إيمان شمس الدين
مدخل
تعتبر التعدديات المذهبية والطائفية في المجتمع من الجدليات التاريخية لما لها من انعكاسات على الاستقرار الاجتماعي سواء انعكاسات سلبية أو اجتماعية، وطرح في هذا الصدد الكثير من النظريات السوسيولوجية التي كان بعضها نتاج تجارب اجتماعية واقعية وأخرى نتاج قراءات متطورة للنص الوحياني.
تكمن الإشكاليات السوسيولوجية في الذهنية العربية والإسلامية في ثنائية النظرية والتطبيق وفق مكونات اجتماعية تتكون في عناصرها من الإنسان والطبيعة والعلاقات التي تربط هذا الإنسان بمثيله والطبيعة، وهذه العلاقة في المجتمعات العربية والإسلامية يحكمها ضوابط مرتبطة بالدين غالبا، أي ترتبط بالله فتكون محورية ضوابطها الله بخلاف المجتمعات الغربية التي يكون محورها الإنسان في نظم العلاقات الاجتماعية.
وهنا في كلا المجتمعين تظهر الإشكاليات العلائقية، ففي مجتمعاتنا إشكالية النص ومدارس قراءته وفهمه وعلى أساسها تتكون عقيدة يكون لها انعكاسات سلوكية فردية واجتماعية، وفي الغرب إشكالية الإنسان ومدى دقة منهجه التجريبي وصدقه من عدمه وما يترتب بناءا على ذلك من ثغرات في بُناه المعرفية التي تنعكس على السلوك الفردي والاجتماعي مع وجود فارق الضبط القانوني.
لذلك ونتيجة الاختلافات القاعدية لا أميل مبنائيا لعمل مواءمات بين النظريات الغربية والأخرى العربية والإسلامية. والسبب الرئيس المهم هو وجود تقاطعات جوهرية بين المباني التحتية لكلا الطرفين.
فالأفضل العمل لتأسيس معرفي مستقل للنظريات السوسيولوجية الإسلامية مع الاستفادة من المواكبة وليس المواءمة، أي مواكبة ما توصلت له التجارب البشرية التي تشكل لي مؤشرات ومفاتيح عملانية استفيد منها في الكشف اكثر والغوص أكثر في فهم الأبعاد السوسيولوجية في النصوص من جهة وفي الجهاز الذهني الإدراكي للمجتمع من جهة اخرى والتي استطاع الغرب من ناحية سوسيولوجية أن يُخْضِعْها للتجربة ويصل فيها لنتائج.
لأن قيمة المعرفة فلسفيا عند الغرب ومصادره تختلف منهجيا عن تلك عند المسلمين، بالتالي يجب إخضاع تلك النظريات لمبضع النقد والتشريح وتقييمها بمجهر فاحص مدى تعارضها مع تحتيات الاسس الاسلامية سوسيولوجيا ومبنائيا.
فأنا لا اتفق مع المواءمة لأنها قد تدخلني في ترقيعات تنتج لي جنينا مشوها سوسيولوجيا ومرقعا مبنائيا لا يشكل لي وحدة منسجمة بنيويا. انا اتفق مع المواكبة والنقد وإعادة بناء وتشييد خاص بأسس معرفية فهناك اختلاف بنيوي ابستمولوجي بين الغرب وبيننا و هناك تناقض منهجي باعتقادي.
من المهم جدا في دراسة اي بنى معرفية ان نعود الى جذور أعمق وهي المعرفة:
– مصدرها
– وقيمتها
– معیارها
لانها الأساس الذي ينبني عليه كل الفوقيات.
وتوضيح هذا الاختلاف في البنية السوسيولوجية بين المجتمعين، كمقدمة من وجهة نظري في تسليط الضوء على العناصر المكونة لكل مجتمع والعلاقات التي تحكم العناصر في كل مجتمع، ومحورية تلك العلاقات كان مهما كي تتضح الفروقات البنيوية والتي على أساسها يتم رفض أو قبول المواءمة.
مفاهيم ودلالات
ان التعريف المفهومي لبعض المصطلحات يفترض ان يكون مبنيا على دراسة الواقع، فدراسة الظاهرة الحزبية وتعريف الاحزاب عليه ان يخرج من رحم المجتمع الذي تتم دراسته سواء مجتمع يعيش في جغرافيا واحدة او مجتمع يعيش في جغرافيات متعددة لكن تحكمه أيديولوجية واحدة.
فمثلا تعريف الحزب من وجهة نظر غربية لا يمكن ان يشكل متكأ معرفيا ومفهوميا للباحث العربي والمسلم لان الأنظمة التي تحكم منطقته هي أنظمة اما سلطوية كاملة أو شبه سلطوية وبنية العقل العربي تم تشييدها على العصبيات والولاءات إما للسلطة أو للقبيلة وبشكل أعم تم تشييدها على العصبيات بكافة أشكالها.
بالتالي اعتقد نحتاج حفر أركيولوجي عميق في تلك البنية لتفكيكها وهو ما يتطلب الخروج بتشكيلات تناسب هذه المعطيات وتكون قادرة مرحليا على المعالجة البنيوية لمفهوم الجماعة والقيم والمعايير التي تحكمها وتنظمها وتذويب العصبيات وتشييد منظومة معيارية تؤهل القابلية كي تنخرط في أحزاب تشكل أذرعة مدنية في الدولة قادرة على النهوض بالوعي الثقافي والتربوي والسياسي للجمهور وتكون رافعة للبناء والتغيير ومنصة للرقابة والمحاسبة للسلطة في صالح الجمهور.
الأمة والحزب
وفي فهمي القاصر يمكن لفكرة التوحيد القرآنية إن توسعت ان تعمق مفهوم التعددية المذهبية تحت شعار ومحور التوحيد (الله)، ومحورية الله قد تخرجنا في مجتمع تعددي من المظلة الايديولوجية المذهبية الضيقة الى المظلة التوحيدية التي تتناسب وعالمية الرسالة المحمدية.
بل إن هذه الفكرة تعزز مفهوم الأمة ضمن إطار ومحور التوحيد وتقسم الساحة لفسطاطين فسطاط المحورية فيه لله وفسطاط المحورية فيه لغير الله وهما كما وصفهم القرآن نفسه محورية فرعونية مقاصدها الهيمنة والاستيلاء على البشر والحجر والمقدرات.
كونها كفرة يمكنها أن تتحول إلى مشروع عمل بنيوي تأسيسي يراكم تجربة الأمة في مضمار العمل الوحدوي.
خاصة عند الحديث عن دور الأحزاب الإسلامية في تربية المجتمع، كون البعد الأيديولوجي يحضر بقوة ويشكل رافعة الدفع نحو الالتزام والعمل، فكيف يمكن أن يلعب الحزب الإسلامي دورا تربويا لمحازبيه في عملية الاندماج في المجتمع التعددي دون أن يقع في محظور تناقض الخطاب بين الداخل حزبي وخارجه؟
وفي الأحزاب الإسلامية أي إسلام هنا نقصد؟ وأي قراءة نعني؟ وهل المنهج التربوي الأنجع في الاندماج في المجتمع التعددي ينبني على التربية الأخلاقية والقيمية كمعيار قادر على تحقيق الاندماج وجامع كونه من الثوابت الإنسانية التي لا يختلف عليها؟ أو التربية تعتمد على المنهج العقدي عقليا والفقهي سلوكيا وما لهذين من اثر في تعميق الاختلاف لاختلاف المدارس الاسلامية واختلاف القراءات داخل كل مدرسة للنص الذي تنطلق منه في التربية والتعليم، وعلى اثر هذا الاختلاف تعددت الأحزاب الإسلامية في الوطن العربي والاسلامي.
هناك تأسيس قرآني لمفهوم الأمة، فكيف نعالج ضمن تعدد القراءات للنص وبالتالي تعدد المدارس ضمن كل مذهب كيف نعالج جدلية الحزب والأمة؟ فيفترض حتى لا يقع التعارض ان تكون العلاقة طولية فالحزب في طول الأمة؟ فإذا قلنا تعدد أحزاب في مجتمع واحد، فهذا يعني تعدد مناهج تربوية، وبالتالي تعدد مجتمعات وجماعات في المجتمع الواحد وهذا لا يشكل في نهاياته الأمة.
فأي منهج تربوي أنجع؟ ومن وجهة نظري أجد أن الاسس التربوية القائمة على معيارية القيم والأخلاق كنظام عام يحكم المحازبين في المجتمع أجدى في الانسجام والاندماج في مجتمعات تعددية، إلا في حال كانت ضابطة المنهج العقدي والفقهي تميز بين خطاب الداخل والخارج اذ لكل جهة خطابها وحيثياتها التربوية إسلاميا.
أيهما يقدم في تحديد مرجعية المناهج التربوية الأمة أو الحزب؟
الأحزاب والنظم
ومع التجربة العملانية هناك كثير من الأحزاب الإسلامية وقعت في هذا المحظور نزولا عند رغبة قواعدها التي تحت ضغط العصبيات المذهبية رفعت شعارات التكفير للآخر الشريك في المجتمع جغرافيا وخارج جغرافيا.
وهذا يحتاج تنزيلا للثقافة من النخبة في الحزب الاسلامي لقاعدته اذ احد اهم اهدافه هو التربية الموجهة نحو الهدف الالهي لتصبح الثقافة الاسلامية ثقافة الجمهور وليس فقط النخب.
وهنا تنتج لدينا أيضا جدلية العلاقة داخل الحزب بين النخبة والقاعدة وانعكاس هذه الجدليات في ظل سلطة القاعدة على الاستقرار الاجتماعي من جهة وعلى الخيارات الحزبية الإسلامية في التأسيس للمناهج التربوية داخليا بين خيار النخب وخيار القواعد حيث تصبح هنا الحقيقة ضحية القاعدة عندما تتخلى نخبة الحزب الإسلامي عن دورها الوظيفي في التأثير الثوري التربوي في مسلمات القاعدة خاصة تلك التي تعمق التقسيم الاجتماعي لا الاندماج.
ان الحاجة الفطرية للنظم تخلق الدافع عند الانسان للانتماء للجماعة، يتطور مفهوم الانتماء مع التراكم المعرفي والعملاني للجماعات لذلك بدأت من القبيلة وتطورت مع الزمن إلى الدولة الحديثة والانتماء للوطن ومحدداته الجغرافية والقانونية الناظمة اجتماعيا.
لذلك تعتبر الجاهلية وصف لسلوك عنصري كان يقوم على التوحش بالقتل و الاغارات والسبي وهو ما وضحه جعفر بن أبي طالب لملك الحبشة حينما فر مع مجموعة بأمر من النبي اليها.
اما طريقة النظم التي كانت على شكل قبيلة فهي كانت وسيلة في ذلك الزمن لحفظ مصالح الفرد، وما رفضه النبي في المدينة وأوضحته الصحيفة المدنية أو ما عرف بدستور المدينة هو القبائلية اي التعصب القبلي، أما القبيلة فقد تم دمجها في الدولة واشراكها في النظم الاجتماعي والدولة.فالرفض كان للعصبيات وليس لأصل التجمعات.
ومثالا لذلك هناك بعض أشكال النظم الموجودة في دول كأفغانستان للقبيلة حيث تم تنظيم القبائل في مجلس يسمى الليوجيرغا والذي يشارك بآرائه في مجلس البرلمان.
وهي وسيلة نظم تناسب والوضع القبلي لكنها محاولة سياسية اجتماعية للخروج من الانقسامات القبلية إلى مجلس ينظمها ويضمها في الدولة.
وفي المجتمعات الخليجية ودور الاحزاب الاسلامية تربويا فيها، خاصة أن التركيب البنيوي لهذه المجتمعات قائم على العصبيات القبلية والمذهبية وتتداخل مع بعضها وفق المصلحة السياسية، ونجد أن الجو العام في هذه المجتمعات جو تحكمه التحالفات العصبية وتجربة العراق توضح كيف لعبت الأحزاب دورا في انقسام المجتمع وعدم قدرتها إلى الآن إلى تجاوز الهوية الحزبية إلى هوية وطنية.
خاصة أن النظام التربوي السائد في تلك المجتمعات نظام أبوي تلقيني متأثر إلى حد كبير بمناهج متعصبة مذهبيا قولبتها في نظام أحزاب مؤسساتية في ظل وجود ثقافة التقديس والترميز بشكل عميق في هذه المجتمعات، وغياب منهج النقد البناء الذي حيد بحجج دينية واجتماعية، وهذا قد يحول تلك الأحزاب إلى أحزاب وراثية تعمق فكرة الانقسام الاجتماعي من خلال مناهج تربوية إيديولوجية متشددة.
فالقبيلة على سبيل المثال كي تشرعن منهجها تلبست في الخليج بلباس الدين، حيث كانت الركيزة البنيوية تربويا التي انطلقت في وسط القبائل مستلهمة من منهج محمد بن عبد الوهاب حيث تخرجت دفعات من أبناء القبائل من جامعات سعودية دينية وانتشرت للتبليغ والتعليم على هذا المذهب.
فتراكمت العصبيات و شرعنت، بل هناك ممانعات سلطوية تحول دون المس بالنظام القبلي اجتماعيا وهو ما يكرس العصبيات التي واقعا تعمق الانقسام الاجتماعي ويتمظهر ذلك خاصة في الانتخابات على سبيل المثال في الكويت، حيث يعلو صوت القبيلة على صوت أي خيار منفرد داخلها.
فهل نحتاج هنا نظرية تتناسب وطبيعة كل مجتمع وبيئته، من خلال تحويل العشائر والقبائل لمؤسسات تلعب دورا في النظم والتوجيه التربوي لاستقرار المجتمع؟
وكيف يمكننا الانتقال إلى مرحلة الأحزاب في هذه المنطقة وهي ما زالت في أغلبها محكومة بأنظمة سلطوية لا تؤمن بالأحزاب والتعدد؟
خاصة أن أصل وجود أحزاب في هذه المنطقة ووفق تراثها الثقافي هو تكريس تقسيم المقسم مما يجعل فكرة الأحزاب في هذه المجتمعات فكرة مرفوضة لأسباب أهمها سلطوية أغلب الأنظمة، وقبائلية المجتمعات وخاصة التيارات الإسلامية وبداوتها في فهم الإسلام.
الأحزاب والتربية
تلعب التربية الموجهة للأحزاب المؤسساتية دورا مهما في التنميط الاجتماعي، و الإشكالية المحورية في عملية التنميط بالنسبة للاحزاب الاسلامية أنها تفقد الفرد ومن ثم المجتمع جدارته في الاختيار الحر، خاصة ضمن بيئات اجتماعية تكون فيها الدولة ضعيفة أو غائبة عن أداء مهامها تجاه الشعب أو في ظل بيئة فقيرة اقتصاديا ويشكل الحزب فيها ملجأ يتم من خلاله توفير وظيفة تؤمن له قوت يومه فيؤمن بأبجديات الحزب تحت ضغط الحاجة لا من خلال ممارسة فكرية حرة تبعث إرادته عن قناعة في اختيار المفردات والاقتناع بالغايات والأهداف، والبرامج والإيمان بالمفردات والمناهج التربوية التي يشيدها الحزب وفق رؤيته للإسلام. فكيف يمكن الاحزاب الاسلامية تحرير خيارات الفرد دون الإضرار بالنظم الجماعي الداخلي؟
ففي قضية عدم الإفراط والتفريط بين المسائل السياسية والثقافية في الأحزاب الإسلامية، من وجهة نظري على المستوى العملي وقعت أغلب الحركات الإسلامية في محظور تغليب السياسي على المعرفي والفكري، واعتمدت كثير منها على الشعارات العاطفية.
إلا أن التوازن والتوازي يجب أن يكون الأساس وفي الاستثناءات يجب أن يبقى المعرفي الثقافي حاضرا بقوة كونه السائر على غير علم لا تزيده كثرة السير إلا بعدا.
من جهة أخرى إن التربية العقائدية بالذات يفترض أن لا تكون في المنظومة التربوية تربية تلقينية، تحمل توقيع سلطة المعلم وواضع المنهج والملقن، سلطة تبسط هيمنتها على العقول في إطار ديماغوجية مغلقة، بل يفترض ان يكون للعقل دورا بارزا في التمييز والمقايسة بين مختلف الآراء على أسس منطقية تقوم الاحزاب الإسلامية بإمداد منتسبيها بأدواتها، كي ترسخ مبدأ الإرادة الحرة في الاختيار المنهجي العقدي، وهو من وجهة نظري يتطلب إعادة نظر في المناهج التربوية لتكون متوائمة مع دور العقل وتنميته في فضاء ثقافي حر متعدد، فكريا وعقديا وثقافيا، وهذا لا يعني التفلت من الثوابت، بل يعني تعميقها بإرادات حرة وعقول متعددة قادرة على الاثراء والتثوير لتطوير الفضاء المعرفي العقدي للأحزاب مما يؤهل أفرادا محازبين لكنهم يملكون عقلا منفتحا بثوابت قادرا على بث الأفكار العقدية بقالب جامع لكل الطوائف ضمن المشتركات التي تلتقي بها. بل قد يزيل ذلك التناقضات التي تخلقها الأحزاب مع مشروع الأمة.
وهنا تصبح المناهج التربوية سوسيولوجيا متناغمة مع البرامج السياسية وكلها يكون هدفها في تأهيل المجتمع وإصلاحه وخدمته لا في خدمة السلطة التي غالبا تلعب على التمايزات الاجتماعية لترسخ وجودها بالاختلاف لا الائتلاف. وهذه ظاهرة واضحة في المجتمعات الخليجية.
والأحزاب الإسلامية وايديولوجياتها المختلفة منهجيا والمتحدة في الهدف وهو التوحيد، نتلمس وحدة في كثرة استثمارها بلا شك هو في صالح مشروع الأمة، لكن الإشكالية الحقيقية هي القراءة المتشددة للنص لبعض الاحزاب الاسلامية التي تصل حدتها إلى تكفير احزاب اسلامية اخرى، واشكالية أخرى محورية هي في التشدد في قراءة المختلف سوسيولوجيا وايديولوجيا مما يجعل فكرة الحزب تكريسا للانقسام والتكفير وليست تثويرية للتغيير ودعم مشروع الأمة.
ففي التأسيسات المنهجية للرؤية الإسلامية سواء على مستوى المفهوم أو الوظيفة أو الأهداف كان القرآن في هذا البحث يمثل المرجعية المعرفية الأولى في ذلك، وهو تكريس المنهج الوحدوي من جهة وتأسيسا لتثبيت الأطروحات الإصلاحية في هذا الصدد خاصة في ساحات الاجتهاد الفقهي.وخاصة حينما يصبح القرآن مرجعية لتأسيس نظريات سوسيولوجية.
خاتمة وتساؤلات:
– هل تحتاج الاحزاب الاسلامية تغيير الهدف الذي يصبو له من قيام دولة إسلامية إلى هدف تحقيق العدالة؟ وكيف يمكن أن يغير ذلك من مناهجها التربوية وتأثيرها في المجتمع وعملية النظم والتأثير؟ بل كيف يجعلها تجسد مفهوم الأمة في كلها رغم اختلافها الجغرافي؟
– وما هو الشكل الأمثل للقيادة في تلك الأحزاب؟ هل تداول السلطة مطلقا أو عدم تداولها مطلقا وما اثر كل منهما في بيئات اجتماعية تتشكل بنيتها العقلية على التقديس والترميز؟ وهل يستطيع الحزب أن يكون نواة تأهيلية للقاعدة المشاركة لا المغالبة سياسيا واجتماعيا؟ وما هو الشكل الأمثل التمثيلي للقيادة الحزبية؟ ففي عدم تداول السلطة هناك تكريس كاريزما القائد وقداسته في قبال سلطة المرجعيات الدينية التي تعتبر صمام أمان في قيادة الأمة كافة فكيف يمكن حل هذه الإشكالية خاصة أن الواقع الاجتماعي يبرهن وجود هكذا إشكاليات يقع فيها القائد والرمز في عرض المرجعيات الدينية، بل بعض الأحزاب الإسلامية تحول قائدها لمرجع ديني يملك سلطة في قبال سلطة المؤسسة الدينية.
– كيف يمكن للأحزاب الإسلامية تجاوز عملية التنميط و الشعاراتية في منهجها التربوي ورفع فضاء الاختيار والتفكير الحر خارج منظومته التربوية الموجهة؟ في ظل تنافس سياسي وطغيانه على المعرفي وتوظيف للعقدي؟
– كيف تكون الأحزاب الإسلامية تشكيلات تربوية تشكل في كلها الأمة في ظل تعدد المدارس في قراءة النص وتباينها بين التشدد والتطرف؟وهل واقعا الاحزاب الاسلامية ناقضت سلوكيا الأصل القرآني لمفهوم الأمة؟
في التأسيس القرآني لمفهوم الحزب بين حزب الله وحزب الشيطان يوضح المثل الأعلى لكل حزب ومن ثم وفق المثل الأعلى يؤسس لمحورية التوحيد في حزب الله ومحورية الشيطان في حزب الشيطان، وهذا يلتقي مع مفهوم الأمة ومحورية الله فيها، بينما مفهوم الحزب في واقعنا يمثل جزء من الأمة وليس كلها، بالتالي يعتبر مفهوم الحزب في القرآن ترسيخ لمفهوم الأمة بمحورية التوحيد، بينما مفهوم الحزب المنتزع من واقعنا إلى الآن لا يعمق محورية الأمة بل عملانيا قسمها، وهي إشكالية تواجه أصل تبني فكرة الأحزاب كذراع للمرجعيات في تشييد الدولة الإسلامية.
مازال هناك التباس بين المفهوم والواقع الاجتماعي فيما يخص الحزب والأمة.
– المجتمعات الموغلة في القبلية كيف يمكن للأحزاب أن لا تعمق انقساماتها الداخلية وتحويلها لمنظومة تثقل كاهل المجتمع بالانقسامات بما يخدم السلطة لا المجتمع؟
تساؤلات تحتاج إلى إجابات علمية موضوعية، تمكننا من النهوض بالواقع خطوة إلى الأمام.