الخيط الرفيع بين المحبّة والطَّبَقيّة
الشيخ حسين الخشن(*)
تمهيد
غير خافٍ أنّ من أهم المبادئ التي أرساها الإسلام، وحرص الرسول الأكرم| على التبشير بها، مبدأ التساوي بين الناس، سواءٌ في أصل الخِلْقة الإنسانيّة، أو في الوظيفة والدور، أو في الحقوق والواجبات، محارباً كلّ أشكال التمييز العنصري والتفاوت الاجتماعي، رافضاً الارستقراطيّة القرشيّة ومعاييرها الظالمة في تفضيل الناس بعضهم على بعضهم، مقدِّماً معايير جديدة للتفاضل بين الناس، لا تقوم على أساس النسب ولا العشيرة ولا اللون ولا الجنس ولا غيرها من المعايير الجاهلية. فـ «لا فضل لعربيّ على أعجميّ، ولا لعجميّ على عربيّ، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلاّ بالتقوى»([1]). وإنما يقوم التفاضل على أساس الدين والتقوى وما يقدِّمه الإنسان لنفسه أو لأمّته من أعمال الخير والخدمات، وما يكتسبه من مواصفات حَسَنة، ويتحلّى به من خصال طيّبة. قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13)، وقال سبحانه: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (الزمر: 9)، ويقول تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لاَ يَسْتَوُونَ﴾ (السجدة: 18).
وباختصار: إنّ معيار التفاضل يرتكز على عنصرين أساسيين:
الأوّل: أن تكون الفضائل مكتسبة بالإرادة، وليست موروثة بالولادة، بحيث تبقى في إطار الشكل، دون المضمون.
الثاني: أن تندرج الصفاتُ المكتسبة في عداد الفضائل، لا الرذائل، فتكون صفات حسنة في نظر العقل والشرع.
وقد حرص النبي| في تطبيقه لهذه المبادىء على البدء بالأقربين من بني هاشم، وهم أهله وعشيرته، ليسجِّل رفضاً قاطعاً لكلّ الامتيازات التي أرسَتْها العقليّة الجاهلية. فلم يقبلْ أن يحابي أهل بيته، أو يعطيهم أيّ خصوصية تميِّزهم عمَّنْ سواهم، أو ترفعهم عن مستوى سائر الناس. ولهذا وجدناه|، وبعد أن نزل قوله تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ (الشعراء: 213) يوجّه خطابه لذوي رحمه وقرابته، قائلاً: «يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا بني عبد مناف، لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئاً. ويا صفية بنت عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئاً. ويا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئتِ، لا أغني عنك من الله شيئاً»([2]). ورفض| أن يستثنيهم من القوانين، فليس هناك أحدٌ من أقربائه أو ذرّيته فوق القانون، قال|: «إنّما أهلك مَنْ كان قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ. وأيمُ الله، لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعتُ يدها»([3]).
ولكنّ المفارقة أنّ هذا المبدأ الإسلامي الأصيل الذي جاء به الإسلام، وعمل النبي| بموجبه، قد تمّ انتهاكه وتجاوزه فيما بعد، وفي خصوص ذريّة النبي|، كما تمّ تجاوز غيره من المبادئ الاسلامية. لا من موقع العصيان والتمرد، بل من موقع العاطفة والتساهل. وخطورة هذا التجاوز أو التساهل أنّه قد تمّ إلباسه لبوساً إسلامياً. وإنّ المتأمّل في بعض النصوص الروائيّة، كما في بعض الفتاوى الفقهية، سوف يحمل انطباعاً مغايراً لما تقدّم من مبادىء، بل ربما سوف يجد واقعاً مختلفاً كرَّسته بعض النصوص والفتاوى، والتي مفادها أنّ الإسلام أعطى امتيازاتٍ خاصة لعشيرة النبي| وذرّيته، الأمر الذي خلق إشكالية فعليّة طرحها بعضهم إزاء هذا التضادّ بين الواقع وبين المبادئ([4]).
سجيّةٌ إنسانية
وقبل أن نسلِّط الضوء على أهمّ الأمثلة والنماذج التي قد يرى البعض فيها تجاوزاً لذلك المبدأ، وهي «تجاوزات» أُعطيت بموجبها ذرّية النبي| بعض الامتيازات؛ إمّا بدافع عاطفي بحت؛ وإمّا انطلاقاً من اجتهاد معيّن؛ أو بسبب تفسير بعض النصوص أو الفتاوى بطريقة مغايرة لفحواها ومقاصدها، قبل ذلك نجد من الضروري أن ننبِّه ونلفت النظر إلى سجيّةٍ إنسانية لم يقف الإسلام في وجهها، وهي أنّ الإنسان إذا أحبّ شخصاً وعَشِقَه فإنّ حبَّه سوف ينعكس أو ينسحب على كلّ ما يتَّصل بالمحبوب والمعشوق من آثار ومتعلّقات. وقد أجاد مجنون ليلى في التعبير عن هذا المعنى، حيث قال:
أمرّ على الديارِ، ديارِ ليلى |
أُقَبِّلُ ذا الجدار وذا الجدارا |
|
وما حُبُّ الديار شَغَفْنَ قلبي |
ولكنْ حُبُّ مَنْ سكن الديارا([5]). |
ووفقاً لهذه السجيّة الإنسانية نجد أنّ المسلم؛ ومن موقع حبّه لرسول الله| وشوقه إليه، يرتبط عاطفياً بكل ما يتصل به| أو ينتسب إليه، حتى لو كان حجراً أو بيتاً أو ثوباً، فكيف لو كان ابناً من أبنائه. ولهذا كان من الطبيعي عندما يرى المسلم أحد أبناء رسول الله| أو أحفاده وذرّيته أن يندفع إليه، فيحتضنه أو يقبّله؛ لأنه يُذكِّره برسول الله|، بل إنّه قد يندفع من موقع العاطفة عينها ليقبِّل الجدار الذي أظلّ رسول الله|، أو الصخرة التي جلس عليها، أو البيت الذي سكن فيه، أو الثوب الذي ارتداه. وإذا ما سار أو مشى ـ أي المسلم ـ في أزقّة المدينة المنوّرة أو أحياء مكّة القديمة فإنّه ربما يشعر فيها بأنفاس رسول الله| وخطواته الحانية ومواقفه الخالدة. إنّ ذلك كلّه أمر طبيعي ومفهوم. إلاّ أنّ هذه العاطفة الإنسانية، والتي تعبِّر عن نفسها باندفاع المسلم إلى احتضان الذرّية الطيبة لرسول الله| واحترامهم وتكريمهم، على قاعدة «لأجل عينٍ ألفُ عينٍ تُكْرَمُ»، لا تعني إطلاقاً إقرار واقعٍ طبقي تُتجاوز فيه حدود الله تعالى أو تُكرَّس فيه امتيازاتٌ «شرعية» وقانونية لصالح ذرّية النبي|، أو غيرهم من المسلمين.
ومن البديهي أنّ المنتسب إلى رسول الله| كلّما زاد إيماناً وتقىً وورعاً، وسما خلقاً ومنطقاً، كلما زاد احترامه وتقديره أكثر فأكثر لدى المسلمين وغيرهم؛ لأنّه جمع إلى النسب الطيِّب ما يُزيِّن هذا النسب، ويزيده رفعة وشرفاً؛ وأمّا إذا هبط بأخلاقه إلى الأسفل، وابتعد عن سيرة جدِّه المصطفى| وتعاليم دينه، فإنّه بذلك يستحقّ الملامة والتوبيخ أكثر من غيره؛ لأنّ انتسابه إلى رسول الله| مدعاةٌ ليكون أَوْلى الناس باتّباع هَدْيه والاستنان بسنته. ومن هنا وجدنا أنّ القرآن الكريم قد نصّ على أنّ الفاحشة لو صدرت من زوجة النبي| فإنّ عقابها يكون مضاعفاً، بالمقارنة مع الفاحشة التي قد تصدر من سائر النساء؛ وذلك لأنّ انتسابهنّ إلى رسول الله| سوف يطلق العنان لبعض الألسنة لتنال من رسول الله، فضلاً عن أنّه قد يُغري بعض الناس بارتكاب المعاصي. قال تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾ (الأحزاب 30 ـ 32).
وهذا المعنى الذي تضمنته هذه الآيات المباركة قد أكَّدت عليه أيضاً الروايات الواردة عن الأئمة من أهل البيت×.
ففي الحديث الصحيح عن الإمام الرضا×، وقد سُئل: الجاحد منكم ومن غيركم سواء؟ فقال: «الجاحد منّا له ذنبان؛ والمحسن له حسنتان»([6]).
وفي حديثٍ آخر عنه|، وقد سُئل: أخبرني عمَّنْ عاندك ولم يعرف حقّك من ولد فاطمة، هو وسائر الناس سواءٌ في العقاب؟ فقال×: «كان عليّ بن الحسين× يقول: عليهم ضعفا العقاب»([7]).
إنّا أعطيناك الكوثر
وممّا تجدر الإشارة إليه هنا أنّه وبالرغم من كلّ الأعمال الوحشية ومجازر القتل وحملات التشريد التي ارتكبها الأمويون والعبّاسيون بحقّ ذرية النبي الأكرم| من العلويين، فإنّ الله تعالى بارك في هذا النسل، فتكاثر عددهم، وانتشروا في مختلف بقاع الأرض شرقها وغربها، ونبغ فيهم ـ ولا يزال ـ آلافٌ من أعلام الفكر والأدب ومراجع الدين وذوي الشأن الاجتماعي والسياسي… بينما لا تُعرف ذرّيةٌ ظاهرة لظالميهم من بني أمية أو غيرهم([8]). وهذا يمثّل في الحقيقة مصداقاً جليّاً لقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ﴾ (الكوثر: 1 ـ 3).
امتيازاتٌ طبقية
وبعد هذا التنبيه المهم والضروري نطلُّ في ما يلي على دراسة جملة من المقولات التي قد تُطرح أو تُفهم بعنوان أنّها امتيازات مُنحت لذرية النبي|، مما يعكس حالة من الطبقية المرفوضة. والمؤسف أن يتمّ تكريس هذا التمايز الطبقي تحت غطاء «شرعي»، ويُدْعَم ببعض الروايات أو الفتاوى. ونحن نحاول دراسة هذه «الامتيازات» على ضوء مرجعية القرآن الكريم، وصحيح السنّة.
وأشكال التمايز التي أمكننا رصدها خمسة:
1ـ التمايز التكويني.
2ـ التمايز التشريعي.
3ـ التمايز الاجتماعي.
4ـ التمايز الظاهري (الشكلي).
5ـ التمايز الأخروي.
وفي ما يلي نطلّ على دراسة هذه الأشكال الخمسة.
1ـ التمايز التكويني
وهو تمايز على مستوى الخِلْقة، حيث قد يتخيَّل البعض أنّ الله قد خصّ ذريّة النبي| بخصوصيّة تكوينيّة لا يشاركهم بها أحد! ويتجلى ذلك في الرأي المشهور عند علماء الشيعة في ما يتّصل بسنّ اليأس عند المرأة؛ فالمرأة العلوية التي ينتهي نسبها إلى الرسول| يتأخّر سنّ اليأس عندها إلى الستين من عمرها؛ أمّا المرأة «العامية» ـ التي لا ترجع في نسبها إلى النبي الأكرم| ـ فإنّ سن اليأس عندها يبدأ على رأس الخمسين عاماً.
هكذا قد يتصوّر بعضُ الناس. ويتساءلون باستغراب عن سرّ هذا «التمييز الإلهي» للمرأة المنتسبة إلى رسول الله|، وتفضيلها على مَنْ سواها من النساء في هذا الأمر؟!
إلاّ أنّ هذا فهمٌ خاطىء للمسألة. والصحيح أنّه ليس هناك امتياز أو تفضيل إلهي للمرأة المتّصلة نسباً برسول الله| على مَنْ سواها. وبيان ذلك:
أوّلاً: إنّ الحكم بتمايز الهاشمية في الحكم المذكور، وامتداد حيضها إلى الستين من عمرها، هو محلّ خلافٍ بين الفقهاء. فمع أنّ الكثير من الفقهاء ذهبوا إلى هذا الرأي، ونُسب إلى المشهور([9])، إلاّ أنّ ثمّة اتجاهاً فقهياً آخر يرى أنّها متساوية مع غيرها في هذا الأمر. ويختلف أصحاب الاتجاه الثاني على قولين:
أحدهما: إنّ سنّ اليأس عند مطلق المرأة، قرشية كانت أو غيرها، يتحقّق ببلوغ الخمسين سنة. وقد ذهب إلى هذا القول جمعٌ من الأعلام([10])، وأفتى به بعض الفقهاء المعاصرين([11]).
ثانيهما: إنّ سنّ اليأس عند مطلق المرأة أيضاً، قرشية أو غيرها، يتحقق ببلوغها الستين عاماً. وقد اختاره بعض الفقهاء أيضاً، كالعلاّمة الحلّي في بعض كتبه، والمحقّق في باب الحيض من الشرائع([12])، وأفتى به بعض الفقهاء المعاصرين أيضاً([13]).
وعليه فالرأي الفقهي بتمايز القرشيّة عن غيرها في سنّ اليأس ليس من المسلَّمات الفقهية، بل هو رأيٌ خاضع للبحث والنظر.
ثانياً: إنّه لا بُدَّ من تصحيح خطأ شائع عند عامّة الناس في ما يرتبط بالحكم الشرعي بتأخّر سنّ اليأس عند بعض النساء إلى الستين عاماً. فالحكم المذكور ـ عند القائلين به ـ ليس مختصاً بالمرأة العلويّة أو المنتسبة إلى النبيّ|، بل ولا تختصّ به المرأة الهاشمية، وإنّما هو حكمٌ جار في المرأة القرشيّة «وهي المنتسبة بالأب إلى النضر بن كنانة، وهي أعمّ من الهاشمية»([14])، بل إنّ مشهور الفقهاء ألحقوا بالقرشية المرأة «النَّبْطِيَّة»، وهي «منسوبة إلى النَّبط، وهم ـ على ما ذكره الجوهري ـ قومٌ ينزلون البطائح بين العراقين (البصرة والكوفة)»([15]). يقول الفقيه العاملي زين الدين الجبعي، المعروف بالشهيد الثاني، في شرحه لكتاب اللمعة الدمشقية: «والحكم فيها ـ أي النَّبطيّة بإلحاقها بالقرشية ـ مشهورٌ. ومستنده غير معلوم. واعترف المصنِّف ـ يقصد الشهيد الأول ـ بعدم وقوفه فيها على نصّ. والأصل يقتضي كونها كغيرها»([16]).
ثالثاً: إنّ الحكم المذكور بالنسبة إلى المرأة القرشية أو النَّبْطيَّة هو الآخر ـ في ما يبدو ـ ليس لخصوصيةٍ تكوينيّة خصّها الله بها في أصل الخلقة، وميّزها بذلك عمَّنْ سواها من النساء، وإنّما هو حكمٌ ربما يكون منطلقاً من خصوصية طبيعيّة تتّصل ببِنْيةِ المرأة القرشية أو النَّبْطيّة ونمطِ حياتها وبيئتها الجغرافية التي تؤثِّر على بِنْيتها الجسدية، ما قد يؤثّر في تأخير سنِّ اليأس عندها إلى الستين، لا أنّ الله قد ميّز القرشية بهذا الفضل على مَنْ سواها؛ إذ ما الميزة لها لتنال هذا الشرف، وتحظى بهذه الكرامة، دون سائر النساء؟ وإنّ القول بإلحاق المرأة النَّبْطيَّة بالمرأة القرشية في ذلك ـ مع أنّه لا دليل على هذا الإلحاق، كما اعترف به الشهيد الثاني ـ هو مؤشِّر على أنّ المسألة لا تتّصل بتفضيلٍ إلهيّ للقرشية، بقدر ما تتّصل بواقع خارجي له ظروفه الطبيعيّة المفهومة المتَّصلة بالبيئة والجغرافيا ونوعية الغذاء. ولو أنّ هذه الظروف توفَّرت لغيرها فربما تأخَّر سنّ اليأس عندها أيضاً، ولكان حكمها كحكم القرشيّة؛ لأنّ الأحكام ـ كما هو معلوم ـ تابعةٌ لموضوعاتها. ولو أنّ ظروف القرشيّة تغيّرت فربما تراجع سنّ اليأس عندها إلى الخمسين. ولهذا نجد في أيامنا هذه أنّ المرأة القرشية لا تتمايز عن غيرها من النساء في سنّ اليأس، بل إنّ «أمزجة القرشيّات» كأمزجة غيرهنّ من النساء، كما ذكر بعض الفقهاء([17]).
رابعاً: في ضوء ما تقدَّم ـ وتحديداً في ضوء ما ذكرناه أخيراً من عدم تميّز القرشيّة، كما هو ملاحظ خارجاً عن سواها من النساء، لجهة بدء سنّ اليأس ـ يكون من القريب جدّاً حمل الحكم بتأخّر سنّ اليأس عند القرشيّة إلى الستّين على التاريخية، بمعنى أنّ الأخبار الواردة في ذلك ـ لو صحّت ـ فهي تنطلق من واقعٍ تاريخيّ ظرفيّ، وهو تأخّر سنّ اليأس إلى الستّين عند القرشيّة في تلك الأزمنة، ويكون الحكم محدوداً بتلك الحقبة الزمنيّة؛ لأنّه حكم صادر على نهج القضيّة الخارجيّة، لا الحقيقيّة، على حدّ تعبير الأصوليين والمناطقة، وليس شاملاً لكلّ الأزمنة والأمكنة.
والوجه في ذلك أنّه، وفي ظلّ ما نراه خارجاً من تساوي الهاشمية مع غيرها من النساء في سنّ اليأس، لا مفرّ من اختيار أحد سبيلين: إمّا حمل الحكم بـتأخّر سنّ اليأس عندها على التاريخية والظرفية؛ وإمّا حمل الحكم بذلك على التعبّد الشرعي، بمعنى اختصاص القرشيات شرعاً بأحكام الحيض إلى سنّ الستين، ولو لم يكن ما تراه من دم متّصفاً بصفات الحيض، وبالتالي لم يعُدْ هناك تمايز فعليّ بينهنّ وبين سواهنَّ من النساء. والتعبّد بذلك مستبعد جدّاً، ولا سيَّما أنّ هذا الحكم برمته قد ورد في خبرٍ واحد، وهو مرسلة ابن أبي عمير ـ الملحقة بالصحيحة عند الفقهاء ـ، عن أبي عبد الله×، قال: «إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم ترَ حمرةً، إلاّ أن يكون امرأة من قريش»([18])؛ فإنّ التعبّد بمخالفة القوانين الطبيعية استناداً إلى خبرٍ واحد في غاية الإشكال، مع أنّ الرواية المذكورة لم تحكم بكون القرشيّة تتحيَّض إلى سنّ الستين، وإنّما حكمت بأنّها «ترى الحمرة» إلى الستين، كما نبَّه عليه بعض الفقهاء([19]).
خامساً: ولو أننا التزمنا بأنّ الاختلاف بين القرشية وغيرها هو اختلافٌ تعبدي، بمعنى أنّ القرشية إنّما يُحكم بتأخّر سن اليأس عندها إلى الستين من ناحية الآثار الشرعية، أي إنّ الدم الذي تراه في فترة ما بين الخمسين والستين هو دم تترتّب عليه شرعاً آثار دم الحيض، حتّى لو لم يحمل صفات دم الحيض الحقيقيّة، أقول: حتى لو التزمنا بذلك، كما ذهب إليه مشهور الفقهاء، فإنّ ذلك لا يعني أنّ المرأة الهاشمية أو القرشية قد فُضِّلت أو مُيِّزت على غيرها من النساء بذلك. فليس في الأمر أي تفضيل شرعي. وأيُّ تفضيل لها في ذلك والحال أنّ أحكام الحيض هي أحكامٌ تحريمية تقيِّد إرادة المرأة وتحدُّ من حريتها؛ إذ يلزمها في فترة العادة الشهرية أن تجتنب مسّ القرآن الكريم ودخول المساجد، كما أنّها تُمنع من العلاقة الخاصة مع زوجها، ويحرم عليها أيضاً أن تصوم في شهر رمضان. وهذا ليس تخفيفاً عليها؛ لأنّها تكلّف بعد ذلك بقضاء عبادة الصوم. أجل هناك حكمٌ واحد قد يُنظَر إليه باعتباره حكماً تخفيفياً بالنسبة إليها، وهو أنّها تُعفى من الصلاة، ولا تُكلَّف بقضائها. وهو حكمٌ وإن كان مشتركاً بين النساء كافّة، ولا يختص بالقرشية، بيد أنّ الذي يميّز القرشية هنا هو أنّ إعفاءها من قضاء الصلاة سيطول ويزيد على غيرها من النساء لمدّة عشر سنين. ولكنْ إذا نظرنا إلى المسألة من زاوية أنّ ترك الصلاة عزيمةٌ، وليس رخصةً، أي إنّه يحرم عليها الصلاة، فهذا قد يُشكِّل حدّاً من حرّيتها، ويُمثِّل حرماناً لها من بركات الصلاة المعنوية.
2ـ التمايز التشريعي
وهو تمايزٌ ـ لو صحّ ـ يؤسِّس لطبقيّة «شرعية» تجعل ذرّية النبي| مُحصَّنين ببعض التشريعات التي تجعلهم في موقع «النبلاء» و»الأشراف». ويمكننا أن نستشهد على هذا النوع من التمايز الموهوم ببعض النماذج من الأحكام الفقهية، وأهمها:
1ـ الاستئثار بالخمس: حيث إنّ الفتوى المشهورة عند فقهاء الإمامية تقضي بأن يكون نصف الخمس من نصيب الهاشميين، وخصوصاً السادة الأشراف من نسل السيدة الزهراء÷. وهو ما اصطلح على تسميته بـ «سهم السادة»، كما اصطلح على تسمية النصف الآخر بـ «سهم الإمام×».
وهذه الفتوى، وبصرف النظر عن توجيهها الفقهي، قد أسهمت بطريقة أو بأخرى في إنتاج حالة من الطبقيّة المقيتة، وجعلت «السيد» يشعر في اللاوعي بتفوُّقه وأفضليّته على سائر الناس، أفضليةً استوجبت أن يخصّه الله بهذه الكرامة، ويميّزه بهذا المصدر المالي الذي لا يشاركه فيه أحد. ومن الطبيعي أنّ هذا الشعور قد يُعبِّر عن نفسه لدى البعض بشيءٍ من التعالي والتكبُّر على الآخرين. كما أنّ الفتوى المذكورة ساهمت في خلق روحٍ اتّكالية وحالة من الاسترخاء والكسل لدى بعض «السادة»؛ على اعتبار أنّ مصدر رزقه مؤمَّن ومكفول له من قبل الله، عَمِلَ أو لم يعمل، ومَنْ يمنعه من الخمس فإنّما يمنعه من حقّه المكتسَب له بالولادة والنَّسب. وقد ينجرّ الأمر إلى تجرّؤ بعض «السادة» على تناول هذا الفقيه أو ذاك العالم بالتجريح والطعن إذا لم يُعْطه من «سهم السادة»؛ لسبب من الأسباب، ومبرِّره في الجرأة هو أنّ هذا العالِم قد حرمه من حقّه الشرعي المكتسَب له. وفي ضوء ذلك فإنّ هذه الفتوى سوف تُسهم ـ كما يرى البعض ـ في استعادة قِيَم الجاهلية ومنطقها، ولا سيَّما أنّ الخمس ـ كما هو الرأي المشهور ـ إنّما يستحقه فقط مَنْ انتسب إلى هاشم بالأب دون الأم؛ إستناداً إلى أنّ المستفاد من بعض الروايات([20]) أنّ الخمس هو لبني هاشم، ومن الواضح أنّ الذي ينتسب إلى هاشم بالأم، دون الأب، فهو ليس من العشيرة، ولا يقال له: هاشمي! وهو ما أثار استغراب البعض([21])، واعتبره استعادةً لمنطق الجاهلية، طبقاً لما قاله الشاعر الجاهلي:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا |
بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد([22]) |
وزاد في الطين بلَّة أن اعتُبر الخمس المقرّر للسادة «مالاً طاهراً»، وأمّا الزكاة التي حُرموا منها، أو حُرِّمت عليهم وأُبيحت لسواهم من الناس، فإنّها «أوساخ ما في أيدي الناس». ليتمّ بهذه اللغة العنصرية ليس تكريس مبدأ التفاضل على أساس العشيرة وحَسْب، بل وتوجيه إهانة إلى سائر الناس وتحقيرهم، لا لشيءٍ إلاّ لأنّ «الحظّ» لم يحالفهم في أن يتّصل نسبهم برسول الله|!
هذا غاية ما يُمكن أن يطرح في بيان هذه الإشكالية إزاء الفتوى المعروفة بتخصيص نصف الخمس لبني هاشم.
ولكنْ يمكننا في هذا المجال أن نسجِّل الملاحظات التالية:
الخمس وسدّ احتياجات الأمّة
الملاحظة الأولى: إنّ الفتوى المذكورة ليست من المسلَّمات الفقهيّة، بل إنّها رأي اجتهادي يتبنّاه الكثير من الفقهاء. لكنْ في المقابل ثمّة رأي فقهي آخر، هو الأقرب إلى الصواب وإلى عدالة التشريع الإسلامي، يرى أنّ الخمس لا ينقسم إلى السهمين المذكورين، اللذين يُخصَّص أحدهما «بالإمام»، والآخر «بالسادة»، بل إنّ الخمس حقّ واحد يُعبِّر عن ميزانيةٍ متكاملة أقرَّها المشرِّع الإسلامي بهدف سدّ احتياجات الأمة الإسلامية بأكملها. وقد تبنّى هذا الرأي جمعٌ من الأعلام المتأخّرين([23])، حيث إنّهم رأوا أنّ بني هاشم هم مصرفٌ من مصارف الخمس، ولا يملكون نصفه بحيث يُحبَس عليهم بانتظار وجود مستحقّين منهم. وقد استند هؤلاء الفقهاء([24]) ـ في رأيهم هذا ـ إلى بعض الأدلة الُمحْكَمة من الكتاب والسُّنّة. هذا ناهيك عن عدم نهوض دليل يُعتَدّ به على التقسيم المذكور. وبينما اختار بعض هؤلاء الفقهاء الإفتاء بهذا الرأي، وجرى من الناحية العملية عليه، فإنّ بعضهم ظلّ متحفّظاً عن الإفتاء أو المجاهرة به؛ لبعض الاعتبارات المعروفة، التي تثير التوجُّس لدى الفقيه، وتمنعه من الإفتاء بما يتوصّل إليه من قناعاتٍ فقهية.
وهذا الرأي هو الأقرب إلى عدالة الإسلام، كما قلنا؛ إذ كيف تُملَّك مجموعة من الناس أو عشيرة من العشائر نصف الخمس، والحال أنّ الخمس ميزانية ضخمة وضريبة تطال كلّ المكاسب والأرباح التجارية والزراعية والصناعية، فضلاً عن غنائم الحرب! ومن البديهيّ أنّ هذا المورد المالي الكبير إنّما يهدف إلى تأمين احتياجات الأمة المالية بأجمعها، وتيسير شؤون الدولة الإسلامية. ولو أننا احتسبنا أخماس أرباح المكاسب فقط في العالم الإسلامي، أو العالم كلّه لو كان يدين بالإسلام، لتبيّن لنا أنّنا أمام ثروةٍ طائلة لا يُعقَل أن الهدف من وضعها هو رفع حاجات «سيّد» هنا، أو طالب علم هناك، بل الهدف أكبر وأوسع من هذا، وهو سدّ حاجات أمة بأكملها… يقول الإمام الخميني&: «السادة متى كانوا بحاجة إلى مثل هذا المال؟! خمس سوق بغداد يكفي لاحتياجات جميع السادة، ولجميع نفقات المجامع العلمية الدينية، ولجميع فقراء المسلمين، فضلاً عن أسواق طهران وإسلامبول والقاهرة وغيرها… هل نُلقي بهذه الثروة الواسعة في البحر أو ندسّّها في التراب حتّى ظهور الحجة، أو نوزّعها على 50 هاشمياً أو خمسمائة ألف هاشمي؟! وإذا دُفع إليهم هذا المال أليس يُذهلهم ويحيِّرهم؟! ألا تعلم أنّ حقّ الهاشميين في هذا المال إنما هو بمقدار ما يحتاجون إلى إنفاق بقصدٍ واعتدال؟! كلّ ما في الأمر أنّ الهاشميين يتناولون حاجتهم من الخمس دون سواه. وقد ورد في الحديث «أنّ هؤلاء يعيدون إلى الإمام ما فضل عن مؤونة سنتهم. كما أنّ الإمام يعينهم حين لا يكون ما تناولوه من بيت المال وافياً بمؤنة سنتهم»([25]).
لِمَ حُرِمَ «السادة» من الزكاة؟
الملاحظة الثانية: إنّ حرمان الهاشميين من الزكاة ـ كما هي الفتوى المعروفة ـ لا يعني بالضرورة أنّ في ذلك تمييزاً لهم عن سائر الناس، أو تنزيهاً لهم عن «أوساخ الناس»، بل إنّ لذلك تفسيراً نرجِّحه ينطلق من بعض الاعتبارات التاريخيّة. وحاصل هذا التفسير أنّ النبي| لمّا طلب منه بعض الهاشميين، ومنهم: «المطلب بن ربيعة بن الحرث؛ والفضل بن عباس»([26])، أن يُؤمِّرهما على الزكاة أراد| إبعادهم عن هذا المنصب؛ دفعاً للتُّهْمة عنه، أو الشبهة التي قد تراود ذهن بعض الصحابة أو يثيرها بعض المنافقين في أنّ محمداً| قد آثر أهل بيته وعشيرته، وقدَّمهم على مَنْ سواهم، ولذلك فإنّه| اتَّخذ في هذا المجال قراراً حكيماً يقضي بمنعهم من تولّي أمر الزكاة، ومن أخذ المال الزكوي وتناوله، ولكنَّه ضمن لهم سدَّ احتياجاتهم، وكفلها لهم؛ على اعتبار أنّهم أهل بيته وعياله.
ولكنْ لماذا استخدم| في التعبير عن الزكاة وصفاً مهيناً، وهو «أوساخ الناس»؟
أقول: لو صحّ استخدامه لهذا التعبير فغير بعيدٍ أنّه| استهدف من ذلك تنفير الهاشميّين؛ حتّى لا يطمعوا ببعض المناصب أو المواقع الإدارية المتّصلة بالزكاة، كما يرى الفقيه الشيخ المنتظري([27]). إلاّ أنّ هذا الإجراء الذي اتّخذه النبي| أو التدبير الذي اعتمده| قد استمر إلى ما بعد وفاته|، وظلّ كذلك إلى يومنا هذا. ثم استُثني من ذلك تناول الهاشمي للزكاة من الهاشمي، مع أنّ هذا الاستثناء يبعث على التأمُّل في القضية وفي ما ذُكر في تفسيرها. ولذا فإنّه يبقى استثناءً بحاجةٍ إلى متابعة فقهية وفكرية.
ثم لو أننا لم نقبل التفسير المتقدّم بشأن ورود التعبير المذكور على لسانه| فلا مجال لنا إلاّ أن نتوقّف إزاءه ـ أي إزاء صدور هذا التعبير عنه| ـ؛ لأنّ استخدام النبيّ الأكرم وصاحب الخلق العظيم لمثل هذا التعبير «أوساخ أيدي الناس»، أو «أوساخ الناس»([28])، مستبعَدٌ جدّاً، ولا يليق صدوره من قائدٍ عادي، فضلاً عن رسول الله|! والوجه في ذلك:
أوّلاً: إنّ توصيف المال الذي يدفعه المكلَّف امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى بالأوساخ هو في حدِّ ذاته أمرٌ مستغرَبٌ، لأنّه حقّ شرعي، ولا مبرِّر لتوصيفه بهذا الوصف. وأمّا قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (التوبة: 102)، فهو لا يدلّ بأيّ نحو من أنحاء الدلالة على أنّ المال الزكوي هو قذارة أو وسخ، وأنّه يطهر بدفع زكاته، وإنّما المقصود أنّ امتثال هذا التكليف ودفع المال سيكون سبباً لنمو المال وبركته، كما أنّه سبب لطهارة المزكّي روحياً؛ بامتثاله لأمر الله تعالى، ومساهمته في رفع المستوى المعيشي في المجتمع.
ثانياً: إنّه تعبير يتضمَّن إهانة واضحة لعامّة الناس الذين لا يتّصلون بالنبي| نسباً؛ حيث إنّ ما يُدفع لهم هو الأوساخ! وحاشاه| أن يُهين شخصاً واحداً أو يحتقره، فضلاً عن أن يصدر منه ما يتضمّن إهانةً عامة الناس؛ فهذا يتنافى مع أخلاقه| وعصمته، كما ويتنافى مع نصوص القرآن الكريم والمبادئ الإسلامية التي جاء بها النبيّ|، وأرسى دعائمها.
ثم إنّ لنا أن نسأل: لماذا كانت الزكاة أوساخاً؟ ألأنّها تؤخذ من أموال الناس التي تتداولها الأيدي وتنتقل من شخصٍ إلى آخر أم لأنّ أصحابها قد يختارون دفعها من المال الرديء؟ إذا كان السبب هو هذا أو ذاك فمن الواضح أنّ هذا المعنى موجودٌ في الخمس أيضاً، فإنّ الخمس ولا سيَّما خمس أرباح المكاسب، المأخوذ من فاضل المؤونة، إنّما يؤخذ من أيدي الناس وما يتداولونه، كما أنّه ربما يُدفع من المال الرديء، حيث قد يختار البعض دفع الخمس من رديء أموالهم، بل إنّ الخمس في بعض موارده، كخمس المال الحلال المختلط بالحرام، يكون أكثر اتّصافاً والتصاقاً بالشبهة من الزكاة، ما يفرض وفقاً للمنطق المذكور تنزيه ذرّية النبيّ الأكرم| عنه؛ تطهيراً لهم عن الشبهات؟!
وإذا قيل: إنّ دفع الخمس لله تعالى يوجب طهارته، وارتفاع الشبهة عنه.
قلنا: إنّ هذا بعينه يجري في الزكاة، فإنّ دفعها لله وتقرُّباً إليه موجبٌ لطهارتها.
وربما يقال: إنّ الفرق بين الخمس والزكاة هو أنّ الزكاة تؤخذ من الناس وتعطى مباشرة للفقراء والمساكين، ولذا سُمِّيت أوساخاً؛ وأمّا الخمس فجُعل أولاً وبالذات بأجمعه لله تعالى([29])، ثم ينتقل منه تعالى إلى الرسول| وذوي القربى وذوي الحاجة من بني هاشم؛ لانتقال الولاية منه تعالى إلى الرسول| ومن ثَمّ ذوي القربى، ما يعني أنّ «فقراء الناس عيالٌ للناس، وفقراء بني هاشم عائلة الله، ومن شؤون الإمامة والحكومة الإسلامية»([30]).
ويلاحظ عليه: إنّه إذا كان المطهِّر للخمس هو إضافته لله تعالى ـ وهي إضافة تشريفية، كما هو معلوم؛ لأنّ الله تعالى ليس له نصيبٌ حقيقي في الخمس، وما كان له فهو لرسوله| ـ فالزكاة كذلك؛ فإنها أيضاً تُضاف إليه سبحانه بنحوٍ من أنحاء الإضافة، ولذا يُعبَّر عنها بـ «حقّ الله». بل إنّ المال بأجمعه هو مال الله، سواءٌ ما كان منه داخلاً في الحقوق الشرعية أو كان مالاً شخصياً يملكه أصحابه. قال تعالى: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ (النور: 33). وقد ورد في بعض الروايات([31]) أنّ الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يدي السائل. فليكُنْ وقوعها في يد الله تعالى موجباً لطهارتها ونزاهتها، كما هو الحال في الخمس. فلماذا يُكره دفعها إلى الهاشميين، وتُعلَّل الكراهة بنفس التعليل المتقدّم، وهو تنزيه بني هاشم عن أوساخ الناس؟!
دفاعٌ غير مقنع
الملاحظة الثالثة: وقد ردّ بعضُهم على شبهة أنّ تمييز بني هاشم وتخصيصهم بالخمس دون سواهم هو خلاف مبادئ الإسلام وروح المساواة التي أشاعها بين مختلف الشرائح والشعوب والقوميات بأنّ «إكرام الرجل في عشيرته وعائلته أمرٌ عرفي يقبله روح الاجتماع. واحترام ذرّية الرسول| وأقربائه يُعَدّ احتراماً له، فأيّ مانع من أن يجب تخصيص شيء لهم من الميزانية الموضوعة لإدارة الحكومة الإسلامية من جهة أنّهم من أغصان شجرة النبوة والحكومة الإلهية. وهذا ميز (مائز) دنيوي، وإلاّ فإنّ أكرم الناس عند الله أتقاهم»([32]).
ولكنّ هذا الدفاع غير مقنع؛ لعدّة اعتبارات:
أوّلاً: إنّ الإكرام المشار إليه إنّما يكون مألوفاً لو صدر من الناس بمبادرات فردية؛ احتراماً منهم وتقديراً لنبيهم|؛ أمّا أن يُقرَّ ذلك النبيّ نفسه، فيفرض على أتباعه إكرام ذرّيته، وتخصيصهم بمبالغ مالية ضخمة، فهذا ما لا يفهمه العقلاء. بل ربما رأوا فيه ما يوجب القدح والذمّ، ولا سيَّما إذا كان هذا النبي| قد نادى بإسقاط كلّ أشكال التمايز والتفاضل على أساس عشائري أو عرقي. كما أنّه|؛ وطبقاً لما علّمه الله تعالى، لم يطلب على الرسالة أجراً سوى المودة في القربى، وليس دفع الأموال إليهم: ﴿قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ (الشورى: 23).
ثانياً: إنّ الخمس ـ حَسْب الفرض ـ لا يختصّ بذرية النبي|، بل إنّه يُعطى لكلّ هاشميّ، بما في ذلك نسل العباس وذريته، وكذا ذرّية أبي طالب والحارث وأبي لهب([33])، مع أعقابهم إلى يوم القيامة. والذي تألفه الحياة الاجتماعية والعقلائية هو إكرام الرجل في الأقربين من أهل بيته وذرّيته وأقربائه، أمّا مع تعاقب الأبناء والأحفاد وتواليهم إلى عشرات الجدود، بحيث لا تعود ثمّة قرابة ظاهرة بينهم، فهذا ليس ممّا يراعيه العقلاء في تعاملهم مع الأشخاص.
ثالثاً: إذا كان الغرض هو إكرام النبي| في بنيه فهذا يقتضي تعميم الإكرام لأبناء البنت، كما أبناء الابن؛ فهؤلاء كلهم أبناؤه وعائلته وأهله. أفهل يكون دفع الخمس لابن «الهاشمي» تكريماً لرسول الله|، ولا يكون دفع الخمس لابن «الهاشمية» ممَّنْ تزوّجت من غير هاشمي تكريماً لرسول الله|؟! هذا مع العلم أنّ ذرّية النبي| بأجمعها إنّما هي من ابنته الزهراء÷، وليس من أبنائه الذكور؛ لأنً هؤلاء قد تُوفّوا صغاراً، فلماذا يتمّ تخصيص الخمس بأبناء الابن من ذرّيته وأقاربه، كما هو الرأي المشهور([34]) في المسألة؟!
رابعاً: إنّ إكرام ذرّية النبي| وأقاربه يكون بسدّ احتياجاتهم، وتأمين مستلزماتهم الضرورية، ولا يكون بتخصيص نصف الخمس لهم، أي ما يعادل ميزانية دولةٍ بأكملها. ماذا يفعلون بكلّ هذه الأموال؟!
2ـ حرمة الجمع بين الفاطميّتين: وربما يُذكر نموذجٌ آخر لهذا التفاضل التشريعي، وهو الحكم الذي أفتى به بعض الفقهاء في أنّه لا يحلّ للرجل المسلم أن يجمع بين زوجتين من ولد فاطمة الزهراء÷ في آنٍ واحد؛ استناداً إلى ما جاء في بعض الروايات، من قبيل: ما رواه الشيخ الطوسي بسنده إلى بعض أصحاب الإمام الصادق× قال: سمعتُه يقول: «لا يحلّ لأحدٍ أن يجمع بين ثنتين من ولد فاطمة÷؛ إنّ ذلك يبلغها فيشقّ عليها. قلتُ: يبلغها؟ قال: إي والله»([35]).
وقد أفتى بعض أعلام المدرسة الأخبارية، كالشيخ يوسف البحراني([36])، بمضمون هذه الروايات، فحرَّم الجمع بين الفاطميتين، بل حكم ببطلان العقد على الثانية؛ وقال بعضهم بالحرمة دون البطلان؛ بينما ذهب مشهور الفقهاء إلى جواز الجمع، وإنْ على كراهية([37]).
والقول بحرمة الجمع وإنْ لم يُعدّ قولاً شائعاً ومعروفاً عند أحدٍ من فقهائنا المتأخِّرين والمعاصرين، بَيْد أنّه لا يزال يُرخي بظلاله في بعض الأوساط الإسلامية الشيعية. ففي البحرين ـ مثلاً ـ لا يزال معظم المؤمنين ـ كما نقل لنا بعض الإخوة ـ يعتقدون بعدم جواز الجمع بين العلويّتين، وأنّ على الرجل أن يستأذن زوجته العلويّة إذا أراد أن يُدخل عليها امرأةً أخرى غير علوية. وربما كان هذا الاعتقاد شائعاً في غير البحرين أيضاً.
ولنا إزاء هذا الرأي وقفتان: إحداهما تتّصل بسند الرواية؛ والأخرى تتّصل بدلالتها:
الوقفة الأولى: إنّ الرواية وإنْ وصفها البعض بالصحّة، إلاّ أنّ السيد الخوئي& رماها بالضعف في كلا طريقَيْها([38])، وأضاف: «وعليه فلا تصلح الرواية دليلاً للكراهة، فضلاً عن البطلان والحرمة. نعم، بناءً على التسامح في أدلّة السنن لا بأس بجعلها دليلاً للكراهة. وممّا يؤيِّد ما ذكرناه أنّه لم يتعرَّض لهذه المسألة أحدٌ من أصحابنا قبل صاحب الحدائق»([39]).
الوقفة الثانية: لو صحَّت الرواية سنداً فهي لا تدلّ على حرمة الجمع المذكور؛ وذلك أوّلاً: إنّ كون الزواج بالثانية أو الجمع بين الفاطميّتين شاقّاً على السيدة الزهراء÷ لا يدلّ على الحرمة؛ لأنّ المشقّة أعمّ من الإيذاء الذي هو المحرَّم. يقول الفقيه الكبير السيد كاظم اليزدي: «مع أنّ تعليله ـ أي الإمام× ـ ظاهرٌ في الكراهة؛ إذ لا نسلّم أنّ مطلق كونه شاقّاً عليها إيذاءٌ لها، حتّى يدخل في قوله|: «مَن آذاها فقد آذاني»»([40]).
ثانياً: «مع أنّ الجمع بين الفاطميّتين لو كان حراماً فأيُّ معنى للتعليل بكونه شاقّاً على خصوص فاطمة÷؟ ولِمَ لا يكون شاقّاً على الله تعالى وعلى رسوله| وعلى أحدٍ من الأئمة^؟!»([41]).
ثالثاً: «مع أنّ ابنة فاطمة غير منحصرة في بنات ذكور أولادها، بل بنات بناتها إلى يوم القيامة داخلة… فلا يكاد يوجد في بلاد المسلمين ونسلهم بنتٌ لم يكن لها نَسَب إلى فاطمة نسباً أو رضاعاً؛ إذ يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب…»([42]). ما يعني أنه لو كان الجمع بين الفاطميّتين محرَّماً لم يبْقَ لموارد جواز الجمع إلاّ أفرادٌ قليلة.
رابعاً: ويرى بعض الفقهاء([43]) أنّ في الرواية قرينةٌ على الكراهة وعدم الحرمة. والقرينة هي تعليله× «أنّه يشقّ على فاطمة÷ بعد الموت؛ وذلك بحسب الطينة البشرية في النساء»([44]).
ونلاحظ على ذلك: إنّه لو صحّ هذا التوجيه فإنّه ينفي الكراهية أيضاً، وليس الحرمة فقط؛ لأنّ المشقّة الناتجة عن الجِبِلّة البشرية لدى المرأة (وهي السيدة الزهراء÷ في المقام) لا يصحّ جعلها مصدراً لاستنباط الحكم الشرعي. وذلك كما هو الحال في سائر الموارد التي يَكْرَهُ فيها المعصوم بعض الأشياء أو يتجنّبها، لا من موقعه التشريعي، بل من موقع بشريّته، فيكون المورد خارجاً عن نطاق الأحكام التكليفية الخمسة، لا خصوص الحرمة أو الإلزام([45]).
هذا ولكنّ أصل التوجيه محلُّ إشكال؛ لأنّ الكلام ـ بحسب الفرض ـ ليس عن كراهية الزهراء÷ وهي في دار الدنيا للجمع بين البنتين من نسلها، ليأتي الحديث عن الكراهية البشرية، وإنّما الكلام عن كراهيتها ذلك بعد الموت. ومن المعلوم أنّها÷ بعد الموت في نشأةٍ مختلفة، وفي مقام صدق عند مليكٍ مقتدر، يتحرّر فيها الإنسان ـ على الأرجح ـ من أسر العواطف والانفعالات البشرية.
خامساً: وقد يُستشكل في حرمة الجمع المشار إليها بوجهٍ آخر، وهو أنّ الخبر الوارد في ذلك وإنْ كان صحيحاً، إلاّ أنّه مخالف لقوله تعالى: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ﴾ (النساء: 3). ولو تماشينا مع المبنى المشهور القائل بجواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد فإنّ التخصيص في المقام يصعب إثباته؛ لأنّ الحكم العام ـ وهو جواز الجمع ـ ثابتٌ من خلال الكتاب الكريم، وقد استقرّت عليه سيرة المسلمين وجرى عليه عملهم منذ صدر الإسلام وإلى يومنا هذا. فلو كان هذا الحكم، وهو جواز الجمع، خاصّاً بمَنْ عدا بنات الزهراء÷ لكان اللازم أن يتمّ التأكيد عليه مراراً في حديث النبي| والأئمة من أهل البيت^؛ لأنّ المسألة محل ابتلاء عام، فكيف يُترك البيان في محلّ الحاجة إليه؟! إنّ هذا إنْ دلّ على شيء فإنّما يدلّ على عدم صحّة هذا الاستثناء.
3ـ ترجيح الهاشمي على غيره في إمامة الصلاة: هذا هو النموذج الثالث لـ «الأحكام التشريعية» التي تمنح الهاشميّين امتيازاً خاصاً. وقد أفتى بذلك بعض الفقهاء. يقول المحقّق النراقي: «وذكروا أيضاً أنّ الهاشمي الجامع لشرائط جماعة الصلاة أَوْلى من غيره. وهو كذلك؛ لفتوى العظماء؛ ولأنّ فيه إكرام ذرّية النبي|؛ ولما روي من قوله: «قدِّموا قريشاً، ولا تتقدَّموهم»([46]).
وقد أدرك الشيخ النراقي أنّ هذه الوجوه لا تصلح للإفتاء، وتبرير هذا الحكم؛ لضعفها وعدم تماميتها. لذا أردف قائلاً: «وتحمّل ذلك المقام للمسامحة يجبر ما في هذه الوجوه من الضعف»([47])، مشيراً بذلك إلى قاعدة التسامح في أدلة السنن.
لكنّ هذه القاعدة غير تامّة، كما ثبت ذلك عند فقهائنا المتأخِّرين. وأمّا حديث: «قدِّموا قريشاً، ولا تتقدَّموهم» فقد اعترض عليه الشهيد الأول بأنه حديث «لم نره مذكوراً في الأخبار، إلاّ ما روي مرسلاً، أو مسنداً بطريق غير معلوم من قول النبيّ|»([48]).
والظاهر أنّ محطّ نظر الشهيد إلى مصادر الشيعة الحديثية؛ فإنّها خالية من حديث كهذا بشأن قريش. أجل، ورد النهي عن التقدُّم على الأئمّة من أهل البيت^. فقد رُوي عنه| بشأن أمير المؤمنين×: «فسلوه وتعلَّموا منه ومن أوصيائه بعده، ولا تُعَلِّموهم، ولا تتقدَّموهم، ولا تَخَلَّفوا عنهم؛ فإنّهم مع الحقّ والحقّ معهم»([49]).
وأما عند السنّة فقد ورد الحديث المذكور «قدِّموا قريشاً» في بعض مصادرهم الحديثية([50]).
ولكنّ المظنون قوياً أنّ هذا الحديث وأمثاله هو من الأحاديث الموضوعة في سياق النزاع الحاصل في أمر الخلافة بين المهاجرين والأنصار بعد وفاة رسول الله|، حيث أريد تبرير إبعاد الأنصار عن الخلافة وتقديم المهاجرين، بالاستناد إلى مثل هذه الأخبار والروايات. والله العالم.
3ـ التمايز الاجتماعي
ويستمرّ مسلسل التمايز ليصل إلى الجانب الاجتماعي، مكرِّساً بذلك حالةً طبقيّة بين الأشراف وبين سائر الناس، تجعل الأشراف في مستوى أعلى وأرفع من غيرهم. ويتأسّس هذا التمايز الاجتماعي ـ بالإضافة إلى ما تقدَّم من تمايز تكويني وتشريعي مزعوم ـ على بعض التعاليم، وأهمّها:
أوّلاً: إنّ ذرية النبي| يتميَّزون على غيرهم من الناس في معيار الاحترام والتقدير. فإذا كان مطلق الإنسان يُقدَّر ويُحترَم لفضيلته الدينية أو الخُلُقيّة أو العلميّة أو لغيرها من الاعتبارات العقلائية فإنّ الهاشمي يُراعى في تفضيله معيارٌ خاصّ، تتعطّل أو تتجمّد أمامه المعايير المتقدّمة، وهو معيار النَّسب. فهو يُقدَّر ويُحترَم لنسبه، مُحسِناً كان أو مسيئاً. وهذا ما نصَّتْ عليه بعض المرويّات، حيث إنّها أكّدت على أنّ المحسن من ذرّية النبي| يُكرَم لإحسانه، والمسيء يُكرَم احتراماً وإكراماً لرسول الله|. ففي الحديث عنه|: «أحبّوا أولادي… الصالحون لله تعالى؛ والطالحون لي»([51]).
وفي حديثٍ آخر عنه|: «مَنْ أكرم أولادي فقد أكرمني»([52]).
وفي حديثٍ عنه|: «إذا قُمتُ المقام المحمود شفعتُ في أصحاب الكبائر من أمتي، فيشفِّعني الله فيهم. واللهِ، لا تشفعتُ في مَنْ آذى ذرّيتي»([53]).
وقد نظّر لهذا الرأي بعض العلماء، ومنهم: العلامة محمد إسماعيل المازندراني الخاجوئي(1173هـ)([54])، والسيد عبد الرزاق المقرّم&، حيث أكَّد على «امتياز الذريّة على سائر المسلمين؛ لحصولهم على هذا العنوان، أعني كونهم ذرّية الرسول| مطلقاً، سواء كانوا سائرين على منهاج مشرِّفهم الأعظم أو متأخِّرين عنه»([55]).
ثانياً: والنموذج الأكثر دلالةً على تمايزهم الاجتماعي هو الحديث عن نفي الكفؤ لهم في الزواج. وانطلاقاً من ذلك فلا تُزوَّج الهاشمية لغير الهاشمي، حتّى لو كان قرشياً، فضلاً عن غيره من الناس؛ لأنّ مَنْ ليس هاشمياً لا يكون كفؤاً للهاشمية، فلا يكون مؤهَّلاً للاقتران بها. وهذا التمايز ـ كما غيره ـ يتمّ التنظير الشرعي له، وإسناده ببعض النصوص الروائية. وقد أفتت به بعض المذاهب الإسلامية، بل نُسب ذلك إلى جمهور الفقهاء. يقول الشيخ سيد سابق في فقه السنّة حول الكفاءة بالنسب: «فالعرب أَكْفاء لبعض، وقريش بعضهم أَكْفاء لبعض… فالأعجمي لا يكون كفؤاً للعربية، والعربي لا يكون كفؤاً للقرشية»، إلى أن يقول: «ولم يختلف الشافعية ولا الحنفية في اعتبار الكفاءة بالنسب على مبدأ النحو المذكور، ولكنّهم اختلفوا في التفاضل بين القرشيّين؛ فالأحناف يرَوْن أنّ القرشي كفؤ للهاشمية؛ أمّا الشافعية فإنّ الصحيح من مذهبهم أنّ القرشي ليس كفؤاً للهاشمية والمطّلبيّة…»([56]).
وقد نقل الشيخ عباس القمّي& عن كتاب «تاريخ قم»: «أنّ الرضائية (ذرية الإمام الرضا×([57])) لم يُزوِّجوا بناتهم؛ لعدم الكفؤ لهم. وكان للإمام موسى الكاظم× إحدى وعشرون بنتاً، لم تتزوَّج إحداهنّ. وكان هذا سائراً في بناتهم. وقد أوقف محمد بن عليّ الرضا× قرى في المدينة على أخواته وبناته اللاتي لم يتزوَّجْنَ، وكان يرسل نصيب الرضائية من منافع هذه القرى من المدينة إلى قم»([58]).
وفي تقييم هذه التعاليم نسجّل الملاحظات التالية:
في السند والدلالة
الملاحظة الأولى: إنّ الروايات المشار إليها هي ضعيفة السند، ولا يمكن التعويل عليها في تقديم تصوّر إسلامي يعطي استثناءً خاصّاً لذرية النبي|، ويميزهم على مَنْ سواهم من الناس. ولو أنّ الروايات المذكورة كانت صحيحة للزم التوقُّف في شأنها؛ للسبب عينه، أعني منافاة هذا الاستثناء الوارد فيها للمبادئ الإسلامية العامة المستفادة من الكتاب الكريم وصحيح السنة، التي ترفض كلّ أشكال التمييز العنصري، أو تكريس أيّ واقع طبقي.
أجل، ثمّة تفسير يُخرج بعض هذه الروايات عن دائرة الإشكال والمصادفة مع المبادئ الإسلامية المشار إليها. وهذا التفسير هو أنّ المراد بالذرّية هم الأئمّة المعصومون، الذين أوجب لهم محبّتهم ومودتهم، وجعلها أجر للرسالة، فإنّ محبة هؤلاء وإكرامهم واحترامهم هو حبٌّ رسالي يُمهِّد لاتّباعهم والسير على هديهم، ولا يكرس واقعاً طبقياً مبغوضاً. وأمّا إذا أريد الأخذ بإطلاق الروايات في الدعوة إلى تفضيل ذرّيته| على مَنْ سواهم؛ لمحض أنّهم ذرّيته|، وبصرف النظر عن أعمالهم وسلوكهم وعلمهم، فهذه الدعوة لا تخلو من تأمُّلٍ، ويُشكّ في صدورها عن النبي| أو عن الأئمّة^؛ لأنّها تختزن شيئاً من العنصرية، كما أنّها قد تساهم في تكريس واقع طبقي. وخلاصة القول: إنّ مثل هذا الاستثناء لا يستند إلى دليلٍ يُعتّد به. والروايات المتقدّمة ـ فضلاً عن ضعف سندها ـ فإنّها تتنافى والمعايير التي أرسى القرآن الكريم دعائمها، حيث وضع أسساً جديدة في التفاضل بين الناس. وليس النَّسَب منها. وإنّما هناك معيار العلم والتقى والجهاد في سبيل الله، ونحو ذلك ممّا تقدّمت الإشارة إليه. وهكذا فإنّ سنّة النبي| وسيرته قد أكَّدت على رفض اعتماد النَّسَب معياراً للتفاضل. ولهذا رأينا في سيرة النبي الأكرم| أنّه في الوقت الذي يعادي عمَّه أبا لهب؛ بسبب كفره وجحوده، يُقرِّب إليه سلمان الفارسي ويدنيه منه، ويعتبره من أهل بيته: «سلمان منّا أهل البيت»([59])، في إعلانٍ واضح وصريح أنّ نسب الإسلام يتقدّم على نسب الدم وكلّ الأنساب الأخرى. وهذا المفهوم قد أكّد عليه أئمّة أهل البيت^ في الأحاديث المتضافرة المرويّة عنهم^. ومن ذلك ما يُروى عن الإمام الصادق×: «ولايتي لأمير المؤمنين× أحبُّ إلي من ولادتي منه»([60]). وفي بعض الأحاديث المرويّة عنه|: «يا بني هاشم، لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم»([61]).
أفهل نستطيع القول: إنّ الإسلام يأمرنا بضرورة احترام الشخص المنتسب إلى ذرّيته| وتقديره وإكرامه، حتّى لو انحرف عن الحقّ، ولم يلتزم نهج جدّه المصطفى|، فأفسد في الأرض، وعاث فيها قتلاً وترويعاً، وجاهر بارتكاب المعاصي؟!
ثم ألا يلزمنا أن ننهى مثل هذا الشخص عن المنكر بمختلف المراتب المذكورة للنهي عن المنكر، من العبوس في وجهه، أو القسوة عليه في الكلام، إلى محاسبته وتعزيره،أو إقامة الحدّ عليه إذا فعل ما يستوجب ذلك؟! وهل يتوهّم أحدٌ أنّ ذلك خلاف التكريم والتقدير؟!
أجل، لو أنّ التكريم انطلق بمبادرةٍ عفويّة من المسلم أو غيره؛ حبّاً منه لرسول الله| أو للسيدة الزهراء÷ أو لأمير المؤمنين×، وجرياً على قاعدة «لأجل عينٍ ألف عين تكرم»، دون أن يتمّ تجاوز الحدود الشرعية، أو يُتعاطى مع النَّسَب باعتباره فضيلة في حدّ ذاته، وبصرف النظر عن الاعتقاد والسلوك، فقد يكون ذلك مفهوماً ومبرَّراً، كما نبَّهْنا على ذلك في مستهلّ الكلام.
عزلٌ عنصريّ بدافع الحبّ
الملاحظة الثانية: إنّ الروايات المشار إليها ساهمت في خلق مناخٍ غير صحي، لا لجهة تكريس نوعٍ من الطبقية المرفوضة فحَسْب، بل لجهة مساهمتها في محاصرة ذرّية النبي| في ما يشبه العزل الاجتماعي؛ لأنّ المبالغة في تفضيلهم، والتحذير من مغبة إيذائهم أو التقصير بحقّهم، ربما خلقت توجُّساً لدى البعض وخوفاً من أنّه في حال مخالطته لهم لن يتسنّى له القيام بواجب احترامهم أو إيفائهم حقوقهم، ولذا فإنّ الأجدى هو الابتعاد عنهم، خوفاً من الإساءة إليهم. وقد تبنّى العلامة المازندراني الدعوة الصريحة إلى اجتنابهم وترك مخالطتهم؛ خشية التقصير في أداء حقوقهم. يقول&: «والأمر في معاشرتهم ومخالطتهم مشكلٌ، وخاصّة إذا كانت «السيدة» زوجة غير «السيد»؛ فإنّ معاشرتها مدّة العمر على وجهٍ لا يلزم إيذاؤها كأنّها ـ أي المعاشرة ـ من الممتنعات عادةً. وإنّي والله لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما تزوّجت سيّدة قطّ، ولكنْ وقع ما وقع، والله غفورٌ رحيم»([62]).
ويقول&: «فالبعد عنهم، كما هو المأمور به، وترك اختلاطهم، كما هو منهيّ عنه، مع محبّتهم قلباً أدنى إلى الصواب من اختلاطهم مع مقت الجميع؛ فإنّ مقتهم، صالحين كانوا أم طالحين، ينافي ما أُمرنا من محبّتهم قلباً ولساناً، الصالحين منهم والطالحين؛ لرسول الله|. فالأَوْلى البُعْد والمحبّة. ومن هنا تراهم يقولون بالفارسية: «دوري ودوستي»»([63])، أي البُعْد محبّة.
ويستند العلاّمة المازندراني في رأيه هذا إلى حديثٍ مرويّ عن الإمام الصادق×، وهذا نصّه: «لا تخالطنّ أحداً من العلويين؛ فإنّك إنْ خالطتهم مَقَتَّ الجميع، ولكنْ أحبَّهم بقلبك، ولتكُنْ محبتك من بعيد»([64]).
ولكنّ هذا الحديث لا يمكن التعويل عليه؛ لا لضعفه سنداً فحَسْب، بل لأنّ المضمون الذي اشتمل عليه سيؤدّي إلى فرض نوعٍ من الحصار والعزل الاجتماعي بحقّ ذرّية النبي|، وهذا سوف يؤذيهم ويؤلمهم، ما يؤدّي إلى عكس المطلوب، ونقع بالتالي ممّا أريد الفرار منه.
وفي ضوء ذلك لا بُدَّ أن نفهم الدعوة إلى إكرام أولاده| مما ورد في بعض الروايات المرويّة عنه|: «مَنْ أكرم أولادي فقد أكرمني»([65]).
مقياس الكفاءة في الزواج
الملاحظة الثالثة: في ما يرتبط بموضوع الكفاءة في الزواج فإنّ المعيار فيها هو الخُلُق والدين، لا النَّسَب ولا الغنى ولا العشيرة ولا غير ذلك من اعتبارات. قال رسول الله|: «إذا جاءكم مَنْ ترضون خُلُقه ودينه فزوِّجوه، ﴿إِنْ لا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ (الأنفال: 73)»([66]). إنّ التفاضل بالأنساب أو الأموال أو الأولاد هو سُنّة جاهلية، وقد عمل النبي| جاهداً على تحطيم قِيَم الجاهلية وتقاليدها، فتراه زوّج زينب بنت جحش من مولاه زيد بن حارثة([67]).
وهكذا فإنّه| قد ألغى كلّ الامتيازات المصطنعة، واعتبر أنّ كفاءة الإسلام هي الأساس في الزواج، وذلك عندما زوَّج جويبر ـ ذاك الفقير الذي لا حَسَب له ولا نَسَب غير الإسلام ـ من الذلفاء ـ وهي امرأةٌ معروفة بحسبها ونسبها وجمالها. فعن أبي جعفر الباقر×: «إنّ رجلاً كان من أهل اليمامة، يُقال له: جويبر، أتى رسول الله| منتجعاً للإسلام، فأسلم وحسن إسلامه. وكان رجلاً قصيراً دميماً محتاجاً عارياً، وكان من قباح السودان ـ إلى أنْ قال ـ: وإنّ رسول الله| نظر إلى جويبر ذات يوم برحمةٍ له ورقّة عليه، فقال له: يا جويبر، لو تزوَّجت امرأةً فعففت بها فرجك، وأعانتك على دنياك وآخرتك، فقال له جويبر: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، مَنْ يرغبُ فيّ؟ فواللهِ، ما من حَسَب ولا نَسَب ولا مال ولا جمال، فأيُّ امرأة ترغب فيّ؟ فقال له رسول الله|: يا جويبر، إنّ الله قد وضع بالإسلام مَنْ كان في الجاهلية شريفاً، وشرّف بالإسلام مَنْ كان وضيعاً، وأعزّ بالإسلام مَنْ كان في الجاهلية ذليلاً، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشايرها وباسق أنسابها. فالناس اليوم كلّهم، أبيضهم وأسودهم وقرشيّهم وعربيّهم وعجميّهم، من آدم، وإنّ آدم خلقه الله من طين. وإنّ أحبَّ الناس إلى الله أطوعهم له وأتقاهم. وما أعلم يا جويبر لأحدٍ من المسلمين عليك اليوم فضلاً، إلاّ لمَنْ كان أتقى لله منك وأطوع. ثمّ قال: انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد؛ فإنّه من أشرف بني بياضة حَسَباً فيهم، فقُلْ له: إنّي رسولُ رسول الله| إليك، وهو يقول لك: زوِّجْ جويبراً بنتك الذلفاء…إلى آخر الحديث ـ والذي جاء فيه أنّه زوّجه إيّاها بعدما راجع النبيّ|، فقال له|: «يا زياد، جويبر مؤمنٌ، والمؤمن كفؤ المؤمنة، والمسلم كفؤ المسلمة. فزوِّجْه يا زياد، ولا ترغب عنه ـ»([68]).
وفي سيرته العمليّة مثالٌ آخر على تجسيده| العملي للمبادئ التي نادى بها، وذلك عندما زوَّج| ضباعة بنت الزبير بن عبد المطّلب من المقداد بن الأسود، فتكلَّمت في ذلك بنو هاشم، فقال|: «إنّي إنما أردت أن تتّضع المناكح»([69]).
وفي روايةٍ أخرى عن أبي عبد الله×: «إنّ رسول الله| زوَّج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، ثم قال: إنّما زوّجها لتتّضع المناكح، ولتتأسوا برسول الله|، ولتعلموا أنّ أكرمكم عند الله أتقاكم. وكان الزبير أخا عبد الله وأبي طالب لأبيهما وأمّهما»([70]).
وهكذا فقد زوَّج رسول الله| بناته زينب وأم كلثوم ورقيّة (رضوان الله عليهنَّ) من رجالٍ ليسوا هاشميِّين، بل هم من عشائر أخرى.
ومحاولة البعض نفي بنوّتهنَّ عن رسول الله|، ودعوى أنّهنّ ربائبه؛ باعتبار أنّ النبي| ما كان ليزوِّج بناته من فلانٍ أو فلان، هي محاولةٌ مرفوضة وقولٌ ضعيف، لا بسبب افتقاده إلى الدليل المعتبر، وقيام الدليل الموثوق على خلافه، فحَسْب([71])، بل لأنّ القول المذكور يتضمَّن ـ من حيث لا يشعر القائل به ـ إساءةً بيِّنة إلى رسول الله|؛ إذ يصوِّره إنساناً يتعامل مع بنات الآخرين بما لا يتعامل به مع بناته، ولا يحبّ للأخريات ممَّنْ هنَّ في عهدته وتحت رعايته ما يحبّه أو يريده لبناته. فهو يرضى لربائبه أزواجاً لا يرضى بهم لبناته!
حكايةٌ مستغربة
الملاحظة الرابعة: إنّ ما نقل عن تاريخ قُم من أنّ الرضويّة لم يزوِّجوا بناتهم؛ لعدم الكفؤ لهن، وأنّ بنات الإمام الكاظم× لم تتزوَّج أيُّ واحدةٍ منهنّ؛ للسبب نفسه، هو أمرٌ مستغرب حقّاً، ولم تذكره سائر المصادر بالرغم من غرابته!
ولا يسعنا التصديق بذلك؛ بسبب منافاته لما تقدّم من أنّ الإسلام حطّم الطبقيّة على هذا الصعيد؛ ومنافاته ـ أيضاً ـ لما ورد عن النبي| والأئمة^ من الحثّ على الزواج وعدم تأخير زواج البنات؛ لأنّهن بمنزلة الثمار، يفسدهنّ التأخير في قطفهنّ([72]). وأمّا الحديث عن عدم الكفؤ لهنّ فهو مرفوض؛ لأنّ الكفاءة المعتبرة في الزواج هي كفاءة الدين والخُلُق، وأصحاب الخُلُق والدين متوفِّرون دوماً، ولو كانوا أقلِّية. كيف وقد زوّج النبي| بناته في الجاهلية من رجالٍ لم يكونوا من المسلمين، ثم زوَّجهنّ بعد الإسلام من بعض المسلمين!! وأغرب ما في الأمر أن يُدّعى أنّ ذلك ـ أي عدم تزوُّج الهاشمية من غيرها ـ كان سُنّةً جارية في بنات الأئمة^!! هذا ناهيك عن أنّ كتاب «تاريخ قم» لم يثبت اعتباره([73]).
4ـ التمايز الظاهري (الشكلي)
إنّ التمايز على المستويات المتقدّمة ـ التكويني والتشريعي والاجتماعي ـ قد تُوِّج بنوعٍ آخر من أنواع التمايز، وهو التمايز الظاهري. أو دعني أقول: إنّ التمايز الظاهري والشكلي الآتي ربما كان انعكاساً طبيعيّاً للتمايزات المتقدّمة؛ إذ إنّ أيَّ فئة من الناس تشعر أنّها مختلفة عن الآخرين في تكوينها، وفي امتيازاتها القانونية والتشريعية، وفي طبقتها الاجتماعية، فمن الطبيعي أن تحاول إبراز هذا التمايز والتعبير عنه من خلال ألقابها وأوصافها ومظهرها.
ونحن نرصد هذا التمايز الظاهري في مجالين:
أـ الألقاب الخاصّة
المجال الأول: مجال الأوصاف والألقاب التي مُنحت لذرّية النبي|. فكلّ مَنْ ينتسب إليه| يُطلق عليه وصف «السيد» أو «الشريف». ولا يُستخدم هذ الوصف في أوساطنا في مخاطبة الآخرين من غير الذرّية.
هذا هو الشائع والمتداول. مع أنّ السيادة لا تُنال بالولادة، ولا تُكتسب بالوراثة، في ميزان العقل والدين، وإنّما تُكتسَب بالجدّ والاجتهاد، وكذا الشرف. يقول الإمام زين العابدين× في بعض أدعيته: «واعصِمْني من أن أظنَّ بذي عدمٍ خساسة، أو بصاحب ثروةٍ فضلاً؛ فإنّ الشريف مَنْ شرَّفته طاعتك، والعزيز مَنْ أعزَّته عبادتك»([74]).
أجل، ثمّة توجيهٌ مفهوم ومبرّر لاستخدام وصف «الشريف» وإطلاقه على ذرية النبي الأكرم|، وهو أن يكون المقصود به الإشارة إلى شرافة النسب وطهارته فحَسْب، إلاّ أنّ هذا لن يكون حِكْراً على «السادة»؛ فالكثيرون يلتقون معهم إلى حدٍّ كبير في كرامة النَّسَب وشرافته.
ولو أنّ الأمر اقتصر على مجرَّد التوصيف فإنّنا لا نجد كبير غضاضة في الأمر، أعني استخدام وصف «السيد» أو نحوه للإشارة به إلى ذرّية النبي الأكرم|، كيف ونحن نلاحظ أنّ هذا الوصف صار يُطلق في أيامنا ويُستخدم في مختلف الأدبيات الرسمية والسياسية ونحوها، كتعبيرٍ عن احترام الآخرين وتقديرهم!! بَيْد أنّ الملاحظة التي نسجّلها في المقام هي أنّ الألقاب والأوصاف التبجيلية، من قبيل: «الأمير» أو «البيك» أو «الشيخ»، والتي يتوارثها الأبناء عن الآباء، عندما تدخل في التداول، وتغدو علامة فارقة وخاصة بفئةٍ من الناس الذين يرثون هذه الأوصاف، فإنّها سوف تساهم ولو بشكلٍ لا شعوريّ في تكريس حالةٍ من الاستعلاء عند بعض هؤلاء، فيشعر الواحد منهم بأنّ ذلك يعطيه أولويّةً على مَنْ سواه، لمجرَّد أنّه وُلد «سيّداً»! ومن هنا فإنّنا نلاحظ أنّ بعض «السادة» ينزعج ويتبرَّم كثيراً إذا لم تخاطبه بكلمة «يا سيّد»، وأطلقْتَ عليه وصفاً آخر، ولو كان جميلاً ودالاًّ على غاية الاحترام والتبجيل، كما لو ناديته: «يا حاج فلان» مثلاً. وقد يبادرك إلى تصحيح هذا الخطأ الذي وقعت فيه، فيقول لك: «أنا سيّد»، ولستُ حاجّاً! وربما ذهب بعض «السادة» إلى أبعد من ذلك، فأثبت كلمة «السيد» على أوراقه وأوراق أبنائه الثبوتية، لتصبح جزءاً من اسمهم!
ب ـ لون العمائم
المجال الثاني: مجال اللباس والمظهر. فقد تمّ تمييز «السيد» بلونٍ خاص، يُشكّل علامةً فارقة تميِّزه عن غيره. والمتعارف والمتوارث في هذا المجال هو استخدام «السادة» واعتمادهم أحد لونين في لباسهم:
1ـ اللون الأخضر، حيث كان بعض السادة ولا يزال يضع شارةً خضراء على العمامة أو فوق «الطربوش»، وربما وضع «السيد» شالاً أخضر على منكبَيْه.
2ـ اللون الأسود، كما هو معهودٌ وشائع إلى يومنا هذا عند المعمَّمين من الهاشميّين، ولا سيَّما نسل الرسول الأكرم|.
وتعليقاً على مسألة التمايز الظاهري على صعيد اللون الخاصّ فإنّنا نقول:
أوّلاً: إنّ تخصيص «السيد» بهذا اللون أو ذاك هو ـ على الأرجح ـ تقليدٌ لا أساس له من الدين؛ فرسول الله|، وكذا الأئمّة من أهل البيت^ وذرّيتهم، لم يكونوا يميِّزون أنفسهم بلباسٍ خاصّ. فرسول الله| كان له عمامةٌ بيضاء، وأخرى سوداء، وأخرى خضراء. وهكذا الأئمة^ من ولده. ففي الحديث أنّه لمّا خرج الإمام الرضا× إلى صلاة العيد في خراسان اغتسل «وتعمَّم بعمامةٍ بيضاء من قطن»، واصفاً هذه الهيئة بأنّها هيئة رسول الله| وأمير المؤمنين×([75]).
وقد أفتى الفقهاء([76]) باستحباب خروج الإمام إلى صلاة العيد معتمّاً بعمامةٍ بيضاء؛ استناداً إلى الرواية المذكورة، وهي معتبرةٌ عند بعضهم([77]).
وهكذا نجد أنّ أمير المؤمنين× قد اعتمّ بعمامة بيضاء، حيث يُحكى أنّ معاوية بن أبي سفيان سأل عبد الله بن عباس& عن أمير المؤمنين×؟ فقال ابن عباس: «هيهات، عقمت النساء أن يأتين بمثله. واللهِ، ما رأيتُ رئيساً مجرباً يوزن به. ولقد رأيته في بعض أيام صفّين وعلى رأسه عمامةٌ بيضاء تبرق، وقد أرخى طرفَيْها على صدره وظهره…»([78]).
وبياض لون العمامة قد ورد أيضاً في وصف عمامة الإمام المهدي#، كما في رواية اللوح المشتمل على أسماء الأئمّة^، التي نصَّتْ أنّ «على رأسه عمامة بيضاء تظلّه من الشمس»([79]).
وفي الرواية عن الإمام الباقر× أنّه كانت على رؤوس الملائكة الذين أُرسلوا يوم بدرٍ لنصرة المؤمنين «العمائم البيض»([80]).
وفي المقابل نلاحظ اعتماد ألوان أخرى في عمائم النبي| والأئمة^. فقد كان للنبي| عمامة سوداء، حيث رُوي أنّه كان معمَّماً بعمامة سوداء في تزويج خديجة. وعند الزفاف كان| معمَّماً بعمامة حمراء. ودخل مكة يوم الفتح وعليه عمامةٌ سوداء([81]).
وفي بعض الروايات أنّ أمير المؤمنين× تعمَّم بعمامةٍ سوداء. فعن زيد بن صوحان قال: «شهدتُ علياً× بذي قار وهو معتمٌّ بعمامةٍ سوداء…»([82]). وهكذا نجد التنوّع في لون العمامة عند سائر الأئمّة^([83]).
ثانياً: إنّ اللون الأسود هو شعار العباسيين. وقد اعتمدوه لفترةٍ زمنية، ثم اعتمدوا بعد ذلك اللون الأخضر. ويبدو أنّ أوّل مَنْ عمل على تغيير اللون الأسود واستبداله بالأخضر هو المأمون العباسي. يقول الطبري في حوادث سنة 201هـ: «وفي هذه السنة جعل المأمون عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب وليّ عهد المسلمين والخليفة من بعده، وسمَّاه الرضا من آل محمد|، وأمر بطرح السواد ولبس ثياب الخضرة، وكتب بذلك إلى الآفاق»([84]).
والظاهر أنّ اللون الأخضر لم يكرِّسه العبّاسيّون كلونٍ خاصّ يرتديه مَنْ كان عبّاسياً أو هاشمياً فقط، دون سائر الناس، بل كان شعاراً لهم ولدولتهم، فكان يرتديه ـ بالإضافة إليهم ـ القُوَّاد والجند. كما أنّه (أي اللون الأخضر) لم يُعتمد في خصوص العمامة أو القلانس، وإنّما كان معتمداً في القباء (العباءة)، وفي غير اللباس أيضاً، كالأعلام والرايات. ينقل الطبري في حوادث العام المذكور أنّ الحسن بن سهل بعث إلى عيسى بن محمد في بغداد «كتاباً يُعلمه أنّ أمير المؤمنين المأمون قد جعل عليّ بن موسى بن جعفر وليّ عهده من بعده…، وأنّه سمّاه الرضا من آل محمد|، وأمره بطرح لباس الثياب السود ولبس ثياب الخضرة… ويأمره أن يأمر مَنْ قِبَلَه من أصحابه والجند والقوَّاد وبني هاشم بالبيعة له، وأن يأخذهم بلبس الخضرة في أقبيتهم وقلانسهم وأعلامهم، ويأخذ أهل بغداد جميعاً بذلك…»([85]).
ثالثاً: في ما يبدو فإنّ اتّخاذ اللون الأخضر شارةً خاصّة تميّز الهاشميين عمَّنْ سواهم قد حدث في زمنٍ متأخِّر جدّاً. يقول في مغني المحتاج: «ونقل شيخنا الشهاب، عن ابن حجر العسقلاني، في كتابه أنباء العمران: «في سنة ثلاث وسبعين وستمائة أمر السلطان شعبان الأشراف أن يمتازوا عن الناس بعصائب خضر على العمائم، ففُعل ذلك بمصر والشام وغيرهما. وفي ذلك يقول أبو عبد الله بن جابر الأندلسي&:
جعلوا لآل الرسول علامةً |
إنّ العلامة شأنُ مَنْ لم يُشْهَرِ |
|
نورُ النبوّة في كريم وجوههم |
يُغْني الشريف عن الطِّراز الأخضرِ»([86]). |
ويظهر من ابن حجر أنّ اختصاص الذرّية باللباس الأخضر جاء في سياق الاهتمام بالنسب الشريف للرسول الأكرم|، وحرصاً على عدم التلاعب به. يقول في الصواعق المحرقة: «وينبغي لكلّ أحد أن يكون له غيرةٌ على هذا النسب الشريف وضبطه، حتّى لا ينتسب إليه| أحدٌ إلاّ بحقّ. ولم تزل أنساب أهل البيت النبوي| مضبوطةً على تطاول الأيام، وأحسابهم التي بها يتميّزون محفوظة عن أن يدّعيها الجهّال واللئام، وقد ألهم الله مَنْ يقوم بتصحيحها في كلّ زمانٍ، ومَنْ يعتني بحفظ تفاصيلها في كلّ أوان، خصوصاً أنساب الطالبيين والمطّلبيين، ومن ثَمّ وقع الاصطلاح على اختصاص الذرّية الطاهرة ببني فاطمة من بين ذوي الشرف، كالعباسيين والجعافرة، بلبس الأخضر؛ إظهاراً لمزيد شرفهم»([87]).
§ 5ـ التمايز الأخروي
ويمتدّ التمايز والتفاضل بين ذرّية النبي| وغيرهم من الناس إلى عالم الآخرة، ليكون للمتولّد من نسل الرسول| مصيراً مختلفاً عن مصير سائر الناس. فكل الناس يُحاسَبون على أساس أعمالهم، إنْ خيراً فخيراً، وإنْ شرّاً فشرّاً، وليس لهم من شفيع إلاّ ما قدَّمت أيديهم. قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه﴾ (الزلزلة: 7 ـ 8)، أمّا ذرية النبي| فإنّ نسبهم الشريف يشفع لهم يوم القيامة ولو بدون عمل، ولذا فهم لا يدخلون النار أبداً. ففي الخبر المرويّ عنه|: «إنّ فاطمة أحصَنَتْ فرجها فحرَّم الله ذرّيتها على النار»([88]). وقد ألّف بعض العلماء رسالة في هذا المضمون، عنوانها «سند السعادات في حسن خاتمة السادات»([89]).
ولكنْ كيف يمكن تفسير ذلك أو فهمه طبقاً لموازين العدل الإلهي؟!
برّرت ذلك بعض المرويّات، وفسَّرته على أساس أنّ الله سبحانه يمنّ على العاصي أو الضالّ من ذرّية الرسول|، ويوفّقه قبل موته للتوبة، فلا تأتيه المنيّة إلاّ ويكون طاهراً مطهَّراً من الذنوب وآثارها وتبعاتها. ففي الحديث عن الإمام الصادق× أنّ بعض جلسائه قد تناول زيد بن عليّ، فانتهره×، وقال: «مَهْلاً، ليس لكم أن تدخلوا فيما بيننا إلاّ بسبيل خير. إنّه لم تمُتْ نفسٌ منّا إلاّ وتدركه السعادة قبل أن تخرج نفسه، ولو بفواق ناقةٍ، قال: قلتُ: وما فواق ناقة؟ قال: حلابها»([90]).
وتعليقاً على هذا التبرير أو التفسير نقول: أوّلاً: إنّنا وإنْ كنّا على يقينٍ تام بأنّ لطف الله لا يُحَدّ، وعطاياه لا تُحصى ولا تُعَدّ، بَيْد أنّنا على ثقةٍ تامة أيضاً بأنّ ألطافه لا تكون جزافاً، وعطاياه لا تُعطى عبثاً، ولا تُمنح اعتباطاً، وإنّما يحكمها قانون الحكمة والعدالة. ومن المعلوم أنّه ليس بين الله وبين أحد من خلقه قرابة، سواء كان من ذرّية الأنبياء أو من ذرّية الفاسدين الأشقياء. كلّ ما في الأمر أنّ مَنْ يتسنّى له أن يكون من ذرّية الأنبياء فإنّ قابليته للهداية تكون أكثر من غيره بطبيعة الحال؛ بمقتضى قانون الوراثة، وتوفّر التربية الصالحة، دون أن يعني ذلك أنّ الجنّة محرزةٌ له، أو أنّ النار محرّمةٌ عليه. قال تعالى: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ﴾ (النساء 123)، وقال عزَّ من قائل: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه﴾ (الزلزلة: 7 ـ 8). وهذه الآيات، وكذا غيرها من الآيات، تتحدّث عن قانون عامّ لا يقبل الاستثناء؛ لأنّ الاستثناء ينافي عدله وحكمته. أتراه ينسجم مع عدل الله تعالى أن يتمّ إحضار شخصين ـ مثلاً ـ للمحاكمة في يوم القيامة؛ أحدهما من نسل الرسول|؛ والآخر ليس من نسله، وهما في المستوى نفسه من الكفر أو الانحراف عن خطّ الاستقامة، ويصدر الحكم الإلهي بحقِّهما، ويكون على النحو التالي: إدخال مَنْ لا ينتسب إلى النبي| النار؛ لاستحقاقه العذاب، وإدخال الآخر الجنّة لا لشيءٍ سوى أنّه ينتسب إلى رسول الله نَسَباً؟! أَوَلا يصحّ للأول أن يعترض قائلاً: يا ربّ، إنّ فلاناً العلوي لم يفُقْني في إيمانٍ ولا عمل، فلِمَ أدخلته الجنة وأدخلتني النار؟! ويمكنك طرح السؤال بكيفيةٍ أخرى، وهي: هل يُعقَل أن يتمّ إدخال شخصين إلى الجنّة: أحدهما ـ وهو مَنْ لم يكن له شرف الانتساب إلى النبي| بيولوجياً ـ يدخلها بعمله وجهده وتُقاه واستقامته على خطّ الشريعة؛ والآخر ـ وهو مَنْ انتسب إليه كذلك ـ يدخلها بنَسَبه؟! أترى أنّ هذا ينسجم مع عدل الله تعالى؟!
ثانياً: إنّ هذا الذي يحكم به العقل تحكم به النصوص الكثيرة الواردة عن النبي| والأئمة من أهل البيت^. ففي الحديث عنه|: «يا بني هاشم، لا تأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم»([91]). وقد جاءت إضافةٌ في آخر هذا الحديث في بعض المصادر، وهي قوله|: «فأقول: لا أُغني عنكم من الله شيئاً»([92]). وعنه|: «مَنْ أبطأ به عملُه لم يُسرِع به نسبُه»([93]).
وقد حدَّثنا القرآن الكريم عن أنّ ابنَ نبيٍّ من أنبياء الله تعالى، وهو نوح×، قد مات ـ أي الابن ـ على ملّة الكفر، ولم تشفع له قرابته من نوح في النجاة من هلاك الدنيا وعذاب الآخرة. قال تعالى: ﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلاَ تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ… وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ﴾ (هود: 42 ـ 47)، فلم يشفع له رحمه وصلته النسبيّة بأبيه النبيّ× بشيءٍ، بل أرداه عملُه في نار الجحيم.
كما حدّثنا الله في كتابه عن أنّ عمَّ نبينا الأكرم محمد| أبا لهب هو من أهل النار: ﴿سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ﴾ (المسد: 3).
هذه حال قرابة بعض الأنبياء السابقين. وأبناء نبيّنا محمد| ليسوا بِدْعاً من أولاد الأنبياء في هذا القانون. وهذا، مع أنّه على طبق قاعدة العدل ومقتضى الحكمة، فقد أكَّدت عليه بعض الروايات الواردة عن الأئمة من أهل البيت^، من قبيل: ما روي عن الإمام الرضا× في عيون أخبار الرضا×، يقول الراوي: كنتُ بخراسان مع علي بن موسى الرضا× في مجلسه، وزيد بن موسى (أخو الإمام) حاضر، قد أقبل على جماعة في المجلس يفتخر عليهم، ويقول: نحن، ونحن! وأبو الحسن× مقبلٌ على قومٍ يحدِّثهم، فسمع مقالة زيد، فالتفت إليه، فقال: يا زيد، أغرّك قول ناقلي الكوفة: «إنّ فاطمة أحصَنَتْ فرجها فحرَّم الله ذرّيتها على النار! فواللهِ، ما ذاك إلاّ للحسن والحسين وولد بطنها خاصّة؛ فأمّا أن يكون موسى بن جعفر× يطيع الله ويصوم نهاره ويقوم ليله وتعصيه أنتَ ثم تجيئان يوم القيامة سواء، لأنت أعزّ على الله عزَّ وجلَّ منه. إنّ عليّ بن الحسين× كان يقول: لِمُحْسننا كِفْلان من الأجر؛ ولمسيئنا ضعفان من العذاب»([94]).
ثالثاً: وفي ضوء ما تقدّم لا يسعنا الأخذ بالروايات المنافية لذلك؛ لأنّها أخبار آحاد لا تصلح للاعتماد عليها والاستناد إليها في مقابل حكم العقل. كما لا تصلح لتخصيص المطلقات القرآنية المشار إليه؛ لأنّ لسانها آبٍ عن التقييد والتخصيص، على حدِّ تعبير الأصوليين. وهذا بصرف النظر عن كون تلك الروايات ضعيفة السند. ولا مجال للتسامح في أدلّة السُّنن في هذا المقام الذي لا علاقة له بالعمل والسلوك. ولو أنّها صحَّتْ سنداً ولم نجد لها معارضاً فإنّها مع ذلك لا تنفع لإثبات هذا التمايز الأخروي لذرّية النبي|؛ لأنّها أخبار آحاد، وهي لا تنهض بإثبات القضايا العقدية.
رابعاً: أما في ما يتّصل بحديث «إنّ فاطمة أحصنَتْ فرجها فحرَّم الله ذريتها على النار» فقد أجاب عنه الإمام الرضا× بأنّه مختصٌّ بالحسن والحسين’ وولد بطنها÷ خاصة، وليس عامّاً في ذرّية الزهراء÷. وإلاّ فلو أريد حمل الحديث على إطلاقه لكان دون أدنى شكّ منافياً لمنطق العدل الإلهي. الأمر الذي يفرض علينا ردّ الخبر. بل قد صرّح بعض المحقِّقين من علمائنا([95]) بأنّه موضوعٌ، وأنّه نظير الأخبار التي وضعها بنو إسرائيل حول أنّهم أبناء الله وأحباؤه، وهو ما ندَّد به القرآن الكريم ورفضه رفضاً قاطعاً، قال تعالى: ﴿وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَللهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ (المائدة: 18).
على أنّ لنا أن نسجِّل ملاحظة أخرى على الخبر، تُضاف إلى ما تقدّم من منافاته لقواعد العدل ومنطق القرآن الكريم. والملاحظة هي أنّ تحريم ذرّيتها على النار ـ بحَسَب منطوق الخبر ـ إنّما هو بسبب أنّها أحصنَتْ فرجها، فإحصانها لفرجها هو علّة تحريم ذريتها على النار، وبما أنّ العلّة المنصوصة تعمِّم الحكم إلى جميع موارد وجودها فاللازم أن يُحكَم بتحريم النار على ذرّية كلّ امرأةٍ تحصن فرجها، ولا يبقى للسيّدة الزهراء÷ خصوصية في ذلك. وهذه النتيجة لا يمكن الالتزام بها، كما هو واضح.
الهوامش
__________________
(*) باحثٌ، وأستاذ الدراسات العليا (البحث الخارج) في الحوزة العلميّة. له مصنَّفاتٌ عديدة في مجالات فكرية وفقهيّة. من لبنان.
([4]) انظر: عادل رؤوف، حصارات علي: 168.
([5]) انظر: تفسير القرطبي 10: 47؛ الغزالي، المستصفى: 48.
([7]) المصدر السابق: 1: 377؛ ورواه الحميري في قرب الإسناد:: 357.
([8]) انظر: أعيان الشيعة 5: 85.
([9]) يوسف البحراني، الحدائق الناضرة: 3: 171.
([10]) نسب إلى الشيخ الطوسي في كتابَيْه «النهاية» و«الجمل»، وإلى المحقِّق في كتاب الطلاق من الشرائع. (انظر: الحدائق الناضرة 3: 171).
([11]) انظر: فضل الله، أحكام الشريعة: 54.
([12]) انظر: الحدائق الناضرة 3: 171.
([13]) السيستاني، المسائل المنتخبة: 32. وتجدر الإشارة إلى أنّ السيد السيستاني فرَّق في سن اليأس لدى المرأة بين أحكام الحيض وبين عدّة الطلاق؛ ففي الأول ذهب إلى أنّ سن اليأس هو الستّون؛ وفي الثاني هو الخمسون.
([14]) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 1: 98. أقول: وفي تفسير النَّبْطية أقوال أخرى أشار إليها الفقيه الشيخ محمد حسن النجفي، فانظر: جواهر الكلام 3: 162.
([15]) الروضة البهية 1: 88 ـ 99.
([16]) المصدر السابق: 9. هذا ولكنّ الشيخ المفيد قال في المقنعة: 532: «وقد رُوي أنّ القرشيّة والنَّبْطية من النساء تريان الدم إلى الستّين». ولكنّ هذه الرواية لا يمكن الاعتماد عليها؛ لضعفها بالإرسال.
([17]) الخوانساري، جامع المدارك 1: 81.
([18]) وسائل الشيعة، باب 31 من أبواب الحيض.
([20]) وسائل الشيعة: 9: 272، الباب 30 من أبواب المستحقين للزكاة، ح1.
([21]) الصادقي الطهراني، تبصرة الفقهاء 1: 235.
([22]) انظر: المقريزي، إمتاع الأسماع 3: 244.
([23]) وعلى رأسهم الإمام الخميني والسيد فضل الله والشيخ المنتظري والسيدان الحائري والهاشمي.
([24]) انظر: حسين المنتظري، كتاب الخمس: 338؛ محمود الهاشمي، كتاب الخمس 2: 380 وما بعدها؛ كاظم الحائري، مباني فتاوى في الأموال العامة: 108.
([25]) الخميني، الحكومة الإسلامية: 29 ـ 31.
([28]) كما ورد في بعض الأخبار. (انظر: الكافي 1: 54؛ و4: 58؛ و5: 345؛ تهذيب الأحكام 4: 129. وفي «الدر المنثور»: «إنّ الصدقة لا تبتغى لآل محمد|، إنما هي أوساخ الناس».
([29]) وذلك في قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ…﴾ (الأنفال: 41).
([31]) الصدوق، ثواب الأعمال: 144.
([32]) المنتظري، الخمس: 274؛ دراسات في ولاية الفقيه 3: 122.
([33]) لأنّ هؤلاء هم الهاشميون الذين بقي نسلهم واستمرّ، حَسْب ما تنصّ التواريخ. (انظر: المنتظري، الخمس: 294).
([34]) وقد خالف بعض الفقهاء في المسألة، وعلى رأسهم السيد المرتضى، فأباح لابن الهاشمية أو العلوية أخذ الخمس ولو لم يكن أبوه هاشميّاً أو علوياً، فابن البنت وابن الابن عنده يتساويان في جواز أخذ الخمس وحرمة الزكاة. (انظر: مستمسك العروة الوثقى 9: 573).
([35]) التهذيب 7: 463؛ ورواه الصدوق في العلل.
([36]) الحدائق 23: 109. ويقول البحراني بشأن هذه المسألة: إنّه قد روى ذكرها من زمن الحرّ العاملي، الذي اختار الأخذ بظاهر الروايات في الحرمة. هذا ولكن ليس في الوسائل ما يشي بتبني الحر الحرمة. أجل، قد تبنّى ذلك ـ أعني الحرمة ـ في كتابه «بداية الهداية». (انظر للتفصيل ما ذكرناه في كتاب «الحُرّ العاملي، موسوعة الحديث والفقه والأدب»: 158).
([37]) انظر: العروة الوثقى 5: 553.
([38]) أمّا طريق أو سند الشيخ في التهذيب، فلأنّ فيه السندي بن الربيع، وهو ممَّنْ لم يرد فيه توثيق إلاّ في بعض نسخ رجال الشيخ، غير أنه من غلط النُسّاخ جزماً، فإنّ أكثر نسخ رجال الشيخ خالية من التوثيق له. وعلى تقدير الالتزام بوثاقة الرجل فالرواية مرسلة، لا مجال للاعتماد عليها، وإنْ كان مرسلها ابن أبي عمير. وأما الطريق الثاني فكل مَنْ في السند من الثقات، باستثناء محمد بن عليّ. انظر: (كتاب النكاح من تقريرات درس السيد الخوئي 1: 442).
([39]) الخوئي، كتاب النكاح 1: 442.
([41]) البهبهاني، الرسائل الفقهية: 181.
([43]) ينسب السيد عبد الله الجزائري هذا الكلام إلى الحرّ العاملي في كتاب الوسائل. ولكن الوسائل خالٍ منه. وقد أوضحنا هذا الأمر في كتاب «الحرّ العاملي، موسوعة الحديث والفقه والأدب»: 157 ـ 158، فراجِعْ.
([44]) راجِعْ الكلام المذكور في الحدائق الناضرة 23: 478.
([45]) راجِعْ للتفصيل حول ذلك ما سجَّلناه في كتابنا «الشريعة تواكب الحياة».
([46]) مستند الشيعة 8: 48؛ وانظر حول الكمّ المذكور: الحلّي، نهاية الأحكام 2: 256؛ ذكرى الشيعة 4: 413؛ جامع المقاصد 1: 413؛ مسالك الأفهام: 315.
([50]) انظر: الشافعي، كتاب الأم 1: 188؛ كتاب المسند: 278. وقد صحَّحه الألباني في إرواء الغليل 2: 296؛ بسبب تضافر نقله.
([51]) مستدرك الوسائل 12: 376.
([54]) ألفّ رسالةً في هذا المجال بعنوان: «الفوائد في فضل تعظيم الفواطم». (انظر: كتابه «الرسائل الاعتقادية» 1: 307).
([55]) عبد الرزّاق المقرّم، السيدة سكينة: 11.
([57]) المذكور في التواريخ أنّ الإمام الرضا× لم يخلِّف إلاّ ولداً واحداً، وهو الإمام الجواد×. وقيل: له بنتٌ اسمها فاطمة. وأمّا السادة الرضوية فهم من ذرّية الجواد×، ونُسبوا إلى الرضا× لاشتهاره بولاية العهد، حتّى أنّ الأئمة^ ـ الجواد والهادي والعسكري^ ـ يطلق على كلّ واحد منهم في بعض الأحيان ابن الرضا×. (انظر: التستري، تواريخ النبيّ والآل: 128).
([59]) عيون أخبار الرضا× 1: 70؛ الطبراني، المعجم الكبير 6: 213.
([60]) الصدوق، الاعتقادات: 112.
([61]) الزمخشري، الكشاف 1: 314. وفي روايةٍ طويلة عن الإمام العسكري× ما يدلّ بوضوح على أن النَّسَب ليس مرجِّحاً في حدِّ ذاته، بحيث يتقدّم على ميزان العلم. تقول الرواية: «إنّه اتّصل بأبي الحسن محمد بن عليّ العسكري× (أي بلغ الإمام) أنّ رجلاً من فقهاء شيعته كلَّم بعض النصّاب فأفحمه بحجّته، حتى أبان عن فضيحته، فدخل إلى عليّ بن محمد× وفي صدر مجلسه دَسْتٌ عظيم منصوب وهو قاعدٌ خارج الدست، وبحضرته خلقٌ من العلويين وبني هاشم، فما زال يرفعه حتّى أجلسه في ذلك الدست، وأقبل عليه، فاشتدّ ذلك (عظم) على أولئك الأشراف، فأمّا العلوية (الذين ينتهي نسبهم إلى الإمام علي×) فأَجَلّوه عن العتاب، وأمّا الهاشميون فقال له شيخهم: يا بن رسول الله، هكذا تؤثر عامياً على سادات بني هاشم من الطالبيّين والعباسيّين؟! فقال×: إيّاكم أن تكونوا من الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ (النساء: 6). أترضون بكتاب الله حكماً؟ قالوا: بلى، قال: أليس الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعْ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (المجادلة: 11)؟! فلم يرْضَ للعالم المؤمن إلاّ أن يُرفَع على المؤمن غير العالم، كما لم يرْضَ للمؤمن إلاّ أن يُرفَع على مَنْ ليس بمؤمن. أخبروني عنه، قال: ﴿يَرْفَعْ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ أو قال: يرفع الذين أوتوا شرف النسب درجات؟ أَوليس قال الله: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (الزمر: 9)، فكيف تُنكرون رفعي لهذا لِمَا رفعه الله؟! إنّ كسر هذا (لفلان) الناصب بحجج الله التي علَّمه إياها لأفضل له من كلِّ شرف في النسب». (انظر: الطبرسي، الاحتجاج 2: 259.
([62]) الرسائل العقائدية 1: 317.
([64]) السبزواري، معارج اليقين في أصول الدين: 392.
([65]) مستدرك الوسائل 12: 367.
([67]) راجِعْ حول ذلك ما كتبناه في كتاب «تنـزيهاً لرسول الله|، قراءةٌ نقدية في مقولة زواج النبي| من السيدة عائشة في التاسعة من عمرها»: 34 وما بعدها.
([68]) وسائل الشيعة 20: 68، الباب 25 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح1.
([69]) المصدر السابق 20: 71، ح5.
([71]) إن القول المشار إليه، والذي ينفي صاحبه أن يكون لرسول الله| بنت غير الزهراء÷، هو غير صحيح، ولا يعتمد على حجّة مقنعة.
([72]) ففي الحديث عن أبي عبد الله×: «إنّ الله عزَّ وجلَّ لم يترك شيئاً ممّا يحتاج إلاّ علمه نبيّه|، فكان من تعليمه إياه أنّه صعد المنبر ذات يوم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنّ جبرئيل أتاني عن اللطيف الخبير فقال: إنّ الأبكار بمنـزلة «الثمر على الشجر، إذا أدرك ثمره فلم يجتن أفسدته الشمس، ونثرته الرياح، وكذلك الأبكار إذا أدركْنَ ما يدرك النساء فليس لهنّ دواء إلاّ البعولة، وإلاّ لم يؤمَنْ عليهنّ الفساد، ولأنّهن بشر. قال: فقام إليه أحدهم فقال: يا رسول الله، فمَنْ نزوّج؟ فقال: الأكفاء، فقال: يا رسول الله، ومَنْ الأكفاء؟ فقال: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض، المؤمنون بعضهم أكفاء بعض». (الكافي 5: 336).
([73]) انظر: مسلم الداوري، أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 2: 94.
([74]) الصحيفة السجادية، من دعائه إذا نظر إلى أصحاب الدنيا.
([75]) انظر: الكافي 1: 489؛ عيون أخبار الرضا× 1: 163.
([76]) انظر: العروة الوثقى 3: 398.
([77]) ومنهم السيد الخوئي؛ فإنّ ياسراً الخادم ثقةٌ عنده، بناءً على مبناه في وثاقة رجال تفسير القمّي.
([78]) خصائص الأئمة^: 75. ونحوه ما في تفسير فرات الكوفي، كما في مستدرك الوسائل 3: 377 باب 23 من أبواب أحكام الملابس. ولكن في بشارة المصطفى، لعماد الدين الطبري، عن عكرمة، عن ابن عباس: «…لرأيته ونحن معه بصفّين وعلى رأسه عمامة سوداء… ». (مستدرك الوسائل 3: 377، ح7). ولو بُني على الترجيح بين الروايات فإنّ رواية المرتضى وفرات الكوفي أرجح من رواية الطبري؛ لأنّ الأخيرة يرويها عكرمة عن ابن عباس، وقد عرف عكرمة بالكذب على ابن عباس.
([79]) الحرّ العاملي، الجواهر السنية في الأحاديث القدسية: 207.
([81]) انظر: مستدرك سفينة البحار 7: 444.
([83]) انظر حول ذلك كله: مستدرك سفينة البحار 7: 444.
([84]) الطبري، تاريخ الأمم والملوك 2: 39، منشورات مكتبة أرومية، قم ـ إيران، أوفست عن الطبعة المصرية، مطبعة الآستانة، 1939م.
([86]) مغني المحتاج 3: 63. ونحوه في مواهب الجليل 8: 408. ولكنّ مصادر أخرى ذكرت أن ذلك حدث في سنة 773هـ.
([87]) ابن حجر الهيثمي(974هـ)، الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة 2: 539، تحقيق: عبد الرحمن بن عبد الله التركي وكامل الخرّاط، مؤسسة الرسالة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى، 1997.
([88]) عيون أخبار الرضا× 1: 68.
([89]) انظر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة 12: 235.
([90]) انظر: معاني الأخبار: 392.
([91]) الزمخشري، الكشّاف 1: 314؛ الزيعلي، تخريج الأخبار 1: 91؛ المشهدي، كنـز الدقائق 1: 349.
([92]) الجصاص، أحكام القرآن 1: 102.
([93]) المصدر نفسه؛ المجازات النبوية: 402؛ مسند أحمد 2: 252؛ صحيح مسلم 8: 71. وقد أورده الشريف الرضي في نهج البلاغة 4: 6، عن أمير المؤمنين×.