أ. أحمد مقري(*)
الشيخ رضا كاظمي راد(**)
د. الشيخ محمد تقي أنصاري پور(***)
يعتبر النبي إبراهيم× الجدّ الأكبر للديانات الإبراهيمية الثلاثة،فهو يحظى بمكانةٍ خاصّة في الديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية. لكنْ حسب نظرة بعض العلماء المعاصرين فإن ما تختلف فيه هذه الديانات الكبرى حول إبراهيم× أكثر ممّا تتفق فيه، وإن نظرة عامة في أدبيات التفسير والبحث حول رواية قصّة إبراهيم، سواء في القرآن أو التوراة، وبالخصوص إلى ما قبل انعقاد المجمع الفاتيكاني الثاني (المجلس الثاني للبابوية)، وتحوُّل نظريات الكنيسة الكاثوليكية في ما يخصّ مبدأ الحوار والتعامل مع باقي الأديان، خير شاهدٍ على حجم الاختلاف الحاصل في هذا الموضوع. تبقى إذن قصّة ذبح النبي إبراهيم× لابنه إحدى النقاط الفاعلة في إيجاد الاختلاف بين الديانات الإبراهيمية، حيث يلاحظ اختلاف تفسير كلٍّ منها لهذا الحَدَث المبنيّ على اختلاف زاوية التعاطي مع الواقعة والمباني الدينية الخاصّة بكلّ واحد من هذه الأديان الثلاثة. ولعلّ هذا ما جعل قصة الذبيح تأخذ شأناً متميِّزاً في السنّة والموروث الديني لكل واحدٍ من تلك الأديان، وطابعاً يميِّزها عن مثيلاتها في الديانات الأخرى.
هذه المقالة تسعى إلى إعادة قراءة مختلف القراءات التي استندت إلى قصص كلٍّ من: القرآن؛ والعهدين، محاولةً تحرير محلّ النزاع في أصل رواية ذبح إبراهيم× لابنه في هذه الديانات، وتحليلها، وهو الموضوع الذي تناقله كلٌّ من الأديان الثلاثة: الإسلام والمسيحية واليهودية، ويحكي واقعةً واحدة، كلّها تدور حول ذبح إبراهيم لابنه’.
مقدّمة
الديانات الإبراهيمية هي مجموع الأديان التي يشكِّل النبي إبراهيم× الشخصية المشتركة بينها، ويحظى بمقامٍ رفيع فيها. وتظهر أهمّية مقام إبراهيم× ومكانته بحيث إن كل الأديان الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام ترجع في نسبها إليه. فإبراهيم× أبوها الأوّل الذي تفرَّعت منه، فإليه يرجع نسب موسى وعيسى والنبيّ محمد (عليه وعلى آله وعليهم الصلاة والسلام). العديد من المباحث التي طُرحت حول إبراهيم وابنه’ تكاد تتشابه في هذه الديانات الثلاثة، إلى حدّ التكرار، من دون إغفال وجود اختلافات بينها. جان لوفنسون (Jon D.Levenson)، أستاذ دراسات الكتاب المقدّس (الإنجيل) بجامعة هارفارد، كتب في آخر مؤلَّفاته: إن شخصية النبي إبراهيم× تكاد تشكّل إحدى النقاط الأشدّ اختلافاً بين الديانات الإبراهيمية الثلاثة، رغم أنها تشكل محور تشارك واشتراك فيما بينها([1]).
أشارت بعض التحقيقات الأخيرة إلى أن اختلاف القرآن والإنجيل حول إبراهيم× بلغ 32 مورداً([2]). ومع ذلك تحدّث المختصّون بدراسة ومقارنة نصوص الإنجيل ومتونه بأن نقاط اختلاف الديانات الثلاثة في قصة إبراهيم× لا تتعدّى أربعة موارد، وهي:
1ـ حادثة ذبح إبراهيم لابنه.
2ـ علاقة إبراهيم وسارة.
3ـ اللقاء الثاني بين إبراهيم وإسماعيل.
4ـ الروايات التي تتحدّث عن ولادة النبيّ إبراهيم× وقسم من بداية حياته([3])، بينما لم توجد أحداث حياة النبي إبراهيم، التي تحكي تكسيره للأصنام وقصة رميه في النار وبنائه وابنه إسماعيل للكعبة، إلاّ في رواية القرآن، وبدا الإنجيل بعهدَيْه خالياً منها كلّياً.
قصة ذبح إبراهيم× لابنه تحدَّث عنها كلٌّ من: العهد القديم والعهد الجديد والقرآن، بشيءٍ من الاختلاف. وأهمّ موارد الاختلاف تلك أن اليهودية والمسيحية، وعلى أساس رواية العهد العتيق، تحدَّثت عن أن إسحاق هو «الذبيح». لكنْ في الإسلام؛ نظراً لعدم ذكر القرآن لاسم الذبيح، جاءت الروايات متضاربة ومتناقضة في هذا الباب، ولا يوجد إجماعٌ حول هوية الذبيح، ومَنْ يكون من أولاد إبراهيم×.
وهذا المقال غير معنيٍّ بالخوض في تحديد هوية الذبيح، فهذا كان المادة الدسمة للكثير من الأبحاث والمقالات وغيرها([4]). لكنّ البحث في هذا المقال منصبٌّ على بيان منشأ اختلاف وجهات نظر الموروث الديني للأديان الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام في تفسير ذبيح إبراهيم×، والتي بناءً عليها انتقلوا إلى التأكيد على مسائل مختلفة في مواجهة هذه الرواية.
فرضية البحث
إن حادثاً واحداً مع اختلاف المتن الديني بين اليهودية والمسيحية والإسلام أعطى ثلاثة مفاهيم مختلفة، وعكس ثلاث مخاوف وهواجس رئيسة عند هذه الديانات الثلاثة، التي تردَّدت أصداؤها في الروايات التي حكت واقعةً واحدة، ومن ثمّ أخذت التفاسير شكلاً مختلفاً باختلاف الموروث الديني. والحقيقة أن هاجس كلٍّ من هذه الديانات في هذا الموضوع يختلف عن الأخرى رغم وحدة الموضوع؛ فإذا كان الهاجس النظري من واقعة ذبح إبراهيم لابنه هو بيان فلسفة وسبب أمر الله تعالى لإبراهيم× بهذا الأمر العظيم في واقعه، والتي تتجلى بالدرجة الأولى في اختبار وامتحان إبراهيم×، رغم أن الإشكال عملياً بين الباحثين والعلماء المسلمين هو التأكيد على ضرورة إثبات أن الذبيح هو إسماعيل×، وليس إسحاق×، ففي المسيحية الهاجس الأول والأصيل، مع الانطلاق اليقيني بأن الذبيح هو إسحاق×، هو إثبات أن ذبح إسحاق× هو مقدّمة وعرض مسبق لصلب عيسى× على مسلخ الصليب، حتّى يكون طبق المشيئة الإلهية منجياً للبشرية. نعم، لا بُدَّ من الإشارة إلى أنه رغم وجود الهاجس الأصليّ في تفسير هذه الواقعة فقد طُرحت إلى جانبه آراء ونظريات أخرى لا تقلّ أهمّيةً، ورُبَما سُلِّط عليها الضوء أكثر.
إعادة إقراء واقعة ذبح إبراهيم لابنه في الموروث اليهودي
بناءً على ما ورد في العهد القديم فإن إبراهيم× كان له ثمانية أبناء: إسماعيل من زوجه هاجر([5])،إسحاق من زوجه سارا([6])، وستة أبناء من زوجه قطورة، وهم بالاسم: زمران، يقشان، مدان، مديان، يشبان، وشوعا([7]). والظاهر حَسْب ملاحظات عدّة أنه لم يَبْقَ من أبناء إبراهيم× على قيد الحياة إلى حين وفاته إلاّ إسماعيل وإسحاق([8])، وظلا حيّين في الذاكرة الدينية للشعوب. ولرُبَما يكون ذكر إسماعيل وإسحاق في الإنجيل لأهمّيتهما، ومن باب التكريم لهما، لكنْ حَسْب ما ذكر العهد القديم، ورغم أن إسماعيل كان الابن البِكْر لإبراهيم×، فإنه حتّى ما قبل ولادة إسحاق كان يعتقد أن كلّ البركات الإلهية كانت متعلِّقة بإسحاق([9])، فتنبؤات الملائكة في شأن إسماعيل لم تكن خيراً، ولا مناسبةً ليكون مصدر فيوضات السماء، حيث ذكرت أن إسماعيل وأولاده سيختلفون، ويتواجهون فيما بينهم، وسيعيشون متفرِّقين الواحد عن الآخر طوال حياتهم([10]). وذكر العهد القديم أنه بعد ولادة إسحاق بشَّر الله إبراهيم أن النسل الذي وعده إيّاه سيكون من إسحاق، دون إخوته([11])، وتكلَّم كذلك عن كيف اختار له زوجته([12])؟
يحكي سفر التكوين قصّة ذبح إبراهيم ابنه على هذه الشاكلة: «1وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ اللهَ امْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُ: «يَا إِبْرَاهِيمُ»، فَقَالَ: «هأَنَذَا»، 2فَقَالَ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ». 3فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحاً، وَشَدَّ عَلَى حِمَارِهِ، وَأَخَذَ اثْنَيْنِ مِنْ غِلْمَانِهِ مَعَهُ، وَإِسْحَاقَ ابنه، وَشَقَّقَ حَطَباً لِمُحْرَقَةٍ، وَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ. 4وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ، وَأَبْصَرَ الْمَوْضِعَ مِنْ بَعِيدٍ، 5فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِغُلاَمَيْهِ: «اجْلِسَا أَنْتُمَا هاهُنَا مَعَ الْحِمَارِ، وَأَمَّا أَنَا وَالْغُلاَمُ فَنَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَنَسْجُدُ، ثُمَّ نَرْجعُ إِلَيْكُمَا». 6فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ حَطَبَ الْمُحْرَقَةِ، وَوَضَعَهُ عَلَى إِسْحَاقَ ابنه، وَأَخَذَ بِيَدِهِ النَّارَ وَالسِّكِّينَ. فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعاً. 7وَكَلَّمَ إِسْحَاقُ إِبْرَاهِيمَ أَبِاهُ وَقَالَ: «يَا أَبِي»، فَقَالَ: «ها أنَا ذَا يَا ابْنِي»، فَقَالَ: «هُوَذَا النَّارُ وَالْحَطَبُ، وَلكِنْ أَيْنَ الْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟» 8فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «اللهُ يَرَى لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ابْنِي». فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعاً.
9فَلَمَّا أَتَيَا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ بَنَى هُنَاكَ إِبْرَاهِيمُ الْمَذْبَحَ، وَرَتَّبَ الْحَطَبَ، وَرَبَطَ إِسْحَاقَ ابنه، وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ»([13]).
ويتابع سرده للقصة قائلاً: «10ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ، وَأَخَذَ السِّكِّينَ؛ لِيَذْبَحَ ابنه. 11فَنَادَاهُ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ، وَقَالَ: «إِبْرَاهِيمُ، إِبْرَاهِيمُ». فَقَالَ: «ها أَنَا ذَا»، 12فَقَالَ: «لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ، وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئاً، لأَنِّي الآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ، فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي». 13فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ، وَنَظَرَ، وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ، مُمْسَكاً فِي الْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ، وَأَخَذَ الْكَبْشَ، وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً، عِوَضاً عَنِ ابنه. 14فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ اسْمَ ذلِكَ الْمَوْضِعِ «يَهْوَهْ يِرْأَهْ». حَتَّى إِنَّهُ يُقَالُ الْيَوْمَ: «فِي جَبَلِ الرَّبِّ يُرَى».
15وَنَادَى مَلاَكُ الرَّبِّ إِبْرَاهِيمَ ثَانِيَةً مِنَ السَّمَاءِ، 16وَقَالَ: «بِذَاتِي أَقْسَمْتُ، يَقُولُ الرَّبُّ: إِنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هذَا الأَمْرَ، وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، 17أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيراً، كَنُجُومِ السَّمَاءِ، وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، 18وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي»([14]).
ظاهر هذه العبارات «وَرَبَطَ إِسْحَاقَ ابنَه وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ «يكشف عن أن إسحاق لم يكن على علمٍ واطّلاع على قصد إبراهيم×. وحَسْب ما ورد في القسم الأوّل من سفر التكوين فإن إبراهيم× وحده كان مورد الامتحان الإلهي، ومكلَّفاً بأداء الأمر الإلهيّ بذبح ابنه قرباناً، رغم أن ابنه لم يكن مطَّلعاً على هذا الأمر، أكان راغباً فيه أو لم يكن راغباً. وقد ذكر بعضهم أنه؛ نظراً إلى أن إسحاق كان في سنٍّ يخوِّله التمييز والمعرفة بمدى صحّة الفعل وعدم صحته، كان الواجب أن يكون إبراهيم قد أطلع ابنه على الأمر وما أمر به من طرف ربِّه([15])، وبعد أن اطّلع على الأمر الإلهيّ بادر إلى إعانة والده على الأمر الإلهيّ، ووضع نفسه على المذبح، وفي غير هذه الصورة فسوف يطرح إشكالٌ في القصة؛ إذ إن إبراهيم، وهو طاعنٌ في السنّ، لن يكون قادراً على حمل ابنه الذي كان شابّاً يافعاً يتمتَّع بكلّ مقوّمات القوة إلى المذبح وحده([16])، هذا، مضافاً إلى أن ديفيد وينهام قد عمد إلى التشكيك في نفس قدرة إبراهيم، وقال: «هل كان إبراهيم في هذا الحادث قادراً على التفكير أو لم تكن له هذه القدرة؟ خصوصاً مع ملاحظة أنه لم يُوضّح له سبب أمره بهذا الفعل، ولا الهدف منه»([17]).
نظرية الامتحان والاختبار: آراء العقيدة اليهودية
ظلّ موضوع التضحية (الفداء) مورد بحثٍ لقرون طويلة من لدن علماء ومفسِّري اليهود. الرأي الوحيد والعقيدة الراسخة لديهم أن إبراهيم× بكلّ إدراك وتعقُّل تقدَّم لإهداء ابنه قرباناً وأضحية([18]). من هذا الباب فسَّر مفسِّري كتاب اليهود قصّة ذبح إبراهيم× لابنه على أنها تمثِّل نوعاً من الامتحان الإلهي لمدى وفاء إبراهيم× وعبوديته، وميزاناً لاختبار خضوعه لأوامر الله وإطاعتها([19]).
المناحم اليهودي مندل اشنيرسون (1789 ـ 1866م) في باب نظرية الاختبار يقول: «في البدء يظهر أن الامتحان الإلهيّ في قصة الذبح موجّهٌ لإسحاق؛ إذ إنه هو مَنْ سيقدِّم نفسه تضحيةً وقرباناً لله. لكنّ التوراة تتحدّث عن أن موضوع الاختبار الإلهيّ كان إبراهيم×»([20]). والشاهد في هذا الأمر أنه رغم أن تقديم النفس والتضحية بالنفس في سبيل الله له ثوابٌ عظيم، لكنْ في تاريخ الدين اليهودي هناك أفرادٌ عديدون تقدَّموا إلى مقام الشهادة وحظوا بها، وحتّى ضمن الفئات والطبقات العادية في المجتمع اليهودي كانت رائجةً، لذا لا يمكن اعتبار هذا الأمر مفاد اختبار وامتحان شخصية عظيمة كشخصية إسحاق، الذي هو من آباء قوم اليهود، ويشبه في ثقافتهم ما يعبّر عنه بعربة الإله (Chariots of the Gods)([21]).
وبناءً على ما سبق فإن قصة ذبح إسحاق كانت في الحقيقة اختباراً موجّهاً لإبراهيم×، وكان الغرض منه اختبار مدى إيمانه وتسليمه لأوامر الله وإطاعته له، فهل كان هذا الأمر ليوجد ترديداً واضطراباً في قلب إبراهيم×؟ حَسْب ما ذكره سفر التكوين إن الله وعد إبراهيم× أن «ذرّيته ستكون من إسحاق»([22]). وعلى أساس هذا الكلام فإن قوم اليهود جاؤوا من نسل إسحاق، والحال أن إسحاق لمّا تقدَّم به إبراهيم× لعرصة الفداء لم يكن متزوِّجاً، ولم يكن له ذرّية، حتّى يكون مصدر استمرار سلسلة إبراهيم×. ولهذا فإن المتوقَّع من إبراهيم× حين سمع الأمر الإلهي بذبح ابنه إسحاق أن ينازع قلبه التردُّد، وأن تتزلزل قوّة إيمانه، وخصوصاً أن الأمر والمشيئة الإلهية لا تتغيَّر ولا تتبدَّل، وذلك كما قال يهوا عن نفسه: «أنا الربّ لا أقبل التغير والتبديل»([23]). وعلى هذا الأساس فإن إرادته ورغبته غير قابلة للتغيُّر والتبدُّل. ومن هنا فإيمان إبراهيم× الراسخ الذي لا يشوبه أدنى شكٍّ أو تردُّد هو الذي جعله يلبّي مشيئة الله التي اقتضت أن يقدِّم ابنه قرباناً؛ إيماناً أن هذا الأمر الإلهيّ أمرٌ حقّ. والشاهد على هذا ما جاء في الإنجيل أن إبراهيم× لم يتردَّد ولو بمثقال ذرّة في تنفيذ الأمر الإلهي، وقد أقدم على تهيئة كلّ ما يحتاج في سفره نحو هضبة الحَرَم (جبل موريا). نعم، الكلام عن التردُّد والاضطراب ليس من شأن إبراهيم×([24])، وخصوصاً أن إبراهيم× كان موضع ابتلاءات أخرى عظيمة، وكان فيها موفَّقاً. ولعلّ ابتلاء عظيماً هذا شأنه لشخصٍ آخر يكون على نفس قَدْر معنويات إبراهيم× سيتوَّج حتماً بالتوفق والنجاح.
اختلاف تفسير رواية الذبح وفق الاتجاهات المعرفية
في مقابل نظرية الاختبار والامتحان، التي راجت في التفاسير التقليدية لرواية ذبح إبراهيم× ابنه، قام جمعٌ من علماء الكتاب المقدّس بطرح فهوم أخرى مختلفة لهذه الواقعة… وهذا التغيير في النظرة كان باهتاً خلال القرون الأولى وفي السنّة اليهودية، لكنْ مع بداية الابتعاد عن مجريات القرون الوسطى، والاقتراب من عصر المدنية، أخذ منحىً آخر وأصبح مهيمناً على غيره، حيث بدأ مع ظهور الحداثويين والتنويرين النظر إلى واقعة ذبح ابراهيم× لابنه إسحاق ـ حَسْب التفاسير اليهودية ـ على أنها سلوكٌ غير أخلاقي([25]). وهذه النظرة المختلفة لرواية الذبح يمكن تتبُّعها حتى في بعض الميدراشات([26]) الكلاسيكية اليهودية. مصنِّف ميدراش برشيت ربا (Genesis Rabba)، والذي ينسب السنّة اليهودية إلى فترة الأمورئيم (مرحلة الأمورئيم تأتي بعد تكوّن الكتاب المقدّس التوراة، كانت فترة حاخامات (ربات) اليهود، وهذه الفترة أو المرحلة تنقسم بدَوْرها إلى مرحلتين: مرحلة الثنائي، وهي المرحلة التي غطت القرن الأول ما قبل الميلاد واستمرّت إلى مرحلة القرن الثاني؛ ثم مرحلة الآموريين، وهي ما بين القرن الثاني الميلادي إلى القرن السادس. ومن أهم مميزات هذه المرحلة الأخيرة ظهور العقيدة بالله وارتباط الله مع العالم والإنسان بالاستناد إلى التوراة)، تحدَّث حول عدم قبول النظرية الرائجة في هذا الباب، قائلاً: «أنا أبداً لا أستطيع القبول أن الله قد أمر إبراهيم بذبح ابنه إسحاق». ربى يونابن جانا (Yona Ibn Janach)، والذي كان عاش في القرن الحادي عشر الميلادي في إسبانيا، فسَّر قصة ذبح إبراهيم لابنه بأنها مجرّد طقوس رمزية، حيث يجب تقصّي معناها الحقيقي ما وراء الصورة والفعل الظاهري. ربا يوسف بن كاسبي (Yosef Ibn Caspi)، من علماء يهود إسبانيا خلال القرن الرابع عشر الميلادي، ذكر أن أساس قصة إبراهيم مع ابنه كانت ناتجة عن توهُّمات إبراهيم، يقول: «كيف يمكن القول: إن الله أمر إبراهيم بهذا الأمر البغيض؟»([27]). وحَسْب رأيه إنها سيطرة القوّة الخيالية التي جرَتْ بإبراهيم للإقدام على هذا الفعل الخاطئ، وأوهمته أن هذه رغبةٌ وأمرٌ إلهي.
ومن جهةٍ أخرى سعى بعض الكتّاب اليهود المعاصرين، ومن جملتهم: ليبمن بودف (Lippman Bodoff)، إلى ردّ نظرية الامتحان والاختبار من طريقٍ آخر، وناقش في مدى واقعية وحقيقة أن إبراهيم كان مورد الامتحان، واستند إلى الفقرة الخامسة من الباب 22 من سفر التكوين شاهداً على ما ذهب إليه. ووفق ما جاء في هذه الفقرة أنه لما نهض إبراهيم لتنفيذ أمر ربّه اتجه بابنه إسحاق نحو المذبح «أمر خدّامه أن ابقوا هنا بجانب الحمار، حتّى أذهب مع ابني هناك نقوم بالعبادة، وبعد ذلك نرجع إليكم»([28]). فإبراهيم رغم أنه ذهب لينفد الأمر الإلهي بذبح ابنه إسحاق، لكنه لم يخبر الخدمة بشيءٍ: «حتّى أرجع إليكم ـ بصيغة المفرد ـ»، لكنّه قال لهم: «سأرجع أنا وابني إليكم». وهذا يدلّ على أن إبراهيم لم يكن يذعن أن آخر ما سيقوم به لن يؤدّي إلى الذبح الفعلي لإسحاق. ويرى جي مايلز أن الرغبة النفسية لإبراهيم كانت هي المسارعة في طاعة أمر الله، وعمل ما يؤمر به، لكنْ في مقابل هذه الرغبة الداخلية كان يقاوم هذه الرغبة، وهو ما يدلّ على أنه لم يكن يقصد فعلاً ذبح ابنه»([29]).
الأمر بالذبح لنسخ سنّة ذبح الأبناء
طقوس ذبح الأبناء قرابين لإرضاء الله في فترة إبراهيم× لم تكن غريبة؛ حيث كانت رائجةً بين العرب في تلك الأيام. شوق إبراهيم× وعشقه لربّه واستعداده للاستسلام له وتقديم القربان له لم تكن تعدّ أمراً خارقاً للعادة؛ وهو ما يعني أن أمر الله لإبراهيم بذبح ابنه لم يكن ليميِّز إبراهيم عن معاصريه، ولا أن يجعل إله إبراهيم مختلفاً عمّا يعبد من الآلهة([30]).
الحبر جوزف هرمان هرتز (Josef H.Hertz)، مفسِّر التوراة والذي ظلّ حبر إنجلترا الأعظم ما بين سنة 1913 إلى 1946م، فسَّر الأمر الإلهي لإبراهيم بذبح ابنه أنه كان لينسخ سنّة تقديم الأبناء قرابين للآلهة، التي كانت رائجةً في زمن إبراهيم، وأن الذي كان مدهشاً ومحيِّراً لعقولهم هو التدخُّل الإلهيّ لمنع إبراهيم من إتمام فعله بذبح ابنه، وليس نفس الأمر الإلهيّ بتقديم إسحاق قرباناً([31]).
هرمان هرتز، وباستناده إلى الفقرة 35 من الباب 32 من كتاب أرميا، فسَّر مسألة الذبح، التي كان محورها إبراهيم، أنها كانت عاملاً في إنهاء طقوس ذبح الأبناء قرابين: «تدخُّل الله في القضية ومنعه إبراهيم× من ذبح ابنه إسحاق كانت سبباً في تمييز اليهود وإظهارهم متميِّزين عن المشركين، الذين كانوا يستسلمون لآلهتهم الظالمة والقمّة في التوحُّش، فما كان يريده الله هو مجرّد إظهار الاستسلام والعبودية التامّة، وليس ذبح الأبناء»([32]).
ذبح الابن تعبيراً عن العقاب الإلهي
اندفع جملة من الحاخامات المحقِّقين إلى القول: إن إبراهيم× كان مستعدّاً لعمل أيّ شيء يكون فيه خلاص ابنه من أن يقدّم قرباناً، حتّى لو كان هذا العمل سيؤدّي إلى الخروج عن الأوامر الإلهية ومخالفتها([33])، علماً أن فكرة كون الأمر الإلهيّ بذبح ابنه لم يكن سوى اختبار لمدى التزام إبراهيم بالطاعة والتسليم ومدى وفائه وإخلاصه لله قد تمّ التشكيك فيه، كما وجد ذلك في جزء من آثار اليهود المعاصرين، بل هناك مَنْ رفضها ولم يعتبر لها أيّ حقيقة. وفي مقابلهم ذهب بعضٌ إلى تفسير الأمر الإلهيّ بالذبح بأنه نوعٌ من العقاب الإلهيّ الذي نزل بإبراهيم؛ فإبراهيم ارتكب جرماً في حقّ ابنه البكر إسماعيل حيث لم يمنحه العاطفة، ولم يكن رحيماً به، فقد خضع لزوجه الثانية سارة التي أصرّت عليه في طرد ابنه إسماعيل وأمّه من البيت، وأن يحملهم إلى الصحراء بعيداً عن الناس في أرضٍ لا كلأ فيها ولا ماء. فإبراهيم ـ حَسْب هذا التفسير ـ تنصَّل من وظيفته الأبوية تجاه ابنه إسماعيل، وكانت هذه معصيةٌ استحقّ عليها العقاب. والظاهر أن الله حرم إسحاق من رحمته، فكان عقاب إبراهيم× أن يؤمر بذبح إسحاق، الذي فضَّله على إسماعيل، وغمره بحبِّه دون أخيه. نعم، هذه الفرضية لا تنسجم كثيراً مع العديد من النصوص في الكتاب المقدّس، ومن ذلك، على سبيل المثال: ما جاء في سفر التكوين([34]) من أن اعتراض سارة على هاجر، وطلبها من إبراهيم إخراج هاجر وولدها إسماعيل من البيت، وتهجيرهم إلى مكان قفر، كان تحت رضا وموافقة الله. فتأييد الله لطلب سارة كان هو السبب في أن يقدم إبراهيم× على ما أقدم عليه في حقّ هاجر وولدها.
الرؤية القائمة على الجانب الأخلاقي
الظاهر أن الأمر الإلهيّ لإبراهيم× بذبح ابنه إسحاق لا يخلو على المستوى الشخصي من مظاهر البؤس ومشاعر الإحساس بالحزن والتعاسة؛ وذلك لمحبة إبراهيم× لابنه وارتباطه العاطفي الطبيعيّ بابنه. أحد أطراف هذه القصة هو الله الواحد، والرمز الذي يطرحه في هذه القصة من جهة هاجس إبراهيم× تجاه إطاعة أوامر الله، ومن جهةٍ أخرى علاقة النسب التي تربط بشكلٍ طبيعي بين الأب وابنه، هذا الرمز يحملنا نحو مسألة نسبة الإيمان والأخلاق في قصّة الذبح. والجواب أنه بإمكان شفرة السكين أن تذبح إسحاق، وفي هذا رسالة أخلاقية. والذي يمكن استنتاجه منها أن إطاعة الأوامر الإلهية والتسليم لله مقدّمة على الأمور الأخلاقية. ومن جملة المحقِّقين الذين تبنّوا هذا المبنى نذكر، على سبيل المثال: كيركغارد؛ وذلك بطرحه لنظرية «التفسير اللاهوتي للتعاليم الأخلاقية»، والذي يؤكِّد على تقدُّم الأوامر الإلهية رتبة على التعاليم الأخلاقية([35]).
وعلى الطرف الآخر برزت مجموعةٌ أخرى من المحقِّقين قامت نظريتهم في الأساس على عدم قبولهم بهذا الإبراهيمي (إبراهيم الذي يسير بابنه نحو المذبح بكلّ تسليمٍ وطواعية، من دون أن يبدي أيّ اعتراضٍ، في حين أنه نفس الإبراهيمي الذي كان معترضاً بشدّةٍ على العمل الإلهي في قضية لوط (سدوم)، والتي اعترض عليها بشدّة لاحتمال أن تفضي إلى التشكيك في أمر الله على المستوى الأخلاقي([36]). لذلك انبرى بعضهم، نظير: الفيلسوف اليهودي المعاصر إيمانويللويناس (1906 ـ 1995)، إلى تفسير الأمر الإلهيّ في قصة إبراهيم× وحادثة ذبح إبراهيم× ابنه ضمن إثبات (سيادة وتفوُّق الأخلاق على الدين). يرى لويناس أن النظم الأخلاقية لها دائماً الحجّية المطلقة. النقطة المميزة والفارقة في قصّة إبراهيم× لا تكمن في إيمانه وعقيدته الثابتة بالله واستسلامه لأوامره، وإنما هي واضحةٌ في انصرافه إلى النظام الأخلاقي، ورجوعه عن ذبح ابنه([37]). وبحَسَب تحليله فالنقطة الذروة، أو ما يسمى بلغة الروائيين الحبكة، في قصّة إبراهيم× ليست هي إيمانه، بقدر ما كانت هي عودته إلى السلوك الأخلاقي([38]).
لويناس، في إشارته للنداء الإلهي الذي سمعه إبراهيم بواسطة الملك الذي أمره برفع يده عن ذبح إسحاق، وأتاه بذبح عظيم فداءً له، قال: «رُبَما يكون انقياد إبراهيم× للنداء الذي ساقه نحو وجهة النظام الأخلاقي هي أعظم لحظة في تمثيلية (قصّة) إبراهيم×»([39]). وحَسْب نظرية هذا الفيلسوف إن إبراهيم تحرّك من الإيمان (الدين) نحو الأخلاق، وليس العكس. فخلافاً لنظرية كيركغارد إبراهيم× لم يتحرّك من الأخلاق نحو الدين، وإنما غيَّر قطب عقرب بوصلة حركته، فصارت من الإيمان ـ وهو مجال الدين ـ باتجاه الأخلاق ـ وهي الكلّي (العقلاني) ـ([40]).
إعادة قراءة قصة ذبح إبراهيم ابنه في السنّة المسيحية
لم تَرِدْ أيّ إشارةٍ في العهد الجديد عن إسماعيل، ولم يتمّ ذكره إلاّ بشكل سريع ضمن الرسالة التي تنسب إلى الرسول بولس، والتي قيل: إنه وجَّهها إلى الغلاطيين. في الباب الرابع من هذه الرسالة أشار بولس لإسماعيل بأنه (ابن الجارية)، وقال: إن اليهود كانت تلحقه بأمّه، وتشير إليه بابن الجارية، ولم ينظروا إليه بنفس نظرتهم لإسحاق([41]). وهذا النوع من الكناية تكشف عن النظرة التشاؤمية التي كانت لبولس تجاه إسماعيل، تماماً على عكس صورة إسحاق في العهد الجديد التي كانت تجعله الولد المنتجب، وأنه أشرف وأعلى أبناء إبراهيم×، والوريث الوحيد له([42])، وأن الوعد الإلهي بالخيرات وبالنسل الكثير كان لأولاد إسحاق([43])، بل إن العهد الجديد يؤكِّد على أن الله تعالى «هو ربّ إبراهيم وإسحاق ويعقوب»([44])، ويأتي ذكر اسم إسحاق في شجرة نسل عيسى×([45])، ويراه بولس أب وأصل المسيحيين([46])، وأنه ابن الله، ويعتقد المسيحيون أنهم، مثل إسحاق، يستحقّون الوعد الإلهيّ بالخيرات. كذلك أشار العهد الجديد إلى أحداث تتعلّق بإسحاق، مثل: قصة ختانه في اليوم الثامن من ولادته([47])، وقصة تقديمه قرباناً([48]).
على خلاف نظرة اليهودية والإسلام، واللتين أكّدتا على تعيين الذبيح، فإن تفاسير المسيحية تعمَّقت في الأمر، وتجاوزت مسألة تعيين الذبيح، لتقيم القصة وتربطها بصلب عيسى×. ففي العقائد المسيحية تفسير كلّ الآيات التي تشير لصلب عيسى([49]) ترى إسحاق النموذج الأسبق لعيسى. ففي هذا التفسير يقيد إسحاق بكومة الحطب كذلك قيد عيسى على الصليب، وحمل إسحاق في اليوم الثالث إلى المذبح([50]) كذلك قام عيسى من القبر في اليوم الثالث([51]).
وقد حكى العهد الجديد قصة ذبح إبراهيم× ابنه على هذا الشكل: إن إبراهيم بكلّ إيمان تقبَّل الاختبار الإلهي في أن يقدّم ابنه قرباناً. فإبراهيم× الذي تقبل الوعد الإلهي كان مستعدّاً ليقدّم ابنه وحيده قرباناً، وهو الذي قيل له فيه: «إن نسلك وذرّيتك ستكون من إسحاق، وكان إبراهيم يعتقد أن الله قادرٌ على كل شيء، قادر على أن يحيي الموتى، وهو ما يعني بشكلٍ آخر أن الله أقدر على أن يعيد الحياة لإسحاق؛ ليتحقَّق الوعد الإلهي»([52]).
فعلى هذا الأساس كان إيمان وعقيدة إبراهيم× بأن الله، بعد أن وعده أن نسله سيكون من إسحاق، قادرٌ على أن يعيد الحياة إليه بعد أن يذبح قرباناً للربّ؛ لأن وعد الربّ صادقٌ، ولا بُدَّ أن يستمرّ نسل إبراهيم×.
إبراهيم بطل الإيمان وفارسه
إن ظاهرة قصّة إبراهيم× في عقائد المسيحية، بعيداً عن أيّ تفسير، تقدّمه على أنه بطل الإيمان، وأنه قد خرج من الامتحان الإلهي متفوّقاً ومكلّلاً بالنجاح. هذه الصورة كانت منتشرة بين آباء الكنيسة الأوائل.
فالقديس آغوستين كان يرى أن إبراهيم×، على رغم إيمانه بأن الله لن يقبل أن يقدم إنساناً قرباناً، لكنّ هذا لم يكن ليجعله يتقاعس أو يتردّد ولو لحينٍ أن يطيع الأمر الإلهيّ ويستسلم له([53]).
وقال يوحنا ذهبي الفم (سمّي بفم الذهب لفصاحته) بخصوص ردّة فعل إبراهيم× في مقابل الأمر الإلهي: إن إبراهيم× كان بإمكانه أن يسأل الله العديد من الأسئلة، ومن جملتها: إذا تمّ تقديم إسحاق قرباناً فكيف سيتحقَّق العهد الإلهي الذي وعده أن يكون نسله من إسحاق، وستدوم أعقابه منه؟ لكنّه لم يطرح أيّاً من تلك الأسئلة، وكان همُّه منحصراً في كيف ينجز الأمر الإلهيّ([54]).
ويقول أورغين من أهل إسكندرية: كون إبراهيم× قام في الصباح الباكر ولم يتشاور مع أحدٍ ولم يكن له أيّ تشكيك أو تردّد في ما سيقوم به ليس تعمُّداً واعتباطاً، بل لقد عزم فعلاً على السفر وهيّأ نفسه له([55]).
والنتيجة أن إبراهيم×، مع إيمانه بالله وأن الله منجزٌ وعده لا محالة، فقد تحرّك لتنفيذ الأمر الإلهيّ، من دون اعتراضٍ أو مماطلة([56]).
ذبح إسحاق ممهِّد لصلب المسيح
على عكس سنّة اليهود التي تقوم قصّة إبراهيم في تفاسيرها على محورية إبراهيم نفسه، وتركِّز على مناقشة وإعادة قراءة دَوْره فيها، نجد السنّة المسيحية تركِّز في القصة نفسها على دَوْر إسحاق، وأنه إليه يعود القصد في ما جرى. في الكتابات المسيحية الأولى ذبح إسحاق هو عنوانٌ لخلاص البشرية.
هيبوليتوس (Hippolytus) الروميّ، في أوئل القرن الثالث، وفي تفسيره لسفر نشيد الأناشيد، كتب يقول: «إسحاق المقدّس كان مشتاقاً ليكفر عن العالم وأن يقدم نفسه فداءً لهم لخلاصهم»([57]). وكذلك كان يرى بعضٌ من المسيحيين الأوائل أن إسحاق كان «كلمة الربّ»، وأنه كان الممهِّد لمجيء المسيح([58]).
أكثر المفسِّرون المسيحيون يرَوْن هذه الفقرة من العهد الجديد ممهِّدة لعرض النجاة الإلهية، ويقصدون بذلك قتل المسيح وصلبه قرباناً للتكفير عن معاصي وذنوب البشرية([59]). وبهذا اللحاظ يكون عيسى× في الروايات المسيحية قد أخذ بدلاً عن الكبش، الذي حسب ما ورد في العهد العتيق أنزله الله لإبراهيم ليذبحه قرباناً، بدلاً عن ابنه إسحاق. ويصرّ هؤلاء على أن حادثة الصليب قد تمّ الحديث عنها مسبقاً في الكتاب المقدَّس، وكانت ظاهرةً في جواب إبراهيم× لإسحاق بأن «الله سوف يمنحه قطعاناً كثيراً».
إن الأدبيات المسيحية ظلّت ترى في سؤال إسحاق لأبيه إبراهيم×، والذي جاء جوابه: «إن الله يمنحه قطعاناً كثيراً»، استعارةً وكناية في حقيقة الأمر عمّا سيحدث لاحقاً من صلب المسيح×. وعلى هذا الأساس فإن استعداد إبراهيم× لتنفيذ الأمر الإلهيّ المقتضي لذبح ابنه الوحيد إسحاق في تفاسير السنّة المسيحية ليس في الحقيقة سوى علامةٍ وشاهدٍ على رضا الربّ (الأب) على أن يكون ابنه الوحيد (المسيح) قرباناً وفداء لنجاة وخلاص البشرية. وحَسْب هذه الرؤية إبراهيم قد عاين القيامة قبل وقوعها بآلاف السنين([60]).
لقد حاول الكتّاب المسيحيون إيجاد السنخية بين كلّ مفردات قصة ذبح إسحاق وقصة عيسى×، حيث رأوا في حمل الحطب والذهاب إلى أعلى الجبل تجلّياً لحمل عيسى على الصليب: الدَّوْر المحوري في كلا القصتين في تقديم كلَيْهما قرباناً على قمّة الجبل قد تمّ من خلال حمل كلَيْهما للحطب. فقد جاء في الدعاء الذي يقرأ في الخميس المقدّس: كما أن إسحاق قد حمل الحطب الذي سيحرق به بعد أن يقدّم قرباناً كذلك حمل عيسى× خشبة الصليب التي سيصلب عليها، وكما أن إسحاق قد بقي حيّاً فكذلك سيبعث عيسى من موته، وسيظهر لحواريّيه المقدسين([61]).
يُلاحَظ سعي الكتّاب المسحيّين إلى إيجاد ترابط بين جبل موريا وجبل جلجتا، الذي قيل: إن المسيح صلب على قمته، إلى درجة أن بعضهم سعى إلى إثبات أن جبل جلجتا في الواقع هو قسمٌ من جبل موريا الذي وقعت على مرتفعاته وقائع قصة إبراهيم وذبح ابنه إسحاق([62]). ووفقاً لهذا الرأي الأخير فإن الأَوْلى القول: إن قصة قربانية عيسى وإسحاق قد تمّت في الواقع في مكانٍ واحد.
ذبح إسحاق وفق رؤية الاتجاه الإيماني
من بين التفاسير المهمّة في كتابات المسيحيين، والتي تؤوّل ما جرى في قصة إبراهيم×، تفسير الفيلسوف الدنماركي سورن كيركغارد (1813 ـ 1855)، ويعدّ واحداً من أشهر الكتّاب المسيحيين في العصر الحالي.
ينطلق كيركغارد من أساس قاعدة أن الإيمان هو القطع بعدم يقينية الأعيان (أو الإيمان هو القطع بعدم الكثرة الخارجية). ووفق هذا القاعدة هو يرفض تطبيق أيّ دليلٍ أو برهان عقلي وطبيعي في إثبات المسيحية، وتقييم مفرداتها، كما يرفض كلّ تحليلٍ لتاريخ المسيحية. فتفسيره لقصة ذبح إبراهيم× ابنه إسحاق هي في مجال التوجُّه والمذهب الإيماني مسألة إيمانية، ولا مجال للاتكاء فيها على العقل الإنساني وتحليلاته أو براهينه.
يركّز كيركغارد في تفسيره لقصة إبراهيم على عنصر الإخلاص والإيمان، من دون أن يعني أن تفسيره قد خلا من الخيال والتصوّرات الخيالية، فإبراهيم من خلال المنظار الإيماني لكيركغارد قد تخلّى عن كلّ تفكُّرٍ عقلي وإدراك عقلاني، فحين خرج من أرض آبائه بأمرٍ إلهيّ، واتجه صوب الأرض الموعودة، قد تحلَّل من وجوده العقلي وقوة الإدراك، ولم يحمل معه في كيانه سوى إيمانه، وكانت وسيلته استعمال الإيمان في مقابل المحالات العقلية([63]).
إبراهيم لم يتحدّث للآخرين عن الأمور التي خرج لأجلها من أرض آبائه؛ لأنه لم يكن يستطيع بيانها بلسان العقل لهم؛ لأن خاصّية الأمور التي تتقوّم بالإيمان عدم قابليتها للبيان. وحَسْب تعبير دريدا: «إن كتم السرّ فرض على إبراهيم الخروج، بل خيانة الأخلاق»([64]). وبتعبيرٍ آخر: إن إبراهيم بلحاظ الأخلاق والعُرْف العام ليس سوى قاتل قاسي القلب، بينما هو عند الله «أب الإيمان»([65]). لذلك نستطيع القول: «إن كيركغارد باعتباره مسيحيّاً يرى أن الاعتماد على القوّة العقلية في محيط التناقض هو بمنزلة الذنب؛ لأن ذاتية وماهية الذنب هي الاعتقاد غروراً بالاستقلال وباختيارية الإنسان في علاقته بربّه»([66]).
إيمان كيركغارد لا يخلو من المخاطرة، وامتطاؤه لصهوة فرس الإيمان بهذا الشكل يُعَدّ مغامرة. يكمن خطر هذه المغامرة في الخطر المعرفي. فالإنسان يسلِّم رقبته لأمرٍ لا يتوافق وعقله، وفي مثل هذا السلوك يكمن الخطر الواقعي، فإبراهيم بحَسَب نظرة كيركغارد قد وقع في الخطر؛ لأنه اتّبع ما يمليه عليه إيمانه، ولم ينظر إلى الأمر الإلهيّ بعين العقل والتفكُّر([67]).
قراءة قصة ذبح إبراهيم ابنه في السنّة الإسلامية
على عكس العهدين يبرز اسم إسماعيل× في القرآن، ويشار إليه مراراً بكلّ أوصاف الخير والكمال. فقد ذكر في القرآن اثنتا عشرة مرّة، وأشير إليه بالحليم: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ﴾ (الصافات: 101)، المصطفى والخيِّر عند الله: ﴿وَاذْكرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيسَعَ وَذَا الْكفْلِ وَكلٌّ مِنَ الأخْيارِ﴾ (ص: 48)، صادق الوعد عند الله، كما في قوله: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً﴾ (مريم: 54)، وكان إلى جانب أبيه إبراهيم×، وساهم معه في بناء الكعبة: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ…﴾ (البقرة 125 ـ 127). ولم يَخْلُ القرآن من ذكر اسم إسحاق، بل ذكره سبع عشرة مرّة، وصف فيها بالعبد والصالح والمتّقي وغيرها من الأوصاف الحميدة: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ﴾ (الأنبياء: 72)، وأن الله قدر رزق إبرهيم× إيّاه في سنّ كهولته: ﴿الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ (إبراهيم: 39)، وأن الله قد أتمّ عليه النعمة([68])، وأنه منحة ربانية لإبراهيم([69])، وأنه بركة من الله([70]).
وقد اختلفت قصّة ذبح إبراهيم ابنه في القرآن تماماً عما ورد في العهدين، فقد نقل القرآن القصة فقال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الصافّات: 100 ـ 111).
وكما يُلاحَظ في هذه الآيات فإن الكلام اقتصر على أصل الحادث وما وقع بشكلٍ مباشر، من دون التطرُّق إلى ذكر اسم ابن إبراهيم الذي قدم قرباناً، والذي كان موضع هذا الامتحان الكبير. كما لم تُشِرْ الآيات إلى محلّ ومكان إجراء الأمر الإلهيّ. النقطة الوحيدة التي يمكن استنباطها من الآيات المتقدِّمة أن الابن الذي اختير لهذا الامتحان هو ذلك الابن الذي كان موضع تبشير إبراهيم× بولادته. وبناءً على ما جاء في الآيات من سورة الصافّات فقد ألهم الله إبراهيم× في عالم الرؤيا الأمر الإلهي بذبح ابنه قرباناً. وإبراهيم بكلّ الرضا استسلم للأمر الإلهيّ على عظمته. كذلك يُلاحَظ أن جلّ الآيات التي تناولت قصة الذبح لم تذكر اسم ولد إبراهيم× المعنيّ بالذبح، ولا مكان الذبح. وهذا الإجمال البدويّ الذي ذكرت فيه القصة هو الدافع لرجوع بعض المفسِّرين الأوائل إلى ما ذكر في العهد العتيق، وبالتالي قولهم: إن إسحاق كان هو المعنيّ بالذبح([71]). لكنْ مع مرور الزمن، وتعمُّق المفسّرين أكثر في الشواهد التاريخية، واعتماد شواهد السياق ومن داخل القرآن والآيات نفسها التي تناولت قصة إبراهيم×، تغيَّرت كلمتهم في الموضوع.
وفق الآيات القرآنية تمّت بشارة إبراهيم بميلاد غلامٍ مرّتين: مرّة بُشِّر بإسماعيل؛ وأخرى بُشِّر فيها بإسحاق. البشارة بإسحاق جاءت في الآية 112 من سورة الصافّات: ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ﴾، وأتت هذه البشارة بعد بيان الآيات السابقة لقصّة الذبح، وهو تأييدٌ داخلي على أن المراد بالابن في قصة الذبح هو «غلام حليم»: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ﴾ (الصافات: 101)، والتي تنطبق على إسماعيل([72])، وبالتالي فإن الذي تمّت البشارة به أوّلاً هو ذبيح القرآن، ولم يكن إسحاق هو الابن الأوّل لإبراهيم، بل كان إسماعيل([73]). ومن جهةٍ أخرى إن وصف إسماعيل بالصبر، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنْ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنبياء: 85)، إشارةٌ إلى صبر إسماعيل على الأمر الإلهيّ، وقبوله بأن يذبح قرباناً([74])؛ وكذلك وُصف بـ (صادق الوعد) الذي يحتمل موافقته لصبره وتحمّله الذبح([75]). ومن هنا يكون القرآن قد اختلف عن التوراة في اسم ابن إبراهيم الذي أمر بذبحه قرباناً. ظاهر الآيات أن بين البشارتين اللتين تلقّاهما إبراهيم× فاصلة زمنية؛ وذلك لأن ابنه الأول كان قد بلغ مبلغ الرجال وتمّت قضية الامتحان الإلهيّ بذبحه، وبعدها بمدّةٍ رُزق البشارة الثانية بمولوده إسحاق.
مسار تطوُّر رأي المفسِّرين المسلمين في تعيين مصداق الذبيح
على خلاف اهتمام السنّة اليهودية والمسيحية فقد كان الاهتمام الأوّل في السنّة الإسلامية تعيين مصداق الذبيح في قصّة ذبح إبراهيم ابنه. والقول بأن هذا كان الاهتمام الأوّل لا يعني بأيّ شكلٍ من الإشكال إغفال القسم الحقيقيّ في القصة، وهو قسم امتحان إبراهيم× وابتلائه بهذا الابتلاء العظيم، حتّى ينال إثره مقام الإمامة، وهو الهدف المسلَّم به في الفهم الديني الإسلامي. ورغم ثبوت اسم إسماعيل بعنوان الذبيح في الذاكرة الإسلامية، لكنّ البحث عن مصداق الذبيح ليس غريباً في الساحة الإسلامية بشكلٍ تامّ، فقد طرح في التاريخ الإسلاميّ، وبالذات في زمن خلافة الخليفة الثاني([76])، وقد ذكر ذلك ابن كثير بقوله: «وقد ذهب جماعة من السلف بأن الذبيح كان إسحاق؛ نقلوا ذلك عن كعب الأحبار الذي أخذها عن صحف أهل الكتاب. ولم يكن ذلك المعنى الذي أخذوه مفهوماً من القرآن، سواء من مفهومه أو من منطوقه، بل إن النصّ القرآني واضحٌ في الإشارة إلى أن الذبيح كان إسماعيل»([77]).
البعض الآخر من المفسِّرين لم يرجِّح قولاً على قول، وأحالوا الجمع والتوفيق بين الروايتين، فاحتملوا أن يكون إبراهيم× قد تعرّض للامتحان بذبح ابنه مرّتين: مرة أمر بذبح إسماعيل؛ ومرة ثانية أمر بذبح إسحاق، قربةً لله([78]). كما قالوا: لعلّه لأن إسحاق كان يتمنّى أن يكون الذبيح؛ حتّى يحصل على الأجر والثواب الذي حصل عليه أخاه إسماعيل، وحتّى يبلغ مقامه، ولأن الله علمه صادق الحديث ومخلص اللهجة، فقد أمر أن يلقب بين الملائكة بالذبيح جزاءً وثواباً له([79]).
إن انتقال الكتابات والتفاسير إلى تعيين إسماعيل المصداق الأتمّ للذبيح في قصة إبراهيم×، وقوّة الأدلة التي أقيمت له، دفع بجَمْعٍ من المستشرقين إلى الادّعاء أن القول بأن الذبيح كان إسماعيل إنما هو نتاج القرون المتأخِّرة بين المسلمين. ومن الأمثلة على هؤلاء ما قاله إدوارد نورث، في تحقيق حول ذبح إسحاق، حيث كتب يقول: «إن محمداً| نفسه قد احتمل أن إسحاق هو الذبيح، ولم يكن لدى المفسِّرين الأوائل شكٌّ في هذا»([80]). وحَسْب قوله: إن فايرستون هو الآخر قد توصَّل؛ من خلال العديد من التحقيقات والأبحاث في الآثار الإسلامية، إلى أن المصادر الأولى من التراث الإسلامي كانت تميل إلى تعيين إسحاق بعنوان مصداق الذبيح في قصة إبراهيم×»([81]). مؤلِّف كتاب (المقدس؛ اللاهوت والإيمان)، وبعد أن أجرى مقارنةً بين القرآن والتوراة حول قصة إبراهيم، وبعد إعداده لثلاثة مؤلَّفات: 1ـ إلهية الأمر بالقربان؛ 2ـ تسليم إبراهيم التامّ والكامل للمشيئة الإلهية؛ 3ـ مباركة نسل إبراهيم، كتب يقول: «مع أن تحديد هوية الذبيح في السنّة الإسلامية الأولى كان مورد اختلافٍ، لكنْ بعد مرحلةٍ حصل بينهم التوافق على أن إسماعيل هو المعنيّ بالبحث، وليس إسحاق. ورغم أن القرآن لم يتعرّض لمحلّ وقوع القصة فإنهم خلصوا في الأخير إلى القول بأنها وقعت في مكّة»([82]).
ذكر الفخر الرازي أسامي المفسِّرين الذين ذهبوا إلى أن الذبيح كان إسحاق، وكذلك أسامي المجموعة التي قالت: إن الذبيح كان إسماعيل، كما أورد أدلّتهم والبراهين التي اعتمدوا عليها في إثباتهم. فذكر أن مجموعةً، من بينهم: عمر بن الخطّاب، والعبّاس بن عبد المطّلب، وعليّ بن أبي طالب×، وابن مسعود، وكعب الأحبار، وقتادة، وسعيد بن جبير، ومسروق، وعكرمة، والزهري، والسدي، ومقاتل، كانوا ضمن المجموعة الأولى التي رجَّحت أن إسحاق كان هو الذبيح. ثم ذكر من المجموعة الثانية أفراداً، مثل: ابن عبّاس، وابن عمر، وسعيد بن المسيّب، والحسن بن عليّ×، والشعبي، ومجاهد، والكلبي، ضمن القائلين بأن المصداق الأتمّ للذبيح كان إسماعيل([83]).
هويّة الذبيح في الروايات الإسلامية
تناولت روايات أهل السنّة قصة ذبح إبراهيم× ابنه. لكنْ حَسْب رأيي كانت متناقضة؛ حيث جاءت مجموعة من الروايات في أن إسحاق هو الذبيح؛ ومجموعة ثانية صرّحت بأن الذبيح كان إسماعيل.
وتجدر الإشارة أن بين روايات المجاميع الحديثية الشيعية توجد روايات تقول بأن إسحاق هو ذبيح الله. ورغم ادّعاء الشيخ الصدوق وجود التعارض والاختلاف بين الروايات في هذا الموضوع، إلاّ أنه قدّم طرقاً للجمع بينها([84]). وفي كتاب الكافي، للشيخ الكليني، هناك شواهد على وجود روايات قابلة للبحث في ثناياها عن هذا الموضوع، وهي الشواهد التي استند إليها العلاّمة المجلسي ليقول: إن الشيخ الكليني كان من المتوقِّفين في تعيين مصداق الذبيح([85]).
وجود ازدواجية المصداق في هذه الروايات بين الشيعة كان عاملاً منذ القِدَم وحتّى وقتنا الراهن في إيجاد اتجاهين:
1ـ الاتجاه الأوّل: نقل كلا روايات المجموعتين، من دون أن يتكلَّم فيها بشيءٍ. ومن جملة أفراد هذا الاتجاه نذكر، على سبيل المثال: الشيخ القمّي([86])؛ والحويزي([87])، والبحراني([88]).
2ـ الاتجاه الثاني: والذي قال بأن الذبيح كان إسماعيل، من بينهم: الشيخ الصدوق([89])، والشيخ المفيد([90])، والطبرسي([91])، والعلاّمة المجلسي([92])، ومن المتأخِّرين نذكر العلاّمة الطباطبائي([93]).
أما بين أهل السنّة؛ ونظراً لوجود تناقضٍ واختلاف بين الروايات في هذا الباب، فقد نتج عن ذلك بروز ثلاثة اتّجاهات:
1ـ الاتجاه الأوّل: نظير: الفخر الرازي([94])، وابن الأثير([95])، والسيوطي([96])، حيث اكتفوا في تعاملهم مع النوعين من الروايات على تناقضها، فقد نقلوها من دون أيّ تعليق.
2ـ الاتجاه الثاني: مثَّله مجموعةٌ، نظير: الطبري([97])، والثعلبي([98])، وابن الجوزي([99])، واختاروا الروايات التي تقول: إن إسحاق هو الذبيح في قصة إبراهيم×.
3ـ الاتجاه الثالث: مثَّله مجموعةٌ، منهم: الزمخشري([100])، وأبو حيّان الأندلسي([101])، والزحيلي([102])، وأكَّدوا على أن إسماعيل× كان هو الابن الذي اختير ليكون قرباناً في قصة إبراهيم×.
ويُلاحَظ عدم التزام علماء الشيعة بمفاد الروايات التي تتحدَّث عن إسحاق بعنوان الذبيح؛ والسبب راجعٌ لا محالة إلى أحد الأمور التالية: 1ـ إما أن هذه الروايات تعاني من الضعف السندي؛ 2ـ أو أنها في مقام تعارضها والروايات من المجموعة الثانية التي تتحدّث عن أن الذبيح كان هو إسماعيل الابن البكر للنبيّ إبراهيم× غَدَتْ غير قادرةٍ على الصمود في وجه إثبات الأخرى، وهذا ما حدا بعلماء الشيعة إلى الإعراض عنها.
والحقيقة أن بين هذه الروايات فعلاً تعارضٌ. لكنّ هذا التعارض لم يغفله العلماء، بل حاولوا بطرقٍ شتّى رفع التعارض، والجمع بين الروايات من المجموعتين، ناظرين إلى الجمع بين مفادها ومضمونها. فمثلاً: الشيخ الصدوق، وكما أشرنا إلى ذلك سابقاً، سعى للجمع بين الروايات التي تبدو في ظاهرها متعارضةً، ففسَّر الروايات التي تتحدث عن أن الذبيح كان هو إسحاق بالشكل التالي: «الصحيح أن الذبيح هو إسماعيل، أما إسحاق ـ والذي ولد بعد إسماعيل بعدّة سنوات ـ كان يتمنّى أن يكون الابن الذي أمر الله إبراهيم بذبحه قرباناً، ولأن الله قد اطَّلع على قلبه وعلمه صادقاً لم يشأ أن يمنع عنه أجر وثواب هذا التمنّي الصادق فنادى في الملائكة أن يسمّوه بالذبيح؛ إكراماً له»([103]).
وعلى العموم، وبعيداً عن إثبات هوية الذبيح، النقطة التي تستنتج ممّا سبق أن الفضاء الغالب في التفاسير الإسلامية على خلاف ما هو سائد في فضاءات التفاسير والسنّة اليهودية أو المسيحية، حيث يسعى إلى تعيين المصداق للذبيح. وبأسلوبٍ آخر: إن المفسِّرين المسلمين في تعرُّضهم لقصة إبراهيم، وبالذات لقصّته في ذبح ابنه، إلى جانب اهتمامهم بجوانب القصّة الأخرى، والتي ذُكرت في الكتب السماوية السابقة، كان هدفهم بالدرجة الأولى الخروج بجوابٍ ثابت حول تعيين هوية المصداق الأتمّ للذبيح، وتعرّضهم للجوانب الأخرى في القصة لم يكن له نفس الحضور ونفس الاهتمام. نعم، من الثابت أن الديانات الإبراهيمية قد اشتركت، وبالخصوص الإسلام، في الرأي حول الهدف الإلهيّ من أمر إبراهيم× بهذا الأمر على كِبَر سنّه ومقامه العالي في النبوّة، حيث اتّفقوا جميعاً على أنه كان امتحاناً عظيماً لإبراهيم الخليل×. وانفرد الإسلام بإضافة هدفٍ آخر لم تتطرَّق له الديانات الأخرى، حيث تحدَّث عن أن هذا الابتلاء بهذه العظمة كان الهدف من ورائه هو منح إبراهيم× مقام الإمامة، وهو المقام الذي يُعَدّ بحَسَب القرآن أعلى وأعظم من مقام النبوّة.
النتيجة
إن قصة الذبيح التي تعرَّض لها إبراهيم× موضوعٌ مشترك بين الأديان السماوية الثلاثة، وفي عين هذا الاشتراك وُجد الاختلاف بين نظرات وتفاسير اليهودية والمسيحية والإسلام.
واهتمام الديانات الثلاثة بقصّة إبراهيم في جانب الأمر الإلهيّ بذبح ابنه جاء نظراً لأمرين:
الأوّل: إن إبراهيم يُعَدّ الأب الأكبر والأصيل لهذه الديانات الثلاثة، حيث تنطلق كلّ واحدة من الديانات الإبراهيمية منه، ويظهر جليّاً من خلال الاشتراك في التوحيد الإبراهيمي.
الثاني: إن قصة الذبيح أتَتْ على ذكرها الكتب السماوية لهذه الأديان الثلاثة: القرآن والعهد القديم والعهد الجديد.
وهذا هو السبب وراء اهتمام التفاسير المختلفة، أعمّ من الأخلاق والعقائد والعرفان و…، بهذه القصّة، حيث انبرى أصحابُ النظر والمحقِّقون والباحثون إلى الإدلاء برأيهم وتفاسيرهم في الموضوع، حيث نظر كلٌّ منهم إلى القصة من زاويةٍ خاصّة. وقد تتبَّعنا كيف اختلفت طرق تبيينهم للقصّة، وكيف اختلفت تفاسيرهم فيها، انطلاقاً من معطيات كتبهم المقدّسة وما حملته من معلوماتٍ في الموضوع.
آلة التفكّر اليهودية ركّزت على أن الذبيح كان إسحاق، وتبعها في هذا الاعتقاد الفكر المسيحي. الفكر الإسلامي طوال تاريخه كان يعتقد أن الذبيح هو إسماعيل. علماً أن هَمَّ كلّ واحدةٍ من الديانات الثلاثة في تعاملها مع قصة الذبيح كان إثبات مسألة بعينها، على خلاف اهتمام الديانات الأخرى. الاهتمام الغالب في تفاسير اليهودية والإسلام هو البحث في فلسفة الأمر الإلهيّ الصادر لإبراهيم× بذبح ابنه، فقد غلب على نظرة الديانة اليهودية، كما هو ظاهرٌ في تفاسيرها وسنّتها، ما عبرت عنه بفلسفة الامتحان، فإبراهيم هو العنصر الأصيل في هذه القصة، وهو حدّها الواقعي. في الإسلام حصل توافقٌ نظريّ حول فلسفة هذا الأمر الإلهيّ، وبتعبيرٍ أكثر دقّة: إن نظرة القرآن ونظرة التفكّر الإسلامي الظاهر في تفاسيره وسنّته هو غلبة حصر الأمر الإلهيّ في مسألة العهد الإلهي لإبراهيم، أو ما عبر عنه صراحةً بمقام الإمامة، وهو المقام الذي يعتقد أنه أعلى رتبة من مقام النبوّة. فإبراهيم بعد أن حصَّل مقام النبوّة ابتلاه الله؛ ليمنحه مقام الإمامة. وتجدر الإشارة إلى أن التوافق النظريّ بين اليهودية والمسيحية حول محورية فلسفة الأمر الإلهيّ لإبراهيم× استتبعه توافقٌ على المستوى العمليّ، حيث بُنِي البحث حول مسألة تعيين المصداق الواقعيّ للذبيح، وكأنها المدخل للوصول إلى كُنْه فلسفة الأمر الإلهيّ وبابه الأول. في المسيحية النظرة الغالبة والهدف الأصيل من قصّة إبراهيم في جانب الذبيح هو جعل إسحاق هو الذبيح؛ لما سيتفرَّع عنه في ما يرتبط بصلب المسيح×، حيث ذهبوا إلى الاعتقاد بأن ذبح إسحاق كان العَرْض المتقدِّم لأحداث قصّة صلب المسيح×، وكأن قصّة صلب المسيح تجد امتدادها الواقعي والتاريخي في قصّة ذبح إسحاق، حيث مهّد الأمر الإلهي بذبح إسحاق في عملية خلاص البشرية التي توّجت بصلب المسيح ابن الربّ، حَسْب معتقدهم. فإسحاق عنصر الأصل في قصّة إبراهيم×، وعليه يدور مدارها، ويتعلّق هدفها، سواء في نفس واقعة الذبح أو ما يرتبط بها ارتباطاً مصيرياً في قصّة صلب المسيح.
وإجمالاً إن تغيُّر زاوية نظر كلّ واحدة من الديانات الثلاثة لقصّة الذبيح في قصة إبراهيم× رافقه وجود نظرات أخرى تنطلق من زوايا مغايرة لما عليه التفاسير والسنّة في تلك الديانات، حيث تتبّعنا النظرة العرفانية والنظرة الأخلاقية التي حاولت البحث في مقولة الذبح من المباني الخاصّة لها من وجهة الأخلاق في وجود الأمر بالذبح أو عدم وجوده، أو لماذا هذا الأمر الإلهي بالذبح؟ الذي ناقشته النظرة العرفانية.
الهوامش
(*) باحثٌ في الأديان المقارنة، في جامعة الأديان والمذاهب.
(**) باحثٌ في الأديان المقارنة، في جامعة الأديان والمذاهب.
(***) باحثٌ، وأستاذٌ مساعِدٌ في جامعة الأديان والمذاهب.
([1]) Levenson, Jon Douglas, 2012, Inheriting Abraham: The legacy of the patriarch in Judaism, Christianity, and Islam, Princeton: Princeton University Press, p 6.
([2] (Solomon, Timosy M., 1998, Study of Abraham in the bible and the Qur’an as a step toward interfaith dialogue, Hartford Seminary.
([3]) Lowin, Shari L., 2011, «Abrahm in Islamic and Jewish Exegesis», Religion Compass5/6, p 224.
([4]) محمد رسول إيماني، مروي بردو ديدگاه در مورد ذبيح إبراهيم× در سنّت إسلامي، معرفت أديان، العدد 2: 5 ـ 22، 1389هـ؛ زينب پور أختري، ذبيح أز ذبيح أز ديدگاه قرآن ـ عهدين ـ ومفسِّران، كوثر، العدد 33: 101 ـ 108، 1388؛ السيد حسين الحسيني وسمانة زارعتي، بررسي تطبيقي داستان حضرت إبراهيم در متون تفسيري وعرفاني، إلهيات تطبيقي، العدد 2: 41 ـ 69، 1389.
([12]) سفر التكوين 32: 9؛ 48: 15 ـ 16؛ إصحاح الخروج 2: 24؛ 3: 6؛ لاويان 26: 42؛ الإعداد 32: 11.
([14]) سفر التكوين 22: 9 ـ 18.
([15]) Fischer, Zoltan, Jul ـ Sep 2007Jewish Bible quarterly, saccrificing Isaac: a new interpretation, V. 35Issue 3, p 176.
([16]) Cohen, Barbara, 1978The Binding of Isaac, Lothrop Lee & Shepard, p 22.
([17]) Wenham, Gordon,1994, Word Biblical CommentaryVol. 2, Genesis 16 ـ 50, Dallas, texas, word books publisher, p 106 – 108.
([18]) Fischer, Zoltan, Jul ـ Sep 2007Jewish Bible quarterly, saccrificing Isaac: a new interpretation, V. 35Issue 3, p 176.
([19]) Bandstra, Barry, 2008Reading the Old Testament: Introduction to the Hebrew Bible, Cengage Learning, p 91.
([24]) Fischer, Zoltan, Jul ـ Sep 2007Jewish Bible quarterly, saccrificing Isaac: a new interpretation, V. 35Issue 3, p 174.
([25]) Moberly, R. W. L,. 2000, The Bible, Theology, and Faith: A Study of Abraham and Jesus, Cambridge University Press, p 128 – 129.
([26]) المدراش (מדרש) بالعبرية هي سلسلة مجموعة من التعليقات القديمة على كلّ أجزاء التناخ، بتنظيم وتقسيم مختلفين من مجموعة إلى أخرى. فكل جزء من كتاب في المدراش يمكن أن يكون قصيراً جدّاً، وبعضه يصل في القصر إلى كلمات قليلة أو جملة واحدة، ويوجد بعض من أجزاء من المدراش في التلمود.
([27]) Spiegel, Shalom, 1979, The Last Trial: On the Legend and Lore of the Command to Abraham to Offer Issac as a Sacrifice ـ the Akedah, Behrman, p 38 – 41.
([29]) Miles, Jack, 1995, God a biography, New York, Vintage, p 59.
([30]) Fischer, Zoltan, Jul ـ Sep 2007Jewish Bible quarterly, saccrificing Isaac: a new interpretation, V. 35Issue 3, p 174.
([31] (Joseph Herman Hertz, 1936, Hamishah Humshe Torah Im Ha ـ Hafterot: Genesis, Defus d’universitah Oxford, p 182.
([33]) Spiegel, Shalom, 1979, The Last Trial: On the Legend and Lore of the Command to Abraham to Offer Issac as a Sacrifice ـ the Akedah, Behrman, p 68.
([34]) سفر التكوين 21: 9 ـ 18.
([35]) Kierkegaard, Soren, 2010Fear and trembling, USA, pacific publishing, p 26.
([36]) سفر التكوين 18: 23 ـ 32؛
Smith, Yancy, 2008, Hippolytus’ Commentary on the Song of Songs in Social and Critical Context, PhD Dissertation; Brite Divinity School, p 392.
([37]) Riessen, Renée D. N. Van, 2007, Man as place of God: Levinas’ Hermeneutics of Kenosis, Published by Springer, p 155.
([38]) Nelson, Eric Sean & Kapust, Antje & Still, Kent, 2005, Addressing Levinas, Northwestern University Press, p 27.
([39]) Levinas, Immanuel, 1996, Proper Names, Stanford, CA: Stanford University Press, p 74.
([43]) رسالة إلى أهل رومية 9: 7 ـ 9.
([44]) مرقس 12: 26؛ سفر أعمال الرسل 3: 13.
([46]) رسالته إلى أهل رومية 9: 10.
([48]) رسالة إلى العبرانيين 11: 17 ـ 19؛ رسالة يعقوب 2: 21.
([49]) متّى 27: 32 ـ 35؛ مرقس 15: 24؛ لوقا 23 ـ 33؛ يوحنّا 19: 18 ـ 25.
([51]) متّى 12: 40؛ مرقس 8: 31؛ لوقا 9: 22؛ يوحنّا 2: 19 ـ 21.
([52]) الرسالة إلى العبرانيين 11: 17 ـ 19.
([53]) Augustine of Hippo,1972The City of God, Translated by Henry Bettenson Harmondsworth, England, Penguin Books, 32, p 16.
([54]) the Sacrifice of Issaac a Symbol of the Resurrection, p 3.
([56]) Letter & Spirit 1 2005, The sacrifice of issac in genesis and Hebrew s a study in the Hermeneutic of Faith, James Swetnam, S.J, Pontifical Biblical Institute, Rome, p 29.
([57]) Smith, Yancy, 2008,»Hippolytus’ Commentary on the Song of Songs in Social and Critical Context» PhD Dissertation; Brite Divinity School, p 312.
([58]) Origen, Ronald E. Heine, 1982, Homilies on Genesis and Exodus, Catholic University of America Press, p 188.
([59]) Moberly, R. W. L,. 2000, The Bible, Theology, and Faith: A Study of Abraham and Jesus, Cambridge University Press, p 107.
([60]) TheSacrifice of Isaac ,a Symbol of the Resurrection, p 3.
([62]) Barnhart, David, 2007Living in the Times of the Signs, Xulon Press, p 291.
([63]) Lippitt, John, 2003, Routledge philosophy guidebook to Kierkegaard and Fear and trembling, London, New York: Routledge, p 14.
([64]) Jacques, Derrida, 1996, The gift of death, University of Chicago Press, p 59.
([65]) مهتاب مستعان، كيركغار، متفكّر عارفه پيشه: 112، طهران، روايت، 1374.
([66]) Stephen, Evans, C.,2006,Kierkegaard on Faith and the Self, Baylor University Press, p 124.
([67]) رحيم سليماني أردستاني، خرد ورزي در ما جراي ذبح فرزند توسط إبراهيم خليل، أنجمن معارف إسلامي 2: 74، 1384.
([69]) كما في الأنعام: 84؛ إبراهيم: 39؛ الأنبياء: 72.
([71]) تاريخ الطبري 1: 96، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، 1403.
([72]) الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 8: 517 ـ 518، صحّحه: أحمد حبيب العاملي، بيروت، دار إحياء التراث العربي.
([73]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 17: 153، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1403.
([74]) الفخر الرازي، التفسير الكبير 26: 153 ـ 154، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1410.
([75]) تفسير القرطبي 1: 67، ط2، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1405.
([76]) أبو الحسن الصديق عبد العظيم، الذبيح مَنْ هو؟، الشرعية والدراسات الإسلامية، العدد 21: 15 ـ 17، 1414.
([77]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 1: 214 (بالتصرُّف)، بيروت، دار الكتب العلمية، 1419.
([78]) مطهر بن طاهر المقدسي، البدء والتاريخ 3: 64، مصر، مكتبة الثقافة الدينية، 1414.
([79]) عبد العلي بن جمعة الحويزي، تفسير نور الثقلين 4: 424، تصحيح: هاشم رسولي، قم، إسماعيليان، 1379.
([80]) Noort, Edward and Tigchelaar, Eibert (Eds), the Sacrifice of Isaac, BRILL, 2002, p 130.
([82]) Moberly, R. W. L,. 2000, The Bible, Theology, and Faith: A Study of Abraham and Jesus, Cambridge University Press, p 116.
([83]) الفخر الرازي، مفاتيح الغيب 26: 347، ط3، بيروت، دار إحياء التراث العربي،1420.
([84]) الصدوق، عيون أخبار الرضا× 2: 191، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1404.
([85]) المجلسي، بحار الأنوار 12: 131، بيروت، مؤسّسة الوفاء، 1403.
([86]) تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي 2: 224، قم، دار الكتاب، 1367.
([87]) الحويزي، تفسير نور الثقلين 4: 419.
([88]) هاشم البحراني، البرهان في تفسير القرآن 4: 615، طهران، بنياد بعثت، 1416.
([89]) الصدوق، الخصال 1: 57، قم، جماعة المدرّسين، 1362.
([90]) المفيد، تفسير القرآن المجيد: 431، قم، مكتب التبليغ الإسلامي، 1424.
([91]) الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 8: 707، طهران، ناصر خسرو، 1372.
([92]) المجلسي، بحار الأنوار 12: 134.
([93]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 7: 231.
([94]) الفخر الرازي، مفاتيح الغيب 26: 346.
([95]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ 1: 97، بيروت، دار الكتاب العربي، 1417.
([96]) السيوطي، الدرّ المنثور في تفسير المأثور 5: 279، قم، مكتبة المرعشي النجفي، 1404.
([97]) الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن 23: 54.
([98]) الثعلبي، الكشف والبيان 8: 149، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1422.
([99]) ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك 1: 277، بيروت، دار الكتب العلمية، 1412.
([100]) الزمخشري، تفسير الكشّاف 4: 58، بيروت، دار الكتب العلمية، 1407.
([101]) أبو حيّان الأندلسي، البحر المحيط في التفسير 9: 119، بيروت، دار الفكر، 1429.
([102]) وهبة الزحيلي، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج 23: 114، بيروت، دار الفكر المعاصر، 1418.