جولةٌ في نظرية الشيخ معرفت
د. الشيخ محمد علي رضائي الإصفهاني(*)
خلاصة ــــــ
إن مسألة «النسخ» من أقدم مسائل علوم القرآن، حيث لعبت دوراً محورياً في علم التفسير، وعلم الحديث، وفقه القرآن، وأصول الفقه، وحتى في علم الكلام أيضاً. ويمكن العثور على جذور هذا البحث في آيات القرآن الكريم والروايات الشريفة. لقد شهد مفهوم النسخ المصطلح تطوّراً على طول التاريخ، وفي هذا الإطار كانت آراء العلماء تتحوّل بدورها بين الرفض والقبول.
إن النسخ بمعنى التخصيص والتقييد المطروح في الأحاديث وفي كلمات المتقدِّمين يحظى بالقبول من قبل العلماء. بَيْدَ أنها خرجت بالتدريج من تحت مصطلح النسخ لترتدي معاني اعتُبرت مرفوضة، من قبيل: «رفع الحكم والتلاوة»، و«رفع التلاوة وبقاء الحكم». وأما النسخ بمعنى «رفع الحكم وبقاء التلاوة» فقد قبل به المشهور من علماء الإسلام. وأما في العالم المعاصر فقد بدأ التشكيك يسري حتّى إلى هذا النوع من النسخ أيضاً.
وفي هذا السياق أخذ «النسخ المشروط» يستقطب الكثير من الأنصار والمؤيدين في المرحلة الوسيطة والمعاصرة، ويُعْرَف أحياناً باسم «النسأ» و«النسخ التمهيدي»، و«النسخ التدريجي».
لقد بحث الشيخ معرفت مسألة النسخ بالتفصيل، في الجزء الثاني من كتابه القيِّم «التمهيد في علوم القرآن»، حيث عمد إلى شرح حقيقة النسخ، وأقسام النسخ، وشرائط النسخ، والشبهات المثارة حول النسخ، وموارد النسخ. وقد ارتضى في نهاية المطاف سبعة موارد للنسخ في آيات القرآن الكريم([1]). وهي: «آية النجوى»، و«آية عدد المقاتلين»، و«آية الإمتاع إلى الحول»، و«آية التوارث بالإيمان»، و«آية الصفح»، و«آيات المعاهدة»، و«تدريجية تشريع القتال». ولكنّه في السنوات الأخيرة من حياته كان ـ في كلماته الشفهية، وفي مقالاته الجديدة([2]) ـ يشكِّك حتّى في هذه الموارد، ولم يعُدْ يقبل بغير النسخ المشروط.
وقد ذكر سماحته في كتاب «شبهات وردود» أمثلة وموارد متعدِّدة للنسخ المشروط، ومنها: مسألة ضرب النساء (فاضربوهُنَّ)، والاسترقاق، كما اعتبر بنحوٍ ما مسألة تعدُّد الزوجات من هذا القبيل([3]).
وفي مقالات غير منشورة ذهب سماحته إلى اعتبار «آيات الصفح»([4])، التي تدعو المسلمين إلى العفو عن الكفّار والمشركين، من نوع النسخ المشروط؛ وذلك لأن آيات الصفح قد نزلت في مكّة المكرَّمة إبان ضعف المسلمين وقلّة عددهم، وقد نسخت نسخاً تدريجياً بآيات القتال التي نزلت في المدينة المنوَّرة([5]).
وطبقاً للنسخ المشروط يكون لكلّ واحدٍ من هذه الأحكام الخاصّة شرائط وظروف زمانية خاصّة، بحيث لو تكرَّرت تلك الشرائط عاد الحكم السابق إلى حالته الأولى. وعليه فإن النسخ المشروط ليس هو النسخ المصطلح.
مقدّمة ــــــ
بالالتفات إلى التطوّر الفكري للعلاّمة معرفت في ما يتعلّق بالنسخ، ولبيان المسألة، لا بُدَّ من بيان معاني النسخ، وأقسام النسخ، وآراء المفكِّرين في هذا الشكل، على نحو الإجمال، لننتقل بعد ذلك إلى الخوض في بيان معنى وموارد النسخ بالتفصيل.
مفهوم النسخ ــــــ
النسخ لغةً يعني «الإزالة، وإبطال الأمر القائم»([6])، و«استبدال شيءٍ مكان شيء آخر يأتي بعده»([7]).
وقد عُرِّف النسخ اصطلاحاً على النحو التالي:
قال ابن حزم(456هـ): النسخ انتهاء زمن الأمر الأوّل في الأشياء التي لا تتكرّر([8]).
وقال الشاطبي(790هـ): «النسخ: رفع الحكم الشرعي بدليلٍ شرعي متأخِّر»([9]).
وقال العلاّمة الطباطبائي: «النسخ هو الإبانة عن انتهاء أَمَد الحكم وانقضاء أَجَله»([10]).
وأما العلامة محمد هادي معرفت فقد عرَّف النسخ بأنّه «رفع تشريع سابق ـ كان يقتضي الدوام حَسْب ظاهره ـ بتشريعٍ لاحق، بحيث لا يمكن اجتماعهما معاً، إما ذاتاً، إذا كان التنافي بينهما بيِّناً، أو بدليلٍ خاصّ، من إجماعٍ أو نصّ صريح»([11]).
إذن لا يحصل في النسخ رأي جديد؛ لأن هذا محال على الله؛ إذ يستلزم تغيير الرأي بسبب الخطأ أو النقص. والنسخ غير التخصيص؛ لأن النسخ يعني اختصاص الحكم بجزءٍ من الزمان، ولبعض الأفراد.
وأما شروط النسخ فهي:
1ـ تحقُّق التنافي بين تشريعين وقعا في القرآن، بحيث لا يمكن اجتماعهما في تشريعٍ مستمر، تنافياً ذاتياً.
2ـ أن يكون التنافي كلِّياً على الإطلاق، لا جزئياً وفي بعض الجوانب.
3ـ أن لا يكون الحكم السابق محدَّداً بأَمَدٍ صريح.
4ـ أن يتعلَّق النسخ بالتشريعيات، دون الأخبار.
5ـ التحفُّظ على نفس الموضوع، إذ عندما يتبدَّل موضوع حكمٍ إلى غيره فإن الحكم يتغيَّر لا محالة([12]).
النسخ في القرآن ــــــ
قد استعملت مفردة النسخ في الآية 29 من سورة الجاثية: «نستنسخ»، بمعنى النقل والاستنساخ؛ وفي الآية 51 من سورة الحجّ: «فينسخ الله»، وفي الآية 106 من سورة البقرة: «ما ننسخ من آيةٍ…»، بمعنى الإزالة. وفي ما يتعلَّق بالآية الأخيرة ذهب الكثير من المفسِّرين ـ بطبيعة الحال ـ إلى القول بأن النسخ قد استعمل بمعناه الاصطلاحي([13]).
النسخ في الأحاديث ــــــ
لقد استعمل النسخ في الروايات بمعانٍ واسعة، تشمل التخصيص والتقييد. فقد رُوي عن الإمام عليّ× ـ مثلاً ـ أنه قال لقاضي الكوفة: «تعرف الناسخ من المنسوخ؟ فقال: لا، فقال×: هلكْتَ وأهلكْتَ»([14]).
ويستفاد من هذا الكلام، بالالتفات إلى القرائن المحيطة به، أن المراد من النسخ هو التخصيص أو التقييد([15]).
أجل، لا يمكن الاستناد إلى عمومات الكتاب والسنّة والحكم على طبقها، دون تشخيص العامّ والخاصّ، والمطلق والمقيِّد، والمجمَل والمبيِّن.
يرى العلامة معرفت أن الكثير من الآيات الناسخة والمنسوخة التي ذكرها المتقدِّمون هي من هذا القبيل([16]).
الجذور التاريخية، والآراء ــــــ
بعد استعمال مفردة النسخ في القرآن([17]) ذكر الإمام عليّ× بوصفه أوّل مَنْ قدَّم في مصحفه الآيات الناسخة على المنسوخة. كما نقل عنه كلام بشأن الناسخ والمنسوخ([18]).
ثم كان أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ المسمعي ـ وهو من أصحاب الإمام الصادق×(148هـ) ـ أوّل مَنْ عالج هذه المسألة؛ إذ ألّف رسالة في الناسخ والمنسوخ على أساس بعض القواعد والأصول الخاصة([19]).
وكذلك هناك مباحث حول الناسخ والمنسوخ في التفسير المنسوب لعليّ بن إبراهيم القمّي(307هـ). وبطبيعة الحال فإن مفردة النسخ في تلك المرحلة كانت تستعمل غالباً في المعنى اللغوي، أو المعنى الأعمّ، الشامل للتخصيص والتقييد.
ثم قام الزركشي(793هـ) في كتاب «البرهان في علوم القرآن»، والسيوطي(911 ـ 991هـ) في كتاب «الإتقان في علوم القرآن»، والسيد أبو القاسم الخوئي(معاصر) في «البيان»، بتناول مسألة النسخ أيضاً.
وبطبيعة الحال فإن النسخ قد استعمل في هذه المرحلة بالمعنى الاصطلاحي، ولكنْ كان هناك اختلافٌ شديد بشأن عدد الآيات الناسخة والمنسوخة، بحيث قال بعضهم: هناك ناسخٌ ومنسوخ، أو أحدهما، في واحدٍ وسبعين سورة من القرآن([20]). في حين ذهب بعضهم إلى حصول النسخ في آية النجوى فقط([21]). وفي المرحلة الراهنة أفرد العلاّمة معرفت الجزء الثاني من كتاب «التمهيد في علوم القرآن» لبحث النسخ، وقَبِل بحصوله ـ في نهاية المطاف ـ في سبع آيات فقط. وأما في كتاباته وكلماته الشفهية الأخيرة فقد أخذ ينكر النسخ المصطلح في القرآن بالمرَّة([22])، وقال بالنسخ المشروط التمهيدي والتدريجي([23]).
أجل، لقد قال الكثير من العلماء المسلمين بإمكان النسخ الاصطلاحي في القرآن؛ لأن الأحكام الإلهية تابعةٌ للمصالح والمفاسد، وكلّما تغيَّرت الظروف والشرائط، وحلّت مصلحةٌ محلّ مفسدة، حلّ حكمٌ جديد. واستدلوا لحصول النسخ بالآية 101 من سورة النحل: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ﴾، والآية 106 من سورة البقرة أيضاً. وتمّ الاستشهاد بوقوع النسخ في الكتب السماوية السابقة([24]). ونسبوا إنكار إمكان النسخ إلى اليهود.
وقد ذهب العلامة معرفت إلى القول بإمكان النسخ، واعتبره أمراً بديهياً([25]). إلا أن علماء الإسلام اختلفوا في وقوعه.
أـ المنكرون لوقوع النسخ في القرآن ــــــ
إن أوّل مَنْ أنكر وقوع النسخ الاصطلاحي هو أبو مسلم محمد بن بحر الإصفهاني(322هـ)([26]).
ثم كتب محمد بن الجنيد(381هـ) ـ من كبار الإمامية ـ رسالةً تحت عنوان: «الفسخ على مَنْ أجاز النسخ»([27]).
وفي العصر الراهن ذهب الشهرستاني في «تنزيه التنزيل»، وجواد موسى محمد عقانة في «الرأي الصواب في منسوخ الكتاب»، والسيد محمود الطالقاني في تفسير «برتوي أز قرآن»، وعبد الكريم الخطيب في «التفسير القرآني للقرآن الكريم»، ومحمد الغزالي في «نظرات في القرآن»، وصولاً إلى العلاّمة معرفت في آرائه الشفهية ومقالاته غير المنشورة، إلى إنكار وقوع النسخ في القرآن الكريم([28]).
ب ـ القائلون بوقوع النسخ في القرآن ــــــ
كما تقدَّم فقد ذهب مشهور علماء الإسلام إلى القول بوقوع النسخ في القرآن، وذكروا له تقسيمات مختلفة. ولكنّهم قالوا بأن عدد الآيات المنسوخة قليلٌ.
وقد قال العلاّمة معرفت والزرقاني بنسخ سبع آيات([29])؛ وقال العلاّمة الشعراني بنسخ أربع آيات([30])؛ وقال الشيخ جعفر السبحاني بنسخ آيتين([31])؛ وقال السيد الخوئي بنسخ آيةٍ واحدة فقط([32]).
وعلى هذا الأساس فإن ما ذكره المستشرقون من القول: «إنه لو تمّ البحث في القرآن والتفاسير فلن نجد سورةً خالية من الناسخ والمنسوخ، الأمر الذي سيصيب القارئ بالحيرة والضياع» كلامٌ باطل([33])؛ لأننا إذا قبلنا النسخ في القرآن فإننا سنجده ضمن موارد قليلة، وقد تمَّ تحديدها وضبطها بأجمعها.
أقسام النسخ ــــــ
لقد شهد النسخ تقسيمات مختلفة، ولكنْ يمكن القول بشكلٍ عام: إن النسخ قد استعمل في ثلاثة معانٍ:
1ـ النسخ في مصطلح الروايات الإسلامية ــــــ
وهو بهذا المعنى أعمّ من التخصيص والتقييد والنسخ في المصطلح المعاصر. وقد حكي نموذج هذا المعنى من النسخ عن الإمام عليّ×([34])، كما تقدَّم. وبطبيعة الحال فإن هذا النوع من النسخ لم يعُدْ يُستعمل في زماننا، حيث انفصل النسخ عن دائرة التخصيص والتقييد.
2ـ النسخ في المصطلح المشهور ــــــ
وهو المعنى الذي كان مطروحاً لعدّة قرون بين المشهور من المفسِّرين والمختصّين في علوم القرآن وأصول الفقه. وفي هذا المعنى يكون النسخ عبارة عن: «رفع تشريع سابق ـ كان يقتضي الدوام حَسْب ظاهره ـ بتشريع لاحق، بحيث لا يمكن اجتماعهما معاً»([35]).
وينقسم النسخ الاصطلاحي إلى ثلاثة أقسام:
1ـ نسخ الحكم والتلاوة: بأن تسقط من القرآن آية كانت ذات حكم تشريعي، ثمّ نسخت وبطل حكمها، ومُحيت من صفحة الوجود.
وقد روي في هذا الشأن حديث عن عائشة، أنها قالت: «كان في ما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمْنَ، ثم نسخْنَ بخمسٍ معلومات، فتوفي رسول الله| وهنَّ في ما يُقرأ من القرآن»([36]).
وطبقاً لبعض الروايات الأخرى فإن الصحيفة التي كانت فيها هذه الآية المزعومة قد أكلَتْها الداجنة.
المناقشة: لا يمكن الالتزام بمحتوى هذه الرواية؛ إذ كيف يمكن لمَنْ ينكر وقوع التحريف في القرآن أن يلتزم ببساطةٍ بأن آيةً من القرآن، كان الصحابة يقرأونها، ويعملون بمضمونها، قد ضاعَتْ ولم يعُدْ لها من وجود. إن الشخص الذي يلتزم بصحة هذا النوع من الروايات سوف يلتزم بتحريف القرآن؛ لقوله بضياع شيء من القرآن، وهذا مخالفٌ لوعد الله بحفظ القرآن، وعليه يكون هذا النوع من النسخ باطلاً.
2ـ نسخ التلاوة وبقاء الحكم: بأن تسقط آيةٌ من القرآن الكريم، ثمّ نُسيت ومحيت من صفحة الوجود، لكنّ حكمها وتشريعها بقي مستمرّاً يعمل به المسلمون.
وقد رُوي في هذا الشأن روايات عن بعض الصحابة، من أمثال: عمر بن الخطاب وأبيّ بن كعب. ومن ذلك: (آية الرجم): «الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالاً مِنَ اللهِ، وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»([37]).
المناقشة: إن هذا النوع من النسخ مخالفٌ للحِكْمة؛ إذ كيف تكون الآية مستنداً لحكمٍ ومع ذلك تزول ويبقى حكمها.
يُضاف إلى ذلك أن القول بهذا النوع من النسخ يستلزم القول بتحريف القرآن، وهو أمرٌ مخالف لوعد الله في القرآن بحتميّة حفظه.
3 ـ نسخ الحكم وبقاء التلاوة: بأن تبقى الآية ثابتة في القرآن، يقرؤها المسلمون عبر العصور، سوى أنها منسوخة من الناحية التشريعية.
إن هذا النوع من النسخ مقبولٌ ومشهور بين علماء المسلمين في القرون الوسيطة. وإن أغلب أمثلة النسخ تعود إلى هذا النوع من النسخ. وقد ذهبوا إلى القول بأن هذا النوع من النسخ معقولٌ ومقبول؛ لأن حكم الآية الناسخة قد نزل بعد تغيُّر المصالح والمفاسد، وانتهاء زمن الحكم الأوّل. وكما تقدّم فإن الزرقاني قد قبل هذا النوع من النسخ في سبع آيات، والشعراني في أربع آيات، والسيد الخوئي في آيةٍ واحدة فقط([38]).
وإن من أهمّ الآيات التي قيل بنسخها: آية النجوى([39])، وآية عدد المقاتلين([40])، وآية الإمتاع إلى الحَوْل([41])، وآية التوارث بالإيمان([42])، وآيات الصفح([43])، وآيات المعاهدة([44])، وتشريع القتال بشكلٍ تدريجي([45]).
3ـ النسخ المشروط (التمهيدي ـ التدريجي) ــــــ
ويُراد منه نسخ الحكم السابق عند تغيُّر الظروف والشرائط، ولكنْ بعد عودة تلك الظروف والشرائط يعود الحكم المنسوخ إلى سابق عهده.
إن هذا القسم في الحقيقة ليس هو النسخ المطابق للمصطلح المشهور، بل هو عبارة عن أحكام متعدِّدة يرتبط كلّ واحد منها بظروف وشرائط خاصة، وإن لحاظ تغيّر الحكم بتغير الشرائط والظروف في صُلْب الحكم لا يُعَدّ نسخاً، بل هو مجرّد تغيُّر في الموضوع، يستتبعه تغيُّر في الحكم أيضاً.
وهذه المقولة تسمّى بالنسخ المشروط؛ لأن رفع وإعادة الحكم يرتبط بالشرائط والظروف. كما يُسمّى بالنسخ التدريجي والتمهيدي أيضاً؛ إذ يمكن للشارع أن يرفع التشريع أو الحكم عبر عدّة مراحل، ويبيِّن الحكم الجديد بعد توفُّر عدد من المقدِّمات، كما هو الحال بالنسبة إلى تحريم الخمر، ونسخ الاسترقاق.
الجذور التاريخية ــــــ
إن عنوان «النسخ المشروط» عنوانٌ جديد، ولكنْ يمكن لنا العثور على مضمونه في تراث المتقدِّمين.
فقد ذكر الزركشي(793هـ) هذه المسألة تحت عنوان «النسأ». حيث ذهب إلى الاعتقاد بأن الحكم إذا كان له سبب فإنه يجب لذلك السبب، وإذا زال ذلك السبب سوف يتبدّل الحكم بدوره إلى حكمٍ آخر. وإنْ عاد السبب الأول عاد الحكم الأول أيضاً. وهذا هو «النسأ»([46]).
وقد أشار إلى قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ (المائدة: 105)، حيث نزل في بداية الدعوة إلى الإسلام، وبعد ذلك قويت شوكة المسلمين في المدينة المنورة، وأصدر الله الأمر بالجهاد، وفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولو فُرض أن المسلمين عادوا إلى الضعف عاد ذلك الحكم الأول من جديد.
ثم يصل إلى هذه النتيجة حيث يقول: «وبهذا التحقيق تبين ضعف ما لهج به كثير من المفسِّرين في الآيات الآمرة بالتخفيف أنها منسوخةٌ بآية السيف. وليست كذلك، بل هي من المنسأ»([47]).
كما أن لجلال الدين السيوطي(911 ـ 991هـ) كلامٌ مشابه لهذا الكلام، وقد عبّر عنه بـ «المنسأ» (طبقاً للآية 106 من سورة البقرة)([48]).
هذا وقد ذهب عددٌ آخر من العلماء إلى القول بالنسخ المشروط أيضاً.
وهناك مَنْ رأى أنّ بعض الآيات المنسوخة هي من قبيل: النسخ المشروط. ومن هؤلاء: صبحي الصالح([49])، وعبد الكريم الخطيب([50])، ونصر حامد أبو زيد([51]).
وقد ذكر العلاّمة الشيخ معرفت& عدّة أمثلة للنسخ المشروط، ومنها:
1ـ الاسترقاق في القرآن ــــــ
بزغ نور الإسلام وكان الرقّ ضارباً بأطنابه في ربوع العالم، وكان داخلاً في النسيج الاقتصادي والاجتماعي. ولم يكن هناك إمكانية لحظر هذه التجارة دون التمهيد لذلك ببعض المقدّمات، بل لم يكن حتّى لمدّة حياة النبيّ أن تفي بتحقيق هذا الحظر والمنع، وكانت هناك ضرورةٌ لمزيد من الوقت. وقف الإسلام بوجه هذا الانحراف، ولكنْ لا على نحو صريح أو علني، وإنما بالتدريج، وعبر سلسلة من المقدّمات التمهيدية، وهو ما نطلق عليه «النسخ التدريجي». وفي هذا السياق تمّ تحقيق المراحل التالية:
المرحلة الأولى: لقد قام الإسلام بمنع جميع أسباب ومصادر الاستعباد والرقّ، ولم يُبْقِ إلاّ على حالة الهيمنة على الأعداء في ساحات القتال، ولا يشمل ذلك غير الرجال المناوئين للإسلام، والذين يؤسرون في ساحة المعركة، وبذلك يخرج الكثير من الأفراد عن دائرة الرقّ، ومن بينهم: النساء والأطفال وكبار السنّ([52]). وهذا يعني أن الإسلام قد أعلن رفضه رسمياً لمفهوم الرقّ والاستعباد منذ البداية. ولكنْ لم يكن بالإمكان حلّ مشكلة أسرى الحرب بجرّة قلمٍ واحدة؛ بسبب الظروف الحاكمة في ذلك العصر؛ لأن المسلمين كانوا يقعون في قبضة الأعداء أسرى، وكان يتمّ استعبادهم في ظروف قاسية، فلو قام المسلمون في مثل هذه الظروف بتحرير أسرى المشركين والكفّار لزادت سَطْوة الكفّار، وأمعنوا في إيذاء المسلمين وممارسة الضغط عليهم، ولما أمكن للمسلمين أن يستنقذوا رجالهم من أسر الكفار والمشركين. وعليه فقد كان هذا الأسر والاستعباد نوعاً من المقابلة بالمثل. والملفت أن الآية الوحيدة التي تعرَّضت لأسرى الحرب، وهي قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ (محمد: 4)، لم تأتِ على ذكر الاستعباد من خلال الأسر؛ كي لا يتحوَّل ذلك سنّةً متَّبعة على طول التاريخ([53]).
المرحلة الثانية: لقد أعطى الإسلام للإنسان شخصيته، وضمن له حقوقه، ليخرجه من التعامل معه بوصفه سلعة تُباع وتُشترى وتُستعمر وتُستعبد، بل شرّع القرآن للعبيد حقوقاً في الزواج، موازيةً لحقوق الأحرار([54]). وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13).
وعَنْ النَّبِيِّ| قَالَ: «لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: غُلامِي وَجَارِيَتِي، وَفَتَايَ وَفَتَاتِي»([55]).
وكان من مكارم أخلاق النبيّ الأكرم| أنه كان يأكل مع العبيد([56]). ثم غدَتْ هذه الظاهرة بعد ذلك سنّةً. وحُكي عن النبي الأكرم| أنه عدّ من بين شرّ الناس رجلٌ يضرب عبده([57]).
وهكذا أعاد الإسلام للعبيد كرامتهم الإنسانية، وبذلك تمّ في الحقيقة تحرير أرواح العبيد. هذا، في حين كان يُساء معاملة العبيد في إيران وروما والهند، وحتّى أوروبا، بل تمّ في القانون الروماني المصادقة على قانون يُبيح للسيد أن يقتل عبده، أو يبالغ في تعذيبه وإيذائه، دون أن يكون للعبد حقٌّ في إبداء الشكوى([58]).
المرحلة الثالثة: كما سنّ الإسلام سبلاً لتحرير الأسرى؛ كي يتمّ القضاء على ظاهرة الاستعباد في المجتمع الإسلامي، بشكلٍ طبيعي وتدريجي. وها نحن حالياً لا نشهد في البلدان الإسلامية عبيداً، رغم عدم وجود قانون يمنع الاستعباد.
وقد قام النبيُّ بإطلاق بعض الإسرى دون أن يأخذ فداءً عليهم، وأخذ من نصارى نجران الضريبة (الجِزْية)، وأعاد إليهم أسراهم([59]).
بل جعل كفّارة بعض الذنوب ـ من قبيل: عدم الصيام ـ فكّ الرقاب، بل شجع على عتق العبيد ابتداءً، ورتَّب على ذلك ثواباً عظيماً.
2ـ ضرب النساء (فاضربوهنَّ) ــــــ
قال تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً﴾ (النساء: 34).
عندما ندرس أوضاع المرأة في الجاهلية سنجد أن أعراب الجاهلية لم يكونوا يحترمون حقوق المرأة، بل كانوا يتعاملون معها بمنتهى العنف والقسوة. ولم تكن هذه الظاهرة خاصّة بالعرب فقط، بل يمكن رصد هذه الظاهرة حتّى لدى الشعوب والأمم الأخرى بشكلٍ وآخر أيضاً.
وعليه فإن تغيير هذه الظاهرة غير الحميدة الضاربة في عمق المجتمع كان يحتاج إلى مدّةٍ زمنية، واجتياز بعض المقدّمات؛ كي يتم القضاء على هذه العادة الجاهلية بالتدريج. وهذا هو النسخ التدريجي الذي تحقَّق على طول التاريخ.
وفي هذا الإطار تم طيّ عدّة مراحل:
المرحلة الأولى: تمّ شرح كيفية الضرب، وإنه يجب أن لا يكون مبرِّحاً([60])، بمعنى أنه يجب أن يكون نوعاً من المداعبة باليد. كما قيل: إن هذا الضرب يجب أن لا يكون بالسَّوْط أو العصا وما إلى ذلك، بل يجب أن يكون بإصبع السواك. الأمر الذي ينفي بالكامل كلَّ نوعٍ من أنواع التسلُّط والتعسُّف من قبل الرجل تجاه المرأة([61]).
المرحلة الثانية: تمّ المنع في هذه المرحلة من ضرب المرأة، فقد ورد في الحديث عن رسول الله| أنه قال: «لا تضربوا إماء الله. فقال عمر: ذئرن النساء على أزواجهنّ، فرخَّص في ضربهنَّ، فأطاف بآل رسول الله| نساءٌ كثير يشكين أزواجهنَّ، فقال رسول الله|: ليس أولئك خياركم»([62]).
وعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ| خَادِماً لَهُ، وَلاَ امْرَأَةً»([63]).
كما لعن رسول الله| شخصاً لا يؤدّي حقوق زوجته([64]).
المرحلة الثالثة: هناك الكثير من الأوامر والتشريعات الإسلامية في خصوص احترام المرأة، ورعاية حقوقها، وتعاهدها بالرحمة والعطف والرأفة، والصَّفْح عن أخطائها.
فقد رُوي عن النبيّ| أنه قال: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»([65]).
وعن الإمام عليّ× أنه كتب لنجله الإمام الحسن×: «فإن المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة، ولا تعد بكرامتها نفسها»([66]).
وعن الإمام الصادق× أنه قال: «كلّ مَنْ اشتدّ لنا حبّاً اشتدّ للنساء حبّاً»([67]).
يتّضح من خلال هذه المراحل والأحاديث أن إطلاق ظاهر قوله: ﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ قد نُسخ، وذلك بالنسخ التمهيدي (المشروط). وناسخه هو هذه الأحاديث الواردة بشأن رعاية حقوق المرأة، واحترام شخصيتها، ومنع ضربها. وهذا هو منهج النبيّ الأكرم| وكبار الأمّة، الذين يمثِّلون الأسوة والقدوة لنا([68]).
3ـ تعدُّد الزوجات ــــــ
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ﴾ (النساء: 3).
لقد نزلت هذه الآية في ظرفٍ زمنيّ خاصّ؛ وذلك للقضاء على مشكلة اجتماعية واجهت المسلمين، وهي مشكلة حدثت إثر الحروب واستشهاد الكثير من رجال المسلمين، وقد أدَّى ذلك إلى تفشّي ظاهرة الأرامل واليتامى، حتّى لم يعُدْ بالإمكان علاج هذه المشكلة إلاّ من خلال السماح بتعدُّد الزوجات.
وبطبيعة الحال، وبقطع النظر عن شأن نزول هذه الآية، فإن رعاية الفطرة الإنسانية، وتلبية حاجاتها، والحدّ من الفساد الاجتماعي، يستوجب في ظلّ ظروف وشرائط خاصّة، ومع فرض بعض الشروط والقيود، عدم المنع من تعدُّد الزوجات([69]).
تنويه: إن العلامة معرفت& لم يعتبر آية تعدُّد الزوجات منسوخةً بالنسخ المشروط صراحةً. ولكنّه عدّ هذا المورد من الأمثلة على النسخ المشروط، وفحوى كلامه ينسجم مع ذلك.
4ـ آيات الصفح والقتال ــــــ
إن آيات الصفح هي الآيات التي تدعو المسلمين إلى العفو والتسامح والتسالم مع الكفار والمشركين. وهي لا تتنافى أو تتعارض مع آيات القتال التي تدعو المسلمين إلى الجهاد، من قبيل: الآية 14 من سورة الجاثية، والآية 109 من سورة البقرة، والآية 39 من سورة الحج، والآية 65 من سورة الأنفال، والآية 5 من سورة التوبة. ولذلك لا تنطبق عليها شرائط النسخ المصطلح. بل كلّ واحدة من هاتين الطائفتين من الآيات لها ظرفها الخاصّ، بمعنى أن الصفح يتعلَّق بمرحلة ضعف المسلمين، والجهاد يتعلَّق بمرحلة قوتهم وازدياد شوكتهم.
يُضاف إلى ذلك أن العفو والصفح يعتبر في الإسلام من الأصول الأوَّلية على الدوام([70]).
5ـ آية النجوى ــــــ
قال تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (المجادلة: 12 ـ 13).
في هذه الآيات فرض على المسلمين في بداية الأمر أن يتصدَّقوا بشيء من المال قبل أن يدخلوا على رسول الله؛ لسؤاله| عن شيءٍ، أو للتحدُّث معه بشكلٍ خاص، ثم تمّ تجاوز هذا الأمر، وأُلغي وجوب التصدُّق في هذا المورد. فتصوَّر البعض أن هذه الآيات من موارد النسخ، في حين أنها جاءت بوصفها مجرَّد محاولة تربوية للمسلمين في عهد النبي الأكرم|، وقد كان الغرض منها تنبيه المسلمين إلى عدم إزعاج النبي لسبب وغير سبب. وبعد مواجهة المسلمين لهذه الحقيقة التربوية فهموا الرسالة، وكفّوا عن إزعاج الرسول، فارتفع الحكم بوجوب الصدقة. بَيْدَ أن هذا الأمر يبقى قائماً دائماً؛ ليتمّ الاقتصار في مراجعة الرسول على الأمور الحكوميّة والدينيّة الهامة والجليلة فقط([71]).
استخلاصٌ واستنتاج ــــــ
إن مفهوم النسخ بالمعنى الروائي ـ الأعمّ من التخصيص والتقييد ـ لم يعُدْ مستعملاً في عصرنا، إلا أن التدقيق في هذا المعنى يساعد على فهم بعض الروايات.
إن النسخ مصطلحٌ مشهور بين العلماء المسلمين، وظلّ شائعاً بينهم لعدّة قرون.
ومن أقسامه ما هو معقولٌ، ويمكن الدفاع عنه، وهو الذي يكون من قبيل: نسخ الحكم وبقاء التلاوة. وهناك بطبيعة الحال خلافٌ كبير في تحديد مصاديقه.
وإن بعض المفكِّرين ـ ومنهم: العلامة الشيخ معرفت& في آرائه الأخيرة ـ أنكر وجود هذا النوع من النسخ في القرآن. ولكنّه طرح في المقابل النسخ المشروط (التمهيدي والتدريجي)، الذي تبلور منذ القرن الهجري الثامن فما بعد تحت عنوان «النسأ» أو «المنسأ».
وقد عمد الشيخ معرفت& إلى استعراض النسخ المشروط في موارد متعدِّدة من الآيات والموضوعات الإسلامية.
كما عمد بعض المفكِّرين المعاصرين إلى طرح هذه المسألة بصور مختلفة أيضاً، إلاّ أن الأمر الأساسي هو أن النسخ المشروط ـ كما قال العلامة معرفت ـ ليس من النسخ حقيقة، وإنّما هو مجرّد تغيير للحكم؛ تبعاً لتغيُّر الموضوع وشرائطه، رغم إطلاق مصطلح النسخ عليه.
وبعبارةٍ أخرى: حيث إن بعض موارد النسخ الاصطلاحي المشهور المدّعى يعود في حقيقته إلى تغيُّر الموضوع وشرائطه يتمّ التعبير عنه بوصف «النسخ المشروط». بَيْدَ أن المهمّ في البين هو أن مسألة النسخ المشروط يمكن لها أن تكون طريقاً لتوجيه الكثير من الآيات الناسخة والمنسوخة طبقاً للمصطلح المشهور، كما يمكن لها أن تكون آلية لتطبيق آيات القرآن على العصور والأجيال الجديدة، بمعنى أنه من الممكن على أساس الشرائط والمقتضيات والموضوع والمكان والأفراد أن يتمّ تطبيق أحد أحكام الإسلام، وعلى أساس الشرائط الأخرى يتمّ تطبيق حكمٍ آخر، كما ذكرنا ذلك بشأن آيات الصلح والقتال، وكذلك في مورد آيات تحريم الخمر ومراحل ذلك في مختلف المجتمعات، حيث يمكن إجراء ذلك بالنظر إلى الشرائط الجديدة. وبعبارةٍ أخرى: يمكن لنظرية النسخ المشروط أن تكون واحدةً من طرق وآليات تطبيق القرآن والسنّة على الأفراد في الأمكنة والأزمنة والشرائط والظروف المختلفة والمتفاوتة. وهذا الأمر يُعَدّ من أسرار خلود القرآن وأحكام الإسلام.
الهوامش
(*) أستاذٌ وباحثٌ متخصِّصٌ في العلوم القرآنيّة، وعضو الهيئة العلميّة في جامعة المصطفى‘ العالميّة.
([1]) انظر: محمد هادي معرفت، التمهيد في علوم القرآن 2: 300 فما بعد.
([2]) ومنها: مقالة «النسخ»، التي كتبها لموسوعة «قرآن شناسي». وقد اطَّلعت عليها، وسوف يتم نشرها قريباً في الموسوعة المذكورة.
([3]) انظر: محمد هادي معرفت، شبهات وردود: 149 فما بعد.
([4]) من قبيل: الآية 10 من سورة المزمّل، والآية 85 من سورة الحجر، والآيتين 112 و115 من سورة هود، والآية 89 من سورة الزخرف، وغيرها من الآيات الأخرى.
([5]) ورد هذا الأمر في مقالة «النسخ»، التي كتبها الأستاذ معرفت لموسوعة «قرآن شناسي».
([6]) الزبيدي، تاج العروس 4: 319.
([7]) الراغب الإصفهاني، المفردات: 490؛ ابن منظور الأفريقي، لسان العرب 3: 61.
([8]) انظر: ابن حزم الأندلسي، الإحكام في أصول الأحكام 1: 463.
([9]) الشاطبي، الموافقات 3: 95.
([10]) محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 249.
([11]) التمهيد في علوم القرآن 2: 274.
([12]) انظر: التمهيد في علوم القرآن 2: 278 ـ 282.
([13]) انظر: محمد بن جرير الطبري، جامع البيان 1: 666؛ الفخر الرازي، التفسير الكبير 3: 245؛ الفضل بن الحسن الطبرسي 1: 347، وغيرها من التفاسير.
([14]) تفسير محمد بن مسعود العياشي 1: 12؛ جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن 2: 40.
([16]) انظر: التمهيد في علوم القرآن 2: 278.
([18]) انظر: تفسير العياشي 1: 12؛ الإتقان في علوم القرآن 2: 40؛ ناسخ القرآن ومنسوخه: 125.
([19]) وبطبيعة الحال فقد تمّ تأليف الكثير من الكتب والرسائل المستقلّة في موضوع النسخ، ولكنْ لا يتّسع هذا المقال إلى ذكرها بأجمعها. (انظر: التمهيد في علوم القرآن 2: 270).
([20]) انظر: الإتقان في علوم القرآن 2: 41.
([21]) انظر: أبو القاسم الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 376 ـ 377.
([22]) انظر: مقالة «النسخ»، التي كتبها الشيخ معرفت لموسوعة «قرآن شناسي»، وسوف يتمّ نشرها قريباً في الموسوعة المذكورة.
([23]) انظر: المصدر السابق؛ محمد هادي معرفت، شبهات وردود: 150 ـ 151.
([24]) انظر: الشهرستاني، الملل والنحل 1: 211؛ المحصول 1: 532؛ ابن جرير الطبري، جامع البيان 8: 140 و231؛ الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان 6: 594؛ الفخر الرازي، التفسير الكبير 20: 119؛ وغيرها.
([25]) انظر: التمهيد في علوم القرآن 2: 269.
([26]) انظر: التفسير الكبير 3: 229.
([27]) انظر: نسخ در قرآن: 228؛ التمهيد في علوم القرآن 2: 300 فما بعد.
([28]) وذلك في مقال «النسخ»، الذي سينشر قريباً في موسوعة «قرآن شناسي».
([29]) انظر: بدر الدين الزركشي، مناهل العرفان 2: 255 ـ 269.
([30]) انظر: فتح الله الكاشاني، مقدّمة تفسير منهج الصادقين 2: 12.
([32]) انظر: البيان في تفسير القرآن: 176 ـ 177.
([33]) الاستشراق والقرآن العظيم: 168.
([34]) تفسير العياشي 1: 12؛ الإتقان في علوم القرآن 2: 40.
([35]) التمهيد في علوم القرآن 2: 274.
([36]) صحيح مسلم 4: 167؛ سنن الترمذي 3: 456؛ الإتقان في علوم القرآن 2: 42.
([37]) انظر: الإتقان في علوم القرآن 2: 48؛ مسند أحمد بن حنبل 5: 132 و183؛ سنن الدارمي 2: 178؛ سنن ابن ماجة 2: 854.
([38]) انظر: الزركشي، مناهل العرفان 2: 255 ـ 269؛ الكاشاني، مقدّمة تفسير منهج الصادقين 2: 12؛ الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 376 ـ 377.
([39]) انظر: المجادلة: 12 ـ 13.
([40]) انظر: الأنفال: 65 ـ 66.
([41]) انظر: البقرة: 234، 240؛ النساء: 12.
([42]) انظر: الأنفال: 72؛ الأحزاب: 6.
([43]) انظر: الجاثية: 14؛ البقرة: 109؛ الحج: 39؛ الأنفال: 65؛ التوبة: 5.
([44]) انظر: النساء: 90، 92؛ الأنفال: 72؛ الممتحنة: 11؛ وكذلك سورة براءة.
([45]) انظر: الحجّ: 39؛ النساء: 91؛ الأنفال: 61؛ التوبة: 5، 29، 36، 123.
([46]) انظر: بدر الدين الزركشي، البرهان في علوم القرآن 2: 173.
([48]) انظر: الإتقان في علوم القرآن 2: 41.
([49]) انظر: صبحي الصالح، مباحث في علوم القرآن: 269.
([50]) انظر: عبد الله شبّر، تفسير القرآن الكريم 1: 125.
([51]) انظر: نصر حامد أبو زيد، مفهوم النصّ: 123.
([52]) انظر: محمد هادي معرفت، شبهات وردود: 150، 174.
([53]) انظر: المصدر السابق: 185 ـ 186.
([54]) انظر: النساء: 25، وغيرها.
([55]) انظر: مسند أحمد بن حنبل 2: 423.
([56]) انظر: محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 16: 199، 222.
([57]) انظر: المصدر السابق 71: 141.
([58]) انظر: محمد هادي معرفت، شبهات وردود: 176 فما بعد.
([59]) انظر: المصدر السابق: 150، 186.
([60]) انظر: ابن جرير الطبري، جامع البيان 5: 44؛ السيوطي، الدرّ المنثور 2: 523 ـ 532؛ محمد بن الحسن الطوسي، تفسير التبيان 3: 191.
([61]) انظر: محمد هادي معرفت، شبهات وردود: 149 ـ 151.
([62]) السيوطي، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 2: 523.
([63]) سنن ابن ماجة 1: 612، ح2009.
([64]) انظر: الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 103.
([67]) ابن إدريس الحلّي، السرائر 3: 636.
([68]) انظر: محمد هادي معرفت، شبهات وردود: 151 ـ 158.
([69]) انظر: المصدر السابق: 162 فما بعد.