د. سيامك جعفر زاده(*)
المقدّمة
تُعَدّ قواعد الترافع القضائي العادل من المسائل الجوهرية والأساسية في سيادة القانون وبسط العدل والحفاظ على حقوق الإنسان؛ لأن العدالة حقٌّ، ولا يجوز العمل على خلافها، وإلاّ سنقع في مغبّة الظلم والجَوْر، وتجاهل حقوق المواطنة. هناك ارتباطٌ وثيق بين العدالة ومفهوم احترام الحقوق ورعايتها. وفي الحقيقة إن العدالة تعني السلوك المتطابق مع القانون؛ وعليه يكون الظلم هو السلوك المخالف للقانون، والمناقض لحقوق الإنسان. وفي الحقيقة إن القضاء العادل محكمةٌ شخصية تحت سقف القانون، واحترام حقوق المواطنة، وأرضية لبسط سيادة القانون. وقد تمّ تنظيم هذه الحقوق بواسطة المعايير الوطنية والعالمية في إطار بعض الأصول والقواعد.
لقد تمّ تأسيس المحاكم من أجل إقامة العدل وحلّ الخلافات؛ وعليه لا بُدَّ لهذه المؤسّسة من أن تكون شديدة الاهتمام بأدائها والقيام بواجباتها. إن للمحاكم الدَّوْر الأهمّ في تحقيق أهداف وغايات السلطة القضائية، ولكي تتحقَّق هذه الأهداف بشكلٍ أكبر يجب العمل على مراعاة بعض الأصول الضامنة لسلامة وصوابية الأحكام وعدالة القرارات.
«في العقود الأخيرة، حيث شاع بسط أبحاث حقوق الإنسان، ووجوب رعايتها من قِبَل جميع الفروع الحقوقية، ومن بينها: القوانين القضائية والجنائية، نشاهد أن الأنظمة الحقوقية في طريقها إلى التخلُّص من مخالب الأنظمة التحقيقية، واللجوء إلى الأنظمة الاتّهامية، وتصبّ جميع الجهود في تحقيق القضاء العادل، والسعي إلى مراعاة الحقوق الفردية في جميع مراحل الإجراءات القضائية. ويمكن القول باختصارٍ: إن القضاء إنما يكون عادلاً إذا تمكَّن من الحفاظ على التوازن بين مصالح المجتمع وحقوق المتَّهم، وأن يخضع المتَّهم للحاكمة في ظلّ أجواء تضمن له كامل الحرّية في الدفاع عن نفسه»([1]). وقد سعَيْنا في هذا التحقيق ـ بعد بيان المفردات والمصطلحات الأساسية ـ إلى بحث قواعد القضاء ومحاكمة الكفّار في القضاء الإسلامي من وجهة نظر الفقه الإمامي.
1ـ تعريف غير المسلم (الكافر)
قبل الدخول في صلب البحث لا بُدَّ من الإشارة إلى تعريف الكافر:
إن المعنى اللغوي للكافر مأخوذٌ من الـ «كُفر»، بمعنى نفي الشيء، أو من الـ «الكَفْر» بمعنى إخفاء وستر الشيء([2]).
إن الكافر في المصطلح الفقهي، كما ورد في تعريف الفقهاء: «كلّ مَنْ خرج عن الإسلام، أو مَنْ انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورةً، كالخوارج والغلاة»([3]).
وقد ذكر الفقهاء الآخرون ما يشبه هذا التعريف للكافر، ومن ذلك:
ما أورده السيد اليزدي، حيث قال: «المراد بالكافر مَنْ كان منكراً للألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو ضرورياً من ضروريات الدين، مع الالتفات إلى كونه ضرورياً؛ بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة»([4]).
وقال الإمام الخميني& في تعريف الكافر: «الكافر هو مَنْ انتحل غير الإسلام، أو انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورةً، بحيث يرجع جحوده إلى إنكار الرسالة»([5]).
وبعد بيان مفهوم الكفر والكافر ننتقل إلى بيان القاعدة العامّة في ما يتعلَّق بحقوق المواطنة بالنسبة إلى غير المسلمين، لننتقل بعد ذلك إلى حقّ القضاء العادل للكفّار في مجال القضاء الإسلامي، في ضوء فقه الإمامية.
القاعدة العامّة في حقوق المواطنة لغير المسلمين
لقد ذكر فقهاء الإسلام أصلاً عامّاً في خصوص حقوق المواطنين من غير المسلمين. وعلى أساس هذا الأصل فإن جميع الحقوق والوظائف التي تعتبر مشروعةً للمواطنين المسلمين تُعَدّ كذلك مشروعةً بالنسبة إلى المواطنين من غير المسلمين، سوى عدد قليل من الموارد الجزئية. وقد اشتهر هذا الأصل في مصطلح الفقهاء بأصل: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا». وبعبارةٍ أخرى: إن المسلمين وغير المسلمين سواء من وجهة نظر المقنِّن في أكثر الموارد، وإنهم متساوون في الحقوق والتكاليف. إن الموارد التي تنفي التساوي بينهم لا تُعَدّ شيئاً في مقابل موارد الاشتراك، وعليه فإن الفقهاء يرَوْن أن الأصل في القوانين يقوم على أساس التساوي في الحقوق بين المسلمين وغيرهم.
وفي تأييد هذا الأصل هناك روايةٌ مأثورة عن النبيّ الأكرم| تقول: «إِذَا قَبِلُوا عَقْدَ الذِّمَّةِ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ»([6]).
ورُوي عن الإمام عليّ× أنه قال ما معناه: «إنهم [غير المسلمين] إنما قبلوا عقد الذمّة حتّى تكون أموالهم مثل أموالنا، ودماؤهم مثل دمائنا»([7]).
إلاّ أن روايات هذا الباب لم تَرِدْ في المصادر الروائية المعتبرة، وما ذكر فيها يعاني من ضعف السند([8]).
إن رواية: «لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ»، التي تمّ الاستناد إليها في هذا السياق، صحيحةٌ من الناحية السندية. بَيْدَ أن طريقَ الاستدلال بها غيرُ صحيح؛ بمعنى أن إرجاع الضمير إلى أهل الذمّة في هذا الحديث بجميع طرقه غير صحيح؛ لأن الضمير يرجع إلى غير المسلمين الذين يعتنقون الإسلام بعد سماع ندائه ورسالته، لا أنهم يبقون على دينهم([9]).
فلو تمّ إثبات هذه القاعدة بهذا النوع من الأحاديث فإنها ستكون قابلةً للنقد. بَيْدَ أن استقراء الأدلة الشرعية الصحيحة والأحكام الكلّية والعامة الواردة في مورد أهل الذمّة تثبت بأجمعها أن أغلب أحكامهم تشبه أحكام المسلمين، وهي مسائل من قبيل: حقّ الحياة، والأمن، والمنع من العدوان الداخلي والخارجي، وعدم الظلم، وإقامة العدالة، وحرّية المعتقد، والحصانة في السكن، والحصانة في المكاتبات والمكالمات، وحرّية البيان، وحقّ نقد أداء الحاكم الإسلامي، والكثير من الموارد الأخرى التي تثبت أن الأصل يقوم على التساوي في الحقوق:
ـ إن القوانين الإسلامية تنظر إلى الشخص الأوّل في الحكومة الإسلامية وأبسط مواطن من غير المسلمين بعينٍ واحدة أمام القضاء([10]).
ـ صدر عن النبيّ الأكرم| تحذيرٌ شديد بسبب الظلم والعدوان بحقّ الذمّي أو اتّهامه([11]).
ـ يعاقب عامل الخليفة على الملأ بسبب ظلمه لشخصٍ من غير المسلمين([12]).
ـ لا يحقّ للمسلم أن يحتفظ بالأشياء المحرّمة، ولا يحقّ له شراؤها وبيعها، وأما الذمّي؛ فحيث لا يعتقد بحرمتها، يثبت له هذا الحقّ([13]).
والكثير من الموارد الأخرى.
كيف يمكن إسقاط أصل التساوي في الحقوق ببضعة موارد جزئيّة؟ وعليه يبدو أن الأصل في حقوق المواطنة بين المسلمين وغير المسلمين يقوم على أساس التساوي في الحقوق، إلاّ إذا تمّ تخصيص قاعدة التساوي في بعض الموارد بنصٍّ صريح وصحيح من قِبَل الشارع.
2ـ الحقّ في القضاء العادل للكفّار في المحاكم الإسلامية
إن لغير المسلم ـ بالإضافة إلى حقّ الحياة، وحرّية الإقامة والسفر، والحصانة أو الأمن الشخصي وغيره ـ حقّاً في الحصول على القضاء العادل، وهو ما سوف نشير إليه في البحث القادم.
أـ حقّ البراءة
إن أصل البراءة من الأصول العملية، ومضمونه البناء على عدم تحقُّق الجرم. وطبقاً لهذا الأصل كلّما كان ارتكاب الجرم بالنسبة إلى الفرد المتّهم مشكوكاً فيه فإن أصل البراءة يقتضي عدم صدوره عنه»([14]).
«إن أصل البراءة أو فرضية براءة المتّهم تمثِّل قاعدةً في المحاكم العادلة. إن هذا الأصل، الذي يَرِدُ في الوثائق الدولية الهامّة لحقوق الإنسان ضمن سائر الحقوق الأخرى للمتّهمين في القضايا الجنائية تارةً، أو بشكلٍ مستقلّ تارةً أخرى، يمثِّل الحجر الأساس في المحاكم الجزائية الحديثة»([15]).
إن أصل البراءة كان موضع اهتمام الإسلام والفقهاء منذ القِدَم. وقد تمّ طرحه رسمياً سنة 1789م في الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان، فقد ورد في المادة التاسعة من هذا الإعلان ما يلي: «المتَّهم بريءٌ حتّى تثبت إدانته». ومن بين الوثائق المعتبرة التي تطرَّقت إلى الإعلان عن هذا الأصل كلٌّ من: الفقرة الثانية من المادّة السادسة في الإعلان الأوروبي لحقوق الإنسان، والمادّة السادسة والعشرين من الإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان، والفقرة الثانية من المادّة الثامنة من الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان، والفقرة الأولى من المادّة السابعة من الإعلان الأفريقي، والمادّة السابعة من الإعلان العربي لحقوق الإنسان، والشق «i» من الباب «ب» في الفقرة الثانية من المادّة الأربعين لإعلان حقوق الطفل، حيث اختصّت جميعها ببيان هذا الأصل من خلال عبارات متقاربة.
«كما جاء في الأصل السابع والثلاثين من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية: (أصل البراءة، ولا أحد يعرف بوصفه مُداناً أمام القانون إلاّ إذا ثبتت إدانته بالجرم أمام المحكمة العادلة). وعلى هذا الأساس فإن الأصل السادس عشر ق. 1 فرض على المحاكم أن تقيم أحكامها على أسس الاعتدال والتوثيق بالموارد الحكمية والأصولية»([16]).
إن أصل البراءة يبيِّن أن الأصل قائمٌ على حصانة الأشخاص، حتّى تقوم محكمةٌ صالحة وعادلة، ويتمّ إثبات جرمه من قِبَل المرجع القضائي الصالح. وفي الحقيقة يجب الإذعان بأن أصل البراءة يقف سدّاً أمام الاستبداد وطغيان السلطة العامّة.
«إن الوثيقة الرسمية الأولى التي تعبِّر عن الاعتقاد ببراءة المتَّهم نجدها محفوظة في تعاليم الدين الإسلامي الحنيف قبل مئات السنين، حيث تمّ تسجيلها في إطار آيات القرآن الكريم، وكذلك في أحاديث وتعاليم الأئمّة الأطهار»([17]).
وجديرٌ بالذكر أنه بالالتفات إلى الدراسات التاريخية للدين الإسلامي الحنيف نجد أنه أوّل مَنْ تعرّض إلى بيان هذه المسألة. وفي ما يلي نشير إلى نماذج من آيات القرآن الكريم:
1ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ (الحجرات: 12).
2ـ ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾ (النساء: 157).
3ـ ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاّ ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾ (يونس: 36).
4ـ ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ﴾ (الأنعام: 116).
5ـ ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَخْرُصُونَ﴾ (الأنعام: 148).
6ـ ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ (الإسراء: 36).
«إن المراد من اجتناب الظنّ ترتيب الأثر على ذلك؛ من قبيل: أن نسيء الظنّ بشخصٍ، وننسب إليه شيئاً على أساسٍ من إساءة الظنّ به، أو أن نذكره في غيبته بسوءٍ، أو أن نرتِّب سائر الآثار على ذلك»([18]). ورُوي عن ابن عباس أنه قال: «قوله: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ يقول: لا تَرْمِ أحداً بما ليس لك به علم»([19]).
إن أصل البراءة في الحقوق الإسلامية يحتوي على تأثيرين هامّين:
أـ وضع المتَّهم في موضع المُنْكِر.
ب ـ إغناء المتَّهم عن إثبات براءته([20]).
«إن النقطة الجديرة بالملاحظة هي أنه بالالتفات إلى اتساع دائرة حقوق الإنسان، وتبنّي هذا الأصل في قوانين الأكثرية المطلقة للبلدان، يتمّ طرحه في الحقيقة بوصفه معياراً عالمياً. بَيْدَ أن رعاية هذا الأصل تقتضي أن يعمل مقام الادّعاء بتقديم الأدلّة، بحيث يتم إثبات الدعوى، دون أن يترك مجالاً للشكّ أو الشبهة المعقولة»([21]).
ب ـ الحقّ في الحصول على محامٍ
«إن الحقّ في الحصول على محامٍ يُعَدّ من أهمّ أصول القضاء العادل؛ إذ ليس جميع الأفراد مختصّين بالحقوق والقوانين؛ وعليه هناك حاجةٌ ماسّة إلى حضور المحامي؛ لضمان تحقُّق العدالة، سواء في الدعاوى المدنية أو الجزائية»([22]). ويطلق على هذا الأصل مصطلح التناظر أو المرافعة القضائية.
إذن يحقّ للمتّهم أن يدافع عن نفسه شخصياً، أو أن يوكِّل محامياً يدافع عنه. ويكون حضور المحامي واجباً في جميع مراحل المحاكمة الجزائية (الحقوقية)، التي تساعد على ضمان «رعاية النظام القانوني». وقد تمّ تضمين هذا الحقّ في الكثير من الوثائق الدولية والعالمية. وإن الشقّ «ب» من الفقرة الثالثة من المادّة الرابعة عشرة من الميثاق الأممي للحقوق المدنية والسياسية، والشقّ «ج» من الفقرة الثالثة من المادة السادسة من الإعلان الأوروبي لحقوق الإنسان، والشقّ «ج» من الفقرة الأولى من المادة السابعة لإعلان بانجول، والشقّ «د» من الفقرة الأولى من المادّة الثامنة من الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان، والنظام الداخلي والشقّ «ج» من الفقرة الثانية من المادّة الخمسين، والشقّ «د» من الفقرة الأولى من المادّة السابعة والستين، من الديوان الجزائي الدولي، من بين الوثائق الدولية التي ضمنت حقّ الوكالة والدفاع للمتَّهم.
وقد أعلنت لجنة حقوق الإنسان في هذا الشأن([23]): إن جميع الأشخاص المعتقلين يجب أن يحصلوا على محامين فوراً. وقد صرّح الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان قائلاً: «إن الحقّ في الحصول على المحامي ـ على ما هو مثبتٌ في المادّة الثامنة من الإعلان الأمريكي ـ يجب تطبيقه في مستهلّ الاستجواب الأول». كما أن حقّ الوصول إلى المحامي يجب تحقيقه فوراً، وخلال مدّةٍ لا تتجاوز الثمانية والأربعين ساعة من حين الاعتقال. وبشكلٍ عامّ يمكن بيان أشكال حقّ الاستفادة من خدمات المحامي أو المستشار الحقوقي على النحو التالي:
1ـ إمكان اختيار وتعيين المحامي من قِبَل المتّهم منذ بداية تشكيل الملف الجزائي والقضائي.
2ـ إذا لم تكن لدى المتّهم القدرة المالية لتوكيل محامٍ يتمّ في الجرائم الهامة انتداب محامٍ له من قِبَل المحكمة. وكذلك في الجرائم غير الخطيرة إذا طالب المتّهم الفقير وجب انتداب محامٍ معاضد له عند الضرورة، أو يمكن تهيئة الظروف للمتّهم بحيث يحصل على خَدَمات مجانية في مجال الاستشارة الحقوقية.
3ـ السماح للمحامي ـ الأعمّ من المعيّن أو المنتدب ـ بالاطلاع على ملفّ الادّعاء، حتّى إذا كانت في المراحل التمهيدية من الاستجواب.
4ـ يمكن للمتّهم المعتقل أن يحظى ـ عند المطالبة ـ بلقاءٍ سرّي مع محاميه، بعيداً عن مرأى ومراقبة الآخرين([24]).
إن مشروعية توكيل المحامي في جميع مراحل المحاكمة القضائية تقوم على أساس من الأدلة الشرعية التالية:
1ـ الرواية المأثورة عن النبيّ الأكرم|: «أيها الناس، إنما أنا بشرٌ، وأنتم تختصمون، ولعلّ بعضكم ألحن بحجّته من بعضٍ، وإنما أقضي على نحو ما أسمع منه، فمَنْ قضيتُ له من حقّ أخيه بشيءٍ فلا يأخذنَّه، فإنما أقطع له قطعةً من النار»([25]).
يُفْهَم من هذا الحديث أن الخصم الذي يرى نفسه عاجزاً عن إقامة الحجّة والدليل يمكنه الاستعانة بشخصٍ (محام) قادر على الوفاء بإثبات حقّه.
2ـ قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً﴾ (النساء: 105).
تفسير الآية: جواز الدفاع عن غير الخائنين. وبذلك يمكن تولّي الدفاع عن المتّهمين وكالةً.
3ـ إجماع فقهاء الشيعة على جواز تلقين الأدلّة والحجج لكلا طرفي الدعوى من قِبَل القاضي إذا علم بتحقُّق الفرد. فإذا كان تلقين الأدلة والحجج من قِبَل القاضي جائزاً فإنّ قيام شخصٍ ثالث (المحامي) بذلك يكون جائزاً من طريق أَوْلى.
4ـ مشروعية اختيار الوكيل في كلام وسلوك الأئمّة المعصومين^: إن الدليل الأهمّ في مشروعية الوكالة [في الدفاع عن المتّهم] الرواية الخاصّة بتوكيل عبد الله بن جعفر من قِبَل الإمام عليّ×([26]).
وعليه فإن من بين الضمانات المتَّبعة من أجل الحفاظ على حقوق المتّهم في المحاكمات القضائية حضور ومشاركة المحامي في مراحل المحاكمة والقضاء. وفي مثل هذه الحالة يقوم المحامي ـ لمعرفته بالقوانين ـ بالدفاع عن المتّهم؛ كي تتضح حقيقة الأمر في ظلّ التوازن بين المدّعي العامّ والمحامي، ويقوم القضاء بدَوْره على أساس العدل في المحكمة. إن إقامة المحاكمة الجزائية العادلة تقتضي إعطاء المتّهم فرصة الدفاع عن نفسه، ودفع التُّهمة المنسوبة إليه.
ج ـ حقّ علنية المحكمة
إن علنية المحاكمة تعني فتح أبواب المحكمة والمسار القضائي أمام الناس. «إن علنية المحاكمة الجزائية تمثِّل واحدة من الخصائص الهامة للقضاء العادل. وعلى أساس هذه القاعدة يجب على المحاكم أن تحقِّق في التُّهَم المنسوبة إلى المتَّهم بشكلٍ علني. وبموجب ذلك يكون حضور وإشراف الأفراد على مسار المحاكمة مسموحاً به للجميع. ويمكن لوسائل الإعلام من خلال حضورها وتواجدها في جميع مراحل المحاكمة أن تعدّ تقريراً تفصيلياً عن جزئيات المحاكمة وعرضها على الرأي العام.
إن علنية المحكمة تمثِّل نوعاً من الإشراف العامّ من قِبَل الناس من أجل الحفاظ على كيفية تحقيق العدالة، وإحقاق حقوق المتضرِّر بالجرم، ورعاية حقوق المتّهم في الدفاع، وكذلك ضمان مصالح المجتمع في مطاردة المجرمين والجناة»([27]). إن المحاكمة العلنية تمثِّل ضمانةً أساسية لعدالة واستقلالية المسار القضائي، وأداةً حماية لجذب ثقة واعتماد عامّة الناس على النظام القضائي.
«يجب مراعاة المحاكمات العلنية، سواء في المحاكمات المدنية أو الجنائية، ولكن علنية المحاكم الكيفية تحظى بأهمّيةٍ وضرورة أكبر، بحيث لا يمكن إنكار ضرورة أن تكون بمتناول عامة الأفراد، وفي الأساس لا يمكن للمحاكمة أن تكون سرّية وخلف الأبواب المغلقة. إن أصل المحاكمة المعلنة يتكفَّل بمصلحتين: المصلحة الأولى: حماية المتّهم في مواجهة المحاكم السرية؛ والمصلحة الأخرى: الحصول على ثقة واعتماد عامّة الناس»([28]).
كما تمّ أخذ هذه المسألة في الوثائق المعتبرة لحقوق الإنسان بنظر الاعتبار أيضاً. ومن بين هذه الوثائق يمكن الإشارة إلى المادّة العاشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والفقرة الأولى من المادّة الرابعة عشرة من ميثاق الحقوق المدنية السياسية، والفقرة الأولى من المادّة السياسية من إعلان الحقوق الأوروبية، والفقرة الخامسة من المادّة الثامنة من إعلان الحقوق الأمريكية.
وفي هذا الإطار يمكن القول بأن الطريقة الإسلامية تؤيِّد على الدوام علنية المحاكمات القضائية. كان الإمام عليّ× يقيم جلسات المحاكمة في مسجد جامع الكوفة. وقد استنبط مؤلِّفو النظام القضائي أن فلسفة إقامة المحاكمات القضائية في المسجد تعني أن الأصل يقوم على عَلَنية إجراء المحاكمات وتسهيل حضور عامّة الناس في جلسات المحكمة. ومن هنا فقد ذهب فقهاء الإمامية إلى كراهية اتخاذ القاضي للحجّاب؛ من أجل الرعاية الكاملة لهذا الأصل([29]).
إن شرط عَلَنية المحاكمة لا يتّبع في جميع مراحل القضاء، وإنما يُراعى في خصوص مرحلة الاستماع إلى الطرفين، أي المتابعة الشفهية لأدلّتهم وحججهم.
د ـ حقّ المتّهم في الاطلاع على تهمته
«إن كلّ شخص يتمّ اعتقاله وإلقاء القبض عليه يجب إعلامه بالأسباب التي دَعَت إلى اعتقاله وتقييد حرّيته. إن الهدف الرئيس من إيجاب إعلام المعتقل بسبب اعتقاله هو تمكينه من الاعتراف قانونياً بالنظر إلى اعتبار الاعتقال. ويجب أن يكون ذلك معلوماً له، وأن يشمل توضيحاً كاملاً للأساس القانوني والواقعي لإلقاء القبض أو الاعتقال. وبعبارةٍ أخرى: إن حقّ إعلام المتّهم بتهمته، والأدلة على ذلك، يمثِّل احتراماً لحقّ دفاعه عن نفسه، وإقامة توازن بينه وبين المدّعي العام؛ لأن جهل المتّهم بالتهمة المنسوبة إليه يستوجب تضيعاً لحقّه في الدفاع، وانتهاكاً لحرّيته الفردية»([30]).
وفي هذا الشأن جاء في الشقّ (أ) من الفقرة الأولى من المادة 117 من قانون المحاكم الجزائية العالمية ما يلي: «يجب إعلام المتّهم بسبب ومضمون اتهامه فوراً، وبشكلٍ واضح ودقيق، ولغةٍ يفهمها ويتحدّث بها. كما ورد هذا المضمون في الفقرة الثانية من المادّة التاسعة من ميثاق الحقوق السياسية أيضاً. وفي هذا الشأن «ذكرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن الفقرة الثانية من المادّة الخامسة للإعلان الأوروبي لحقوق الإنسان تعني أنه يجب إعلام المعتقل بسبب اعتقاله، مع بيان النقاط الحقوقية الأساسية والواقعية، بلغةٍ بسيطة وقابلة للفهم، وليس بلغةٍ فنّية ومعقّدة، بحيث إذا لم يجِدْ اعتقاله قانونياً أمكنه الاعتراض على ذلك»([31]).
إن الصورة التي يتمّ تقديمها في النصوص الفقهية لـ «تفهيم الاتّهام عبارةٌ عن:
أـ هناك اختلافٌ بين الفقهاء في أنه هل يجوز للقاضي أن يستجوب المتّهم (المدّعى عليه) ويحقِّق معه فيما إذا طلب الشاكي (والمدّعي) ذلك، أم يجوز للقاضي ذلك حتّى من دون مطالبة المدّعي؟ هناك مَنْ ذهب إلى جواز ذلك، وهناك مَنْ ذهب إلى عدم الجواز إلاّ بطلبٍ من المدّعي. وبغضّ النظر عن أحقّية إحداهما تذهب الجماعتان إلى التأكيد على أن القاضي إنما يجوز له التحقيق والاستجواب بعد تحرير الدعوى. وعلى هذا الأساس فإنه طبقاً للمنهج الذي تبيِّنه النصوص الفقهية لا يجوز استجواب المتّهم والتحقيق معه في الأساس دون حضور المدّعي، وقبل عرض الادّعاء وأدلّة الاتهام عليه من قِبَل المدّعي.
ب ـ إن المسائل التي يذكرها الفقهاء في خصوص طريقة دخول المدّعي (الشاكي) والمتّهم على القاضي، وكيفية استماع القاضي إلى إفادتهما، تشهد على هذا المدّعى.
ج ـ الاعتقاد بوجوب تقدُّم طرح ادّعاء المدّعي (الشاكي) على دفاع المتّهم (المنكر).
وعلى هذا الأساس فإنه في الأسلوب الذي تقدِّمه النصوص الفقهية يتّضح أن موضوع إعلام المتّهم بالاتهام يقوم به شخص المدّعي بشكلٍ دقيق، وليس شخص القاضي. كما أن تأكيد الفقهاء على أن القاضي لا يمكنه استجواب المتّهم قبل عرض الادّعاء يتضمّن التأكيد على وجوب بيان الاتهام للمتّهم. ومن هنا ذهب بعض الفقهاء إلى التصريح بأنه ما لم يتمّ إعلام المتّهم بموضوع الدعوى والاتّهام لا يمكن إصدار أيّ حكمٍ أو قرار بحقّه»([32]).
هـ ـ حقّ المساواة في المَيْل القلبي
تؤكّد المفاهيم الفقهية على وجوب أن يراعي القاضي العدالة في إصدار الحكم، وأن يقضي على أساس الحقّ؛ كي لا يُظْلَم أحدٌ، حتّى إذا كان الحكم لصالح الكافر على المسلم؛ وذلك لأن إطلاق الآيات يأمر بوجوب القضاء العادل.
قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ (النساء: 58).
إن الذي يُستفاد من آيات القرآن الكريم هو صحّة الحكم بالحقّ والعدل والقسط، حتّى إذا كان المنتفع بذلك هو الكافر.
يذهب فقهاء الإمامية إلى القول بعدم ضرورة مراعاة العدالة والمساواة في الميل القلبي إلى الطرفين؛ لأن هذه الأمور ليست إراديةً([33]).
وفي روايةٍ صحيحة السند يرويها أبو حمزة الثمالي عن الإمام الباقر× أنه قال: «كان في بني إسرائيل قاضٍ، وكان يقضي بالحقّ فيهم، فلمّا حضره الموت قال لامرأته: إذا أنا مِتُّ فاغسليني، وكفِّنيني، وضعيني على سريري، وغطِّي وجهي، فإنك لا ترَيْن سوءاً، فلمّا مات فعلت ذلك، ثم مكث بذلك حيناً، ثم إنها كشفت عن وجهه لتنظر إليه؛ فإذا هي بدودةٍ تقرض منخره، ففزعَتْ من ذلك، فلما كان الليل أتاها في منامها، فقال لها: أَفْزَعَكِ ما رأيتِ؟ قالت: أجل، فقال لها: أما لئن كنتِ فزعتِ؛ ما كان الذي رأيتِ إلاّ في أخيك فلان، أتاني ومعه خصمٌ له، فلمّا جلسا إليّ قلتُ: اللهمّ اجعَلْ الحقّ له، ووجِّه القضاء على صاحبه، فلمّا اختصما إليَّ كان الحقّ له، ورأيتُ ذلك بيِّناً في القضاء، فوجّهتُ القضاء له على صاحبه، فأصابني ما رأيت لموضع هواي كان مع موافقة الحقّ»([34]).
وقال صاحب الجواهر في تعليقه على هذه الرواية: «محمولٌ على ضربٍ من الحث على المراتب العالية». وعلى هذا الأساس فإن الله لا يعاقب العباد على هذا النوع من الميول البشرية، بل يقتصر في ذلك على الحرمان من الدرجات العالية([35]).
وقال الشيخ جواد التبريزي في هذا الشأن: «الوجه في عدم الوجوب كون التكليف في التسوية في الميل القلبي أمراً حَرَجياً وشاقّاً. ولا يمكن أن يُعتمد على الصحيحة في الحكم بلزوم التسوية في الميل القلبي بالإضافة إلينا، غايتها ثبوت ذلك في بني إسرائيل. وتصدّي الإمام× لنقلها لا يدلّ على بقاء ذلك الحكم بحدِّه، بل يكفي بقاء أصل مطلوبيّتها. وقد كان في بني إسرائيل من التكاليف الشاقّة، وليكن هذا منها»([36]).
و ـ حقّ العدالة في السلوك
هل يجب على القاضي رعاية المساواة بين الطرفين في سلوكه أم لا؟ هناك تفصيلٌ في هذا المورد بين أن يكون طرفا الدعوى كافرين أو مسلمين، أو أحد الطرفين مسلماً والآخر كافراً.
في المورد الأوّل والثاني يذهب أغلب الفقهاء إلى القول بوجوب المساواة على القاضي في السلوك؛ لروايةٍ واردة في هذا الشأن([37]).
وفي المقابل ذهب بعض الفقهاء الآخرون إلى عدم وجوب المساواة في السلوك، وإنما غايته الاستحباب؛ وذلك لأنهم يرَوْن الروايات الواردة في هذا الباب ضعيفة من حيث السند، أو من حيث الدلالة([38]).
وقد ورد في هذا الشأن روايات، نشير في ما يلي إلى بعضها:
1ـ رواية السكوني، عن الإمام الصادق× أنه قال: قال أمير المؤمنين×: «مَنْ ابتُلي بالقضاء فليواسِ بينهم في الإشارة، وفي النظر، وفي المجلس»([39]).
ظاهر الرواية يدلّ على وجوب المساواة في السلوك. وقد نقل الشيخ الصدوق ما يُشبه هذه الرواية مرسلاً عن النبيّ الأكرم|([40]).
2ـ رواية سلمة بن كهيل. وقد ورد في هذه الرواية قول أمير المؤمنين عليّ× لشريح القاضي: «ثمّ واسِ بين المسلمين بوجهك ومنطقك ومجلسك، حتّى لا يطمع قريبك في حَيْفك، ولا ييأس عدوّك من عدلك»([41]).
وفي الحالة الثالثة ورد في هذا المورد حديثٌ في مصادر أهل السنّة بشأن خلاف بين الإمام عليّ× ويهوديّ، وجاء في هذه الرواية: «أنه جلس بجنب شريح في حكومةٍ له مع يهوديّ في درعٍ، وقال: لو كان خصمي مسلماً لجلستُ معه بين يديك، ولكنْ قد سمعتُ رسول الله| يقول: لاتساووهم في المجلس»([42]).
ويبدو أن هذه الرواية ضعيفة السند. وحتّى إذا كان عمل الفقهاء بها واعتمادهم عليها جابراً لضعف سندها، إلاّ أن صدر الرواية ـ الذي يثبت عدم المساواة بين المسلم والكافر ـ لا يمكن القبول به؛ وذلك لأن الروايات التي تدلّ على وجوب رعاية المساواة تفيد العموم.
وعليه فإن مضمون الرواية واردٌ في مقام بيان الاختلاف بين الإسلام والكفر.
إنْ قيل: إن الرواية تدلّ على القيمة والكرامة الدينية للمسلم على الكافر وجب القول في مقام الجواب: إن الكرامة والقيمة الدينية للمسلم ليس لها أيّ علاقة بتقديم المسلم على الكافر في مقام القضاء والمحاكمة.
وعلى هذا الأساس يجب على قضاة المسلمين رعاية العدالة في صدور الحكم وفي السلوك أيضاً. وقد استند الفقهاء في هذا الشأن إلى الإجماع وإلى رواية (اختلاف الإمام عليّ× مع اليهودي)([43]). وقد ورد هذا الحديث في مصادر أهل السنّة مع اختلاف في المضمون([44]).
وعلى هذا الأساس فإن هذا الحديث ضعيفٌ من بعض الجهات. بَيْدَ أن فقهاء الإمامية يذهبون إلى القول: إن الذي يتبادر إلى الذهن من الروايات التي تذكر المساواة بين الطرفين أنها تخصّ ما إذا كان طرفا النزاع مسلمين، وأما إذا كان أحدهما كافراً والآخر مسلماً فيتمّ العمل بهذه الرواية. وبطبيعة الحال فقد استند بعض فقهاء الإمامية ـ بالإضافة إلى هذه الرواية ـ إلى قاعدة: «الإسلام يعلو ولا يُعْلى عليه» أيضاً([45]).
يبدو أنه، بغضّ النظر عن الإجماع، لا يمكن القبول بالأدلة المذكورة؛ إذ لا يعلم أن تكون روايات المساواة، مثل: «مَنْ ابتُلي بالقضاء فليواسِ بينهم في الإشارة، وفي النظر، وفي المجلس»([46]) خاصّةً بحالة ما إذا كان المتخاصمان مسلمَيْن، بل ظاهر الروايات هو العموم والشمول لجميع الحالات؛ لأن مضمونها بيان قاعدة عامّة يجب على القضاة مراعاتها في جميع موارد القضاء، و(إن قيد المسلمين المأخوذ في بعض الروايات ـ بالنظر إلى كون المسلمين هم الفرد الغالب ـ لا تكون له أيّ موضوعيةٍ في البين).
وعليه إذا كان طرفا النزاع كافرَيْن، أو كان أحدهما كافراً والآخر مسلماً، سوف يتمّ العمل بهذه الأحاديث، ولا يمكن لروايةٍ ضعيفة أن تخصِّص هذه الروايات.
النتيجة
إن الحقّ في الحصول على القضاء والمحاكمة المنصفة والعادلة هو من بين الحقوق الأوّلية والذاتية للإنسان، وقد ورد ذكره والتصريح به في الوثائق واللوائح الدولية، من قبيل: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وميثاق الحقوق المدنية / السياسية، وقواعد المحاكمات الدولية، وغيرها. كما اهتمّ النظام الحقوقي للإسلام ـ بدَوْره ـ بقواعد القضاء العادل أيضاً. لقد وضع الإسلام قوانينه في خصوص غير المسلمين على أساس العدالة والكرامة والحرية والمساواة ورعاية حقوق الأفراد.
تقوم القاعدة العامة ـ في ما يتعلَّق بحقوق المواطنة لغير المسلمين ـ على أساس القاعدة القائلة: «لهم ما لنا، وعليهم ما علينا»، بمعنى أن جميع الحقوق والتكاليف الثابتة للمواطنين المسلمين تثبت للمواطنين غير المسلمين أيضاً.
ومن بين مصاديق حقوق المواطنة لغير المسلمين الحقّ في الحصول على قضاء عادل. وإن على القاضي المسلم بدَوْره أن يعمل على مراعاة العدالة والمساواة، سواء في صدور الحكم أو في السلوك، تجاه طرفي النزاع، في جميع مراحل المحاكمة، حتّى وإنْ أدّى ذلك لمصلحة الكافر.
الهوامش
(*) أستاذٌ مساعِدٌ في جامعة أروميه (كلِّية الآداب والعلوم الإنسانيّة ـ قسم الفقه والحقوق الإسلاميّة).
([1]) محمود صابر، معيارها وتضمين هاي دادرسي عادلانة در مرحله تحقيقات مقدماتي (ملاكات وضمانات القضاء العادل في مرحلة التحقيقات التمهيدية)، مجلة پژوهشهاي حقوق تطبيقي (مدرس علوم إنساني)، الدورة 13، العدد 4 (63): 145، شتاء عام 1388هـ.ش. (مصدر فارسي).
([2]) انظر: الطريحي، مجمع البحرين 3: 1578، مكتبة المرتضوي، طهران، 1416هـ.
([3]) المحقّق الحلّي، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام 1: 45، 1408هـ.
([4]) الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى 1: 67، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1409هـ.
([5]) الإمام الخميني، تحرير الوسيلة 1: 118، مؤسّسة مطبوعات دار العلم، قم، 1391هـ.ش.
([6]) الكاساني، بدائع الصنائع 7: 341، دار الكتاب العربي، 1982م.
([7]) محمد بن حسن الشيباني، الحجّة على أهل المدينة 4: 354 ـ 355، عالم الكتب، بيروت، 1403هـ.
([8]) انظر: سنن الدارقطني 3: 147، دار المعرفة، بيروت، 1386هـ.
([9]) انظر: الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 3: 223 ـ 225، دار المعارف، الرياض، 1412هـ.
([10]) انظر: سنن الدارقطني 5: 366، 1386هـ.
([11]) انظر: سنن أبي داود 3: 136، دار الكتاب العربي.
([12]) انظر: محمد بن حسن (ابن حمدون)، التذكرة الحمدونية 3: 210، دار صادر، بيروت، 1417هـ.
([13]) انظر: الجصّاص، أحكام القرآن 4: 89، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415هـ.
([14]) محمد جواد فخّار طوسي، حقوق متهمان، بررسي فقهي / حقوقي (حقوق المتهمين، دراسة فقهية حقوقية): 57، پژوهشگاه علوم وفرهنگ إسلامي، قم، 1391هـ.ش. (مصدر فارسي).
([15]) مصطفى فضائلي، دادرسي عادلانه محاكمات كيفري بين المللي (القضاء العادل في المحاكمات الدولية): 293، شهر دانش، طهران، 1389هـ.ش. (مصدر فارسي)
([16]) محمد جواد فخّار طوسي، حقوق متهمان، بررسي فقهي / حقوقي (حقوق المتهمين، دراسة فقهية حقوقية): 59. (مصدر فارسي).
([18]) انظر: المصدر السابق: 61.
([19]) الطبري، جامع البيان 15: 110.
([20]) فخار طوسي، حقوق متهمان، بررسي فقهي / حقوقي (حقوق المتهمين، دراسة فقهية حقوقية): 77. (مصدر فارسي).
([21]) محمود صابر، معيارها وتضمين هاي دادرسي عادلانة در مرحله تحقيقات مقدماتي (ملاكات وضمانات القضاء العادل في مرحلة التحقيقات التمهيدية)، مجلة پژوهشهاي حقوق تطبيقي (مدرس علوم إنساني)، الدورة 13، العدد 4 (63): 166 ـ 167، شتاء عام 1388هـ.ش. (مصدر فارسي).
([22]) راضية صياد، دادرسي عادلانه در برتو هنجارهاي ملي وبين المللي (القضاء العادل في ضوء المعايير الوطنية والعالمية)، 1395هـ.ش. (مصدر فارسي).
www. International law. Persian blog. ir/tag
([23]) مصطفى فضائلي، دادرسي عادلانه محاكمات كيفري بين المللي (القضاء العادل في المحاكمات الدولية): 436، شهر دانش، طهران، 1389هـ.ش
([24]) محمود صابر، معيارها وتضمين هاي دادرسي عادلانة در مرحله تحقيقات مقدماتي (ملاكات وضمانات القضاء العادل في مرحلة التحقيقات التمهيدية)، مجلة پژوهشهاي حقوق تطبيقي (مدرس علوم إنساني)، الدورة 13، العدد 4 (63): 162، شتاء عام 1388هـ.ش. (مصدر فارسي).
([25]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 27: 223.
([26]) محمد جواد فخّار طوسي، حقوق متهمان، بررسي فقهي / حقوقي (حقوق المتهمين، دراسة فقهية حقوقية): 403. (مصدر فارسي).
([27]) حسن علي مؤذن زادگان، حقّ دفاع متّهم در آيين دادرسي كيفري ومطالعه تطبيقي آن (حق الدفاع عن المتهم في القضاء والمحاكمات الجزائية ودراستها المقارنة)، رسالة على مستوى الدكتوراه: 279، جامعة تربيت مدرّس، طهران، 1373هـ.ش. (مصدر فارسي).
([28]) مصطفى فضائلي، دادرسي عادلانه محاكمات كيفري بين المللي (القضاء العادل في المحاكمات الدولية): 314، طهران، 1389هـ.ش. (مصدر فارسي).
([29]) مؤذن زادگان، حقّ دفاع متّهم در آيين دادرسي كيفري ومطالعه تطبيقي آن (حقّ الدفاع عن المتهم في القضاء والمحاكمات الجزائية ودراستها المقارنة)، رسالة على مستوى الدكتوراه: 279، جامعة تربيت مدرّس، طهران، 1373هـ.ش. (مصدر فارسي).
www.nashreedalt.ir
([30]) إبراهيم رجبي، پليس وحقوق شهروندي (الشرطة وحقوق المواطنة)، أطروحة على مستوى الماجستير، جامعة المفيد، قم، 1382هـ.ش. (مصدر فارسي).
([31]) محمود صابر، معيارها وتضمين هاي دادرسي عادلانة در مرحله تحقيقات مقدماتي (ملاكات وضمانات القضاء العادل في مرحلة التحقيقات التمهيدية)، مجلة پژوهشهاي حقوق تطبيقي (مدرس علوم إنساني)، الدورة 13، العدد 4 (63): 152، شتاء عام 1388هـ.ش. (مصدر فارسي).
([32]) محمد جواد فخّار طوسي، حقوق متهمان، بررسي فقهي / حقوقي (حقوق المتهمين، دراسة فقهية حقوقية): 311 ـ 312. (مصدر فارسي).
([33]) انظر: الطوسي، المبسوط في فقه الإمامية 8: 149، المكتبة الرضوية لإحياء الآثار الجعفرية، طهران، 1387هـ.ش؛ الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان 12: 53، دفتر انتشارات إسلامي، قم، 1403هـ؛ النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 40: 142، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1404هـ.
([34]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 27: 225، الباب 9 من أبواب آداب القاضي، ح2، مؤسّسة آل البيت^، قم، 1409هـ.
([35]) انظر: النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 40: 116.
([36]) التبريزي، أسس القضاء والشهادة: 119، مكتب المؤلِّف، قم.
([37]) انظر: الطوسي، المبسوط في فقه الإمامية 8: 149؛ السيد علي الطباطبائي، رياض المسائل 15: 55، مؤسّسة آل البيت^، قم، 1418هـ؛ الإمام الخميني، تحرير الوسيلة 2: 409.
([38]) انظر: سلاّر الديلمي، المراسم العلوية والأحكام النبوية: 230، منشورات الحرمين، قم، 1404هـ؛ العلاّمة الحلّي، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة: 421، دفتر انتشارات إسلامي، قم، 1413هـ؛ النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 40: 116؛ التبريزي، أسس القضاء والشهادة: 119.
([39]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 27: 225، الباب 9 من أبواب آداب القاضي، ح1.
([40]) انظر: الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 14، دفتر انتشارات إسلامي، قم، 1413هـ.
([41]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 27: 225، الباب 9 من أبواب آداب القاضي، ح2.
([42]) ابن حجر العسقلاني، تلخيص الحبير 4: 193، إعداد: عبد الله هاشم اليماني، المدينة المنورة، 1384هـ؛ ابن قدامة، المغني 11: 444، دار الكتب العلمية، بيروت؛ البيهقي، السنن الكبرى 10: 136، إعداد: محمد عبد القادر عطا، مكّة المكرّمة، 1414هـ.
([43]) انظر: ابن قدامة، المغني 11: 444؛ البيهقي، السنن الكبرى 10: 136.
([44]) انظر: أبو نعيم الإصفهاني، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 4، دار الحديث، القاهرة ـ مصر، 1430هـ؛ ابن حجر العسقلاني، تلخيص الحبير 4: 193؛ ابن قدامة، المغني 11: 444.
([45]) النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 40: 143.
([46]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 27: 225، الباب 9 من أبواب آداب القاضي، ح1.