دراسةٌ فقهيّة
الشيخ مسعود إمامي(*)
المقدّمة
لقد ورد الحكم في وجوب استئذان الوليّ الفقيه في تطبيق القصاص في المادة رقم (417) من قانون العقوبات الإسلامي، المصادق عليه سنة 1392هـ.ش. وقد اشتملت المادة رقم (418) على بيان فلسفة استئذان الوليّ الفقيه وحدود ذلك. وفي المادة رقم (419) تمّ التأكيد مرّةً أخرى على ضرورة استئذان الوليّ الفقيه. وإليك نصّ ما ورد في هذه المواد الثلاث:
المادة رقم (417) ـ يجب استئذان الوليّ الفقيه أو مَنْ يمثِّله في تطبيق القصاص.
المادة رقم (418) ـ إن استئذان الوليّ الفقيه في تطبيق القصاص إنما هو للإشراف على صحة تطبيق القصاص، وضمان حقوق صاحب الحقّ في القصاص والأطراف الأخرى في الدعوى. ويجب أن لا يحول هذا الاسئذان دون استيفاء صاحب الحقّ في القصاص لحقِّه، أو حرمانه من حقِّه.
المادة رقم (419) ـ إن تنفيذ القصاص ومباشرته ـ بحَسَب المورد ـ حقٌّ لوليّ الدم والمجنيّ عليه، وعند موت صاحب الحقّ ينتقل هذا الحقّ إلى ورثته، ويجب تنفيذه من طريق القسم التنفيذي المرتبط بتنفيذ الأحكام الجزائية، بعد استئذان الوليّ الفقيه.
إن حكم الاستئذان من الوليّ الفقيه في هذه المواد الثلاث مطلق، ويشمل قصاص النفس والأعضاء أيضاً. كما تضمَّن قانون العقوبات الإسلامي لسنة 1370هـ.ش، في المادة رقم (205) و(265)، وجوب استئذان وليّ أمر المسلمين في قصاص النفس، واشتملت المادة رقم (269) على وجوب استئذانه في قصاص الأعضاء([1]).
وفي هذا المقال نسعى إلى القيام بدراسةٍ فقهية ـ حقوقية حول وجوب استئذان الوليّ الفقيه أو ممثِّله في تنفيذ القصاص. ولكنْ قبل الدخول في تفاصيل هذا البحث يجب أن نشرح المراحل المختلفة لحقّ قصاص النفس لوليّ الدم، وحقّ قصاص الأعضاء للمجنيّ عليه؛ كي يتّضح لنا ما هي المرحلة التي يتوقَّف تنفيذها على استئذان الوليّ الفقيه من بين هذه المراحل.
1ـ المراحل الأربعة لحقّ القصاص
يثبت حقّ القصاص للمجنيّ عليه في جناية العمد على العضو، كما يثبت لوليّ الدم في جناية العمد على النفس. ويثبت هذا الحق للمجني عليه ووليّ الدم بعد وقوع الجناية عمداً من قبل الجاني مباشرةً، حتّى قبل صدور الحكم من القاضي بإثبات حقّ القصاص. إن لإثبات حق القصاص في المحكمة مجرّد جنبة الكشف عن ثبوت هذا الحقّ في ظرف الاعتبار القانوني وعند الشارع، لا أن هذا الحقّ يوجد في ظرف الاعتبار بحكم القاضي. وعلى هذا الأساس لو أن المجنيّ عليه أو وليّ الدم قاما بالقصاص قبل صدور الحكم من المحكمة لا يستحقّان القصاص أو دفع الدية؛ لأن الجاني بالنسبة لهما ـ كما ورد في الفقرة (پ) من المادة رقم (302) من دستور الجمهورية الإسلامية لعام 1392هـ.ش ـ مهدور الدم. وإن موضوع الحكم بالقصاص ودفع الدية ـ كما ورد في هذه المادة ـ إنما يقتصر على الجناية العمدية بحقّ محقون الدم. وعليه ـ طبقاً لما ورد في الملحق الأول من المادة رقم (302) ـ إذا صدر القصاص منهم قبل استئذان المحكمة وجب عليهما التعزير؛ لمخالفتهما القرارات المتعلِّقة بتنفيذ القصاص.
إن حقّ القصاص يمكن القيام به من قِبَل المجنيّ عليه أو وليّ الدم بعد قطع أربع مراحل في الحدّ الأدنى. ونحن لا نرى في الكتب الفقهية تفكيكاً واضحاً بين هذه المراحل وتمييزها من بعضها. ولكننا نقدِّمها على النحو التالي:
المرحلة الأولى: حقّ إقامة الدعوى في المحكمة.
المرحلة الثانية: الحقّ في المطالبة بتنفيذ عقوبة القصاص، بعد إثبات هذا الحق من قبل المحكمة.
المرحلة الثالثة: الحقّ في المطالبة بتنفيذ عقوبة القصاص في كلّ لحظة.
المرحلة الرابعة: حقّ المباشرة في تنفيذ القصاص.
وعليه فعند وقوع الجناية عن عمدٍ بحسب المورد يحقّ للمجني عليه أو وليّ الدم في المرحلة الأولى أن يقيم الدعوى في المحكمة. ولا تقبل الدعوى من غيره، إلاّ المدعي العامّ، من حيث الجهة العمومية للجريمة.
ثم بعد ذلك، وفي المرحلة الثانية، بعد إثبات الجناية عن عمدٍ من قبل الجاني، وإثبات حقّ القصاص على أساس حكم المحكمة، يحقّ لوليّ الدم أو المجنيّ عليه المطالبة بعقوبة القصاص. وفي هذه المرحلة يعلن عن عدم العفو والمصالحة على الدية، ويطالب بتنفيذ القصاص بحقّ الجاني.
وفي المرحلة الثالثة يمكنهم تنفيذ ما طالب به في كلّ لحظةٍ يريد تنفيذ الحكم فيها. وعلى هذا الأساس بعد المطالبة بالقصاص من قبل صاحب الحقّ في المحكمة يثبت له كذلك حقٌّ آخر، وهو حقّ تحديد اللحظة الزمنية لتنفيذ حقّ القصاص. ومعنى هذه المرحلة من حقّ القصاص أن المبادرة إلى تنفيذ عقوبة القصاص أو تأخيرها يعود إلى صاحب الحقّ في القصاص، لا إلى المحكمة. فلو لم تكن هذه المرحلة الثالثة ثابتة لصاحب الحقّ في القصاص ـ كما لا تثبت في الكثير من العقوبات بالنسبة إلى الشاكي ـ يكون تحديد لحظة تنفيذ القصاص بعد مطالبته بالقصاص عائداً إلى تشخيص المحكمة، لا إلى تشخيص أو مطالبة صاحب الحقّ في القصاص.
وفي المرحلة الرابعة يمكن لصاحب الحقّ في القصاص ـ بعد المطالبة بعقوبة القصاص، وبعد المطالبة بتنفيذ عقوبة القصاص في تاريخ زمنيّ محدَّد ـ أن يطالب بمباشرة تنفيذ القصاص بنفسه، بمعنى أن يطلب من المحكمة أن يقوم هو أو مَنْ يمثِّله بتنفيذ القصاص.
لقد ذكرت المادة رقم (9) من قانون الأحكام في المحاكم العامة ومحاكم الثورة الإسلامية في الأمور الجزائية، المصادق عليه سنة 1378هـ.ش، وقانون العقوبات المصادق عليه سنة 1392هـ.ش، المرحلة الأولى من المراحل الأربع المذكورة. وإن مواد الفصل الخامس من القسم الأول من كتاب القصاص من قانون العقوبات الإسلامية لسنة 1392هـ.ش، أي المواد (من 347 إلى 367)، تتعلق بالمرحلة الثانية من هذه المراحل الأربعة. وفي المادة رقم (419) تمّ التصريح بثبوت المرحلة الثالثة والرابعة من حقّ القصاص لصاحبه. كما يفهم من القرارات المصادق عليها في المادة رقم (429) ثبوت المرحلة الثالثة لصاحب حقّ القصاص أيضاً.
لقد تمّ تشريع حقّ القصاص في الكثير من الأدلة الشرعية العامّة لصاحبه بشكلٍ مطلق. ففي الآية 33 من سورة الإسراء تمّ جعل «السلطان» لوليّ الدم على نفس القاتل بشكلٍ مطلق. وإن إطلاق هذا السلطان يقتضي وضع نفس القاتل بشكلٍ مطلق، ومن دون أيّ قيد أو شرط، تحت اختيار وليّ الدم. ولكن قد يفهم من بعض الأدلّة الشرعية، التي سنأتي على ذكرها، أن هذا الإطلاق قد تمّ تقييده؛ إذ إن هذه الأدلة التي يمكن أن يُفْهَم منها وجوب صدور الحكم بالقصاص من قبل الحاكم ووجوب إذنه في تنفيذ القصاص تقيِّد إطلاق الأدلة العامة. وبعبارةٍ أخرى: يُفْهَم من الأدلة المقيّدة أن حفظ النظام، والحيلولة دون اختلال الأمور، يستلزم عدم تمكُّن أيّ صاحب حقٍّ في القصاص من القيام بتنفيذ القصاص بحقّ الجاني بشكلٍ منفرد، بل عليه اتّباع الأطر القانونية، بأن يقيم الدعوى في المرحلة الأولى عند الحاكم، وبعد صدور الحكم من قبل الحاكم عليه أن يستأذنه مرّةً أخرى في تنفيذ القصاص، وأن يقوم بتنفيذ القصاص بإشرافٍ منه.
كما ذهب المشرِّع ـ من خلال هذه الرؤية إلى حقّ القصاص ـ إلى ضرورة دور المحكمة والحاكم في ما يتعلَّق باستيفاء حقّ القصاص من قبل صاحبه، واعتبر القيام بجميع المراحل الأربعة المذكورة، دون أخذ المراحل والسياقات القانونية بنظر الاعتبار، جريمةً. وعلى هذا الأساس لا يمكن لصاحب الحقّ في القصاص أو مَنْ ينوب عنه أو أيّ شخص آخر أن يبادر من تلقاء نفسه إلى إصدار حكم القصاص أو تنفيذه تحت ذريعة علمه بارتكاب المجرم للجناية عن عمدٍ وسبق إصرار وترصُّد. وقد جاء في الأصل السادس والثلاثين من الدستور: «يجب أن يصدر الحكم بالعقوبة وتنفيذها حَصْرياً من طريق المحكمة الصالحة وبموجب القانون». وقد أقرَّتْ المادة رقم (420) ـ كما ورد في الملحق رقم واحد من المادة رقم (302) ـ لمَنْ يقوم من تلقاء نفسه من أصحاب الحقّ في القصاص بتنفيذ حقّه عقوبةً تعزيرية، باعتبار ما يقوم به جريمةً بحقّ السياقات القانونية المتَّبعة في المحاكم أيضاً. فقد ورد في هذه المادة: «لو قام صاحب الحقّ في القصاص بمباشرة القصاص خارج السياقات القانونية حكم عليه بالتعزير طبقاً لما هو مقرَّر في الكتاب الخامس من التعزيرات». إن حكم هذه المادة يشمل جميع المراحل الأربعة المتقدّمة، بمعنى أنه طبقاً لهذه المادة إذا قام صاحب الحقّ في القصاص بتنفيذ القصاص على الجاني، دون أن يقيم دعوى في المحكمة، أو قبل أن تصدر المحكمة حكمها، أو قبل أن يستأذن الوليّ الفقيه، أو من خارج القسم التنفيذي للعقوبات الجزائية، حُكم عليه بعقوبة التعزير.
وعليه، رغم كون تنفيذ ومباشرة القصاص ـ طبقاً للمادة رقم (419) ـ حقّاً ثابتاً لوليّ الدم والمجنيّ عليه، بَيْدَ أنه قد تمّ التصريح في هذه المادة بأنهما لا يستطيعان مباشرة القصاص من دون استئذان الوليّ الفقيه، أو قسم تنفيذ العقوبات في المحاكم. وبعبارةٍ أخرى: إن إرادة المحكمة وإرادة صاحب الحقّ في القصاص يشكِّل كلّ واحد منهما جزء العلة في الحكم بتنفيذ القصاص. فلا يمكن للمحكمة أن تعمل على تنفيذ القصاص دون إرادةٍ ومطالبة من صاحب الحقّ في القصاص، كما لا يمكن لصاحب الحقّ في القصاص ممارسة حقّه دون تنسيقٍ مع المحكمة.
2ـ المباني الفقهية لاستئذان الوليّ الفقيه
أـ آراء الفقهاء
هناك اختلافٌ بين الفقهاء في توقُّف استيفاء القصاص على إذن الإمام× والحاكم الشرعي.
فقد ذهب أكثر المتقدِّمين، من أمثال: المفيد، والطوسي، وأبي الصلاح الحلبي، وابن برّاج، وابن زهرة، وابن إدريس الحلّي، إلى توقُّف استيفاء القصاص من الجاني على إذن الإمام والحاكم([2]). وقد ذهب الطوسي في كتاب «الخلاف» إلى ادعاء الإجماع على ذلك([3])، وإنْ كان يُفهم من كلامه كراهة استيفاء القصاص من دون إذن الإمام، دون حرمته، كما فهم البعض ذلك([4])، وفهم البعض الآخر الحرمة([5]).
وقد نسب البعض ـ مثل: العلامة الحلّي ـ كلا القولين (التوقُّف وعدم التوقُّف) إلى الشيخ الطوسي([6]).
إلاّ أن عبارة الشيخ في «المبسوط» ـ التي هي مستند القول بعدم التوقُّف على إذن الإمام([7]) ـ ليس فيها ظهورٌ واضح في هذا القول. وربما كان مراد الشيخ منها حقّ وليّ الدم في مباشرة استيفاء القصاص.
وعليه، فقد أفتى القدماء بوجوب توقُّف القصاص على إذن الإمام والحاكم، فلا نشاهد من أحدهم فتوىً صريحة بجواز القصاص دون أخذ إذن الحاكم.
ويبدو أن المحقّق الحلّي هو أول مَنْ رفض بوضوحٍ توقُّف القصاص على إذن الإمام، واكتفى باستحباب الإذن، وكراهة القصاص من دون إذن([8]). وبعده ذهب أكثر الفقهاء إلى اختيار هذا القول([9])، وإنْ استمر القليل منهم على رأى المتقدِّمين، فأفتوا بالتوقُّف على إذن الإمام، أو أفتى بالاحتياط الواجب، مثل: الإمام الخميني([10]).
أما العلاّمة الحلّي فقد ذهب في كتاب «القواعد» إلى اختيار قول المشهور من المتقدِّمين. وفي كتاب «المختلف» ذهب إلى اختيار قول المحقّق الحلّي([11]).
وذهب بعض الفقهاء إلى نقل كلا القولين، دون الحكم على أيٍّ منهما([12]).
ونسب الشهيد الثاني القول بعدم التوقُّف إلى أكثر الفقهاء([13]). وذهب صاحب الرياض إلى الاعتقاد بأنه قول أكثر المتأخِّرين، بل عمومهم([14]). وأما السيد الخوئي فقد ذكر أن القول بالتوقُّف هو المشهور بين الفقهاء([15]).
ب ـ الفصل بين المراحل الأربعة في آراء الفقهاء
تكمن مشكلة فهم آراء الفقهاء في التفكيك والفصل بين مرحلة صدور الحكم ومرحلة الإذن في تنفيذ القصاص بعد حكم الحاكم؛ فإن أغلب الفقهاء ـ في ما يتعلَّق بهذه المسألة ـ لم يفصلوا بين هاتين المرحلتين. وعليه، لا يمكن لنا بالنسبة إلى أكثر فتاوى الفقهاء تحديد أيٍّ من هاتين المرحلتين كانت هي المنظورة لهم بضرسٍ قاطع. كما لا يمكن لنا تحديد المرحلة المقصودة لهم من خلال الأدلة التي يسوقها الفقهاء على أقوالهم بوضوحٍ. ففي بعض الموارد يمكن لأدلتهم أن تكون ناظرةً إلى كلتا المرحلتين، من قبيل: الدليل القائل بضرورة حفظ النظم في المجتمع، واجتناب الهرج والمرج؛ وأحياناً يتمّ التفكيك في أدلة الفقهاء بين المرحلتين، ويتمّ ذكر الدليل لكلتا المرحلتين عند التفكيك أيضاً، من قبيل: استدلال الشهيد الثاني على القول بوجوب الاستئذان؛ إذ يقول: «لأنه يحتاج في إثبات القصاص واستيفائه إلى النظر والاجتهاد؛ لاختلاف الناس في شرائط الوجوب…، وفي كيفية الاستيفاء؛ ولأن أمر الدماء خطير، فلا وجه لتسلُّط الآحاد عليه»([16]). فقد تمّ الحديث في هذا الاستدلال صراحةً عن إثبات القصاص المرتبط بمرحلة الحكم، وإلى جانب ذلك تمّ طرح كيفية الاستيفاء أيضاً، وهو ناظرٌ إلى مرحلة تنفيذ حكم القصاص. وعليه فإن هذا الاستدلال صريحٌ في وجوب الحصول على إذن الحاكم في كلتا المرحلتين.
كما عمد المحقّق الحلّي في مسألةٍ أخرى إلى التفريق بين مرحلة صدور الحكم وتنفيذه، وذلك حيث قال: «لو حكم، فقامت البينة بالجَرْح مطلقاً، لم ينقض الحكم… ولو كان المباشر للقصاص هو الوليّ ففي ضمانه تردُّدٌ، والأشبه أنه لا يضمن، مع حكم الحاكم وإذنه. ولو قتل بعد الحكم وقبل الإذن ضمن الدية»([17]).
فقد عمد المحقّق الحلّي في هذه العبارة إلى التفريق بين حكم الحاكم بثبوت حقّ القصاص وبين إذن الحاكم بتنفيذ القصاص. كما أنه فرَّق في هذا الفرع الفقهي بين تنفيذ القصاص من قبل وليّ الدين الذي له حقّ المباشرة في تنفيذ القصاص وبين الموارد التي يقوم فيها بالقصاص شخصٌ آخر لا يحقّ له المباشرة. ومن الواضح أن منشأ هذا الفرق في الحكم يكمن في حقّ المباشرة في تنفيذ القصاص. وعليه يكون المحقّق الحلّي في هذا الفرع الفقهي قد فرَّق بين ثلاث مراحل، وهي: مرحلة صدور الحكم بالقصاص من قبل القاضي؛ ومرحلة إذن القاضي بالتنفيذ القصاص؛ ومرحلة المباشرة بتنفيذ القصاص.
كما قام فقهاء آخرون في هذا الفرع الفقهي بالتفكيك بين هذه المراحل المذكورة، أو بعضها([18]).
أما المحقِّق الحلّي فلم يقُمْ بتفكيكٍ واضح ـ في المسألة مورد البحث ـ بين مرحلة صدور الحكم ومرحلة الإذن بالتنفيذ([19]).
لقد عمد أحد الفقهاء المعاصرين إلى التفكيك بين مرحلة صدور الحكم ومرحلة تنفيذ الحكم في ما يتعلق بالاستئذان، وبيَّن فتاواه في كلّ واحدة من هاتين المرحلتين بوضوحٍ، وسعى إلى بيان ما هي المرحلة التي نظر إليها الفقهاء في فتاواهم([20]).
وقد ذهب المحقّق النراقي إلى القول بوضوحٍ: إن اختلاف الفقهاء ناظرٌ إلى مرحلة صدور الحكم. وقد أفتى بعدم لزوم صدور الحكم([21]).
وقد ذهب الشيخ محمد الفاضل اللنكراني إلى موافقة المحقّق النراقي في تفسير الآراء، وبيان محل اختلاف الفقهاء، وقال بأن الأدلة الروائية وفتاوى الفقهاء ناظرةٌ إلى مرحلة صدور الحكم، وأفتى بعدم وجوب الاستئذان من الحاكم في تنفيذ القصاص بعد صدور الحكم من الحاكم. وبعبارةٍ أخرى: يرى سماحته أن اختلاف الفقهاء إنما يكون في مورد يعلم فيه صاحب القصاص ـ على أساس دليلٍ معتبر ـ باستحقاق القصاص، ويروم استيفاء حقّه في القصاص دون مراجعة الحاكم واستئذانه. ورأى أن صاحب الحقّ في القصاص إذا راجع الحاكم، وحكم الحاكم بالقصاص، كان عدم اشتراط الاستئذان واحداً، وكان خارجاً عن محلّ الاختلاف بين الفقهاء([22]).
هناك قرائن في مؤلفات الفقهاء السابقين تدلّ على أن اختلاف الفقهاء ناظرٌ إلى مرحلة صدور الحكم، ومنها: بعض الأدلة المذكورة للقولين.
وعلى هذا الأساس تكون جميع الآراء الخلافية المنقولة عن الفقهاء أجنبيةً عن موضوع المادة رقم (417)؛ فإن آراء الفقهاء ناظرة إلى صدور الحكم، بينما موضوع هذه المادة ناظرٌ إلى الاستئذان من الحاكم في تنفيذ القصاص بعد صدور الحكم بالقصاص.
كما يمكن الادّعاء ـ طبقاً لذلك ـ بعدم وجود فقيهٍ أفتى بوجوب الاستئذان من الحاكم بعد حكمه بالقصاص من أجل تنفيذ القصاص. ومن الناحية الفقهية يكفي حكم الحاكم ليقوم صاحب الحقّ في القصاص باستيفاء حقّه.
إلاّ أن هذا الفهم لآراء الفقهاء لا ينسجم مع بعض كلمات الفقهاء المتقدِّمين. فعلى سبيل المثال: نجد المحقّق الحلّي ـ على ما تقدَّم ـ في مسألة نقض حكم الحاكم بالقصاص بعد تنفيذ القصاص يقول بسبب جرح الشهود: «لو حكم، فقامت البينة بالجَرْح مطلقاً، لم ينقض الحكم… ولو كان المباشر للقصاص هو الوليّ ففي ضمانه تردُّدٌ، والأشبه أنه لا يضمن مع حكم الحاكم وإذنه. ولو قتل بعد الحكم وقبل الإذن ضمن الدية»([23]).
إلاّ أن صاحب الجواهر من الذين لا يقولون باشتراط الاستئذان. وقد أشكل على فتوى المحقِّق بعدم وجود دليلٍ على اعتبار الإذن في استيفاء القصاص بعد صدور الحكم من قبل الحاكم، بل ظاهر الكتاب والسنّة على خلافه؛ وذلك إذ يقول: «ولو كان المحكوم به القصاص، وكان المباشر له ـ أي القصاص ـ هو الوليّ، ففي ضمانه ـ أي الوليّ ـ تردُّدٌ، من مباشرته للفعل ومن قوّة سببية حكم الحاكم في ذلك، والأشبه عند المصنِّف ـ وتبعه الفاضل ـ أنه لا يضمن مع حكم الحاكم وإذنه، ولكنْ لو قتل بعد الحكم وقبل الإذن ضمن الدية، فضلاً عمّا لو كان قبل الحكم.
وقد يُناقَش أوّلاً بعدم ما يدلّ على اعتبار الإذن في الاستيفاء بعد الحكم، بل لعلّ ظاهر الأدلة، كتاباً وسنّة، عدمه»([24]).
وقد ارتضى الشهيد الثاني ـ على هامش هذا الكلام من المحقّق الحلّي ـ وجوب الاستئذان من الحاكم لاستيفاء القصاص بعد صدور الحكم بالقصاص. ويعتبر فتوى المحقق الحلي بالضمان قائمةً على ذلك([25]).
يُفْهَم من هذا الكلام أن الاستئذان من أجل استيفاء القصاص، مضافاً إلى حكم الحاكم، كان مورداً للبحث بين الفقهاء، وأن فقهاء ـ من أمثال: الشهيد الثاني ـ قد أفتَوْا بوجوب الاستئذان.
كما يُفْهَم من عبارة المحقّق الحلّي في مسألة نقض حكم الحاكم شرطية الاستئذان في استيفاء القصاص أيضاً.
وعليه، كما تصوَّر بعض المعاصرين، فإن عدم وجوب الاستئذان في استيفاء القصاص بعد صدور الحكم بالقصاص ليس متّفقاً عليه من قبل الجميع، وهناك في الحدّ الأدنى بعض الفقهاء ـ من أمثال: الشهيد الثاني ـ قد خالف ذلك صراحةً.
وقد ذهب السيد محمد رضا الكلبايكاني إلى القول بأن اختلاف الفقهاء يكمن في مرحلة الاستئذان لاستيفاء القصاص، وليس في مرحلة صدور الحكم. ورأى أن كلام المحقّق الحلّي في مسألة نقض الحكم مخالفاً لفتواه في بحث الاستئذان من الحاكم. إن المحقّق الحلّي ـ كما تقدَّم ـ لا يرى القصاص متوقِّفاً على إذن الحاكم، وإنما يرى الإذن مستحباً، في حين أنه يفتي هنا بضمان الدية على وليّ الدم إذا قام باستيفاء القصاص بعد صدور الحكم من الحاكم وقبل استئذانه. وهذا يثبت أنه يشترط الإذن في استيفاء القصاص، مضافاً إلى حكم الحاكم([26]). وعليه يرى السيد الكلبايكاني أن فتوى المحقّق الحلّي باستحباب الاستئذان ترتبط بالإذن في مرحلة الاستيفاء، وأن هذه الفتوى هي موضوع آراء الفقهاء في الاختلافات المنقولة، وهذا يُثبت أنه يرى أن آراء سائر الفقهاء ناظرةٌ إلى مرحلة الاستيفاء.
وعند الاستفتاء من الفقهاء المعاصرين عمد بعضهم إلى التفريق بوضوحٍ بين هاتين المرحلتين، وأفتى بوجوب صدور الحكم من قبل القاضي، وعدم وجوب الاستئذان في استيفاء القصاص([27]). وأما إجابات البعض الآخر فهي ـ مثل عبارات الفقهاء المتقدِّمين ـ مبهمةٌ، ولم يتمّ الفصل فيها بوضوحٍ بين هاتين المرحلتين([28]).
ومن خلال تبويب آراء الفقهاء يمكن القول: هناك اختلاف في تفسير فتاوى أغلب الفقهاء؛ لوجود الغموض فيها، وعدم تحديد ما إذا كانوا ينظرون إلى مقام صدور الحكم أو استيفاء القصاص؟ أما الفقهاء الذين طرحوا فتاوهم بوضوحٍ فينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: من أمثال: الشهيد الثاني، وقد اشترط صدور الحكم من الحاكم، كما اشترط صدور الإذن منه لاستيفاء القصاص.
والقسم الثاني: من أمثال: المحقق النراقي، لم يشترط إذن الحاكم في أيٍّ من المرحلتين.
والقسم الثالث: من قبيل: بعض الفقهاء المعاصرين، قد اشترط صدور الحكم من الحاكم، ولم يشترط إذنه في استيفاء القصاص.
ج ـ الاستئذان في قصاص الأعضاء
صرّح المحقّق الحلّي ـ بعد الإفتاء بعدم وجوب الاستئذان، وكراهة القصاص قبل الاستئذان ـ قائلاً: إن الحكم بالكراهة في قصاص العضو أشدّ منه بالقياس إلى قصاص النفس([29]). وهناك مَنْ يوافقه الرأي من الفقهاء أيضاً([30]). كما أن بعض الفقهاء الذين أفتوا بوجوب الاستئذان قالوا بأن حكم الوجوب في قصاص الأعضاء أشدّ منه بالمقارنة إلى قصاص النفس([31]). وقد صرّح الشهيد الثاني بأن الحكم بالاستئذان ـ سواء أكان وجوباً أو استحباباً ـ يكون في قصاص العضو أشدّ من الحكم بالاستئذان في قصاص النفس([32]).
إن دليل الفقهاء على أهمّية الاستئذان في القصاص في الأعضاء، وكونه أشدّ من الاستئذان في قصاص النفس، يعود إلى أن قصاص الأعضاء أشدّ منه بالقياس إلى قصاص النفس؛ لأن استيفاء القصاص في الأعضاء يُشترط فيه أن لا يؤدّي إلى القتل أو مزيد من الضَّرَر على المجني عليه([33]).
د ـ التعزير على فرض عدم الاستيفاء
إن الفقهاء الذين أفتَوْا بتوقُّف استيفاء الحق في القصاص على إذن الحاكم لا يرَوْن صاحب الحق مستحقّاً للقصاص لو بادر إلى الاقتصاص دون إذنٍ من الحاكم([34]). ولكنهم اختلفوا فيما بينهم بين قائلٍ بأنه يعزَّر مضافاً إلى ذلك؛ وبين قائلٍ بأنه يكون آثماً فقط، ولا تعزير عليه. وذهب الأكثر ـ من أمثال: الشيخ الطوسي في بعض كتبه، والإمام الخميني& ـ إلى وجوب تعزيره([35]). كما ذهب بعضٌ آخر ـ من أمثال: الشيخ الطوسي في بعض كتبه الأخرى ـ إلى أنه لا يستحقّ التعزير، وإنما يكون آثماً، لا غير([36]). ويبدو ـ كما قال الشهيد الثاني ـ أننا إذا قبلنا بوجوب الاستئذان وجب القول بالتعزير فيما لو بادر إلى القصاص قبل الاستئذان أيضاً؛ إذ يمكن للحاكم أن يفرض تعزيراً على ترك كلّ واجبٍ، أو ارتكاب كلّ حرامٍ([37]).
هـ ـ أدلة القول بوجوب الاستئذان
لقد استدلّ القائلون بوجوب الاستئذان، وكذلك القائلون بعدم وجوبه، بأدلة لإثبات فتاواهم. وإنّ أدلة كلا الطرفين تنظر تارةً إلى مرحلة صدور الحكم([38])، وتنظر تارةً أخرى إلى مرحلة استيفاء القصاص.
أما أدلة القائلين بوجوب الاستئذان الناظرة إلى مقام استيفاء القصاص، أو الأعمّ من مقام صدور الحكم وتنفيذه، فهي كما يلي:
الدليل الأول: إن استيفاء القصاص دون إذن الحاكم يؤدّي إلى الإخلال بالنظم في المجتمع([39]). وهناك مَنْ قرر هذا الدليل قائلاً: إن الشريعة تولي الكثير من الاهتمام بالدماء، ومن جهةٍ أخرى فإن الآراء الفقهية والاجتهادية، وكذلك آراء عامة الناس، تختلف في موضوع القصاص. وإن هذا الاختلاف في مقام استيفاء القصاص سيؤدّي إلى النزاع والفوضى. وعليه لكي لا يؤدّي اختلاف الفقهاء ومذاهب الناس بشأن القصاص إلى الفوضى يجب أن يتمّ استيفاء القصاص بإشرافٍ من الحاكم([40]).
وقد أجاب المخالفون عن هذا الاستدلال قائلين: إن هذا الفرض المذكور في هذا الدليل خارجٌ عن محلّ النزاع؛ إذ الفرض أن حقّ القصاص ومقداره وكيفيته ثابتة ومعلومة، وإنما الكلام فيما إذا كان مجرّد الاستيفاء يحتاج إلى إذن الحاكم أم لا؟([41]).
الدليل الثاني: هناك مَنْ استدلّ بالمأثور عن الإمام الباقر×: محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن عبد الله بن هلال، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر× قال: «مَنْ قتله القصاص بأمر الإمام فلا دية له، في قتلٍ، ولا جراحة»([42]).
حيث فهم الفقهاء من هذه الرواية أن المحكوم عليه لو قُتل أثناء تنفيذ قصاص العضو بأمر الإمام×، دون أن يكون هناك تَعَدٍّ، لم يكن هناك ضمانٌ على أحد. وفي هذه الرواية يقوم الفرض على استيفاء القصاص بأمرٍ من الإمام×، من هنا يمكن لهذه الرواية أن تدلّ على اعتبار إذن الإمام.
وقد ذهب صاحب الرياض وصاحب الجواهر إلى القول بأن هذه الرواية مشعرة باعتبار الإذن([43]). وهذا يعني أن هذه الرواية ليس فيها دلالةٌ واضحة على هذا القول.
وهناك مَنْ أشكل على هذه الرواية من حيث الدلالة، كما أشكل عليها من حيث السند([44]).
وقيل في بيان الإشكال الدلالي: إن هذه الرواية إنما يمكن الاستدلال بها على أساس القول بحجِّية مفهوم الوصف، في حين أن مفهوم الوصف ليس بحجّة.
كما أنه على فرض حجِّية مفهوم الوصف فإن هذه الرواية تدلّ على أنه لو تم استيفاء قصاص العضو دون إذن الإمام×، ودون عدوانٍ، وأدّى إلى موت المحكوم عليه، كان المجنيّ عليه ضامناً، هذا في حين أن القائلين باعتبار إذن الإمام× لا يفتون بمثل هذه الفتوى. وعليه، فحتّى القائلون بوجوب الاستئذان لا يلتزمون بالدلالة المفهومية لهذه الرواية([45]).
كما قيل: إن هذه الرواية ليست في مقام بيان اشتراط إذن الإمام في استيفاء القصاص، بل هي في مقام نفي الدية من قبل الجاني إذا أدّى استيفاء قصاص العضو إلى موت الجاني([46]).
الدليل الثالث: قد يُستَدَلّ للقول بوجوب الاستئذان بهذه الرواية: محمد بن يعقوب، عن عليّ بن محمد، عن بعض أصحابه، عن محمد بن سليمان، عن سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله×، في حديثٍ، قال: قلتُ: ما معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً﴾؟ قال×: «وأيّ نصرةٍ أعظم من أن يدفع القاتل إلى أولياء المقتول، فيقتلنَّه، ولا تبعة يلزمه من قتله، في دينٍ ولا دنيا»([47]).
قيل في تقريب الاستدلال بهذه الرواية: إن فقرة «يدفع القاتل إلى أولياء المقتول» يمكن أن يُفْهَم منها أن الحاكم ما لم يُصْدِر أمراً بدفع القاتل إلى أولياء المقتول لا يُستوفى القصاص، وهذا لا يعني غير توقُّف القصاص على إذن الحاكم([48]).
وقيل في الجواب عن هذا الاستدلال: إن هذه الرواية لا يُفْهَم منها أن أولياء الدم إذا تمكَّنوا من القاتل لا يمكنهم الاقتصاص منه دون إذن الحاكم([49]).
الدليل الرابع: هناك مَنْ استدل بهذه الرواية، التي اعتبرها صحيحةً([50]): وبإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن داوود بن فرقد، عن أبي عبد الله× قال: سألني داوود بن عليّ عن رجلٍ كان يأتي بيتَ رجلٍ، فنهاه أن يأتي بيته، فأبى أن يفعل، فذهب إلى السلطان، فقال السلطان: إنْ فعل فاقتله، قال: فقتله، فما ترى فيه؟ فقلتُ: أرى أن لا يقتله، إنّه إنْ استقام هذا ثمّ شاء أن يقول كلّ إنسانٍ لعدوِّه: دخل بيتي فقتلته»([51]).
رغم أن هذه الرواية ليست ناظرةً إلى مقام القصاص، وإنما هي ناظرة إلى حالة الدفاع، بَيْدَ أنه قيل في مقام القول بوجوب الاستئذان في القصاص بالنظر إلى التعليل الوارد فيها: إن الإمام× قد نهى عن قتل الرجل المعتدي؛ حفاظاً على النظم في المجتمع، والحيلولة دون حصول الفوضى. وهذا الملاك بنفسه موجودٌ في حالة استيفاء القصاص دون الاستئذان من الحاكم([52]).
يمكن القول في الجواب عن الاستدلال بهذه الرواية: إنه يناسب الرجوع إلى الحاكم في مقام صدور الحكم، لا في تنفيذ القصاص؛ لأن الإمام× يستشهد لنقض حكم السلطان بموارد إذا تمّ تطبيقها على أرض الواقع ستؤدّي إلى قتل بعض الأبرياء لا يستحقّون القتل، وهذا يرتبط بمقام إثبات حكم القتل أو عدم إثباته لأولياء المقتول، وليست في مقام تنفيذ حكم القتل.
و ـ أدلة القول بعدم وجوب الاستئذان
أما القائلون بعدم وجوب الاستئذان فقد استدلوا بالأدلة التالية:
الدليل الأول: إن القصاص هو حقّ المجني عليه ووليّ الدم، وإنّ استيفاءه ـ كما هو الحال بالنسبة إلى سائر الحقوق ـ لا يتوقَّف على إذن وإرادة شخصٍ آخر. إن إطلاق قوله تعالى: ﴿فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً﴾، وسائر الأدلة الدالة على حقّ القصاص للمجنيّ عليه ووليّ الدم، تثبت أن القصاص حقٌّ من حقوقهم، وإن الآخرين لا يشاركونهم في استيفاء هذا الحقّ([53]).
كما يمكن الاستدلال بالروايات الكثيرة الدالّة على توقُّف استيفاء قصاص النفس على مطالبة أولياء الدم، واستيفاء قصاص العضو على مطالبة المجنيّ عليه([54]).
وقد أجاب المخالفون عن الاستدلال بهذه الآية الكريمة قائلين: إن هذه الآية في مقام تشريع أصل حكم القصاص، وليست في مقام بيان شرائطه وقيوده؛ كي يمكن التمسُّك بإطلاقه([55]).
وقيل في الجواب عن هذا الإشكال: لا يمكن القبول بأن هذا النوع من الإطلاق إنما هو في مقام تشريع أصل الحكم، وعليه لا يمكن التمسُّك بعمومه وإطلاقه، وإلاّ لم يَعُدْ بالإمكان التمسُّك بعموم أكثر الأدلّة اللفظية([56]).
الدليل الثاني: كما استدلّ الشهيد الثاني بأصل البراءة؛ إذ إن هذا الأصل يدل على أن استيفاء القصاص لا يتوقَّف على إذن غير صاحب الحقّ([57]).
الدليل الثالث: قد يمكن للقائلين بعدم وجوب الاستئذان برواية حفص بن غياث، وهي: وبإلاسناد عن المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله× قال: سأل رجل أبي× عن حروب أمير المؤمنين×، وكان السائل من محبِّينا، فقال له أبو جعفر×: بعث الله محمداً‘ بخمسة أسياف: ثلاثة منها شاهرة، فلا تغمد حتى تضع الحرب أوزارها… وأما السيف المغمود فالسيف الذي يقوم به القصاص، قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ﴾ (المائدة: 45)، فسلُّه إلى أولياء المقتول، وحكمه إلينا»([58]).
تمّ التصريح في هذه الرواية بأن الحكم بالقصاص إلى النبيّ الأكرم‘ وأهل البيت^، إلاّ أن استيفاءه إلى أولياء الدم. من هنا فإن هذه الرواية واردةٌ في وجوب الاحتكام إلى الحاكم لصدور الحكم بالقصاص([59]). بَيْدَ أن هذه الرواية تصلح للاستدلال على عدم وجوب الاستئذان في مرحلة استيفاء القصاص. وقد اختلفت الآراء بشأن هذه الرواية، فهناك مَنْ قال بضعفها([60])، وهناك مَنْ قال باعتبارها سنداً([61]).
3ـ تحليل ودراسة المباني الفقهية
أـ وجوب استئذان الوليّ الفقيه لحفظ النظم في المجتمع
بعد استقصاء الأدلة يمكن الوصول إلى نتيجةٍ مفادها: إن أهمّ دليل على اشتراط إذن الحاكم في استيفاء القصاص هو الحفاظ على النظم في المجتمع، وعدم انزلاقه في الفوضى. كما أن الحفاظ على النظم هو من أدلة وجوب صدور الحكم من قبل القاضي في الدعاوى الجزائية والحقوقية.
ليست هناك أدلة روائية صريحة ومعتبرة يمكنها أن تقيِّد الأدلة القرآنية والروائية الواضحة الدالّة على سلطة صاحب الحق في القصاص في مختلف المراحل بإذن الحاكم.
كما أن دليل الحفاظ على النظم في المجتمع لا يدلّ على أن للحاكم ولاية وحقّاً في عرض صاحب الحقّ في القصاص، وإنما هي تعبِّر عن أن صاحب الحق في القصاص كلّما أراد أن يستوفي حقَّه وجب عليه استيفاءه من طريق الحاكم؛ كي لا ينزلق المجتمع في الفوضى.
وإذا كانت هناك من أدلّةٍ لفظية أخرى ظاهرة في اشتراط إذن الحاكم في استيفاء القصاص فإن هذه الأدلة، إنْ تمّت دلالتها، قد تُحْمَل على الإرشاد إلى حكم العقل بضرورة حفظ النظام في المجتمع. وفي هذه الحالة لن يكون لهذه الأدلة دلالةٌ غير تلك التي يُفيدها دليل اختلال النظام.
ويبدو أن لا أحد من القائلين بوجوب الاستئذان قد استفاد من الروايات ـ التي يستدلّ بها على قوله ـ أن للحاكم سهماً يشارك فيه صاحب القصاص في سلطنته على هذا الحقّ. وبعبارةٍ أخرى: ليس هناك فقيهٌ يذهب إلى القول بأن للحاكم حقّاً يوازي حقّ المجنيّ عليه أو وليّ الدم، ويشاركهما في استيفاء الحقّ في القصاص، بل القصاص هو حقّ حصري للمجنيّ عليه أو وليّ الدم. وإن الفتوى بوجوب الاستئذان من الحاكم إنما هي لمجرّد الحفاظ على النظم في المجتمع، وهذا لا يعني أن للحاكم حقّاً في استيفاء القصاص، ويمكنه طبقاً لهذا الحقّ أن يحول دون استيفائه وتنفيذه، بل إن الحاكم ـ كما صرَّح بذلك بعض الفقهاء ـ مكلَّف بالتحضير لمقدّمات استيفاء القصاص، ولا يمكنه أن يحول دون تنفيذ القصاص([62])، وإنما يمكنه أن يحول دون ذلك فقط عند الضرورة، وعلى أساس الحكم الثانوي.
هناك الكثير من الشواهد في الكتب الفقهية التي تثبت عدم قول الفقهاء ـ حتّى القائلين بوجوب الاستئذان ـ باعتبار وليّ الأمر شريكاً في حقّ القصاص، بل القصاص حقّ حصريّ لوليّ الدم في الجناية على النفس، وحقّ المجنيّ عليه في الجناية على العضو.
ومن بين الشواهد على ذلك أنه لم يُفْتِ أيّ فقيه ـ حتّى القائل بوجوب الاستئذان منهم ـ بالحكم على قصاص مَنْ يستوفي حقّه في القصاص دون إذن الحاكم([63])، بل أقصى ما هنالك ثبوت عقوبة التعزير في حقّه، في حين لو كان للحاكم حقٌّ في القصاص في عرض صاحب الحقّ كان استيفاء صاحب الحق دون إذن الحاكم يعني تصرفاً عمدياً في نفسٍ أو أعضاء الجاني بما يتجاوز حقّه، وهذا يعني ثبوت عقوبة القصاص في حقّه. ولم يقُلْ أحدٌ بذلك.
الشاهد الثاني: إن فتوى الكثير من الفقهاء القائلين بعدم وجوب الاستئذان ـ كما سبق أن ذكرنا ـ على كراهة استيفاء القصاص قبل الاستئذان، وإن هذه الكراهة تشتدّ بالنسبة إلى قصاص الأعضاء. كما فرَّق بعض الفقهاء القائلين بوجوب الاستئذان بين قصاص النفس وقصاص الأعضاء، وصرَّحوا بأن وجوب الاستئذان في قصاص الأعضاء أشدّ منه بالقياس إلى قصاص النفس. وعليه فإن كلتا الطائفتين من الفقهاء تذهب إلى القول بأن الاستئذان في قصاص الأعضاء يحظى بأهمّية أكبر من الاستئذان في قصاص النفس، مع أن قصاص النفس أهمّ في حدّ ذاته. وهذا يدلّ على أنهم كانوا ينظرون في وجوب الاستئذان إلى الحيلولة دون الانزلاق في الفوضى؛ بسبب استيفاء حكم القصاص، وإن هذه الفوضى بالنسبة إلى قصاص الأعضاء أكثر وضوحاً منها إلى قصاص النفس؛ إذ في ما يتعلَّق بقصاص الأعضاء ـ كما تقدَّم في النقل عن الشهيد الثاني ـ لا بُدَّ من الحَذَر والتأكُّد من عدم أداء قصاص العضو إلى تلف نفس الجاني أو التعدّي على أعضائه الأخرى، في حين أن قصاص النفس لا يحتاج إلى مثل هذه الدقّة.
وعليه فحتّى بالنسبة إلى الفتوى بوجوب الاستئذان يجب أن لا نتوهَّم أن توقَّف استيفاء القصاص على إذن الحاكم هو من قبيل: توقف إعمال حقّ القصاص من قبل وليّ الدم على رضا وموافقة سائر أولياء الدم ـ بناءً على القول بكون القصاص حقّاً مجموعياً ـ، أو من قبيل: توقُّف زواج البكر الرشيدة على إذن والدها؛ إذ طبقاً للقول بمجموعية حقّ القصاص لو تعدَّد أولياء الدم، وطالب أحدهم بتنفيذ القصاص، توقف إعمال هذا الحقّ على موافقة سائر أولياء الدم. وفي هذه الحالة يكون لكلّ واحدٍ من أولياء الدم أن يطالب بما تقتضيه مصلحته من القصاص أو الدية أو العفو، بمعنى أن لجميع أولياء الدم حصة في حق القصاص، ولا يمكن استيفاء هذا الحق إلاّ من خلال إجماعهم على موقفٍ واحد. كما هو الحال بالنسبة إلى القول بوجوب استئذان الأب في زواج البكر الرشيدة، حيث يكون الأب شريكاً للبنت في الولاية على الزواج، وليس لأحدهما أن ينفرد في هذا الحقّ مستقلاًّ عن الآخر، ويمكن لأيّ واحدٍ منهما أن يبدي رأيه بالموافقة أو المخالفة على هذا الزواج طبقاً لما يراه من المصلحة. في حين أن توقُّف استيفاء القصاص على إذن الحاكم لا يعني كون الحاكم شريكاً لصاحب الحق في القصاص، بل يعني مجرَّد الحيلولة دون أن يؤدّي استيفاء الحقّ في القصاص إلى تدهور أمن المجتمع واختلال نظمه، وعليه لا بُدَّ أن يتمّ استيفاء القصاص بإذن الحاكم الإسلامي وتحت إشرافه.
وعليه فمن خلال مجرّد الرؤية الفقهية يمكن القول: إن الحكم الأولي في استيفاء القصاص هو عدم توقُّفه على إذن الحاكم. وفي حال افتراض أن يؤدي عدم الاستئذان من الحاكم إلى اختلال النظام، وصدق عليه واحد من العناوين الثانوية، من قبيل: الضرر أو الحرج، يجب عندها الاستئذان بالحكم الثانوي([64])؛ لأن الملاك في الفتوى بوجوب الاستئذان من الحاكم في استيفاء القصاص إنما هو الحفاظ على النظم في المجتمع. وهذا الملاك وإنْ كان هو الغالب في المجتمعات فيما يتعلق باستيفاء حكم القصاص، ولكنْ لا تبعد إمكانية أن نفترض بعض الموارد التي لا يوجد فيها مثل هذا الملاك، كأنْ تقع الجناية في مكانٍ خاصّ، وكان الطرفان يعلمان بالأحكام الشرعية، إما اجتهاداً أو تقليداً، ولم يكن هناك اختلافٌ في الجاني وعقوبته وكيفية استيفاء القصاص بين الطرفين، ولم يكن يترتَّب على استيفاء القصاص دون استئذان الحاكم أيّ مشاحّة أو مشكلة اجتماعية، أو كانت الجناية الواقعة على المجنيّ عليه جنايةً بسيطة، وقبل الطرفان بالقصاص، ولم يكن هناك اختلافٌ بينهما بشأن كيفية استيفاء القصاص. وفي هذه الحالة لا تكون هناك حاجة إلى إذن الحاكم في استيفاء القصاص، بل لا وجه ـ كما صرَّح بعض الفقهاء ـ لصدور الحكم من قبل القاضي، ويمكن للطرفين طبقاً للأحكام الشرعية أن يستوفوا حكم القصاص([65]). وإذا كان الترافع عند الحاكم لصدور الحكم أو الاستئذان منه في استيفاء القصاص في جميع موارد الجناية العمدية واجباً ففي هذه الحالة سيكون استيفاء القصاص في مثل هذه الموارد غير مشروع.
لنفترض أن شخصاً قام بصفع شخصٍ آخر على وجهه في لحظة غضبٍ، ثم ندم على ما بدر منه، وطلب منه أن يصفح عنه، أو يقتصّ منه، واختار الشخص الآخر أن يقتصّ، ورفض الصفح، ففي مثل هذه الحالة، طبقاً للرأي القائل بوجوب صدور الحكم والاستئذان ـ سواء كان استيفاء القصاص دون صدور الحكم أو الاستئذان موجباً لاختلال النظام أو لا ـ لا يجوز القصاص دون صدور الحكم، ودون الاستئذان.
إن مثل هذا القول، مضافاً إلى عدم وجود ما يبرِّره من الناحية العقلية، لا ينسجم كذلك مع إطلاق أدلة ثبوت حقّ القصاص للمجني عليه ووليّ الدم.
وفي النزاعات والخلافات الحقوقية التي تحتدم وتنشب بين أفرادة الأسرة الواحدة، إذا أمكن التوافق فيما بينهم، دون حاجةٍ إلى الترافع عند الحاكم، وصدور الحكم من قِبَله، وأمكنهم فصل الخصومة طبقاً للضوابط والأحكام الشرعية، وأمكن استيفاء حقوق أطراف الدعوى، لم تكن هناك حاجةٌ إلى الترافع عند الحاكم، وصدور الحكم من قبله، ولا حاجة إلى استئذان الحاكم من أجل استيفاء حقوق الطرفين أيضاً. من هنا لم يُفْتِ أيّ فقيه بوجوب الترافع إلى الحاكم واستئذانه في استيفاء الحقوق في مثل هذه الدعاوى الحقوقية.
إن الذي يميِّز الدعاوى الجزائية من الدعاوى الحقوقية في هذه المسألة أمران، وهما:
أولاً: إن بعض العقوبات ليست حقّاً للمجني عليه، كي يكون استيفاؤها باختياره، بل هو حقّ السلطات الحاكمة. ومن هنا يجب أن يكون استيفاؤها بيد السلطة الحاكمة، من قبيل: الكثير من الحدود التي هي من حقوق الله، وليست من حقوق الناس.
وثانياً: إن استيفاء العقوبات الجنائية دون الترافع عند الحاكم، وصدور الحكم من قبله، وقبل استئذانه، يؤدّي إلى اضطراب النظم في المجتمع. أما العلة الأولى فهي منتفيةٌ في عقوبة القصاص؛ لأن القصاص بحَسَب المورد حقّ المجني عليه أو وليّ الدم. وأما العلة الثانية فهي منتفيةٌ في بعض موارد الجنايات العمدية، وإن استيفاء القصاص في هذه الموارد لا يؤدّي إلى اختلال النظم في المجتمع. وعليه فإن الفتوى بوجوب الاستئذان من الحاكم لاستيفاء القصاص في هذه الموارد لا وجه له، ويجب قصر القول بوجوب الاستئذان على الأمور التي تؤدّي إلى اختلال النظام.
ومن الواضح بطبيعة الحال أن هذه الرؤية الفقهية ـ من الناحية الاجتماعية، وفي مقام التقنين والتشريع ـ يجب أن لا تتحوَّل إلى مادة قانونية؛ لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى الخلل في نظم المجتمع. فلو تمَّتْ المصادقة على مادةٍ تقول بجواز استيفاء القصاص دون إذن الحاكم إذا لم يؤدِّ ذلك إلى الإخلال في النظام كانت نفس هذه المادة مادة للفوضى؛ إذ يبيح كلّ صاحب حقٍّ في القصاص لنفسه استيفاء هذا الحقّ، استناداً إلى هذه المادة. وعليه لا بُدَّ في مقام التقنين والتشريع من تقييد استيفاء عقوبة القصاص في جميع الموارد بإذن الحاكم.
إذن بناءً على ما تقدَّم فإن الحكم الفقهي بوجوب الاستئذان من الحاكم إنما يأتي في إطار الحفاظ على النظم في المجتمع، وإن الحاكم ليس له حقّ في استيفاء القصاص في عرض الحق الذي يمتلكه صاحب القصاص؛ كي يتمكن من المنع من استيفائه.
وقد تمّ اختيار هذا المبنى في وجوب الاستئذان من الحاكم في المادة رقم (418) من الدستور، فقد ورد في هذه المادة التعبير بـ «إن الحكم بوجوب الاستئذان من الوليّ الفقيه في استيفاء القصاص إنما هو من أجل الإشراف على صحة استيفاء القصاص ورعاية حقوق صاحب الحقّ في القصاص وغيره من الأطراف في الدعوى»، وهي تدلّ بوضوحٍ على أن الوجه في ضرورة الاستئذان في الدستور إنما هو للحفاظ على النظم في المجتمع. وقد استنتج المقنِّن والمشرِّع بعد بيان هذا الأمر مباشرةً «أن إجراء الاستئذان يجب أن لا يحول دون استيفاء القصاص، وأن لا يمنع صاحب الحقّ في القصاص من الوصول إلى حقِّه». وعليه فإن المشرِّع بدوره ملتزمٌ بالفقرة التي توصَّلنا لها قبل بيان آراء الفقهاء، وهو ملتزمٌ بنتائجها أيضاً، وقد أكَّد على مسألة أن الوليّ الفقيه ـ أو ممثِّله ـ لا يستطيع أن يحول دون استيفاء المجنيّ عليه أو وليّ الدم حقَّه في القصاص.
ب ـ عدم ضرورة الاستئذان من الوليّ الفقيه
كما يمكن لنا أن نستنتج ممّا تقدَّم في الفقرة السابقة أن لا موضوعية للاستئذان من شخص الوليّ الفقيه في استيفاء القصاص؛ لأن مناط الحكم بوجوب الاستئذان هو الحفاظ على النظام في المجتمع، وهذا لا يقتضي أن يكون الاستئذان منحصراً بشخص الوليّ الفقيه، بل يقتضي أن يكون استيفاء القصاص بإذن وإشراف من الحاكم، أو من طريقه، ليمنع من الفوضى والهرج والمرج. ومن هنا يمكن لإذن وإشراف السلطة القضائية أن يضمن الحفاظ على النظام في المجتمع، دون أن تكون هناك خصوصية لتدخُّل شخص الوليّ الفقيه في استيفاء القصاص، بالمقارنة إلى استيفاء سائر العقوبات الأخرى، فإن استيفاء سائر العقوبات يجب أن لا يؤدّي إلى الفوضى وانعدام النظام في المجتمع.
لو قبلنا بأن الأدلة الفقهية لا تحمل أيّ دليل على وجوب الاستئذان من الوليّ الفقيه غير ضرورة الحفاظ على النظام، وأن الوليّ الفقيه لا يملك أيّ حقٍّ مواز لصاحب الحقّ في القصاص واستيفائه، وأن الاستئذان هو لمجرد «الإشراف على صحّة تنفيذ القصاص ورعاية حقوق صاحب الحقّ وسائر أطراف الدعوى»، ومن هنا لا يمكنه «أن يمنع من استيفاء القصاص من قبل صاحب الحقّ، وحرمانه من حقِّه»، كما أقر بذلك المشرِّع في المادة رقم (418)، وأوضح بذلك ملاكاته ومبانيه في الحكم بوجوب الاستئذان، إذن لا بُدَّ من القول بأن لا موضوعية لتدخُّل شخص الوليّ الفقيه في استيفاء القصاص للحفاظ على النظام في المجتمع، إنما الذي له الموضوعية هو تدخل السلطة، فهي التي تضمن تحقيق النظام في المجتمع.
إن المادة السادسة والثلاثين من الدستور قد تمّ تنظيمها على أساس هذا المبنى العقلائي القائل بوجوب حفظ النظام، باعتباره أساساً للحكم بكلّ عقوبةٍ ـ سواء أكانت من قبيل: القصاص أو غير القصاص ـ، وتنفيذها «إنما يكون من طريق المحاكم الصالحة، وعلى أساس من القانون»، ولم يَرِدْ فيها أيّ ذكر لوجوب الاستئذان من الوليّ الفقيه.
ج ـ عدم كفاية الاستئذان من الوليّ الفقيه
قلنا: إن الاستئذان من الوليّ الفقيه لا خصوصية له في حفظ النظام. ونضيف هنا: إن الاستئذان من الوليّ الفقيه لا يكفي لتحقيق حفظ النظام في المجتمع؛ إذ لو فرضنا أن الوليّ الفقيه أو مَنْ يمثِّله قد أذن بتنفيذ حكم قصاص النفس أو قصاص العضو، وأن صاحب الحقّ قد علم بهذا الإذن، فهل يمكنه مباشرةً القصاص دون إشراف وإدارة من السلطة القضائية؟ أفلا تؤدّي مبادرة وليّ الدم أو المجنيّ عليه بالقصاص خارج الأطر القانونية إلى الفوضى والهرج والمرج؟!
إن الإجابة عن هذا السؤال واضحةٌ. لا شَكَّ في أن حفظ النظام، بالإضافة إلى إذن وليّ الأمر، يحتاج إلى أطر قانونية تشرف عليها أجهزة السلطة القضائية؛ كي لا تؤدي الأمور إلى الهرج والمرج والفوضى. وهذا هو ما نصَّت عليه المادة السادسة والثلاثون من الدستور.
من هنا فقد كان المقنِّن ملتفتاً إلى أن مجرّد الاستئذان من الوليّ الفقيه لا يكفي للوصول إلى الهدف من «الإشراف على صحّة تنفيذ القصاص ورعاية حقوق صاحب الحقّ في القصاص وحقوق سائر أطراف الدعوى». ولذلك فقد أضاف المقنِّن إلى المادة رقم (419) قيداً آخر على وجوب الاستئذان من الوليّ الفقيه؛ ليضمن النظام في المجتمع، حيث جاء في هذه المادة: «بعد صدور الإذن من مقام الوليّ الفقيه يجب أن يتمّ تنفيذ القصاص تحت إشراف الجهات القضائية المعنية». وهذا الكلام لا يعني غير القول بأن استيفاء وتطبيق الأحكام الجزائية يجب أن تتمّ من خلال آلية تشرف عليها السلطات القضائية وكوادرها الإدارية، ولا يمكن لصاحب الحقّ في القصاص أن يبادر من تلقائه إلى تنفيذ القصاص، حتّى بعد صدور الحكم والإذن من الوليّ الفقيه.
د ـ عدم موضوعية الاستئذان من الوليّ الفقيه
إن مراد الفقهاء من التعبير بـ «الحاكم» أو «الإمام»، حيث يقولون: «إذن الحاكم» و«إذن الإمام»، الذي يرَوْنه ضرورياً ولازماً في استيفاء القصاص، ليس هو شخص الإمام المعصوم× أو الوليّ الفقيه مبسوط اليد الذي أمر بإقامة الدولة والحكومة الإسلامية، بل مرادهم من ذلك إذن وإشراف الحكومة الإسلامية التي يمكن أن يكون القاضي الجامع للشرائط أو المحكمة الصالحة التي حكمت بالقصاص واحدة من مصاديقها؛ إذ إن القاضي الذي يمتلك صلاحية إصدار الحكم له ذات الصلاحية في إصدار الإذن باستيفاء القصاص، وليس الأمر بأن يكون الإذن باستيفاء القصاص من صلاحيات الإمام المعصوم× أو نائبه الذي أمر بإقامة وتشكيل الحكومة الإسلامية فقط.
ومضافاً إلى ذلك، لو كان الإذن محصوراً بشخص الإمام المعصوم× أو نائبه مبسوط اليد الذي أمر بتشكيل الحكومة ففي مثل هذه الحالة وجب أن يكون الأمر في العصور القديمة ـ ولا سيَّما في عصر حضور الأئمة المعصومين^ ـ، حيث وسائط النقل كانت بدائيةً، ولم تكن على ما هي اليوم، مستدعياً لتضييع حقّ صاحب القصاص الذي يطالب باستيفائه فوراً، حيث يجب عليه الانتظار إلى حين وصول الإذن بتنفيذ القصاص على كلّ جناية تقع في أقصى نقاط البقاع الإسلامي من قبل الإمام المعصوم والحاكم في المدينة أو الكوفة أو مَنْ ينوب عنه بشكلٍ خاصّ.
قد يُقال: حيث تهتمّ الشريعة بمسألة القصاص والدماء فإن الاستئذان من الوليّ الفقيه في خصوص القصاص ينطوي على مصلحةٍ، بل ضرورة؛ كي لا يراق دم شخص بلا مبرر.
بَيْدَ أن هذا الكلام مرفوضٌ أيضاً؛ إذ أولاً: إن هناك عقوبات بالقتل والإضرار الجسدي المعتنى به في غير حالات القصاص أيضاً، كما في: القتل في العدوان بعنفٍ، والرجم في زنا المحصنة، والقتل والصلب وقطع الأعضاء في الحرابة، وقطع اليد في السرقة، وحتّى الجلد في الكثير من العقوبات بمقتضى الحدود والتعزيرات، ممّا يُعَدّ من العقوبات الجسدية، في حين أن المقنِّن لم يشترط الاستئذان من شخص الوليّ الفقيه لاستيفاء العقوبة في أيٍّ من هذه الموارد.
ثم إن الاستئذان من الوليّ الفقيه لا يقتصر على موارد قصاص النفس أو موارد قصاص الأعضاء في الجرائم بالغة الخطورة، وإنما الاستئذان من الوليّ الفقيه ـ طبقاً للمادة رقم (417) من الدستور ـ يشمل جميع موارد القصاص، حتّى ما كان منها قصاص الجرح الطفيف، في حين أنه لا توجد أيّ ضرورةٍ أو مصلحة ملحّة في توقُّف استيفاء عقوبة القصاص في الجراحة الطفيفة على استئذان شخص الوليّ الفقيه.
وبالالتفات إلى ما تقدَّم يتّضح أن عدم الدقة في المباني الفقهية للفقهاء قد أدّى إلى تصوُّرٍ خاطئ مفاده أن هناك موضوعية لاستئذان الوليّ الفقيه في استيفاء القصاص، وأن يذكر في الدستور السابق والراهن باعتباره شرطاً ضرورياً لتنفيذ قصاص النفس وقصاص الأعضاء.
هـ ـ التبعات المترتِّبة على الاستئذان من الوليّ الفقيه
إن الاستئذان من شخص الوليّ الفقيه أو مَنْ يمثِّله ـ على ما جاء في دستور عام 1392هـ.ش، ودستور عام 1370هـ.ش، بوصفه شرطاً في استيفاء قصاص النفس أو جميع أنواع قصاص الأعضاء ـ قد أدّى حتّى الآن وسيؤدّي إلى الكثير من المشاكل، حيث أفضى في العديد من الموارد إلى تضييع حقوق أصحاب الحقّ في القصاص؛ إذ إن إجراءات الحصول على الإذن من الوليّ الفقيه أو مَنْ ينوب عنه تؤدّي في الكثير من الموارد إلى التأخير في تنفيذ القصاص. من هنا فإن المقنِّن، بالالتفات إلى هذه التبعات، عمد إلى إضافة قيد إلى المادة رقم (418) من الدستور الحالي؛ للحيلولة دون هذه التبعات، حيث جاء في هذا القيد: «إن إجراءات الحصول على الإذن يجب أن لا تحول دون إمكان استيفاء القصاص وتضييع حقّ صاحب الحق في القصاص وحرمانه من حقِّه». وبالنسبة إلى دستور عام 1392هـ.ش، المتضمِّن للمادتين رقم (389) و(400)، يتوقَّع ارتفاع صدور أحكام قصاص الأعضاء. وعليه فلو توقَّف تنفيذ كلّ واحدٍ من هذه الأحكام في جميع مناطق البلاد على الاستئذان من الوليّ الفقيه أو نائبه فإن قصاص الأعضاء سوف لا يتمّ إلاّ بعد فترةٍ طويلة جدّاً، الأمر الذي ينطوي على تفويت حق المجنيّ عليه أو صاحب الحقّ الشرعي، الذي يطالب بالتعجيل والإسراع في استيفاء حقّه، الذي تكفله له المادة رقم (419)، والمادة رقم (440).
ومن وجهة نظري إنه لو تمّ فهم دليل وعلة فتوى الفقهاء بوجوب الاستئذان من الوليّ الفقيه أو مَنْ يمثله بشكلٍ صحيح عندها لن يكون صدور الإذن من الوليّ الفقيه أو مَن يمثِّله ـ كما هو سائدٌ ـ متوقِّفاً على دراسة الملف الجنائي للمحكوم عليه من قبلهم لتأييد الحكم الصادر من قبل القضاء؛ وذلك لأن الهدف والغاية من الاستئذان ـ كما سبق أن ذكرنا ـ، الذي تمّ التصريح به في المادة رقم (418)، هو مجرد الحفاظ على النظام في المجتمع و«الإشراف على صحّة التنفيذ»، وأن لا يقوم صاحب الحق في القصاص بمباشرة القصاص، ويقتصّ من الجاني من تلقائه، متذرِّعاً بحقِّه في ذلك. وعليه فإن الغاية من الحكم بوجوب الاستئذان لم يكن بداعي أن يقوم الشارع بالاحتياط في خصوص الأحكام الصادرة بشأن القصاص، وأن تدرس مرّةً أخرى في المحاكم القضائية العليا؛ بغية التدقيق والتأكُّد من الحكم الصادر، ليكون الوليّ الفقيه أو مَنْ يمثِّله قد أصدر الإذن بعد التأكُّد من صحة قرار المحكمة في حكمها على الجاني، فلا يصدر إذنه إلاّ بعد دراسةٍ دقيقة ومتمعِّنة، وهذا هو الذي يؤدّي من الناحية العملية إلى استغراق مدّةٍ طويلة تسبق استيفاء حكم القصاص.
لو كان المراد من الحكم بوجوب الاستئذان من الوليّ الفقيه رعاية أهمية الأحكام الصادرة بشأن القصاص ستفرض إشكالات أخرى نفسها.
فأوّلاً: هناك في الشريعة أحكام جزائية أهمّ أو مساوية لأحكام القصاص أيضاً، ومع ذلك لم يشترط فيها الاستئذان من الوليّ الفقيه، من قبيل: موارد الرجم والقتل في الحدود.
وثانياً: إن الأحكام الصادرة في موارد قصاص الأعضاء في الجنايات الطفيفة كان يجب أن تستثنى من وجوب الاستئذان من الوليّ الفقيه؛ إذ لا تنطوي قطعاً على مثل هذه الأهمّية التي تحتاج معها إلى دراسةٍ ثانية من قبل الوليّ الفقيه أو مَنْ يمثِّله، في حين أن جميع الفقهاء ـ كما سبق أن ذكرنا ـ يرَوْن أهمية الاستئذان في قصاص الأعضاء أشدّ من الاستئذان في قصاص النفس. إن هذا الأمر يكشف بوضوحٍ أن الفقهاء لا يرَوْن الاستئذان بداعي القراءة الثانية للحكم الصادر من قبل القاضي، بل إن الأمر ـ كما صرَّحوا بأنفسهم ـ يقوم على أهمّية القصاص في الأعضاء في ما يتعلق بالاستئذان بالقياس إلى قصاص النفس؛ وذلك لأن عملية استيفاء القصاص في الأعضاء أكثر تعقيداً من استيفاء قصاص النفس، الأمر الذي يدلّ على أن العلة في الحكم بوجوب الاستئذان في القصاص تكمن في الحفاظ على النظم في المجتمع، «والإشراف على صحة تنفيذ القصاص ورعاية حقّ صاحب القصاص والأطراف الأخرى في الدعوى»، وهو الذي تمّ التصريح به في المادة رقم (418) من الدستور.
الاستنتاج
يمكن أن نستنتج مما تقدَّم أن الحفاظ على النظام هو الدليل الوحيد المعتبر في ما يتعلَّق بضرورة الاستئذان من الوليّ الفقيه. وإن مقدار ما يثبته هذا الدليل هو ضرورة الإشراف والإدارة من قبل الحكومة لإجراءات تنفيذ القصاص. ولا موضوعية لشخص الوليّ الفقيه وإذنه في هذا الخصوص. يضاف إلى ذلك أن الاستئذان من شخص الوليّ الفقيه أو مَنْ يمثِّله ينطوي على تبعات قد تؤدّي أحياناً إلى تضييع حقوق طرفي الدعوى. من هنا يجدر حذف فقرة ضرورة استئذان الوليّ الفقيه من القانون، والإبقاء على مجرّد استيفاء القصاص تحت إشراف وإدارة السلطة القضائية فقط.
مقترحٌ
وعليه نقترح حذف شرط استئذان الوليّ الفقيه في استيفاء القصاص من الدستور، الأمر الذي يعني حذف المادتين رقم (417) و(418) من الدستور، والإبقاء على المادة (419) فقط، والتصريح فيها بحقّ صاحب القصاص في استيفاء حقِّه، والتأكيد على «أن استيفاء القصاص يجب أن يكون بإذنٍ من المحكمة، ومن طريق الوحدة الخاصة بتنفيذ أحكام العقوبات»؛ كي لا يتوهَّم صاحب الحق أن بإمكانه ـ بالالتفات إلى أن له حقّ الاستيفاء والمباشرة ـ أن يبادر إلى استيفاء القصاص دون رعاية الضوابط المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة رقم (302) أيضاً؛ إذ تنصّ على اعتبار استيفاء القصاص «من دون إذن المحكمة» جُرْماً، وأن مَنْ يقوم به يعتبر مذنباً، ويستحقّ التعزير.
الهوامش
(*) باحثٌ في الفقه الإسلامي والدراسات القانونيّة المعاصرة، وباحث في مؤسّسة دائرة المعارف لفقه أهل البيت^. له كتاباتٌ علميّة متعدِّدة.
([1]) المادة رقم (205) ـ إن قتل العمد طبقاً لمواد هذا الفصل يوجب القصاص، وعليه يمكن لأولياء الدم تنفيذ القصاص بإذن وليّ الأمر، مع رعاية الشرائط المذكورة في الفصول القادمة الخاصّة بالقصاص. ويمكن لوليّ الأمر تفويض هذا الأمر إلى رئيس السلطة القضائية أو جهةٍ أخرى.
والمادة رقم (265) ـ يمكن لولي الدم بعد ثبوت حقه في القصاص أن يباشر أخذ القصاص من القاتل بنفسه، بعد أخذ الإذن من وليّ الأمر، أو أن يستنيب شخصاً آخر ليباشر القصاص نيابةً عنه.
والمادة رقم (269) ـ إذا كان قطع العضو أو الجرح عن عمدٍ أوجب القصاص، وطبقاً لذلك يمكن للمجنيّ عليه أن يقتصّ من الجاني، بعد أخذ الإذن من وليّ الأمر، مع رعاية الشرائط التي سنأتي على ذكرها.
([2]) المقنعة: 760: (ليس لأحدٍ أن يتولى القصاص بنفسه دون إمام المسلمين أو مَنْ نصبه لذلك من العمال الأمناء في البلاد والحكام. ومَنْ اقتصّ منه فذهبت نفسه بذلك من غير تَعَدٍّ في القصاص فلا قود له ولا دية على حال)؛ المصدر السابق: 736؛ المصدر السابق: 740؛ النهاية: 778: (ومَنْ أراد القصاص فلا يقتصّ بنفسه، وإنما يقتصّ له الناظر في أمر المسلمين، أو يأذن له في ذلك؛ فإنْ أذن له جاز له حينئذٍ الاقتصاص بنفسه)، المبسوط 7: 100؛ الكافي في الفقه: 383؛ المهذّب 2: 485؛ غنية النـزوع: 407؛ السرائر 3: 412؛ إصباح الشيعة: 494؛ جامع الخلاف: 558.
([3]) الخلاف 5: 205: (إذا وجب لإنسانٍ قصاص في نفس أو طرف فلا ينبغي أن يقتصّ بنفسه؛ فإن ذلك للإمام أو مَنْ يأمره به الإمام، بلا خلاف).
([4]) مفتاح الكرامة (الطبعة القديمة) 11: 87؛ التنقيح الرائع 4: 444.
([5]) إيضاح الفوائد 4: 622؛ المهذّب البارع 5: 221؛ مسالك الأفهام 15: 228.
([6]) مختلف الشيعة 9: 472؛ كنـز الفوائد 3: 721؛ إيضاح الفوائد 4: 622؛ كشف اللثام 11: 149.
([7]) المبسوط 7: 56: (إذا وجب له على غيره قصاص لم يخْلُ من أحد أمرين؛ إما أن يكون نفساً؛ أو طرفاً. فإن كان نَفْساً فلوليّ الدم أن يقتصّ بنفسه؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً﴾ (الإسراء: 33).
([8]) شرائع الإسلام 4: 213: (وإذا كان الوليّ واحداً جاز له المبادرة. والأَوْلى توقُّفه على إذن الإمام. وقيل: يحرم المبادرة، ويعزَّر لو بادر. وتتأكد الكراهية في قصاص الطرف)؛ المختصر النافع 2: 299: (وللوليّ الواحد المبادرة بالقصاص. وقيل: يتوقَّف على إذن الحاكم).
([9]) كشف الرموز 2: 620؛ إيضاح الفوائد 4: 62؛ اللمعة الدمشقية: 273؛ الروضة البهية 10: 94؛ مفتاح الكرامة 11: 87؛ رياض المسائل 16: 299؛ الجامع العباسي: 435؛ جواهر الكلام 42: 287؛ جامع المدارك 7: 262؛ مباني تكملة المنهاج 42 الموسوعة: 157؛ كتاب القصاص للفقهاء والخواص: 168؛ تنقيح مباني الأحكام (كتاب القصاص): 247؛ أسس القضاء والشهادات: 609.
([10]) تحرير الوسيلة 2: 534: (مسألة 6: الأحوط عدم جواز المبادرة للوليّ إذا كان منفرداً إلى القصاص، سيَّما في الطرف، إلاّ مع إذن والي المسلمين، بل لا يخلو من قوّةٍ. ولو بادر فللوالي تعزيره، ولكنٍ لا قصاص عليه ولا دية). الجامع للشرائع: 601؛ كشف اللثام 11: 149؛ تفصيل الشريعة ـ القصاص: 297؛ جامع المسائل 5: 306.
([11]) انظر: قواعد الأحكام 3: 622؛ مختلف الشيعة 9: 472.
([12]) انظر: كنـز الفوائد 3: 721؛ المهذّب البارع 5: 222.
([13]) انظر: مسالك الأفهام 15: 228.
([14]) انظر: رياض المسائل 16: 299.
([15]) انظر: مباني تكملة المنهاج (الموسوعة) 42: 157.
([16]) الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 15: 229.
([17]) المحقق الحلي، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام 4: 133.
([18]) انظر: تحرير الأحكام 5: 271: (ولوكان المباشر للقصاص هو الوليّ فالوجه أنه لا يضمن إنْ كان قد اقتصّ بحكم الحاكم وإذنه، ولو باشر بعد الحكم قبل الإذن ضمن الدية)؛ مسالك الأفهام 14: 313: (نعم، لو باشر القتل بعد الحكم وقبل إذن الحاكم له في الاستيفاء تعلَّق به الضمان؛ لتوقف جواز استيفائه على إذن الحاكم، وإنْ كان أصل الحقّ في ذلك له. ويحتمل عدم الضمان هنا أيضاً وإنْ أثم؛ لأن حكم الحاكم بثبوت الحقّ اقتضى كونه المستحقّ، وإنْ أثم بالمبادرة بدون إذن الحاكم)؛ مجمع الفائدة والبرهان 12: 525؛ جواهر الكلام 41: 241.
([19]) انظر: شرائع الإسلام 4: 213: (وإذا كان الوليّ واحداً جاز له المبادرة، والأَوْلى توقُّفه على إذن الإمام. وقيل: يحرم المبادرة، ويعزَّر لو بادر. وتتأكَّد الكراهية في قصاص الطرف)؛ المختصر النافع 2: 299: (وللوليّ الواحد المبادرة بالقصاص. وقيل: يتوقَّف على إذن الحاكم).
([20]) انظر: محمد مؤمن القمّي، مجلة فقه أهل البيت^، العدد 3: 62: (حول اشتراط إذن ولي الأمر في استيفاء القصاص).
([21]) مستند الشيعة 17: 443: (البحث الأول في العقوبات، وهي: إما قصاص، أو حدّ، أو دية. والأخير داخلٌ في الدعاوى المالية. أما الأول ففيه قولان: الأول: عدم الاحتياج إلى الحاكم، وجواز استقلال الوليّ في القصاص. اختاره في موضع من المبسوط والنافع، وظاهر الشرائع، حيث جعل التوقيف أَوْلى، والفاضل في أحد قولَيْه، وأكثر المتأخِّرين، بل عامّتهم ـ كما قيل ـ، ونسبه في كتاب قصاص المسالك إلى الأكثر. والثاني: وجوب الرفع إلى الحاكم. ذهب إليه في موضعٍ آخر من المبسوط، وفي الخلاف، وعن المقنعة والمهذب والكافي والقواعد والغنية وقضاء المسالك، وفي الكفاية: لا أعرف فيه خلافاً. وعن الغنية: بلا خلاف، وعن ظاهر الخلاف: الإجماع عليه).
([22]) انظر: تفصيل الشريعة ـ القصاص: 297: (والظاهر أنّ محلّ الخلاف ما إذا كان الموجب للقصاص ثابتاً من دون حكم الحاكم، كما إذا أقرّ القاتل بالقتل وعلم وليّ المقتول بذلك مثلاً، فإنّه في مثله وقع الخلاف في جواز المبادرة وعدم المراجعة إلى الحاكم والاستئذان منه وعدمه، وأمّا مع ثبوت الاختلاف في أصل الموجب، وتوقُّف الثبوت على حكم الحاكم، كما إذا ثبت القتل بالقسامة، فالظاهر أنّ ثبوته عند الحاكم كافٍ، ولا يحتاج بعد الثبوت إلى الاستئذان منه في إجراء القصاص وإعماله، بحيث كان اللازم المراجعة إليه في مرحلتين: إثبات الموجب؛ وإجراء القصاص). فقه القضاء 2: 488.
([23]) المحقق الحلي، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام 4: 133.
([24]) النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 41: 242.
([25]) انظر: الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 14: 313: (نعم، لو باشر القتل بعد الحكم وقبل إذن الحاكم له في الاستيفاء تعلَّق به الضمان؛ لتوقف جواز استيفائه على إذن الحاكم، وإنْ كان أصل الحق في ذلك له. ويحتمل عدم الضمان هنا أيضاً وإنْ أثم؛ لأن حكم الحاكم بثبوت الحقّ اقتضى كونه المستحقّ، وإنْ أثم بالمبادرة بدون إذن الحاكم).
([26]) انظر: الكلبايكاني، كتاب الشهادات: 450: (وإنْ كان قصاصاً وباشره وليّ الدم فقد تردَّد المحقِّق& في ضمانه، ثم رجَّح التفصيل بين ما إذا كانت مباشرته مع حكم الحاكم وإذنه فلا ضمان، وبين ما إذا كان مع الحكم وقبل الإذن ضمن الدية… أقول: هنا بحثان. فالأول: هل يُعتبر إذن الحاكم في الاستيفاء أو لا يعتبر؟ لقد قال المحقّق في كتاب القصاص: «إذا كان الولي واحداً جاز له المبادرة قبل إذن الحاكم. والأَوْلى توقُّفه على إذن الإمام». وهذا، وإنْ كان لا يخلو من تشويشٍ؛ لأن «الأَوْلى» لا يجتمع مع توقُّفه على الإذن، ولعلّه من هنا أضاف في الجواهر «الأحوط» إلى «الأولى»، ينافي ما ذكره هنا؛ لأنه إذا كانت المباشرة جائزة بلا إذن فلا وجه للضمان، وإلاّ فالضمان. فبين الكلامين تهافتٌ).
([27]) من أمثال: السيد علي السيستاني، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي، والسيد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي، والشيخ نوري الهمداني.
([28]) مجموعة الاستفتاءات القضائية (الشبكة الإلكترونية): سؤال: من خلال الالتفات إلى ضرورة إشراف الحاكم في استيفاء القصاص نتقدم إليكم بالأسئلة التالية:
أـ هل يجب على وليّ الدم أن يستأذن وليّ الأمر أو مَنْ ينوب عنه في استيفاء حقّه في القصاص أم لا؟
ب ـ إذا كان الاستئذان واجباً فهناك سؤالان:
1ـ لو اقتصّ دون استئذان هل يكون مذنباً فقط أم يُعتبر قاتلاً أيضاً؟
2ـ ما هو الحكم لو استأذن وليّ الأمر، واقتصّ قبل أن يصدر الإذن؟
ـ الشيخ محمد تقي بهجت&: بعد إثبات ما يوجب القصاص الأحوط لوليّ الدم عدم المبادرة إلى القصاص دون إذن الإمام أو نائبه ـ سواء في قصاص النفس أو الطرف ـ. وعلى تقدير المبادرة لا قصاص ولا دية. وأما ثبوت التعزير فهو غيرمعلوم أيضاً. بتاريخ: 1/9/1378هـ.ش.
ـ الميرزا جواد التبريزي&: أـ يجب أن يثبت الحقّ عند حاكم الشرع أوّلاً، ثم يمكنه الاقتصاص بالسيف، والله العالم. ب ـ 1ـ لو تمكَّن بعدها من إثبات حقّه عند الحاكم برئت ذمته، والله العالم. 2ـ إنْ أثبت حقَّه بعد ذلك تبرأ ذمّته، والله العالم. بتاريخ: 4/12/1377هـ.ش.
ـ السيد علي الخامنئي: أـ نعم، يجب أن يكون ذلك تحت إشراف وليّ الأمر أو المنصوب من قبله. ب ـ 1ـ ليس عليه قصاص، ولكنّه مذنب. 2ـ له حكم المسألة السابقة. بتاريخ: 31/1/1378هـ.ش.
ـ السيد علي السيستاني: في ما يتعلق بالقصاص ـ بناءً على الاحتياط الواجب ـ ينبغي أن يثبت الجرم عند حاكم الشرع، وبعد ثبوته عنده، لا يجب استئذانه في استيفاء القصاص، وإنْ كان ذلك هو الأحوط. بتاريخ: 10 / جمادى الآخرة / 1419هـ.
ـ الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني: أـ في فرض السؤال لا يجب استئذان الإمام× أو المجتهد الجامع للشرائط، وإنْ كان هو الأحوط والأَوْلى. ب ـ 1ـ على فرض كون مبادرة وليّ الدم إلى استيفاء القصاص دون استئذانٍ حراماً كان عليه التعزير فقط، ولا يُعَدّ وليّ الدم قاتلاً، فلا قصاص عليه ولا دية. 2ـ حكمه هو حكم السؤال السابق، والله العالم. بتاريخ: 30 / ذي الحجّة الحرام / 1419هـ.
ـ الشيخ محمد فاضل اللنكراني&: أـ نعم. ب ـ 1ـ نعم. 2ـ يكون مذنباً، ولا قصاص عليه.
ـ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: يجب على وليّ الدم أن يستأذن، ولكنّه إذا استوفى القصاص دون استئذان الحاكم أو مع نهيه يكون آثماً، ومستحقّاً للتعزير، ولكنّه لا يُعَدّ قاتلاً. بتاريخ: 27/4/1378هـ.ش.
ـ السيد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي&: أـ بعد ثبوت حقّ القصاص لوليّ الدم لا يجب عليه استئذان حاكم الشرع في استيفاء القصاص، وإنْ كان ذلك هو الأَوْلى. ب ـ يتَّضح الجواب على هذا الشق من الجواب على الشق المتقدِّم. بتاريخ: 12/7/1378هـ.ش.
سؤال: بعد ثبوت الجرم وصدور الحكم من قبل القاضي نرجو منكم الإجابة عن مورد الاستئذان من وليّ الأمر أو المنصوب من قبله في ما يتعلَّق باستيفاء الحكم الصادر:
أـ هل يقتصر الاستئذان على قصاص النفس فقط أم يشمل قصاص الطرف أيضاً؟
ب ـ هل يجب الاستئذان في الحدود وقتل التعزير (بناء على جواز القتل تعزيراً)؟
ج ـ هل هناك عند الضرورة تفاوت بين حدّ القتل وحدود ما دون القتل؟
ـ الشيخ محمد تقي بهجت&: أـ يشمل قصاص الأطراف أيضاً. ب / ج ـ في ما يتعلَّق بالحدود المرتبطة بحقّ الناس، من قبيل: حدّ القذف، وحدّ السرقة، لا بُدَّ من استئذان ومطالبة ذوي الحق، وكذلك استئذان وليّ الأمر وحاكم الشرع. وهذا يشمل القتل وما دون القتل أيضاً. بتاريخ: 18/5/1378هـ.ش.
ـ السيد علي السيستاني: أـ إن حقّ القضاء يقتصر على المجتهد الجامع للشرائط، ومع حكمه لا حاجة إلى الاستئذان. ب ـ ليس هناك قتل تعزيري. ويجب أن يكون استيفاء الحقوق تحت إشراف حاكم الشرع، وهو المجتهد الجامع للشرائط. ج ـ اتّضح الجواب. بتاريخ: 28 / ربيع الأول / 1420هـ.
ـ الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني: أـ بشكلٍ عام يجب أن يكون القصاص بطلب من ولي الدم واستئذان الحاكم الجامع للشرائط، ولا فرق من هذه الناحية بين قصاص النفس والأطراف، والله العالم. ب ـ ليس هناك قتل تعزيري. وفي ما يتعلَّق بالحدود تختلف الموارد، والله العالم. ج ـ قلنا: في ما يتعلَّق بالحدود تختلف الموارد، والله العالم. بتاريخ: 27 / ربيع الأول / 1420هـ.
ـ الشيخ محمد فاضل اللنكراني&: أ / ب ـ إن القاضي المنصوب تابعٌ للنصب ومقدار الإجازة الممنوحة له. ولذلك إذا كان استيفاء الحكم أو الحدّ أو القصاص منوطاً بتحصيل الإذن المستقلّ وجب رعاية ذلك، وإلاّ أمكنه العمل بشكلٍ مستقلّ. بتاريخ: 31/4/1378هـ.ش.
ـ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: إن هذه المسألة ترتبط بحدود صلاحيات القاضي المأذون. نرجو لكم دوام التوفيق. بتاريخ: 25/5/1378هـ.ش.
ـ السيد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي&: أـ في ما يتعلَّق بمورد السؤال أرى عدم ضرورة استئذان ولي الأمر، وأن هذا يعود إلى وليّ الدم. ب ـ ليس هناك قتلٌ تعزيري، ولا ضرورة للاستئذان. نعم، إذن حاكم الشرع الجامع للشرائط في استيفاء الحدود هو الأحوط. ج ـ اتّضح أن الاستئذان في القصاص غير ضروري مطلقاً، وأما في الحدود فالأحوط الاستئذان من المجتهد الجامع للشرائط. بتاريخ: 6/4/1378هـ.ش.
ـ الشيخ حسين النوري الهمداني: أـ بعد ثبوت القتل العمدي في المحكمة الصالحة يمكن لوليّ المقتول المطالبة بالقصاص، ولا حاجة إلى استئذان حاكم الشرع. وهكذا الأمر بالنسبة إلى قصاص الأطراف لمَنْ وقعت عليه الجناية. ب ـ يجب استيفاء الحدّ والتعزير تحت إشراف حاكم الشرع. بتاريخ: 14/7/1382هـ.ش.
سؤال: 1ـ لو أن وليّ أمر المسلمين عطَّل حكم القصاص مؤقَّتاً؛ رعاية لبعض المصالح الاجتماعية، واستبدله بالدية، إلاّ أن وليّ الدم بادر إلى القصاص رأساً، فهل يستحقّ القصاص أم لا؟ (هل يحتاج استيفاء الحقّ إلى إذن أم لا؟). 2ـ على فرض السؤال الأول، لو أن القاتل مات أثناء المدة التي تمّ فيها تعطيل حكم القصاص مؤقَّتاً، مَنْ هو الضامن؟ هل تسقط الدية أيضاً؟ ولماذا؟ وفي فرض الثبوت على مَنْ تجب الدية؟ ولماذا؟
ـ الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني: 1 / 2ـ يمكن للفقيه الجامع للشرائط في ظل الضوابط الشرعية أن لا يأذن باستيفاء حكم القصاص، الذي يجب على وليّ الدم استيفاؤه بإذنه. وفي هذه الحالة لو مات القاتل قبل صدور الإذن ينتفي موضوع القصاص، ولا دية على أحد. ولا ولاية للحاكم على تبديل القصاص بالدية. وعلى كل حال فإن قصاص وليّ الدم من دون إذن حاكم الشرع لا قصاص عليه، وإنْ كان آثماً، والله العالم.
سؤال: هل يُشترط إذن الحاكم في القصاص أم يمكن لوليّ الدم أن يُبادر إلى استيفاء القصاص دون إذن الحاكم؟ فإذا كان استئذان الحاكم شرطاً: أـ هل يترتَّب التعزير على المبادرة إلى القصاص قبل إذن الحاكم أم يكون عاصياً فقط؟ ب ـ ما هو الحكم لو بادر شخصٌ ثالث إلى استيفاء حكم القصاص بإذنٍ من وليّ الدم دون إذن الحاكم؟ ج ـ لو لم يأذن الحاكم باستيفاء القصاص ما هو حكم الجاني والقاتل؟ د ـ ما هو حكم الشخص الثالث الذي يبادر إلى استيفاء حقّ القصاص بعد ثبوت الاستحقاق عنده، دون إذنٍ من وليّ الدم، وقبل إذن الحاكم، ولكنّ وليّ الدم أعلن عن رضاه لاحقاً؟
ـ الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني: الأحوط الاستئذان، والله العالم. أـ إذا اقتصّ قبل الاستئذان عزّره الحاكم، والله العالم. ب ـ في هذه الصورة يعزَّر الشخص الثالث من قبل الحاكم، والله العالم. ج ـ في هذه الصورة يكون قصاص وليّ الدم دون إذن الحاكم محلّ إشكال، والله العالم. د ـ في فرض السؤال يمكن لأولياء الشخص المقتول الاقتصاص من الشخص الثالث، ولا أثر للرضا اللاحق من وليّ الدم، والله العالم.
سؤال: يشترط إذن وليّ الأمر والحاكم في استيفاء القصاص، فما هو حكم القاتل إذا لم يصدر الإذن باستيفاء القصاص؟ هل يُحبس حتّى لو لم يصدر الإذن لعشرات السنين أم يطلق سراحه فوراً؟ وإذا كان الحكم هو الثاني فما هي الإجراءات الوقائية التي يجب اتّخاذها بشأنه؟
ـ الشيخ محمد فاضل اللنكراني&: في فرض السؤال إذا لم يكن القاتل في معرض الفرار أطلق سراحه فوراً إلى حين البتّ في شأنه من قبل وليّ الأمر؛ إذ بعد ثبوت الجرم يثبت القصاص أو الدية أو العفو، وليس هناك حقٌّ بالحبس. وإذا كان في معرض الفرار حبس مدّةً يقتضيها العُرْف إلى حين تحصيل الإذن، ليتمّ إطلاق سراحه لاحقاً، بعد أخذ الموثق عليه أو الكفالة أو الدية بنحوٍ مشروط؛ وذلك لأن المورد من موارد تزاحم الحقوق، وحقّ ولي الدم هو المقدَّم.
ـ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: لا يشترط إذن وليّ الأمر، ويكفي حكم القاضي، فإذا لم يمكن الوصول إلى القاضي كفى حكم عدول المؤمنين؛ ليأذنوا بدلاً من القاضي. ولو أذن القاضي ولم يَرْضَ وليّ الدم تتم عليه الحجّة في أن يقتصّ أو يأخذ الدية عند رضا القاتل، فإنْ لم يَرْضَ بأيٍّ منهما أمكن إطلاق سراح القاتل بموثق مؤكّد إلى حين البتّ في أمره.
ـ السيد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي: لا دليل على وجوب الاستئذان، بل إن اشتراط ذلك يتنافى مع السلطة الممنوحة لوليّ الدم في محكم الذكر الحكيم؛ إذ يقول تعالى: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً﴾ (الإسراء: 33). نعم، يجب أن يثبت القتل عند الحاكم. (المصدر: نرم أفزار كنجينه استفاءات قضائي).
وهناك استفتاءٌ آخر لم يدرج في هذا المصدر، وأحتفظ بنسخةٍ منه. وقد نقلنا فتاوى الفقهاء في مورد تعزير صاحب الحقّ في القصاص الذي يستوفي القصاص قبل إذن الحاكم من هذا الاستفتاء.
([29]) انظر: المحقق الحلي، شرائع الإسلام 4: 213: (تتأكّد الكراهية في قصاص الطرف).
([30]) انظر: تحرير الأحكام 5: 491؛ المهذب البارع 5: 22؛ الشهيد الثاني، الروضة البهية 10: 94؛ الشيخ النجفي، جواهر الكلام 42: 288.
([31]) قواعد الأحكام 3: 622: (وإذا كان الوليّ واحداً جاز أن يستوفي من غير إذن الإمام على رأي. نعم، الأقرب التوقُّف على إذنه، خصوصاً الطرف)؛ كشف اللثام 11: 149: (خصوصاً الطرف، ولجواز التخطي فيه، وكونه مظنّة للسراية).
([32]) انظر: الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 15: 229: (ويتأكّد الحكم فيه وجوباً واستحباباً في الطرف؛ لأنه بمثابة الحدّ، وهو من فروض الإمام؛ ولجواز التخطي، مع كون المقصود معه بقاء النفس، بخلاف القتل؛ ولأن الطرف في معرض السراية؛ ولئلا تحصل مجاحدةٌ). تفصيل الشريعة ـ القصاص: 298: (إنّ القصاص في الطرف أولى وأشدّ من جهة رعاية الاحتياط من القصاص في النفس).
([33]) انظر: الشهيد الثاني، الروضة البهية 10: 94: (وَخُصُوصاً فِي قِصَاصِ الطَّرَفِ)؛ لأَنَّ الْغَرَضَ مَعَهُ بَقَاءُ النَّفْسِ؛ وَلِمَوْضِعِ الاسْتِيفَاءِ حُدُودٌ لا يُؤْمَنُ مِنْ تَخَطِّيهَا لِغَيْرِهِ).
([34]) انظر: الشيخ حسن النجفي، جواهر الكلام 42: 288: (وعلى كل حال فليس المراد من الحرمة بناء على القول بها إلاّ أنه (يعزَّر لو بادر)، وإلا فلا قصاص عليه ولا دية، بلا خلاف ولا إشكال؛ ضرورة أنه قد استوفى حقَّه، وإنْ أثم بترك الاستئذان)؛ إيضاح الفوائد 4: 622.
([35]) انظر: الشيخ الطوسي، المبسوط 7: 100: (فإن خالف وبادر واستوفى حقَّه وقع موقعه، ولا ضمان عليه. وعليه التعزير. وقال بعضهم: لا تعزير عليه. والأول أصحّ؛ لأن للإمام حقّاً في استيفائه)؛ الكافي في الفقه: 383؛ المهذب البارع 2: 485؛ الجامع للشرائع: 601؛ كشف اللثام 11: 149؛ تحرير الوسيلة 2: 534؛ تفصيل الشريعة ـ القصاص: 297. وقد ارتضى هذا القول من الفقهاء المعاصرين: السيد علي السيستاني، والشيخ فاضل اللنكراني، والشيخ الصافي الكلبايكاني، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي، والسيد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي.
([36]) انظر: الشيخ الطوسي، الخلاف 5: 205؛ ومن الفقهاء المعاصرين قال به الشيخ محمد تقي بهجت.
([37]) انظر: الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 5: 229: (والذي يناسب تحريم المبادرة بدون الإذن، ثبوت التعزير؛ لفعل المحرم كغيره).
([38]) انظر: المهذب البارع 5: 221: (لأنها مسألة اجتهادية مبنية على الاحتياط، فتكون منوطة بنظر الحاكم).
([39]) انظر: تفصيل الشريعة ـ القصاص: 297: (يستلزم الاختلال في الجامعة الإسلامية ومجتمع المسلمين).
([40]) انظر: المبسوط في فقه الإمامية 7: 56: (قال بعض علمائنا: ليس له ذلك إلاّ بإذن الحاكم؛ حَذَراً من التجاوز والتخطّي)؛ كشف اللثام 11: 149: (لأن أمر الدماء خطير، والناس مختلفون في شروط الوجوب وكيفية الاستيفاء (خصوصاً الطرف)، ولجواز التخطّي فيه؛ وكونه مظنة للسراية).
([41]) رياض المسائل 16: 299: (لا ما يقال لهم: من أنه يحتاج في إثبات القصاص واستيفائه إلى النظر والاجتهاد؛ لاختلاف الناس في شرائطه وفي كيفية الاستيفاء؛ لخطر أمر الدماء؛ فإن مفاده عدم الجواز مع عدم العلم بثبوت القصاص باحتمال الاختلاف في النظر والاجتهاد. ونحن نقول به، لكنه خارجٌ عن محل النـزاع؛ إذ هو كما عرفت تيقّن الوليّ بثبوت القصاص، وهو غير متوقّف على إذن الحاكم بالاقتصاص؛ لحصوله بمجرّد حكمه به، بل ومن دونه أيضاً لو كان الولي عارفاً بثبوت القصاص في واقعته عند مجتهده، أو مطلقاً، حيث يكون ثبوته إجماعياً أو ضرورياً)؛ مفتاح الكرامة في شرح شرائع العلامة (الطبعة القديمة) 11: 88؛ جواهر الكلام 42: 288.
([42]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 29: 65.
([43]) رياض المسائل 16: 299؛ جواهر الكلام 42: 287.
([44]) انظر: تنقيح مباني الأحكام ـ القصاص: 247.
([45]) انظر: مستند الشيعة 17: 444: (مع كون مفهومه مفهوم وصف لاحجِّية فيه، بأنه لو اعتبر لكان مقتضاه ثبوت الدية على الوليّ القاتل إذا لم يكن بإذن الإمام، والقائلون بالتوقُّف لا يقولون به. مضافاً إلى أنه لا يدلّ على اعتبار إذنه بالخصوص، فإن كل قصاص شرعي إنما هو بأمر الإمام)؛ مفتاح الكرامة في شرح شرائع العلامة (الطبعة القديمة) 11: 87؛ تكملة العروة الوثقى 2: 217.
([46]) انظر: كتاب القصاص: 168؛ تكملة العروة الوثقى 2: 217.
([47]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 29: 131.
([48]) انظر: كتاب القصاص: 166.
([49]) انظر: كتاب القصاص: 167: (وأما ثانياً قول الإمام×، في رواية إسحاق بن عمّار: (يُدفع القاتل إلى أولياء المقتول) لا يدلّ على عدم جواز قصاص الوليّ مع تمكُّنه منه، بل يمكن أن يجوز له التصدّي للقصاص أو لا. ثم مع عدم التمكُّن، وتمكُّن الإمام أو غيره من الدفع إلى أوليائه، أن يكون الدفع واجباً حتّى يتمكَّن من القصاص).
([50]) انظر: روضة المتقين 10: 477.
([51]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 29: 135.
([53]) انظر: الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 10: 94: (وَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ الْوَاحِدِ الْمُبَادَرَةُ) إلَى الاقْتِصَاصِ مِنَ الْجَانِي (مِنْ غَيْرِ إذْنِ الإِمَامِ)؛ لقوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً﴾؛ لأَنَّهُ حَقُّهُ)؛ المبسوط 7: 5؛ إيضاح الفوائد 4: 622؛ مسالك الأفهام 15: 229؛ رياض المسائل 16: 299؛ مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة (الطبعة القديمة) 11: 87؛ جامع المدارك 7: 262؛ كتاب القصاص: 166.
([54]) الروايات في هذا الشأن كثيرة، ومنها ما يلي: وسائل الشيعة 29: 80: (محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد؛ وعن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان قال: سمعتُ أبا عبد الله× يقول: في رجلٍ قتل امرأته متعمِّداً، قال: إنْ شاء أهلها أن يقتلوه قتلوه، ويؤدّوا إلى أهله نصف الدية، وإنْ شاؤوا أخذوا نصف الدية خمسة آلاف درهم. وقال: في امرأةٍ قتلت زوجها متعمدة، قال: إنْ شاء أهله أن يقتلوها قتلوها، وليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه).
وسائل الشيعة 29: 84: (وبإسناده عن أحمد بن محمد، عن المفضَّل، عن زيد الشحّام، عن أبي عبد الله×، في رجل قتل امرأةً متعمداً، قال: إنْ شاء أهلها أن يقتلوه قتلوه، ويؤدّوا إلى أهله نصف الدية).
وسائل الشيعة 29: 108: (عن عدّةٍ من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن أبي المَغْرا، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله× قال: إذا قتل المسلم النصراني فأراد أهل النصراني أن يقتلوه قتلوه، وأدّوا فضل ما بين الديتين).
وسائل الشيعة 29: 166: (محمد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله×، في رجل فقأ عين امرأةٍ، فقال: إنْ شاؤوا أن يفقأوا عينه ويؤدّوا إليه ربع الدية، وإنْ شاءت أن تأخذ ربع الدية. وقال في امرأة فقأت عين رجل: إنه إنْ شاء فقأ عينها، وإلاّ أخذ دية عينه).
وسائل الشيعة 29: 166: (محمد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه؛ وعن عدّةٍ من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعاً، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله×، أنه قال في عبد جرح حُرّاً، فقال: إنْ شاء الحُرّ اقتصّ منه، وإنْ شاء أخذه إن كانت الجراحة تحيط برقبته).
([57]) انظر: الشهيد الثاني، الروضة البهية 10: 94؛ مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة (الطبعة القديمة) 11: 87.
([58]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 15: 25.
([59]) انظر: محمد مؤمن القمي، مجلة فقه أهل البيت^، العدد 3: 54: (حول اشتراط إذن ولي الأمر في استيفاء القصاص).
([60]) انظر: مرآة العقول 18: 333.
([61]) انظر: محمد مؤمن القمي، مجلة فقه أهل البيت^، العدد 3: 67: (حول اشتراط إذن ولي الأمر في استيفاء القصاص).
([62]) انظر: ابن زهرة الحلبي، غنية النـزوع: 407: (ولا يستقيد إلا سلطان الإسلام، أو مَنْ يأذن له في ذلك، وهو وليّ مَنْ ليس له وليٌّ من أهله، يقتل بالعمد أو يأخذ الدية، ويأخذ دية الخطأ، ولا يجوز له العفو كغيره من الأولياء)؛ مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة (الطبعة القديمة) 11: 87: (وعلى تقدير استئذان الحاكم ليس له المنع. نعم، له أن يلتمس العفو والصلح).
([63]) الشيخ النجفي، جواهر الكلام 42: 288: (وعلى كل حال فليس المراد من الحرمة بناء على القول بها إلاّ أنه (يعزَّر لو بادر)، وإلا فلا قصاص عليه ولا دية، بلا خلاف ولا إشكال؛ ضرورة أنه قد استوفى حقّه، وإنْ أثم بترك الاستئذان).
([64]) انظر: كتاب القصاص: 168: (إذا عرفت ذلك فالذي يخطر بالبال أن يقال: إن قصاص الولي بنفسه بدون إجازة الإمام أو نائبه الخاص أو العام جائز واقعاً إنْ لم يترتَّب عليه مفسدة؛ لعمومات الآيات والأخبار… والحاصل أنه يجوز المبادرة بدون إذن الحاكم إنْ لم يترتَّب عليه الفساد، وإلا فلا يجوز إلاّ بعد إذن الحاكم)؛ محمد مؤمن القمي، مجلة فقه أهل البيت^، العدد 3: 65، مقال (حول اشتراط إذن ولي الأمر في استيفاء القصاص): (نعم، إذا رأى وليّ الأمر أو المنصوب من قبله أن الإسراع إلى تنفيذ القصاص أو الاقتصاص بلا حضور القوى المسلَّحة المنظمة ربما يوجب الفساد واختلال الأمن اللازم في الأمة الإسلامية فله ـ بل عليه ـ بمقتضى ولايته أن يمنع مَنْ له القصاص عن إعماله حقِّه إلى أن يحصل له الشرائط اللازمة المانعة عن ترتُّب الفساد وإخلال النظام، إلا أن من المعلوم أنه ليس لوليّ الأمر أن يتسامح في تحصيل ذي الحقّ لحقِّه، بل عليه بمقتضى أنه وليّ المسلمين، وبه إحياء الحدود، أن يهيّئ مقدّمات وصول مَنْ له القصاص إلى حقِّه؛ لئلا يضيع حقُّه ولا يتأخَّر).
([65]) انظر: رياض المسائل 16: 299: (لا ما يقال لهم: من أنه يحتاج في إثبات القصاص واستيفائه إلى النظر والاجتهاد؛ لاختلاف الناس في شرائطه وفي كيفية الاستيفاء؛ لخطر أمر الدماء؛ فإن مفاده عدم الجواز مع عدم العلم بثبوت القصاص باحتمال الاختلاف في النظر والاجتهاد. ونحن نقول به، ولكنه خارجٌ عن محل النـزاع؛ إذ هو كما عرفت تيقّن الوليّ بثبوت القصاص، وهو غير متوقّف على إذن الحاكم بالاقتصاص؛ لحصوله بمجرَّد حكمه به، بل ومن دونه أيضاً لو كان الوليّ عارفاً بثبوت القصاص في واقعته عند مجتهده، أو مطلقاً، حيث يكون ثبوته إجماعياً أو ضرورياً)؛ مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة (الطبعة القديمة) 11: 88: (وهو غير متوقّف على إذن الحاكم، بل ولا على حكمه، حيث يكون حكمه ضرورياً أو إجماعياً، أو يكون عارفاً بثبوته عند مجتهده).