ـ القسم الثاني ـ
الشيخ جويا جهانبخش(*)
«…دين الإسلام أشرف من أن يُؤخَذ من كلّ جاهلٍ عامّي، أو يثبت بقول كل غافل غبيّ…»([1]).
بالالتفات إلى الاختلافات القائمة بشأن سيرة وأحوال رتن، بل وحتى تاريخ وفاته، قد يتسلل الظنّ والشكّ حتّى إلى وجوده من الأساس؛ فقد يُقال بعدم وجود مثل هذا الشخص، وإنه شخصية خرافية قد تمّ اختلاقها من قبل بعض المغرضين!
يُقال: إن اثني عشر شخصاً من مختلف أنحاء العالم الإسلامي قد التقوا بهذا الرجل في مسقط رأسه، فإنْ صحّ هذا الكلام يمكن الاطمئنان في الحدّ الأدنى إلى وجود هذا المدَّعي في القرن السابع الهجري في العالم الخارجي.
قال الصفدي(764هـ) في الوافي بالوفيات: «نقلت من خطّ علاء الدين عليّ بن مظفر الكنديّ: حدّثنا القاضي الأجل العالم جلال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن إبراهيم الكاتب، من لفظه، في يوم الأحد، خامس عشر ذي الحجّة، سنة إحدى عشرة وسبعمئة، بدار السعادة بدمشق المحروسة، قال: أخبرنا الشريف قاضي القضاة نور الدين أبو الحسن عليّ بن الشريف شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الحسين الحسيني الأثري الحنفيّ، من لفظه، في العشر الآخر من جمادى الأولى عام إحدى وسبعمئة بالقاهرة، قال: أخبرني جدّي الحسين بن محمد، قال: كنتُ في زمن الصّبا وأنا ابن سبع عشرة سنة أو ثماني عشرة سنة سافرت مع أبي محمد وعمي عمر من خراسان إلى بلد الهند في تجارةٍ، فلمّا بلغنا أوائل بلاد الهند وصلنا إلى ضيعة من ضياع الهند، فعرج أهل القافلة نحو الضيعة، ونزلوا بها، وضجّ أهل القافلة، فسألناهم عن الشأن، فقالوا: هذه ضيعة الشيخ رتن، اسمه بالهندية، وعرّبه الناس وسموه بالمعمِّر؛ لكونه عمّر عمراً خارجاً عن العادة. فلمّا نزلنا خارج الضيعة رأينا بفنائها شجرة عظيمة تظلّ خلقاً عظيماً، وتحتها جمع عظيم من أهل الضيعة، فتبادر الكلّ نحو الشجرة ونحن معهم، فلمّا رآنا أهل الضيعة سلَّمنا عليهم وسلَّموا علينا. ورأينا زنبيلاً كبيراً معلَّقاً في بعض أغصان الشجرة، فسألنا عن ذاك، فقالوا: هذا الزنبيل فيه الشيخ رتن، الذي رأى النبيّﷺ مرّتين، ودعا له بطول العمر ستّ مرّات. فسألنا جميع أهل الضيعة أن ينزل الشيخ، ونسمع كلامه، وكيف رأى النبيّﷺ؟ وما يروي عنه؟ فتقدَّم شيخٌ من أهل الضيعة إلى الزنبيل، وكان ببكرةٍ، فأنزله فإذا هو مملوءٌ بالقطن، والشيخ في وسط القطن، ففتح رأس الزنبيل وإذا الشيخ فيه كالفرخ، فحسر عن وجهه، ووضع فمه على أذنه، وقال: يا جدّاه، هؤلاء قوم قد قدموا من خراسان، وفيهم شرفاء أولاد النبيّﷺ، وقد سألوا أن تحدِّثهم كيف رأيت رسول اللهﷺ؟ وماذا قال لك؟ فعند ذلك تنفَّس الشيخ وتكلم بصوت كصوت النحل بالفارسيّة، ونحن نسمع ونفهم كلامه، فقال: سافرت مع أبي وأنا شابٌّ من هذه البلاد إلى الحجاز في تجارةٍ، فلمّا بلغنا بعض أودية مكّة، وكان المطر قد ملأ الأودية بالسَّيْل، فرأيت غلاماً أسمر اللون مليح الكون حسن الشمائل، وهو يرعى إبلاً في تلك الأودية، وقد حال السَّيْل بينه وبين إبله، وهو يخشى من خوض السَّيْل؛ لقوّته، فعلمت حاله، فأتيت إليه، وحملته، وخضْتُ السَّيْل إلى عند إبله من غير معرفةٍ سابقة، فلمّا وضعته عند إبله نظر إليَّ، وقال لي بالعربية: بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، فتركتُه، ومضيت إلى سبيلي، إلى أن دخلنا مكّة، وقضينا ما كنّا أتينا له من أمر التجارة، وعُدْنا إلى الوطن، فلمّا تطاولت المدّة على ذلك كنّا جلوساً في فناء ضيعتنا هذه، ليلةً مقمرة، [و]رأينا ليلة البدر [والبدر] في كبد السماء، إذ نظرنا إليه وقد انشقّ نصفين، فغرب نصف في المشرق ونصف في المغرب ساعة زمانية، وأظلم الليل، ثمّ طلع النصف من المشرق والنصف الثاني من المغرب إلى أن التقيا في وسط السماء كما كان أوّل مرّة، فعجبنا من ذلك غاية العجب، ولم نعرف لذلك سبباً. وسألنا الركبان عن خبر ذلك وسببه، [فـ] أخبرونا أن رجلاً هاشمياً ظهر بمكّة، وادّعى أنه رسول من الله إلى كافّة العالم، وأن أهل مكّة سألوه معجزةً كمعجزة سائر الأنبياء، وأنّهم اقترحوا عليه أن يأمر القمر فينشقّ في السماء ويغرب نصفه في الغرب ونصفه في الشرق، ثمّ يعود إلى ما كان عليه، ففعل لهم ذلك بقدرة الله تعالى. فلمّا سمعنا ذلك من السفّار اشتَقْتُ أن أرى المذكور، فتجهَّزْتُ في تجارةٍ، وسافرتُ إلى أن دخلت مكّة، وسألتُ عن الرجل الموصوف، فدلّوني على موضعه، فأتيتُ إلى منزله، واستأذنتُ عليه، فأذن لي، ودخلت عليه، فوجدته جالساً في صدر المنزل والأنوار تتلألأ في وجهه، وقد استنارت محاسنه، وتغيرت صفاته التي كنت أعهدها في السفرة الأولى، فلم أعرفه، فلمّا سلمتُ عليه نظر إليَّ، وتبسَّم، وعرفني، وقال: وعليك السلام، ادْنُ منّي، وكان بين يديه طبق فيه رطب، وحوله جماعة من أصحابه كالنجوم، يعظِّمونه ويبجِّلونه، فتوقفت لهيبته، فقال ثانياً: ادْنُ منّي وكُلْ، الموافقة من المروءة، والمنافقة من الزندقة، فتقدمت، وجلست، وأكلت معهم الرطب، وصار يناولني الرطب بيده المباركة، إلى أن ناولني ستّ رطبات، سوى ما أكلتُ بيدي، ثمّ نظر إليَّ، وتبسَّم، وقال لي: ألم تعرفني؟ قلتُ: كأنّي، غير أنّي ما أتحقَّق، فقال: ألم تحملني في عام كذا وجاوزت بي السبيل حين حال السَّيْل بيني وبين إبلي، فعند ذلك عرفتُه بالعلامة، وقلت له: بلى والله، يا صبيح الوجه، فقال لي: امدد إليَّ يدك. فمددت يدي اليمنى إليه، فصافحني بيده اليمنى، وقال لي: قل أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فقلتُ ذلك كما علَّمني، فسُرَّ بذلك، وقال لي عند خروجي من عنده: بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، فودَّعته وأنا مستبشرٌ بلقائه وبالإسلام. فاستجاب الله دعاء نبيِّهﷺ، وبارك في عمري بكلّ دعوةٍ مئة سنة، وها عمري اليوم نيِّف وستمئة سنة، وجميع مَنْ في هذه الضيعة العظيمة أولاد أولاد أولادي، وفتح الله عليَّ وعليهم بكل خير وبكلّ نعمة ببركة رسول اللهﷺ، انتهى.
وذكر عبد الوهّاب القارئ الصوفي أنه توفي في حدود سنة اثنتين وثلاثين وستّمئة.
وذكر النجيب عبد الوهّاب أيضاً أنه سمع من الشيخ محمود بن بابا رتن، وأنه بقي إلى سنة تسع وسبعمئة، وأنه قدم عليهم شيراز، وذكر أنه ابن مئة وستّ وسبعين عاماً، وأنه تأهَّل ورزق أولاداً.
قال الشيخ شمس الدين: مَنْ صدَّق هذه الأعجوبة وآمن ببقاء رتن فما لنا فيه طبٌّ. فليعلم أنني أول مَنْ كذب بذلك، وأنني عاجز منقطع معه في المناظرة. وما أبعد أن يكون جنّي تبدى بأرض الهند، وادّعى ما ادّعى، فصدَّقوه! لا بل هذا شيخ معثر دجّال، كذب كذبة ضخمة؛ لكي تنصلح خائبة الضياع، وأتى بفضيحة كثيرة، والذي يحلف به أنه رتن لكذّاب، قاتله الله أنّى يؤفك! وقد أفردت جزءاً فيه أخبار هذا الضالّ سمَّيْتُه: كسر وثن رتن.
وقال لي الشيخ علم الدين البرزالي، وقد سألتُه عن هذا الحديث، فقال لي: هو من أحاديث الطرقيّة!»([2]).
وقد عمد الميرزا حسين النوري ـ الذي توصَّل إلى ما قاله الصفدي في هذا الشأن، من طريق سلوة الغريب، للسيد علي خان ـ إلى تقديم نوعٍ من الترجمة لحكاية اللقاء بـ «رتن»، التي رواها الصفدي، ومن هنا نجد من المناسب نقل نصّ كتابته:
«روى السيد الفاضل المتبحِّر الجليل السيد علي خان المدني، في كتاب سلوة الغريب وأسوة الأريب، عن الجزء الثامن لتذكرة صلاح الدين الصفدي، حيث قال: نقلت من خطّ علاء الدين عليّ بن مظفر الكِنْديّ ما صورته كالآتي: …ثمّ ساق الخبر بطوله، على ما تجده في النجم الثاقب»([3]).
ثم استطرد النوري قائلاً: «قال الصفدي بعد أن ذكر هذه الحكاية: قد رأيت بعض مَنْ توقَّف في حديث هذا المعمِّر، وأدخل الشكّ فيه بطول عمره بهذا المقدار، وتردَّد في صدقه. ثم ذكر أنّ سبب شكِّه من التجربة وكلام الطبيعيين، وسوف يأتي بعد ذلك. ثم ردّ ذلك الكلام بكلام أبي معشر([4]) وأبي الريحان وغيرهما من المنجِّمين، وسوف نذكرهم.
وقال: بقاء رتن هذا العمر الذي حكي عنه معجزة لرسول الله‘. وإن رسول الله‘ دعا لجماعةٍ من أصحابه بكثرة الولد وطول العمر، إلى أن قال: فليس جديداً أن يدعو له ستّ مرّات، فيعيش ستمائة سنة، مع إمكان هذا الأمر، غاية ما في الباب أننا لم نَرَ أحداً وصل إلى هذا الحدّ، وعدم الدليل لا يدلّ على عدم المدلول.
وقال محمد بن عبد الرحمن بن علي الزمردي الحنفي: أخبرني القاضي معين الدين عبد المحسن بن القاضي جلال الدين عبد الله بن هشام بالحديث السابق، سماعاً عليه، قال: أخبرني بهذا قاضي القضاة المذكور بالسند المذكور، في الخامس عشر من جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، ثمّ نقل عن الذهبي أنّه يكذِّب هذه الدعوى، ولم يذكر مستنداً»([5]).
وبطبعية الحال فإن ما ذكره النوري بشأن تضعيف التشكيك في «رتن»، و…، ليس موجوداً في الوافي بالوفيات، ويجب البحث عنه ـ بطبيعة الحال ـ في سائر مؤلَّفات الصفدي.
ولكي لا نبتعد كثيراً:
إن معين الدين أبو القاسم جُنَيْد الشيرازي، الذي ألَّف كتاب شدّ الإزار سنة 791هـ، قال في تقريره لحال «الشيخ سعد الدين محمد بن مظفَّر بن روزبهان»(634هـ): «وسافر الشيخ سعد الدين محمد اثنتي عشرة سنة، وجال البلاد، ودخل أرض هند، وصحب الشيخ ساهول بن مهاديو بن جكديو اليتوري، المعروف بـ (رتن)، وروى عنه أحاديث»([6]).
وقال نور الدين عبد الرحمن الجامي(817 ـ 898هـ) في نفحات الأنس، في معرض الحديث عن الشيخ رضي الدين علي لالاء الغزنوي(642هـ): «نال الشيخ علي لالاء صحبة الكثير من المشايخ، وقيل: إنه حصل على خرقة من أربع وعشرين ومئة شيخ كامل مكمّل، وبعد وفاته بقي منها ثلاثة عشر ومئة خرقة. وسافر إلى الهند وحصل على صحبة أبي الرضا رتن ـ رضي الله عنه ـ، وأخذ منه أمانة رسول اللهﷺ كما صحَّحه الشيخ ركن الدين علاء الدولة، وقال: صحب، يعني الشيخ رضي الدين علي اللالاء، صاحب رسول اللهﷺ أبا الرضا رتن بن نصر ـ رضي الله تعالى عنه ـ، فأعطاه مشطاً من أمشاط رسول اللهﷺ، وقام الشيخ ركن الدين علاء الدولة بلفّه في خرقةٍ، ولفّ الخرقة في ورقةٍ، وكتب على الورقة بخطّه المبارك: هذا المشط من أمشاط رسول اللهﷺ، وصل إلى هذا الضعيف من صاحب رسول اللهﷺ، وهذه الخرقة قد وصلت من أبي الرضا رَتَن إلى هذا الضعيف.
كما كتب الشيخ ركن الدين بخطِّه المبارك: إنه يُقال: إن ذلك كان أمانة من الرسولﷺ ليصل إلى الشيخ رضي الدين لالاء»([7]).
وعمد دولتشاه السمرقندي في كتابه تذكرة الشعراء (الذي فرغ من تأليفه سنة 892هـ)، في بيان حال «الشيخ عز الدين پور حسن الإسفرائيني»، إلى نقد حال «الشيخ رضي الدين علي لالا» قائلاً: «أدرك أبا الرضا بابا رتن الهندي ـ رضي الله عنه ـ في الهند، وقد أعطاه بابا رتن مشطاً من بين أمشاطه التي أعطاها له الرسولﷺ، ثم رحل عن هذه الدنيا، قالوا: إن بابا رتن قد أدرك صحبة رسول اللهﷺ، وهناك مَنْ قال: إنه من حواريّي النبي عيسى×، وقيل: إنه عَمَّر لألف وأربعمائة سنة»([8]).
قال رضا قلي خان هدايت(1215 ـ 1288هـ) في رياض العرافين، في شرح حال رضي الدين علي لالا: «…قيل: إنه في سن الخامسة عشر سنة رأى الشيخ نجم الدين [نجم الدين كبرى] في المنام، وجدّ في طلبه لسنوات. وتشرَّف بخدمة ما يزيد على المائة شيخ، حتّى أدرك في نهاية المطاف الشيخ نجم الدين، وسافر إلى الهند بتوجيه منه للقاء الشيخ أبي رضا رتن، وهو على قولٍ من حواريّي النبي عيسى، وعلى قولٍ آخر من أصحاب خاتم الأنبياء، وأنه عمَّر لألف وأربعة عشر عاماً. وتفصيل هذا الإجمال قد تمّ التصريح به وتصحيحه في كتب هذه الطائفة…»([9]).
وقال نور الدين جعفر البدخشي(740 ـ 797هـ) في خلاصة المناقب، الذي كتبه لتقرير أحوال ومناقب شيخه ومراده المير السيد علي الهمداني(714 ـ 786هـ): «…ذكر الجهر ليس بدعةً؛ لأن النبيّ المصطفىﷺ وأصحابه قد جهروا بالذكر… كما كان الخواجة أبو الرضا رتن بن كربال البترندي ـ رضي الله عنه ـ، وهو من أصحاب رسول الله، يجهر بالذكر إلى آخر حياته، وكان ذلك ذكر خواجة الله.
وإن الشيخ علي لالا قد أدرك الخواجة، وأخذ منه الأمانات الثلاثة التي كان الرسول× قد أرسلها له بيد الخواجة ـ رضي الله عنه ـ.
وقد رأيت بعض أتباع الخواجة في قصبة أندخود([10])، وبعد ثلاثة أيام من خلوته وافق على رجاء مقدمه عليه، وبعد الخروج من الخلوة سأل مقدّمه عن سبب عدم اشتهار الأحاديث الرتنيّة، سوى ثلاثة منها، والتي تمثِّل فخراً لأهل الحديث؟ فقال ذلك المقدّم في الجواب: إن سبب عدم شهرتها يعود إلى أن النبي المصطفىﷺ قد أرسل ثلاثة أشياء إلى الشيخ مختار الدين الأزنشي([11]) ـ قدس الله سرَّه ـ على سبيل الأمانة:
الأول: كرده كرم([12]).
الثاني: قطرة ماء من فمه المبارك.
الثالث: الأحاديث الرتنية التي كانت موقوفة حتّى أوان تحصيل الشيخ مختار الدين.
وقد أرسل الخواجة هذه الأشياء الثلاثة بيد الشيخ موسى([13]) إلى الشيخ مختار الدين، وقد أوصى الشيخ موسى: إذا بلغت خوارزم سيأتي إليك شاب ربعة أسمر البشرة، وعلى خدّه خالٌ، وقد شدّ على وسطه قرص شعير، ويقرأ تفسير الكشّاف، وقد بلغ في قراءته([14]) سورة إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً، فأَعْطِ تلك الأمانات الثلاثة إلى ذلك الشاب. وعندما تذكر الشيخ موسى تلك الوصية بايع الشيخ مختار الدين الشيخ موسى، واهتمّ بالسلوك في سبيل الله تعالى، فلا جَرَم أن تكون تلك الوقفة الرتنية([15]) هي السبب في عدم اشتهار الأحاديث الرتنية([16])»([17]).
إن الحافظ حسين الكربلائي التبريزي(997هـ) ـ الذي يستشهد في بداية كتابه «روضات الجنان» في بحث المزارات وزيارة القبور بواحد من «الأحاديث الرتنية»، ويدعو لـ «بابا رتن» بلفظ «رضي الله عنه»([18]) ـ ذكر في الروضة الثامنة من كتابه كلام صاحب «خلاصة المناقب»، بتصرُّف وتلخيص غير دقيق (وربما كان عدم دقته في ذلك راجعاً إلى النسخة التي اعتمدها)، ثمّ أضاف من عنده توضيحاً بشأن حقيقة «عدم اشتهار الأحاديث الرتنية»، التي دار الحديث والكلام عنها في «خلاصة المناقب»، قائلاً: «والغرض من عدم شهرة هذه الأحاديث كأنه يعود إلى عدم وجودها في كتب الصحاح، وإلاّ فهي مشهورةٌ، والله أعلم»([19]).
ربما أراد الحافظ حسين بهذا التوضيح إيصال معنيين:
الأوّل: إن سند هذه الروايات لا وجود له في المصادر الحديثية من طريق «رتن»، غير أنه لا يوجد إشكالٌ خاصّ في متنها من وجهة نظر أمثاله.
الثاني: إن عدم شهرة هذه الأحاديث إنما يعود إلى المصادر المعتبرة عند المتقدِّمين، وإلاّ فإنها قد اشتهرت بين المتأخِّرين من طريق «رتن».
بالالتفات إلى التوضيح الذي ذكره الحافظ حسين ـ خلافاً لما ورد في خلاصة المناقب ـ لاشتهار «الأحاديث الرتنية» ـ في عصره طبعاً ـ يمكن الوقوف على تأثير بعض الصوفية اللامبالين والمرتجلين في مجال الدراية في اشتهار أقاويل ذلك الهندي المدَّعي، وبذلك يمكن لنا أن ندرك الحالة التي كان عليها الواقع منذ عصر المير سيد علي الهمداني إلى نهاية القرن العاشر الهجري!
يذكر الميرزا لعل بيك لعلي البدخشي(968 ـ 1022هـ) في كتاب «ثمرات القدس من شجرات الأنس» ـ وهو عبارة عن تذكرة صوفية عن شبه القارة [الهندية] ـ قائلاً: «أبو الرضا رتن الحاجي ـ نوَّر الله تعالى مضجعه ـ: إن للشيخ رضي الدين بن علي بن سعد لالا بن عبد الخليل الغزنوي ـ وهو ابن عم الحكيم السنائي الغزنوي، ومن أعاظم المريدين للشيخ نجم الدين كبرى «قدّس سرّه» ـ خرقة من مئة [و]أربع وعشرين ولياً كاملاً. وصلت إلى الهند سنة عشرين وستمائة، وتشرَّفت بصحبة بابا رتن نصير الدين الهندي، وأعطاني الأمانة التي أرسلها لي رسول الله‘ بيده، وكانت الأمانة مُشْط لحية. وقد صحَّحه([20]) الشيخ ركن الدين علاء الدولة السمناني ـ قدس روحه ـ وقال: وصحب([21]) الشيخ رضي الدين عليّ، صاحب رسول [الله]‘ أبا الرضا رتن بن نصر ـ رضي الله تعالى عنه ـ، فأعطاه مُشْطاً من أمشاط([22]) رسول الله‘.
وبالتالي فقد وصل ذلك المشط إلى حضرة الشيخ ركن الدين علاء الدولة. مع تلك الخرقة التي قام بابا رتن بلفّ المشط بها، وعمد الشيخ إلى لفّ الخرقة بورقة، وكتب عليها: هذا المُشط من أمشاط رسول الله‘؛ هذه الخرقة وصلت([23]) من أبي الرضا رتن إلى يدي([24]) الضعيف.
كما كتب الشيخ علاء الدولة بخطه المبارك: قالوا: إن تلك الأمانة كان قد أرسلها النبيّ‘ للشيخ رضي الدين علي لالا.
وقال بعضٌ: إن لقاء الشيخ بأبي الرضا كان في سنة ستمائة، وهناك مَنْ قال: إنها كانت قبل ذلك، وهناك مَنْ قال: إنها كانت بعد ذلك. والعلم عند الله تعالى أكبر!
لقد استفاض الشيخ ابن الحجر العسقلاني([25]) ـ قدّس سرّه ـ في كتاب «الإصابة في معرفة الصحابة» في الكلام عن أحوال بابا أبي الرضا رتن بشكلٍ كبير وغريب. وخلاصة كلامه: كان بابا رتن من الهند، وكان مولده في ناحية بتهندة، من أعمال لاهور. وهناك أقوال أخرى تفيد أنه ولد في الجاهلية، ولكنه؛ حيث كان من السعداء، كان على الدوام يترقَّب ظهور شخصٍ يهدي الناس إلى الحق، وبهذه النيّة قصد الحرمين مع بعض التجّار من طريق البحر، حين لم يكن النبيّ الخاتم‘ قد بُعث بعد، ولم تكن هناك دعوةٌ للإسلام. وبعد عودته إلى الهند بمدّةٍ سمع بظهور ذلك الوجود الأثير في تلك الديار، وأنه يدّعي النبوّة، ويدعو الناس إلى الإسلام. فشدّ الرحال مخلصاً ليلقى النبيّ ـ عليه([26]) أفضل السلام ـ، والتشرّف بالدخول إلى الإسلام، وحمل معه الكثير من المال والمتاع، قاصداً الكعبة المعظَّمة ـ زادها شرفاً([27]) ـ ونال صحبة النبيّ الأكرم‘، وسمع من النبيّ‘ أحاديث، وبقي فترة يخدم سيّد الأنام ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وهي الأحاديث التي ضمّنها في رسالته الرتنية، واشتهرت على نطاقٍ واسع. وقد صحَّحها الشيخ ركن الدين علاء الدين السمناني ـ رضي الله عنه ـ، وهو من أكابر سلسلة النقشبندية، ويصل سنده بعددٍ من الوسائط إلى حضرة الشيخ علي لالا ـ رضي الله عنه ـ، وقال بعضٌ: إن الشيخ أبا الرضا قد صحَّحها. رغم أن بعض المحدِّثين المتأخرين يطعنون فيها، ويكثرون من تشنيعها.
يقال: إنه بعد أن حظي بشرف مبايعة النبيّ الأكرم‘ عاد بعد مدّةٍ من مكّة المشرّفة إلى الهند، وعندما وصل إليها لزم نفسه بالرياضات الشاقّة وجهاد النفس، وكان الكثير من السلاطين والأمراء والمشايخ والعلماء في الهند في سنة ستمائة [للهجرة] وبعدها يتشرَّفون بلقائه وصحبته ويتبرَّكون بأنفاسه، ويدخلون في دائرة خير القرون قرن رسول الله‘، وقد تجاوز عمره الستمائة سنة، ولم يتجاوز السبعمائة، وقال بعضٌ: إنه تجاوزها.
يُقال: إنه مارس العبادات والطاعات واكتسب الكمالات في جميع البقاع الهندية غرباً وشرقاً وجنوباً وشمالاً. وهناك مَنْ قال: إنه خضر زمانه، حيث تنكَّر لفترةٍ وظهر بين الناس برداء هذه الشخصية، وقام بهداية الكثير من الأشخاص. وقال مولانا العالم الكابلي في كتابه «فوايح الولاية»([28]): إن لفظ رتن مرادف للخضر، يعني: الخضرة. بَيْدَ أن المولوي قد ارتكب خطأً فاحشاً في هذا المورد؛ لأن رتن كلمة هندية، ومعناها ـ على ما جاء في الكتب الهندية المعتبرة ـ الجوهرة الحمراء، ولكنه لم يكن على علم باللغة الهندية.
فاعلم أنه لو صحّ هذا الأمر، وكان رتن هو خضر زمانه، فإن القول القائل بأنه ابن نصير، ومولده في الهند، لن يكون صحيحاً.
بَيْدَ أنه بحَسَب التحقيق هنديّ الأصل، وأنه قد عمَّر طويلاً. وكانت وفاته بعد الستمائة للهجرة، وقبره في بتهندة الواقعة على بعد ستين كراعاً إلى الجنوب من لاهور. وإن الداعي في سنة ألف وأربعة في الوقت الذي خرج من أحمد نغر ملك دكن إلى داك جوكي؛ لتقبيل أعتاب حضرة حامي الخلافة، أعني: جلال الملة والدنيا والدين، أكبر الملوك وأعظم السلاطين، جلال الدين محمد أكبر الملك الغازي ـ خلّد مُلكه ـ، عندما بلغ قصبة بتهندة تشرّف بالطواف حول روضته المطهَّرة، وبعد الفراغ من الطواف وقع بصره على قلعة القصبة المذكورة، فوجد حائطها الخلفي متداعياً، ودعامة القلعة متهاوية، فتساءل: كيف تداعت مثل هذه القلعة الحصينة؟! قالوا: كان هذا ببركة دعاء بابا [رتن]، فسأل عن حقيقة ذلك، فقالوا: في سنة سبعين وخمسمائة حاول بعض الملوك الاستيلاء عليها؛ لإخضاع ما حولها من الديار، ولما تطاولت فترة الحصار لجأ إلى بابا [رتن] الواقع قبره في هذا المكان حالياً، وسأله الفتح والنصر. فقال بابا [رتن]: أقدم إلى هنا مع جيشك عند حلول الصباح وانتظر، فإذا رفعت يدي بالدعاء تقدّم بجندك نحو الاستيلاء على القلعة، وفي اليوم الثاني جاء طبقاً لكلامه بعددٍ لا يُحصى من جنوده، فرفع يده بالدعاء، فانهار هذا الجانب من القلعة الذي تراه، فسارع جيش الإسلام إلى الهجوم دفعةً واحدة، وبدَّد شمل الكفار، وبقيت هذه القلعة من ذلك اليوم وحتّى هذه اللحظة على ما هي عليه.
وقيل: إن السلطان محمود الغازي في سنة إحدى وأربعمائة [للهجرة] أراد العثور على رجلٍ سمع حديث النبيّ محمد‘ مباشرةً ومن دون واسطة، وفي مقام البحث والفحص توجَّه المأمور بالبحث والتنقيب إلى جميع البلدان، حتّى أنهي إليهم أن في الهند رجلاً اسمه بابا رتن، سمع الحديث من النبيّ الأكرم‘ من دون واسطة، وأنه كان في خدمة النبيّ‘ فترةً طويلة من الزمن.
فغلب الشوق على السلطان للقاء بابا [رتن]، فأرسل له بعض المعتمدين بأموال كثيرة، وتوسَّل إليه بالقدوم عليه. وفي بداية الأمر لم يقبل بابا [رتن] بالذهاب، ولكنه استجاب بعد ذلك، بعد أن أرسل له الكثير من الرسل كرّات ومرّات، حيث أظهروا له رجاء السلطان وحاجته إليه، وعندها توجَّه بابا [رتن] إلى غزني. وعندما وصل إلى مشارف غزني خرج السلطان بجميع خيله وأفراد حاشيته لاستقباله، وأمر بنثر سبائك الذهب والفضة عليه. فكان بابا [رتن] يسارع إلى التقاط كلّ سبيكة ذهب تسقط في محفظته، ويخفيها في صرّةٍ كان يحملها معه، فتعجب السلطان والأعيان من تصرُّفه العجيب، فعلم بابا [رتن] بما يجول في ضمائرهم؛ لما يتمتع به من حسن الفراسة ونور الكرامة، فرفع رأسه إلى السلطان وقال: سمعتُ من رسول الله‘ بلا واسطة أنه قال: يشيب ابن آدم، ويشيب فيه خصلتان: الحرص؛ وطول الأمل، صدق رسول الله. ففهم السلطان والجميع الغاية بعد سماع هذا الحديث الصحيح. رحمة الله عليه»([29]).
وللإنصاف فإن هذه القصّة الأخيرة التي رواها البدخشي بشأن رتن ومحمود الغزنوي، مع تفاهتها، فإنها من السذاجة والغباء بحيث «تضحك الثكلى»، كما يقول المثل.
وكأنّ الواضع الأبله لهذه القصّة لم يلتفت إلى حركة ونشاط آلاف المحدِّثين والرحّالة طوال القرون السابقة لمحمود [الغزنوي]، ولذلك لم يكلِّف نفسه عناء السؤال عن غياب هذه «الظاهرة»، وعدم اطلاع المحدِّثين والرجاليين والعلماء الذين جابوا المغرب والمشرق في تلك الأيام طلباً للحديث النبوي، ليقوم السلطان الغزنوي في غفلةٍ من الدهر، وإشباعاً لرغبته ونزوته في سماع مَنْ يروي الحديث عن رسول الله مباشرة وبلا واسطة، ثمّ إنه لم يعهد بهذه المهمّة للمشايخ والباحثين عن الحديث، بل إلى مجموعةٍ من أفراد حاشيته، ليعثروا له على هذه «التحفة» في الهند، ويأتوه بخبرها، ومن ثمّ يأتوه بالتحفة نفسها!!
هذا مع أن قصّة لقاء رتن بمحمود الغزنوي من أساسها ليست سوى كذبة موصوفة المعالم، فلو لم يكن صحابياً، بل مجرّد صوفي أو محدِّث من تابعي التابعين قد التقى بمحمود [الغزنوي] لطبقت شهرته الآفاق، وذاع صيته في القرن الخامس، ولم يكن هناك من داعٍ للانتظار سنوات وسنوات، لترتفع ضوضاء رتن بعد ذلك من الهند!
ولحسن الحظّ فإن حديث «يشيب ابن آدم، ويشيب فيه خصلتان: الحرص؛ وطول الأمل»، الذي وضعه مختلق هذه القصّة على لسان رتن، قد وصلنا ـ ولو مع شيءٍ من الاختلاف في الألفاظ ـ من طرقٍ أخرى سابقة لـ «رتن»([30]).
تتحدَّث بعض التقارير عن أن «رتن» كان في بداية أمره على دين النصرانية، ثم اعتنق الإسلام بعد ذلك([31]).
لا يبعد أن تكون هذه الكيفية قد تمّت صياغتها، لتناظر قصّة رتن مع ما ورد في شأن إسلام سلمان الفارسي([32])!
كما كانت هناك قصص محلية وعلى ألسن الناس بشأن رتن، حيث تشتمل على تفاصيل طويلة وعريضة، هي أحياناً أشدّ غرابة وبُعْداً عن المنطق من تقارير مصادر التراجم وكتب الرجال الإسلامية([33]).
كما يوجد تأمُّل في هذا «الشخص المشبوه»([34])، فهل كان مسلماً في أول أمره، ثم خطر بباله أن يسلك طريق الاحتيال والكذب، أم أنه كان ـ من الأساس ـ قد تسلَّل بين المسلمين بحثاً عن سوق للترويج لبضاعته وأكاذيبه بحثاً عن الشهرة؟
وعلى قولٍ: ربما لم يكن «رتن» من المسلمين، وإنما كان رجلاً مرتاضاً، استغلّ بساطة بعض المسلمين، فعرَّف نفسه لهم بوصفه صحابياً، ومن هنا نجده يحظى باحترام «المسلمين» و«الهنود» على السواء!([35]).
لقد كان رتن موضع اهتمام خاصّ من قبل المتصوِّفة. وإن قصة لقاء رضي الدين علي لالا، وموقف علاء الدولة السمناني و… منه، لا يبقي أيّ شَكٍّ في هذا المعنى.
ويحتمل أن يكون تلقيبه بالـ «بابا» وارداً من قناة هذا الاهتمام الذي يتمتَّع به من قبل الصوفية.
فقد تمّ إطلاق لقب الـ «بابا» في القرنين السابع والثامن الهجريين في الغالب على الزهّاد والعرفاء الذين كان لهم بعض الأتباع والمريدين. كما أطلق في حدود القرن التاسع والعاشر الهجريين على زعماء الفتوّات وأصحاب النخوة والحميّة([36]).
إن الأحاديث التي يدّعي «رتن» أنه رواها عن رسول الله‘ من دون واسطة تُسمّى بـ «الرتنيات». وقد تمّ جمع هذه الأحاديث ضمن كتاب، شاهد ابن حجر نسخة منه قد اشتملت على ثلاثمائة رواية. وقد حملت هذه النسخة تاريخ 71هـ! وقد روى هذه الأحاديث عن «رتن» أبو الفتح موسى بن مجلي الصوفي([37]).
وعلى حدّ تعبير العلامة القزويني: «إن أغلب العلماء والناقدين قد أثبتوا بطلان مدَّعياته وزيف رواياته بوضوحٍ تام، ولكنْ مع ذلك ظهر بعضٌ من السذّج ـ حتّى من بين المحدِّثين والحفّاظ ـ لينخدعوا به ويصدّقوا مدَّعياته، وتحمّسوا لجمع الأحاديث المروية عنه تحت عنوان: الرتنيات»([38]).
لقد أثمرت جهود الناقدين والفاضحين لـ «رتن» بين طلاب العلوم الدينية، وقامت الأجيال المتلاحقة منهم بتجنُّب رتن والرتنيات، حتّى أن اسمه ومروياته المشبوهة لم تطرق أسماع الكثير من اللاحقين والمتأخِّرين!([39]). بَيْدَ أن جذور مرويّاته المختلقة لم تجفّ تماماً!
وعلى الرغم من «أن الفقهاء وعلماء الحديث لا يعبأون لمثل هذا النوع من الأحاديث»([40])، إلاّ أن الأحاديث الرتنية ـ للأسف الشديد ـ منتشرةٌ هنا وهناك من طريق كتب الصوفية، ومن شأنها أن تخدع في كلّ فترةٍ قارئاً هنا أو طالباً هناك.
وفي ما يلي نعمد إلى ما عثرنا عليه في النصوص تحت عنوان الرتنيات، لنضعه بين أيدي القارئ الكريم:
1ـ «اللهم إنّي أسألك عيشة سويّة، وميتة نقيّة، ومردّاً غير مُخْزٍ ولا فاضح»([41]). (وكذلك على صيغة: «… عيشة هنيئة، وميتة سوية…»([42]) أيضاً).
(لا شَكَّ في أن هذه العبارة ليست في عداد مختلقات رتن، ويحتمل أن يكون رتن قد سمعها أو قرأها في موضعٍ، وقام بنقلها وروايتها؛ فهذه الرواية قد وردت قبل أزمنة بعيدة من ظهور رتن الكذّاب، وهي موجودةٌ بنصّها أو مع اختلافٍ يسير في المصادر الروائية القديمة للسنة والشيعة بوصفها حديثاً)([43]).
2ـ «إياكم وأخذ الرفعة من السوقة والنساء؛ فإنه يبعّد عن الله»([44]). (وكذلك بصيغة: «…أخذ الرفق… والنسوان… بعد من الله تعالى»([45])؛ وكذلك بصيغة: «…أخذ الرّفق… والنسوان… »([46])).
3ـ «البكاء يوم عاشوراء نورٌ تامٌّ يوم القيامة»([47]). (وكذلك بصيغة: «…في يوم…»([48])).
4ـ «ذرّة من أعمال الباطن خيرٌ من الجبال الرواسي من أعمال الظاهر»([49])، (وكذلك بصيغة: «…خير من أعمال الظاهر كالجبال الرواسي»([50])).
5ـ «شقّ العالم القلم أحبّ إلى الله من شقّ جوف المجاهد في سبيل الله»([51])، وأيضاً بصيغة: «شقّ العلم جوف العالم أحبّ إلى الله من شقّ جوف المجاهد في سبيل الله»([52]).
6ـ «الفقير على فقره أغير من أحدكم على أهل بيته»([53]).
7ـ «كنا مع النبيّﷺ تحت شجرة أيام الخريف، فهبَّت الريح، فتناثر الورق حتى لم يبْقَ عليها ورقة، قال: إن المؤمن إذا صلى الفريضة في الجماعة تناثرت عنه الذنوب كما تناثر هذا الورق»([54]). (وكذلك بصيغة: …مع رسول اللهﷺ… فهبّت ريحٌ… فقالﷺ: إن المؤمن… كما تناثر الورق من هذه الشجرة([55]). وكذلك بصيغة:… مع رسول اللهﷺ…([56])).
8ـ «كنت في زفاف فاطمة على عليٍّ في جماعة من الصحابة، وكان ثمة مَنْ يغني، فطربت قلوبنا ورقصنا، فلما كان الغد سألنا رسول اللهﷺ عن ليلتنا، فأخبرناه، فلم ينكر علينا، ودعا لنا، وقال: اخشوشنوا وامشوا حفاة تروا الله جهرةً»([57]). (وكذلك بصيغة: «…زفاف فاطم وجماعة من الصحابة، وكان ثمّ مَنْ يغني شيئاً فطابت… ليلتنا فدعا لنا ولم يُنْكِر علينا فعلنا، وقال([58]): اخشوشنوا…([59])؛ وكذلك بصيغة: …كان ثمّ… فطارت… ‘…»([60])).
9ـ «لو أن ليهوديٍّ حاجة إلى أبي جهل، فطلب مني قضاءها، لتردَّدت إلى باب أبي جهل مئة مرّةٍ في قضائها»([61]). (وكذلك بصيغة: «…وطلب مني…»([62])؛ وكذلك بصيغة: «… وطلب مني… إلى أبي جهل…»([63])).
10ـ «ما من عبد يبكي يوم قتل حسين إلاّ كان يوم القيامة مع أولي العزم من الرسل»([64]). (وكذلك بصيغة: «…يوم أصيب ولدي الحسين…»([65])؛ وكذلك بصيغة: «…قتل الحسين…»([66])).
11ـ «مَنْ أعان تارك الصلاة بلقمةٍ فكأنما أعان على قتل الأنبياء كلّهم»([67]). (وكذلك بصيغة: «…فكأنما قتل الأنبياء كلّهم»([68])).
12ـ «مَنْ أكرم غنياً لغناه، أو أهان فقيراً لفقره، لم يَزَلْ في لعنة الله أبد الآبدين، إلاّ أن يتوب»([69]). (وكذلك بصيغة: «…ومن أهان…»([70])؛ وكذلك بصيغة: «…أكرمه…» ([71])).
13ـ «مَنْ ترك العشاء قال له ربُّه: لست ربك؛ فاطلب ربّاً سوائي»([72]).
14ـ «مَنْ ردّ جائعاً وهو قادر على أن يشبعه عذَّبه الله، ولو كان نبياً مرسلاً»([73]). (وكذلك بصيغة: «…وهو يقدر…»([74])).
15ـ «مَنْ صلى الفجر في جماعةٍ فكأنما حجّ خمسين حجّة مع آدم»([75]).
16ـ «مَنْ قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة»([76]).
17ـ «مَنْ مات على بغض آل محمد مات كافراً»([77]).
(لا شَكَّ في أن هذه العبارة أيضاً هي مثل العبارة الأولى ليست في عداد منتحلات رتن، ويحتمل أن يكون رتن قد رآها أو سمعها في موضعٍ، وعمد إلى نقلها وروايتها.
إن هذه الرواية موجودةٌ في بعض المصادر السنية الشيعية، حتّى قبل أن يعلو ضجيج رتن، بل وقبل أن يُكتب لهذه الظاهرة من وجودٍ في الأساس. وممَّنْ رواها جار الله الزمخشري المعتزلي[538هـ]، رغم مخالفته الشديدة للشيعة، فقد رواها ضمن حديثٍ طويل في مناقب محمد وآل محمد ـ صلّى الله عليه وعليهم أجمعين([78]).
كما سبقه الثعلبي ـ وهو كذلك من علماء أهل السنة ـ، حيث روى هذه الرواية في تفسيره أيضاً([79]).
هذا، وإن الأحاديث المشابهة لهذا الحديث، والروايات المؤيِّدة له في المصادر الروائية القديمة لدى العامّة والخاصّة، ليست بالقليلة)([80]).
18ـ «مَنْ مشط حاجبيه كلّ ليلةٍ، وصلّى عليَّ، لم ترمد عيناه أبداً»([81]).
19ـ «نقطةٌ من دواة عالم أحبّ إلى الله من عرق مئة ثوب شهيد»([82]). (وكذلك بصيغة: «…أحبّ إليّ من…»([83])؛ وكذلك بصيغة: «…عالم أو متعلِّم على ثوبه أحبّ إليّ من…»([84])؛ وكذلك بصيغة: «…عالمٍ على ثوبه…»([85])).
20ـ «يرتفع العذاب من الميّت بعبور رجلٍ ذاكر أو رجل صالح»([86]).
قال أبو الكمال السيد أحمد عاصم في (الأوقيانوس البسيط في ترجمة القاموس المحيط): «إن الأحاديث الواردة في مادة (رتن) موضوعة ومرفوضة، وغير جديرة بالاعتماد أبداً»([87]).
ونحن إذا لم نتَّفق مع أبي الكمال في الشطر الأول من كلامه ـ بمعنى أننا إذا لم نجزم بوضع واختلاق جميع الروايات الرتنية، واحتملنا أن بعضها مأخوذٌ من مصادر أخرى، وأنه مزج في مروياته بين الحق والباطل، وخلط بين الصحيح والسقيم([88]) ـ فإننا نوافقه على الشطر الثاني تماماً؛ فإن الأحاديث الرتنية غير جديرة بالوثوق ما دام طريقها رتني، ولم يكن لها من وجود في الطرق والكتب المعتبرة الأخرى التي سبقت عصر رتن.
ربما كان من أهم الدوافع في ما يتعلَّق بالرتنيات ونظائرها بالنسبة إلى المحدِّث هو «علوّ الإسناد». والخبر العالي السند هو الخبر الذي تكون الوسائط فيه إلى المعصوم× أقل من الحدّ المتعارف. ففي الوقت الذي كان كلّ محدِّث يروي الحديث عن النبي‘ عبر العديد من الوسائط كان أمثال رتن يدَّعون الرواية عن النبي للناس دون واسطة. وكان «علوّ الإسناد» هذا كافياً ليدعو بعض المحدِّثين إلى قطع المسافات الطويلة لسماع حديث من المشايخ المعمِّرين وتقليل الوسائط ـ إلى واسطة أو واسطتين ـ، وكانوا لذلك يشدّون الرحال. ومن الجدير بهذا الأمر أن يوسوس للبعض بالخوض في مثل هذه المدَّعيات([89]).
وبطبيعة الحال فإن هذا النوع من الوساوس دليلٌ على سطحية تفكير المحدِّث([90])، إلا أنها حقيقة تاريخية ثابتة لا سبيل إلى إنكارها.
ولحسن الحظّ فإن التراث الروائي الشيعي قد بقي مصاناً من الرتنيات إلى حدود كبيرة، وربما كان السبب الرئيس في ذلك يعود إلى قلة اختلاط المحدِّثين الشيعة بعلماء السنّة الصوفيين طوال القرون السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر الهجرية.
ولكن على الرغم من هذه المناعة النسبية يبدو ـ للأسف الشديد ـ تسرُّب بعض مختلقات «رتن»، ووصولها إلى بعض الواعظين من الشيعة، عن طريق كتاب مجهول إلى حدٍّ ما.
لقد سبق لنا أن ذكرنا الرواية الرتنية بصيغة: «مَنْ أعان تارك الصلاة بلقمةٍ فكأنما أعان على قتل الأنبياء كلّهم» (أو: «…فكأنما قتل الأنبياء كلهم»).
من الواضح أن هذا الكلام مجرّد كلام جزافي. ليس هناك من شَكٍّ في أن ترك الصلاة من كبائر الذنوب، إلا أن مجرّد تقديم لقمة لتارك الصلاة إذا كانت تُعَدّ معصية وذنباً، وكانت بمنزلة قتل جميع الأنبياء، فغداً في يوم القيامة علينا أن نقرأ فاتحة الصالح والطالح على السواء!
ثم إذا كانت عقوبة مدّ المسلم التارك للصلاة بلقمة جريمة، وكانت العقوبة المترتبة على هذه الجريمة بهذا الحجم، ستكون عقوبة الكثير من الكبائر، وحتّى عقوبة ترك الصلاة نفسها، أقلّ من العقوبة على هذه الجريمة!
من الواضح في الثقافة الدينية أن المسلم التارك للصلاة ـ مهما كان ـ لا يرقى في السوء إلى مستوى دناءة وخبث يزيد وشمر([91]) ومَنْ كان على شاكلتهما من شياطين الإنس، في حين أن هذه الرواية المزيَّفة تقول: ليس هذا المسلم هو الأسوأ من هؤلاء فحَسْب، بل حتّى الذي يمدّهم بلقمةٍ أسوأ من الشمر ومن يزيد أيضاً!
إن مثل هذه الكذبة في باب الترهيب لا يمكن تصديقها من قِبَل أيّ محدِّث دقيق، ولا مسلم محقِّق وعميق، ولكنْ ـ مع الأسف الشديد ـ نجد هذه الرواية مع شيء من الاختلاف، وعلى ذات الهيئة الجزافية، تَرِدُ في كتابٍ مجهول باسم «جامع الأخبار»، بوصفها رواية نبوية.
يجب تناول كتاب جامع الأخبار ـ الذي لا نعلم مؤلِّفه بشكلٍ جيد، للأسف الشديد، ولا نعلم له طريقاً روائياً واضحاً([92])، ولا مضمون الأخبار الواردة فيه من نوع تلك التي لا يجب التوقُّف عندها ـ بالبحث والنقد والتمحيص في مقامٍ آخر.
ثمّ إننا نقرأ في كتاب جامع الأخبار روايةً تقول: «قال النبيّ‘: مَنْ أعان تارك الصلاة بلقمةٍ أو كسوة فكأنما قتل سبعين نبياً، أوّلهم آدم وآخرهم محمد»([93]).
لم يتمّ العثور على هذه الرواية بهذه الصيغة ـ بطبيعة الحال ـ في أيٍّ من المصادر الروائية المعتبرة، ولا يبعد أن يعود منشؤها إلى الرتنيات.
وحيث إن كتاب جامع الأخبار من الكتب التي يتمّ تداولها من قبل الواعظين والخطباء لا يبعد أن تكون قد تسلَّلت إلى بعض المجالس والمحاضرات والكتب المتفرّقة أيضاً، ولا سيَّما أننا نجد رواية فارسية لهذا الكلام في كتابات أدهم الخلخالي(1052هـ)؛ إذ لم يتفطّن أدهم إلى فساد هذه الرواية، رغم كونه من الدارسين في مدرسة كبار العلماء، من أمثال: الشيخ البهائي، وقد مارس التدريس في أردبيل، وتربَّع على كرسيّ الوعظ والإرشاد أيضاً([94]).
نقرأ في إحدى رسائل أدهم الخلخالي ما معناه بالعربية: «في المرويّ عن رسول الله‘ أنه قال: مَنْ أعان تارك صلاة بكسوةٍ أو لقمة فكأنما هدم الكعبة سبعين مرّة، وقتل سبعين نبياً، أولهم آدم وآخرهم محمد رسول الله»([95]).
وهذا الحديث بصيغته المروية، وهذا التفصيل، لم يتم العثور عليه في المصادر الروائية المعتبرة والموثوقة، كما نلاحظ اشتماله على إضافةٍ لا نجدها في رواية جامع الأخبار! ولا أستبعد أن ذلك حَدَث بفعل تضخيم الرواية بمرور الأيام من قبل الواعظين والمحاضرين، حيث أضافوا لها هدم الكعبة أيضاً!
وعلى أيّ حال فإن يقظة العقل لدى المتدينين والباحثين في الشأن الديني تقتضي أن يحذروا هذا النوع من رواسب الرتنيات، وكل مأثور ورواية لا تقوم على أساس متين، وعليهم كذلك أن يحذروا المستفيدين من التراث المكتوب من قبل أسلافنا في هذا الشأن أيضاً. ومن الله التوفيق.
ملحق: «بابا رتن الهندي وتراثنا الأخلاقي»
لقد حظي نشر مقالة «بابا رتن الهندي وتراثنا الأخلاقي» (في مجلة آيينه ميراث، العدد 40: 49 ـ 96) ـ بلطف الله الرحمن الرحيم ـ بتأييدٍ وتشجيع واهتمام من قبل عدد من أهل الفضل والفضيلة، ولم يبخَلْ علينا علماء من قم ومشهد وطهران وغيرها بكلماتهم المشجِّعة والمخلصة، ولم تخْلُ كلماتهم أحياناً من بعض الآراء والأحكام والملاحظات أيضاً.
إن هذه الكلمات تصبّ بأجمعها في دائرة الاهتمام الدقيق والعناية بالتراث، ويعبِّر عن حساسية مخلصة تدعو إلى تنقية ونقد وتمحيص وغربلة هذا التراث.
تحدَّثنا في ذلك المقال عما يعرفه التاريخ والتراث عن شخصية بابا رتن([96])، وما لهذه الشخصية المشبوهة لهذا الرجل من الارتباط الوثيق بالمدَّعيات الكاذبة والمختلقة، والزيف الذي يتجلّى للعيان هنا وهناك نقلاً عن هذا الرجل.
إن التعرّف على أحوال أمثال رتن، والبحث والفحص في التأثير الذي تركوه على التراث المكتوب لأخلافهم، يؤكِّد مرّة أخرى على ضرورة الاحتياط والتعاطي الواعي والحذر من قبل أهل الرأي والنظر مع التراث المشبوه الذي تسلَّل بشكلٍ خاص إلى النصوص المتأخِّرة، وتغلغل في الثقافة الدينية.
قال الشيخ غلام حسين رحيمي الإصفهاني(1314 ـ 1384هـ.ش)، وهو من تلاميذ «سيد الطائفة» حسين الطباطبائي البروجردي ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ في سيرته الذاتية، التي كتبها بقلمه: «جرت العادة بين المراجع العظام والمدرِّسين في الحوزات العلمية، قبل بداية شهر محرّم الحرام وشهر رمضان، [حيث] يتمّ تعطيل الدروس و…؛ كي يتوجَّه علماء الدين إلى التبليغ، على تخصيص اليوم الدراسي الأخير لنصح الطلاب وإرشادهم.
…أذكر ذات يومٍ من مثل هذه الأيام قال لنا السيد البروجردي، ضمن نصائحه وإرشاداته: لا تنقلوا كلَّ شيء تجدونه في أيّ كتابٍ؛ لأننا نعلم أن بعض الأمور في بعض الكتب هي في عداد الموضوعات (والمختلقات)…»([97]).
لقد سبق أن ذكرنا في مقالنا روايةً لا تنسجم مع العقل، ولا أساس لها من الصحة، وهي الرواية التي وردت في كتاب «جامع الأخبار»، وأثبتنا أن هذه الرواية التي تقول: «مَنْ أعان تارك الصلاة بلقمةٍ أو كسوة فكأنما قتل سبعين نبياً، أوّلهم آدم وآخرهم محمد» (انظر: مجلة آيينه ميراث، العدد 40: 80) ليست سوى تضخيمٍ وتهويل لواحدةٍ من كلمات بابا رتن الكذّاب المزوِّر، ثم جرت على ألسنة الناس بوصفها حديثاً.
وحيث تمّ تداول كتاب «جامع الأخبار» المجهول الحال بين الواعظين والخطباء والمتحدّثين، مع ملاحظة تسلُّل هذا المضمون إلى كتابات أدهم الخلخالي ـ الواعظ الصوفي الشهير في العصر الصفوي ـ، هناك احتمالٌ أن تكون هذه الرواية المذكورة هنا وهناك قد تسلَّلت إلى مجالس الوعظ والنصح، وتغلغلت في البنية الدينية والثقافية العامة.
ومن المناسب هنا أن نذكر شاهد صدق لهذا الاحتمال من مذكّرات أحد مشاهير الواعظين قبل عقود، وهو السيد الدكتور خليل الرفاهي ـ المدرِّس السابق في جامعة إصفهان، وأحد أشهر الخطباء وفرسان المنبر في الأعوام التي سبقت 1357هـ.ش ـ، إضافةً منا إلى ما تقدَّم ذكره؛ لنكون قد أثبتنا على المستوى العملي ما لهذا النوع من التسامح في تقييم الأخبار والتراث المشبوه من التبعات الخطيرة على حياتنا الاجتماعية.
يقول الدكتور الرفاهي في مذكّراته: «كانت هناك سيدةٌ من الطبقة الوسطى تقطن في محلة آية الله [الحاج آغا رحيم] الأرباب، جاءته ذات مرّة، وقالت له: عندي سؤال شرعي، وهو أنني كنت بالأمس في مجلس وعظٍ، فقال الواعظ ضمن خطبته: (لو أن زوجاً قد ترك الصلاة وجب على زوجته مقاطعته، والإعراض عنه، وعدم إطاعته، فإنْ أصابه العطش لا تعطيه ماء؛ لأنها إنْ قدّمت له شيئاً من الماء تكون عاصية لله، ويكون ذنبها كمَنْ قتل جميع الأنبياء). وحيث إن زوجي لا يهتمّ بصلاته، وأحياناً يتركها بالمرّة، وعندي منه ثلاثة أولاد، أريد أن أعرف ما هي وظيفتي الشرعية تجاهه؟ قال السيد أرباب في جوابها: إنه لأمرٌ عجيب!! ثم قال لها: لا أدري ما هو المستند الشرعي الذي استند له ذلك الرجل في كلامه هذا. صحيحٌ أن الفرد المسلم عليه أن يلتزم بالتكاليف الشرعية حتماً، ولا يجوز له أن يتركها بحالٍ من الأحوال، ويكون عاصياً إنْ تركها، ولكنْ يبدو أن كلام هذا الرجل في غاية الضعف والوهن ولا يمكن قبوله بحالٍ. ثم استطرد قائلاً: أسأل الله أن يعود إلى التزامه بالصلاة.
قالت المرأة: سيدي، إنه لا يصلي أبداً! فأعاد السيد أرباب القول: أرجو أن يعود إلى صلاته إنْ شاء الله.
فسألَتْه المرأة: إذن أين تكون فريضة الأمر بالمعروف، ومتى تجب؟ وما هو تكليفي من هذه الناحية؟ ما الذي يجب عليَّ فعله؛ كي لا أتعرَّض لغضب الله؟ قال لها السيد أرباب: عندما يكون زوجك في حالةٍ مزاجيّة جيّدة كلِّميه بلين ولسان عذب ووجه طلق: أنا أحبك، ولكنّك لو أدَّيْتَ صلاتك في أوقاتها فسوف يتضاعف حُبّي لك، ولا تزيدي على ذلك.
فتنفَّسَتْ الزوجة الصعداء، وقالت له: أطال الله عمرك، أوشَكَتْ حياتي أن تتهاوى بفعل كلمات ذلك الرجل»([98]).
أقول:
حقّ للسيد أرباب ـ قدَّس الله روحه العزيز ـ أن يجهل المصدر الرئيس لكلام ذلك الواعظ غير الدقيق؛ إذ لم يكن قد رأى مثل هذا الكلام في القرآن الكريم، ولا في أي مصدر روائي معتبر آخر. والآن نعلم أن مصدر كلام ذلك الواعظ هو ذلك الخبر المنقول عن «رتن» الهندي، والذي تسلَّل إلى المناخ الثقافي الشيعي من طريق كتاب «جامع الأخبار». والله وحده العالم كم هو عدد الأشخاص البائسين الذين تهاوت حياتهم الدنيوية والأخروية منذ العهد الصفوي والقاجاري إلى هذه اللحظة بسبب هذه «الرواية الرتنية»، الواردة في كتاب جامع الأخبار، ولا سيَّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار تعدُّد مخطوطاته وطبعاته الحجرية، والإقبال الذي يحظى به من قبل الواعظين!!
وخلاصة القول: إن تاريخ الكذب والتزوير لا ينحصر بـ «رتن الهندي»، ولا يقتصر الكلام الكاذب والمدمِّر على روايات «جامع الأخبار». والحلول الماثلة أمامنا واضحةٌ أيضاً، وهو العمل على توظيف الرؤية النقدية الثاقبة في تقييم المتون والأسانيد وما إلى ذلك مما يَرِدُ في التراث المأثور، وهو المنهج الذي كان عليه مشايخنا الكبار، وهو الطريق الذي سلكه كبار المحدِّثين من المسلمين إلى يومنا هذا. ومن الله التوفيق وعليه التّكلان.
الهوامش
__________________________
(*) باحثٌ متخصِّص في مجال الكلام والحديث. له دراساتٌ تحقيقيّة وتراثيّة قيِّمة.
([1]) أبو الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن الصغاني(577 ـ 650هـ)، الموضوعات (ملحق الدرّ الملتقط، له): 8.
([2]) صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي(764هـ)، الوافي بالوفيات 14: 68 ـ 70، تحقيق واعتناء: أحمد الأرناؤوط ـ تركي مصطفى، دار إحياء التراث العربي، ط1، بيروت، 1420هـ.
([3]) الميرزا حسين الطبرسي النوري، النجم الثاقب (في أحوال الإمام الحجّة الغائب صاحب العصر والزمان بقية الله الأعظم#): 686 ـ 689.
([4]) في المصدر المطبوع: «أبي مشعر».
([5]) النجم الثاقب (في أحوال الإمام الحجّة الغائب صاحب العصر والزمان بقية الله الأعظم#): 689 ـ 690.
([6]) معين الدين أبو القاسم جنيد الشيرازي، شدّ الإزار في حطّ الأوزار عن زوّار المزار: 230، تصحيح وتهميش: العلامة محمد القزويني وعباس إقبال.
([7]) نور الدين عبد الرحمن الجامي(817 ـ 898هـ)، نفحات الأنس من حضرات القدس: 438 ـ 439، تقديم وتصحيح وتعليق: الدكتور محمود العابدي، انتشارات اطلاعات، ط1، طهران، 1370هـ.
وقد ذكر كلامَ الجامي الحافظُ حسين الكربلائي التبريزي في روضات الجنان أيضاً (انظر: الحافظ حسين الكربلائي التبريزي(997هـ)، روضات الجنان وجنات الجنان 2: 310 ـ 311، تحقيق وتقديم وتكميل وتصحيح وتعليق: سلطان القُرّائي).
([8]) دولتشاه السمرقندي، تذكرة الشعراء: 222، تصحيح: إدوارد براون، أساطير، ط1، طهران، 1382هـ.ش.
([9]) رضا قلي خان هدايت(1215 ـ 1288هـ)، تذكرة رياض العارفين: 142، تقديم وتصحيح وتعليق: أبو القاسم رادفر (و)گيتا أشيدري، پژوهشگاه علوم إنساني ومطالعات فرهنگي، ط1، طهران، 1385هـ.ش.
([10]) أندخود: قرية من قرى بلخ.
([11]) تم ضبطها من قِبَل الحافظ حسين الكربلائي في روضات الجنان 2: 312، حيث نقلها عن خلاصة المناقب، بـ «الأرنشي». وقد كتب سلطان القرّائي ـ مصحِّح ذلك الكتاب ـ في الهامش: «لم يتمّ التعرُّف على ذات الشيخ، ولا على المحل الذي نُسب إليه».
([12]) لم نعثر لها على معنى واضح، وقد تمّ ضبطها في روضات الجنان وجنات الجنان 2: 312، الذي نقله عن خلاصة المناقب، من قبل المصحِّح بـ: «گرده گرم». ولم نجِدْ لها معنى ملموساً أيضاً، فأثبتناها كما هي. المعرِّب.
([13]) قالت طابعة خلاصة المناقب السيدة الدكتورة أشرف ظفر في تعريف «الشيخ موسى» ما يلي: «الشيخ موسى بن بقلي بن بندار بن ديناري».
([14]) المطبوع في خلاصة المناقب: قرأت.
([15]) المطبوع في خلاصة المناقب: الرتنبه.
([16]) المطبوع في خلاصة المناقب: الرتنبه.
([17]) نور الدين جعفر البدخشي(740 ـ 797هـ)، خلاصة المناقب (في مناقب المير سيد علي الهندي): 197 ـ 200، تصحيح: الدكتورة السيدة أشرف ظفر، إسلام آباد، مركز تحقيقات فارسي إيران وباكستان، ط1، 1374هـ.ش ـ 1995م.
([18]) انظر: الكربلائي التبريزي(997هـ)، روضات الجنان وجنات الجنان 1: 12 ـ 13.
([21]) في المصدر المطبوع (أي النصّ المحقّق لثمرات القدس): صَحبتُ.
([22]) في النصّ المحقّق لثمرات القدس: الأمشاط. نسخة بدل: أمشاط، وقد اخترنا ضبط النسخة البدل.
([23]) في نصّ ثمرات القدس: وَصلةُ [؟!].
([24]) هكذا في المصدر المطبوع المُحقّق! ويبدو أنه تصحيف عن «هذا».
([25]) هكذا في المصدر المحقق لثمرات القدس، ولست أدري ما إذا كان هذا الضبط من الماتن البدخشي أم من الطابع الطهراني؟! قارن أيضاً: المصدر نفسه: 72 (الهامش).
([26]) في النص المحقق لثمرات القدس: على. النسخة البدل: عليه. وقد اخترنا ضبط النسخة البدل.
([27]) في النصّ المطبوع: شرقاً. النسخة البدل: زاده الله شرفاً.
([28]) أرجع طابع ثمرات القدس في الهامش وفاة الملا العالم الكابلي إلى سنة 992هـ.
([29]) الميرزا لعل بيك لعلي بدخشي(968 ـ 1022هـ)، ثمرات القدس من شجرات الأنس: 68 ـ 72 (مع تصحيح بعض الأخطاء، من قبيل: «متّوجه» ـ بدلاً من «متوجّه» ـ، دون التنويه إلى ذلك في الهامش).
([30]) «يهرم ابن آدم، ويشبّ منه اثنان: الحرص على المال؛ والحرص على العُمْر». الصدوق، الخصال: 73، طبعة الغفاري.
«يهرم ابن آدم، ويشبّ منه اثنتان: الحرص على الحياة؛ والحرص على المال ـ وفي روايةٍ أخرى: الحرص على الأمل». الشريف الرضي، المجازات النبوية: 351، طبعة طه محمد الزيني.
«يهرم ابن آدم، ويشبّ فيه اثنتان: الحرص؛ وطول الأمل». الكراجكي، معدن الجواهر: 25، طبعة الإشكوري.
«يهرم ابن آدم، ويشبّ فيه اثنان: الحرص على المال؛ والحرص على العُمر». روضة الواعظين: 427، طبعة مع مقدمة خراسان.
([31]) انظر: دائرة المعارف الإسلامية 10: 45 (في الإحالة على الإصابة)، بيروت، دار المعرفة.
([32]) انظر نموذج ذلك في: الشيخ عبد الواحد المظفّر، سلمان محمدي ـ أبو عبد الله بارسي ـ: 89 ـ 115، ترجمه إلى الفارسية وحرَّره ولخّصه: جويا جهانبخش، خوراسگان، شوراي إسلامي شهر خوراسگان، (و)قم، كتابخانه تخصصي تاريخ إسلام وإيران، 1384هـ.ش.
([33]) للمزيد من التوضيح انظر: دائرة المعارف الإسلامية 10: 47، بيروت، دار المعرفة.
([34]) الشيرازي، شدّ الإزار في حطّ الأوزار عن زوّار المزار: 231 (الهامش).
([35]) انظر: دائرة المعارف الإسلامية 10: 47.
([36]) انظر تفصيل ذلك في: جلال الدين همائي، تاريخ إصفهان (فصل التكايا والمقابر): 43 ـ 48، إعداد: ماهدخت بانو همائي، مؤسسه نشر هما، ط1، طهران، 1381هـ.ش.
([37]) انظر: دائرة المعارف الإسلامية 10: 45.
([38]) الشيرازي، شدّ الإزار في حطّ الأوزار عن زوّار المزار: 231 (الهامش).
([39]) ربما من هذه القناة تمّ الحديث في بحث في علم دراية الحديث: 81 (قم، 1386هـ.ش) عن «رطن» والـ «رطنيات»، وظهر هناك مجالٌ لإملاء شاذ، ولم يتمّ الحديث عنه في هذا المورد إلاّ نادراً جداً.
([40]) الكربلائي التبريزي(997هـ)، روضات الجنان وجنات الجنان 2: 593.
([41]) المولى محمد صالح المازندراني(1081هـ)، شرح أصول الكافي 2: 312، مع تعاليق: الميرزا أبو الحسن الشعراني، ضبط وتصحيح: السيد علي العاشور، دار إحياء التراث العربي، ط1، بيروت، 1421هـ.
([42]) محمد بن علي بن إبراهيم الأحسائي، المعروف بابن أبي جمهور، عوالي اللآلئ العزيزية في الأحاديث الدينية 1: 29.
([43]) انظر: شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(460هـ)، تهذيب الأحكام 3: 89، حقّقه وعلّق عليه: السيد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية، ط4، طهران، 1365هـ.ش؛ الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي، المشتهر بـ «شيخ الطائفة، والشيخ الطوسي»(386 ـ 460هـ)، مصباح المتهجّد: 173، مؤسسة فقه الشيعة، ط1، بيروت، 1411هـ؛ الطبراني، المعجم الأوسط 7: 306؛ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني(360هـ)، كتاب الدعاء: 424، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1413هـ؛ القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي، مسند الشهاب 2: 345 ـ 346، حقّقه وأخرج أحاديثه: حمدي عبد المجيد السلفي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405هـ.
([44]) محمد طاهر بن علي الهندي الفتني(986هـ)، تذكرة الموضوعات (وفي ذيلها قانون الموضوعات والضعفاء): 104.
([45]) الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني(852هـ)، الإصابة في تمييز الصحابة 2: 436، دراسة وتحقيق وتعليق: عادل أحمد عبد الموجود (و)علي محمد معوّض، دار الكتب العلمية، ط1، بيرت، 1415هـ.
([46]) الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني(852هـ)، لسان الميزان 2: 451.
([47]) الهندي الفتني، تذكرة الموضوعات (وفي ذيلها قانون الموضوعات والضعفاء): 104.
([48]) ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة 2: 437؛ الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني(852هـ)، لسان الميزان 2: 451.
([49]) الهندي الفتني، تذكرة الموضوعات (وفي ذيلها قانون الموضوعات والضعفاء): 103؛ ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 2: 451.
([50]) ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة 2: 436.
([52]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 2: 451.
([53]) الهندي الفتني، تذكرة الموضوعات (وفي ذيلها قانون الموضوعات والضعفاء): 103؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة 2: 435؛ ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 2: 451.
([54]) الهندي الفتني، تذكرة الموضوعات (وفي ذيلها قانون الموضوعات والضعفاء): 103.
([55]) ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة 2: 435.
([56]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 2: 450.
([57]) الهندي الفتني، تذكرة الموضوعات (وفي ذيلها قانون الموضوعات والضعفاء): 103 ـ 104.
([58]) هكذا في المصدر، والصحيح: (وقال). المعرِّب.
([59]) ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة 2: 436. وانظر أيضاً: الإصابة في تمييز الصحابة 2: 439.
([60]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 2: 451. وانظر أيضاً: لسان الميزان 2: 455.
([61]) الهندي الفتني، تذكرة الموضوعات (وفي ذيلها قانون الموضوعات والضعفاء): 104.
([62]) ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة 2: 436.
([63]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 2: 451.
([64]) الهندي الفتني، تذكرة الموضوعات (وفي ذيلها قانون الموضوعات والضعفاء): 104.
([65]) ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة 2: 437.
([66]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 2: 451.
([67]) الهندي الفتني، تذكرة الموضوعات (وفي ذيلها قانون الموضوعات والضعفاء): 104؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة 2: 437؛ ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 2: 451.
([68]) إسماعيل بن محمد بن عبد الهادي الجرّاحي العجلوني الشافعي(1162هـ)، كشف الخفاء ومزيل الإلباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس 2: 204، ح2384، ضبطه وصحّحه ووضع حواشيه: محمد عبد العزيز الخالدي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1422هـ.
([69]) ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة 2: 435.
([70]) الهندي الفتني، تذكرة الموضوعات (وفي ذيلها قانون الموضوعات والضعفاء): 103.
([71])ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 2: 450.
([72]) الهندي الفتني، تذكرة الموضوعات (وفي ذيلها قانون الموضوعات والضعفاء): 106؛ ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 2: 454.
([73]) الهندي الفتني، تذكرة الموضوعات (وفي ذيلها قانون الموضوعات والضعفاء): 104؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة 2: 437.
([74])ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 2: 451.
([75]) الهندي الفتني، تذكرة الموضوعات (وفي ذيلها قانون الموضوعات والضعفاء): 106؛ ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 2: 454.
([76]) الهندي الفتني، تذكرة الموضوعات (وفي ذيلها قانون الموضوعات والضعفاء): 106؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة 2: 444.
([77]) ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة 2: 436؛ ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 2: 450؛ الهندي الفتني، تذكرة الموضوعات (وفي ذيلها قانون الموضوعات والضعفاء): 103.
([78]) انظر: أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي(467 ـ 538هـ)، الكشّاف عن حقائق التنـزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل 3: 467، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1385هـ.
([79]) انظر: تفسير الثعلبي (الكشف والبيان) 8: 314، تحقيق: أبو محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق: نظير الساعدي، دار إحياء التراث العربي، ط1، بيروت، 1422هـ.
([80]) ومن نماذج هذه الروايات المشابهة، الرواية القائلة: «ألا ومَنْ مات على بُغْض آل محمدٍ لم يشمّ رائحة الجنة». الشيخ الصدوق(381هـ)، فضائل الشيعة: 5، كانون انتشار عابدي، طهران.
وانظر أيضاً: أبو الحسن محمد بن أحمد بن عليّ بن الحسن القمّي، المعروف بـابن شاذان، مئة منقبة من مناقب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب والأئمة من ولده^: 64 ـ 67، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي× (بإشراف: السيد محمد باقر بن المرتضى الموحّد الأبطحي)، ط1، قم، 1407هـ.
([81]) الهندي الفتني، تذكرة الموضوعات (وفي ذيلها قانون الموضوعات والضعفاء): 103؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة 2: 436؛ ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 2: 450.
([82]) الهندي الفتني، تذكرة الموضوعات (وفي ذيلها قانون الموضوعات والضعفاء): 104.
([83]) العجلوني الشافعي، كشف الخفاء ومزيل الإلباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس 2: 291، ح2836.
([84]) ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة 2: 437.
([85]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 2: 451.
([86]) الكربلائي التبريزي، روضات الجنان وجنات الجنان 1: 13.
([88]) من المناسب هنا أن نذكّر بأن بعض المحدِّثين من أهل السنة الذين كتبوا بشأن الأحاديث الموضوعة قد عمدوا أحياناً ـ للأسف الشديد ـ إلى الحكم بوضع بعض الروايات، دون أن تكون هناك أيّ قرينة أو دلالة قويّة على وضعها، سوى عدم توثيق أحد رواتها أو كونه كاذباً أو كذّاباً. وهذا الأمر وإنْ كان يستوجب ضعف السند حتماً وجَزْماً، إلا أنه لا يمكن من خلاله الحكم على الحديث بالاختلاق والوضع.
من المستبعد أن يقرأ شخص كتب الموضوعات عند أهل السنة ولا يقف على هذا المنهج النقدي غير المستقيم في كتبهم.
في حين يقول المحدِّث السني الشهير، الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن حسين العراقي(806هـ): «…لا يلزم من وجود كذاب في السند أن يكون الحديث موضوعاً؛ إذ مطلق كذب الراوي لا يدلّ على الوضع، إلاّ أن يعترف بوضع هذا الحديث بعينه، أو ما يقوم مقام اعترافه…». زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي(806هـ)، فتح المُغيث بشرح ألفية الحديث: 120، حقّقه وعلّق عليه: محمود ربيع، دار الفكر (و)مؤسسة الكتب الثقافية، ط1، بيروت، 1416هـ.
ولكي لا يذهب التصوّر بالقارئ إلى أني ـ بوصفي خادماً متواضعاً للكتاب والسنة ـ في إشكالي على علماء أهل السنة في هذا الشأن قد وقعت في مزلق التعصُّب والتمذهب من المناسب أن أسوق كلام واحد من أئمة هذا الفنّ من نفس أهل السنة شاهداً على كلامي: قال ابن الصلاح الشهرزوري الشافعي(577 ـ 643هـ)، وهو الذي ألف أحد أهم الكتب في معرفة أنواع الحديث في الإسلام: «…وَلَقَدْ أَكْثَرَ الَّذِي جَمَعَ فِي هَذَا الْعَصْرِ (الْمَوْضُوعَاتِ) فِي نَحْوِ مُجَلَّدَيْنِ، فَأَوْدَعَ فِيهَا كَثِيراً مِمَّا لا دَلِيلَ عَلَى وَضْعِهِ، إِنَّمَا حَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ فِي مُطْلَقِ الأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ». (مقدّمة ابن الصلاح ومحاسن الإصلاح: 279، تحقيق: الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)؛ و204، تحقيق: عبد اللطيف الهميم و…؛ و150، ط. أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1424هـ، مع اختلافٍ يسير في الضبط).
وكأنّ هناك إجماعاً على أن مراد ابن الصلاح من قوله: «الَّذِي جَمَعَ فِي هَذَا الْعَصْرِ» هو أبو الفرج ابن الجوزي، وقد قال الحافظ العراقي في ألفيته:
وأكثر الجامع فيه إذ خرج *** لمطلق الضعف عنى أبا الفرج
(انظر: مقدمة ابن الصلاح ومحاسن الإصلاح: 278، 283، تحقيق: الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)؛ و204، تحقيق: عبد اللطيف الهميم و…؛ و150، ط. أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة؛ العراقي، فتح المُغيث بشرح ألفية الحديث: 119 ـ 121).
وقال جلال الدين السيوطي: إنه أخرج ما يقرب من مئتي حديث غير موضوع من (موضوعات) ابن الجوزي (انظر: فتح المُغيث بشرح ألفية الحديث: 121 ـ 122). وقد سبقه ابن حجر عن قول العلائي التصريح بأن مستند ابن الجوزي في القول بوضع أغلب ما عدّه موضوعاً يعود إلى ضعف الراوي (انظر: المصدر السابق: 122).
([89]) انظر إلى «الرتنيات» من زاوية علوّ الإسناد، قارن: السيد علي رضا صدر الحسيني، پژوهشي در علم دراية الحديث: 81 ـ 82، سازمان چاپ ونشر دار الحديث، قم، 1386هـ.ش.
([90]) بالالتفات إلى انبهار وانخداع بعض أهل العلم بالأسانيد العالية، وغفلتهم عن إمكان أن يكون في هذه الأسانيد بعض الكذّابين من المتأخِّرين من مدَّعي الصحبة، قال الذهبي في ذمّ هذا المنهج منهم: «متى رأيت المحدِّث يفرح بعوالي هؤلاء [المدَّعين] فاعلم أنه عامّي». (ابن كثير، الباعث الحثيث: 113، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار الفكر، بيروت، 1416هـ.).
([91]) ضبط اسم (شِمْر) بكسر الشين وسكون الميم، وضبط أيضاً (شَمِر) بفتح الشين وكسر الميم. ويبدو أن كلا الضبطين صحيحٌ، والضبط الثاني أصحّ وأعرق. بَيْدَ أن الضبط الثاني هو الشائع على الألسنة.
([92]) انظر في هذا الشأن على سبيل المثال: الشيخ محمد علي صالح المعلم، أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق (تقريراً لبحث الشيخ مسلم الداوري) 2: 103 ـ 104، تصحيح: الشيخ حسن العبّودي، مؤسسة المحبّين للطباعة والنشر، قم، 1426هـ.
([93]) جامع الأخبار (أو: معارج اليقين في أصول الدين): 186 ـ 187، ح463، [المنسوب إلى] الشيخ محمد بن محمد السبزواري، تحقيق: علاء آل جعفر، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، ط1، 1413هـ؛ والمصدر نفسه أيضاً: 87، قدَّم له وعلّق عليه وأخرج أخباره: حسن المصطفوي، باختلافٍ يسير، مركز نشر الكتاب، طهران، 1382هـ.
([94]) انظر: أدهم الخلخالي، الملقّب بـالعزلتي، والمعروف بالواعظ(1052هـ)، كدو مطبخ القلندري: 11 ـ 18، إعداد أحمد مجاهد، سروش، طهران، 1370هـ.ش؛ رسائل فارسي أدهم خلخالي (مصدر فارسي) 1: 25، إعداد: عبد الله النوراني، أنجمن آثار ومفاخر فرهنگي، طهران، 1381هـ.ش.
([95]) رسائل فارسي أدهم خلخالي (مصدر فارسي) 1: 36.
([96]) في ما يتعلق بمجموع الأخبار والروايات المأثورة عن رتن، وما ذكرناه في تلك المقالة بشأن هذا الكذاب، لا بُدَّ من إضافة هذا الخبر أيضاً:
لقد تحدَّث نجم الدين محمد (أو: محمود) الإصفهاني (البُخاري)، ابن سعد الله، في كتاب مناهج الطالبين ومسالك الصادقين، وهو في موضوع التصوّف ـ ولحسن الحظ فقد تمّ طبع هذا الكتاب سنة 1364هـ.ش، بجهودٍ من قِبَل الأستاذ نجيب مايل الهروي، بالتعاون مع السيد عارف نوشاهي في طهران (من قبل دار نشر مولى) ـ، عن رتن ورواياته.
إن الكلام الذي أورده صاحب مناهج الطالبين في (الباب الثامن في إثبات الرؤية والمشاهدة بعين القلب والبصيرة)، هو: «…وفي الأحاديث التي رووها عن بابا رتن الهندي ورد ما كان على شاكلة: اخشوشنوا واخشوشئوا وامشوا حفاة عراة ترون الله جهرة». (مناهج الطالبين ومسالك الصادقين: 264).
وزيادةً لمعرفة ومعلومات قرّاء هذه السطور نضيف ما يلي:
إن الذي رآه صاحب كتاب مناهج الطالبين على شاكلة رواية رتن رواية سبق أن نقلها عن كتاب كشف المحجوب على النحو التالي: «أجيعوا بطونكم، وأظمئوا أكبادكم، وأعروا أجسادكم، لعلّ قلوبكم ترى الله عياناً في الدنيا» (المصدر نفسه).
قارنوا رواية رتن بما جاء في مقالتنا المنشورة في (مجلة آيينه ميراث، العدد 40: 77 ـ 78).
إن المسألة الجديدة التي تلفت الانتباه في مناهج الطالبين أنه طبقاً لتقرير الأستاذ مايل فإن النسخة التي يعود تاريخها إلى العام 728هـ من هذا الكتاب (المحفوظة في قونية)، والتي كانت هي الأساس لطبعه وتصحيحه، تمّ فيها ضبط «رَتَن» بـ «رَتْن» (بسكون التاء) (انظر: مناهج الطالبين ومسالك الصادقين: 32 ـ 33 (الهامش))، ولربما كان هذا نموذجاً لقراءة هذا الاسم في ذلك العصر الذي كان يعيش فيه مستنسخ هذه النسخة.
وعلى أيّ حال فإن استناد مؤلف مناهج الطالبين إلى رواية رتن يعكس جانباً آخر من نفوذ الرتنيات في الثقافة الصوفية بعد عصر رتن. وقد تمّ تأليف هذه المناهج ما بين عام 695هـ وعام 728هـ.
ولحسن الحظّ فإن مصحّح مناهج الصالحين العالم الأستاذ نجيب مايل الهروي قد اهتمّ بتعريف رتن في مقدمة المناهج: 32 ـ 33، وفي تعليقاته على هذا الكتاب: 379 ـ 380 أيضاً، وصرَّح بأنه «منتحِل» و«أنه من مشاهير الوضّاعين»، وأضاف قائلاً: «إن جميع الباحثين من المحدّثين قد أشاروا إلى ضعفه وضعف الأحاديث المروية عنه».
([97]) غلام حسين رحيمي الإصفهاني، زندگاني چهارده معصوم^ (مع ملحق بالسيرة الذاتية للمؤلِّف بقلمه) (مصدر فارسي): 45، انتشارات عسكريه، 1386هـ.ش.
([98])الدكتور خليل الرفاهي، گردش أيام (خاطرات حوزه، دانشگاه، داخل وخارج أز كشور) (مصدر فارسي): 216 ـ 217، انتشارات ماني، ط1، إصفهان، 1382هـ.ش.