د. الشيخ حسن آقا نظري(*)
أ. علي هاشم البيضاني(**)
هناك آثارٌ مختلفة لعملية غسل المال، منها: ما هو داخل البلد محلّ الغسل؛ ومنها: ما له تأثير على خارجه. ويمكن تقسيم تلك الآثار وفق المباحث التالية:
1ـ الآثار الاقتصادية
إن لعملية غسل المال آثاراً اقتصادية سلبية متعدّدة. ويمكن مناقشتها وفق المطالب التالية:
أـ تأثير غسل الأموال على الاستثمار
غسل الأموال ذو تأثير سلبي على الاستثمار، سواءٌ على الدول التي خرجت منها الأموال غير المشروعة أو على الدول التي دخلتها الأموال لغرض غسلها فيها. فهنا بحثان:
1ـ تأثير خروج الأموال غير المشروعة على الاستثمار
ـ يؤدّي إلى نقص الأموال التي يمكن استغلالها في الاستثمار، حيث يزداد الطلب على النقد الأجنبي؛ بسبب تحويل الأموال غير المشروعة إلى عملةٍ حرّة؛ لغرض تهريبها إلى الخارج، وهنا يزداد الطلب على النقد الأجنبي من المستثمر الحقيقي وصاحب المال غير المشروع، فيلجأ الطرف الأخير إلى رشوة العاملين في المؤسّسات النقدية، العامّ منها أو الخاص، ويضيِّع على الدولة جزءاً هامّاً من النقد الأجنبي، الذي كان من الممكن استخدامه في استثمار حقيقي يساهم في التنمية([1]).
ـ يؤدّي النشاط المجرم لغاسلي الأموال إلى فساد المناخ الاستثماري ذاته، حيث إن أصحاب المدّخرات المشروعة يسعَوْن إلى محاكاة وتقليد أصحاب الأموال غير المشروعة؛ بقصد المنافسة في الربح، وبذلك يسود مناخ استثمار فاسد. ويؤدّي أيضاً إلى تفشي الاحتكار غير المشروع، وسيطرته على اقتصاد الدولة، بدلاً من حدوث المنافسة الشريفة، التي تنعكس على اقتصاد الدولة وعلى مواطنيها([2]).
ـ وتجدر الإشارة إلى أن خروج الأموال المتحصلة من الجريمة، أيّاً كان نوعها، يبلغ في تأثيره أضعاف ما يحدث من خروج الأموال المحصلة من أنشطةٍ مشروعة؛ حيث إن الأخيرة تمّ توظيفها في خدمة الاقتصاد الوطني، وأشبعت احتياجات قطاعات عريضة من المواطنين، بينما الأموال غير المشروعة هي مجلوبةٌ في الأصل من مصادر أضرَّتْ بالمجتمع، مثلما هو الحال في الرشوة والسرقات وتجارة المخدرات، بالإضافة إلى كونها حرمت المجتمع من توظيف رأس ماله في ما هو مفيدٌ.
وتتفاقم المشكلة أكثر لو أن النقد الأجنبي الذي يتمّ تهريبه للخارج بقصد الغسل قد تمّ الحصول عليه من قروضٍ دولية، فيتمّ خروجه مرّةً أخرى دون الاستفادة منه، وتقوم الدولة بدفع أقساطه وفوائده من صميم اقتصادها([3]).
ـ إن غسل الأموال في الخارج له تأثيرٌ شديد على الإنتاج ومعدّلات النموّ؛ نتيجة نقص التمويل الأجنبي اللازم لاستيراد التجهيزات الرأسمالية وقطع الغيار التي يحتاج إليها الاستثمار لاستمرار العمل اليومي([4]).
2ـ تأثير دخول الأموال غير المشروعة على الاستثمار
مثلما كانت هناك تأثيراتٌ سلبية لخروج الأموال غير المشروعة على الأنشطة الاستثمارية في الدول مصدر هذه الأموال، فإنه وبالتَّبَع سوف يؤثِّر سلباً أيضاً على الاستثمار في الدول التي دخلتها الأموال لغرض الغسل فيها، وذلك من النواحي التالية:
ـ إن غاسل الأموال الأجنبي يسعى عند قيامه بإدخال أمواله إلى الدولة إلى غسلها، دون الاهتمام الجدّي باستثمارها في مشروعاتٍ جديدة تخدم الاقتصاد الوطني، وإنّما يهتمّ فقط بتوظيف هذه الأموال في الاقتصاد الرسمي؛ لتغيير هوية أمواله غير المشروعة أصلاً([5]).
ـ ويضاف إلى ذلك أن المال غير المشروع لا يتميَّز بالاستقرار، بل هو مالٌ قلق ومذعور، يتنقل من مكانٍ إلى آخر، ومن شكلٍ إلى آخر من أشكال الاحتفاظ بالثروة (ودائع مثلاً، ثم سندات، ثم أسهم، ثم عقارات). وهذا يجعلها لا تشكل إضافةً حقيقية للاقتصاد الوطني المنتج، وكلّ ما يهمّ غاسل المال هو الملاذ الآمن من المصادرة([6]).
ـ عادةً ما تكون الدولة المتَّخذة مكاناً لغسل الأموال معرَّضة لإجراءاتٍ اقتصادية ضارّة، كتجميد أرصدتها في الخارج، أو فرض عقوبات اقتصادية تضرّ استثماراتها، بالإضافة إلى سوء سمعة هذه الدولة في مجالات الاستثمار، ما يضعف مصداقيتها الدولية([7]).
ـ إن الأموال غير المشروعة عادةً ما تتغلغل في المشاريع الحرة الشريفة، من خلال توظيفها في الدولة المحوّلة إليها، ممّا يقلِّل من الثقة لدى المتعاملين مع تلك المشاريع، ويجعلها محلّ شكٍّ، ما يؤثِّر سلباً على الاقتصاد([8]).
ـ يؤدّي دخول الأموال غير المشروعة في القطاع المصرفي إلى فقدان الثقة في المؤسسات المالية. والأخطر من ذلك لو تمكَّن غاسل الأموال من السيطرة على المؤسسات المالية، بحيث تصبح عضواً في شبكةٍ لغسل الأموال، الأمر الذي يضرّ بالتنمية؛ لفقدان هذه المؤسّسات جاذبيتها لرأس المال المشروع([9]).
ب ـ تأثير غسل الأموال على المدَّخرات الوطنية
نستطيع القول: إن غسل الأموال يمكن أن يؤثّر على المدّخرات الوطنية المحلية من خلال ثلاثة أبعاد، نجملها في ما يلي:
البعد الأوّل: هروب رأس المال إلى الخارج، دون إعادته مرّةً أخرى، وبالتالي تتحول المدَّخرات الوطنية إلى مدَّخرات في مصارف دول أخرى، دون أن توجّه إلى الاستثمار داخل البلاد. ويتمّ تغطية هذا العجز من خلال رفع قيمة الضرائب على المواطنين، أو الاتجاه إلى الاقتراض من الخارج، الذي يزيد المديونية.
البعد الثاني: أن يتمّ إعادة الأموال المهربة مرحلياً. وغالباً ما تكون هذه الأموال المستردّة بالعملة الأجنبية، ومن ثمّ تظلّ مكتنزة، فلا يحوّلها صاحبها إلى استثمارات.
البعد الثالث: بقاء المال محلّ الغسل داخل البلاد، دون تهريبه، وتظلّ أمام احتمالين: الأوّل: بقاء هذا المال في يد غاسلي الأموال، دون محاولة ضخّه في الاقتصاد، وهذا يعتبر اكتنازاً؛ والثاني: يتمّ توجيه هذا المال لشراء سلع استهلاكية، كالذهب والتحف الفنية والعقارات؛ بقصد المضاربة، لا بقصد الاستثمار في هذه المجالات([10]).
ج ـ تأثير غسل الأموال على الدَّخْل القومي
ويقصد بالدَّخْل القومي مجموع دخول أفراد المجتمع خلال فترةٍ معينة من الزمن (سنة في العادة)، ويقصد بالأفراد جميع الأشخاص الطبيعيين، وكذلك جميع الشخصيات المعنوية، مثل: الشركات الخاصة والعامة والحكومية. وعندما يقاس الدَّخْل يقاس على الأفراد المنتجين من واقع الجنسية التي يحملها هؤلاء، فدخول الأفراد الأجانب المقيمين داخل البلد لا تدخل في حساب الدَّخْل القومي، بينما دخول المواطنين المقيمين خارج البلد لا بُدَّ أن تدخل في حساب الدَّخْل القومي([11]).
إنّ عمليات غسل الأموال تؤدي إلى زيادة الدخول لبعض الفئات على حساب فئاتٍ منتجة في المجتمع؛ بسبب حصول هذه الفئات على الأموال المغسولة. وهذا يزيد الفجوة بين طبقات المجتمع، ويؤدّي إلى مشاكل اجتماعية واسعة([12]).
مما لا شَكَّ فيه أن الأموال الهاربة إلى الخارج خلال عمليات الغسل تمثّل استقطاعات من الدَّخْل القومي، وبالتالي تعدّ نزيفاً للاقتصاد الوطني إلى الاقتصاد الخارجي. فالمال المهرَّب والمكتسب عن طريق الجريمة يؤدّي إلى حرمان اقتصاد البلد من هذا المال، واستثماره على أرضه ولصالح مواطنيه، بما يترتّب على ذلك من آثار سلبية. وحتّى لو حدثت عمليات الغسل في صورةٍ عينية للأموال فإن ذلك يؤدّي إلى زيادة معدّلات الاستهلاك بشكلٍ يفوق الدَّخْل القومي، وبالتالي يحدث خللاً اقتصاديّاً هيكليّاً؛ نظراً لانخفاض المدّخرات وزيادة الاستهلاك، دون حدوث نموٍّ مماثل في الناتج المحلي الإجمالي([13]).
د ـ تأثير غسل الأموال على العملة وسعر الصرف
يتأثّر سعر الصرف بشكلٍ مباشر في الدول منبع الأموال عند خروجها بقصد الغسل، في الوقت الذي يتأثّر فيه كذلك سعر الصرف في الدول المستقبلة لتلك الأموال، حيث تكون الفائدة الكبرى من تلك العملية لمنفِّذي الغسل، ومهرِّبي تلك الأموال. ويمكن تصنيف ذلك التأثير وفق بحثين:
1ـ تأثير خروج أموال الغسل على العملة وسعر الصرف([14])
يترتّب على استبدال العملة الوطنية المستمدة من الأنشطة الإجرامية بأخرى أجنبية في سبيل غسلها عن طريق تحويلها انخفاض قيمتها؛ نتيجة زيادة المعروض من العملة الوطنية مقابل المطلوب من العملات الأجنبية.
ويمكن القول: إن زيادة عرض العملة المحلية، مع زيادة الطلب على العملة الأجنبية، يؤدّي إلى استنزاف الاحتياطي النقدي للدولة من العملات الأجنبية، ما يؤدّي إلى قيام المسؤولين برفع سعر الفائدة؛ للحفاظ على المدَّخرات المحلية من التحول للعملات الأجنبية الأخرى. ومن المعلوم أن رفع سعر الفائدة يمثِّل أحد أهم العقبات أمام الاستثمار.
يُضاف إلى ذلك ما يسبِّبه السحب المفاجئ للأموال من قبل غاسلي الأموال من البنوك الوطنية، تمهيداً لحملها نقداً عبر الحدود، أو إجراء غسل عيني عليها، أو تحويلها بالوسائل الإلكترونية، من إرباك سوق العملة الوطنية، وبالتالي انخفاض قيمتها.
2ـ تأثير دخول أموال الغسل على العملة وسعر الصرف([15])
يؤدّي دخول الأموال غير المشروعة من النقد الأجنبي إلى الدولة التي يتمّ فيها الغسل إلى زيادة التدفُّقات النقدية الأجنبية، ومن ثم زيادة الطلب على النقد الوطني، وهذا يؤدّي إلى رفع سعر العملة الوطنية بأكثر من قيمتها الحقيقية، ممّا يؤدّي إلى مخاطر كثيرة، أهمُّها:
ـ تغيُّر قيمة العملة الوطنية بما لا يعكس حقيقة الأداء الاقتصادي، وأيضاً مجرّد التغيُّر في اتجاه حركة رأس المال، وهذا يضرّ الاقتصاد الوطني، حيث تقلّ القدرة التنافسية للأسعار في مواجهة السلع الأجنبية.
ـ إن ارتفاع سعر العملة الوطنية من غير تبريرٍ اقتصادي يشكِّل عائقاً أمام دخول رأس المال الأجنبي، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.
هـ ـ تأثير غسل الأموال على الجهاز المصرفي والمؤسّسات المالية
إن عمليات غسل الأموال غالباً ما تتمّ داخل البنوك والمؤسسات المالية، وبعد أن يتمّ غسلها تترك آثاراً سلبية على الجهاز المصرفي والمؤسّسات المالية من جهةٍ، وعلى الاقتصاد الوطني من جهةٍ أخرى.
فمن هذه الآثار:
ـ يمكن أن تنشر أنشطة غسل الأموال الفساد في أجزاء النظام المالي. ويؤدّي ذلك إلى إضعاف المصارف والمؤسّسات المالية. فإذا ما أصاب الفساد مديري المصارف؛ بسبب المبالغ الضخمة التي يتمّ غسلها، فإن هذا السلوك سيؤثِّر على سمعة المصرف، وعلى أدائه في السوق المالي([16]).
ـ تعريض المصارف التي تستخدم في عملية الغسل للانهيار بعد اكتشافها، أو الاشتباه فيها، وتهديد سلامة واستقرار النظام المالي والمصرفي([17]).
ـ إن عمليات غسل الأموال داخل الجهاز المصرفي تؤدّي إلى انعدام ثقة المواطن بالجهاز المصرفي؛ بسبب علمهم أن الجهاز يمكن أن يحتوي على أموال غير مشروعة، ممّا يؤدّي إلى اختلاط أموالهم المشروعة بالأموال غير المشروعة الموجودة في المصارف، فتجدهم يفقدون الثقة بالمصارف، لذا؛ ومن باب الحيطة والحذر، يعزفون عن إيداع أموالهم في المصارف والمؤسّسات المالية.
ـ أيضاً تؤدّي عمليات غسل الأموال إلى إرباك عمل البورصات والأسواق المالية؛ نتيجة التعامل غير المنطقي أو غير الرشيد في شراء وبيع الأصول المالية، لمجرّد إضفاء المشروعية إلى تلك الأموال([18]).
2ـ الآثار الاجتماعية
إن جميع الأفعال الإجرامية لها آثار اجتماعية، يضيق نطاقها أو يتّسع حسب جسامة الفعل وخطورته، ومدى تأثيره على سلامة المجتمع واستقراره. وتأتي جريمة غسل الأموال في طليعة الجرائم الاقتصادية في تأثيراتها الاجتماعية السلبية على مجتمع الجريمة وأفراده. ويمكن بلورة أهمّ تلك التأثيرات، حَسْب خطورتها، وفقاً لما يلي([19]):
أـ تآكل الطبقة الوسطى، وسيادة الطبقة المتطفِّلة
حيث ينقسم المجتمع المحلي لأيّ دولة تقليديّاً إلى ثلاث طبقات: أغنياء؛ وفقراء؛ وطبقة وسطى. وهذا التقسيم في حقيقته محمودٌ ومطلوب؛ ضماناً لتلاحم المجتمع، وتشابك مصالح أفراده، وتكامل نشاطهم الاقتصادي. وتعتبر الطبقة الوسطى في التدرج الطبقي لأي مجتمعٍ لحمة المجتمع، وهمزة الوصل بين طبقتَيْه الأخريين. ولوحظ بالاستقراء أن هذه الطبقة هي:
أـ أكثر طبقات المجتمع وطنيةً وانتماء للوطن، وتضحية وفداء لأجله.
ب ـ أكثر طبقات المجتمع حرصاً على التعليم، واغترافاً من الثقافة، ومتابعة للتطوير في جميع المجالات.
ج ـ أكثر طبقات المجتمع تمسُّكاً بالقيم والثوابت الأخلاقية والعادات والتقاليد الاجتماعية الراسخة الاصيلة.
د ـ أكثر طبقات المجتمع بذلاً وعطاءً ونشاطاً وإنتاجية.
ومن أبناء هذه الطبقة يولد المفكِّرون، والعلماء، والأدباء، والمثقَّفون، والمهنيون، والأطباء، والمهندسون، والقضاة، والمحامون، والموظفون. ومن الخطورة البالغة على أيّ مجتمع تآكل هذه الطبقة وذوبانها في طبقة الفقراء، وانقسام المجتمع فقط إلى طبقتين؛ حيث تنهار مع تآكل هذه الطبقة كلّ معاني الانتماء والقيم والعطاء، ولا يكون للتعليم قيمة أكثر من فرصة الحصول على عملٍ أو وظيفة، وحيث لا يصبح للثقافة معنى أكثر من التسلية وقتل أوقات الفراغ.
إن الطبقة الوسطى في كلّ مجتمعٍ هي طبقة أصحاب الدخل الثابت والمحدود، وإن دخل هذه الطبقة موزَّعٌ على مطالبها الحياتية الضرورية، كالتعليم، والثقافة، والمجالات الاجتماعية، والكساء، والغذاء، والسكن، والتنقُّل، والادّخار، والصحة، وغيرها من ضرورات الحياة. وإن أيّ ارتفاع في أسعار هذه المطالب يرهق كاهل هذه الطبقة، بما يجعلها شيئاً فشيئاً تنحاز عن ضرورات حياتها، وعن قيمها، ومبادئها، وثوابتها الاجتماعية، بل وتجحد معاني الانتماء للوطن، والتضحية من أجله، ومعاني البذل والعطاء، وينصرف جلُّ اهتمامها ونشاطها في البحث عن ضرورات الحياة. فاذا اشتدَّتْ وطأة الأسعار عليها ذابت واختفت، وحلّت محلّها وتبوأت مكانها طبقة المترفين والأثرياء، وبذلك تزداد فرص وقوع جريمة غسل الأموال. والطامّة الكبرى ليست فقط في اختفاء طبقة وظهور طبقة أخرى مكانها، وإنّما هي في سيادة التَّرَف الزائد عند طبقة واحدة، وزوال الطبقات الأخرى، وفي ظهور قيم وعادات وتقاليد وأخلاق لا تمتّ إلى المجتمع بأيّ صلة، وهو ما يخلق صراعاً اجتماعياً بين الأجيال، وهو ما يولِّد ويغرس الحقد الاجتماعي لدى الفقراء.
وسبقت الإشارة في المبحث السابق إلى أن جريمة غسل الأموال تخلق كثيراً من مشكلات التضخُّم والكساد والبطالة، وهي مشكلات اقتصادية ذات تاثير سلبي على حياة الطبقة الوسطى، قد يؤدّي إلى تآكلها، بما تمثِّله من ثقلٍ بالغ في مسيرة المجتمع نحو النماء والاستقرار الأمني والفكري.
ب ـ انهيار الثوابت والقيم الاجتماعية، وسيادة ثقافة المخدّرات
تمثّل الثوابت والقيم الاجتماعية قيماً غالية ومهمة، ومعنى نفيساً في حياة كلّ مجتمع. فالصدق والأمانة والإيثار والشجاعة والإخلاص وإنكار الذات وحبّ الخير والترابط الاجتماعي والتعاون وإغاثة الملهوف وغيرها من الثوابت الاجتماعية، التي هي ثمرة غرس القيم في النفوس، وما يطرأ على تلك القيم والثوابت بفعل جريمة غسل الأموال أنّها تصبح أثراً بعد عين، وماضٍ بعد واقع ومعايشة.
وتجدر الإشارة إلى أن جريمة غسل الأموال؛ بما تحدثه في المجتمع من تضخم وانهيار في قيمة العملة الوطنية، ومن كساد تضخّمي، وهشاشة في الاقتصاد القومي، ومن تآكل للطبقة المتوسطة، التي هي الأكثر وطنيةً وانتماء وتعلُّماً وثقافة وتمسُّكاً بالقيم من أولئك القائمين على غسل الأموال، والذين يسعون للتقرُّب من أصحاب النفوذ والسلطة؛ ليكونوا في منأىً ومأمن على أموالهم، بعيداً عن الرقابة والقانون، فتكون جريمة غسل الأموال بذلك القدر الكبير من الخطورة؛ لقدرتها على قتل القيم والثوابت الاجتماعية الأصيلة، حيث تتوارى أمامها كل صرخات التحذير من الفتن، والدعوة إلى التمسك بالخلق والقيم.
ويُضاف إلى ذلك أنه بعد أن يجد الفرد ذو الدخل المحدود نفسه عاجزاً عن تلبية احتياجاته ومتطلّبات أسرته، فإنه يكون بذلك غير قادر على مواجهة الزيادات المستمرّة في أسعار السلع والخدمات، ممّا يؤدّي إلى زيادة الحمل عليه، وتحطيم طموحاته وأحلامه، وربما يكون فريسة سهلة لمنظّمات الجريمة المنظّمة، ومنظمات غسل الأموال، التي تدرّ عليه عملياتها ما فوق خياله وتصوّراته من كسب خلال حياته. وفي هذه الحالة يكون أكثر استعداداً للتضحية بأيّ قيم أو ثوابت اجتماعية؛ إذ إنه عندما كان صادقاً أميناً مخلصاً منكراً لذاته محبّاً للخير منتمياً لوطنه كان معدماً لاهثاً وراء الحدّ الادنى من ضرورات حياته، وبعد اعتناقه لفكر وثقافة الجريمة تغيَّر حاله إلى النقيض، ووقعت المأساة الحقيقية للمجتمعات التي تتّخذها منظمات غسل الأموال ميداناً لنشاطها الإجرامي.
ج ـ دعم الجريمة المنظّمة
من الملاحَظ أن عمليات غسل الأموال الفردية نادرة الوجود، وإنْ وجدت فهي قليلة الأهمّية والأثر. وعلى سبيل المثال: إن تاجر المخدّرات المحلّي تاجر تجزئة، يتستر في الغالب وراء نشاطه المشروع والصغير؛ ليبيع المخدرات؛ لكي يستفيد من أرباحها بمفرده.
وخطورة جريمة غسل الأموال تكمن في عصابات الجريمة المنظّمة، سواء الجهات المرتكبة للجريمة الأصلية مصدر المال غير المشروع أو المنظّمات الغاسلة للمال الناتج عن الجريمة الأصلية. فالمجرم في كلتَيْهما يمتلك أصولاً وممتلكات هائلة. وسواء تمكَّنت السلطات الأمنية من القبض عليه، وتطبيق النظام بحقّه، أو كان حرّاً طليقاً، فإنّه لو ظلَّتْ أصوله أو ممتلكاته حرّةً طليقة يستطيع التنظيم استبداله بآخر، في حال عدم استمراره في دعم نشاطهم الإجرامي المتمثّل بغسل الأموال، أو المساهمة في تدفق المال غير المشروط من منبعه.
وممّا سبق يتّضح أن عمليات غسل الأموال تدعم كلّ نشاطٍ إجرامي ينتج عنه عائدٌ معين. فأعضاء غسل الأموال لا يغسلون لحسابهم الخاصّ، وإنّما هم أفراد تنظيم فرعي منبثق عن منظمات الجريمة الأصلية، ومن ثم فإنّهم يحصلون على نصيبهم المقرّر لهم، ويحوِّلون القدر الأكبر من المال المغسول لحساب مرتكبي الجرائم الأصلية.
إن التقليل من حجم عائدات الجريمة المنظمة على مستوى العالم، أو من حصة أعضاء منظماتها، أمرٌ لم يَعُدْ مقبولاً الآن، بعد تعدُّد أشكالها، واستغلال منظماتها لمنتجات التكنولوجيا الحديثة، وتوظيف أكفأ المحامين والمحاسبين لخدمتهم، وزيادة فاعلية عملياتهم، وتدارك أخطائهم السابقة. وإن القول بسلامة أيّ اقتصاد نامٍ من عمليات الغسل قولٌ مغلوط؛ فالمنظمات الإجرامية؛ بما تملك من إمكانات مادية هائلة، قادرةٌ على اختراق أيّ جدرٍ واقية، وهو الأمر الذي يتطلّب مواجهة دولية ومحلية فعّالة.
د ـ تدنّي إنتاجيّة عنصر العمل
لا يمكن الفصل، من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية، على مستوى العالم النامي بين:
أـ عمليات غسل الأموال ومعدلات البطالة.
ب ـ عمليات غسل الأموال وانتشار تعاطي المخدّرات.
ج ـ عمليات غسل الأموال والتضخُّم الجامح.
ومن جهةٍ ثانية فإن هناك تلازماً بين هذه الظواهر الثلاثة وبين تدنّي إنتاجية عنصر العمل الوظيفي والمهني والحرفي واليدوي. فالبطالة كظاهرة اقتصادية واجتماعية، سواء كانت سافرة أو مقنعة، تعني خروج أعداد العمالة العاطلة من دائرة النشاط الإنتاجي، كلياً أو جزئياً.
ويمكن القول: إن التضخم كظاهرة اقتصادية، وإنْ كانت من الناحية النظرية أقلّ الفرضيّات الثلاثة المتقدّمة تأثيراً على عنصر العمل، إلاّ أنه يجبر العامل البسيط على تقليل طاقته الإنتاجية، ما يجعله ضحية سهلة، وهدفاً لأفراد وعناصر الجريمة المنظمة؛ إذ من الممكن أن يسعَوْا لإقناعه بجدوى انضمامه إليهم، وما يترتب على ذلك من تبديلٍ لحاله السابق.
3ـ الآثار الأخلاقية
تمثّل الأخلاق المنظومة الرئيسية المحرّكة للمجتمع، وهي ركنٌ أساس في ضبط سلوكيات واتجاهات الأداء الحضاري، ولا يمكن تقييم مجتمع إلاّ من خلال مجموعة القيم الأخلاقية، ولنا في رسول الله‘ أسوةٌ حسنة إذ قال: «إنّما بُعثْتُ لأتمِّم مكارم الأخلاق»([20]).
لهذا تظهر لنا الكثير من الآثار السلبية نتيجة تأثيرات عملية غسل الأموال على أخلاقيات المجتمع، مثل:
1ـ الانسلاخ من الهوية، وفقدان الانتماء والالتزام القانوني والأخلاقي.
2ـ تفشّي ظاهرة التلوُّث العقلي والذهني، وشيوع حالات الفساد والانحلال الأخلاقي، وخصوصاً عند تكدُّس الأموال، وبطرقٍ سهلة، ممّا ينشط حالة الاستهلاك الاستفزازي.
3ـ الرشوة وعلاقات التحايل والفساد، مع أساليب التضليل، وترسيخ العنف والكراهية.
4ـ ظهور المنفعة الفردية، وانعدام روح التعاون.
5ـ ظهور حالة التحدّي والتحلُّل والتمرُّد، وظهور الذوات المفخَّمة، المعتمدة على دولة اللاقانون، أو عدم التحاكم إلى أخلاقيات العقيدة أو المجتمع.
6ـ انتشار نوادي القمار والألعاب المخالفة للأخلاق والقانون([21]).
4ـ الآثار الأمنية([22])
يصاحب عمليات غسل الأموال كثيرٌ من الممارسات التي تزعزع الأمن والاستقرار في المجتمع، وتؤدّي إلى تزايد معدلات الجريمة المنظّمة وانتشارها، وإضعاف النسيج الأخلاقي والقيمي في المجتمع، وما يترتّب على ذلك من زيادة الجهود والنفقات التي تبذلها الأجهزة الأمنية في مقاومة الجريمة.
ويتنج عن عمليات غسل الأموال ظهور أنماط جديدة للجرائم، إلى جانب تزايد معدلات ارتكاب تلك الجرائم. وكلما زادت وسائل المكافحة للجريمة فإن غاسلي الأموال يلجأون إلى وسائل أخرى يصعب اكتشافها، وبذلك تزداد الجرائم الناتجة عن عمليات غسل الأموال. وهذا الازدياد يشمل الجرائم بأنواعها، فضلاً عن تزايد أعداد تلك الجرائم، وتنوُّع أنماطها.
وتؤدّي عمليات غسل الأموال إلى إثراء المجرمين اللامحدود، وتجعل من هؤلاء أصحاباً لرؤوس الأموال الطائلة، التي يسخِّرونها في العمليات الإجرامية، ممّا يجعلهم يستمرّون في السلوك المنحرف الخارج عن القانون، ومن ثمّ فإن أهم الآثار السلبية التي تنشأ عن استمرار عمليات غسل الأموال زعزعة الأمن الاجتماعي داخل المجتمع، وانتشار الابتزاز وعمليات السطو المسلَّح، والقتل، وأخذ الأموال، وهو ما يجعل المجتمع ساحة إجرام، ممّا يفقد أفراده عنصر الأمان والطمأنينة. كما أن تزايد فرص إفلات هؤلاء المجرمين من الملاحقة والعقاب؛ بسبب قصور التشريعات الجنائية لدى أغلب دول العالم، يزيد ضمان التمتُّع بعائدات الجريمة، وفرص تدوير الأموال المتحصل عليها من ناحيةٍ؛ ومن ناحيةٍ أخرى يحفز الجماعات الإجرامية المنظمة على زيادة نشاطها الإجرامي.
وحيث إن عمليات غسل الأموال تتمّ عن طريق الأسواق المشروعة، والمؤسّسات المالية والمصرفية، فإنه في بعض الأحيان توجد علاقات قوية وخطيرة بين القائمين على تلك الأسواق والمؤسّسات وبين الجماعات الإجرامية؛ لتبادل المنافع. ويطلق على تلك المؤسّسات (المؤسّسات المشبوهة)، التي تكون تلك الجماعات الإجرامية مساهمة فيها، أو حتّى مالكة لها.
وللجماعات الإجرامية أثناء ارتكابها لجريمة غسل الأموال العديد من الأساليب الإجرامية؛ للإفلات من الملاحقة القضائية؛ فتلجأ إلى إفساد الجهازين الإداري والقضائي برشوة رجال إنفاذ القانون والضبط الجنائي ورجال القضاء؛ وتلجأ في حالة تعذُّر ذلك إلى التصفية أحياناً. وفي سياق سعي تلك الجماعات للقيام بجرائمها فإنها تسعى لإفساد الجهاز السياسي، وإفساد الكيان القيمي والأخلاقي؛ باتّخاذ أساليب الإفساد وسيلةً للتغلغل داخل تلك الأوساط.
وكنتيجةٍ لتنقل جريمة غسل الأموال عبر البلاد، وانتقالها السريع عبر الأنظمة المالية والمصرفية والتجارية للدول، فإن آثار تلك الجريمة لا تقتصر على دولةٍ بينها، بل يمتدّ تأثيرها إلى النطاق الدولي، وفي شتّى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية. وحينما ترتكب الجريمة فإنه يترتّب عليها انتهاك العديد من المصالح والمراكز القانونية المحميّة، والتعدّي على النصوص القانونية للأنظمة الداخلية للدولة. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يمتد الأثر السلبي ليطال مراكز قانونية دولية. ويتّضح ذلك في المعاهدات والمواثيق والاتفاقات الدولية، التي تعنى بمحاربة ومكافحة جريمة غسل الأموال.
ومن أهمّ المؤشِّرات التي تدلّ على خطورة جريمة غسل الأموال، وأهمية مواجهة عملياتها، وضرورة تجريمها ومحاربتها أمنياً على كافّة الصُّعُد الوطنية، هو تنامي حجم عمليات غسل الأموال، وتبعاً لذلك ازدياد وضخامة حجم الأموال المغسولة سنويّاً في العالم، حيث يعتبر نشاط غسل الأموال أكبر نشاط اقتصادي على المستوى العالمي، بعد تجارة العملات ومبيعات النفط([23]). وليس هناك إحصائيات دقيقة عن حجم الأموال القذرة التي يتمّ غسلها على المستوى المحلي أو الدولي. ويؤيِّد هذا وجود أرقام متضاربة عن حجم هذه الأموال.
ويمكن القول: إن عدم وجود إحصائيات دقيقة عن حجم تلك الأموال المتأتية من أنشطة غير مشروعة إنما هو أمر منطقي، مردّه إلى أن مصادر هذه الأرقام الإجرامية غير مرئية، كتجارة المخدرات والسلاح وغيرها، كما أن الأنشطة غير المشروعة تتمّ في الخفاء، ويصعب تقدير حجم الأموال المستثمرة منها أو حجم ما تدرّه من إرباح إجمالية أو صافية؛ لأنها من جرائم الاقتصاد الخفيّ الذي لا يظهر حجمه ضمن الدخل القومي؛ وذلك لأسباب عديدة يمكن إيجازها في ما يلي:
1ـ إن المنظمات الإجرامية التي تقوم بغسل الأموال تلجأ إلى أساليب ذات طبيعة معقَّدة للغاية، مستعينة بأحدث الوسائل والتقنيات العلمية؛ لإتمام عمليات الغسل، وبالتالي يصعب تحديد حجم الأموال الناتجة عن العمليات غير المشروعة، والتي تدخل في عمليات الغسل. ومن الصعوبة بمكان أيضاً تحديد حجم الأموال الناتجة بعد الغسل.
2ـ إن الأموال التي تخضع للغسل غالباً ما يتمّ توزيعها بين قطاعات اقتصادية مختلفة، وفي أنشطة متعدّدة، مما يجعلها غير قابلة للحصر.
5ـ الآثار السياسية
هناك علاقةٌ وثيقة بين جريمة غسل الأموال وبين الفساد السياسي، حيث إن أهمّ وأخطر عملية لغسل الأموال إنما تنتج عن سوء استخدام السلطة السياسية والإدارية، وذلك بواسطة رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات، وأعضاء المجالس النيابية، وكبار موظّفي الدولة، ومن ثم تهريب هذه الأموال؛ وذلك لاستخدام الأموال المتحصلة عنها في شراء واقتناء الأموال العينية، كالذهب والمجوهرات والعقارات، أو استبدالها بصكوك مالية وأسهم وسندات.
ومن هنا فإن عمليات الفساد السياسي تقوم بالعديد من الأنشطة المالية غير المشروعة، حيث يقتصر بعضها على الحدود المحلية، في حين يتعدى البعض الآخر العديد من الدول([24]).
لهذا ستتمّ الإشارة إلى أهم المخاطر السياسية لجريمة غسل الأموال، وهي:
أـ السيطرة على النظام السياسي
تؤدّي الثروات الطائلة والدخول غير المشروعة، ومن ثم النجاح في إخفائها وتمويه مصدرها غير المشروع في إطار عملية غسل الأموال، إلى جعل أصحاب هذه الدخول مصدر قوّة وسيطرة ونفوذ على النظام السياسي([25]).
ومن أهمّ الأمثلة على عملية غسل الأموال الناجمة عن الفساد السياسي العملية التي حدثت في ظلّ الرئيس الفيليبيني «ماركوس» وزوجته «إيميلدا»، حيث أثبتت سلطات التحقيق صحّة هذا الاتهام المنسوب لماركوس خلال فترة حكمه من سنة 1972 ـ 1986([26]).
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فتجدر الإشارة إلى بعض الفضائح المالية لمؤسسات الادّخار والتسليف، والتي تورط فيها «نيل بوش» نجل الرئيس الأسبق «جورج بوش الأب»، وشقيق الرئيس السابق «جورج بوش»، وذلك خلال عضوية نيل بوش في مجلس إدارة سيل فاردو للصيرفة والادّخار في ولاية كلورا دو، التي تعرّضت للانهيار، ومن ثم إلى إجراء تسوية بشأن ديونها بلغت 49,5 مليون دولار([27]).
كذلك في خلال شهر أبريل من سنة 1996 بدأت محاكمة كلٍّ من: «جيمس وسوزان ماكدوجال»، وهما شريكا الرئيس الأمريكي الأسبق «بيل كلينتون» وزوجته «هيلاري»، وذلك في مشروع «وايت ووتر للعقارات»، حيث وُجِّهت لهؤلاء اتّهامات مكوّنة من 21 نقطة، تتعلق بسوء استغلال حوالي ثلاثة ملايين دولار في قروض غير مشروعة، حيث أدلى الرئيس الأمريكي السابق كلينتون بشهادته في هذه القضية لصالح المتّهمين، حيث أعلن أنه لم يضغط على رجل أعمال في ولاية أركنسو لكي يمنح قرضاً غير مشروع لشركائه السابقين في وايت ووتر([28]).
أما في مصر فإن أشهر مواضيع الفساد السياسي وغسل الأموال هي العملية التي قام بها شقيق الرئيس الراحل «أنور السادات»، والتي تعقَّبها الرئيس «حسني مبارك» بداية الثمانينات، وقدَّمها إلى المدّعي العام الاشتراكي والنيابة العامة. وقد علقت وكالات الأنباء العالمية فقالت: إن الرئيس مبارك قد فتح علبة ديدان مليئة بالفساد، والتي لم تقتصر على أسرة عصمت السادات، إنما شملت أيضاً أشخاصاً آخرين، ارتبطت مصالحهم مع عصمت السادات؛ لتحقيق أموال غير مشروعة. وقد قضَتْ محكمة القِيَم بأن عصمت السادات ورفاقه انقلبوا كالثعالب الضالّة يخربون الاقتصاد بالسلب والنهب والوساطة والرشوة وفرض الإتاوة بالتهديد والتخويف. وقد أشارت بيانات المدّعي العام الاشتراكي بأن قيمة ثروة عصمت السادات وزوجاته وأولاده قد بلغت حوالي 180 مليون جنيه مصري في ذلك الوقت([29]).
كما أن هناك العديد من النواب أعضاء مجلس الشعب اتّجهوا نحو استغلال نفوذهم، والتربُّح من العضوية البرلمانية، حيث ورد في بعض التحقيقات أن إحدى نائبات مجلس الشعب سابقاً حصلت على رشوة من الجانب الأمريكي باسم مكتب وهمي في القاهرة؛ وذلك لأجل تسهيل عقد صفقة استيراد سلاح لمصر من الولايات المتحدة الامريكية، حيث كانت قيمة هذه الصفقة حوالي 79 مليون دولار، في حين كان مقدار العمولة 1,8 مليون دولار([30]).
ب ـ جريمة غسل الأموال تؤدي إلى اختراق وإفساد هياكل بعض الحكومات
وتجدر الإشارة إلى أن عملية غسل الأموال، وما يترتب عليها من أرباح طائلة وثروات هائلة، سواء أكانت ثروات مادية أو غير مادية، منقولة أو غير منقولة، من شأنها أن تمكّن أصحابها من اختراق وإفساد هيكلة بعض الحكومات([31]).
ج ـ دور جريمة غسل الأموال في التأثير على البنيان السياسي لبعض المرشحين في الانتخابات البرلمانية
حيث يلجأ كبار تجار المخدّرات إلى الإنفاق على الدعم المالي لبعض المرشحين؛ وذلك من أجل خوض انتخابات المجالس النيابية والبلدية، فيقومون بتمويل الدعاية الانتخابية لهؤلاء النوّاب؛ وذلك لغرض مساعدتهم، والتأثير على المناخ الديمقراطي، والمشاركة في تزوير الانتخابات؛ من أجل وصول بعض تجار المخدّرات أو مَنْ ينوب عنهم إلى عضوية المجالس النيابية والبلدية ذات التأثير السياسي، ومن ثم يكتسبون حصانة برلمانية، ويصبحون في مأمن من المساءلة الجنائية([32]).
6ـ الآثار على المستوى الدولي
وفيه مطالب:
أـ آثار غسل المال على الاقتصاد العالمي
قدرت إحصائيات الأمم المتحدة والإنتربول حجم الأموال التي تم غسلها سنوياً في عام 2000م بما يجاوز 500 مليار دولار([33]).
وفي عام 1996م قدّر صندوق النقد الدولي حجم عمليات غسل الأموال ما بين 590 مليار دولار إلى 1,5 تريليون دولار([34]).
وبوجهٍ عامّ تقدر الأموال المغسولة على المستوى العالمي بما يعادل 2 ـ 5% من حجم الناتج العالمي. وطبقاً لتقديرات فريق العمل المالي (فاتف) (FATF)، المعني بغسل الأموال، فإنه يتراوح حجم الأموال المغسولة من تجارة المخدّرات على المستوى العالمي بين 300 ـ 400 مليار دولار سنوياً. وإذا تم إضافة الأموال المغسولة من مصادر غير شرعية أخرى فقد تتضاعف تلك التقديرات أو تزيد([35]). وهناك مَنْ يرى أن حجم الأموال المغسولة سنوياً يتراوح بين 800 مليار دولار إلى 1,5 تريليون دولار([36]).
كما لوحظ وجود تقديرات مختلفة لحجم الأموال المتعلقة بالغسل([37])، حيث يشير تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية إلى أن حجم تلك الأموال بلغ عام 1999م (1,5) تريليون دولار، بما يوازي 17% من إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة. وفي المملكة المتحدة تشير تقديرات وحدة الاستخبارات الوطنية (NCIS) إلى أن (25) مليار جنيه إسترليني تمثل رقماً مقبولاً لحجم الأموال المغسولة عام 2000م، بما يوازي 13% من إجمالي الناتج المحلي البريطاني.
واتّضح من خلال بعض الإحصائيات في بريطانيا أن معدلات الإبلاغ عن تقارير تحويلات مشبوهة بلغت (100) تقرير في اليوم الواحد عام 2004م. وتشير وحدة الاستخبارات عن الجريمة إلى وصول معدلات تقارير الإبلاغ عن العمليات السنوية إلى حوالي (7000) تقرير في الشهر كحدٍّ متوسط.
أما في الولايات المتحدة الامريكية فتشير جمعية المصارف الأمريكية إلى أن المصارف قدَّمت حوالي (600) ألف تقرير عن نشاطات مشبوهة، وحوالي (12) مليون تقرير عن عمليات تحويل نقدية في أقسام الخزانة الأمريكية.
وممّا لا شَكَّ فيه أنه كلما زاد عدد المؤسسات المالية والمصارف، بحيث تصل إلى درجةٍ كبيرة وشكل غير منطقي، فإن ذلك يعدّ عاملاً رئيسياً لزيادة حجم المشكلة، ولا سيَّما في بعض الدول والجزر النامية، ما يجعلها ملاذاً آمناً لعصابات الإجرام وغاسلي الأموال، ويمكن على سبيل المثال ذكر بعضها([38]):
ـ جزر الكاريبي: حيث يبلغ عدد سكانها (83) ألف نسمة، ويبلغ عدد البنوك بها (5) بنوك، وعدد المؤسّسات المالية الأخرى (4600) مؤسسة.
ـ جزر البهاما: يوجد فيها (70) ألف مؤسسة مالية، (400) بنك، (96) مؤسسة ائتمانية، (62) شركة تأمين.
ـ جزيرة ناورو في المحيط الباسفيكي: وعدد سكانها بضعة آلاف، وبها (400) بنك مسجّل.
كما أنه من الملاحظ ضخامة حجم الأموال التي تغسل سنوياً في بعض الدول، فوفق ما ذكره تقرير وحدة المخابرات الأسترالية يُشار إلى أن ما يتمّ غسله سنوياً في البنوك والمؤسسات المالية الأسترالية يزيد على (4,5) مليار دولار أمريكي، ما يدلّ على ضخامة حجم الأموال التي يتم غسلها في دولةٍ واحدة.
ويشير تقرير هيئة الرقابة الإدارية في مصر عام 1999م إلى أن حجم الأموال غير المشروعة التي يتم تدويرها في الاقتصاد المصري يصل إلى (5) مليارات دولار أمريكي، منها (3) مليارات دولار في عمليات غسل الأموال المتعلقة بتجارة المخدّرات، وحوالي (1) مليار دولار في عمليات تجارة السلاح، وقرابة الـ (500) مليون دولار في العملات المزيفة([39]).
كما قُدِّرت حجم الأموال المغسولة في روسيا بحوالي (10 ـ 15) مليار دولار أمريكي.
وأوضح المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي في عام 1998م أن تقديرات حجم غسل الأموال تفوق الخيال؛ إذ تتراوح ما بين (2 ـ 5)% من إجمالي الإنتاج المحلي العالمي. كما يقدر البعض إجمالي الدخل المتحقق من عمليات المخدّرات غير القانونية بما يعادل (688) مليار دولار سنوياً، منها (150) ملياراً في الولايات المتحدة الأمريكية، و(33) ملياراً في أوروبا، و(5) مليارات في بريطانيا، و(500) مليار في باقي أقطار العالم([40]).
وتوضح البيانات الخاصة بتقديرات الأمم المتحدة أن حجم عمليات غسل الأموال في الدول الصناعية المتحقِّقة من تجارة المخدرات تتراوح بين (120 ـ 500) مليار دولار؛ بدافع الأرباح الهائلة التي تحقّقها هذه التجارة والأنشطة الأخرى إلى حجم الأرباح التي حققتها المافيا من الاقتصاد الخفي، والتي بلغت (110) مليارات دولار في عام 1999م، وارتفعت إلى (2,5) تريليون دولار عام 1994م، وبشكلٍ يفوق الناتج المحلي الإجمالي العالمي([41]).
ب ـ تهديد السلم والأمن الدوليين
اتّسع نطاق جرائم غسل الأموال إلى حدود خارجة عن الأقاليم، أيّاً كانت، حيث أصبحت تهدّد استقرار وسلامة الأنظمة السياسية وهياكل الحكومات، بل تهدّد كذلك الأمن والسلم الدوليين، ما يستدعي اتّخاذ تدابير مضادة ووقائية من جانب المجتمع الدولي([42]). ومن تلك الجرائم:
1ـ تمويل النزاعات الدينية والعرقية وأعمال الإرهاب
من الجدير بالذكر أن جريمة غسل الأموال لها علاقة وثيقة بتمويل النزاعات الدينية والعرقية، وكذلك تمويل حركات الإرهاب والتطرّف والعنف الداخلي. فقد أشارت الأمم المتحدة، في دورتها التي انعقدت في الثامن من شهر حزيران لسنة 1998م، إلى أن الأموال الطائلة الناجمة عن غسل الأموال من شأنها أن تموِّل العديد من النزاعات الدينية والعرقية والعمليات الإرهابية، وهنا يقوم غاسل الأموال ببثّ الخلافات الداخلية، وإشعال الفتن الداخلية، الدينية والعرقية منها، ثمّ بعد ذلك يعمد إلى تمويل هذه الحركات بالسلاح والمساعدات وغيرها، بواسطة الأموال القذرة.
ويُضاف إلى ذلك نشاط المافيا العالمية، ودورها في إحداث الانقلابات السياسية، وخاصّة في الدول النامية من العالم الثالث، حيث تستخدم عملية غسل الأموال في توفير الدعم المالي، وتمويل شراء السلاح اللازم لحدوث الانقلابات العسكرية والسياسية والاستراتيجية عالمياً([43]).
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن بنك الاعتماد والتجارة الدولي قد لعب دوراً كبيراً في تمويل ثوّار الكونترا في نيكاراغوا، وذلك خلال عامي 1985 و1986؛ لأجل الحصول على السلاح والمعدات العسكرية المصدرة، وذلك مقابل إطلاق سراح رهائن. وإضافة إلى ذلك ساهم هذا البنك في تمويل العديد من صفقات السلاح. وقد تولى هذه العملية فرع بنك الاعتماد والتجارة الدولي في مونتي كارلو، بالاشتراك مع فرع لوس أنجلوس، حيث قدرت المبالغ التي تمّ دفعها كتسهيلات بـ (100) ألف دولار مقابل حصول هذه الصفقة([44]).
2ـ العلاقة الوثيقة بين نشاط الجاسوسية السياسية والاقتصادية وغسل الأموال
تجدر الإشارة إلى أن أجهزة المخابرات والجاسوسية تحتاج إلى التمويل اللازم لعملياتها حول العالم. ومن هنا تلجأ إلى استخدام المصارف التجارية في عدّة دول؛ وذلك من أجل توجيه الأموال من دول تجميع الأموال إلى دول تزاول أنشطة العمليات التجسسية في مختلف أنحاء العالم. ومن هنا تلجأ هذه الأجهزة إلى استخدام الأموال الهاربة في تأسيس شركات وهمية؛ من أجل مزاولة أنشطة صورية، تخفي حقيقة نشاطها السياسي، ودورها في عمليات التجسُّس، وتنفيذ بعض العمليات التخريبية أو التدميرية الموجّهة إلى أنظمة حكم معينة في مختلف الدول.
وتستخدم بعض الأحزاب السياسية حصيلة الأموال الناجمة عن تجارة المخدّرات وتزييف النقد الوطني والأجنبي في تمويل عملياتها العسكرية، وذلك ضدّ نظام الحكم القائم، في إطار الصراع على السلطة، كما هو الحال في العديد من الدول([45]).
ويُشار إلى أن بنك الاعتماد والتجارة الدولي قد لعب دوراً مهماً في الجاسوسية الاقتصادية، من خلال توحيد علاقته القوية مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والمخابرات الباكستانية، التي رحبت بالتعاون مع هذا البنك؛ نظراً لأنه مؤسسة مصرفية واسعة الانتشار في مختلف دول العالم، كما حرصت هذه المخابرات على التعاون مع الجهات التي تمارس أنشطة خفية، وتقوم بجمع المعلومات، والأسرار، ونقل الأموال عبر القنوات المتعدّدة، والتي لديها علاقات قوية مع رجال الحكم والسياسة وكبار رجال المال في عددٍ كبير من الدول.
كما استطاع مصرف الاعتماد والتجارة الدولي أن يعين بعض رجال المخابرات في وظائف إدارية بهذا المصرف، فعيَّن اثنين من كبار رجال المخابرات في وظائف هامة، وعمد إلى تعيين آخرين كأعضاء في مجالس الإدارة في مختلف الفروع([46]).
وأشارت التقارير المختصّة في هذا الشأن إلى أن إدارة بنك التجارة والاعتماد الدولي كانت خاضعة لنفوذ وتوجيهات رجال المخابرات، حيث كانت تتلقى التوجيهات في هذا الصدد؛ لتساهم بدورها في تسهيل عمليات الجاسوسية في مختلف دول العالم، وذلك من خلال تسهيل فتح حسابات في هذا المصرف من دون تثبُّت من هويات أصحاب الحسابات([47]).
ج ـ دعم انتشار الجريمة المنظّمة على المستوى الدولي
غسل الأموال غير المشروع يُعَدّ صورة للجريمة المنظمة متعدّدة الجنسيات، فجريمة غسل الأموال تُعَدّ جريمة لاحقة أو تابعة، ولا بُدَّ أن يسبقها ارتكاب جريمة أوّلية، تحصّلت منها الأموال غير المشروعة (محلّ الغسل)، وقد تكون هذه الأخيرة (كالاتّجار في المخدرات، أو تهريب الأسلحة، أو تهريب العمالة غير الشرعية، إلخ) قد وقعت في دولة، وتتمّ عمليات غسل الأموال المتحصلة منها في دول أخرى، فهي تتّسم في كثير من الأحوال بالطابع الدولي، أي إنها جريمة عابرة للحدود الوطنية. كما أن عمليات الغسل نفسها تقوم بها تنظيمات إجرامية كبرى مختصة، تعمل عبر العديد من الدول، وتجري عملياتها عن طريق الدوائر المالية الدولية، مقابل حصولها على نسب مالية محددة، وتستعين تلك المنظمات بالعديد من المختصين المحترفين ممَّنْ يمتهنون مهناً مختلفة، تتعلّق بفنون غسل الأموال على جميع المستويات الداخلية والخارجية.
وعندما تتملّك منظمات الجريمة مشاريع أعمال فإنها تضخّ فيها أموال الجريمة؛ بهدف الغسل، ومن ثم تحيط هذه المشاريع بقدر كبير من الدعم، الذي يمكّنها من إزاحة كافّة المنافسين لها في السوق، وتسعى لتطبيق قاعدة الاحتكار المطبّقة بواسطة الجريمة المنظمة في الاقتصاد الخفي على الاقتصاد الرسمي، وهو الأمر الذي يهدّد الأمن الاقتصادي العالمي. وغالباً ما يحتاج نجاح هذه المشاريع إلى نوعٍ من المساندة الرسمية، من خلال الموظفين الرسميين، والتي تتمّ عادةً عن طريق الرشوة والفساد، واستغلال النفوذ السياسي والإداري، اللذين تربطهما علاقة وثيقة بغسل الأموال؛ إذ يتم استغلال النفوذ لجمع الثروات غير المشروعة، وتهريبها، ومن ثم غسلها([48]).
ولعلّ من أبرز أمثلة الفساد العالمي المرتبط بالجريمة المنظمة، والذي يهدّد الأمن والسلم الدوليين ما يلي([49]):
أـ مشروع مياه مرتفعات ليسوتو: حيث تمّ دفع 2 مليون دولار من قبل شركة (أكرس الدولية)، بالإضافة إلى (11) شركة دولية أخرى مختصّة في بناء السدود.
ب ـ مشروع قولون لحرق النفايات في ألمانيا: حيث تمّ دفع ما قيمته 13 مليون دولار كرشوة أثناء عملية بناء المنشأة التي تقدّر قيمة بنائها بـ 500 مليون دولار.
ج ـ مشروع بناء محطة «باتان» لإنتاج الطاقة النووية في الفيليبين، والتي تجاوزت تكلفتها 2 بليون دولار أمريكي. وقد اعترفت الشركة المنفذة للمشروع بقيامها بدفع 17 مليون دولار كعمولةٍ لصديقٍ سابق للرئيس ماركوس، وتمّ بناء المفاعل فوق موقع فيه تصدُّع زلزالي نشط، ما يخلق مخاطر كبيرة قد يسبِّبها التلوث النووي في حال تشغيل المفاعل.
د ـ مشروع بناء سد «بياجالي» في أوغندا، والذي يتمّ التحقيق فيه عن طريق ممارسات فساد من قبل البنك الدولي وأربع حكومات مختلفة، بعد اعتراف أحد الموظفين في المشروع بدفع رشوةٍ لموظَّف حكومي رفيع.
هـ ـ ما تبين للتحقيقات الأمريكية الفيدرالية من أن تجار المخدّرات يقومون ببيعها، ونقلها من كولومبيا إلى الولايات المتحدة، ويحصلون على الثمن بالدولار داخلها، ثمّ يقومون بإيداع حصيلة البيع في بنك الاعتماد والتجارة الدولي، ويقوم البنك بواسطة فروعه المتعدّدة بتحويل الأموال إلى كولومبيا، بحيث تدخل البلاد بصورة قانونية.
وقد أعلن النائب العام بمنطقة شمال كاليفورنيا أن مصرف بنكولوي، الذي يتخذ من لوكسمبورغ مقرّاً له، قد أقرّ بقيامه بعملية غسل أموال لحساب عمليات تجارة المخدّرات في كولومبيا، تبلغ قيمتها 2,3 مليون دولار. ويعتبر هذا البنك ثاني بنك في تاريخ الولايات المتحدة يعترف بقيامه بعمليات غسل أموال، بعد بنك الاعتماد والتجارة الدولي.
و ـ ما تطرّقت له بعض الإحصائيات، التي ذكرت أن سويسرا وحدها يوجد بها (14700) مصرف يقوم نشاطها أساساً على مهمة غسل الأموال، وتمويل الأنشطة غير المشروعة بمختلف أنواعها، وإيداع ثروات الحكام السياسيين المهرَّبة إليها. ويعمل 40% من سكان سويسرا في مصارف، ويوجد فيها مكاتب خاصّة لاسترداد الأموال التي يتمّ غسلها في تلك المصارف مقابل 25% من القيمة. ويعمل في هذه المكاتب رجال مخابرات ورجال مصارف تركوا الخدمة. وعادةً ما يتم الإعلان في الصحف السويسرية عن مكافآت لمَنْ يدلي بأيّ معلومات توصل إلى الأموال المطلوب استردادها، والناتجة عن الفساد السياسي والإداري في العديد من دول العالم، لكنّ الحكومة السويسرية اعترضَتْ على هذه الوسيلة، وألزمت الصحف بالكفّ عنها([50]).
الهوامش
(*) أستاذٌ في الحوزة والجامعة، وعضو الهيئة العلميّة في مركز بحوث الحوزة والجامعة. متخصِّصٌ في الاقتصاد الإسلاميّ. من إيران.
(**) باحثٌ في الحوزة العلميّة.
([1]) محمد عبد السلام سلام، جرائم غسل الأموال إلكترونياً في ظلّ النظام العالمي الجديد للتجارة الحرّة (العولمة): 1510، مؤتمر الأعمال المصرفية الإلكترونية بين الشريعة والقانون، كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة، وغرفة تجارة وصناعة دبي، دبي، 10 ـ 12 مايو 2003. انظر أيضاً: عبد العزيز الشافي، تبييض الأموال: 193، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، ط1، 2001.
([2]) مجلة الحقوق، حلقة نقاشية (جرائم ذوي الياقات البيضاء) : 278، مجلس النشر العلمي، جامعة الكويت، السنة (23)، سبتمبر 1999. انظر أيضاً: هشام غرايبة، التأثير الاقتصادي لعمليات غسل الأموال على المجتمع: 3، الحلقة العلمية (أساليب مكافحة غسيل الأموال)، عمان، 2001.
([3]) عبد الرحيم صدقي، وجهات نظر فكرية وقانونية حول موضوع غسل الأموال القذرة «جريمة العصر الحادي والعشرين: الوقاية والمنع لجرائم غسل الأموال»: 7، مؤتمر الوقاية من الجريمة في عصر العولمة، كلية الشريعة والقانون، جامعة الإمارات العربية المتحدة، بالتعاون مع أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، العين، 6 ـ 8 مايو 2001. وانظر: عبد الخالق، الآثار الاقتصادية الاجتماعية لغسيل الأموال: 34، كلية الحقوق، جامعة المنصورة ـ مصر، 1999م. وأيضاً: سيد شوربجي عبد المولى، عمليات غسل الأموال وانعكاساتها على المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، المجلة العربية للدراسات الأمنية والتدريب، العدد 28: 345، الرياض، 1420.
([4]) عبد الخالق، الآثار الاقتصادية الاجتماعية لغسيل الأموال: 24. للمزيد انظر: محمد محمد علي، الآثار الاقتصادية لغسيل الأموال: 16، بحثٌ مقدّم إلى ندوة تطوير الأداء في مؤسسات القطاع العام، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، القاهرة، 2 ـ 6 يناير 2005.
([6]) فؤاد مرسي، الرأسمالية تجدّد نفسها: 216، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1990.
([7]) عبد الخالق، الآثار الاقتصادية الاجتماعية لغسيل الأموال: 27.
([8]) حسني محمد العيوطي، الأموال القذرة، غسيل الأموال في مصر والعالم: 74، دار أخبار اليوم، قطاع الثقافة، (د. ت).
([9]) عصام محمد، مكافحة غسيل الأموال بين التجريم والتعاون الدولي: 5، المركز القومي للدراسات القضائية، 1996.
([10]) عصام محمد، المصدر السابق: 177. انظر أيضاً: خالد سعد زغلول، غسيل الأموال (البنوك في الأردن)، جمعية البنوك في الأردن 18، العدد 8: 349، تشرين الأول 2000م.
([11]) عبد الرحمن يسري، النظرية الاقتصادية الكلية: 4، الدار الجامعية ـ الإسكندرية، د. ط، 1997.
([12]) صلاح الدين حسن السيسي، قضايا اقتصادية معاصرة: 84، دار الآداب، الشارقة ـ الإمارات العربية المتحدة، ط11، 1998.
([13]) عصام محمد، مكافحة غسيل الأموال بين التجريم والتعاون الدولي: 178.
([14]) محمد حافظ الرهوان، عمليات غسيل الأموال (مفهومها وخطورتها واستراتيجية مكافحتها)، مجلة الأمن والقانون الصادرة عن شرطة دبي: 145، السنة العاشرة، يوليو 2002؛ محمد محي الدين عوض، غسيل الأموال، تاريخه وتطوره وأسباب تجريمه وطرق مكافحته، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية: 170، كلية الحقوق، جامعة المنصورة، القاهرة، أبريل 1999.
([15]) انظر: محمد نصر محمد، الحماية الجنائية للنـزاهة ومكافحة الفساد وعلاقتها بجريمة غسل الأموال: 32، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 2014.
([16]) بيتر كويك، غسيل الأموال يثير التشوش في الاقتصاد الكلي، التمويل والتنمية، صندوق النقد الدولي، المجلد (34)، العدد 1: 9، مطابع الأهرام التجارية ـ مصر 1997.
([17]) فؤاد شاكر، التوجهات الاستراتيجية لمكافحة تبييض الأموال من قبل المصارف العربية: 11، ندوة «تبييض الأموال»، اتحاد المصارف العربية، عمان، 2002م.
([19]) كلية الملك فهد الأمنية، سجل البحوث والأوراق العلمية المقدّمة في ندوة (المجتمع والأمن) السنوية الرابعة، بعنوان: الظاهرة الإجرامية المعاصرة: الاتجاهات والسمات، الرياض، 21 ـ 24 شعبان 1426، الموافق 25 ـ 28 سبتمبر 2005. وانظر: عطيّة عبد الحليم صقر، الآثار الاجتماعية والاقتصادية لجريمة غسل الأموال: 173 ـ 176، دار النهضة العربية، القاهرة، 2001. وانظر أيضاً: مخلص المبارك، غسل الأموال التجريم والمكافحة: 44، مؤسّسة النوري للطبع والنشر، دمشق ـ سوريا، 2003. وانظر أيضاً: بابكر الشيخ، آليات المجتمع السوداني في التصدي لظاهرة غسيل الأموال: 46 ـ 47، مجموعة بنك النيلين للتنمية الصناعية، الرياض، 1999؛ ونظر أيضاً: تقرير إدارة شؤون المجتمع الدولي بالأمم المتحدة (ميدان في عالم واحد)، لمجموعة مترجمين.
([20]) الحسن بن فضل الطبرسي، مكارم الأخلاق: 7، الشريف الرضي، قم، 1370. وأيضاً: محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار 16: 210، مؤسسة الوفاء، بيروت ـ لبنان، ط2، 1983.
([21]) سالم محمد عبود، ظاهرة غسيل الأموال (المشكلة ـ الآثار) مع الإشارة للعراق: 76، دار الدكتور للعلوم الإدارية والاقتصادية، بغداد ـ العراق، ط2، 2012.
([22]) أحمد البازغي، الآثار الاقتصادية والأمنية لعملية غسل الأموال: 85، جامعة نايف العربية للعلوم الامنية، الرياض، 1423هـ؛ حسان سعيد، الآثار الاقتصادية لجرائم المخدّرات، مجلة الأمن والحياة، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، العدد 202: 45، الرياض، ربيع الأول 1420هـ؛ سعود الغامدي، غسل الأموال في النظام السعودي والاتفاقيات الدولية: 68 ـ 69، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2005؛ سعيد سعد ناصر حمدان، وسيد جاب الله السيد، المصاحبات الاقتصادية والاجتماعية لجريمة غسل الأموال في ظلّ تحولات العولمة: 200 ـ 201، كلية الملك فهد الأمنية، الرياض، 2005؛ محمد محيي الدين عوض، جرائم غسل الأموال: 75 ـ 77، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2004؛ مخلص المبارك، دور البنوك التجارية في الرقابة على عمليات غسل الأموال: 46، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2003.
([23]) عبد الفتاح سليمان، مكافحة غسل الأموال: 15، دار علاء الدين للطباعة والنشر، القاهرة ، 2003.
([24]) سعيد عبد اللطيف حسن، جرائم غسيل الأموال بين التفسير العلمي والتنظيم القانوني: 127، دار النهضة العربية، القاهرة، 1997.
([25]) نادر عبد العزيز شافي، تبييض الأموال، دراسة مقارنة: 205، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2001.
([26]) حمدي عبد العظيم، غسيل الأموال في مصر والعالم: 60، دار النهضة العربية، القاهرة، 1998.
([29]) المصدر السابق: 160 ـ 161.
([32]) عبد الفتاح سليمان، مكافحة غسل الأموال: 195.
([33]) سهيل الزين، كلمته في الأمانة العامة للإنتربول، وذلك في الاجتماع الإقليمي الآسيوي الأول للتعاون بين وكالات إنفاذ القانون، الرياض، 28 ـ 30 يناير 2002.
([34]) مركز الدراسات والبحوث (الغرفة التجارية الصناعية)، ظاهرة غسل الأموال وآثارها الاقتصادية والاجتماعية وسبل مكافحتها: 43، الغرفة التجارية الصناعية، الرياض، 2000.
([35]) خالد المشعل، جرائم غسل الأموال، مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد 30: 530، 1421هـ.
([36]) جمال محمد السقّا اللوزي، الجوانب الاقتصادية والاجتماعية لغسل الأموال (دراسة تحليلية): 214، كلية الحقوق (جامعة المنصورة)، مصر، 2007.
([37]) خالد المشعل، الأساليب المستحدثة في غسل الأموال واستخدام التكنولوجيا الجديدة في الغسل وكيفية التغلب عليها: 7، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 1425هـ.
([39]) عبد الفتاح سليمان، مكافحة غسل الأموال: 16.
([40]) مركز الدراسات والبحوث (الغرفة التجارية الصناعية)، ظاهرة غسل الأموال: 43.
([41]) سيد شوربجي عبد المولى، دراسة عن عمليات غسل الأموال، المجلة العربية للدراسات الأمنية، العدد 18: 322، المجلد 14، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 1420هـ.
([42]) نادر عبد العزيز شافي، تبييض الأموال: 206.
([43]) سعيد عبد اللطيف حسن، جرائم غسيل الأموال بين التفسير العلمي والتنظيم القانوني: 129، دار النهضة، القاهرة، 1997.
([44]) حمدي عبد العظيم، غسيل الأموال في مصر والعالم: 93.
([45]) سعيد عبد اللطيف، جرائم غسيل الأموال بين التفسير العلمي والتنظيم القانوني: 128.
([46]) حمدي عبد العظيم، غسل الأموال في مصر والعالم: 93.
([48]) اللوزي، الجوانب الاقتصادية: 150.
([49]) محمد نصر محمد، الحماية الجنائية للنـزاهة ومكافحة الفساد وعلاقتها بجريمة غسل الأموال: 50.