تمهيد
لعله يمكن تلخيص أسباب ذمّ الربا في الثقافات والأديان المتعددة في الماضي على الشكل التالي:
أ ـ عنصر السهولة والراحة المختزنين في الربا، أي الدخل ـ القطعي المعين من قبل ـ الحاصل من دون ممارسة أي جهد أو خطر.
ب ـ الآثار الاجتماعية المخرّبة، أي الظلم الوارد على المقترِض.
وفي النهاية عدم إمكان تقديم تبرير عقلاني لظاهرة الربا، أي الجواب عن السؤال القائل كيف يمكن للمال ـ كوسيلة مبادلة ـ أن يتكاثر ويتزايد بمجرد مرور الزمان؟
لقد قدّم أرسطو بإجابته عن السؤال الأخير الأساس العقلي المحكم لكافة النظريات المعارضة للربا والتي ظهرت في القرون اللاحقة.
والسؤال الأساسي هنا هو هل أن مثل هذا المفهوم عن الربا في الحقبات التاريخية الماضية يمكن تعميمه لظاهرة الفائدة البنكية في العالم المعاصر والتي نشأت من توسّع المؤسّسات الحديثة المسمّاة بالبنوك؟ وباختصار هل أن الفائدة البنكية هي نفس الربا بمفهومه القديم؟
إن جوابنا عن هذا التساؤل بالنفي، وهو ما سوف تسعى هذه المقالة لتبيينه، وبالرغم من أن النقطة الأساسية التي تؤكّد عليها هذه المقالة في التمايز بين الربا والفائدة البنكية هي في قطعية وعدم قطعية دخل الفائدة البنكية المحدّدة سلفاً إلا أنه سوف تجري الإشارة ـ وفق الضرورة ـ لوجوهٍ أخرى للتمايز بين هذين المفهومين أي الربا والفائدة.
إن افتراض التساوي بين الربا والفائدة البنكية ناشئٌ عن الاشتباه في تقييم المفاهيم أو ـ اصطلاحاً ـ عن الخلط المعرفي الايبستمولوجي بينها. لقد ظهرت الفائدة البنكية أو فائدة رأس المال على اثر توسع علاقات اقتصاد سوق المنافسة ونضج ونمو النظام الاعتباري الجديد، وفي الواقع فهي مؤشّر على نقص وقلة رأس المال في اقتصاد هذا السوق، أما الربا فهو ظاهرة مرتبطةٌ بالاقتصاد المعيشي الراكد والذي يكون فيه النقد ذا دور ثانوي وضعيف جداً في الحياة الاقتصادية لعموم الأفراد، فيما يتمتع مالكو النقود (المقرضون الربويون) بموقعية حصرية ومتميزة جداً، والربا ـ زاد أو نقص ـ يمثل قيمةً معينةً يرجع تحديدها غالباً إلى أصحاب الخزائن النقدية.
ولأجل اتضاح البحث نشرع ـ بدايةً ـ بتعريف رأس المال حتى يتبين وبصراحة التمايز الموجود بين فائدة رأس المال والربا الذي يحكي عن ظاهرةٍ مرتبطة بالأنظمة الاقتصادية ما قبل الرأسمالية.
من الناحية الاقتصادية يعدّ رأس المال ـ الذي يؤول في اسسه إلى عمليات الاكتناز والادخار ـ وسيلةً لرفع مستوى الطاقة الإنتاجية، إن ادخار الأموال (يعني الإمساك عن الاستهلاك الآني الذي يمكن أن يشكّل أساساً لتبلور رأس المال، أما الاستهلاك الذي يعبّر عن الهدف النهائي للإنتاج فهو عبارة عن قضاء الحاجات أو الرغبات البشرية)، ومن الواضح أنه لا يصح من التعاريف المتقدمة استنباط أن رأس المال هو ـ فقط ـ مجرّد وسيلة لرفع قدرة الإنتاج أو أن أي نوعٍ من أنواع الإمساك عن الاستهلاك (الادخار) سوف يؤدّي إلى تشكّل رأس المال إضطراراً وتلقائياً، بل الصحيح هو أن الادخار يمكن أن يتحول إلى رأس مال في حالة ما إذا كانت وجهته تعبّر عن مسار في إطار النشاطات الإنتاجية، كما هو الحال في الكنوز المدفونة في التراب إذ لا يمكن اعتبارها رأس مال، فالمدّخرات التي يُهدف من إقراضها الاستهلاك ـ صرفاً ـ ليست مشمولةً لتعريف رأس المال بمفهومه الاقتصادي([1])، فرأس المال ـ وفق التعريف الذي بُيّن له ـ يأخذ معناه الكامل في ظل النظام الاقتصادي المبني على الإنتاج غير المباشر أي الإنتاج بواسطة وسائل الإنتاج، وبعبارة أخرى كلما كان تقسيم العمل أكثر تطوراً وكان الإنتاج أكثر تخصصية كانت الحاجة إلى أدوات الإنتاج ـ الطلب بهدف رأس المال ـ أكبر، وبناءً عليه فالطلب بهدف الحصول على رأس المال ـ وبطريق أولى السوق الرأسمالي ـ في اقتصادٍ معيشي مغلق (من قبيل اقتصاد المجتمعات القروية والعشائرية ذات الاكتفاء الذاتي والذي يقوم فيها المنتجون ـ بالإضافة إلى إنتاج السلع الاستهلاكية المحتاج إليها من قبلهم ـ بإنتاج الوسائل الابتدائية للإنتاج) هو أمرٌ لا وجود له من الناحية العملية، ففي مثل هذه المجتمعات التي يقف فيها المحصول الإنتاجي في مستوى متدنّي جداً تكون إمكانية ادخار الأموال ضئيلة جداً أيضاً، وفي النهاية فإن إمكان تشكيل رأس مال سيكون أمراًُ محدوداً بدرجة عالية جداً، وبالرغم من وجود علاقات نقدية واقتصادية ـ بدرجات مختلفة ـ في المجتمعات التي سبقت مرحلة الرأسمالية بيد أن هذه العلاقات تقع في الغالب على هامش النشاطات الإنتاجية الأساسية، ومن هنا فإن النقد المدّخر الناشئ عن التجارة في مثل هذه المجتمعات ـ مع الأخذ بعين الاعتبار الدور المهم له في الأنظمة الاقتصادية الجديدة ـ ليس شبيهاً باكتناز المال في المجتمعات المتمدّنة، فأصحاب الأموال المكتنزة في المجتمعات المذكورة (القديمة) يتمتّعون بموقعية حصرية بل يمكن القول استثنائية، ومن هذه الجهة كان يمكنهم المطالبة بسعر مرتفع جداً من الربا في قبال القروض التي يقدمونها، ومع إمكانية اعتبار هذه الأسعار المرتفعة للربا علامةً على نقص المختزنات النقدية لكن لا يمكن أخذ ذلك كمؤشّر على الناتج النهائي المرتفع لرأس المال، ذلك أنه ـ وكما أشير من قبل ـ لم يكن للطلب ـ وسوق رأس المال بالمفهوم الاقتصادي ـ أي وجود أصلاً، وبعبارة أخرى إن هذا المسار العملي الاقتصادي والاجتماعي الهام الذي يملكه رأس المال في الأنظمة الاقتصادية الحديثة لم تكن تملكه عمليات ادخار الأموال في العالم القديم من الناحية العملية، ولعل السبب في انتقاد فلاسفة العالم القديم الربا وذمّهم له كان مختزناً في هذه النقطة، أي أنه لم يكن ثمة تفسير وتبرير عقلاني من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية لعملية الربا عندهم فيما النتائج الضارة له المتبلورة على شكل الظلم الذي يمارس على المقترِضين كانت واضحةً أمامهم.
لقد كان الدور الرئيس للنقد في المرحلة القديمة قائماً على كونه واسطةً في التبادل بحيث قام مفكرون من أمثال أرسطو بفصل النقد عن مقولة الثروة، فالنقد من وجهة نظر أرسطو منحصر بكونه وسيلة تبادلٍ ولا شيء آخر، ومن هنا رفض أرسطو اعتباره نوعاً من الثروة.
يقول أرسطو بأن النقد وسيلة يهدف منها تسهيل المبادلات، وبناء عليه "فسيكون تسمية المعدن ـ الذي لا تثمر كثرته في رفع الجوع ـ ثروةً مجرد كلام فارغ لا فائدة منه"([2])، وتبعاً لهذا الحكم فيما يخص دور النقد يحكم أرسطو بأن مضاعفة رأس المال في حالة الإقراض (الربا) يمثل أمراً غير طبيعي وغير عادل، ومنشأ هذا الحكم فيما يتعلق بالنقد هو أن النقد لم يكن لديه في العصور الماضية هذا الدور الذي يلعبه رأس المال في الاقتصاد الحديث (أي كونه وسيلةً لرفع المحصول الإنتاجي عن طريق الإنتاج بالواسطة "الرأسمال الفني") أو أن هذا الدور بالنسبة إليه كان نادراً، ووفقاً لذلك يلاحظ أن ذمّ الربا من جانب أرسطو كان ـ بالكامل ـ نتاج أمر عقلي، وهو ما جعل الفكر الأرسطي ـ فيما يخص الربا ـ قادراً على الاستمرار والحاكمية لقرون متمادية.
لكنه وبمرور الأيام وتوسع العلاقات الاقتصادية للسوق، وتقسيم العمل، والتخصصية قدر الإمكان في الإنتاج وظهور النظام الاعتباري والبنكي الجديد أصبح للذخائر النقدية دورٌ هام على الصعيد الاقتصادي كرأسٍ للمال، فتوسعة نُظُم السوق أوجبت نفوذ العلاقات النقدية في كل زوايا الحياة الاقتصادية، ففي النظام الاقتصادي الجديد لم يعد النقد مجرد وسيلة للتبادل بل إنه اكتسب دوراً مهماً وأساسياً آخر أيضاً وهو كونه ذخيرة لرأس المال ومقياساً أيضاً، وفي هذا النظام تتبدل المدخرات بسهولة في إطار رفع الحاصل الإنتاجي عن طريق النقد إلى رأس مال، فرؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة تظهر في ظل توسع نظم السوق وارتفاع المحصول الإنتاجي، وهو ما لم يكن قابلاً للتصوّر من قبل، وهذه المدخرات التي تضاعف يومياً تؤمن ـ عن طريق مؤسسات الإيداع والبنوك الجديدة ـ إمكانات الاستثمار الكبيرة في المجتمع، ودور تنظيم العلاقة بين المدخرات والاستثمارات في اقتصاد السوق الواسع يقع على عاتق قيمة فائدة رأس المال (الفائدة البنكية)، فالفائدة البنكية ظاهرة جديدة متمايزة تمايزاً كاملاً عن الربا، وخلافاً للتصوّر السائد ليس للأوّل منهما أساس في الثاني كما أنه ليس نتيجةً تحوليّةً له، فالجذر اللغوي لمصطلح البنك في اللغات الأوروبية هو كلمة banc التي تدل على طاولة الصرافين في الأسواق العادية في القرون الوسطى، وبسبب الكثرة الهائلة للنقود المحلّية في تلك القرون كان للصرافين نشاط هام في الأسواق تسهيلاً لإنجاز المعاملات.
يقول المؤرّخ الاقتصادي "كي فوكن": لقد ثبت ـ وفقاً للتحقيقات الأكثر جدةً ـ أنه لم يكن لآكلي الربا خلال فترة القرون الوسطى في أوروبا أي دور في إيجاد لا النظام الاعتباري ولا البنك نفسه، فقد كان إقراضهم ـ أي المرابين ـ لغايات تجارية أمراً نادراً، فيما شكّل التجار عناصر الاعتبار التجاري.
ويكتب المؤرّخ نفسه فيما يخص ظهور البنك أيضاً فيقول: "لم يظهر البنك نتاجاً لأكل الربا وإنما حصيلةًً لعمل الصرافة، فالصرّافون الذين كانوا يشكلون عدة أشخاص في كل مدينة كانوا يضعون طاولاتهم ـ التي اشتقت منها كلمة bancs ـ في الأسواق، وقد كانت الصرافة اليدوية نشاط هذه الفئة، فالعملات المتداولة ـ وبسبب ضربها ولمدد زمنية طويلة من قبل الجهات النقدية المعنية والمتعددة ـ كانت تملك قيماً متفاوتةً تفاوتاً كبيراً فيما بينها بحيث لم يكن يمكن لأي سوق فعّال أن يستغني عن الخدمات الصيرفية، وعقب ذلك وبسرعة دخل الصرّافون ـ الذين وضعوا لأنفسهم تسمية أصحاب البنوك لأوّل مرة ـ العمليات الصيرفية الأكثر تعقيداً أي القبول بالايداعات وانتقال الاعتبارات (الذهب مثلاً) وهو ما حصل في المراكز الكبرى لا سيّما إيطاليا"([3]).
لقد وُجد البنك الحديث نتيجة توسع النشاطات المصرفية لتشمل الإقراض وقبول الإيداعات وانتقالها من جهة ورغبةً من الدولة القومية (State-Nations) في تنظيم العلاقات النقدية والمالية وضبط هذا النوع من الأنشطة من جهة أخرى.
إن نضج الأنظمة والبرامج الاعتبارية والبنكية الجديدة تبلور لا في إطار القروض الربوية وإنما بالضبط ضد مصالح الربويين أنفسهم، فماركس يؤكّد ـ في الجزء الثالث من كتاب رأس المال وفي فصلٍ معنونٍ بـ "رأس المال الربوي ما قبل الرأسمالية" ـ على أن الأنظمة الاعتبارية الجديدة (البنوك) كانت ردّ فعلٍ على عمليات الإقراض الربوية أو أكل الربا، إنه يقول بأن البنوك وبقيامها بعرض ذخائرها النقدية غير المستفاد منها (رؤوس الأموال الصغيرة والكبيرة) في السوق تكسر احتكار رأس المال الربوي كما وبقيامها من جهة أخرى باستحداث النقد الاعتباري تحدّ من احتكار الفلزات المعدنية للنقد كشكلٍ وحيدٍ من أشكاله([4])، ويؤكّد مكاولي المؤرخ الإنكليزي الكبير في كتابه المعروف "تاريخ إنكلترا" على أنه كيف أن تشكيل النظام البنكي وطرح إيجاد "البنك الإنكليزي" في أواخر القرن السابع عشر أثار صرخات الغضب والرفض من جانب بائعي الذهب والمقرضين الربويين (آكلي الربا)([5])، وحسب اعتقاده فإن أنصار النظام الاعتباري والبنكي الجديد كانوا يرون آكلي الربا بلاءً على الأمّة ذلك أن ضررهم على عموم المجتمع أكبر من ضرر الجيوش المهاجمة والمحتل الأجنبي([6]).
الفائدة البنكية أو فائدة رأس المال في الاقتصاد الجديد ليست ظاهرةً نقديةً جديدةً فحسب، بل إنها ظاهرة متغيرة ومرتبطة بقلّة رأس المال (المدّخر)، لقد لعب كينز في المرحلة المعاصرة دوراً كبيراً في طرح شبهة أن الفائدة أشبه بمتغيّرٍ نقديٍّ صرف، بحيث إنه مع ازدياد حجمها يمكن خفض القيمة السوقية للفائدة إلى درجة وصولها في النهاية إلى الصفر، وسوف نرى فيما بعد أن شبهة "كينز" هذه قد شملت البعض من المحققين الإسلاميين المتأخّرين ودفعتهم إلى تقييماتٍ غير صحيحة، ففي اقتصادٍ واسعٍ للسوق تتكفّل قيمة الفائدة بدور أساسي ومفصلي في ربط وتنظيم العلاقة بين المدّخرات والاستثمار، فقيمة الفائدة الواقعية المستقلّة عن الإرادة الفردية وحتّى عن الدولة تتعين من خلال ميكانيزما السوق، وهي في الحقيقة تحكي عن قلة الخزينة من جهة والناتج النهائي لرأس المال من جهة أخرى، فالدور الأساسي للفائدة في النظامٍ البنكي عبارة عن توجيه المدخرات ـ لا سيما منها المتوسطة والصغيرة ـ نحو الاستثمار، فالشخص الذي يدّخر أمواله بإمساكه عن الاستهلاك الآني يؤمّن إمكانية تشكيل رأس مال واستثمار، وهو ما يعني ارتفاع معدلات الإنتاج في المستقبل، أي أن الإمساك عن الاستهلاك الآني يوجب زيادة المحصولات الإنتاجية في المستقبل، والشخص المدخر ـ وبسبب حرمانه نفسه عن الاستهلاك فترةً زمنيةً معينة وتحمله ما بين الإنتاج والاستهلاك ـ يقبض قسماً من المحصول الإضافي للإنتاج في المستقبل على صورة الفائدة، وفي هذا الإطار تكون الفائدة حقاً ناشئاً عن المشاركة في رفع القدرة الإنتاجية، ومن البديهي عدم إمكانية تصوّر مثل هذا النظام إطلاقاً في اقتصادٍ تقليديٍّ معيشيٍّ لا يعرف غير رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسّطة، بل إن الإنتاج فيه ليس مبنياً أساساً على الاستثمار، وبناءً عليه فمجرّد الشبه الظاهري الموجود لا يخوّلنا التوحيد بين الفائدة البنكية التي لا إمكانية لتحقّقها في المجتمعات التقليدية ـ المعيشية وبين الربا في تلك المجتمعات.
إن سوق الربا والفائدة مساقاً واحداً ـ مع الأخذ بعين الاعتبار تحريم الشريعة الإسلامية للربا بشكلٍ صريحٍ ـ كان باعثاً رئيسياً على إيجاد بنك خالٍ من الربا، وقد ركّز منظّرو هذا النظام البنكي على خصوصيةٍ معيّنةٍ في الربا وهي الدخل الثابت المعيّن من قبل، واعتبروا أن فلسفة ممنوعية الربا تكمن في هذه الخصلة بالذات، "وفي الواقع فما جرى منعه في الإسلام إنما هو الناتج الثابت أو المعين سلفاً في المعاملات المالية، لا قيمة الناتج غير المحدّدة والمشخّصة والتي تُطرح في الأرباح"([7])، ومن هنا فالنظام البنكي اللاربوي أو "النظام البنكي الإسلامي ـ في أبسط أشكاله ـ يمكن أن يبنى على المشاركة لا على الفائدة"([8]).
لكننا إذا لاحظنا استحالة الناتج الثابت والمعين سلفاً لرأس المال ـ نظراً وعملاً ـ في نظامٍ اقتصاديٍّ مبتنٍ على سوق المنافسة فسوف نجد أنفسنا متورّطين في خطئٍ كبيرٍ في الفهم فرض علينا توحيد موقفنا إزاء الربا والفائدة.
يمكن في النظام الاقتصادي الجديد التمييز بين نوعين من قيمة الفائدة هما قيمة الفائدة الواقعية والثاني قيمة الفائدة المسماة([9])، فقيمة الفائدة الواقعية من الناحية النظرية تبين من جهةٍ الميل النهائي للادخار ومن جهةٍ أخرى الناتج النهائي لرأس المال، أي أنّ قيمة الفائدة في اقتصاد السوق ذات وضعيّةٍ معيّنةٍ ترجع إلى أن حجم الصرف النهائي للامساك عن الاستهلاك ـ الميل النهائي للادخار ـ مساوي للنفع النهائي الناشئ عن الاستثمار، فقيمة الفائدة كباقي القيم في النظام السوقي ليست قابلةً للتنبؤ سلفاً بأيّ وجهٍ من الوجوه وهي تتغير تبعاً للعوامل المؤثرة في السوق والتي لا يمكن تعيينها من قبل، أما قيمة الفائدة المسماة (النقدية) فهي متغيرة تتعين كنقدٍ مسمّى من خلال ميزان العرض والطلب، فمع عرض النقد المسمّى من قبل السلطات النقدية (البنك المركزي أو الدولة) تصبح ـ أي القيمة ـ قابلةً للضبط والتحكّم، لكن الإقبال على النقد على أي تقديرٍ متأثّر بالمتغيّرات الاقتصادية الواقعية من قبيل ميزان ناتج الاستثمارات وليس قابلاً للضبط والتحكّم من جانب أي مرجعيّةٍ سلطويّةٍ، وبناءً عليه لا يمكن في النظام الاقتصادي المبني على السوق تعيين حتّى قيمة الفائدة المسماة قبل مدّةٍ طويلةٍ، وهذا الكلام لا يناقض الحقيقة القائلة بأن السلطات النقدية والحكوميّة وبسياسات النقد والمال يمكنها في مدةٍ قصيرةٍ تخفيض قيمة الفائدة في السوق أو رفعها، لكن على أية حال فإن هذه المتغيرات الواقعية الاقتصادية تقوم في نهاية المطاف وعن طريق ميكانيزما السوق بتصحيح الانحرافات عن القيمة الواقعية.
ولأجل المزيد من اتضاح المطلب يمكن القول بأن القيمة الواقعية للفائدة عبارةٌ ـ تقريباً ـ عن القيمة النقدية المسمّاة لها بعد تعديلها بمعدّل التضخّم، وبالرغم من أن أداء فائدة الودائع في اقتصاد السوق يتمّ التعهّد به ضمن قيمةٍ معينةٍ، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار عدم التعيّن المسبق لمعدل التضخم فإن تعيين ميزان الفائدة الواقعية من قَبل يعدّ أمراً غير ممكنٍ من الناحية العملية، وعليه فـ "الناتج الثابت أو المعين من قبل" (الربا) يمكن تصوره فقط في المجتمعات ذات الاقتصاد المعيشي التقليدي، ذلك أنّ التغييرات في القيم النسبية وكذلك في مستوى القيم ـ حتى في مدة طويلة ـ هو أمر لا وجود له أساساً في هذه المجتمعات وذلك بسبب وقوع العلاقات التبادلية النقدية على هامش الأنشطة الإنتاجية الرئيسية وبطء التحرّك الاجتماعي والاقتصادي، وكذلك البطء الشديد جداً في التحوّلات الفنية والتكنولوجية، وفي هذه الظروف فقط يتحد كلٌّ من الناتج المسمّى والواقعي للنقد، ويتخذ تعريف الربا لنفسه معنىً، أما في النظام الاقتصادي المبني على السوق والذي تكون فيه القيم نسبيةً فإن الميل النهائي للادخار والناتج النهائي لرأس المال يقعان دائماً عرضةً للتغيّرات وذلك بسبب تبدّل ميول وطبائع المستهلكين والحركة الشديدة لعوامل الإنتاج والتحولات الفنية والتكنولوجية السريعة، وهو ما يؤدي إلى عدم إمكانية تحقق معاملةٍ ماليّةٍ ذات ناتجٍ ثابتٍ أو معينٍ من قبل، إن القيم وكافّة المتغيّرات الاقتصادية في الأنظمة الاقتصادية الجديدة تمثّل حصيلة نشاط قوى السوق في مرحلةٍ أسبق، وبناءً عليه فحتّى لو بلغ معدل التضخم الصفر فليس ثمة ضمانةٍ تحدّد كيف أن المتغيرات الاقتصادية (ومن بينها قيمة الفائدة الواقعية) يمكن أن تكون معلومةَ للمستقبل، صحيح أنه مع معدل صفر للتضخم تثبت القدرة الشرائية للنقد بصورةٍ وسطيةٍ، بيد أنها ـ ومع الأخذ بعين الاعتبار نسبية القيم وكذلك الأسباب التي أشرنا إليها آنفاً ـ في حال تغيّر لا محالة، والقدرة الشرائية للنقد تخضع هي الأخرى للتغير عملياً في كل سلعةٍ سلعة، وذلك كلّه فيما "الناتج الثابت أو المعين سلفاً" يستلزم بقاء ثبات القدرة الشرائية للنقد.
وكما لا حظنا ففي الظروف الاقتصادية المعيشية الراكدة يمكن تصور بقاء ثبات القدرة الشرائية للنقد، أما في الظروف الاقتصادية المتحرّكة والجديدة فمثل هذا التصور غير صحيح، ووفقاً لذلك يمكن القول بأن أولئك الذين يضعون الربا والفائدة البنكية في مستوى بعضهما البعض يقعون في خطئٍ معرفيٍّ إيبستمولوجي فاحش، أي أن المفهوم القابل للتصوّر في ظل ظروف وشروط معينة خاصة يجري تعميمه لوضعيةٍ مغايرةٍ بالكامل لا تختزن هذا المفهوم أبداً.
لقد عمد أنصار البنك اللاربوي ـ وعلى إثر توحيدهم الربا والفائدة ـ إلى تأسيس البنك المبني على المشاركة وهو البنك الذي يكون ناتج رأس المال فيه (الربح) غير معين من قبل وذلك مكان النظام المبني على الفائدة والذي تكون فيه الفائدة محدّدةً (الربا) سلفاً، لكننا إذا ركّزنا على أن الإيداع المبني على الفائدة هو من الأساس نشاط مضمونه ـ في الحقيقة ـ المشاركة في الربح والضرر فإننا نصل إلى هذه النتيجة وهي أن السعي لإيجاد بنك لاربوي أو بنك مبني على المشاركة إنما هو ناشئ من اشتباهٍ معرفيٍّ فيما يخص نوعية النشاط في اقتصاد السوق.
إن التفاوت الموجود ما بين الإيداع مع الفائدة والمشاركة مع الربح (الاستثمار) إنما هو في ميزان الخطر الاحتمالي لا في وجوده أو فقدانه، فالمودِع حيث يرفض المخاطرة لا يريد المشاركة في الاستثمار وهو ـ بقبضه الفائدة المسماة المعينة والتي لا يعلم بقيمتها الواقعية أبداً ـ ينقص من ميزان ارتفاع وانخفاض الربح والخسارة المتوجّهين إليه قياساً للاستثمار المباشر (المشاركة)، إن الإيداع والاستثمار اللذين يتضمنان من هذه الناحية خطراً احتمالياً كما يعبّر كلاهما عن مشاركة في الربح أو الخسارة غير المعلومين من قبل لا يختلفان عن بعضهما من حيث الماهية، إن المودِع الذي يقبض الفائدة المسمّاة المعينة من قبل في ظل ظروف يكون التضخم فيها عموماً أكبر من معدل الفائدة يكون قد تورّط في الضرر قطعاً، ذلك أن قيمة الفائدة الواقعية ستكون سلبيةً، ومن البديهي أنه في ظل الظروف التي يمكن أن يكون فيها معدّل قيمة الفائدة الواقعي سلبياً فإن المودع يساهم حينئذٍ في الربح والخسارة، لكن عدم قطعية الدخل المسمى المعين من قبل ليس منحصراً بمثل هذه الشروط الخاصة أي تضخّم الاقتصاد، إذ القيم النسبية في الاقتصاد المبني على السوق هي ـ وكما تمّت الإشارة إليه من قبل ـ في حال تغيرٍ دائمٍ، وحيث إن جهة وأبعاد هذه التغيرات ليست قابلةً للتنبؤ بها من قبل فمن هنا تكون القدرة الشرائية للنقد بالنسبة للأنواع المختلفة للبضائع والسلع في معرض التغيير دائماً، ونفس هذا التغيير الذي لا قابلية فيه للتنبؤ بالقدرة الشرائية يرفع أية إمكانية لأيّ نوعٍ من القطعية في الدخل المسمّى المعين من قبل، ولعل طرح مثال عددي مبسّط يمكنه أن يوضح هذه الفكرة:
بهدف تبسيط فهم المطلب نفرض أن في المجتمع سلعتين فقط هما "أ" و "ب" وبمقدار متساوي وأن قيمة كل واحدةٍ منهما هي عشرة ريالات في البيع والشراء، كما أننا نتصوّر شخصاً يعطي قرضاً بمائة ريال بمعدّل ثمانيةٍ في المائة في السنة الواحدة وفي نهاية السنة يقبض مائة وثمانية ريالات بعنوان الأصل والفرع، ونفترض أن قيمة السلعة "أ" قد انخفضت خلال سنةٍ كاملةٍ عشرين في المائة فيما السلعة "ب" زادت قيمتها عشرين في المائة بحيث صارت قيمة السلعة "أ" في نهاية السنة ثمانية ريالات أما السلعة "ب" فأصبحت قيمتها اثنا عشر ريالاً، فهنا من الواضح عدم حصول تغيير لدينا في نهاية السنة على الصعيد العام في القيم، وذلك لأن العشرين بالمائة من الزيادة في قيمة إحدى السلع والعشرين بالمائة من النقيصة في قيمة السلعة الأخرى تجبر إحداهما الأخرى نظراً لتساويهما من حيث المعدّل العام، وبعبارةٍ أخرى في نهاية السنة يصل متوسّط معدّل التضخم في القيم إلى الصفر، بيد أن القيم النسبية ـ مع ذلك ـ تتسم بالتغير، فإذا كانت رغبة الشخص المقرِض وعادته في استهلاك السلعة "ب" فإن القدرة الشرائية لنقده ستزيد عما هو المقدار المسمّى في المائة ريال إلى المائة والثمانية ريالات، بيد أن الأمر في الواقع على العكس بالنسبة إليه أي أنه قد أصبح أقل، ذلك أنه في بداية السنة كان يمكنه بالمائة ريال شراء عشرة أعداد من السلعة "ب" التي هي مورد رغبته أمّا في نهايتها فقد اصبح قادراً على شراء تسعة أعداد فقط من هذه السلعة بالمائة والثمانية ريالات التي تمثّل حصيلة رأس ماله والزيادة، وهذا معناه ليس فقط عدم حصول زيادةٍ لديه على مستوى دخله الواقعي وفقاً للسلعة المرغوب بها عنده بل إنه تعرّض للخسارة والنقص أيضاً، والآن لنفرض أن الشخص المقرِض لم يطالب بالفائدة، لكن ذوقه وعادته كانا بحيث لم يكن يرغب سوى بالسلعة "أ" فهنا يلاحظ بأن المقدار المسمّى لنقده لم يتغيّر في سنةٍ واحدةٍ بل أصبحت قدرته الشرائية أكبر أي أنه إذا كان يقدر في بداية السنة على شراء عشرة أعداد من السلعة "أ" فقط بواسطة المائة ريال التي كان يملكها، فقد صار يمكنه بنفس المائة ريال هذه أن يشتري 5/12 من تلك السلعة، والنتيجة التي يمكن الحصول عليها من هذا المثال الفرضي هي أنه في الظروف التي تكون القيم النسبية فيها في حال تغيير ـ أي في الاقتصادات المتحركة المبنية على السوق ـ فإن القدرة الشرائية للنقد حتى في زمان بلوغ المستوى المتوسّط للقيم درجة الصفر تتغير بالنسبة لكل مستهلكٍ لوحده قياساً للسلع المتنوّعة، وفي الزمان الذي تتغير فيه القدرة الشرائية للنقد لن يعود بالإمكان الحديث عن "الناتج الثابت أو المعيّن من قبل" (الربا)، فالربا يصبح ذا معنى في ظل الظروف التي علاوة على ثبات المعدّل العام للقيم فيها لابد أن تكون القيم النسبية هي الأخرى فيها غير متغيرة، أي فقط في الاقتصاد المعيشي الراكد.
لعل "كينز" من الأشخاص المعدودين من بين علماء الاقتصاد المعاصرين المعروفين الذين كانوا يرون قيمة الفائدة ـ كما عند المفكّرين القدماء ـ أمراً متغيّراً نقدياً صرفاً لا رأس مالياً، ومن هذه الجهة انتقد علماء الاقتصاد الكلاسيكيين الجدد، يصرح كينز بفهمه لقيمة الفائدة على أنها قيمة النقد أو بتعبيره "موجد التعادل ما بين عرض وطلب القروض النقدية"([10])، إنه ـ وعلى خلاف علماء الاقتصاد الكلاسيكيين الجدد ـ لا يوضح قيمة الفائدة بالناتج النهائي لرأس المال وإنما بالعكس تماماً يرى بأن الناتج النهائي لرأس المال ومستوى الاستثمار هو التابع للقيمة، وبهذا اللحاظ فإن أفضل سياسة اقتصادية من وجهة نظره عبارة عن "تخفيض قيمة الفائدة الى معدّل الناتج النهائي لرأس المال، بحث تكون مضاعفة الاستمارات مفضية لتأمين كامل لفرص العمل"([11])، إن خفض قيمة الفائدة عن طريق زيادة عرض النقد يفرض ـ وفق عقيدة كينز ـ توسعة الاستثمارات، وفي النتيجة زيادة أدوات رأس المال، وهو ما يمثّل ـ من وجهة نظره ـ اقتراحاً عمليّاً يهدف إلى رفع نقص رأس المال، وفي النتيجة تعلّق الجائزة (الفائدة) بالملاّك غير النشطين([12]).
إن نظرية الفائدة الكينزية متورّطةٌ بتناقضٍ واضحٍ قمنا ببحثه في مكان آخر، لكننا نجمل القول هنا بأن قيمة الفائدة ـ من وجهة نظر كينز ـ تؤخذ دفعةً واحدةً كمتغيّرٍ نقديٍّ صرف بحيث يمكن للقوى النقدية وبزيادة عرض النقد تخفيضها إلى حدّ الصفر، ومرّةً أخرى يلاحظ أن كينز يرى أن جزاء المالك غير النشط والفعّال ـ يعني الفائدة ـ ناشئ من نقص رأس المال وهو يعتقد بأنه بمضاعفة ادوات الانتاج عن طريق تخفيض قيمة الفائدة يمكن التخلص من قلة رأس المال وفي النهاية قيمة الفائدة نفسها.
وبعيداً عمّا تقدم من الدور الباطل في نظرية كينز والذي على أساسه لابد من تخفيض قيمة الفائدة بهدف تخفيض قيمتها، يثار تساؤلٌ منطقي هنا وهو إذا كانت قيمة الفائدة ظاهرةً محضَ نقديّةٍ فما هي الحاجة لمضاعفة وسائل رأس المال بغية إزالتها؟ وهو ما يجرّنا في النهاية إلى تساؤلٍ أكثر جوهريةً وهو إلى أيّ حدٍّ يمكن أن يكون وضع نهاية لنقص رأس المال أمراً علمياً وحتى معقولاً؟
قلّةٌ هم علماء الاقتصاد اليوم الذين يأخذون برؤى كينز هذه بشكلٍ جادٍّ، بيد أن بعض المناصرين للبنك اللاربوي الإسلامي وبإحالتهم ـ مع الأسف ـ إلى شهرة وعظمة كينز يقدّمون وجهات نظره فيما يخصّ مسألة الفائدة ورأس المال على أنّها آخر المنجزات العلمية، ويستندون إليها تبعاً لذلك، ومن هنا فهم يعدّون النظام الاقتصادي ورأس المال غير الربوي من الأمور الممكنة بل والمطلوبة([13]).
إن وضع نهايةٍ لنقص رأس المال وحذف فائدته بتبع ذلك ليس إلا توهّماً، ذلك أن رأس المال هو وسيلةٌ لإنتاج السلع والبضائع والخدمات التي تشكّل الحاجاتُ والرغباتُ المتنوعة غير النهائية للبشر دافعاً لها، إن نهاية النقص في رأس المال يمكن أن تتصوّر ضمن ظروف تكون فيها النسبة السكّانية للبشر ثابتةً ورغباتهم محدودةً، كما أن أشكال وطرق الإنتاج لديهم لابد أن تكون غير متحوّلة وتطوّراتهم الفنية والتكنولوجية متوقفةً وراكدةً، ومن البديهي أن تحقّق مثل هذه الظروف ليس ممكناً كما أنه ليس مطلوباً.
النقطة المهمّة الأخرى التي غفل عنها كينز وأنصار إلغاء فائدة رأس المال في محاكمتهم القيمية والأخلاقية هي أنه إذا كان آكلوا الربا في ما قبل مرحلة الرأسمالية ـ والذين هم عمدةً من أصحاب الثروة وكانزي النقد ـ يمارسون الظلم بإقراضهم الأفراد المعدومين والذين يعيشون في ضائقةٍ اقتصاديةٍ وذلك عندما يطالبونهم بالقيم العالية للربا ففي الأنظمة الاقتصادية الحديثة انعكس الأمر تماماً فأصبح القابضون لفائدة رأس المال من أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة لا من مالكي رؤوس الأموال الكبيرة والضخمة "غير النشطين"، وكما يكتب أحد كبار علماء الاقتصاد المعاصرين قائلاً: "في زمن أثينا صولون ـ زمن قوانين الأرض القديمة عند الروم والقرون الوسطى ـ كان المقرضون عموماً من أصحاب الثروات فيما المقترضون من المعدومين والفقراء، أما (اليوم) في عصر السندات والبنوك الرهنية وبنوك الادخار وصناديق ضمان الحياة ومؤسّسات الضمان الاجتماعي فإنّ المقرضين يشكلون في الغالب أكثرية أفراد الشعب ذوي الدخل المتوسّط، فيما أصحاب الثروات وبصفتهم المالكين لأسهم الشركات والمصانع والمزارع والأملاك السكنية هم في الأغلب مقترضون لا مقرضون"([14]).
النتيجة
مع الالتفات إلى المباحث التي طرحت في هذه المقالة يمكن الخروج بهذه النتيجة وفق الملاحظات التالية وهي أن هناك تفاوتاً ماهوياً بين الربا والفائدة، ولا يمكن التعامل معهما على أساسٍ واحدٍ واعتبارهما أمراً واحداً وبالتالي إصدار حكم واحدٍ عليهما معاً:
1 ـ "الربا" كـ "ناتجٍ ثابتٍ أو معينٍ من قبل" يمكن تصوّره فقط في ظل النظام الاقتصادي المعيشي الراكد حيث تكون القيم النسبية ـ حتّى في الفترات الطويلة ـ غير خاضعةٍ لتغيّرات الارتفاع والانخفاض المهمّة، أما فائدة رأس المال في الأنظمة الاقتصادية الحديثة فهي غير مشمولةٍ للتعريف المتقدم للربا نظراً للتغيّرات الدائمة والمتواصلة للقيم النسبية.
2 ـ تعود ظاهرة الربا إلى مرحلة ما قبل الرأسمالية، ولا تقبل المقايسة مع الفائدة ذات الدور والتأثير الاقتصادي الهام في الأنظمة الاقتصادية الحديثة.
3 ـ من الناحية التاريخية فائدة رأس المال ذات منشئٍ مغاير تماماً لمنشئ الربا بحيث يلاحظ أن ظهورها في الحقيقة كان مضاداً لاحتكار الربا وسلطته.
4 ـ لقد وقع الربا ـ وبسبب دوره الاجتماعي التخريبي ـ محلاً للنقد والذم العقلائيين من قبل المفكرين السابقين فيما الفائدة على رأس المال ـ وبسبب تأثيرها الاقتصادي المنتج والهام في توجيه رؤوس الأموال ناحية عمليات الاستثمار ـ حظيت بتبريرات أخلاقية وعقلانية.
الهوامش
[1])) – عرّف البعض رأس المال من ناحية مالية صرفة فقال إن رأس المال عبارة عن أي ادخار أو امتلاكٍ ما يفضي إلى تحصيل دخل، وهذا التعريف لا يلحظ الفعالية الاقتصادية لرأس المال من الناحية الإنتاجية.
[3])) – Guy Fourquin, in Histoire economique et sociale du monde, pierre Leon(ed), Paris, Armand colin, 1977, T.1, p.370.
[5])) – T.B. Macaulay, Histoire d,Angleterrc (1848), Paris, Robert Laffont, Bouquin, 1989, T.II, p,665.
[7])) – "مطالعات نظرى در بانك دارى اسلامي" (قراءات نظرية في البنك الإسلامي) جمع محسن خان وعباس ميرآخور، ترجمة محمد رضا بيكدلى، مؤسسه بانكدارى إيران، 1370 هـ ش/1991م، ص 51.
[8])) – م، ن: 52.
[13])) – وكنموذج يمكن الرجوع للكتب التالية وهي:
1 ـ الدكتور حسن عبد الله أمين، سبردهاى نقدى وراهاى استفاده از آن در اسلام، ترجمة محمود درخشنده، انتشارات أمير كبير، 1367، ص248.
2 ـ Shaikh Mahmud Ahmad, Towards Intrest Free Banking, Lahore, 1991, p.30.
3 ـ M. A. Mannan, Islamic Economics, Theory and Practice, Delhi, 1980, p.219.