الأول: تعريف الوقف النقدي، وفتاوى علماء الإمامية فيه
هذا المبحث سيتعرّض لمشروعية الوقف بشكلٍ عامّ، والوقف النقدي بشكلٍ خاصّ، وذلك عبر المطلبين التاليين:
الأول: مشروعية الوقف بشكل عام.
الثاني: مشروعية الوقف النقدي.
المطلب الأول: مشروعية الوقف العامّ
وفيه فرعان:
الفرع الأول: تعريف الوقف
الوقف لغةً: هو القيام من جلوس، والسكون بعد المشي. يقال: وقف الحاج بعرفات: أي شهد وقتها([9]).
الوقف اصطلاحاً: تعدّدت تعاريف الوقف لدى علماء الإمامية كما يلي:
1ـ منهم مَنْ عرف الوقف بأنه عقد، وضمَّن مفردة «عقد» في تعريفه، حيث قال: «عقد يفيد تحبيس الأصل، وإطلاق المنفعة»([10]).
2ـ منهم مَنْ عرف الوقف بأنّه إيقاع، فقال: «هو تحبيس الأصل، وتسبيل الثمرة»([11]).
ويلاحَظ بأن التعريفين منتزعان من مفردات رواية عن النبيّ|: «حبس الأصل، وسبل الثمرة»([12]).
الفرع الثاني: مشروعية الوقف
أوضح الشيخ الطوسي(460هـ) دليل الإمامية في مشروعية الوقف، في كتابه «الخلاف»، بقوله: «دليلنا: إجماع الفرقة؛ فإنهم لا يختلفون فيه. وإجماعهم حجّة»([13]).
ومن الروايات التي حثّت على الصدقة والوقف ما ورد عن أمير المؤمنين× أنه قال: «الصدقة والحبس ذخيرتان، فدعوهما ليومهما»([14]).
وعن أبي عبد الله× أنّه قال: «وليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلاّ ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تُجرى له بعد موته؛ أو ولد صالح يدعو له؛ أو سنّة هدى استنّها فهي يُعمل بها بعده»([15]).
ومن الأوقاف التي حبس عينها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب× ما ورد عن الحسين بن سعيد، عن النضر، عن يحيى الحلبي، عن أيّوب بن عطية، قال: سمعت أبا عبد الله× يقول: قسم رسول الله| الفيء، فأصاب عليٌّ× أرضاً، فاحتفر فيها عيناً، فخرج منها ماء ينبع في السماء كهيئة عنق البعير، فسمّاها عين «ينبع»([16])، فجاء البشير يبشر، فقال: بشر الوارث، بشر الوارث، هي صدقة بتّاً بتلاً في حجيج بيت الله، وعابر سبيله، لا تباع ولا توهب ولا تورث، فمَنْ باعها أو وهبها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً([17]).
أما عن أوقاف السيدة فاطمة الزهراء÷ فقد ورد عن محمد بن الحسن بإسناده عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر×: ألا أحدّثك بوصية فاطمة÷؟ قلت: بلى، فأخرج حقاً أو سقطاً، فأخرج منه كتاباً، فقرأه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصَتْ به فاطمة بنت محمد|، أوصَتْ بحوائطها السبعة، بالعواف، والدلال، والبرقة، والمبيت، والحسنى، والصافية، ومال أم إبراهيم، إلى عليّ بن أبي طالب، فإنْ مضى عليّ فإلى الحسن، فإنْ مضى الحسن فإلى الحسين، فإنْ مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدي، تشهد الله على ذلك، والمقداد بن الأسود، والزبير بن العوام. وكتب عليّ بن أبي طالب×([18]).
المطلب الثاني: مشروعية الوقف النقدي
وقف النقود من المسائل المطروحة من قبل العديد من المذاهب الإسلامية: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة. وقد تنوعت آراؤهم على خمسة أقوال كما يلي([19]):
الأول: وقف الدراهم والدنانير لا يصحّ مطلقاً.
الثاني: كراهة وقف الدنانير والدراهم.
الثالث: يصحّ وقف الدنانير والدراهم إذا جرى بوقفها التعامل في عرف الناس.
الرابع: جواز وقف الدراهم والدنانير إنْ صيغ منها حليّ، وعدم جواز وقفها إنْ أريد بها الإقراض أو الاتّجار.
الخامس: جواز وقف الدنانير والدراهم؛ لغرض قرضها.
وأفتى مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الخامسة عشر المنعقدة في مسقط (سلطنة عمان)، وذلك في 14 ـ 19 من شهر محرّم، عام 1425هـ، وفق الرأي الخامس، حيث جاء في نصّ الفتوى ما يلي:
1ـ وقف النقود جائز شرعاً؛ لأن المقصد الشرعي من الوقف، وهو حبس الأصل وتسبيل المنفعة، متحقِّق فيها؛ ولأن النقود لا تتعيَّن بالتعيين، وإنما تقوم أبدالها مقامها.
2ـ يجوز وقف النقود للقرض الحسن، وللاستثمار؛ إما بطريق مباشر؛ أو بمشاركة عدد من الواقفين في صندوق واحد؛ أو عن طريق إصدار أسهم نقدية وقفية؛ تشجيعاً على الوقوف، وتحقيقاً للمشاركة الجماعية فيه.
3ـ إذا استثمر المال النقدي الموقوف في أعيان، كأن يشتري الناظر به عقاراً أو يستصنع به مصنوعاً، فإن تلك الأصول والأعيان لا تكون وقفاً بعينها مكان النقد، بل يجوز بيعها لاستمرار الاستثمار، ويكون الوقف هو أصل المبلغ النقدي.
وقد التقى فقهاء الإمامية مع بقيّة فقهاء المذاهب الإسلامية في الرأي الأول، والرأي الرابع، والرأي الخامس، وهو الرأي الذي تبنّاه مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة عشرة. وفي هذا المطلب سيتم عرض تلك الآراء عبر الفرعَيْن التاليين:
الفرع الأول: آراء علماء الإمامية المتقدّمين زماناً في الوقف النقدي
جرت الشهرة الفتوائية بين علماء الإمامية حول الوقف النقدي بعدم الجواز. ومن أقدم المصادر في هذا المجال ما أفتى به الشيخ محمد بن عليّ بن حمزة الطوسي، المعروف بابن حمزة(573هـ)، في كتابه الوسيلة إلى نيل الفضيلة، حيث يقول: «الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، على وجه من سبل البرّ. وإنما يصحّ بثمانية أشياء: كون الواقف نافذ التصرّف في ماله، والوقف ملكاً له، وصحّة البقاء على الوقف بقاءً متّصلاً يمكن الانتفاع به، إلاّ الدراهم والدنانير»([20]).
وقد تلاه العديد من الفتاوى، من قِبَل العديد من علماء المذهب الإمامي، على امتداد تاريخ الفقه الجعفري. ومن تلك الفتاوى ما ورد في «الغنية»، للحلبي(585هـ): «ولا يجوز وقف الدراهم والدنانير، بلا خلاف ممَّنْ يعتد به؛ لأن الموقوف عليه لا ينتفع بها مع بقاء عينها في يده»([21]).
وقال الكيدري(610هـ) في «إصباح الشريعة»: «ولا يجوز وقف الدراهم والدنانير؛ لأن الموقوف عليه لا ينتفع بها مع بقاء عينها في يده»([22]).
وجاء في «السرائر»، لابن إدريس الحلّي(598هـ): «فأما الدنانير والدراهم فلا يصحّ وقفهما بلا خلاف، وإنما قلنا: لا يجوز؛ لأنّها لا منفعة لهما مقصودة غير التصرّف فيهما، فأما إذا كانت حلياً مباحاً فلا يمنع من وقفها مانع. فأما ما عدا الدراهم والدنانير، من الأواني، والفرش، والدواب، والبهائم، فإنّه يجوز وقفها»([23]).
وقد تساءل الشيخ جعفر الحلّي، الشهير بالمحقِّق الحلّي(676هـ)، في كتابه «شرائع الإسلام» عن وقف النقد، فقال: « وهل يصحّ وقف الدنانير والدراهم؟ قيل: لا. وهو الأظهر؛ لأنه لا نفع لها إلاّ بالتصرف فيها؛ وقيل: يصحّ؛ لأنه قد يفرض لها نفع مع بقائها»([24]).
كما وافقهم ابن المطهَّر الحلّي(726هـ) في «قواعد الأحكام»، بقوله: «فلا يصحّ وقف الدَّيْن…. وفي الدراهم والدنانير إشكال»([25]).
ويلاحظ الباحث على مجمل الفتاوى ما يلي:
1ـ الوقف النقدي لدى علماء الإمامية الوارد ذكر فتاواهم غير جائز؛ وذلك بسبب أن النقود لا يتم النفع منها إلاّ بإتلافها؛ وذلك لعدم وجود نفع لها إلاّ بالتصرُّف فيها، وهو ما يتنافى مع المقتضي من الوقف، وهو بقاء الأصل، حيث افترض المانعون أنّ نفعها منحصر في التصرُّف فيها.
2ـ إنّ صياغة فتاوى علماء الإمامية في أواخر القرن الثامن الهجري حيال الوقف النقدي تغيَّرت إلى جواز وقف الدراهم والدنانير بشرط المنفعة الحكمية مع بقاء العين، وهو ما يمنع التصرُّف فيهما بالاتّجار الذي من شأنه زوال عين النقود، وبقاء القيمة مكتنزة في أعيان يتمّ المتاجرة بها. وهو شرطٌ لم يغيِّر في موقف علماء الإمامية من حيث عدم جواز الوقف النقدي غير الصياغة فقط. ومن أوائل مَنْ تعرَّض لذلك النوع من التغيير في الصياغة الفتوائية الشهيد الأوّل في «الدروس الشرعية»، حيث يقول: «ويصحّ وقف الدراهم والدنانير إنْ كان لها منفعة حكمية مع بقاء عينها، كالتحلّي بها»([26]).
3ـ على الرغم من سعة اطّلاع فقهاء الإمامية، واطّلاعهم على الفرق بين المثليّات والقيميّات، كما هو الحال في العديد من بحوثهم([27])، فإنهم لاحظوا بقاء العين الموقوفة؛ تمسُّكاً بنصّ الدليل الروائي. وعليه لم يجيزوا الوقف النقدي. وهو ما تجاوزه فقهاء المذاهب الإسلامية الأخرى، فأفتوا بجواز الوقف النقدي، وهو متمثِّل في الرأي الخامس المشار إليه سابقاً، وما ورد في فتوى مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة عشر المنعقدة في مسقط، ورأي الشيخ السبحاني، أحد فقهاء الإمامية، كما سيرد لاحقاً، حيث سيتمّ عرض رأيه، والدليل الذي لاحظه الشيخ عند فتواه بخلاف المشهور.
الفرع الثاني: آراء علماء الإمامية المعاصرين في الوقف النقدي
لا يزال الرأي المشهور الذي يرى عدم جواز وقف النقود يواصل حضوره، حتّى في المعاصرين منهم. وقد نصَّتْ فتاواهم على ذلك. غير أنّ منهم مَنْ أورد مخرجاً شرعياً لاستثمار التبرُّعات؛ لتكون متوائمة مع طبيعة آليّة المؤسّسة الوقفية المعاصرة. ومن أبرز أبعاد تلك الآلية ضرورة توفّر نقود قابلة للنموّ بما يخدم أوجه البرّ الذي تنفق عليه.
كما أن منهم مَنْ أفتى بجواز الوقف النقدي.
وتلك الآراء الثلاثة سيتمّ عرضها في ما يلي:
الأول: وهو رأيٌ اتَّفق مع الرأي المشهور، دون أن يذكر مخرجاً شرعياً يتوافق مع أهداف الوقف. وهو رأي العديد من الفقهاء، ومنهم: السيد محسن الحكيم(1390هـ)، والسيد الخوئي(1413هـ)، والسيد السيستاني؛ حيث تنص فتواهم على أنه «يجوز وقف الدراهم والدنانير إذا كان ينتفع بها في التزيين، وأما وقفها لحفظ الاعتبار ففيه إشكالٌ»([28]). هذا ما وصل إلى يد الباحث من فتاوى عن الفقهاء المذكورين إلى حين تحريره لمادّة البحث.
الثاني: وهو رأيٌ اتّفق مع الرأي المشهور، لكنّه أوجد مخرجاً شرعياً يتوافق مع أهداف الوقف النقدي؛ حيث يرى إمكانية تقديم النقود على نحو التبرُّع للجهات الخيرية، ومن ثم يمكن استثمارها. وهو رأي طرحه السيد محمد سعيد الحكيم، والذي تنصّ فتواه على أنّ «الظاهر عدم جواز وقف النقود لينتفع بها في الاقتراض، أو وقفها لينتفع بها في الاستثمار؛ لعدم بقاء عينها معه، بل لا يتحقَّق الانتفاع إلاّ باستبدالها. نعم، الظاهر جواز جعلها لذلك على أن تكون نحواً من الصدقة غير الوقف، كما في التبرُّع لبعض المشاريع الخيرية، فيجعل قسماً من المال لصندوق خيري من أجل إقراض المؤمنين، أو يتبرَّع به لمؤسّسة خيرية من أجل الاتّجار به، أو غيرهم من وجوه الاستثمار لصالحها». وهو رأي يتضمَّن مخرجاً شرعياً يوصي من خلاله باستثمار أموال المتبرِّعين.
ومن مجالات الاستثمار المنسجمة مع هذه الفتوى صناديق الاستثمار المنضبطة وفق الفتاوى الشرعية، حيث تؤدّي هذه الصناديق نفس الغرض من الوقف النقدي المستثمر في الصناديق الوقفية، حسب تعريف الدكتور محمد الزحيلي لصناديق الوقف بأنه «عبارةٌ عن تجميع أموال نقدية من عدد من الأشخاص عن طريق التبرُّع والأسهم؛ لاستثمار هذه الأموال، ثمّ إنفاقها أو إنفاق ريعها وغلّتها على مصلحة عامّة تحقق النفع للأفراد والمجتمع؛ بهدف إحياء سنّة الوقف، وتحقيق أهدافه الخيريّة التي تعود على الأمة والمجتمع والأفراد بالنفع العامّ والخاص، وتكوين إدارة لهذا الصندوق تعمل على رعايته، والحفاظ عليه، والإشراف على استثمار أصوله، وتوزيع الأرباح بحسب الخطّة المرسومة»([29]).
وقد وافق الشيخ ناصر مكارم الشيرازي رأي السيد محمد سعيد الحكيم، بوجهة نظر عبَّر فيها عن صورة التبرُّع بالنقود بـ «تمليك النقود للمؤسّسات الوقفية»، وزاد عليها ضرورة توفّر الصبغة القانونية التي تخوّلها من حقّ التملّك، حيث تنصّ فتواه على أنّ «المؤسّسات والجمعيات التي يتمّ تشكيلها في زماننا هذا، ولها شخصية حقوقية يمكن تمليكها، وفي هذه الصورة يجب العمل بمنافع هذا الملك طبقاً لما ورد في وثيقة التأسيس؛ لأنّ أموال مثل هذه المؤسّسات تشبه الوقف من بعض الجهات، ولكنها ليست وقفاً، بل هي ملكٌ لهذه المؤسّسات. ولو مات أحد المؤسّسين أو المدراء فلا يصل شيءٌ من أموال هذه المؤسّسات إلى وارثه، إلاّ أن يكون مذكوراً في وثيقة التأسيس. ويجري هذا الأمر في مورد المؤسّسات التي شكلت وفقاً لموازين العقلاء، ولكنّها لم تسجّل في السجلات القانونية»([30]).
الثالث: وهو خلاف المشهور؛ حيث يرى جواز وقف النقود. وهو للشيخ جعفر السبحاني. وقد أدرج رأيه في بحث منشور([31]) مفاد ما ورد فيه ما يلي:
1ـ إن المانع من عدم جواز وقف النقدين عند أعلام الإمامية إنّما يعود إلى لزوم حفظ العين وإبقائها في الوقف. وفي نظر السبحاني إن هذا غير ميسَّر في المسكوكين إذا أريد الانتفاع بهما بالمنفعة الرائجة، كالتجارة بهما. ومع ذلك ـ على حدِّ قوله ـ يمكن أن يقال: إنّ الضابطة المذكورة وإنْ وردت في كلام النبيّ|، لكنْ يحتمل كونها ناظرة إلى ما هو الأغلب آنذاك؛ حيث إن الوقف كان يدور حول الأراضي والبساتين، والآبار، والعيون الجارية، إلى غير ذلك من الأمور التي تدرّ نفعاً مع بقاء عينها.
2ـ إذا أمكن الانتفاع بالتصرّف بالعين مع الحفاظ على ماليتها فلا وجه لعدم صحّة الوقف حينئذٍ. وضرب مثلاً لهذه الحالة: «إذا وقف سجّادة، وشرط أنها إذا صارت قديمة تُباع ويشترى سجّادة أخرى، فالمنع عن هذا النوع من الوقف بحاجةٍ إلى دليل». ورتب على هذا الاحتمال جواز الوقف لثمن على جهة، ورخص لهم الاتّجار بها؛ حتى يعود نفعها للموقوف عليهم، بشرط الحفاظ على المالية في عامّة المبادلات والبيع والشراء.
3ـ رتّب على ما ورد في كلٍّ من (1، و2) أن جواز وقف الذهب والفضة لا يقتصر على المسكوكين، بل يعمّ الأوراق النقدية الرائجة حالياً، فلا مانع من أن يوقف الواقف مبلغاً مالياً على عائلة فقيرة، ولكن رخص للمتولّي البيع والشراء بها طول الزمان حتّى تدرّ نفعاً للموقوف عليه، وتبقى المالية محفوظة.
4ـ نصّ الشيخ على ما يتعلّق بوقف النقود لدى المؤسّسات الخيرية فقال: «من حسن الحظّ أنه صار هذا (وقف الماليّة دون العين) من الأمور الشائعة في عصرنا الحاضر. فالجمعيات الخيرية والبِرِّية تقوم بالمساهمة وجمع الأموال لأهداف إنسانية لا تورث، ويشرون بها الأراضي، والبنايات والمدارس، والمراكز الثقافية، وغيرها. فالأموال تخرج عن ملكية المتبرِّعين، وتنتقل إلى العنوان الذي اختاره أعضاء هذه الجمعيات لأنفسهم. فالعنوان يملك مالية الأعيان وعينها. فلهم أن يتصرَّفوا في الأعيان بالبيع والشراء، وليس لهم التصرُّف في ماليّتها بالإتلاف وتوريثها، بل تبقى المالية ما دامت الظروف لا تساعد على بقائها، وإلاّ فيعمل على وفق ما اتّفقوا عليه في الاتفاقية المعقودة بينهم».
اختبار صحّة الفرضيات الثلاث
يتّضح من خلال ما ورد من فتاوى في الفرع الثاني من المطلب الثاني المنعقد حول مشروعية الوقف النقدي صحّة الفرضية الأولى والثانية، والتي تنصّ على ما يلي:
الأولى: «على الرغم من أن الشهرة الفتوائية لدى علماء الإمامية تنصّ على عدم مشروعية وقف النقود؛ لانتفاء شرط التأبيد فيها، إلاّ أنّه يوجد في الجيل المعاصر من فقهاء الإمامية مَنْ أوجد مخرجاً شرعياً للمؤسّسات الوقفية، يمكن من خلالها تنمية أموال المحسنين، وبالتالي زيادة عوائدها المالية، دون الحاجة إلى القول بجواز الوقف النقدي».
الثانية: «هناك من فقهاء الإمامية المعاصرين مَنْ أفتى بجواز وقف النقود».
المبحث الثاني: الصناديق الاستثمارية كبديلٍ للوقف النقدي
اتّضح مما سبق أن لعلماء الإمامية المعاصرين ثلاثة آراء: فمنهم مَنْ اكتفى بفتوى عدم الجواز، وهو الرأي المشهور لعلماء الإمامية؛ وآخر تبنّى الرأي المشهور، لكنه قدَّم مخرجاً شرعياً في صالح المؤسّسات الخيرية، يحقِّق لها تدفقاً نقدياً قابلاً للتنمية، وفق أطر استثمارية برؤيةٍ إسلامية؛ والثالث تبنى إجازة الوقف النقدي. وفي ظلّ تنوع هذه الآراء سيعمد الباحث إلى طرح رؤية استثمارية تتناسب مع المخرج الشرعي؛ لكونها تتّفق مع الرأي المشهور، الأمر الذي يجعل منها رؤية قابلة للتطبيق والقبول في أوساط المؤسّسات الخيرية، دون أيّ معوّق شرعي. وسيتم عرض تلك الرؤية الاستثمارية في ظلّ التنوع الواسع من طرق الاستثمار وأدواته عبر المطلبين التاليين:
الأول: الضوابط الشرعية لاستثمار النقود المتبرَّع بها للمؤسّسات الوقفية.
الثاني: الأساليب الاستثمارية الإسلامية الملائمة للصناديق الخيرية بما يتوافق مع المؤسّسات الوقفية.
المطلب الأول: الضوابط الشرعية لاستثمار النقود المتبرّع بها للمؤسسات الوقفية
بالنظر إلى أن الرأي المشهور هو عدم صحّة الوقف النقدي سيسعى هذا البحث إلى استثمار المخرج الشرعي الذي ورد في المبحث السابق، والذي من شأنه أن يفتح مجالاً لاستثمار الموارد النقدية التي تفِدُ على المؤسّسات الوقفية على نحو من التبرُّع وتمليك الجهة الوقفية، كما هو الحال على رأي السيد محمد سعيد الحكيم، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي، على الترتيب. وعليه سيتم الاستفادة من الأدبيات البحثية التي سطّرت في مجال استثمار الوقف النقدي. وفي إطار ذلك هناك عدّة مسائل تميّز طبيعة أموال الوقف، وليس البحث في صدد بحثها؛ لكون النقود المتدفّقة إلى المؤسّسة الوقفية لن يتمّ التعامل معها على أنّها نقود موقوفة، بل متبرَّع بها، أو مُملَّكة للمؤسّسة الوقفية. ولعل أبرز تلك المسائل: كون أموال الوقف متنوّعة بين: ثابتة، كالأراضي، والمباني، والحدائق، والبساتين، والعيون، والمصانع، والمستشفيات؛ وأموال منقولة، مثل: السيارات، والحيوانات، والأثاث، والثياب. وطبيعة كون الوقف يجري على أصل المال، وأنّ التسبيل يكون للعائد والغلّة. ومسألة عدم جواز نقل الملكيّة إلاّ في حالات الاستبدال إذا اقتضت الضرورة الشرعية لذلك. هذه المسائل لن يتم التعرُّض لها؛ للسبب المذكور.
ولعلّ أهم الضوابط التي ينبغي للمؤسّسة الوقفية مراعاتها عند استثمار التبرّعات النقدية التي سترد إليها ما يلي([32]):
1ـ عدم التعدّي والتقصير. ويقصد بالتعدّي: التجاوز، والتخطّي، والخرق، والمخالفة. واصطلاحاً: مجاوزة الحدّ المأذون فيه شرعاً، كمجاوزة الحلال إلى الحرام، أو مجاوزة مقتضى العقد، مثل: عقد الإجارة، والاستعارة، أو غيرهما([33]).
ويراد بالتقصير: الإهمال، والتفريط([34]).
2ـ تقليل المخاطر الاستثمارية؛ حيث يجب مراعاة درجة المخاطرة، بأنْ لا تتسبَّب في ضياع الأموال، وبذلك تفقد العديد من الجهات المحتاجة إلى الدعم المالي ما هي أَوْلى به.
3ـ ضرورة تحقيق أكبر عائد ممكن؛ لينفق منه على الجهات التي ترعاها المؤسّسات الوقفية. ويقصد بذلك اتّخاذ الوسائل الممكنة لتحقيق عائد مجزٍ مناسب يمكن الإنفاق منه على الجهات التي ترعاها المؤسّسة الوقفية، حيث التوازن بين التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية أمرٌ يجب مراعاته.
4ـ مراعاة أساس التوازن في النشاطات الاستثمارية. ويقصد بذلك تحقيق التوازن بين الآجال، والصيغ، والأنشطة، والمجالات؛ لتقليل المخاطر، وزيادة العوائد.
5ـ توثيق العقود. ويستهدف منها رفع الجهالة أو الغرر الذي يمكن أن تُمنى به المؤسّسات الوقفية، حيث من شأن التوثيق أن يعلم أطراف العقد في العملية الاستثمارية الحقوق والواجبات المترتبة عليهم، وبالتالي يمكن حساب عوائده، ومكاسبه المتوقّعة.
6ـ المتابعة، والمراقبة، وتقويم الأداء؛ من أجل الاطمئنان إلى صحّة مسار العملية الاستثمارية وفق ما تمّ تخطيطه، والوقوف على الانحرافات التي تحدث أثناء العملية الاستثمارية، وتحديد أسبابها، وتقديم العلاج اللازم لها. وهذا من شأنه أن يحقِّق عنصر المحافظة على الاستثمارات، والعمل على تنميتها، وفقاً لأصول العمل الاستثماري.
المطلب الثاني: الأساليب الاستثمارية الإسلامية الملائمة للصناديق الخيرية بما يتوافق مع المؤسّسات الوقفية
من الآن فصاعداً سيتعامل البحث مع النقود المتبرّع بها إلى الجهات الوقفية على أنها نقودٌ تمّ تقديمها للمؤسّسة الوقفية، وأنّها تبرُّعات، وليست أوقافاً. ويمكن توجيهها إلى دوائر استثمارية على النحو التالي:
ـ أن تباشر المؤسّسة الوقفية عملية استثمار السيولة النقدية المتوجّهة إليها.
ـ أن تستفيد من الخبرات المتوفّرة في المؤسّسات المالية الإسلامية، عبر الاشتراك في الصناديق الاستثمارية، أو ما يصطلح عليها أيضاً بـ (المحافظ الاستثمارية).
ويقترح الباحث الخيار الثاني؛ لمزايا تحظى بها صناديق الاستثمار، سيعرض لها لاحقاً. وفي ظلّ الوفرة المتوقّعة من تدفّق أموال المحسنين إلى هذه الصناديق ينبغي للمؤسّسة الوقفية أن تديرها وفقاً للأصول العلمية في المجال الاستثماري من الوجهة الإسلامية، مراعية الضوابط التي تمّت الإشارة إليها في المطلب الأوّل من هذا البحث. وحيث إن العمل في المجال الاستثماري من وجهة النظر الإسلامية متنوّع الصيغ والأساليب ينبغي للجهة المسؤولة عن إدارة صناديق الاستثمار تلك أن تنفتح على تلك الأساليب، وتتعاطى معها في ظلّ الرؤية الشرعية. وعليه سيعمد هذا المطلب إلى التعريف بصناديق الاستثمار، والمزايا التي تمنح الأفراد والهيئات التي تستثمر من خلالها، وعرض قائمة بالبحوث التي أوردت فتاوى فقهاء الإمامية، ما من شأنها ـ في حال تكاملها بضمّها إلى البعض الآخر ـ أن تشكِّل إطاراً شرعياً للعديد من أدوات الاستثمار، وأسواقه، ومجالاته.
أولاً: تعريف الصناديق (المحافظ) الاستثمارية
تعرف صناديق الاستثمار، المسمّاة عند بعض الباحثين بـ (المحافظ) بأنّها «وعاء مالي تكوِّنه مؤسّسة مالية متخصِّصة، وذات دراية وخبرة في مجال إدارة الاستثمارات ـ بنك أو شركة استثمار مثلاً ـ؛ وذلك بقصد تجميع مدَّخرات الأفراد، ومن ثم توجيهها للاستثمار في مجالات مختلفة، تحقِّق للمستثمرين فيها عائداً مجزياً، وضمن مستويات معقولة من المخاطرة، عن طريق الاستفادة من مزايا التنويع»([35]).
وهي صناديق معروفة. وقد ساعد على انتشارها، وميول الأفراد والهيئات للاستثمار فيها، عدّة مزايا، أهمها([36]):
1ـ إدارة الأصول بواسطة خبرات متخصِّصين، حيث يهيّئ الفرصة لمَنْ لديهم مدَّخرات، لكن تنقصهم الخبرة الكافية للتشغيل المناسب.
2ـ ملائمة لمقدرة المستثمرين، حيث وحداتها الاستثمارية ذات فئات مختلفة، فمنها الفئات الصغيرة والكبيرة. وبهذا فهي مرنة وفقاً لكافّة المستثمرين.
3ـ تنويع الاستثمارات، وتخفيض التكلفة. وهذه الميزة تعتبر من أهمّ مزايا الصناديق الاستثمارية، حيث من الرشد الاستثماري تنويع مجالات الاستثمار حماية ضد تقلُّب القيمة السوقية لمكوّنات المحافظ الاستثمارية.
4ـ تقليل مخاطر الاستثمار. وهذه أيضاً ميزة هامّة تميِّز الصناديق الاستثمارية؛ لكونها تحوي أوراقاً مالية لعشرات بل مئات المنشآت، ممّا يقلص من تأثير التقلّبات المفاجئة للورقة الاستثمارية.
5ـ سهولة الاشتراك والاسترداد. وهذا من شأنه أن يجعل إدارة الصندوق على استعدادٍ دائم لإعادة شراء الوحدات التي تمّ بيعها على المستثمرين فيه، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى يمكن للمستثمر إضافة أيّ مبالغ جديدة للاشتراك بوحداتٍ جديدة، وفي أيّ وقت يشاء.
ثانياً: تصنيف المحافظ الاستثمارية
تصنَّف المحافظ الاستثمارية إلى عدّة أصناف، وفقاً لأسس واعتبارات متنوّعة؛ فتارة بموجب مكوناتها؛ وأخرى على أساس القابلية لدخول أعضاء جدد؛ وثالثة وفقاً لأغراض المستثمرين؛ ورابعة وفقاً لضمان رأس مال المحفظة.
وسيكتفي الباحث؛ وفقاً لحدود بحثه، بالتعرض لها من حيث الأدوات الاستثمارية المكوّنة لها، وهي على قسمين، كما يلي:
القسم الأوّل: صناديق الاستثمارات الحقيقية([37])
الاستثمار الحقيقي هو ذلك الاستثمار الذي يتوفّر فيه للمستثمر حقّ حيازة أصل حقيقي، كالعقار، والسلع، والمعادن، ونحو ذلك. ويقصد بالاستثمار الحقيقي كلّ أصل له قيمة اقتصادية في حدّ ذاته. وعليه يبدو الفرق بين العقار والأسهم؛ فبينما يعتبر العقار أصلاً حقيقياً لا يعدّ السهم كذلك، بل يعدّ أصلاً مالياً؛ وذلك لأن السهم لا يرتِّب لحامله حقّ حيازة أصل حقيقيّ، وإنّما ادعاءً فقط، يرتّب له الحصول على عائد هذا الأصل. أما شهادة السهم التي بحوزة المستثمر فهي في حدّ ذاتها لا قيمة لها، وإنما تستمد قيمتها من قيمة الأصول الحقيقية في الشركة المصدّرة للسهم. وعليه يطلق على الاستثمارات الحقيقية: الاستثمارات المباشرة.
وتتنوّع صناديق الاستثمارات الحقيقية إلى أنواع كثيرة، بحسب الأصل المستثمر فيها. ومن أمثلة ذلك:
ـ صناديق الاستثمار العقارية: وهي المتخصِّصة في العقارات، بيعاً وشراء وتأجيراً.
ـ صناديق المرابحة بالسلع والبضائع: وهي التي تستثمر في سلعٍ معينة. وغالباً ما تكون هذه السلع من السلع المتداولة في أسواق المال العالمية: كالقطن، والنفط، والسكر، وغيرها.
ـ صناديق الاستثمار في سوق الصرف الأجنبيّ والمعادن الثمينة.
القسم الثاني: صناديق الاستثمارات المالية([38])
وتشمل الاستثمارات المالية الاستثمار في سوق الأوراق المالية، حيث يرتّب على عملية الاستثمار فيها حيازة المستثمر لأصل ماليّ غير حقيقي، يأخذ شكل سهم أو سند أو شهادة إيداع…إلخ.
وتنقسم صناديق الأوراق المالية المتداولة في سوق رأس المال إلى عددٍ من الأوراق، التي تمتاز بأنها طويلة الأجل. ومن أهم هذه الصناديق ما يلي:
1ـ صناديق الأسهم.
2ـ صناديق السندات.
3ـ الصناديق المتوازنة: وتشمل هذه الصناديق على مزيج من أسهم عادية، وأوراق مالية أخرى ذات دخل ثابت محدّد، مثل: السندات التي تصدرها الحكومة، ومنشآت الأعمال، والسندات القابلة للتحويل إلى: أسهم عادية؛ وأسهم ممتازة.
ثالثاً: شهادات الوحدة الاستثمارية
يحوز المشارك في الصناديق الاستثمارية شهادة وحدة استثمارية. وتعريفها وأهمّ خصائصها تتمثَّل في كونها صكوكاً تمثّل حقّ الملكية لصاحبها في حصّة مشاعة من إجمالي المبالغ المستثمرة لدى البنك. وهذه الحصة تتغير؛ فقد تزيد قيمتها وتنقص بحسب العوائد المتحقّقة من الاستثمار. كما أنها قابلة للتداول، إلاّ في بعض الحالات الاستثنائية، التي تمنع فيها جهة الإصدار تداولها. كما أن رأسمالها وأرباحها غير مضمونة([39]).
رابعاً: فتاوى علماء الإمامية في مجال الاستثمار
اشتملت أدبيات البحث العلمي في فقه المعاملات لدى علماء الإمامية على العديد من المسائل المنظّمة لعمليات الاستثمار في شتّى المجالات. وحصر تلك التشريعات، وما اشتملت عليه من صور واحتمالات، قد يُخرج هذه الورقة عن هدفها، الأمر الذي يحسن بالباحث أن يفرد له ورقة أخرى تقوم بحصرها، وتصنيفها وفق مجالات الاستثمار، وأدواته، وأسواقه. وأبرز تلك البحوث ما يلي:
1ـ الرسائل العملية لفقهاء الإمامية المعاصرين والمتقدِّمين.
2ـ بحوث فقهية، للشيخ حسين الحلّي، تقرير: السيد عز الدين بحر العلوم.
3ـ البنك اللاربوي، للسيد محمد باقر الصدر.
4ـ أحكام البنوك والأسهم والسندات والأسواق المالية (البورصة)، للشيخ محمد إسحاق الفياض.
5ـ بحوث متفرّقة في مجال المصرفية الإسلامية وفقه المعاملات، منشورة في مجلة فقه أهل البيت^، للسيد محمود الهاشمي.
6ـ الربا والبنوك الإسلامي، للشيخ ناصر مكارم الشيرازي.
7ـ فقه المصارف والنقود، للشيخ محمد السند، تقرير: الشيخ مصطفى الإسكندري.
8ـ دروس في الفقه الإمامي (الجزء الثاني، والثالث، والرابع)، للشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي.
9ـ بحوث في الفقه المعاصر، للشيخ حسن الجواهري.
اختبار صحّة الفرضية الثالثة
في ظلّ وجود المخرج الشرعي الذي يمكن للمؤسّسات الوقفية من خلاله القدرة على زيادة اجتذاب مدَّخرات الأفراد، على هيئة تبرُّعات يقصد بها المتبرِّعون توظيفها في مجال الاستثمار، والاستفادة من العوائد المالية منها؛ للإنفاق على المشاريع الخيرية والبِرِّية (ما ورد في نتيجة اختبار الفرضية الأولى)، هذا من جانب؛ ومن جانبٍ آخر في ظلّ وفرة الفتاوى المنظّمة لعملية الاستثمار بشكلٍ عام من قبل علماء الإمامية، والتي يمكن الاستفادة منها في استثمار التبرُّعات التي تمّ التبرُّع بها لاستثمارها في المؤسّسات الوقفية، تثبت صحّة الفرضية الثالثة، والتي تنصّ على ما يلي: في حال صحّة الفرضية الأولى يمكن تأسيس صناديق استثمارية تهدف إلى تنمية أموال المحسنين، بما يحقِّق الملاك في الوقف النقدي.
الخاتمة
وتشتمل على نتائج البحث وتوصياته:
نتائج البحث
لقد استهدف هذا البحث التعرُّف على رأي علماء الإمامية حيال الوقف النقدي. وخلص إلى النتائج التالية:
1ـ إن الشهرة الفتوائية لدى علماء الإمامية بعدم جواز الوقف النقدي تعود لانتفاء شرط التأبيد في النقود عند وقفها؛ حيث يلزم من وقفها بهدف الاتّجار بها أن تتبدّل، وهو خلاف مسألة حبس الأصل.
2ـ إن هناك جيلاً جديداً من فقهاء الإمامية أوجد مخرجاً شرعياً للمؤسّسات الوقفية يتيح لها قبول الصدقات بهدف استثمارها؛ لتؤتي نفس الثمار المرجوّة من وقف النقود. وبالتالي يمكن التوسُّع في الإنفاق على أوجه البِرّ والإحسان في إطارٍ من اليسر المالي، الذي يخدم توجّهاتها، كما يمنحها جانباً من المرونة النوعية في مجال التخطيط لمشروعاتها، وتنفيذ تلك الخطط، بعيداً عن الضوائق المالية التي طالما وقفت عثرةً أمام العديد من طموحاتها.
3ـ تمثّل المخرج الشرعي المذكور في النتيجة رقم (2) في جواز قبول النقود المقدّمة للمؤسّسات الوقفية على أنّها تبرُّعات تمتلكها بموجب شخصيتها الاعتبارية التي تخولها تملُّك تلك النقود، ومن ثم تقوم باستثمارها. وهو رأي كلٍّ من: السيد محمد سعيد الحكيم، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي. وهي نتيجة يمكن التقدُّم بها لأيّ مؤسّسة تسعى لوضع صياغة قانونية للوقف، طبقاً لأحكام وضوابط الشريعة الإسلامية.
4ـ تعتبر الصناديق الاستثمارية من أبرز أدوات الاستثمار في الوقت الراهن. وقد نجحت العديد من المؤسّسات المالية الإسلامية في إدارتها، وتعظيم ربحيّة المساهمين فيها.
5ـ هناك من الفقهاء المعاصرين مَنْ أفتى بخلاف الرأي المشهور في مسألة الوقف النقدي، وهو الشيخ جعفر السبحاني، موافقاً بذلك العديد من علماء المذاهب الإسلامية الأخرى، وما ذهب إليه في مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة عشر المنعقدة في مسقط (سلطنة عمان)، وذلك في 14 ـ 19 من شهر محرّم، عام 1425هـ.
6ـ يحظى الفقه الإمامي بالعديد من البحوث والدراسات المتخصِّصة في مجال تنظيم عملية الاستثمار، عبر الأدوات الاستثمارية الحديثة، وأسواقها، وعقودها الحديثة.
التوصيات
في ضوء ما أسفرت عنه هذه الورقة من نتائج يمكن تقديم عدّة توصيات قد تسهم في تطوير الموارد المالية في المؤسّسات الوقفية، وفقاً للأساليب العصرية الحديثة، المنسجمة مع روح الشريعة الإسلامية وأصولها، دون أن تخالف مشهور الفقهاء في مسألة الوقف النقدي. الأمر الذي من شأنه أن يفسح المجال لها بأنْ تعمل على اجتذاب العديد من التبرُّعات المالية من العديد من فئات المجتمع، وخاصّة منهم صغار المدَّخرين، الذين تحول انخفاض مقدار مساهمتهم النقدية دون رغبتهم في المساهمة في الخير العامّ. ولعل أهمّ تلك التوصيات ما يلي:
ضرورة اهتمام المؤسّسة الدينية في المذهب الإمامي على نشر وعي التبرُّع للجهات الوقفية، عبر منابرها التوعوية، وحثّ الأفراد والمؤسّسات على تقديم تبرُّعات نقدية بعنوان تمليك تلك الجهات لتلك النقود، حتّى يتسنّى لها استثمار تلك النقود عبر الأساليب الشرعيّة الحديثة في الاستثمار، والتي من أبرزها الصناديق الاستثمارية.
ضرورة اهتمام المؤسّسات الوقفية بالاستفادة من فتاوى الفقهاء المعاصرين، المتمثِّلة في جواز قبول تلك المؤسّسات لتبرُّعات المحسنين وتملّكها، بعد أن تستكمل المسائل الاعتبارية في شخصيتها القانونية، ليتسنّى لها بعد ذلك استثمار النقود المتدفِّقة إليها عبر الأساليب الاستثمارية الأكثر نجاحاً.
أـ أن تأخذ المؤسّسات الوقفية كامل الاعتبار لأهمّية دراسات الجدوى في عمليات الاستثمار، ولا سيما منها دراسة مخاطره، واختيار أفضل أساليبه، وأكثرها فرصة في النموّ، ووفرة في العائد.
ب ـ أن تعمل المؤسّسات الوقفية على ترتيب أولويّات الصرف والإنفاق على وجوه الخير، ما كان أكثرها إلحاحاً، وأوسع دائرة، وأجلى أثراً؛ ليكون في ذلك مدعاة لاجتذاب العديد من فئات المجتمع الذين يلزمهم الحصول على مؤشّرات جادّة، تثبت جدوى مشاريع المؤسّسات الوقفية.
ج ـ أن تعمل المؤسّسات الوقفية على رفع درجة الشفافية في مجال الإنفاق على المشاريع؛ إذ من شأنه أن يكون حاملاً لأفراد المجتمع على زيادة مساهماته وتفاعله مع المشاريع التي تنادي بتدشينها ودعمها.
د ـ أن تراعي المؤسّسة الوقفية عند طرح مستندات المساهمة النقدية فئات صغار المدَّخرين وأقلّها مساهمة؛ لما في ذلك من إتاحة الفرصة للجميع، كلٌّ حسب قدرته المالية، ورغبته في دعم أوجه الخير والإحسان.
الهوامش:
(*) أستاذٌ وباحث متخصِّص في الدراسات الاقتصادية. من المملكة العربية السعودية.
([1]) د. أسامة عبدالمجيد العاني، صناديق الوقف الاستثماري: 183 ـ 196، بيروت، شركة دار البشائر الإسلامية، ط1، 1431هـ ـ 2010م.
([2]) الوقف بآراء فقهاء الإمامية، كتاب «المبسوط» للشيخ الطوسي: 259، الكويت، إدارة الوقف الجعفري بالأمانة العامة للأوقاف، ط1، 1430هـ ـ 2009م.
([3]) د. أسامة عبدالمجيد العاني، صناديق الوقف الاستثماري: 86 ـ 90.
([4]) الوقف بآراء فقهاء الإمامية، كتاب «المبسوط» للشيخ الطوسي: 257.
([5]) الوقف بآراء فقهاء الإمامية، كتاب «المهذّب» للقاضي عبدالعزيز بن البراج الطرابلسي: 285.
([7]) الوقف بآراء فقهاء الإمامية، كتاب «النهاية» للشيخ الطوسي: 239.
([8]) الشيخ يوسف البحراني، الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة 22: 162، بيروت، دار الأضواء، ط3، 1431هـ ـ 1993م.
([9]) المعجم الوسيط: 1051، مادة (وقف).
([10]) الشيخ علي بن الحسين الكركي، الشهير بالمحقّق الثاني، جامع المقاصد في شرح القواعد، متن كتاب قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام للشيخ الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي، الشهير بالعلاّمة 9: 6، بيروت، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، ط1، 1411هـ ـ 1991م.
([11]) الوقف بآراء علماء الإمامية، كتاب «منهاج الصالحين» للسيد محسن الطباطبائي الحكيم: 403.
([12]) الشيخ محمد بن أبي جمهور، عوالي اللآلي 2: 260، قم، مطبعة سيد الشهداء، ط1، 1403هـ ـ 1983م.
([13]) الوقف بآراء فقهاء الإمامية، كتاب «المبسوط» للشيخ الطوسي: 245 ـ 246.
([14]) الوقف بآراء فقهاء الإمامية، كتاب «مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل» للحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي: 209.
([16]) «عين ينبع» نواة مدينة «ينبع» في غرب المملكة العربية السعودية.
([17]) الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة 13: 303، بيروت، دار إحياء التراث العربي.
([18]) وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة 13: 311.
([19]) د. أسامة عبدالمجيد العاني، صناديق الوقف الاستثماري: 86 ـ 90.
([20]) الوقف بآراء علماء الإمامية، كتاب «الوسيلة إلى نيل الفضيلة» للشيخ محمد بن عليّ بن حمزة الطوسي، المعروف بابن حمزة: 301.
([21]) الوقف بآراء علماء الإمامية، كتاب «غنية النـزوع إلى علمَيْ الأصول والفروع» للشيخ حمزة بن عليّ بن زهرة الحسيني الإسحاقي الحلبي: 307.
([22]) الوقف بآراء علماء الإمامية، كتاب «إصباح الشيعة» للشيخ محمد بن الحسين البيهقي، المشتهر بقطب الدين الكيدري: 313.
([23]) الوقف بآراء علماء الإمامية، كتاب «السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى» للشيخ محمد بن إدريس الحلّي: 321.
([24]) الوقف بآراء فقهاء الإمامية، كتاب «شرائع الإسلام» للشيخ جعفر بن الحسن الحلّي، المشتهر بالمحقّق الحلي: 336.
([25]) الوقف بآراء فقهاء الإمامية، كتاب «قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام» للشيخ الحسن بن يوسف المطهّر الحلّي، المشتهر بالعلاّمة الحلّي: 361.
([26]) الوقف بآراء فقهاء الإمامية، كتاب «الدروس الشرعيّة» للشهيد الأول محمد بن جمال الدين مكّي العاملي: 378.
([27]) انظر: الشيخ محمد حسين قديري، كتاب البيع، مبحث ضمان المثلي والقيمي، مطبعة مؤسسة العروج، 1418هـ.
([28]) الوقف بآراء فقهاء الإمامية، كتاب «منهاج الصالحين» للسيد محسن الحكيم: 413.
([29]) د. محمد مصطفى الزحيلي، الصناديق الوقفية المعاصرة: تكييفها، أشكالها، حكمها، مشاكلها: 4. وهو بحثٌ مقدم إلى أعمال مؤتمر الأوقاف الثاني في جامعة أمّ القرى، للمدة 18 ـ 20 ذي القعدة 1427هـ.
([30]) الوقف بآراء علماء الإمامية، كتاب «رسالة توضيح المسائل» للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: 682.
([31]) الشيخ جعفر السبحاني، في وقف الحليّ والأثمان، مجلة فقه أهل البيت، العدد 53: 44 ـ 53، السنة الرابعة عشرة، 1430 ـ 2009م.
([32]) د. حسين حسين عكاشة، استثمار أموال الوقف، الكويت، الأمانة العامة للوقف الكويتي، مجلة أوقاف، السنة الثالثة، العدد 6: 76 ـ 80، ربيع الآخر 1425هـ ـ يونيو 2004م.
([33]) د. أحمد فتح الله، معجم ألفاظ الفقه الجعفري: 115، الدمام، مطابع المدوخل، ط1، 1415 ـ 1995م.
([35]) د. محمد مطر، إدارة الاستثمارات: 77، نقلاً عن: الشبيلي، الخدمات الاستثمارية في المصارف: 84.
([36]) د. يوسف بن عبدالله الشبيلي، الخدمات الاستثمارية في المصارف 1: 86 ـ 87، الرياض، دار ابن الجوزي، ط1، 1425هـ ـ 2005م.
([37]) المصدر السابق 1: 96 ـ 97.
انظر: د. عصام خلف العنزي، صناديق الاستثمار الإسلامية: 8 ـ 15، عمان، الجامعة الأردنية ـ أطروحة دكتوراه، 2004م؛ د. أسامة عبدالمجيد العاني، صناديق الوقف الاستثماري: 120 ـ 134.
([38]) د. الشبيلي، الخدمات الاستثمارية في المصارف 1: 98 ـ 99.