حيدر حب الله([1])
تمهيد
المجموعة التاسعة عشرة هنا هي المجموعة التي ذكر السيد محمد باقر الصدر أنها دالّة عنده، وأنها تبلغ حوالي الخمس عشرة رواية، ومع إقراره بأنّ خمس عشرة رواية مع الوسائط في النقل لا تحصّل تواتراً، إلا أنّه لا يأخذ بها من باب التواتر القائم على الكمّ فقط، بل يرى أنّ هناك عناصر كيفية فيها تفضي إلى الجزم أو الاطمئنان الشخصي بصدورها، كما أنّ دلالتها تامّة عنده، فتكون بنفسها دليلاً على حجيّة خبر الواحد.
19 ـ 1 ـ النصّ العمدة (صحيحة الحميري) في العمري وابنه، عرض وبيان
والعمدة عند السيد الصدر من هذه الأحاديث هو واحدٌ منها، وهو خبر العمري، فيما الباقي عنده بمثابة المعزّز له في تحصيل الاطمئنان الشخصي عنده بالصدور([2]). أمّا السيد الخميني فاعتبر أنّه لا إشكال في كون مثل هذا السند العالي لرواية العمري وابنه ثقتان الآتية هو مورد البناء العقلائي قطعاً، وحينئذ فيجب الأخذ به، وبه يثبت حجيّة قول الثقة المأمون مطلقاً([3]). ونذكر أهمّ هذه الروايات في هذه المجموعة، والباقي يظهر أمره من الحديث في المهم هنا.
والرواية الأبرز هنا، هي رواية الحميري، التي رواها الشيخ الكليني في الكافي عن محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى جميعاً، عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: اجتمعت (أجمعت) أنا والشيخ أبو عمرو ـ رحمه الله (رضي الله عنه) ـ عند أحمد بن إسحاق، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخَلَف، فقلت له: يا أبا عمرو! إني أريد أن أسألك عن شيء، وما أنا بشاكّ فيما أريد أن أسألك عنه، فإنّ اعتقادي وديني أنّ الأرض لا تخلو من حجّة، إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً، فإذا كان ذلك رفعت (وقعت/وقفت) الحجّة، وأغلق باب التوبة (الحجّة)، فلم يك (يكن) ينفع نفساً إيمانُها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، فأولئك (شرار) أشرار من خَلَقَ (خَلْقِ) الله عز وجل، وهم الذين تقوم (يقوم) عليهم القيامة، ولكنّي أحببت أن أزداد يقيناً، وإنّ إبراهيم% سأل ربّه عز وجل أن يريه كيف يحيى الموتى: ﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾، وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن%، قال: سألته وقلت: من أعامل أو عمّن (وعمّن) آخذ وقول من أقبل؟ فقال له: mالعمري ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع؛ فإنّه الثقة المأمونn، وأخبرني أبو علي أنّه سأل أبا محمد% عن مثل ذلك، فقال له: mالعمري وابنه ثقتان؛ فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤديان، وما قالا لك (عنّي) فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعمها؛ فإنهما الثقتان المأمونانn؛ فهذا قول إمامين قد مضيا فيك. قال: فخرّ أبو عمرو (أبو علي) ساجداً وبكى، ثم قال: سل حاجتك، فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد%؟ فقال: إي والله ورقبته مثل ذا، وأوما بيده (بيديه)، فقلت له: فبقيت واحدة، فقال لي: هات. قلت: فالاسم، قال: محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي؛ فليس لي أن أحلّل ولا (أن) أحرّم، ولكن (ـه) عنه%؛ فإنّ الأمر عند السلطان أنّ أبا محمد% مضى، ولم يخلف ولداً، وقسّم ميراثه وأخذه من لا حقّ له فيه، وهو ذا عياله يجولون (يحوّلون) (فـ) ليس أحد (لأحد) يجسر أن يتعرّف إليهم أو ينيلهم شيئاً، وإذا (فإذا) وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك.
قال الكليني رحمه الله: وحدّثني شيخٌ من أصحابنا، ذهب عنّي اسمُه، أنّ أبا عمرو سئل عن (عند) أحمد بن إسحاق عن مثل هذا فأجاب بمثل هذا([4]).
19 ـ 2 ـ دعوى يقينيّة صدور خبر الحميري، مناقشات وتعليقات
والبحث في هذه الرواية يفترض أن ينعقد ـ أوّلاً ـ في العناصر الصدوريّة التي دفعت الصدر إلى الاطمئنان بصدور هذه الرواية، ثم نبحث في دلالتها بعد ذلك:
أ ـ أما الدراسة السندية، فتتلخّص نظرية الصدر هنا على الشكل التالي: تارة احتمال كذب الرواة، وأخرى احتمال خطئهم:
1 ـ أما احتمال الكذب، ففي سند هذه الرواية عدّة رواة هم:
الراوي الأوّل: وهو الكليني نفسه محمّد بن يعقوب، وهو رجل ثقة جليل لا يتطرّق الشك إليه على مستوى الكذب أو الاحتيال في الرواية، وكلّ من قرأ ما كتبه المعاصرون وقريبو العهد به كالمفيد، والطوسي، والنجاشي و.. عرف مكانته وجلالته وقدره، حتى أنّ الشيخ الطوسي يرى كتابه (الكافي) أضبط وأثبت كتاب ألّفه شخص في الإسلام، ولم نجد من قدح فيه أو ذمّه، حتى عرف في تاريخ المسلمين بثقة الإسلام، كما عرف ابن المطهر الحلّي بالعلامة.
الراوي الثاني: وهو عبارة عن شخصين معاً نقل عنهما الكليني الرواية، وهما: محمد بن يحيى العطار الثقة الجليل المشهور المعروف بمكانته السامية ولم يطعن عليه أحد، حتى المفرطين في التضعيف، ومحمد بن عبد الله الحميري وهو ممّن اتفق الأصحاب على توثيقه وجلالة قدره ومكانته حتى كانت له مراسلات مع الإمام المهدي، وخروج التوقيع لشخص دليل عظم مكانته.
فاحتمال الكذب من هذين معاً في غاية البُعد، بل هو سفسطة بحساب الاحتمال، لاسيما وأنّ مستوى التديّن في ذلك الزمان أكبر بكثير منه في زماننا الحاضر.
يضاف إلى ذلك، أنّ محمد بن عبد الله الحميري يروي للكليني هذه الرواية عن والده، واحتمال كذب الابن في النقل عن أبيه بعيدٌ في غير ما يرجع إلى مدحه وكماله، وهذه الرواية ليس فيها شيء من ذلك، حيث إنها تبيّن مكانة العمري لا الحميري، فكيف يتصوّر اتفاق الابن مع شخص آخر في أن يكذبا على الأب؟!
الراوي الثالث: وهو من نقل عنه العطّار ومحمد الحميري، ألا وهو الحميري الأب، وهو عبد الله بن جعفر الحميري، وهو رجل مشهودٌ بوثاقته بلا طعن ولا غمز فيه، بل كان ـ بنصّ النجاشي ـ شيخ الأصحاب في قم، ومدرسة قم هي مدرسة من أرقى مدارس أهل البيت، عُرف عنها التشدّد في أمر الحديث، فإذا كان شخصٌ شيخ الأصحاب في تلك المدينة أليس من المفترض أن يكون من أجلّ الرواة وأصدقهم؟ وقد كانوا يتحرّزون من الرواية عن الضعفاء، فكيف يكون شيخهم ضعيفاً؟!
الراوي الرابع: وهو أحمد بن إسحاق، أحد خواصّ الإمام العسكري، فليس هو مجرّد ثقة، بل هو ثقة الإمام، وقد راسله الإمام المهدي، فاحتمال كذبه عمداً احتمالٌ غير عقلائي.
2 ـ وأما احتمال الخطأ، فهو منهم بعيد جداً، فوجود خطأ في نُسخ الكافي أمرٌ بعيد جداً هنا؛ لأنّ تمام نسخ هذا الكتاب متّفقة على هذه الرواية، فلا يوجد احتمال خطأ في النسخ، لاسيما وأنّ الطوسي نقل هذه الرواية عن الكافي في كتبه بالنصّ عينه، مما يرفع احتمال الخطأ في نُسخ الكافي، وإلا لأشير إليه.
كما أنّ احتمال الخطأ من هؤلاء الرواة الأربعة ضعيفٌ جداً؛ لمكانتهم، ونضمّ إلى ذلك أصالة عدم الغفلة العقلائيّة، كما أنّ الكليني ينقل أخيراً أنّه سمع الرواية من شخص آخر لا يذكره لنا بالاسم، وهذا يضاعف من الوثوق بالرواية، فضلاً عن أنّ من روى عنه الكليني عبارة عن شخصين، واحتمال خطئهما معاً بعيد أيضاً.
يضاف إلى ذلك كلّه، الروايات الأخَر المؤيّدة لهذه الرواية في المضمون المهمّ في بحثنا هنا، فهذا كلّه يحقّق لنا اطمئناناً بحجيّة هذه الرواية من باب الاطمئنان بصدورها([5]).
هذه هي عصارة نظرية السيد الصدر في أمر السند هنا، وينبغي الوقوف معها قليلاً لننظر فيها فنقول:
لا شك في صحّة الرواية سنداً طبقاً لمعايير علم الرجال والجرح والتعديل، لكنّ الكلام في إفادتها اليقين أو الاطمئنان بالصدور، ولا يهمّنا أيضاً أصل صدورها في الجملة، بل يهمّنا صدورها بحيث يكون المقطع موضع الشاهد صادراً بهذه الطريقة النافعة في الاستدلال هنا، وهنا نعلّق بتعليقات، ونعتقد أنّ مجموعها كافٍ في هدم دعوى اليقين العام بالصدور:
التعليق الأوّل: إنّ وثاقة الرجال الخمسة الواردين في السند ثابتة، لكنّ ثبوتها بالنسبة إلينا ليس حسيّاً ويقينيّاً، فنحن لا نعرف عن أحمد بن إسحاق سوى أنّ الطوسي والنجاشي مثلاً وثّقاه، ولاعتماد الطائفة الشيعيّة على توثيقهما ومدحهما له صار الرجل من رموز الطائفة على امتداد التاريخ. يجب أن لا نغفل حقيقةً هنا وهي كيف تعرّفنا على هؤلاء الرواة؟ ويجب أن لا نقف عند عنصر الشهرة المتأخّرة، بل يُفترض ملاحقة الخيط لمعرفة كيف تعرّفنا على هؤلاء الرواة والمحدّثين؟
إذن، فوثاقة الخمسة ـ لا أقلّ بعضهم ـ ثبتت لدينا بنصوص النجاشي والطوسي و..، وأنّهم كانوا وجوه الأصحاب ورموز الطائفة، ولم تثبت بالحسّ أو المعاشرة أو بالانكشاف التام لكلّ حياتهم، خاصّة وأنّ بعضهم ليس من مشاهير الرواة جداً.
وهذا التعليق جيّد، إلا إذا قيل بأنّ كونهم من المشاهير مع عدم طعنٍ فيهم، مع وقوعهم في الأسانيد والطرق، واعتماد المحدّثين عليهم، وشهرة وثاقتهم، وغير ذلك، كافٍ في تحصيل اطمئنان بوثاقتهم، لكنّ تحصيل الاطمئنان بوثاقتهم غير تحصيل الاطمئنان بصدقهم ودقّتهم في خصوص هذه الرواية، كما هي مقتضيات نظريّة الصدر نفسه في باب الوثوق الوثاقتي، التي سنتعرّض لها بالتفصيل في كتابنا اللاحق المخصّص لبحث دائرة حجيّة الحديث إن شاء الله تعالى، وكما هو واضح وسوف نُلمح له قريباً.
التعليق الثاني: إنّ المراسلات مع الإمام المهديّ ليست دليلاً على رفعة المكانة، فلا يوجد أيّ وثيقة تؤكّد أنّ الإمام المهدي كان يحصر رسائله بالخاصّة من الشيعة ممّن هم في أعلى مراتب الكمال، نعم، الذي جعل السيد الصدر يعتقد بأنّ هؤلاء الذين خرجت لهم توقيعات هم من المهمّين في الطائفة هو نصّ الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة([6])، وهو نصّ موهم ـ كما يقول السيد الحائري([7]) ـ إذ لا يراد به أنّ كل من خرج له توقيع فهو ثقة جليل، بل يريد أنّ هناك ثقات ورد التوقيع بمدحهم وبيان وثاقتهم، فمضمون التوقيع هو الشاهد لهم، أما أصل وروده لهم فغير صحيح.
لكن قد حقّقنا مفصّلاً في مباحثنا في القواعد الرجاليّة هذا الموضوع، وقدّمنا مداخلات نقديّة على كلّ مِن فَهْم السيّد الصدر والسيّد الحائري معاً لنصّ الطوسي، وتوصّلنا ـ وفاقاً للمحقّق الداماد اليزدي (1388هـ)([8]) ـ إلى أنّه لا يوجد دليل يُثبت وثاقة كلّ من خرج له توقيع في عصر الغيبة الصغرى.
قد يقال: كيف لا يكون كذلك، وهذا معناه أنّ هذا الشخص يعرف بوجود الإمام وبسفرائه فيكون من خاصّة الشيعة؟
والجواب: هذا غير صحيح؛ لأنّ المعرفة بأصل وجود الإمام أمرٌ يدركه العديد من الشيعة آنذاك، وكذا الحال مع السفراء، فمحض المعرفة بوجوده يدلّ على أنّه شيعي إمامي مخلص لتشيّعه ومذهبيّته لا غير، نعم السلطة العباسيّة ـ مثلاً ـ لم تكن تعرف بوجود الإمام.
التعليق الثالث: إنّ السيد الصدر حسب احتمال الكذب في كلّ راوٍ من الرواة الخمسة على حدة فرآه قليلاً جداً، لكنّه غاب عنه أن يحسب احتمال كذب أحدهم عند ضمّ الرواة إلى بعضهم بعضاً ضمّاً طوليّاً، فهذا الاحتمال سوف يرتفع حينئذ؛ لأنّنا نتعامل هنا مع تواتر طولي وليس عرضيّاً، كما أسلفنا عند الحديث عن التواتر.
وهكذا الحال في احتمال الخطأ، بل هو الأهم هنا، فعندما أنظر إلى الكليني سيكون احتمال الخطأ ضعيفاً، لكن عندما يكون عندي عدّة رواة في طول بعضهم فإنّ احتمال خطأ أحدهم ـ ولو في مقطع من النصّ ـ سيكون أكبر تلقائيّاً، فقد وقعنا في وهم الغرق في كلّ مفردة، في حين ينبغي ضمّ المفردات إلى بعضها، والشاهد على ذلك أنّك إذا أخذت هذا السند الذهبي وجعلته بخمسين واسطة، هل سيظلّ احتمال الكذب أو الخطأ على المنوال عينه؟! فنحن لا نريد هنا اتهام هؤلاء الأجلاء، لكنّ طرح احتمال الخطأ يظلّ وارداً، لاسيما وأنّ احتمال الخطأ المضرّ بالاستدلال هنا يكفي أن يكون في كلمتين هما: الثقة والمأمون، أو نسيان قيد يُضاف إليهما، وليس بالضرورة في كلّ الرواية، خاصّة وأنّ النقل بالمعنى شائع، وموضوعنا تختلف النتيجة فيه تبعاً لأبسط تغيير في العبارة موضع الشاهد كما سوف نرى، ولعلّه يظهر من متن الرواية أنّ النقل هنا كان بالمعنى، لا أنّه تمّ تدوين هذا الكلام لحظة صدوره. ونحن هنا لا نريد سلب الوثوق والاطمئنان عن أصل صدوره هذه الرواية في الجملة، بل نريد سلب الوثوق والاطمئنان عن المقطع موضع الشاهد أن يكون صدر كما هو، الأمر الذي يسلبنا الوثوق بالنتيجة المرادة من هذه الرواية.
وما يؤيّد ما نقول أنّ رواية توثيق العمري وابنه وردت في سندٍ آخر ينتهي لأحمد بن إسحاق نفسه، أوردها الطوسي في الغيبة، وهذا نصّها: أخبرني جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسى، عن أبي علي محمّد بن همام الإسكافي، قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدّثنا أحمد بن إسحاق بن سعد القمي، قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمّد صلوات الله عليه، في يومٍ من الأيّام، فقلت: يا سيّدي، أنا أغيب وأشهد ولا يتهيّأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كلّ وقت، فقول من نقبل؟ وأمر من نمتثل؟ فقال لي صلوات الله عليه: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدّاه إليكم فعنّي يؤدّيه. فلما مضى أبو الحسن عليه السلام، وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري عليه السلام ذات يوم، فقلت له عليه السلام مثل قولي لأبيه، فقال لي: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدى إليكم فعنّي يؤدّيه. قال أبو محمّد هارون: قال أبو علي: قال أبو العباس الحميري: فكنا كثيراً ما نتذاكر هذا القول ونتواصف جلالة محلّ أبي عمرو([9]).
فهذه الرواية التي وصفها السيد الخوئي وغيره بأنّها صحيحة السند([10])، تغيّر من تركيبة موضع الشاهد، وهو تغيير قد يؤثر في الاستنتاج النهائي الذي يريده الصدر، كما سوف يأتي الحديث عنه، ويفتح على احتمال أنّ النصّ الحقيقي الصادر كان مختلفاً، ولو بفارق بسيط مؤثر في الدلالة، فكيف يُدّعى الاطمئنان بالصدور بحيث عندما نستند لموضع الشاهد فنحن نستند لما هو صادر يقيناً بهذه الطريقة التي يستدلّ بها هنا حسب الفرض؟!
التعليق الرابع: إنّ الحديث عن مستوى التديّن في ذلك الزمان وارتفاعه عمّا هي الحال عليه في زماننا، لا يخلو من غرابة، فنحن لا نرتاب في جلالة متديّني تلك الأزمنة وشدّة المصاعب التي مرّوا بها، لكن كيف نظنّ ـ فضلاً عن أن نقطع ـ بأرفعيّة تديّنهم، ومن أين عرفنا هذه المعادلة؟ إنّ جزماً بهذا الأمر يحتاج إما إلى نصّ من الله تعالى ورسوله وأوليائه ـ كما قيل في حقّ أصحاب الحسين% ـ أو إلى معاشرة العهدين، وإلا كيف يحصل لنا هذا المفهوم أو كيف يتبلور؟ وعلى السيد الصدر أن يقدّم شواهد على هذه الدعوى الكبيرة، من قال ـ وهذه وجهة نظر شخصيّة ـ أنّ الحميري وأحمد بن إسحاق أكثر تديّناً من السيد الخميني أو السيد علي القاضي أو السيد بحر العلوم أو العلامة الطباطبائي أو السيد الصدر أو آلاف ممّن بذلوا مهجهم وكلّ ما عندهم حبّاً لله ورسوله؟ وقد رأينا بالحسّ والمعاشرة من شهداء ومجاهدي الإسلام في هذا الزمان العجب العجاب من الإخلاص والتفاني والتديّن والإيمان.
أعتقد أننا بحاجة إلى الكثير من الدراسات لتأكيد هذه المقولة، ومجرّد أنّ مدح الإمام المعصوم فلاناً أو فلاناً لا يعني أنهم صاروا أفضل ممّن جاء بعدهم، ولعلّه لو كان المتأخّرون أحياء في حياة المعصومين وظهورهم لصدرت في حقّهم ألوان مدحٍ أكثر من ذلك، ولعلّ الحالة النفسية في التعامل مع الماضي والماضين تلعب دوراً في مثل هذه الاستنتاجات.
التعليق الخامس: إنّ الحديث عن بُعد احتمال كذب الابن في نقله عن والده، وهو عبد الله الحميري، ليس وجيهاً؛ فالسيّد الشهيد اعتبر أنّ هذه الرواية ليس فيها مدح للحميري الأب، مع أنّها تحوي مدحاً، فهي تثبت أنّه بقي على إمامة الإمام المهدي، وأنه إماميّ إثنا عشري، وهذا الموضوع من الموضوعات السجاليّة آنذاك، فلعلّ الابن يريد مدح الوالد بعلاقته بالعمري وبأنّه كان إمامياً كامل العقيدة، وليس من الضروري أن يكون المدح بوجود نصّ في الرواية على المدح.
يضاف إلى ذلك، ما المانع في أن يحاول الابن الاستفادة من مكانة والده ـ وربما كان الوالدُ متوفّى حين الرواية ـ كي يثبت هو نفسه مطلباً عقائدياً يقتنع هو به، ولعلّ والده مقتنعٌ به أيضاً، غايته لم يسبق أن حدّثه بهذه القصّة بخصوصها، ففرضية بُعد كذب الابن على الأب في غير مدح الأب غير واضحة أيضاً.
التعليق السادس: إنّ فرضيّة الكذب لا يمكن نفيها هنا ما دام موضوع الكلام يجرّ مصلحة عقديّة على الأطراف التي نقلت هذه الرواية، وهذه المصلحة هي أنّهم كانوا مقتنعين بولادة الإمام وأنّه حيّ يُرزق، وأنّ العمري ـ الأب والابن ـ من السفراء، في مقابل جماعات شيعيّة أخرى كان لها موقف آخر كالنصيريّة وأتباع جعفر والعبرتائي وغيرهم([11])، فلعلّ هؤلاء وضعوا هذه الرواية وأمثالها لتعظيم مكانة العمري أو إثبات سفارة ابنه وجلالته ـ لأنّ الرواية رويت بعد وفاة العمري الأب بقرينة التعبير عنه برحمه الله ـ أو إثبات ولادة الإمام وأنّه حيّ؛ حسبةً وتقرّباً إلى الله، بحيث كانوا يرون في نقل هذا الحديث المخترع مصلحةً دينيّة، فما هو الذي ينفي مثل هذه الاحتمالات في موضوعٍ إشكاليّ ضاغط في تلك الفترة قد يتلمّسون له عنواناً ثانويّاً للكذب لحاجة المعتقد الصحيح إلى ذلك، وتكثر الدواعي فيه إلى الكذب، وبعبارة أخرى: إنّ دواعي الكذب هنا متوفّرة حقيقةً أفلا يؤثر ذلك على الوثوق بالصدور ودرجته؟! ونحن لا نريد إثبات الكذب ولا سلب عنوان الوثاقة عن الرواة مطلقاً، بل نريد جعل مثل هذه الدواعي الواقعيّة فرصاً احتماليّة لخفض معدّل اليقين بالصدور في خبر آحادي لا تتعدّد أسانيده ولا مصادره، إذ مصدره الوحيد هو الكليني بهذا السند الوحيد.
وهذا التعليق منّا منسجم تماماً مع نظريّة الصدر في الوثوق الوثاقتي كما قلنا.
التعليق السابع: إنّ أصالة عدم الغفلة العقلائية تجري في كلّ الرواة، وهي تفيد الظنّ النوعي بعدم خطأ الراوي، لكنّها لا تُنتج يقيناً، وإنما المفيد هو المعلومات الإضافيّة عليها، وكيف نعرف دقّة كلّ هؤلاء الرواة في النقل حتى لو ثبت أصل صدقهم؟ كما أنّ ورود روايات أخر تدلّ على حجية خبر الواحد لا يجعلنا نطمئنّ بصدور هذه الرواية؛ لأنّها لا تحوي فقط موضوع حجّية الخبر، بل فيها مطالب كثيرة أخرى، ومجرّد موافقة بعض المضمون لا يعني الاطمئنان بالصدور هنا، وإلا لزم أن نطمئنّ بصدور الكثير من الروايات لدعم بعض مضمونها من جانب روايات أخر، نعم يحصل اطمئنان بالمضمون المشترك بوصفه مضموناً مشتركاً لا أنّه يحصل اطمئنان بصدور إحدى الروايات بعينها، ومن ثمّ لابدّ من البحث عن المضمون المشترك هل يثبت مراد الصدر في حجية خبر الواحد أو لا؟ فتأمّل جيداً.
قد تقول: إنكم حلّلتم كلّ مفردة على حدة من المفردات التي ذكرها السيد الشهيد، ولعلّ مناقشاتكم في محلّها، لكنّ مطلب السيد الصدر كان ضمّ جملة هذه الشواهد إلى بعضها لدعم نظريّته في الاطمئنان بالصدور، فما فعلتموه قد لا يكون دقيقاً.
لكنّ هذا الكلام بنفسه غير دقيق، فنحن نعمد إلى كلّ مفردة لتقليل القدر الاحتمالي الذي تعطيه، وبجمع هذا القدر في هذا الشاهد وذاك تنخفض نسبة الاحتمال في المجموع، فكما راكم الصدر الاحتمالات في الشواهد، فنحن نخفّفها لتعجز بعد المراكمة عن إفادة اليقين.
وإنّني استبعد أن يطبّق السيد الصدر ما قاله هنا في كثير من الروايات التي وقع في طريقها أربعة أو خمسة من كبار الثقات، وإلا لرأينا له ادّعاء الاطمئنان بصدور جملة من الروايات بهذه الطريقة، فراجع الأسانيد لترى ذلك، وأنّ مثل هذه الدعوى لو صحّت للزم تكرارها في مواضع كثيرة.
التعليق الثامن: لعلّ من مضعّفات الرواية ما جاء في مضمونها الذي جعلنا نتحيّر في أمره رغم وروده في جملة روايات عند الشيعة؛ ففي آخر الرواية يسأل الحميري أبا عمرو ـ بعد أن تأكّد من أنّه رأى الإمام المهدي ـ عن الاسم، فيجيبه العمري بحرمة السؤال عنه معلّلاً، عبر الفاء، بأنّ الحسن العسكري% قد مات، وفي ظنّ السلطان أنه لا عقب له، فإذا قلت لكم الاسم وقع الطلب، وتمّت ملاحقة الإمام المهدي..
ونحن نعرف أنّه قد وقع خلافٌ بين العلماء في مسألة الاسم:
أ ـ ففريق حرّم ذكره تعبّداً مطلقاً.
ب ـ وفريقٌ آخر فصّل ما بين فترة ما قبل الظهور فيحرم ذكر الاسم، وفترة ما بعده فيجوز، ولعلّه يرجع إلى الرأي الثالث الآتي.
ج ـ وفريقٌ ثالث فصّل ما بين حالة الخوف على الإمام المهدي ـ وغيره ـ فلا يجوز إذاعة الاسم حفظاً لحياته، وبين ارتفاع حالة الخوف هذه ـ كما في عصرنا الحاضر ـ فيجوز ذكر الاسم([12]).
د ـ وفريق رابع فصّل ما بين الغيبة الصغرى فيحرم، والغيبة الكبرى فيجوز، ولعلّه يرجع للفريق الثالث.
هـ ـ فيما قال فريق خامس بكراهة ذكر الاسم مع عدم الخوف وحرمته مع الخوف([13]).
و ـ كما ويوجد رأي سادس بالتفصيل بين ذكر اسمه أمام الناس والملأ وذكر اسمه في مجلس خاصّ أو بين الإنسان ونفسه، ولعلّه يرجع إلى الرأي الثالث أيضاً، ووردت فيه بعض التعابير في الرواية المنقولة.
ز ـ وهناك رأي سابع في التفصيل بين الأئمّة وغيرهم، فيجوز للأئمّة ذكر اسمه دون سائر الناس.
ومن هذا كلّه، رأينا أنّ بعض العلماء لا يذكرون إلا صفاته كالحجّة والقائم والمنتظر والمهدي، وبعضهم إذا كتبوا اسمه كتبوه مقطّعاً (م ح م د).
والسبب في اختلاف الآراء هو اختلاف الروايات، فبعضها مطلق، وبعضها ـ مثل الرواية التي نحن بصددها ـ يربط الموضوع بالخوف، وبعض الروايات تسمّيه صريحاً، وبعضها ينصّ على النهي عن ذكره أمام الناس والملأ، وبعضها يبيّن أنّ الحرمة إلى عصر الظهور، وقد عقد الحرّ العاملي باباً مستقلاً لهذا الأمر، وهو الباب 33 من كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتوصّل فيه إلى التفصيل بين حالة التقية والخوف وعدمهما، مستنداً بشكل واضح إلى الأحاديث الكثيرة جداً في الزيارات والنصوص والدعوات والتعقيبات وغيرها مما لم يُشِر إليه([14]).
وليس بحثنا هنا في هذا الموضوع، لكن نريد تحليل الرواية التي نحن فيها ـ وليس مطلق روايات ذكر الاسم ـ وفقاً لهذا الموضوع؛ لأنّه يؤثر على درجة صدقيّة الرواية واليقين بصدورها بالطريقة التي صدرت فيها.
وبناءً عليه، نحاول تحليل الرواية هنا، فما هو المراد من الاسم؟
ربما أمكننا طرح أكثر من احتمال، وإن كان بعضها بعيداً، فيما بعضها الآخر أقرب:
الاحتمال الأوّل: أن يكون المراد من الاسم هو ما يُعرف باسم الرجل الحقيقي، مثل (محمّد) بالنسبة إلى الإمام المهدي، فيكون المقصود لا تسمّوه باسمه، أي لا تقولوا: محمّد.
وهذا التفسير هو المعنى المتبادر إلى الذهن من روايات باب الاسم، ويظهر أنّ أغلب من اشتغل بهذا الموضوع إن لم يكن جميعهم فهموا هذا المعنى، بل يبعد جداً إرادة غيره، ففي صحيحة ابن رئاب عن أبي عبد الله%، قال: «صاحب هذا الأمر (رجل) لا يسمّيه باسمه إلا كافر»([15])، حيث لا يفهم لهذه الجملة معنى سوى التسمية المتعارفة.
وطبقاً لهذا التفسير، يمكن فهم أنّ هذا الحكم تعبّدي، لحكمةٍ أو علّةٍ لا نعلمها، ومن ثم نقبل بالروايات التي دلّت على هذا الأمر بوصفها تبيّن حكماً تعبّديّاً مطلقاً خاصّاً بالإمام المهدي، لكنّنا نوجّه سؤالاً إلى رواية الحميري وأمثالها التي ربطت التسمية بالخوف: ما المشكلة في التسمية؟ فإذا قلت: إنّ الإمام المهدي محمد بن الحسن سيخرج في آخر الزمان، وكان قولي هذا في عصر الغيبة الصغرى، فماذا سيتضرّر الإمام، وهناك الآلاف ممّن اسمهم محمد ـ بل اسمهم أيضاً محمّد بن الحسن ـ فكيف ستعرفه الدولة العباسيّة؟! ثم إذا جاز لأهل البيت التقيّة في بيان الأحكام بحيث يبيّنونها على خلاف الواقع للتقيّة، ألا يجوز للإمام المهدي أن إذا سُئل عن اسمه أن يقول غير اسمه الحقيقي، وهل كانت هناك أوراق ثبوتية وهويّات شخصية وكشف بالبصمات أو العين حتى يعرفوه؟! ألم يكن بإمكانه ـ بل من المتوقّع ـ أن يظهر بين الناس بغير اسمه الحقيقي فيصبح معروفاً به؟ فأيّ معنى للربط بين الاسم وطلب السلطان ماداموا لا يعرفون شخصه وشكله ومكانه.
إنّ صحيحة ابن رئاب وأمثالها أخفّ وطأةً من صحيحة الحميري؛ لأنّ الأولى مطلقة يمكن تصوّر التعبّد فيها، كما ذهب إليه بعض المحدّثين، أما الثانية فهي صريحة في ربط التسمية بالطلب والخوف، فأيّ معنى لها حينئذ؟!
ثم ألم يقل هو نفسه في السطر نفسه الذي تحدّث فيه عن هذا الموضوع بأنّ الإمام العسكري هو «أبا محمد» فذكر اسم الولد؟! إلا أن يقال: إنها مجرّد كنية تكنّي بها العرب حتى لو لم يكن عند الرجل ولد، بل قد تبقى عليه حتى لو سمّى ابنه الأكبر غير ذلك، مثل أبي عبد الله الصادق مع أنّ ولده الأكبر هو إسماعيل.
كما أنّ من حقّنا أن نسأل ـ مع كلّ هذه الروايات الهائلة التي سمّت اسم المهدي في مختلف أبواب الحديث والزيارات (مثل حديث: إسمه إسمي، وكنيته كنيتي المشهور) ـ: ألم يسمع أحدٌ اسمه في روايةٍ من الحاضرين، وهم خلّص الأصحاب وأقرب المقرّبين؟! وابن إسحاق من خاصّة الإمام العسكري، ألم يبلغهم خبر الأئمّة الاثني عشر وفيه ذكر الأسماء؟! فلماذا يسألون عن الاسم هنا بهذا المعنى، والمفروض أنّ أمثال هؤلاء يعرفونه بإسمه؟! بل لو اُريد النهي عن اسمه فكيف نفسّر ورود اسمه في عشرات الروايات في مختلف مجالات الزيارات وأبواب العقائد وغيرها؟ ألا تعارض تلك الروايات صحيحةَ العمري هنا ممّا يؤثر في قوّة الوثوق بصدورها؟ هذا على تقدير الاسم بمعنى اسمه الحقيقي واسم أبيه كذلك و..
الاحتمال الثاني: أنّ المراد من تحريم الاسم هو تحريمه مع بيان أنّه قد وُلد، فيكون تحريم الاسم طريقاً لتحريم بيان وقوع ولادته، لا أنّه تحريمٌ في نفسه، فضلاً عن التفصيل فيه.
وهذا المعنى لو تمّ في نفسه، ولا تتحمّله جملةٌ من الروايات، فهو غير ممكن هنا في رواية الحميري؛ لأنّ المفروض أنّ العمري قد صرّح لهم بولادته في الرواية نفسها، وأكّد لهم ذلك، فكيف يمكن فهم هذا المعنى من صحيحة الحميري هذه؟!
الاحتمال الثالث: أن يُقصد بالتسمية التعريف بشخصه، أي علِّمه لنا، بحيث إذا رأيناه نعرفه، أو أرشدنا إليه وحدّد لنا مكانه ومعالمه، وذلك من الاسم وهو العلامة. ولعلّ من ملحقات هذا الاحتمال أن يراد بالاسمِ الاسمُ المستعار الذي كان يُعرف به الإمام، بحيث لو قاله لهم لعرفوا أنّه فلان الموجود بينهم أو الموجود في سامراء أو بغداد ويعرفه الناس.
وهنا يغدو إخفاء الاسم منطقيّاً جداً، لكنّ الرواية تواجه مشاكل:
أ ـ إنّ ضمّ روايات الاسم إلى بعضها بعضاً يُبعد هذا الاحتمال جداً، فمعنى الاسم في هذه الحال هو أنّهم يريدون أن يعرفوا الإمام بحيث يمكنهم اللقاء به والتعرّف عليه، فكأنّهم يريدون اللقاء به والانكشاف بينهم وبينه، أو يريدون معرفته بحيث لو رأوه عرفوا أنّه هو، وهذا لا يعبّر عنه ـ عرفاً ـ بطلب معرفة الاسم، بل يقال: دلّنا عليه، أو من هو من بيننا في الأزقّة والأسواق، وهو ما لا يناسبه التعليل بأنّ السلطان لا يعرف أنّ له ولداً، بل يناسبه أن يقول: لو قلت لكم ذلك لزاد عدد الذين يعرفون شخصه، وهذا فيه خطر عليه شخصيّاً، فتركيبة الرواية غير مقنعة في هذا المقطع.
أيضاً بعض روايات الاسم وردت عن أئمّة سابقين، ولا يحتمل فيها هذا المعنى، ولا يمكن غضّ الطرف عن سائر روايات القضيّة؛ لأنّها ترجع لموضوع واحد، ففي صحيحة أبي هاشم الجعفري عن الإمام الجواد: «وأشهد على رجل من ولد الحسن لا يكنّى ولا يسمّى، حتى يظهر أمره فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً»([16]). وفي خبر داود بن القاسم أيضاً جاء: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: «الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟» فقلت: ولم جعلني الله فداك؟ فقال: «إنكم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه»، فقلت: فكيف نذكره؟ فقال: «قولوا: الحجّة من آل محمّد عليهم السلام»([17]). وفي خبر أبي خالد الكابلي عن الإمام الباقر، أنّ الكابلي قال له: جعلت فداك، قد عرفت انقطاعي إلى أبيك وأنسي به ووحشتي من الناس. قال: «صدقت ـ يا أبا خالد ـ فتريد ماذا؟»، قلت: جعلت فداك، لقد وصف لي أبوك صاحب هذا الأمر بصفة لو رأيته في بعض الطرق لأخذت بيده. قال: «فتريد ماذا، يا أبا خالد؟» قلت: أريد أن تسمّيه لي حتى أعرفه باسمه. فقال: «سألتني والله ـ يا أبا خالد ـ عن سؤال مجهد، ولقد سألتني عن أمرٍ ما كنت محدّثاً به أحداً، ولو كنت محدّثاً به أحداً لحدّثتك، ولقد سألتني عن أمر لو أنّ بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطّعوه بضعة بضعة»([18]). وفي خبر جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام، يقول: «سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: أخبرني عن المهدي ما اسمه؟ فقال: أمّا اسمه فإنّ حبيبي شهد إليّ أن لا أحدّث باسمه حتى يبعثه الله. قال: فأخبرني عن صفته. قال: هو شاب مربوع، حسن الوجه، حسن الشعر، يسيل شعره على منكبيه، ونور وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الإماء»([19]).
فمثل هذه النصوص ـ وبعضها يجمع بين التوصيف وعدم الاسم ـ تبعد هذا الاحتمال في تفسير الاسم، ولهذا نجد شبه إطباق من العلماء على فهم الاسم بمعناه اللغوي والعرفي المتداول، ومن هنا لمّا ذكر الصدوق رواية ورد فيها اسم المهدي علّق فقال: جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم عليه السلام والذي أذهب إليه النهي عن تسميته عليه السلام([20]).
ب ـ إنّ رواية الحميري لما برّرت مسألة الاسم وقعت في تناقضٍ ما، لاسيما بناءً على هذا التفسير، فعندما سألوا العمري عن الاسم أشار إلى أنّه حرام وأنّ العباسيين لا يعرفون أنّ للعسكري ولداً، فإذا قلتُ لكم الاسم وقع الطلب، ألم يقل العمري نفسه قبل لحظة أنّه رأى الحجّة؟! أليس هذا إعلاناً للدولة العباسية أنه وُلد للعسكري ولد؟ فإذا كان الأمر أنهم لا يعرفون أنّ له ولداً فما الفرق بين أن تحدّده بعلاماته أو لا تحدّده، ما دمت قلت: إنه ليس له ولد عندهم، فما يتصوّره العباسيّون لا ربط له بالاسم، بل له ربط بإعلان أنّ له ولد، وإذا كان العمري غير متحفّظ أمام الحميري وابن إسحاق من إعلان أنه رأى الحجّة، فلماذا تحفّظ أمامهم من الاسم؟ فطبيعة تعليله وتبريره لا تنسجم مع هذا الاحتمال، بل لا تنسجم في نفسها أيضاً.
إلا إذا كان العمري يعلم بمعرفتهم بوجود الإمام لكنّه لا يثق بكتمانهم ما سيقوله لهم من مسألة صفات الإمام وعلاماته، وهذا يضرّ بمكانتهم، فكيف لا يثق العمري بهم في قضيّة تتصل بسلامة إمامهم الشخصيّة، وهم خُلّص الشيعة، والمفروض أنّه وثق بهم في كشف نفسه أمامهم([21])، بوصفه سفيراً للإمام وفي كشفه وجود ولد للعسكري قد وُلد فعلاً؟ ألا يفضي ذلك إلى بعض التساؤل فيهم وفيه؟ ثم حتى لو أعطاهم بعض العلامات، هل هناك ميزات في جسد الإمام تجعله يمتاز من بين مئات آلاف الناس؟!
ومع هذا التردّد في الأمر، ألا يحتمل أنّ خطأً حصل في نقل الرواية أو في بعض فقراتها من زيادة كلمة أو نقصانها عن عمد أو غير عمد، بحيث يؤثر ذلك في علمنا بصدور موضع الشاهد هنا بالدقّة التي ورد فيها؟ ألا يضعها ذلك كلّه أمام شيء من التعارض مع سائر روايات الاسم الأمر الذي يؤثر بشكل تلقائي على درجة اليقين بالصدور؟ وإذا كان كذلك كيف يحصل اطمئنان بعدم خطأ الرواة في مقطعٍ آخر منها؟ إنّه يكفي التردّد في هذا الموضوع لإسقاط الاطمئنان بالرواية، لاسيما مع طولها وعدم وجود أيّ مؤشر دالّ فيها على الكتابة والتدوين.
فالصحيح صعوبة تحصيل اطمئنان شخصي بصدور هذه الرواية بعينها بهذه الطريقة دون وقوع خطأ فيها إطلاقاً متعمّداً كان أو غير متعمّد، فغاية ما في الأمر حصول اطمئنان بأصل صدورها، أمّا دعوى الاطمئنان بصدورها بالدقّة في التعابير التي تحويها بحيث نستعين بها في إثبات حجيّة الخبر ـ وسيأتي كم أنّ الاستدلال بها على حجيّة الخبر دقيق وبحاجة لطريقة خاصّة في التعبير، بحيث لو غيّرنا كلمة أو كلمتين في موضع الشاهد سوف يختل الاستدلال تماماً ـ .. دعوى الاطمئنان عسيرة جداً، فنقول فيها ما قاله السيد الخميني في نهج البلاغة والصحيفة السجادية([22])، من حصول الوثوق بنسبتهما للإمام علي والإمام زين العابدين، لكنّ هذا غير حصول الوثوق بنسبة كلّ مقطع أو جملة منهما لهذين الإمامين. هذا كلّه في الدراسة السندية الصدوريّة.
19 ـ 3 ـ دلالات خبر الحميري على حجية خبر الثقة، ملاحظات ووقفات
ب ـ وأما الدراسة الدلالية، فنستعرض أولاً نظريّة السيد الصدر، ثم نعلّق عليها.
تذهب نظرية محمد باقر الصدر هنا إلى أنّ في هذا الحديث فقرتين تمثلان موضع الشاهد، ندرسهما بالترتيب:
الفقرة الأولى: وهي: «العمري ثقتي فما أدى إليك عنّي فعني يؤدي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع؛ فإنه الثقة المأمون».
فهذه الفقرة فيها صدر، وفيها ذيل تعليلي، أما الصدر فهو غير دالّ على شيء هنا؛ إذ يدلّ أزيد ما يدلّ على حجية ثقة الإمام «ثقتي»، وقد تقدّم أنّ الروايات التي من هذا النوع لا تفيد حجيّة خبر الواحد. وأما الذيل «فإنّه الثقة المأمون» فهو يوسّع الدائرة، لتصبح الحجية ثابتة لكلّ ثقة مأمون، وهذا هو المطلوب.
وقد يناقش في هذا الاستنتاج من جهات:
الجهة الأولى: إنّ هذا التعليل متفرّع على صدر الرواية، ففي صدر الرواية حديث عن مرتبة عالية من الوثاقة «ثقتي»، وهذا معناه أنه عندما يطلب الإمام الائتمار لأمر ثقته، ثم يعلّل ذلك بأنه الثقة المأمون فهو لا يريد مطلق الثقة، بل مكانة خاصّة من الوثاقة.
وهذه المناقشة مردودة بأنه حتى لو كان الصدر كذلك، إلا أنّ ذلك لا يمنع من عموم التعليل؛ لأنّ ظاهره الإشارة إلى كبرى أوسع نطاقاً من الصدر، وهي قاعدة كلّية عامّة مرتكزة، ومثل هذا كثير الحصول في النصوص المعلّلة بكبرى عامّة.
الجهة الثانية: إنّ التعليل ورد بعنوان «الثقة المأمون»، واللام هنا تدلّ على الكمال، فهي مثل قولك: فلان هو الفقيه العالم، في إشارة إلى كمال فقاهته وعلمه، ومعنى ذلك اختصاص التعليل نفسه ـ بقطع النظر عن الصدر ـ بمرتبة خاصّة من الوثاقة والتي يحصل الاطمئنان منها عادةً.
ويجاب عن هذه المناقشة بأنّها اجتهاد من متخصّصي العربية؛ إذ لا نحتمل أنّ اللام موضوعة للكمال، بل هي تعني الجنس والعهد، وإنما استفيد الكمال من حيث حمل اسم الجنس المعرّف باللام على شخص بعينه، أي حمل «الثقة» على رجل ما، وحيث لا معهودية هنا ولا جنسية أشعرَ ذلك بإفادة الكمال، لكنّ ذلك غير دقيق؛ إذ لعلّ المراد وضوح مصداقيّة الفرد المشار إليه للجنس وانطباقه عليه إثباتاً.
الجهة الثالثة: إنّه يحتمل أن يكون الإرجاع هنا إرجاعاً إلى المقلّد لأخذ الفتوى، لا إلى الراوي لأخذ الرواية، والقرينة على ذلك كلمة «وأطع»، فإنّ الراوي لا يطاع وإنما الذي يُطاع هو المفتي، فهذا ما يوجب خروج الرواية عن مورد البحث من رأس.
ويجاب عن هذه المناقشة بأنّه اذا لم تكن كلمة الإطاعة مناسبة للرواية فهي أيضاً غير مناسبة للإفتاء؛ إذ لا الراوي يُطاع ولا المفتي، إنما من يصدق في حقه عنوان الإطاعة هو الحاكم والوالي، وحيث إنّ الرواية ليست بهذا الصدد فيكون المراد الاستماع إلى الروايات التي ينقلها والأخذ بها وتصديقها والعمل بمضمونها، ويشهد لذلك أنّ الشخص الذي قال له الإمام: «أطع»، هو أحمد بن إسحاق، وهو من خاصّة الأئمة العلماء الفقهاء المعروفين، فيبعد أن يكون المراد أن يؤمر بتقليد العمري، فإنّ التقليد رجوع الجاهل إلى العالم، لا العالم إلى مثله.
فالصحيح شمول الرواية للفتوى والرواية معاً، كلّ بحسبه.
وعليه، فهذه الفقرة دالّة على قاعدة حجيّة خبر الثقة.
الفقرة الثانية: «العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤديان، وما قالا لك عنّي فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان».
وهذه الفقرة أظهر من الفقرة السابقة في الدلالة، وعلى تقدير وجود إجمال في الفقرة السابقة فهو لا يسري إلى هذه الفقرة؛ لأنّ كلاً منهما جملة مستقلّة صدرت عن إمام غير الإمام الذي قال الفقرة الأخرى؛ إذ إحداهما عن الإمام الهادي والأخرى عن الإمام العسكري.
وتقريب الاستدلال صار واضحاً مما تقدّم، لاسيما مع عدم وجود كلمة «ثقتي»، وإذا كانت الفقرة السابقة إعلاناً لسفارة العمري فإنّ هذه الفقرة ليس فيها ذلك؛ لأنّ العمري وابنه لم يكونا معاً سفيرين، وإنما صار الابن سفيراً بعد أبيه. وبهذا ظهر دلالة هذه الرواية بفقرتيها على حجيّة خبر مطلق الثقة([23]).
كانت هذه هي عصارة نظريّة الصدر في التفسير الدلالي لهذا الحديث.
وقد سجّلت هنا ـ وتُسجّل ـ عدّة مناقشات على استدلال السيد الصدر، تصلح في الجملة لهدم هذا الاستدلال برمّته، وأهمّها:
المناقشة الأولى: ما ذكره اُستاذنا السيد محمود الهاشمي، من أنّه لا يُراد من وصف الوثاقة في مقطَعَي الرواية الوثاقةُ الأصوليّة، بل الإشارة إلى شرف الوكالة والنيابة، والذي يشهد على ذلك شدّة اهتمام الحميري بنقل هذا الأمر للعمري بوصف ذلك مقدّمةً لاستجواب العمري، وردّة الفعل التي أبداها العمري من البكاء والسجود، فهذا لا يناسب مجرّد الوثاقة في الأخبار مثله مثل أيّ ثقة آخر([24]).
وهذه الملاحظة لوحدها لا تكفي؛ إذ لا مانع من أن يكون كلام الحميري هذا بياناً لشهادة الإمامَين بوثاقة العمري، فكأنّ الحميري يريد أن يبيّن للعمري أنّ هناك إمامين نصّا على وثاقتك وتصديقك فيما تقول، ونحن لهذا جئنا نسألك عن رؤيتك للإمام المهدي، ذاك الموضوع البالغ الحساسية في تلك الفترة، ومن الطبيعي أن يخرّ العمري ساجداً باكياً؛ لأنّ الرواية التي جاء فيها ذكره عن الإمام الهادي%، ورد فيها التعبير بـ«ثقتي»، وهذا بيان لمرتبة جليلة له، حتى لو كان مقطع الشاهد بالنسبة إلينا هو ذيل الرواية.
وحاصل القول: إنّ الكشف عن صدق الرجل بنصّ إمامين والإعلان ضمناً أنّ الحاضرين سوف يرتّبون أثراً على كلام العمري فيما يخبرهم من موضوع خطير، مضافاً إلى تعبير «ثقتي» وشهادة الإمام نفسه بصدق الرجل وأمانته، من الطبيعي أن تدفع لمحاولة استجواب العمري من جانب الحميري، كما تؤدّي إلى بكاء العمري نفسه أيضاً، إن فرضنا أنّ نفس البكاء كان على ذلك، فلا موجب لتحميل هذا المقطع من المشهد الذي تقدّمه الرواية أكثر مما يتحمّل.
المناقشة الثانية: ما ذكره الاُستاذ الهاشمي أيضاً، من أنّ تفسير السيد الصدر للام الداخلة على كلمة ثقة «الثقة المأمون» بأنها إشارة إلى كون العمري واضح المصداقيّة للعنوان، شيء لا يُفهم إلا في سياق كمال الرجل وبلوغه مرتبة عالية من الوثاقة واقعاً؛ وإلا فكيف صار من أوضح مصاديق الوثاقة أو من المصاديق الواضحة، من هنا كان هذا التعبير مفيداً للمبالغة في إشارة إلى كونه مصداقاً بارزاً للوثاقة، فلا تشمل الرواية مطلق الثقة، بل مرتبة عالية من الوثاقة، فلا تدلّ على المطلوب([25]).
وهذه الملاحظة قد لا تكون موفّقة، بمعنى أنّه عندما يقول الإمام: «فإنّه الثقة المأمون» لا مانع من أن يريد فقط أن يبدي أنّ العمري مصداق لمطلق الثقة، ولا يعني ذلك كمال الوثاقة ومنتهاها كما حاول أن يفهمه أستاذنا الهاشمي حفظه الله، بل تفيد مزيد اهتمام بالرجل ووضوح وثاقته، فالمبالغة الموجودة في النصّ جاءت من شهادة الإمام بوثاقة شخص لا من الجملة عينها، أو فقل من تأكيد وثاقة الرجل لا تبيين علوّ وثاقته، فإنّ تأكيد الوثاقة غير بيان درجتها، ولا أقلّ من أنّ ما يريده السيد الهاشمي يحتاج هو إلى مزيد مؤونة، والأصل عدمها. بل من المحتمل أنّ دخول الألف واللام كان لمعروفيّة وثاقة العمري عند السامعين، ومعلوميّة حجيّة خبر الثقة عندهم، ومن ثمّ تكون أشبه بالعهد، فكأنّه قال لهم: اسمع للعمري وأطع؛ لأنّه ذاك الثقة المأمون المركوز في أذهانكم أنّه يُرجع إليه ويؤخذ بقوله.
المناقشة الثالثة: ما ذكره الاُستاذ الهاشمي أيضاً، من أننا نحتمل قوياً أنّ ذيل الرواية جاء لبيان شهادة الإمام بوثاقة الرجل لا أكثر، فهي ليست بصدد بيان قاعدة عامّة، بل بصدد شهادة خارجيّة في حقّه، فحيث كان ظاهرها القضيّة الخارجية لم يعد يمكن الاستناد إليها هنا([26]).
وهذا الكلام غير واضح بعد بيان السيد الشهيد؛ فإنّ دخول الفاء على جملة: «فإنه الثقة..» و «فإنهما الثقتان..» ظاهر في إفادة تعليل لزوم السمع والطاعة لهما، وهذا التعليل لا يصحّ بقضية خبريّة خارجية إلا إذا كان مرتكزاً في أذهان المخاطبين أنّ وصف الثقة المأمون يترتب عليه آثار عدّة، وأنّ من نتائجه لزوم السمع له والأخذ بقوله، وإلا فلماذا كُرّرت هاتان الجملتان في ذيل الخبرين، مع أنّ شهادة الإمام بوثاقة العمري وابنه بوصفها بياناً لقضيّة خارجية قد حصلت في صدر كلتا الروايتين: «العمري ثقتي» و«العمري وابنه ثقتان»، فما الموجب للتكرار مرّةً اُخرى؟!
المناقشة الرابعة: ما ذكره الاُستاذ الهاشمي أيضاً، من أنّ إحالة أحمد بن إسحاق، وهو الفقيه المطّلع على أصول أصحاب الأئمة( والراوي المعروف الأوسع معرفةً بنصوص أهل البيت من العمري نفسه، لا يُقصد منها إحالة شخص لا يعرف الروايات إلى من يعرفها ليطّلع عليها من رجل ثقة، فحال الرجلين شاهد على بُعد هذا الاحتمال، وهذا معناه أنّ الإمامين: الهادي والعسكري، كانا يريدان إعلان وكالة العمري وجعله قائماً مكانهما في القضايا السياسية والاجتماعية، حيث كان يصعب على أهل البيت التصدّي لذلك علناً، وهذا هو المناسب لكلّ سياق الرواية، مما يعيق فهم حجيّة مطلق خبر الثقة منها([27]).
وهذه الملاحظة في غاية الجودة مع تتميم وتوضيح، فالعمري لم تعرفه مصادر الحديث الشيعي راوياً ومحدّثاً، بل كان الكليني، والحميري ـ الابن والأب ـ ومحمد بن يحيى العطار، وأحمد بن إسحاق أكثر روايةً منه بكثير جداً، كما تشهد على ذلك المصنّفات الحديثية الشيعية بل والإسلاميّة، يضاف إلى ذلك أنّ كتب الفهارس والتراجم والمشيخات والرجال الرئيسة لم تعرّف العمري بكونه راوياً ومحدّثاً وفقيهاً وصاحب مصنّفات، يَعرف ذلك من راجعها، وحتى سائر السفراء كان هذا حالهم تقريباً، فهذا الحسين بن روح النوبختي يرسل كتاباً فيه أحاديث إلى قم ليسأل عن صحّتها، وهذه كلّها شواهد على أنّ السفراء لم يكونوا ـ في الغالب ـ واسطةً علميّة أو حديثيّة، بل إدارية وماليّة ونحوها، يعزّز ذلك أيضاً أنّنا لم نجد الشيعة يسألون العمري وابنه مسائلَ شرعيّة، بل كانوا يجعلونهم وسائط نقل الرسائل وقضايا المال كما هو المعروف في الروايات التاريخيّة.
فلا يتصوّر أنّ إحالة رجل مثل أحمد بن إسحاق في عصر العسكريّين ـ وهو راوية من خواصّ الإمام العسكري ـ إلى العمريّين، إحالةٌ على مصدر رواية بحت، بل هو شيء مختلف عن ذلك بالتأكيد لا نفهمه إلا في سياق تحميل مسؤوليات وكالة وما شابه ذلك، ولا نقصد بيان السفارة عن الإمام المهدي، فهذا أمرٌ آخر، لا معنى لصدور نصّه بشكل واضح من جانب الهادي، إنما جعله واسطةً أو أحد الوسائط في تواصل العسكريّين مع الشيعة، وهذا ما يبعّد فرضيتي: الرواية والفتوى معاً، فالموضوع ليس موضوع مطلق رواية أو فتوى كما توحيه كلمات الشهيد الصدر، بل التفويض الخاصّ في أن يكون وسيطاً بين الإمام وبعض الشيعة، وفي هذه الحال تكون أوصاف الوثاقة والإمانة ـ إلى جانب كلمتي: «ثقتي» و «أطع» ـ شواهد على أنّ المراد شخصٌ استثنائي يعدّ من خاصّة الإمام ومحلّ ثقته، توكل إليه مهمّات ميدانيّة، فيطلب الرجوع إليه لمكان أمانته الماليّة ووثاقته فيما يقوم به ويتولاه، وأين هذا من بحث حجيّة مطلق خبر الواحد الثقة؟! فالوثاقة هنا بمعنى الركون والاعتماد فهو معتمد ومأمون فيما اُوكل إليه.
وهذه الملاحظة حتى لو يُقبل بها تماماً، فلا أقلّ من أنها تعيق استظهار التقعيد الذي يتحدّث عنه السيد الصدر.
ويعزّز هذا الكلام كلّه، ما جاء في رواية محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيين، والتي رواها الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة، ونقلها عنه المجلسي في بحار الأنوار، وقد جاء فيها: «..فامضِ فأتنا بعثمان بن سعيد العمريn، فما لبثنا إلا يسيراً حتى دخل عثمان، فقال له سيدنا أبو محمد%: mامضِ يا عثمان، فإنك الوكيل والثقة المأمون على مال الله، واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال..n، ثم قلنا بأجمعنا: يا سيدنا، والله إنّ عثمان لمن خيار شيعتك، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك، وأنّه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى، قال..»([28])، ونحوها رواية أخرى عن الإمام العسكري يقول فيها متحدّثاً عن العمري في مجلس خاصّةِ الشيعة المكوّن من أربعين رجلاً: «هذا ـ أي المهدي ـ إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتمّ له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلى أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمر إليه»([29]). فإنّ تعبير الوثاقة ـ حتى لو كانت الرواية ضعيفة السند ـ استخدم هنا في الإشارة إلى أمرٍ لا ربط له بباب الرواية فقط، بل بالاعتماد والركون والتفويض في قضايا ميدانيّة وماليّة بحيث كان العمري هو المطمأنّ به من جانب المفوِّض، وهو الإمام.
وعليه، فتعبير الثقة منضمّاً بالخصوص إلى المأمون، ومع كلّ هذه الشواهد، لن يفهم بمعنى غير الكاذب فقط ليكون قوله حجّة، بل هو اعتماد على رجل أمين لتفويضه في أمور إدارية ومالية و.. بحيث يُطمأنّ إليه، وأنه لا يخاطب الشيعة بغير ما قاله له الإمام، لا أنّه ينقل رواية، وهذا سياق لا يعطي حجيّة مطلق خبر الثقة في النقل، حتى لو ورد تعبير: «ما أدّى إليك عنّي»، حيث لا يقصد هنا ما روى لك عنّي فقط، بل هذا المعنى أزيد منه، ولا أقلّ من تعارض «أطع» وسائرالشواهد مع هذا المقطع مما يفضي إلى الإجمال النسبي في الرواية.
المناقشة الخامسة: بقطع النظر عن الملاحظة السابقة، يمكننا أن نضيف شيئاً مهمّاً هنا، وهو ما لم يُشر إليه الصدر ولم يُدخله في حساباته في تفسير الرواية، وهو «فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعني يقول»، فهذا المقطع المكرّر في خبري الهادي والعسكري يكشفان عن شهادة الإمام بمطابقة ما ينقله العمري وابنه عن الهادي والعسكري لما صدر منهما، وأنهما لا يتحدّثان من عندهما، بل ممّا عند أهل البيت، فيكون وصف الوثاقة، مع ضمّ عنوان: «ثقتي» و«المأمون» تأكيداً على درجة عالية من الأمانة ترفع احتمال الكذب وأمثاله وتفيد الاطمئنان بالصدور، لاسيما مع قلّة روايات العمريّين، الأمر الذي يقلّل أيضاً من احتمال الخطأ في منقولاتهما. وكأنّ الرواية تقول: إنّ العمري وابنه ثقتان أي مركونٌ إليهما، فإنّ ما يؤديان عنّي فهو مطابق للواقع؛ لأنّها ثقتان مأمونان؛ وبذلك تصبح كلمة (ثقة) هنا درجة من الوثاقة يكون محرزاً معها مطابقة كلام الناقل للواقع، ولا أقلّ من أنّ ما قلناه يوجب الحيلولة دون فهم المعنى الأصولي العام من تعبير: الثقة.
والقول ـ كما قد يقال ـ: إنّ هذه الجملة تنزيلٌ لقولهم منزلة الواقع؛ نظراً لوثاقتهم، مما يدعم نظريّة جعل الطريقيّة للميرزا النائيني، بعيدٌ عن فهم العرف، ولا أقلّ من تساوي احتمال التنزيل وما قلناه، فتكون الرواية مجملة من هذه الناحية.
المناقشة السادسة: وهي تقع مع غضّ النظر عمّا ذكرناه في المناقشة الخامسة، وذلك أنّ ما ذكره السيّد الصدر من تساوي نسبة كلمة: أطع، للرواية والفتوى، ينتج عكس ما يريد؛ إذ طريقته في مقاربة الموضوع تفتح الباب على إمكان أن يكون هذا النصّ بصدد جعل الحكومة للعمري والولاية ولو في زمن حياتهم، فبمقتضى عدم إمكان تصدّي العسكريَّين لأمور الشيعة، نظراً للحصار الذي كان مفروضاً عليهما، يمكن فهم جعل الولاية والحكومة للعمري وابنه في عرض بعضهما للتصدّي لشؤون الشيعة مطلقاً أو في الجملة، أو لكونهما في مقام الولاية لمثل أحمد بن إسحاق، بقرينة الأمر بالإطاعة، ولو كانا أقلّ علماً منه ومن أمثاله من الفقهاء والرواة، تماماً كتولّي أسامة بن زيد الجيش وهو أقلّ علماً وسنّاً من كثير من الصحابة آنذاك، وهذا ما يُخرج الرواية هنا عن باب الفتوى والرواية معاً، ولا أقلّ من احتماله، فطريقة مقاربة الصدر لهذه النقطة تنتج عكس ما يريد، لا أنّها تُنتج الشمول للرواية والفتوى.
ولا مانع من فرض جعل الولاية في حياة الإمام كما هو واضح، كيف وقد جعلت في مثل مقبولة عمر بن حنظلة أيضاً، سواء فهمنا منها الإطلاق أم خصوص باب القضاء، رغم كون الأئمّة موجودين؛ لأنّنا لا نقصد بالولاية السفارة بمعناها الخاصّ، حتى يقال بأنّ الابن كانت سفارته بعد الأب.
وهذه مناقشة نهدف منها إرباك منهجيّة السيد الصدر في مقاربة الموضوع، فتأمّل جيداً.
لكنّ دعوى كون الرواية بصدد جعل الولاية والحكومة قد يبعّدها ـ للإنصاف ـ تعبير: ما أدّيا لك عنّي فعنّي يؤدّيان، وأمثاله؛ إذ هو ظاهر في النقل والوسطيّة، لا في الاستقلاليّة وإصدار حكم ولائي منهما، ليطاعا فيه، فلاحظ. بل تعبير الطاعة منسجم مع النقل هنا بالخصوص؛ لأنّ الرجل ينقل عن الإمام أوامره في المستجدات وغيرها فالانصياع للعمري فيما ينقل نوع طاعة عرفاً.
المناقشة السابعة: إنّه إذا تحقّق أنّ ذيل مقطعي هذه الرواية ـ كما يظهر من السيد الصدر ـ إشارة إلى كبرى كليّة مرتكزة، فإنّ هذه الرواية بنفسها لا تكشف عن هذه الكبرى الكليّة المرتكزة، ومعه فيُحتمل جداً أن تكون هذه الكبرى هي الكبرى العقلائيّة أو المتشرّعيّة، وعليه سوف يأتي أنّ هذا المرتكز يقوم على حجيّة إخبارات الثقات عند حصول الاطمئنان النوعي أو الشخصي بها لا مطلقاً. وحصولُ الاطمئنان من نقل أمثال العمري ـ مع عدم الوسائط ـ واردٌ جدّاً بعد هذه الشهادات في حقّه، ومعه فلا تُفيدنا هذه الرواية ولا غيرها من المشيرات للارتكاز، في تحقيق حجيّة مطلق خبر الثقة الظنّي، بل هي موقوفة على تحقيق حال الارتكاز.
وعليه، فخبر الحميري غير متيقّن الصدور ولا هو بالمطمأنّ بصدوره سنداً، كما أنه غير دالّ على المطلوب ظهوراً ودلالةً، فضلاً عن أنّ عبارة (فإنّه الثقة المأمون/فإنهما الثقتان المأمونان) لم ترد أصلاً في خبر الطوسي في الغيبة بالنقل عن أحمد بن إسحاق نفسه، كما تقدّم سابقاً في المناقشات السنديّة، وسيأتي بعض ما يفيد أيضاً عند الحديث عن سائر روايات هذه المجموعة، خاصّة في تحليل مفردة الثقة والوثاقة.
19 ـ 4 ـ استعراض سائر روايات الارتكاز، نقد وتفنيد
وإلى جانب هذه الرواية العمدة، هناك روايات أخر صار حالها واضحاً، وهي معدودة نذكرها:
1 ـ خبر عبد الله بن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبد الله%: إنه ليس كلّ ساعة ألقاك يمكن القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كلّ ما يسألني عنه، قال: «فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي، فإنّه قد سمع أبي وكان عنده مرضياً وجيهاً»([30]).
فهذه الرواية إرجاعٌ لابن مسلم في النقل لا في التقليد؛ لوضوح مكانة ابن أبي يعفور العلمية، ومعنى المرضيّ والوجيه هو الثقة، وكلمة «فما يمنعك» ظاهرةٌ في الفراغ عن كبرى مركوزة مسبقاً، وليست سوى حجيّة خبر الثقة، بعد أن استبعدنا أن تكون حجية الرجوع إلى العالم (مسألة التقليد).
2 ـ خبر يونس بن يعقوب، قال: كنّا عند أبي عبد الله%، فقال: «أما لكم من مفزع؟ أما لكم من مستراح تستريحون إليه؟ ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النصري»([31]).
وحالها كسابقتها، فلا نطيل.
3 ـ خبر محمد بن عيسى، عن الرضا%، قال: قلت لأبي الحسن: جعلت فداك، إني لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما أحتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ قال: «نعم»([32]).
فالسائل هنا يشير بنفسه إلى كبرى مركوزة في ذهنه أمضاها له الإمام الرضا.
4 ـ خبر علي بن المسيب، قال: قلت للرضا%: شقّتي بعيدة، ولست أصل إليك في كلّ وقت، فعمّن آخذ معالم ديني؟ فقال: «من زكريا بن آدم المأمون على الدين والدنيا»([33]) ؛ إذ الظاهر من هذه الرواية أنّ أمانة زكريا بن آدم هي الملاك في الأخذ منه.
5 ـ خبر عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعاً، عن الرضا%، قال: قلت: لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما أحتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبد الرحمن ثقةٌ آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم الدين؟ قال: «نعم»([34]).
والشاهد في الرواية مفروغيّة الأخذ عن الثقة في ذهن السائل وإقرار الإمام لهذا الارتكاز.
6 ـ خبر أبي الحسن بن تمام في قصّة كتب بني فضال، عن الإمام الحسن العسكري أنه قال: «… خذوا بما رووا، وذروا ما رأوا»([35]).
7 ـ خبر محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله%، قال: قلت له: ما بال أقوام يروون عن فلان عن فلان عن رسول الله$ لا يتهمون بالكذب فيجيء منك خلافه؟ قال: mإنّ الحديث يُنسخ كما ينسخ القرآن»([36]). فهذا الخبر يشهد على أنّ من لا يُتهم بالكذب فحديثه حجّة.
8 ـ 9 ـ 10 ـ روايات، عمر بن حنظلة([37])، ومرفوعة زرارة([38])، وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله([39]) في باب التعارض، وهي ترجّح بالأعدليّة والأوثقيّة وموافقة الكتاب.
11 ـ خبر إسحاق بن يعقوب، المعروف: «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا؛ فإنهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة الله»([40]). فهي ترجع إلى رواة الحديث ولا معنى له إلا كون خبر الثقة حجّة.
هذه هي الروايات الداعمة التي حشدها السيد الصدر، وتبلغ مع خبر الحميري اثنتي عشرة رواية([41])، استقصاها في مباحث الأصول دون البحوث، وقد أضاف إليها السيد كاظم الحائري([42])، روايتين هما:
12 ـ خبر الحسن بن الجهم، عن الرضا%: …قلت: يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين، ولا نعلم أيّهما حق؟ قال: «فإذا لم تعلم فموسّع عليك بأيهما أخذت»([43]). وهي تكشف عن مركوزيّة خبر الثقة وإمضاء الإمام لهذا الارتكاز.
13 ـ خبر الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله%، قال: «إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة فموسّع عليك حتى ترى القائم%، فترد عليه»([44]).
هذه خطوة التأييد والانتصار التي قامت بها مدرسة السيد الصدر لتكميل ما توصّل إليه الصدر نفسه.
ولنا هنا نقود:
النقد الأوّل: قد ذكرنا سابقاً الردّ على الاستشهاد بأخبار التعارض، وناقشنا أخذ السيد الصدر منها بأخبار الأوثقيّة والأعدليّة وموافقة الكتاب، وقلنا بأنّها لا تفيد هنا فلا نعيد، وعليه فالخبر الثامن والتاسع والعاشر هنا لا يفيد في شيء.
النقد الثاني: إنّ إحالة أهل البيت إلى أشخاص بأعيانهم لا تدلّ على حجيّة خبر مطلق الثقة؛ لما تقدّم من احتمال حصول الاطمئنان بأخبارهم وهم من أجلاء الأصحاب آنذاك، كمحمد بن مسلم ويونس بن عبد الرحمن وزكريا بن آدم و.. والشواهد الحافة بهذه النصوص لا تفيد الفرار من هذا الإشكال، فالتعبير بقوله: mفإنه قد سمع أبي وكان عنده مرضيّاً وجيهاً» في حقّ محمد بن مسلم «الرواية رقم: 1»، لا يدلّ على أنّ المراد بالمرضيّ الوجيه مطلق الثقة، بل هو أرفع من ذلك، كما أنّ تعبير «ما يمنعكم» الوارد في الرواية نفسها لا يمكنه أن يدلّ على مفروغية كبرى حجية خبر الثقة إلا إذا أثبتنا أولاً أنّ الإحالة في الرواية إحالةٌ على مطلق ثقة، لا على شخص على درجة من الوثاقة يحصل الاطمئنان النوعي بصدقه، فإذا فسّرنا كلمة: «المرضيّ والوجيه» بأرفع من مطلق الوثاقة، كان تعبير «ما يمنعكم» إشارة إلى قاعدة عامّة، هي حجية الاطمئنان، لا حجيّة خبر الثقة كما هو واضح.
وبعباة أخرى: فلنتصوّر أنّ الحجّة المركوزة هي الخبر الاطمئناني فإنّ إحالة الإمام على محمد بن مسلم المتّصف بأنّه المرضيّ الوجيه عند الإمام/الأب، يمكن تفسيرها بكونها إحالة على مصدر خبري مطمئنّ به لا أنّه مظنون، ومن ثمّ فلا دلالة في الرواية على أوسع من ذلك؛ إذ ليس فيها إطلاق بعد وجود كلمة (المرضيّ الوجيه عند الإمام)، كما أنّ مطلق إحالة الإمام شخصاً على آخر لا يعني حجيّة خبر الثقة، وكأنّه تمّ تصوّر أنّ كلّ ما يصدر من الرواة هو ظنّي، مع أنّه لا توجد وسائط هنا، فترتفع القوّة الاحتماليّة، ألا يكون خبر محمد بن مسلم المرضيّ الوجيه عند الإمام الباقر موجباً للاطمئنان بالصدور في منقولاته؟! ألا يكون في إحالته على محمّد بن مسلم إحالة على ما من شأنّه نوعاً تحصيل العلم؟
وهكذا الحال في خبر يونس بن يعقوب (الرواية رقم: 2)، «أما لكم من مفزع..» فإنّ الإحالة في الرواية على الحارث بن المغيرة إحالةٌ على شخصيّة معروفة، وكيف نحرز أنّ الإحالة لم تكن بملاك حجيّة الاطمئنان بأخبار مثل هؤلاء، لاسيما مع عدم الوسائط في مرويّاتهم، خاصّة وأنّ الرواية توحي بإفادة الاطمئنان والسكينة، من حيث تعبيرها بالمفزع والمكان الذي تستريحون إليه، فالسيد الصدر رغم أنّه في مرويّات اُخَر جعل الإحالة على من له منزلة توجب الاطمئنان بصدق كلامه، إلا أنّه أصرّ هنا أنّ الإحالة لمطلق ثقة، مع أنّ أمثال يونس وابن مسلم وزكريا بن آدم من رموز الشيعة والرواة آنذاك، فكيف جزم بأنّ الإحالة كانت لمفروغيّة حجية خبر الثقة ولم تكن لمفروغية حجية الاطمئنان؟!
وعلى المنوال عينه خبر علي بن المسيّب (الرواية رقم 4)، فإنّ تعبير: «زكريا بن آدم المأمون على الدين والدنيا» لا تفيد مطلق الثقة، لاسيما مع معرفتنا بمنزلة زكريا بن آدم، الذي عبّر عنه النجاشي بأنّه ثقة جليل عظيم القدر وكان له وجه عند الرضا([45])، بل لها دلالة على ما هو أرفع، وتعبير mالمأمونn يعني ما في طرفه أمنٌ واطمئنان، لا مطلق ثقة بالمعنى الأصوليّ، كما هو واضح، فكيف تكون الإحالة على شخص يوصف بأنّه المأمون (مع دخول الألف واللام) على الدين والدنيا معاً، إحالةً على من قوله يفيد الظنّ وكونه كأيّ راوٍ ثقة يفيد قوله الظنّ؟! أليس الأوجه أن تكون إحالةً على من يُركن إليه ويؤنس بكلامه ويطمئن لما يقول وإن لم يكن كلامه يفيد اليقين البرهاني بالمعنى الأخصّ؟
وفي السياق نفسه خبر ابن تمام (الرواية رقم: 6)، فإنّ إحالة الإمام على بني فضّال تحت عنوان: «خذوا بما رووا» قد يكون إعلاناً عن صدقهم وأنّ هناك اطمئناناً عقلائياً بهذا الصدق، كشخص تختلف معه أنت فكرياً لكنّك لا تشكّ في صدقه وأمانته، فما الذي يمنع من أن تكون هذه الإحالة بملاك الاطمئنان بصدقهم وضبطهم، لاسيما وأنّهم كانوا ـ كما نعرف ـ من رموز الطائفة الشيعيّة، وعلى السيد الصدر هنا أن يلغي هذه الاحتمالات ـ التي تكفينا هنا بوصفها احتمالات ـ كي يثبت أنّ هذه الإحالات كانت ـ فقط وفقط ـ بملاك حجيّة مطلق خبر الثقة؛ لأنّ المسألة ليست مسألة ظهور لفظي قد يكون في مقابله احتمالٌ لا يضرّ بدلالته، وإنما مسألة تحليل للمنطلقات الموجودة في الإحالات المذكورة في هذه الروايات، لاسيما مع قرينة السياق الخارجي المتمثل بكون المحال عليهم من الوجوه البارزة في الرواية، حيث بيوت الشيعة مليئة بكتبهم ـ كما جاء في حقّ بني فضال ـ مع قرينة السياق الداخلي كتعبير «المأمون على الدين والدنيا» وتعبير «الوجيه والمرضي» و..، فهل هذا كلّه أقلّ من تعبير «ثقتي»؟!
وبهذا يظهر أنّ الروايات رقم: 1، 2، 4، 6، لا دلالة فيها واضحة على حجية خبر مطلق الثقة، ولو أفاد الظنّ. ودعوى أنّ المتلقّي سيأخذ بخبر هؤلاء مطلقاً ولو أفاد الظنّ فرع مركوزيّة حجيّة الظنّ الصدوري عنده، والمفروض أنّه ما يزال محلّ بحثنا.
النقد الثالث: إنّ ما جاء في رواية محمّد بن مسلم (الرواية رقم: 7) من تعبير «لا يُتّهمون بالكذب» ليس دالاً على حجيّة خبر مطلق الثقة؛ وذلك أنّ هذا التعبير فيه احتمالان:
أ ـ ما لعلّه هو ما فهمه الصدر من أنهم ثقات لم يتهموا بالكذب، وعليه يستفاد حجيّة خبر الثقة.
ب ـ أن يكون تعبير «لا يُتهم» دالاً على أنّ الطرف الآخر ممّن لا تتطرّق إليه تهمة الكذب، (فلا يتّهم) ليست إخباراً عن عدم اتهام أحد له بالكذب، بل إشارة إلى منزلته في نقل الرواية، وأنّه ممّن لا تتطرّق إليه مثل هذه التهمة. ومطلقُ الثقة قد يُتهم بالكذب، إلا أنّ الثقة الجليل لا يُتهم بذلك، بمعنى لا يتطرّق احتمال الكذب وتهمته إليه، وهل هذا تعبيرٌ عن مطلق ثقة؟ فهل مطلق الثقة يمكن أن نقول عنه: لا يُتهم بالكذب ولا تتطرّق إليه تهمة الكذب؟!
بل إنّه بناء على مسلك الوثوق الوثاقتي الذي سلكه الصدر نفسه([46])، يمكن فرض المزاحم الداخلي في خبر الثقة نفسه بما يوجب سقوطه عن الحجيّة، والمزاحم الداخلي عنده ـ كما سيأتي بحثه مفصّلاً في كتابنا اللاحق في دائرة حجيّة الحديث ـ هو داعي الكذب، وقد فرض الصدر هناك أنّ مثل هذه الصورة يجب أن نستبعد منها الثقة الجليل جداً الذي لا يتطرّق إليه احتمال السقوط أمام الإغراءات التي تدعو للكذب، وعليه فمثل تعبير الإمام هنا يُحتمل أن يكون ناظراً إلى مثل هذا الإنسان الذي لا يتطرّق إليه احتمال الكذب حتى لو كانت له مصلحة في ذلك؛ لأنّه فوق التهمة، فلاحظ جيّداً وقارن.
وعليه، فرواية محمّد بن مسلم (الرواية رقم: 7) غير واضحة هنا؛ فلعلّها تريد أنّ هناك أشخاصاً على درجة من الوثاقة لا تتطرّق تهمة الكذب إليهم، فيحصل لنا اطمئنان بقولهم، لكن مع ذلك يجيء منكم خلافه، وهذا أنسب بالاستغراب الذي جاء به السائل.
ثم ألا تعارض هذه الرواية ما جاء في بعض الروايات من عرض أحاديث الأئمّة على سنّة رسول الله$ وأقواله، فتلك الروايات قد تضعّف من القوّة الاحتمالية الموجودة في هذه الرواية، إذ كيف نجمع بين طرح الحديث المخالف لسنّة النبي$ وبين نظريّة النسخ هنا القائمة بين الحديث النبوي وأحاديث الأئمّة؟! وإن كان لهذا الإشكال الأخير جواب نترك تفصيله إلى محلّه، حيث قد يقال فيه ـ مثلاً ـ بأنّ النسخ وقع في الحديث النبويّ نفسه، وأنّ الناقل نقل الحديث المنسوخ ولم يصله الحديث النبويّ الناسخ، لا أنّ النسخ وقع من حديث الإمام لحديث النبي، وفي المسألة تفصيلات اُخر تعالج في محلّها.
النقد الرابع: إنّ خبر إسحاق بن يعقوب (الرواية رقم: 11) لا يمكن فهمه على أساس حجيّة خبر الثقة؛ لسبب بسيط، وهو أنّه يجعل المرجع هو رواة الأحاديث، وهذا وصف مطلق يشمل الصادقين والكاذبين معاً، فإذا جعلهم حجّته على الناس نحرز باليقين أنّه لا يريد أخبار الكاذبين الذين منهم الوضاعون من الغلاة ممن ورد التحذير من كذبهم، إذاً فهو يريد بعض الرواة، ولما لم يبيّن هذا البعض بعنوان واضح، دار الأمر بين مطلق الرواة الثقات والرواة الذين يوجب قولهم اليقين أو الاطمئنان، ولما لم تكن الرواية بصدد التعيين في هذا الموقف يؤخذ بالقدر المتيقّن؛ لسكوت الرواية وعدم إمكان الأخذ بإطلاقها، وقد كرّرنا مراراً أنّ ظاهرة اليقين أو الاطمئنان بالأخبار كانت موجودةً في الجملة في تلك العصور.
وجعلُ الرواة حجّةً على الناس لا يعني الحجيّة التعبّدية؛ لأنّ الرواية نفسها جعلت نفس الإمام حجّة الله مع أنّ قوله يفيد اليقين، كما أنّ دليل المنع عن الظنّ في القرآن الكريم والذي تقدّمت تماميّته في نفسه يخصّصها أيضاً، فالإنصاف أنّ الرواية ليست ظاهرة في كونها بصدد تحديد الموقف الأصولي الذي نحن فيه، بل هي إما بصدد جعل الولاية للفقهاء ـ كما احتمله بعضهم كالإمام الخميني، بقرينة تعبير «الحوادث الواقعة» ـ وإمّا بصدد جعل المرجعيّة للعلماء والمطّلعين على الحديث الشريف، دون دخول في تفاصيل شروطهم وطبيعة مرجعيّتهم، ويكون استخدام عنوان: رواة الحديث، طريقيّاً لكونهم العلماء أو الفقهاء في ذلك الزمان، وإمّا بصدد أخذ العنوان موضوعيّاً، لكن من دون بيان شروطه كما تقدّم، فلا يستند إليها في هذه التفاصيل. وعليه فهذه الرواية (رقم: 11) أيضاً لا تدّل هنا على شيء.
النقد الخامس: إنّ مصطلح الثقة في علم أصول الفقه بات يعني الشخص الذي يُعرف بعدم الكذب بحيث يفيد قوله الظنّ بمطابقة الواقع، لكنّ المهم في تحليل هذه الروايات أن ننظر إلى اللغة العربية، وماذا تعطينا من دلالة في هذا المجال؟
وبإطلالة سريعة، نجد أنّ الفراهيدي يقول: «واستحكم الأمر: وثق»([47])، وبعد تصريفه كلمة (وثق)، يقول: «والوثيق: المحكم.. والوثيقة في الأمر: إحكامه والأخذ بالثقة.. والميثاق: من المواثقة والمعاهدة..»([48])، ويقول الجوهري: «وثقت بفلان أثق ـ بالكسر فيهما ـ ثقة إذا ائتمنته، والميثاق العهد.. وأوثقه في الوثاق أي شدّه، والوثيق: الشيء المحكم.. وناقة موثقة الخلق أي محكمته..»([49]). ويقول ابن فارس: «وثق: الواو والثاء والقاف كلمة تدلّ على عقد وإحكام، ووثقت الشيء: أحكمته، والميثاق: العهد المحكم، وهو ثقة، وقد وثقت به»([50]). وقال ابن منظور: «وثق: الثقة: مصدر قولك: وثق به يثق، بالكسر فيهما، وثاقة وثقة ائتمنه.. والوثاقة مصدر الشيء الوثيق المحكم، والفعل اللازم يوثق وثاقة.. وأوثقه في الوثاق أي شدّه.. والوثيقة في الأمر إحكامه والأخذ بالثقة.. والوثيق الشيء المحكم..» وذكر نحواً ممّا قاله السابقون عليه([51])، ولدى حديثه في موضع آخر، قال: «والإيمان: الثقة، وما آمن من أن يجد صحابة، أي ما وثق، وقيل: معناه ما كاد..»([52]).
ونحو هذا الكلام المتقدّم جاء عند الفيروزآبادي في القاموس المحيط([53])، والطريحي في مجمع البحرين([54]) ؛ والزبيدي في تاج العروس، ونصّ الأخير هناك على أنّ: «وثّق فلاناً: قال فيه: إنه ثقة، أي مؤتمن»([55]) وفي موضع آخر قال: «ونام إليه، وثق به»([56]).
إلى غيرها من كلمات المفسّرين أيضاً في التحليل اللغوي، كالطوسي([57])، بل يصرّح الطوسي، ويقول الطبرسي: «اطمأنّ إليه إذا وثق به؛ لسكون نفسه إليه»([58])، وقال الشريف الجرجاني في حاشيته على تفسير الكشاف: «.. من وثق بشيء صار ذا أمن به، وفسّر الأمن بالسكون والطمأنينة»([59]).
وبهذا يظهر لنا أنّ «وثق» في اللغة ترجع إلى: الربط، الشدّ، الشدّة، الإحكام والمحكم، الإيمان، العقد، والأمن. واللغويون عندما كانوا يقولون: فلان ثقة، لم يكونوا ليشرحوا لنا تفسير هذه الكلمة مباشرةً، فيما يبدو أنّ ذلك كان لوضوحها.
من هنا، نستقرب أنّ كلمة mثقةn في الاستخدام العربي الوارد أيضاً في الروايات تعني الشخص المأمون المركون إلى قوله، وهذا المفهوم نجده أقرب إلى من يحصل الوثوق والاطمئنان عرفاً بقوله، لا من يفيد قوله الظنّ، فهذا اصطلاح أصوليّ متأخر، وكلمات اللغويّين ليست مطابقةً للمفهوم الأصولي، ولا أقلّ من خروج الروايات التي تعود لعصر الصادق ومن قبله، عن دائرة الاستدلال هنا.
والذي يعزّز ما ندّعيه بعض الشواهد، فقد ورد في تفسير القمي دعاءٌ يقول: «الحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره»([60])، وهو أقرب إلى الاطمئنان منه إلى الظنّ، وكذلك ما ورد في الروايات من تعبير «ثقتي»، والذي اعتبره السيد الصدر غير دالّ على حجيّة خبر الواحد، حيث نسأل: لماذا لم يكن ثقة الإمام مظنون الصدق إذا كانت كلمة ثقة تعني مظنون الصدق؟ فيكون المعنى: هذا شخص هو عندي ممّن أظنّ بصدق قوله، أفهل هذا يوجب الاطمئنان لنا بالصدق حتى لا نجعل الرواية دالّة على الحجية؟! إنّ هذا يؤكد أنّ السيد الصدر رجع إلى الروح اللغوية هنا من حيث لا يشعر، فاقترب من مفهوم الاطمئنان والعلم العرفي.
ومن هذا النوع، تعبير الإمام علي% في نهج البلاغة: «من وثق بماء لم يظمأ»([61])، مما يشير إلى السكون والطمأنينة التي رأينا تفسير mوثقn بها في كلمات بعض اللغويين والمفسّرين فيما نقلناه آنفاً.
من هذا كلّه، قلنا في مباحثنا الرجاليّة ـ وفاقاً للعلامة المامقاني([62]) الذي اختلفنا معه هناك في بعض التفاصيل ـ أنّ كلمة mثقةn أقوى من كلمة mعدلn في باب حجيّة الأخبار عندما يشهد بها الرجالي، ما لم يأخذ الرجالي عهداً على نفسه بشمول كلمة mعدلn لمعنى أوسع من المفهوم الشرعي الفقهي، بناء على عدم أخذ العدالة بمعناها الشرعي في حجيّة الخبر؛ لأنّ الوثاقة تستوعب الضبط والدقّة والأمانة والصدق، بخلاف العدالة فهي تستوعب الصدق والأمانة ولا تستوعب الضبط والدقّة، فقد يكون العادل بالمعنى الشرعي غير ضابط أو غير دقيق، لكنّه صادق ولا يكذب، فخصوصيّة الوثاقة أفضل وأكثر استيعاباً من هذه الناحية من خصوصيّة العدالة، وتفصيل ذلك نكله إلى محلّه، فليراجع.
وعليه، فالروايات التي ورد فيها تعبير «ثقة»، وهي رقم: 3، 5، 12، 13، ظاهرة في الشخص المطمأنّ لقوله المركون إليه، لا المظنون بالمعنى الأصولي، ولا أقلّ من أنّه بعد مراجعة اللغة التي ليس فيها أيّ إشارة إلى الظنّ، لا يحصل لنا استظهار المعنى الأصولي من هذا التعبير، ويكفي التردّد، فيسقط الاستدلال في المقام.
يضاف إلى ذلك، ما يذكره بعض العلماء ـ والمسألة فيها كلام وبحث ـ من أنّنا نشك في صدور حديث الحارث بن المغيرة (الرواية رقم: 13)؛ فما معنى أن يعلّق الإمام الصادق ـ وهو الإمام السادس ـ له الأمر على رؤيته للقائم، وهو التعبير المنصرف في العرف الشيعي إلى الإمام المهدي، فكيف يحيل الإمام الصادق إلى رؤية القائم مع أنّه هو بنفسه موجود؟!([63]) ولماذا لا يقول له بأنّه موسّع عليك حتى تلقاني أو تلقى الإمام بعدي؟! ألا يشي هذا التعبير بأنّ الرواية وضعت في عصر الغيبة (بعد 260هـ)، وأنّ الراوي باعتبار أن القضيّة بالنسبة إليه تكون بلقاء المهدي أحال الأمر إلى لقائه؟ علماً أنّ هذه الرواية جاءت في كتاب الاحتجاج بلا سند.
ونستنتج ممّا تقدّم أنّه لم تسلم أيّ رواية من هذه الروايات من الإشكال الدلالي، فضلاً عن أنّ بعضها ضعيف السند، كالروايات (رقم: 4 ـ 6 ـ 8 ـ 9 ـ 11 ـ 12 ـ 13)، وبعض هذه أقرّ السيد الصدر بضعفه السندي كالرواية الرابعة والخامسة والسادسة، كما أقرّ السيد كاظم الحائري بإرسال الروايتين اللتين أضافهما، وهذا كلّه يضعف الوثوق بالصدور.
___________________________
([1]) هذا البحث جزءٌ من كتاب (حجيّة الحديث: 544 ـ 583)، من تأليف حيدر حبّ الله، نشر مؤسّسة الانتشار العربي في بيروت، الطبعة الأولى، 2016م.
([2]) انظر: بحوث في علم الأصول 4: 389؛ ومباحث الأصول ق2، ج2: 500 ـ 501؛ ودروس في علم الأصول، الحلقة الثالثة، القسم الأوّل: 239 ـ 240.
([3]) انظر: الخميني، معتمد الأصول: 484.
([4]) الكليني، الكافي 1: 329 ـ 330 (واستعنّا لمعرفة موارد اختلاف النسخ بالطبعة المحقّقة لكافي الكليني والصادرة عن دار الحديث في إيران، الكافي 2: 125 ـ 128)؛ والطوسي، الغيبة: 243 ـ 244؛ وجامع أحاديث الشيعة 1: 269 ـ 270؛ والوافي 2: 397 ـ 398.
([5]) انظر: بحوث في علم الأصول 4: 391 ـ 392؛ ومباحث الأصول ق2، ج2: 505 ـ 509.
([7]) كاظم الحائري، مباحث الأصول ق2، ج2: 508، الهامش: 1؛ وأساس الحكومة الإسلامية: 227 ـ 229، وولاية الأمر في عصر الغيبة: 120 ـ 122.
([8]) المحقّق الداماد، كتاب الخمس: 201.
([10]) الخوئي، معجم رجال الحديث 12: 123؛ والأبطحي، تهذيب المقال 3: 435.
([11]) انظر في بعض المعلومات حول الانقسامات هنا، وعلى سبيل المثال، جواد علي، المهدي المنتظر عند الشيعة الاثني عشريّة: 95 ـ 243.
([12]) انظر ـ على سبيل المثال ـ: ناصر مكارم الشيرازي، القواعد الفقهية 1: 494 ـ 506.
([13]) محسن الأمين، أعيان الشيعة 2: 44.
([14]) انظر: الحر العاملي، تفصيل وسائل الشيعة 16: 237 ـ 247.
([15]) انظر: الكافي 1: 333؛ وكمال الدين: 648؛ وتفصيل وسائل الشيعة 16: 238 ـ 239.
([16]) الكافي 1: 526؛ وعلل الشرائع 1: 98؛ وكمال الدين: 315؛ والطوسي، الغيبة: 155.
([17]) الكافي 1: 328، 332 ـ 333؛ والإمامة والتبصرة: 118؛ وعلل الشرائع 1: 245؛ وكمال الدين: 381، 648؛ والخزاز القمي، كفاية الأثر: 289.
([18]) النعماني، الغيبة: 299 ـ 300.
([20]) الصدوق، عيون أخبار الرضا 1: 48.
([21]) يرى جواد علي في كتابه: المهدي المنتظر عند الشيعة الاثني عشريّة: 105 ـ 106؛ وهو يتحدث عن السفير الأوّل، أنّ إعلان السفير نفسه يضعه بنفسه في دائرة الخطر الكبير من حيث ارتباطه بمن تطلبه الدولة العباسية طلباً حثيثاً.
([22]) الخميني، المكاسب المحرّمة 1: 320.
([23]) راجع: بحوث في علم الأصول 4: 392 ـ 394؛ ومباحث الأصول ق2، ج2: 502 ـ 505.
([24]) محمود الهاشمي، بحوث في علم الأصول 4: 394؛ الهامش رقم: 1.
([25]) المصدر نفسه 4: 393، 394، الهامشان رقم: 1 من الصفحتين.
([27]) المصدر نفسه 4: 394، الهامش رقم: 1.
([28]) الطوسي، الغيبة: 355 ـ 356؛ والمجلسي، بحار الأنوار 51: 345 ـ 346.
([30]) جامع أحاديث الشيعة 1: 274 ـ 275.
([33]) المصدر نفسه 1: 275 ـ 276.
([37]) المصدر نفسه 1: 308 ـ 309.
([38]) المصدر نفسه 1: 309 ـ 310.
([40]) تفصيل وسائل الشيعة 27: 140.
([41]) انظر مجمل ما قاله حولها السيد الصدر في بحوث في علم الأصول 4: 494 ـ 495؛ ومباحث الأصول ق2، ج2: 509 ـ 517.
([42]) كاظم الحائري، مباحث الأصول ق2، ج2: 517، الهامش رقم: 1.
([43]) جامع أحاديث الشيعة 1: 315.
([44]) المصدر نفسه؛ والطبرسي، الاحتجاج 2: 108 ـ 109.
([46]) انظر نظريّته هذه في: مباحث الأصول ق2، ج2: 569 ـ 577.
([47]) الفراهيدي، العين 3: 67.
([49]) الجوهري، الصحاح 4: 1562 ـ 1563.
([50]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 6: 85.
([51]) ابن منظور، لسان العرب 10: 371 ـ 372.
([53]) القاموس المحيط 3: 387، و4: 197.
([54]) الطريحي، مجمع البحرين 4: 464 ـ 466؛ وتفسير غريب القرآن: 429.
([55]) الزبيدي، تاج العروس 13: 472 ـ 473؛ و18: 25.
([58]) المصدر نفسه 2: 327؛ ومجمع البيان 2: 176.
([59]) الجرجاني، الحاشية على الكشاف: 127.
([60]) تفسير القمي 1: 89؛ والصافي 1: 289؛ ونور الثقلين 1: 274.
([61]) نهج البلاغة 1: 39، الخطبة: 4.