مؤشرات عامة في سمات البحث العلمي عند الإمام الخوئي
ربما يحتاج البحث الأكاديمي حول مفكر أُصولي في موضوع ما، كتحديد القراءة الأُصولية، التعريف بسيرة وشخصية ذلك الفقيه، وحيث إنّ موضوعنا حول الإمام السيد أبي القاسم الخوئي، فلابد من تحليل المكونات العلمية لعقليته الفقهية، لكن لأننا نتحدث عنه في وسط عرف الإمام الراحل أكثر من معرفته البديهيات فصار نافلة بحثية، لكن يبقى كثير العارفين بتكونات الإمام الخوئي& يحتاجون لتحليل النص الفقهي الاستعانة بتكون الشخصية الفقهية للإمام(1) .
لذلك نجمل القول في ذلك: فقد برع الإمام : برع في علوم عديدة، فتدارسها وترك عليها أثراً بارزاً من الإبداع والتطوير، ومنها إعادة هيكلية (علم الرجال) بعد أن محّص أُصوله بلا زمن معين ولا مرحلة بعينها، ووصل بها إلى تأسيس المباني والقواعد الكبرى وعند ذلك رجحها بعد أن أثبت اعتبارها وأقام الحجة عليها، وبذلك أعاد لعلم الرجال (روحه العلمية) فازدهر هذا العلم من جديد، وسدّ فراغاً كان يتضاءل في مناهجه وحقوله، ومما لا شك فيه أنّ هذا العلم من مقومات الاجتهاد ومعداته الكبرى، لذلك ربطه الإمام الراحل بخط يتوازى مع الفقه والأُصول، وأزال القطيعة المعرفية بينهما، على أني أظن أنّ تلك القطيعة كانت بسبب صعوبة الإحاطة بعلم الرجال وعدم إخضاعه لمنطق وقواعد عقلية الاجتهاد، ولا يزال البعض يدرسونه دراسة مبنائية(2).
ثم إنّ الإمام الراحل هذب إلى جانب ذلك، بتقريراته الرفيعة المستوى علم الأصول وعالج بقواعده التي هذبها مختلف الموضوعات الفقهية، ولاسيما المستحدثات الفقهية، فهو إذن مبدع مؤسس في المجالين على اختلافهما، ثم إنه وضع أُسساً منهجية نظرية لتفسير القرآن الكريم ـ في سفره النفيس (البيان)، وطبق ذلك على مواضيع عدة أبرزها موضوع النسخ في القرآن الكريم، فقد كان هذا موضوعاً قد كثر فيه السجال، وعلى منواله نسج تلاميذه وغيرهم ممن شع عليه علمه، مثل أُستاذنا الدكتور الزلمي الذي لم يختلف معه إلاّ في مسألة واحدة(3) هي آية النجوى.
ومن أبرز مؤشرات بحث الإمام الراحل أنه ربط علم الرجال والسيرة الرجالية ربطاً علمياً لم يكن معروفاً من قبل، على أني أتمنى أن يواصل البحث في علم الرجال، بعد أن أزال الإمام الخوئي كل معوقات البحث فيه، ففتح سبله للباحثين من مراهقي الاجتهاد. ومما يؤسف له أنّ من مظاهر بحث حوزاتنا الموقرة أنها لا تواصل البحث تراكمياً، فقد وضع مثلاً الإمام محمد باقر الصدر أساسيات علم اقتصاد إسلامي، ومصرف إسلامي، وأعاد إلى طاولة البحث منهجية برهانية لدارسة التاريخ إلاّ أننا لم نواصل البحث في هذه المجالات، ومثل ذلك لم يواصل العلماء البحث في علم الرجال على منهج الإمام الخوئي& فيما بعد ـ على ما اطلعت عليه ـ مع قلة اطلاعي.
واعتقد أنّ كتابه «معجم رجال الحديث» يحتاج حالياً إلى فريق عمل من المؤرخين لإثراء هذا التأسيس المعرفي المبدع؛ لكي تثبّت فيه المعلومة التاريخية عن السيرة والحدث وعصر الراوي، لكي تتضح معالم التموضع في حيثيات التعديل أو التضعيف؛ لأنّ الكتاب اعتمد على الرافد الرجالي فقط، مما أفقده ما يكمّله من الرافد التاريخي، ويحتاج لإبراز المفاهيم والقواعد الجديدة في بحث الإمام الراحل التي سطّرها بتواضع العلماء في ثنايا المعجم، مستقلة عن الكتاب بما يحقق عندنا قواعد جديدة للدراية، ولاسيما أنه قد برهن على أنها مقاييس برهانية للتوثيق والتعديل، فما اكثر ما نسف مما عرف في هذا العلم لضعف حجته أو لوجود ما يخالفه، فالوكالة عن الإمام× عند السيد الخوئي لا توجب التوثيق، وتوثيقات المتأخرين لا قيمة لها إذا كان للقدماء رأي في الراوي، وما أكثر ما كشف من اتحدوا في الاسم والكنية مما أغفله باحثون كثيرون، وعلى تلك القواعد أبرز رأيه في عدم صحة العمل بالشهرة مطلقاً، واختار لابدية الإحالة على السند الممحص، وتقاطع تماماً ـ وهو هنا أكاديمي بارع ـ مع من يرى قطعية صدور الكتب الأربعة، الذي لا تزال قطعية الصحاح مشكلة فكرية ومنهجية كبرى لم يستطع أن يعالجها أهل الصحاح (ونشهد أنه قد كثر الخلاف بينهم).
لقد نقل الإمام الراحل القواعد البرهانية من علم الأُصول إلى علم الرجال، فلم يساوِ بين موثق بدلالة المطابقة، وبين الموثق بدلالة الالتزام، أمّا في التضمن فقد وثق على أساسها أسناد كامل الزيارات الذي عرفت أنّ الإمام رجع عن رأيه في أواخر عمره الشريف، مما يؤكد علمية العقل الاجتهادي عنده، ولو يعرف الناس كم بني من فروع على توثيق أسناد كامل الزيارات لعرفوا الشجاعة العلمية للإمام& وتقواه مجتهداً أكبر حينما يتوصل إلى إعلان التنصل عن رأي منهجي له آثار كبيرة مثل كامل الزيارات(3). كان قد مضى على تبنيه له عشرات السنين ولم تخالجه أدنى درجة من الخوف، وهو يبطل رأي من يرى صحة روايات الكافي مطلقاً في وسط عصفت به «قيم التقليد» ولم يتناوله خوف في موضوع الشك في نسبة كتاب ابن الغضائري إليه، وما في هذا النفي من فوائد كبرى ومع ذلك ـ وفي المقابل ـ ولأجل ألاّ ينسد باب العلم ـ قال بحجية خبر الواحد وحجية الظواهر، مما يكشف لك ذلك التعادل والوسطية والتوازن المدهش في فكره العلمي، ولعل هذه إطلالة سريعة على مزايا العقل الاجتهادي لمرجع أتباع أهل البيت^ وأخيراً يقرر الباحث أنّ الإمام الخوئي الذي تميزت مرجعيته بكثرة من تتلمذ عليه حتى وزّع علمه في الآفاق، فمتى تجد عملاقاً في العلم فإنه يقول لك: إنه تتلمذ على يده&، ولقد كان بودي أن أدرس كيف عالج الإمام الراحل بحكمته العالية والمتعالية أحداث عصره، وكيف حافظ على أدنى وجود للشيعة في العراق عامة والنجف الأشرف خاصة في وجه الاكتساح الطائفي المتعصب المسند من قوى دولية بإمكانات مجتمع مغلوب، مثل المجتمع الشيعي في العراق بين 1970 ـ 1992 بحيث لم يفارق الحياة حتى قاد بعد أن اشتد العود وتصلب الموقف انتفاضة المجد في شعبان، لكني آثرت بحثاً فنياً، ولعل وقتاً آخر يتسع لمثل هذه الأمنية. بالتعاون مع الباحثين في مجال الحدث التاريخي والاستراتيجيات السياسية والمحللين السياسيين لأحداث انتفاضة آذار المجيدة 1991.
المبحث الأول : فقه الردة في تكملة منهاج الصالحين
لماذا فقه الردة؟
لابد من التقرير أولاً أنّ تكملة المنهاج نص فقهي غير استدلالي، أو يعسر على الباحث أن يحصل على نص استدلالي منه، فتوليت قاصداً رصد معاني الاستدلال على ضوء ما عرفته من منهج الإمام قبل الوقوف على مباني تكملة المنهاج، وحتى أقارب موضوعاً حساساً مثل فقه الردة لم يخضع لدراسة مشبعة أو لم يتم تناوله على أساس علمي أو ربّما درس دون نشر النتائج، فلابد أولاً من بيان أسباب الاختيار.
إنّ موضوع (الردة) وأحكام المرتد قد خامره «اضطراب النظرية والتطبيق» منذ العصر الأول لنشر الفقه الإسلامي، فلقد اتهم بالردة مؤمنون مخلصون، مثل مالك بن نويرة، واتهم بها مفكرون مجددون وقتلوا بهذا الاتهام واستخدمته السلطات المتعاقبة سيفاً لممارسة الاغتيال السياسي تحت عنوان الزندقة، وصار التمرد على السلطة، تمرداً على الشريعة (وارتداداً) عنها. لذلك صار من الضروري إعادة النظر برؤية نقدية للتراث في هذا المجال ، وهو اليوم أكثر حساسية لكثرة المجموعات التي تستخدم التكفير كوسيلة للإقصاء والتهميش، بل والتصفية العقائدية والسياسية، وكذلك فإنّ أزمات الساحة الدولية وما فيها من تيارات فكرية ومناهج مستحدثة وما فيها من قدر كبير من الإسقاط على العقل العربي بحيث سيشكل (عاملاً) أو (عواملَ) تفتح الباب أمام توهم حصول الارتداد. ومما يزيد في الموضوع خطورة أنّ الدعاية الغربية المنظمة بالتقنية العالية ربّما تستغل هذا الاضطراب في فقه الردة وقضاء المرتدين لأغراض إدامة الحرب المنظمة بين المسلمين سواء بتشجيع الاحتراب الداخلي أو بإسقاط القيادات المجددة، إسقاطاً معنوياً لأجل هذا كلّه نحاول استنطاق نص الإمام الراحل في «فقه التكملة» حول الردة أولاً ثم آلية الاستدلال الأصولي في «مباني التكملة». وقد اخترت مجموعة مفردات من فقه الردة أتناولها على التوالي:
تحديد المرتد
يقرر الإمام الراحل أنّ المرتد: هو من خرج من دين الإسلام،(4) ويفهم من الخروج: التنصل التام، ولفظ الدين يشتمل على عموم الموقف العقائدي والتشريعي والأخلاقي، وهذا لا ينطبق على من يرى أنّ المرتد هو من أنكر ضرورياً من ضروريات الدين ـ إلاّ على افتراض أنّ إنكار البعض إنكار للكل، وهذا الافتراض يحتاج إلى مقدمات إثباتية، فإذا كان الأمر كذلك فإنّ إنكار حكم شرعي فرعي قد ثبت بدليل ما لا يقوى أن يكون محلاً للحكم بالارتداد؛ لأنه في الأقل ليس خروجاً عن الدين إلاّ إذا قلنا إنّ الإنكار نفسه إنكاران: الإنكار الكلي، أو إنكار ضروري، أو إنكار حكم فرعي ثابت بدليل قاطع، وهذا بدوره ينقسم إلى ما كان مستنداً إلى دليل يتصوره (المنكر) أنه دليل علمي، وما كان مستنداً إلى شبهة معقولة، وما لم يكن مستنداً إلى دليل أو شبهة، والقسم الرابع ما حكم بردة المخالف للمشهور(5).
فلكل مستوى من مستويات الارتداد حكم إذا تقبلنا فكرة تجزيئية المفهوم أو تفكيكه على صعيد إطلاق الوصف، وحيثية الحكم، وطريقة تطبيق الجزاءات التي سترد في فقرة لاحقة، ولعل الإمام الراحل حينما اختار عبارة (الخروج عن الدين)، فإنّ هذا الخروج يلزم أن يتحقق بشكل كامل في مجال المصداق؛ لكي ينطبق المفهوم، وإلاّ فإنّ إطلاق وصف الردة وتطبيق الجزاءات بالاستناد إلى دمج المستويات أو ما يطلق عليه في الاصطلاح الحوزوي (عموم الأدلة) فإنّه من باب التمسك بالعام في مقام الشبهة المصداقية، ولأنّ الحكم لا يثبت موضوعه، إنما يطبق على موضوعه فإنّ أكثر الفقهاء والأصوليين لا يقبلون هذا النمط من التفكير الفقهي(6). وستجد ذلك جلياً في تأسيسات الأحكام عند الإمام الخوئي&.
ومن المهم أن نلفت النظر إلى أنّ فقه المذاهب لم يقسم المرتد قسمة ثنائية، كما هو الحال في فقه الإمامية، بل تعامل مع الظاهرة تعاملاً واحداً، بينما قسم الإمامية المرتد إلى قسمين بحسب دخوله أصلاً في الإسلام إلى مرتد فطري، وملّي، وقد فصّل الإمام ذلك تبعاً لتواتر التقليد الفقهي.
قال الإمام الراحل: الفطري: من ولد على الإسلام من أبوين مسلمين، أو أحدهما، ثم خرج من الدين، والملي: من أسلم عن كفر ثم ارتد ورجع إليه.
وقد ظهرت ثمرات التقسيم في إجراءات التقاضي وتطبيق العقوبة بشكل منظم، بينما اضطربت آراء فقهاء المذاهب في إجراءات التقاضي وتطبيق العقوبات على المرتد من أبوين مسلمين أو أحدهما، من المرتد إن كان قد أسلم هو عن كفر ثم رجع له،(7) وظهر ذلك في الاستتابة(8) ومصادرة أموال المرتد(9) وظروف الجريمة(10) بعامة، إلا أنّ في أروقة فكر مجتهدي الإمامية خلافاً بسيطاً في مصداق المرتد الفطري. فمنهم من يرى أنّه من انعقدت نطفته من أبوين مسلمين، بينما يذهب الإمام الراحل إلى أنه المولود لأبوين مسلمين، جاعلاً المدار على الولادة(11)؛ لصعوبة الإثبات القضائي في الرأي الأول، وقد كان الشيخ صاحب الجواهر من قبل يستغرب هذا المدار من الفقهاء الذين سبقوه مؤسساً استغرابه على أنّ المراد أصل الخلقة لا خصوص التولد(12).
ولعلك تسأل عن الثمرة من الرأيين فيقال: إنهما ـ الوالدين ـ لو (ارتدا) وهو جنين فإنهم يعاملونه على مدار انعقاد النطفة مرتداً فطرياً، وإذا كانت القاعدة أنّ الشك يفسر لمصلحة المدين (المتهم) أو أنّ الحدود تدرأ بالشبهات مقابل حق المجتمع في وقف ممارسة الإلحادية بعد الإسلام، فإنّ الضبط المصداقي في الحكم عند السيد أكثر أكاديمية. ولعل العبارة الأكثر رصانة ما وردت في كشف اللثام، حيث قال: >من لم يحكم بكفره قط لإسلام أبويه أو أحدهما حين ولد، ووصفه الإسلام حين بلغ، فلو بلغ كافراً لم يكن مرتداً عن فطرة< وقد علّق عليه صاحب الجواهر بأنه لا يخلو من قوة(13)، أمّا مستند السيد الخوئي فهو صحيحة الحسين بن سعيد(14)، ومرفوعة عثمان بن عيسى التي تنص على الولادة، ومع ذلك يستغرب صاحب الجواهر ممن يرى إن المدار على الولادة، ويعتذر لهم بأنّ منشأ الوهم النصوص المتقدمة، ثم يفسرها بأنّ المراد من الولادة، (أصل الخلقة لا خصوص التولد) للغلبة(15)، وهنا يظهر التفهم الاجتهادي للرواية ويبنى الحكم (الموقف) على أساس أحد وجوه الدلالة المستفادة من النص، لكن هذا فيما نتمنى أن لا يؤسس إقصائية الفهم الآخر، سواء في صياغة الخطاب الفقهي- او التعامل على أساس الموقف الفقهي. ولا أجد محاورات مهمة في المرتد الملّي عند الإمامية، وفيما يأتي جدول مقابلة بين المرتد الفطري والملي:
المرتد الفطري
|
المرتد الملي
|
1ـ يجب قتله بلا استتابة على (الأشهر).
|
يستتاب (مع اختلاف في مدة الاستتابة).
|
2ـ تبين منه زوجته وتعتد عدة الوفاة.
|
ينفسخ العقد مع زوجته وتعتد عدة المطلقة.
|
3ـ تقسم أمواله حال ردته لورثته.
|
خلاف في مآل أمواله في حالة قتله.
|
مقاصد النص الحديثي
حتى نتحرك خلف مقاصد النص الحديثي فإنّ «الحكم بقتل المرتد الفطري ـ بلا استتابة ـ على رأي فقهاء الإمامية، وبشرط الامتناع عن الاستتابة عند المرتد الملي، فإنّ التسويغ المتعقل هو أنّ النص على كون الردة عملاً جرمياً والقانون يجعل هذا الفعل من جنس العلاقة الدستورية بين المواطن والدولة؛ لأنّ الردة فعالية عقدية وسياسية تسبب أضراراً على الأمن العقائدي والثقافي للمجتمع، وفي التجريم إقرار على أنّ المجتمع في عرف الإسلام مجتمع عقائدي في الوقت الذي ينفتح في إعطاء حق المواطنة للمسلم وغير المسلم، ويضع لكل منهما حقوقه وواجباته ويقبل الله (تعالى) من المسلم على أساس أنّ إيمانه لم يأت إيماناً سطحياً تقليداً لأحد أو اتخاذاً سريعاً لقرار مهم، إنما يطالبه البارئ أن يكون إيمانه إيماناً عقلانياً برهانياً يعتمد على آليات فلسفية تأملية، فالفقهاء جميعاً يتسالمون على أنّ الإيمان بالأُصول لا يصح بغير امتلاك الأدلة اليقينية فلا تقليد في الأُصول، وما دام الأمر كذلك فالردة انتقال من المعقول إلى اللامعقول، ومن الرشد إلى الغيّ. وحيث لا أسبقيات فكرية لدى المرتد الفطري لتطابق عقيدة الإسلام مع مقتضيات الفطرة الإنسانية، فإنّ الإسلام تحقق عنده فطرياً، أي تحقق التطابق، ولذلك فالردة هنا مضادة مع الفطرة ومضادة مع العقل والمنطق، فضلاً عن أنّ نظام الدولة في مجتمع إسلامي يقوم على تنميط الوعي العقائدي واستناد التشريعات العملية على الإيمان من مستوى (أحكام الفرد إلى أحكام القانون الدولي للكيان السياسي الإسلامي)، فمقتضى الردة «عدم التزام المرتد بكل هذه» وبذلك يشكل ظاهرة خطيرة على أمن المجتمع وانضباطه بقوانين الدولة، ويشكل أيضاً خروجاً عن أهداف الأُمة ومسارها الحضاري، لذلك كله جاء هذا الحد (العقوبة) بهذه الصرامة، في حين أنّ المرتد الملي، قد روعيت فيه الأسبقيات الفكرية التي كانت جاثمة في عقله ووجدانه، وإنها ربما تعود إليه بسبب تشكيلها في عقله المعرفي، ولا أفهم الاستتابة هنا إلاّ أنها فرصته لمراجعة عقلية ومناظرة برهانية بين ما يتصور ظهوره من مضادات بين الحقائق الإسلامية والشبهات التي يُعدّ تاريخه الثقافي مصدراً لها.
ومثل ذلك ما نلاحظه في علاقته الزوجية بين البينونة الكبرى وانفساخ العقد بالنسبة للملي، لقاعدة عدم صحة زواج المسلمة بغير المسلم، وهي من القواعد المتفق عليها بلا خلاف مطلقاً؛ لأنّ البينونة الكبرى ليس وراءها رجعة، بينما الانفساخ يمكن أن ينعقد صحيحاً مرة أخرى طالماً أُعطي الآخر حق الرجوع إلى الانعقاد الصحيح بالاستتابة، ولأنّ القانون يحكم بموته سواء نفذ الحكم أو لم ينفذ على الفطري، لذا قضي بان تقسم أمواله بين ورثته المسلمين استصحاباً (لوضعه الأول: الإسلام)، لاعتبار انطباق قواعد الإرث على المسلم، بينما لا تزول أموال المرتد الملي حال ردته، إنما تنتظر استتابته فإن تاب عادت أمواله إلى ملكيته، وإلاّ وزعت أيضاً بين ورثته (على خلاف بين الفقهاء) بينما ـ لا توجد هذه التفصيلات في فقه المذاهب الأخرى، فهم بين موجب للقتل ملياً كان المرتد أو فطرياً، وبين موجب لاستتابتهما معاً، واختلفوا في مدة الاستتابة بين من يرى مداها لا يزيد على ساعة(16) وبين من يحددها بـ (ثلاثة أيام)، وبين من يترك حق الاستتابة إليه، إذ لو طلبها المرتد أُعطيت له وإلاّ فيقام عليه الحد. وكذلك اختلفوا في الميراث، فأبو حنيفة يضع ميراثهما لورثتهما مطلقاً، أمّا مالك فيجعله في بيت المال، أمّا أبو يوسف فيفصل، فيرى أنّ ما اكتسبه في حال ردته فهو (فيء) تطبق عليه أحكام الفيء، وما اكتسبه قبل الردة فلورثته من المسلمين، لحديث (لا يتوارث أهل ملتين)، في حين ذهب عمر بن عبد العزيز إلى جعل ورثته في الكفار الذين يرثونه طبقاً لما جرى عليه العرف عندهم(17).
شروط تحقق الفعل الجرمي
ذهب الإمام الراحل& إلى أنه يتحقق الارتداد مشروطاً بـ (البلوغ، وكمال العقل والاختيار). ولم يفصل في المنهاج، فأُعفي الصبي من العقوبة وان ظهر منه، ولفظة (الصبي) غير محددة فقهاً وقانوناً، إلاّ أنه ورد في الجواهر قيد بعد لفظة الصبي، قال: (وإن كان مراهقاً) ثم أسند ذلك لحديث رفع القلم(18). ثم عقب فقال: (إلا أنه يؤدّب بما يرتدع به، خلافاً لرأي الشيخ الطوسي في الخلاف فيما يخص المراهق لخبر (الصبي إذا بلغ عشر سنين …)(19) بيد أنّ صاحب الجواهر يرى >شذوذ الحديث، وعدم صراحته، وأنه معارض بما هو أقوى منه من وجوه< وكل ذلك يمنع العمل به.
وفي فقه المذاهب أربعة اتجاهات:
1ـ إنّ إسلام الصبي المميز لا عبرة به؛ لأنه لا يحصله باليقين والبرهان، وعليه فردته لا أثر لها، وهو قول (الشافعي). مستنداً إلى حديث رفع القلم، ويعبرون عنه بأنه مسلم حكماً أو تبعاً.
2 ـ ما يرى صحة إسلام الصبي المميز، وهو قول لأبي حنيفة ومالك، مستندين إلى قوله’: «أمرت أن أقاتل الناس» وإسلام الإمام علي× وقبول الرسول بيعته وإسلامه، وعليه فأحكام الردة تنطبق عليه. بيد أنّ الحنابلة وضعوا شروطاً، منها أن يكون الصبي قد تعقل الإسلام وأن يتجاوز عشر سنوات؛ لأنّ النبي أمر بضربه على الصلاة وهو ابن عشر.
3 ـ من يرى أنّ صحة الإسلام منه لا توجب إيقاع عقوبة الردة عليه، أي أنهم يرون أنه متى صح إسلامه صحت ردته، لكنه لو ارتد لا يقتل، إنما يحبس إذ لا قتل إلاّ على البالغ فيحبس حتى يبلغ ثم يستتاب.
4 ـ منهم من يرى صحة الإسلام منه، ولا تصح الردة منه وقوعاً وأثراً. وكذلك المجنون(20).
الإكراه وإسقاط الجرم
أمّا الإكراه فهو مسقط للعقوبة، ولاسيما ما ليس مانعاً من صدور الفعل الجرمي عند الفقهاء لذلك اشترط الإمام الراحل لإسقاط العقوبة أن تقوم القرينة على تحقق الإكراه، وبذلك يؤكد أكاديمية التفكير الفقهي وعمليته، لاعتبار أنّ الإكراه شرط من جهة، ومانع من جهة، وهو بذلك يندرج تحت الحكم الوضعي، ففي مجال القضاء فلأن أصل المسألة من جملة الإجراءات الجنائية، فلابد من توفر القرينة لتحقق أي حكم قضائي مسقط للعقوبة أو مثبت لها، إلاّ أن ما يعارض هذا المنحى أولئك الذين يتمسكون بقاعدة «الحدود تدرأ بالشبهات» فلمجرد ادعاء الإكراه فإنّ ذلك يعد منه تراجعاً، ويقيم إزاء تطبيق الحد شبهة، وأظن أنّ مناط الإكراه بحاجة إلى تحقيق وتحديد؛ لأنّ الإكراه المباشر مقطوع بمسقطيته للعقوبة، وهناك في عالمنا إكراهات غير مباشرة، منها الانغمار الإعلامي أو الإسقاط الفكري والمعرفي الغربي على العقل الإسلامي، وهذا غير ملاحظ ولا معتبر في الفقه التقليدي.
مما يلفت النظر في فقه السيد الخوئي رأيه الرائع في قضية المرتد الملي، فإنه& يقرر أنّ أمواله لورثته من المسلمين، إلاّ إذا لم يكن له وارث، فيرى أنّ المشهور ـ (وهو يقف من الشهرة موقفاً متحفظاً) يقرر أنّ وارثه الإمام (بيت المال). ولأجل ذلك :
يقول الإمام الخوئي&: (وهو لا يخلو من إشكال)(21)، ويعلل ذلك بأنه كالكافر الأصلي استصحاباً، فيقرر أنّ أولاده الكافرين يرثونه في هذه الحالة.
ويلاحظ في فقه الإمام الخوئي& أنه يطبق قاعدة شخصانية العقوبة تطبيقاً رائعاً، فولد المرتد عنده ـ قبل البلوغ ـ محكوم بالإسلام، يرثه، ولا يتبعه في ردته إلاّ إذا بلغ فأظهر الكفر تضييقاً لسلطة القاضي أو تعسف التأويل لصالح الحق العام على حساب الحق الشخصي، ولو أظهر الولد بعد بلوغه الكفر فلا يعامل مرتداً، بل يذهب أبعد من ذلك في قوله: إنه حتى لو ولد له ولد بعد ارتداد الأب كان المولود محكوماً بالإسلام، ويسوغ ذلك بقوله ان انعقاد النطفة من أحد الأبوين مسلماً يكفي في جريان الاتباع وإن ارتد الثاني بعد ذلك(22).
المرأة وأحكام الردة
المرأة إمّا هي التي ترتكب فعل الردة، فتترتب عليها أحكامها أو ينالها من أحكام المرتد إذا كان زوجها.
فالمرأة المرتدة في فقه الإمام الخوئي& لو ارتدت عن فطرة لا تقتل، إلاّ أنها تبين من زوجها المسلم وتعتد عدة الطلاق ، وتستتاب فإن أصرت تحبس ويضيّق عليها، على حين أنّ مالكاً والأوزاعي والشافعي والليث يرون أنها تقتل لعموم الحديث النبوي >من بدل دينه فاقتلوه<، أمّا الثوري وأبو حنيفة فانهما لا يريان قتلها كالإمامية مستندين في ذلك إلى أنّ ابن عباس هو راوي الحديث لم يقتلها، وراوي الحديث أعلم بتأويله، مضافاً إلى أنّ رسول الله’ نهى عن قتل النساء أو قتل الكافرة،(23) فإذا كانت الكافرة لا تقتل للكفر الأصلي فأولى أن لا تُقتل لكفر طارئ، وبرأي الإمامية وأبي حنيفة أخذ قانون العقوبات المصري في تعديله في المادة (160)(24) والفارق أنّ فقه أبي حنيفة استخدم تأويل الراوي، والحديث معارض على عمومه والقياس، بينما استند الإمامية إلى نص حريز عن الصادق× الذي يصرح بحبسها، وكذلك صحيحة حماد(25) عن أئمة أهل البيت^.
أمّا في زواج المرتد بالمسلمة فالحكم مستند الى الاتفاق على الحظر ، لكن بعض الفقهاء منعوا تزويجه حتى من الكافرة، يرد ذلك الإمام الراحل فيقول: (وفيه إشكال) بل الأظهر جوازه لاسيما في الكتابية.
العود إلى الفعل الجرمي
يؤكد أغلب الفقهاء أنّ من تكرر منه فعل الردة ثم تاب فيقتل في الرابعة، وهو رأي الشيخ الطوسي وقيل في الثالثة، يقول الإمام: (وكلاهما لا يخلو من إشكال، والأظهر عدم القتل)(26).
وسبب الإشكال أنّ استدلال الشيخ الطوسي بإجماع الأصحاب (استناد على الشهرة) وان الإجماع أعم من المدعّي (إنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة) والمرسل الذي رواه في المبسوط ورُوى مرسلٌ يعارضه، وهذه جميعاً لا تقوم بها الحجة.
السكران والردة
يرى أبو حنيفة أنّ السكران كالمجنون، فلا يصح إسلامه ولا تصح ردته، معتمدين على أصل الاستحسان؛ لأنّ حكم القياس عندهم أنهما يصحان منه؛ لأنه كالصاحي في اعتبار أقواله وأفعاله، لكن كون الردة تبنى على الاعتقاد، والسكران بمعزل عن ذلك، والظاهرية أيضاً لا يعتبرون أي فعل صدر منه، أمّا الإمامية وإن كان الأصل أنه يحكم بإسلامه وردته إلاّ أن اليقين بزوال تمييزه بالسكر. والتمييز شرط في التكاليف عقلاً وشرعاً، فقد رجع في الخلاف عن مقتضى القاعدة؛ لعدم توفر القصد، والشيعة إذا أبطلوا طلاق السكران، فمن باب أولى إبطال الحكم بردته في حال سكره، أمّا الشافعية والمالكية والحنابلة والزيدية فلديهم قولان، الراجح منهما مقتضى قاعدة إمضاء تصرفاته، إلاّ أنهم يميلون للمرجوح.
المبحث الثاني: آليات الاستدلال الأُصولي عند السيد الخوئي في فقه الردة
الحكم الفقهي عند عموم الفقهاء عملية عقلية ذات مرجعيات دليلية واستدلالية فلابد لكل حكم من دليل، واستدلال محكم طبقاً لذلك الدليل (الدلالة Semantics ).
فمن جهة الدليل: نلاحظ ندرة واضحة في الاستدلال بالنص القرآني(27)، وسبب ذلك أنّ السمة الدستورية للآية القرآنية كانت في صدد «تجريم الفعل» فقط والإشارة إلى عقوبة الآخرة، أمّا العقوبة على الفعل فقد تركت للسنة النبوية وللتجربة السياسية لعصر النبوة أو حكومة الإمامة، لما ورد من قرارات النبي’ وأقواله، وقضاء الإمام علي× في مثل هذه الواقعات، لذلك ظهرت السنة لاسيما بروايات أهل البيت لها إسناداً للنبي أو اعتماداً على أنهم لا يروون إلاّ عنه’ أو ما وافق روايته طبقاً لاعتقاد الإمامية بعصمة الأئمة^.
أقول ظهرت واضحة أكثر مستندات أحكام الردة من النص القرآني، ولعل هذا الرصيد عام في فقه السيد الخوئي، وفقه فقهاء الإسلام جميعاً.
1 ـ ظهر أنّ الإمام الراحل لا يتعامل مع الروايات الواردة عن الأئمة^ تعاملاً واحداً، ذلك أنه اعتمد على تفاوت القوة الملزمة للرواية من جهة درجتها في الاعتبار، فمرة يسميها (صحيحة فلان)، وأخرى يطلق عليها (معتبرة فلان). وثالثة يشير إلى ضعف الرواية فيجبرها إمّا بمعتبرة أو مرسل أو ما يصلح جابراً للضعف، أو يترك العمل بها(28). وفي فقه الردة لاحظت أنّ السيد الراحل يرد الرواية لأسباب عدة منها:
أ ـ ضعف السند، كما أشار في إحداها أنّ في سندها علي بن حديد، وهو ضعيف(29).
ب ـ أو لكونها فتوى من الراوي واجتهاداً منه (مثل رواية جميل بن دراج) لأنه(30) قاس قتل المرتد إذا تاب وعاد ثلاثاً فقال: >لم أسمع في هذا شيء، لكنه عندي بمنزلة الزاني أنه يقتل في الثالثة<(31).
ج ـ لأن في سند الرواية مشتركاً بين الثقة وغير الثقة، مثل: محمد بن سالم(32).
د ـ أو لكون متنها مخالفاً للمقطوع به.
2 ـ فإذا خلا الفرع الفقهي من (مستند روائي) فإنك تجد رحاباً عقلية فسيحة في أصول ومستندات السيد الخوئي للوصول إلى الحكم، ومن أبرز الآليات الاجتهادية العقلية: اعتماده على الملازمات غير المستقلة «المرتبطة بالرواية ذات الصلة بالموضوع» اعتماداً على استنطاق المفاهيم من النص، أي الاجتهاد في خلفيات المنطوق.
ومنها: اعتماده على السيرة القطعية، مثل المتولد من كتابي، وقد أظهر الإسلام (اتقاءً للقتل) يقول الإمام: >لما جرت السيرة القطعية من زمن النبي’ قبول إسلام الكفرة لمجرد إظهار الشهادتين مع القطع بكونهم غير معتقدين حقيقة فإنّ ذلك ملزم لاعتبارهم مسلمين قضاءً لا ديانةً<(33).
ومنها: تطبيق مبدأ أو أصالة الإباحة ـ تكليفاً ـ يظهر ذلك في تعبيره& لعدم الدليل على المانع، على أنّ هذا المصطلح الأصولي مشترك الدلالة بين المانع بوصفه من أقسام الحكم الوضعي(34)، أو المانع مطلقاً بوصفه (المعارض الدليلي)(35).
وتجده في كثير من الأحيان يعول في استنباط الحكم على كونه ضرورة عقلية أو منطقية، مما يشعرك بأنه يقرر فيه أنه مما لا يحتاج إلى دليل نصّي. أو كونه من الواضحات التي يندر النقاش فيها.
وأخيراً ـ والفسحة العقلية لا تزال رحبة ـ اعتماده على القواعد الفقهية، سواء أكانت مقررة للحكم أم مانعة منه. ففي دعوى الإكراه ـ هل هو مسقط للعقوبة في حالات الارتداد أم لا؟ يرى الإمام ضرورة قيام القرينة، وإلاّ فلا أثر لها خلافاً لمن يرى سقوط الحد مع أي احتمال لصدق المدعي للإكراه تمسكاً بـأنّ الحدود تدرأ بالشبهات.
يقول الإمام: ((لكنك عرفت ان هذه الكبرى لم تثبت، لأنها إمّا واقعية أو أنها ثابتة واقعاً وظاهراً، والثانية غير متحققة في المقام لتحقق الارتداد والشك في تحقق الإكراه، والأخير مرفوع بالأصل (36) .
مما تقدم يظهر لك:
1 ـ إنّ العملية العقلية الأُصولية الاستنادية عند الإمام تشتبك فيها (قطعية صدور الدليل) مع قطعية انطباقه على الواقعة بما لا يقبل الفصل والتفكيك، فليس الاجتهاد عنده ربط الواقعة بدليلها الأُصولي مطلقاً وتأسيس الحكم الفقهي على هذا الربط تأسيساً عمومياً، بل تجد تدقيقاً يشعرك بالعمق الدلالي.
2 ـ وتجد أنّ «تقليب السوابق الإفتائية» في ضوء المنهج المتقدم يحقق إثراءً معرفياً ضخماً للموضوع المدروس.
3 ـ إنّ نظرية منهج علمي يمكن إعادة تشكيل هيكله من خلال الممارسة الأُصولية البارعة والمتمرسة عند الإمام الخوئي ـ لطول الممارسة وتراكم الخبرة، أمر في غاية الإمكان، لذلك أدعو من هنا المفكرين والعلماء إلى إعادة تحديث القواعد المنهجية للانتهاء من نظرية منهج إسلامية ـ طالما افتقدتها ثقافتنا المعاصرة.
استخلاصات البحث
لاحظنا من خلال العرض:
1 ـ إنّ تحديد وضبط المصطلح والمفهوم عند السيد عن (معنى الردة) أخرج كل ما يمكن أن يكون ذريعة لقتل المخالف والمتأول والمعارض السياسي من الوسائل التي تمكن السلطة من إقصاء الآخر، سواء السلطة السياسية أو السلطة الدينية أو المعرفية.
2 ـ إنّ لثقافة الآخر امتدادات تبقى لفترة، فإنّ تقسيم المرتد إلى فطري وملي مقدمة لتقسيمات جديدة يجب أن تكون محلاً للتنظير الفقهي المعاصر.
3 ـ لاحظنا دقة أكاديمية رفيعة في مجالات متعددة من الأحكام وأُسلوباً متميزاً في مجال منهج العرض، ومنهج المناقشة والاستردادية ومنهج الدليلية الأُصولية، وأخيراً المنهج الدلالي في الإفادة من الدليل وملازماته ومفهوماته (مفهوم الموافقة أو المخالفة) في تأسيس الحكم الشرعي.
3 ـ ولوجود تشريعات جديدة واستحسانات مرّت بالبحث فإني أرى ضرورة التفريق ـ على منطق الإمام الخوئي ـ بين الفتوى والقضاء في مجال الردة.
الفتوى : بيان الأحكام الكلية من دون النظر إلى تطبيقها على مواردها، وهي حجة على المجتهد نفسه ومقلديه.
أمّا القضاء: فصل الخصومة بين استحقاقين (مورد الترافع) . ويميز القضاء أيضاً أنه نافذ حتى لو حكم باجتهاد من لا تقلده.
وقضية الردة: في أغلب مواردها قضية قضائية، فلابد من نظرة معاصرة؛ كي لا تتحول خلافيات الفتوى إلى (شبهات تدرأ الحد).
4 ـ وعلى مستوى الفتوى أو القضاء فلابد من :
أ ـ دراسة العوامل والظروف التي تؤدي إلى الوقوع بالارتداد وتحديد معناه (مصطلحاً ومفهوماً) وطرق الثبوت والإثبات، وشروط التحقق والموانع والأسباب.
ب ـ المعرفة اللازمة والواسعة بأدلة (أحكام الردة) ففي أدلتها تباينات دلالية كثيرة، فضلاً عن قضايا الصدور؛ لأنّ الأمر مما ثبت بالسنة دون القرآن.
ج ـ استخدام المعايير الاجتهادية لإرجاع الفروع المستحدثة إلى أُصولها مع الأخذ بالاعتبار القضية المعاصرة ومقتضياتها.
د ـ دراسة قاعدة (الحدود تدرأ بالشبهات) دراسة جديدة وتحديد مجال نفاذها، ولاسيما في أحكام الردة.
هـ ـ حصر موضوع الردة بالمختصين من الدرجة الأولى (المحكمة الدستورية العليا) لئلا يعاد استغلاله لأسباب سياسية أو دوافع تخريبية.
الهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نشرت مصادر كثيرة السيرة العلمية للسيد أبي القاسم الخوئي، يمكن الإفادة منها في تحليل التكون والتراكم.
(2) مرتضى الحكمي، مقدمة معجم رجال الحديث، ط 1 1970 ، المدخل.
(3) تراجع الإمام عن توثيق كامل الزيارات، موضوع معروف لدى أوساط الاجتهاد.
(4) الامام الخوئي، تكملة منهاج الصالحين: 61، ط3.
(5) عبد الكريم الأردبيلي، أحكام الارتداد، مجلة الحياة الطيبة ع 9/2002، 11؛ محمد إبراهيم الجنابي: الارتداد، مجلة الحياة الطيبة ع 9/2002، 153.
(6) الإمام المفكر السيد محمد باقر الصدر: الحلقات 3: 167.
(7) الكاساني: بدائع الصنائع، 135:7؛ ابن قدامة، المغني 550:8؛ نعمان عبد الرزاق، أحكام المرتد: 50 ـ 52؛ ابن حزم، المحلى 10: 218؛ البحر الزخار 5: 423.
(8) المصادر نفسها أعلاه.
(9) المصادر نفسها.
(10) المصادر نفسها.
(11) تكملة المنهاج: 62.
(11) الشيخ محمد حسن النجفي: جواهر الكلام 41: 609.
(12) المصدر نفسه: 610.
(13) وسائل الشيعة.
(14) الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام 41: 611.
(15) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 3: 47.
(16) المصدر نفسه 3: 47.
(17) جواهر الكلام 41: 611.
(18) الطوسي، الخلاف : 214؛ عبد الأمير كاظم زاهد، منهج الشيخ الطوسي في كتابه الخلاف، مجلة فقه أهل البيت ، العدد 27، سنة 2002.
(19) جواهر الكلام 41: 611.
(20) ابن قدامة، المغني 8: 563.
(21) السيد الخوئي، مباني تكملة المنهاج: 62.
(22) المصدر نفسه: 63.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23) د. أحمد الكبيسي، المختصر في الفقه الجنائي: 182.
(24) المصدر نفسه: 183.
(25) مباني تكملة منهاج الصالحين: 1: 332.
(26) تكملة المنهاج: 63.
(27) لم يرد في مباني تكملة المنهاج مثلاً إلاّ الاستناد إلى آية نفي السبيل 1: 336.
(28) مباني تكملة المنهاج 1: 325، 326 ـ 337.
(29) المصدر نفسه 333:1.
(30) المصدر نفسه 332:1.
(31) المصدر نفسه 332:1.
(32) المصدر نفسه 333:1.
(33) المصدر نفسه 1: 333 ـ 334.
(34) محمد تقي الحكيم، الأصول العامة.
(35) عبد اللطيف البرزنجي: التعارض والترجيح: 162.
(36) مباني تكملة المنهاج 329:1.
(*) أستاذ جامعي وكاتب بارز، من العراق.