د. حسن مهر نيا(*)
المقدّمة
تُعَدّ ظاهرة أسلمة العلوم الإنسانية من أهمّ المسائل التي حظيَتْ باهتمام المفكّرين والعلماء المسلمين على مدى الأعوام المنصرمة، وتمّ النظر فيها من مختلف الزوايا. وفي هذا الشأن يذهب بعض علماء المسلمين إلى الاعتقاد بأنه قبل البدء بإنتاج العلوم الإسلامية، وإعداد مقدّمات تبلور الحضارة الإسلامية الحديثة، من الضروري أن تعمل العلوم الإنسانية على حَسْم موقفها من العلوم الإنسانية الغربية ـ التي تطفَّلت على المائدة العلمية للمسلمين على مدى القرون الماضية ـ وتحرِّر نفسها من قيودها وأغلالها الثقيلة مرّةً واحدة، وإلى الأبد. وقد تمّ تقديم الكثير من المقترحات في هذا الخصوص، ويبدو أن المقترح الأقرب إلى الإنصاف والمنهج العلمي هو القراءة الدقيقة والمنصفة والمتناغمة للنصوص التقليدية الغربية، ومناقشة آراء المفكِّرين الغربيين في هذا السياق. ومن هنا نسعى في هذا المقال إلى تقديم تحليلٍ ودراسة ناقدة لرؤية (هيجل)([1]) عن الإسلام والمسلمين([2]).
في معرض دراسة وتحليل المنظومة الفكرية لهيجل حول الشرق بشكلٍ عام، والدين الإسلامي بشكلٍ خاصّ، يجب القول: إن هذه المسألة تظهر في أعماله المتعدّدة والمتنوّعة، وقد تراوحت بين السلب والإيجاب، ولم يتمّ تقديم روايةٍ واحدة ومنسجمة عنها([3]). ومن هنا يجب علينا في بداية هذا البحث أن نأخذ بنظر الاعتبار الفوارق التي يقدّمها في رؤيته إلى مسألة المسلمين والشعوب الشرقية، ومن ذلك: أوّلاً: الفرق بين الأتراك (العثمانيين) والعرب والفرس (الإيرانيين القوقازيين). وثانياً: الفرق بين الإسلام واليهودية والمسيحية. وثالثاً: الفرق بين المكانة الثقافية / الاجتماعية، والتاريخية، والقومية / العرقية، والفنية / الجمالية المعرفية، للدين الإسلامي خصوصاً، والشعوب الشرقية عموماً، والالتفات إلى ذلك بشكلٍ كامل. وبعبارةٍ أخرى: إن آراء هيجل في مختلف آثاره حول هذا الموضوع قد بلغت حدّاً من التشويش، بحيث قد يتصوّر القارئ في بادئ الأمر أن هيجل في دراسته للدين الإسلامي يخالف المنهج الفكريّ له بشدّةٍ، وأنه في الأساس إنما يخالف ذات هذا الدين. ومن هنا سوف نتعرَّض في هذا المقال ـ ضمن بحث الرؤية العامة لهيجل حول الإسلام والأفكار الشرقية من الناحية العقلانية والتنويرية ـ إلى بيان دَوْر وآلية هذا الدين من الزاوية الفردية والقومية، والاهتمام بالجانب الفنّي والجمالي وما إلى ذلك، على نحو الإجمال.
1ـ إطلالةٌ عابرة على تاريخ الإسلام من وجهة نظر هيجل
من بين الكتب التي تحدَّث فيها (هيجل) عن الإسلام وخصائصه الدينية والثقافية والاجتماعية كتاب «فلسفة التاريخ». وقد ذهب في هذا الكتاب إلى التعريف بمنزلة التوحيد (وجود الله)، وعبادة الله، والعدالة والمساواة، والمناسك العبادية، وثقافة الاستشهاد والتضحية، ونظائر ذلك، بوصفها من النقاط البارزة في الدين الإسلامي. ولهذه الغاية استهلّ تاريخ الإسلام ابتداءً من هجرة النبيّ محمد|، وختمه بفتوحات المسلمين بعد رحيل النبيّ|، في الشامات وإيران ومصر وإسبانيا وجنوب فرنسا، وكذلك في سمرقند والهند. كما تناول في هذا الكتاب البحث عن حقوق المسلمين الجُدُد، وأسلوب تعامل العرب مع مواليهم، وسلسلة الحكومات الملكية في الإسلام، وأسباب انهيارها وسقوطها، وتحدَّث كذلك عن ازدهار الفنّ والعلوم في الشرق، وبناء المدن الكبرى، والتنمية الزراعية والتجارية، وكذلك كيفية انتقال العلم بواسطة المسلمين إلى الغرب، بالتفصيل. ولكنّه توصَّل في الختام إلى خلاصة مفادُها: إن غرور المسلمين وتكبُّرهم في نهاية المطاف قد اضطرّهم إلى التخلّي عن المناطق التي فتحوها في الغرب، والانسحاب إلى المناطق الآسيوية والإفريقية، حتّى انتهى بهم المآل إلى الخروج من صفحة التاريخ([4]). ومن هنا يجدر بنا، قبل تحليل ومناقشة رؤية هيجل حول الإسلام، أن نشير باختصارٍ إلى اتجاهه في هذا الشأن.
إن من الأبحاث التي تناولها هيجل في أغلب كتبه بحث التوحيد في الإسلام، وعبادة الله الواحد. ومن هنا نجده يقول في موسوعة (العلوم الفلسفية) في هذا الشأن: «إن الفلسفة التي تدَّعي أن الله وحده هو الموجود يجب في الحدّ الأدنى عدم لحاظها بوصفها فلسفة إلحادية (مثل: سبينوزا). وحتّى القبائل التي تعبد القرود والأبقار، بل وحتّى التماثيل الحجرية والمعدنية، وتعتبرها آلهةً، يمكن اعتبارها ذات دينٍ»([5]).
ومن هنا فإنه يميل إلى فصل الإسلام عن سائر الأديان، ويعمل بشكلٍ وآخر على إظهار نقاطه الإيجابية. وفي ذلك يقول: «إن الإسلام لم يكن يُشبه الهندوسية، ولا كان يسعى إلى الانغماس في المطلق حدّ الرَّهْبَنَة؛ لأن هذه الناحية الذهنية في الإسلام تمثِّل أمراً حيوياً، ولا متناهياً، قوّة تدخل إلى الحياة المادّية لغايةٍ سلبية تماماً، وتقوم بالتدخُّل في شؤون العالم. كما أن موضوع ومتعلّق العبادة في الإسلام عقلانيٌّ مَحْضٌ، وليس خيالياً أو وَهْمياً؛ لأن عبادة المثال الذي يرمز إلى الله مرفوضٌ في الإسلام بالمطلق. بل إن عبادة «الواحد» هو القاسم المشترك الوحيد الذي يوحِّد بين جميع الموجودات… كما يعمل الإسلام على إلغاء جميع القيود والتكتُّلات والاختلافات الطبقية، ولا يقول بتفضيل قومٍ على قوم، وإنما يرى المعيار الوحيد في التفاضل هو الإيمان والتقوى([6]). وفي هذا الدين يتجلّى الهيام بالواحد الأحد ـ بعد الإيمان به ـ، من خلال القيام ببعض المناسك والأعمال العبادية، من قبيل: المبادرة إلى الصوم والزكاة وما إلى ذلك ممّا تشتمل عليه الأوامر والنواهي في الإسلام، إلاّ أن الأفضل والأسمى هو التضحية بالنفس من أجل الحفاظ على الإيمان، أو الاستشهاد من أجله في الحرب، وبذلك يمكن للشهيد أن يضمن الجنّة»([7]).
ثم يواصل هيجل هذا البحث متحدِّثاً عن هجرة النبيّ محمد| من مكة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة سنة 622م (بوصفها بداية تاريخ المسلمين)، والفتوحات العربية الكبرى في عهد الخلفاء الثلاثة الأوائل، وصولاً إلى اندحارهم في نهاية المطاف على يد (شارل مارتيل)([8]) سنة 732م، قريباً من مدينة تور الفرنسية.
«كما فتح المسلمون في الشرق سمرقند وأجزاء من الجنوب الغربي لآسيا الصغرى، وتمكّن الغزنويّون من الاستيلاء على شبه القارّة الهندية تقريباً، وامتدّت رقعة حكم (السلطان محمود الغزنوي)([9]) إلى كابول، حيث كان يقطن الشاعر (أبو القاسم الفردوسي)([10]) هناك([11]). إن هذه الفتوحات ـ التي اقترنت بانتشار الدين الإسلامي ـ قد حدثت بسرعةٍ فائقة… لقد أدّى الفتح الإسلامي إلى سيادة الثروة، وحصول الأسرة الملكية الحاكمة على امتيازاتٍ خاصة، كما أدّى ذلك إلى اتحاد الناس. بَيْدَ أن جميع ذلك لم يكن سوى أمراً عابراً، أو نقشاً على الرمال، ولم يكن مفيداً سوى للحظة الحاضرة»([12]).
ثمّ أشار هيجل بعد ذلك إلى الحكومات الملكية التي حكمت هذه المنطقة (مثل: الغزنويين، والسلاجقة، والإمبراطورية العثمانية)، معتبراً أن تاريخ هذه الحكومات والدول يمثِّل تاريخ أفول الإسلام.
«إن جميع هذه السلالات الملكية كانت بحاجةٍ إلى حدود وثغور طبيعية وثابتة، إلاّ أنها لم تنتج سوى الفساد والاضمحلال، وباد مؤسِّسوها بسهولةٍ… إن الإمبراطوريات الكبرى للخلفاء لم تعمِّر طويلاً؛ إذ لا يمكن لشيءٍ في الأساس أن يدوم في التاريخ؛ فقد انهارت الإمبراطورية العربية بشكلٍ متزامن مع سقوط الفرنجة، وقد تمّ تحطيم العروش على يد العبيد وجمعٍ غفير من المهاجمين (المغول والسلاجقة) الجُدُد، وتمّ تأسيس ممالك جديدة. وقد تمكَّن العثمانيون في نهاية المطاف من بناء إمبراطوريتهم الثابتة والقويّة، وأسَّسوا جيشاً كبيراً من المقاتلين المشاة… ولكنْ عندما غرق الشرق في آفة العُجْب والغرور سقط في أسوأ أنواع الفساد، وأكثرها مدعاةً إلى الخجل. وقد تراجع الإسلام حالياً إلى أجزاء من آسيا وإفريقيا، ولم تبْقَ له في أوروبا سوى مساحاتٍ صغيرة احتفظ بها؛ بدافع من الحسد والمكابرة في مواجهة القوّة المسيحية. وأما حاليّاً فقد تمّ تهميش الإسلام منذ فترةٍ بعيدة عن مراحل تاريخ العالم، واكتفى بالانسحاب إلى مجاله الشرقيّ البعيد؛ ليكمن هناك بهدوءٍ»([13]).
بَيْدَ أن (هيجل) رغم انتقاده للاتجاه الديني والتاريخي للمسلمين في هذه المرحلة، إلاّ أنه بعد هذه الأبحاث التاريخية يشير إلى دَوْر وموقع المسلمين في نشر العلم والفنّ والثقافة، ولا يتجاهل ذلك.
«إن الشوق والعلاقة الشمولية والجامعة التي لا يمكن لشيءٍ أن يحدّها لا يمكن العثور عليها إلاّ في الشرق؛ وذلك إذ نشهد ازدهار الفنّ وسائر العلوم بين المسلمين، بالتزامن مع سرعة فتوحهم في العالم الإسلامي. وعلى الرغم من أن الفاتحين في بداية الأمر كانوا يحطِّمون في طريقهم كلّ شيءٍ ينتمي إلى العلم والفنّ، ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ: ما فعله عمر من إتلاف مكتبة الإسكندرية العظيمة، حيث رُوي عنه قوله: «إن هذه الكتب لا تخلو من أحد أمرين؛ فهي إما أن تشتمل على ما ورد في القرآن فلا حاجة لنا بها؛ أو أنها تشتمل على ما لم يَرِدْ ذكرُه في القرآن فلا خير فيها، وفي كلتا الحالتين لسنا بحاجةٍ إليها». ولكنْ لم تَمْضِ فترةٌ طويلة بعد ذلك حتّى سارع العرب إلى نشر العلم والفنّ، حتّى بلغت إمبراطوريتهم في عصر خلافة المنصور [الدوانيقي] وهارون الرشيد الذروة في التقدُّم والازدهار… وانتقل العلم والمعرفة ـ ولا سيَّما علم الفلسفة ـ إلى الغرب بواسطة العرب. إن الشعر البديع والخيال الحُرّ المقتبس من الشرق كان صداه يتردَّد بين الألمان. وقد دفعت هذه الحقيقة في نهاية المطاف بـ «غوته»([14]) إلى الالتفات نحو الشرق، وألهمَتْه أن يكتب قصيدة «عقد اللآلئ الشعرية» في ديوانه الشرقي / الغربي»([15]).
2ـ دور الإمبراطورية الفارسية في التاريخ الإسلامي
إن من بين الأبحاث الهامّة الأخرى التي يُشير إليها (هيجل) في معرض بحثه عن الدين الإسلامي، ويعتبرها من جملة المراحل والفصول الذهبية في تاريخ الإسلام، هو دَوْر وأثر الإمبراطورية الفارسية في تطوير الثقافة والحضارة الإسلامية ونشر العلم. يرى (هيجل) أن الإمبراطورية الفارسية كانت إمبراطوريةً بالمعنى الحديث، وأنها كانت شبيهةً بما عليه واقع ألمانيا في القرن الثامن عشر الميلادي، وكذلك كانت شبيهةً بالإمبراطورية الواسعة التي خضعت لسلطة نابليون([16]) [بونابرت الأوّل]([17]).
«يبدو لنا أن هذه الإمبراطورية كانت تتألّف من عددٍ من الولايات التابعة لدولة مركزية، وكان لكلّ واحدةٍ من هذه الولايات سلوكها الخاصّ وقوانينها المستقلّة والمنفصلة عن المركز وسائر الولايات الأخرى. وكما هو شأن الضوء في منح النور لكلّ شيءٍ وتزويده بالقوّة والطاقة كان هذا هو شأن الإمبراطورية الفارسية، حيث أعطت الطاقة والقوّة إلى الكثير من الشعوب والأمم، وسمحت لكلٍّ منها أن يحتفظ بخصائصه الذاتية والخاصّة به… وكانت هذه الإمبراطورية تتألَّف من الكثير من الأحرار [غير المستعبدين]([18])… كان نظام الحكم الملكي هو النوع الوحيد ـ من بين أنظمة الحكم ـ الذي يناسب الإمبراطورية الفارسية. وطبقاً لما يدّعيه (هيرودوتس)([19]) لم يكن الفرس يعبدون الأصنام، وكانوا يحاربون الوثنية، كما كانوا ينتهجون سياسة التسامح مع جميع الأديان، وإنْ كانوا يعمدون إلى تدمير المعابد اليونانية لاشتمالها على الأصنام الذهبية. نشاهد عند الفرس نوعاً من النزاع بين النور والظلام، حتّى يتمّ الاتحاد عندهم في نهاية المطاف في الأمر المطلق([20])… وفي الأراضي الواقعة تحت سيطرة الإمبراطورية الفارسية، وفي الحدود الجغرافية لهذه الأمّة، كانت المنطقة اليهودية (فلسطين القديمة) إحدى المناطق التي يستوطنها اليهود، وكان مفهوم النور الذي أصبح في الإمبراطورية الفارسية مادّةً للفصل بين الشرق والغرب قد ارتقى بين اليهود إلى مرحلة «يهوة»([21])… من خلال نظرية النور الفارسية تحقّقت رؤية معنوية وروحية إلى الأشياء، وانفصلت الروح هنالك عن الطبيعة. وعلى هذا الأساس فإننا نشاهد العالم الخارجي حُرّاً للمرّة الأولى، حيث الشعوب غير مستعبدةٍ، بل إنها تمتلك أموالها وأشياءها وقوانينها ومعتقداتها الدينية. وبطبيعة الحال إن هؤلاء؛ حيث لم يكن باستطاعتهم تشكيل المؤسّسات الموجودة في الإمبراطورية بأنفسهم، أو اتّخاذ القرار في ما يتصرّفون به ـ ولذلك لم يكونوا يتمتّعون بالحرّية الكاملة مقارنة بالإغريق، وكان الذين يضعون القوانين لهم لا يُشركونهم في وضع القوانين ـ، لم يكونوا قد وصلوا بعد إلى مرحلة البلوغ الفكريّ التامّ»([22]).
ولكن على الرغم من عظمة الإمبراطورية الفارسية، إلاّ أن (هيجل) يرى أن هذه الإمبراطورية؛ حيث لم تتمكّن من إقامة روحٍ متّحدة من الناحية السياسية، قد أبدَتْ ضعفاً بالمقارنة إلى الإمبراطورية اليونانية، وقد تسبَّبت الخصائص الأخلاقية الثقيلة وغير المنظّمة لدى الطبقات المتعدّدة في هذه الإمبراطورية إلى عدم التناغم فيما بينها، وانهيارها في نهاية المطاف.
3ـ تحليل وتقييم الاتجاه العامّ لهيجل بالنسبة إلى الإسلام
إن (هيجل) ـ كما نعلم ويذهب الكثير من المختصّين في تراثه ـ هو من الفلاسفة الغربيين، حيث يعرف في الغرب بوصفه فيلسوفاً قومياً متطرّفاً، وقد طغت هذه المسألة على منظومته الفكريّة، ولا سيَّما منها تلك التي تتعلق بتفكيره الديني والسياسي([23]). ولكنْ حيث إن موضوع هذا المقال يخصّ الفكر الديني لـ (هيجل) حول الإسلام فقط (وليس منظومة الفكر الديني له بشكلٍ عامّ)([24]) فإننا نقتصر هنا على تناول هذا المجال الخاصّ.
بالتوازي مع بحث أقاليم من قبيل: القارّة الإفريقية، وبلدان مثل: الهند والصين، عمد هيجل في كتبه (من قبيل: فلسفة التاريخ، ومحاضرات في فلسفة الدين،وكذلك موسوعة العلوم الفلسفية) إلى بحث الأديان البدائية، مثل: الهندوسية، والكونفوشيوسية، والبوذية، بوصفها أديان سحرٍ وشعوذة، كانت موجودةً في مرحلة أديان ما قبل الحقبة التاريخية، ثم انتقل بعد ذلك ـ ولا سيَّما في فلسفة التاريخ ـ إلى دراسة الحضارات اليونانية / الرومية والجرمانية، وانتقل في فلسفة الدين إلى الحديث عن الأديان الأوّلية (الدين الجمالي عند الإغريق، والدين الجلالي عند اليهود)، ثم «المسيحية» (بوصفها الدين الأكمل)، دون أن يتعرَّض في أيّ موضعٍ من كتبه إلى الدين الإسلامي بشكلٍ مستقلّ([25]). ومن هنا يذهب بعض الباحثين والمحلِّلين إلى الاعتقاد بأن الإسلام في بيان هيجل قد زال ببساطةٍ من الروح العالمية.
على الرغم من أن كلّ واحدٍ من هذه الأبحاث جديرٌ بأن نفرد له دراسةً نقدية مستقلّة، إلاّ أن أدنى ما يمكن لنا أن نصف فيه تجاهل أو قلّة اهتمام هيجل بالدين الإسلامي والفرس، في هذه التقسيمات الدينية والحضارية ـ بالنظر إلى زعمه أنه فيلسوفٌ بنّاء، وأن فلسفته تدعو إلى التصالح والسلام ـ، هو القول بأن هذا التجاهل محلٌّ للتساؤل([26])؛ إذ لو كان هذا التجاهل منه للإسلام ناشئاً من عدم معرفته بهذا الدين والحضارة الإيرانية لن يكون هناك ما يدعو إلى القلق أبداً. ولكنّ المشكلة تتجلّى عندما ندرك أنه كان يمتلك على ما يبدو مصادر جيّدة في هذا الشأن. ومع ذلك فإنه يصف العثمانيين عموماً بوصفهم قوماً بربريين، والمغول بوصفهم قوماً بعيدين كل البُعْد عن الثقافة والحضارة، وزنوج إفريقيا الشمالية ـ الذين استولوا على الأندلس ـ بوصفهم عِرْقاً متدنّياً وخارج مسرح التاريخ([27])، ولا يذكر المسلمين إلاّ في موردٍ واحد أو موردين، بعباراتٍ تحمل شيئاً من التعريض الكنائي، ورُبَما انطوى بعض تلك العبارات على إهانةٍ واحتقار، إلى الحدّ الذي يذهب معه حتّى الباحثون المناصرون له، من أمثال: (فريدريك تشارلز بايزر)([28])، إلى الادّعاء بأن تصريحاته بشأن الصينيين والهنود وحُمر الجلود([29]) تمثِّل مصداقاً صارخاً للعنصرية التي يجب على النزعة التاريخية أن تحرِّرنا منها([30]).
وبطبيعة الحال قد تمّ طرح الكثير من الآراء في هذا الشأن لصالح وطالح هيجل. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن (رينهارد لويس)([31]) يعتبر عدم البحث عن الإسلام ضمن الأديان العالمية عند هيجل «نقطة ضعفٍ جوهريّة» في سجلّه، في حين سعى بعض الأشخاص الآخرين، من أمثال: (شولين)([32])، إلى إبراز دَوْر الإسلام بوصفه «آخر أساتذة الغرب» في المنظومة الفكريّة لهيجل. كما أن باحثين آخرين، من أمثال: (هارديانتو)([33])، يرى أن هذا التنقيح غير التاريخي للإسلام قد وضع هيجل أمام مشكلةٍ أبديّة على شكل متناقضةٍ ابتدائية؛ بسبب شبهه بالدين المنافس له (أي المسيحية). وهناك مَنْ يذهب ـ من خلال التركيز على الرؤية الجمالية في تفكير هيجل ـ إلى اعتبار ثنائه وإعجابه بالشعر الفارسي يمثِّل نوعاً من المصالحة مع الإسلام أو الحضارة الإيرانية؛ وذلك لأن هيجل يضع شعراء، من أمثال: المولوي وحافظ والفردوسي، في مكانةٍ مساوية لـ «غوته»([34]). وعلى الرغم من ذلك فإنه؛ بسبب خلفيته القومية والعنصرية تجاه العِرْق الآري، يؤكِّد ـ في كتابه (فلسفة التاريخ) عند البحث في الحدود الجغرافية للمسلمين في الغرب ـ على هذه النقطة، قائلاً: «تراجع الإسلام حالياً إلى مناطق من آسيا وإفريقيا، وإن تحمُّل تواجده في أجزاء من أوروبا يأتي بدافعٍ من الحسد والمكابرة في مواجهة القوّة المسيحية. وقد تمّ مَحْو الإسلام من صفحة التاريخ إلى الأبد، وقد اكتفى بالانسحاب إلى مجاله وبُعْده الشرقي؛ ليكمن هناك بهدوءٍ»([35]).
وفي الحقيقة لم تكن هذه هي المرّة الأولى التي يعبِّر فيها هيجل عن موقفه السلبي من الحضارة الإسلامية، بل سبق له في شهر أيلول من عام 1788م، وفي كلمة تخرُّجه من المرحلة الإعدادية ـ وكان له من العمر في حينه 18 سنة فقط ـ حيث ألقى كلمةً قصيرة قبل دخول الجامعة، انتقد فيها الواقع التعليمي في الإمبراطورية العثمانية([36])، رغم أن هذا الأمر يأتي قطعاً من عدم رغبة المسؤولين الأتراك بانخراط مواطنيهم في السلك التعليمي في تلك المرحلة، الأمر الذي دفع هيجل ـ الطالب ـ إلى وصف الشخصية الخاملة للأتراك المسلمين من الناحية التربوية([37]) بالتخلُّف([38]). إن هذه الانتقادات ـ سواء أكانت صحيحةً أم خاطئة ـ تدلّ في الحدّ الأدنى على هذا الادّعاء، وهو أنه في الحياة الفكرية لهيجل يُنْظَر بشكلٍ مبكّر إلى موقع المسلمين تجاه غير الأوروبيين بوصفه موقعاً معادياً ومخاصماً للثقافة. إن هذه الرؤية قد دفعت هيجل حتّى آخر حياته لكي يرى مفردة التركي مرادفةً لمفردة البربري.
ومن بين الأسباب التي صاغت الموقف السلبي لهيجل تجاه العالم الإسلامي (ولا سيَّما الأتراك العثمانيين) هو مصادره الخبرية في تلك المرحلة؛ إذ كان هيجل ـ كما نعلم ـ قد شغل في (بامبيرغ) منصب رئيس تحرير صحيفة آنذاك، وظلّ في هذا المنصب لما يقرب من سنةٍ، وكان يقوم يومياً بتنقيح الكثير من المقالات التي تطبع في الصحف المحلّية. ومن هنا يبدو أن المعلومات التي كانت تصل إليه من هنا وهناك قد دفعته إلى تكوين صورةٍ عامّة قاتمة، لا عن الأتراك فحَسْب، بل عن المسلمين جميعاً؛ بوصفهم متخلِّفين، وأن يتنبّأ بأن الإسلام سوف «يزول من مسرح التاريخ». يذهب بعض الباحثين والمحلِّلين إلى القول بأن المصادر التي كانت متوفِّرة لديه في تلك المرحلة عن الإسلام يمكن تقسيمها إلى مجموعتين، وهما:
أـ المصادر التي نعلم على وجه اليقين أن هيجل قد قرأها؛ وذلك لأنه قد أحال إليها في مؤلَّفاته.
ب ـ المصادر التي يُحتمل أن يكون هيجل قد قرأها([39]).([40])
وهناك بين هذه المصادر ما يُمجِّد ويُبجِّل الحضارة الإسلامية في البلقان، كما نجد ذلك في تقرير ـ القنصل الفرنسي في تركيا ـ (تشارلز بيسونيل)([41])، وبعضها الآخر يحمل صورةً سلبية وقاتمة جدّاً عن هذه الحضارة. ومع ذلك فإننا لا نملك أيّ معلومةٍ تثبت أن هيجل قد قرأ كتاب (بيسونيل)، أو أنه قد اكتفى بمجرّد وضعه في بعض رفوف مكتبته لسنواتٍ طويلة، دون قراءته.
ومن المؤرِّخين الذين اطلع هيجل على أعمالهم المحقِّق والدبلوماسي السويسري (جوهانس فون مولر)([42])؛ إذ نعلم أن هيجل قد بعث له سنة 1817م رسالةً، يطلب فيها منه تزويده بكتابه «التاريخ العامّ»([43])، وهو الكتاب الذي اقترح على كلٍّ من صديقَيْه: (نيتامر)؛ و(راس)، قراءته. إن هيجل لم يقف في هذا الكتاب على مجرّد وصف كامل أو إيجابي نسبياً حول الإمبراطورية العثمانية فحَسْب؛ (إذ تمّ وصف الأتراك في هذا الكتاب مراراً بأنهم محاربون يتحلّون بالشجاعة والفروسية)، بل احتوى كذلك على ومضةٍ من أهمّية الحكومة العثمانية في التاريخ الأوروبي الحديث أيضاً. يُضاف إلى ذلك أن الرواية التاريخية لمولر تقترن في الغالب بقصصٍ تحكي نضج وذكاء الأتراك. ومع ذلك كلّه من الصعب الحكم على ما إذا كانت جميع آراء هيجل بشأن بربرية الأتراك وعدم ارتباط الإسلام بالعالم المعاصر مقتبسةً من كتاب (جوهانس فون مولر) أم لا، بل في غاية الصعوبة. ورُبَما كان سبب جفاء هيجل تجاه المسلمين، وضنّه عليهم بنسبة أيّ مستوىً من التقدّم الثقافي والأخلاقي والسياسي إلى أقرب المجاورين إلى أوروبا، يعود إلى أعمال (غيبون)([44])؛ وذلك لكونه مؤرِّخاً إنجليزياً ينسب أفول الإمبراطورية الرومية إلى ظهور الإسلام بوضوحٍ، وقد وصف الإسلام بأنه أحد أكثر الثورات خلوداً. ولكنْ هناك اختلافات جوهرية بين مفسِّريه في هذا الشأن. فقد ذهب بعضٌ إلى أن هيجل قد أخذ المحتوى الجوهري لـ (غيبون)، وترك جزئيات مطالبه. وبعبارةٍ أخرى: يرى هؤلاء أن هيجل قد جهد على الدوام في انتقاء الأمور السلبية في هذه الأعمال؛ لتوظيفها في قراءته عن العالم الإسلامي، وأهمل الأمور الإيجابية. إلاّ أن هناك مَنْ يخالف هذا الرأي. ومن ذلك، على سبيل المثال: في مقالة (دراسة أدنبورغ) ـ ولا سيَّما في السنوات التي قرأها هيجل بمثابرة خاصّة (1817 ـ 1820م) ـ يُعَدّ العثور على أيّ خصوصيةٍ إيجابية حول المسلمين عمد هيجل إلى اقتطاعها أمراً بالغ التعقيد. وفي مقاسٍ أدنى يمكن بيان هذا الشيء بالنسبة إلى المصادر التي عمد هيجل إلى توظيفها بشكلٍ مهين في ما يتعلَّق بتاريخ فلسفة العرب. ومن بين هذه المصادر (يوهان بوهل)([45])، حيث استفاد هيجل من مطالبه في كتابه (محاضرات في تاريخ الفلسفة)([46]). من المستبعد جدّاً أن يكون رأي (يوهان بوهل) ـ حول «تطرُّف» الشرقيين، وتبعيّتهم العمياء وعبوديتهم المنقادة لأرسطو ـ هو الذي تسبَّب بتكوين مقدّمات الرؤية السلبية لدى هيجل عن المفكِّرين العرب. رغم أنه لا بُدَّ من الإشارة إلى هذه الحقيقة أيضاً، وهي أن هيجل قد تجاوز الخصائص الإيجابية التي اعتبرها (يوهان بوهل) من خصائص الفلسفة الإسلامية، واكتفى بَدَلاً من ذلك في كلّ قسمٍ من دروسه بتخصيص سطرٍ واحد لابن رشد وابن سينا. وعلى هذا الأساس يجب الاعتراف بأن اتجاه هيجل بالنسبة إلى العالم الإسلامي يجب دراسته بشكلٍ نصّي، وبشكلٍ معرفي أيضاً. ومع ذلك كلّه فإن الموضع الأفضل الذي يمكن من خلاله تقييم رؤيته إلى الإسلام والمسلمين هو المقالات التي عمل على تنقيحها ونشرها في الصحيفة المحلّية في الفترة الزمنية ما بين آذار 1807م إلى تشرين الأول 1808م([47]). إن هذه الصحيفة المحلّية، التي كانت تصدر في أربع صفحات، هي في الواقع باقةٌ منتخبة من مختلف التقارير المنشورة في سائر الصحف الألمانية وغير الألمانية. وكانت هذه الصحيفة تُعْنَى أوّلاً: بتغطية أحداث الإمبراطورية العثمانية في فترة مسؤولية هيجل، ومن هنا كان بعض أعداد هذه الصحيفة يخصّص من صفحتين إلى أربع صفحات لتغطية الأحداث التركية. ولذلك حتّى إذا افترضنا زوال (إسلام هيجل) من صفحة التاريخ، إلاّ أن الإسلام ـ من دون شكٍّ ـ لم يكن قد زال من صفحات جريدة بامبيرغر. وثانياً: إن الاتجاه أو المَيْل العامّ للتقارير التي عمد هيجل إلى انتخابها بشأن الإمبراطورية العثمانية من مختلف الصحف جديرةٌ بالاهتمام جدّاً. وعلى الرغم من أن هيجل عندما قَبِل بشغل منصبه في الصحيفة قد تعهَّد بأن لا يسمح لآرائه السياسية أن تخلّ بحيادية الصحيفة، أثبت المحقِّقون أن تناغم هيجل مع نابليون قد لعب دَوْراً بالغ الأهمّية في تعزيز التوجُّهات والميول الفرنسية للصحيفة. إن الرؤية السلبية لهيجل بالنسبة إلى العثمانيين لم تعكس صورةً ظالمة وقاسية عنهم، بل على العكس كانت بعض المقالات التي يختارها هيجل للصحيفة في الواقع تنحاز إلى الأتراك إلى حدٍّ ما. وعليه رُبَما كان زوال (إسلام هيجل) من مسرح التاريخ يعني أن دَوْر الإسلام في عقلانية وتنويرية المرحلة الحديثة قد تضاءل نسبيّاً من وجهة نظره.
أـ الإسلام بوصفه تجلِّياً ناقصاً وانتزاعياً للروح المطلقة
على الرغم من جميع السلبيات الموجودة في آراء هيجل حول الإسلام، ويُعَدّ بعضها نتيجةً للظروف الثقافية والاجتماعية الحاكمة على الإسلام الشائع بين الأتراك العثمانيين، والمتأثِّرة بسوء الظنّ المتفشّي في الآثار والأعمال التي كانت بمتناول يده، يمكن العثور في أعمال هيجل على الكثير من النقاط الإيجابية أيضاً. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنه يذهب في كتابه (محاضرات في فلسفة التاريخ) إلى القول: «إن الشخص المسلم ليس مثل الفرد الأوروبي في امتلاكه لآراء مختلفة. فإذا كان الأوروبي مزيجاً معقَّداً من مختلف العلاقات فإن المسلم إنما هو كلٌّ([48])، ومجرّد كلّ»([49]).
وبعبارةٍ أخرى: إذا كان هيجل في عام 1821م يصف العرب بأنهم «أُمِّيون» فإنه بعد ذلك بسنةٍ، وفي كتابه (محاضرات في فلسفة التاريخ)، يعبِّر عن المسلمين بأنهم أصحاب الفضل في «ازدهار الشعر وجميع العلوم» في عصره. وكذلك في كتابه (محاضرات في فلسفة الدين) يعمد إلى تعريف الإسلام بوصفه الدين الذي ترتبط فيه البشرية بالواحد بمنزلة الوعي الذاتي الانتزاعي بالكامل. أو أنه يُشيد بمخالفة الإسلام للطبقية الاجتماعية والانتصار للعامّة، مؤكِّداً على أن الإسلام أتاح للعثمانيين والمماليك أن يؤسِّسوا بواسطة العبيد حكومات تثير الإعجاب، «وكان بإمكان الفرد أن يكون عبداً مملوكاً في لحظةٍ، ليغدو ملكاً وسلطاناً يحكم إمبراطورية مترامية الأطراف في لحظةٍ أخرى»([50]).
ويبدو أنه بعد عام 1817م ـ حيث يتحدَّث هيجل في بعض الموارد عن الإسلام ـ يؤكِّد بتفصيلٍ تامّ على استياء الإسلام من الأمور الجزئية([51]). ومن ذلك، على سبيل المثال، أنه في محاضرات عام 1824م في مجال فلسفة الدين يقول لنا: «إن الإسلام دين التنوير، ودين الفكر، ودين التفكير الانتزاعي»([52])؛ أو يُشير ـ مثلاً ـ في محاضرات فلسفة التاريخ إلى أن «الإسلام كان على الدوام كياناً ذا صبغةٍ واحدة بسيطة ومنتشرة، وقوّة ذات بُعْدٍ واحد، وإن انتشاره المتسارع في مناطق حوض المتوسّط يكمن تماماً في بُعْده عن التعقيد»([53]). ومن هنا إذا أردنا التزام جانب الإنصاف وجب علينا القول بأن هناك موارد دفع فيها التنوير بهيجل إلى اعتبار المسيحية ديناً آخر موازياً للإسلام. ونجده هنا يُشير حتّى إلى بعض موارد الظلم التي ارتكبت بحقّ المسلمين أحياناً([54]). وبالإضافة إلى ذلك نشاهد في الكتابات الأولى التي كتبها هيجل في أوّل شبابه يتحدَّث عن الأخلاق بوصفها الهدف الأصلي من الدين، ويستشهد بالسيد المسيح والنبيّ محمد| جنباً إلى جنبٍ، وفي جملةٍ واحدة([55]). كما أنه في محاضرات فلسفة الدين، يضع «حروب المسلمين» بموازاة «الحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت»([56]).
ومع ذلك، وعلى الرغم من أن هيجل يعتبر الإسلام تجلّياً انتزاعياً ناقصاً عن الروح المطلقة في زمانه، يبدو في المجموع أنه يرى في الإسلام خطراً جادّاً على المسيحية والمجتمع البشري. وبالإضافة إلى ذلك فإنه على الرغم من أسلوبه المَرِن في معرض حديثه عن الفرس([57])، إلاّ أنه يتحدَّث عن الإسلام بوصفه خلأً اجتماعياً. يرى هيجيل في توحيدية الإسلام خطراً من شأنه في نهاية المطاف أن يؤدّي إلى «إزالة جميع أنواع الطبقية»، وأن هذا الخطر لا يقتصر على تهديد مجتمع هيجل فقط، بل هو أشدّ من ذلك بكثيرٍ، ويمكنه أن يتحدّى مجمل فهمه للهوية.
«في الإسلام تزول جميع القيود. وفي هذا التوحيد تنهار جميع جهات الفردانية، وكذلك الاختلافات الطبقية، والحقوق النسبية، ولن تكون هناك أيّ محدودية سياسية فردية… وإن هذا الأمر سيكون في ظهوره الذاتي محطِّماً ومدمِّراً»([58]).
ومن هنا فإن ما يذهب إليه هيجل من إنكار التاريخ في مورد الإسلام ينشأ إلى حدٍّ ما من رؤية الإسلام في القضاء على الاختلافات الطَّبَقية والاجتماعية، وهي الاختلافات الاجتماعية التي تصوغ رؤية هيجل حول التاريخ الطليعي والمتقدِّم.
ب ـ الإسلام بوصفه نموذجاً وشكلاً من أشكال اليهودية
كما أن هيجل، في محاضراته اللاهوتية في أوّل شبابه حول تبويب الأديان، كان يصنِّف الإسلام ـ طبقاً لرؤيته المسيحية ـ بوصفه امتداداً لليهودية([59]). فنجد أنه في محاضرات فلسفة الدين ـ وفي إطار بيان النقاط المشتركة بين الإسلام واليهودية ـ يُشير إلى مسألة ارتباط أتباع هاتين الديانتين بالله بوصفه إلهاً واحداً شخصيّاً، ويقول: «نحن إنما نرى تطوّر أصل التوحيد المَحْض مع فكرة التكامل بين اليهود؛ إذ إنهم وحدهم الذين قاموا بالثناء على الواحد بوصفه موضوعاً للتأمُّل والتدبُّر… ومع ذلك فقد كانت هذه فردية أخلَّتْ بعبادة يهوة؛ لأن يهوة إنما كان إله ذلك الواحد؛ إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وإن الله إنما عاهد اليهود، وأظهر نفسه لهؤلاء دون غيرهم. وهو الارتباط الخاصّ الذي أُقيم لاحقاً مع المسلمين([60]) أيضاً»([61]).
كما أنه قال في موسوعة العلوم الفلسفية في هذا الشأن: «لقد كانت اليهودية هي أوّل مَنْ وصف الله بـ (الربّ)، ثمّ تلاها الدين الإسلامي في ذلك، وإنما تمّ تفسير الله أساساً بالربّ. إن نقص هذه الأديان بشكلٍ عامّ يكمن في هذه الحقيقة، وهي أن المتناهي لا يحصل هنا على حقوقه، ومع محافظته على تناهيه لنفسه تتبلور خصوصية الشرك وعبادة الأوثان، وتَبَعاً لذلك تظلّ الأديان القائمة على الشرك وتعدُّد الآلهة باقية على حالها»([62]).
يرى هيجل أن عبادة الواحد هي الهدف الغائي الوحيد للمسلمين، وإن هذا «الواحد» يشتمل في الواقع على خصائص الروح. ومع ذلك؛ حيث تقوم «الأنفسية» بإجهاد نفسها من أجل الانحلال في متعلق إرادتها، يبتعد هذا الواحد عن أيّ نوعٍ من أنواع المحمول الانضمامي، إلى الحدّ الذي لا تتحرَّر فيه الأنفسية بدَوْرها من الناحية المعنوية، ولا تبقى من ناحيةٍ أخرى موضوعاً ومتعلّقاً للثناء الانضمامي.
وكما نلاحظ فإنه تَبَعاً لتناقضات هيجل حول الإسلام يعود في هذه الأعمال مجدّداً ليصف المسلمين بأنهم أعداء التقدُّم، ويعرِّفهم في بعض الأحيان بأنهم أعداء السيد المسيح، وهي العبارة التي لا يمكن فهم محلّها من الإعراب بوضوحٍ في مجمل المنظومة الفكرية لهيجل. ومن ذلك ـ مثلاً ـ أنه يقول، في محاضرات عام 1824م، بشأن فلسفة الدين: «إن المسيحية تجد ضدّها في [الدين المحمدي]؛ لأن الإسلام يشغل دائرة تضاهي دائرة الدين المسيحي. إن الإسلام دينٌ روحاني، كما هي الديانة اليهودية، إلاّ أن إله الإسلام إنما يُعْرَف من خلال المعرفة الانتزاعية للروح»([63]).
في حين أنه في موسوعة العلوم الفلسفية يعتبر الإسلام واليهودية من الأديان الوَثَنيّة والمشركة، ويقول: «عندما يتحدَّث سبينوزا([64]) عن الله بوصفه الحقيقة الوحيدة فإن إله سبينوزا هذا ليس إلهاً حقيقياً. ومن هنا يجب مؤاخذة جميع الفلاسفة ـ الذين لا يذهبون في فلسفتهم إلى أبعد من بعض حدود الأفكار الشِّرْكية ـ بوصفهم من أتباع الأديان الوَثَنية والملحدة. إن هذه الأديان لا تشمل اليهودية والإسلام فحَسْب ـ لأنهما يعتبران الله مجرَّد ربّ العالم ـ، بل تشمل حتّى الكثير من المسيحيين، الذين يعتبرون الله بوصفه موجوداً متعالياً وميتافيزيقياً، ولا يمكن التعرُّف عليه»([65]).
كما تبرز الهوية المسيحية لهيجل في بعض الأحيان من خلال وضعه المسلمين واليهود في خانةٍ واحدة ـ ولو لأسباب مختلفة ـ؛ بوصفهم من المنكرين للسيد المسيح؛ وذلك لأنه يرى أن هذه الأديان تدعو إلى عبادة إله «ليس له محتوى». ومن الملفت جدّاً أن نقف على الموارد التي يصف فيها (هيجل) المسلمين بأنهم الصورة الجديدة المنقّحة عن اليهود. وفي التاريخ المختصر لهيجل عن الفلسفة الإسلامية لا يكتفي بالإحالة إلى المصطلحات العربية باللغة العبرية فقط، بل إنه يقدّمها إلى القارئ الألماني على طَبَقٍ من الحروف العبرية أيضاً. ولكنْ على الرغم من سعي هيجل إلى وضع الإسلام واليهودية في كفّةٍ واحدة، فإنه يذهب في مواضع متعدّدةٍ من بعض أعماله إلى تفضيل المسلمين على اليهود. وبمعنىً من المعاني رُبَما أمكن القول: إن الإسلام من وجهة نظر هيجل يُعَدّ نسخةً متطوّرة عن اليهودية (بمعنى أنه يخلو من جميع أنواع العنصرية والقومية)، كما يُعَدّ نسخةً ناقصة عن الديانة المسيحية([66]). إنه الإسلام الذي لم يَعُدْ حِكْراً على «أشخاصٍ بعينهم»، ولهذا السبب فإنه ـ على غرار المسيحية ـ يعمل على إلغاء جميع أنواع الفردية في رؤيته عن الله. وعلى هذا الأساس فإن هيجل، الذي يظهر في الغالب بوصفه معترضاً على الإسلام، لا يستطيع الحفاظ على موقفه السلبي من الإسلام بالمطلق، ولذلك فإنه يبرز من حينٍ لآخر ليضع الإسلام مع المسيحية في كفّةٍ واحدة. ومن ذلك، على سبيل المثال: ما نجده في كتابه (محاضرات في فلسفة الدين)؛ إذ يقول: «إن الإسلام والمسيحية ـ بوصفهما دينين عالميين ـ لم يعيدا أخطاء اليهودية في تشويه النزعة المتعالية والتكاملية الطاهرة والخالصة، ولم يتلوّثا بالخصائص الأرضية (بمعنى التعلُّق بأرضٍ محدّدة وقومٍ بعينهم)»([67]).
كما أنه في محاضراته في مجال الدين يجيب عن إشكالية الإسلام (تنافسه مع المسيحية) بذات الأدوات التي أجاب بها عن ظاهرة العثمانية في محاضراته في مجال التاريخ. إن آراء هيجل المتفرِّقة في آثارة المختلفة، وإحالاته المتعدِّدة إلى رغبة الإسلام في «السيطرة على العالم»، واعترافه بأكثرية أعداد المسلمين، وإقراره الضمني بأن الإسلام يأتي بعد المسيحية في التسلسل، يشهد بأجمعه على أنه كان يخشى من منافسة الإسلام للمسيحية وضرورة تغيير الدين([68]).
ج ـ رأي هيجل بشأن الثقافة الإسلامية وفنونها
على الرغم مما تقدَّم ذكره، من أن هيجل قام في جميع مراحل حياته بكَيْل المديح والثناء على الدين الإسلامي في بعض الموارد والمحطّات، فقد حافظ هيجل في المجموع على رأيه بشأن المسلمين ـ ولا سيَّما في شمال إفريقيا ـ بأنهم «أُمّيون»، و«همجيون»، و«مفتقرون إلى التفكير»([69])، واعتبر شبه الجزيرة العربية «بؤرة التعصّب»، وهي المنطقة التي كانت مدنها تتعرَّض على الدوام إلى هجمات وغارات من قِبَل سكان البوادي. وعلى الرغم من ذلك عندما ينتقل الحديث إلى السؤال عن الفنّ ومعرفة الجمال لدى المسلمين نجد هيجل ينظر إلى هذه المسألة بشكلٍ مختلف تماماً([70]).
«إن الشعر الإسلامي ـ كما أشَرْنا إلى ذلك في الموسوعة ـ يستعرض نوعاً من إدراك الواحد في أجمل حالات صفائه وتعاليه»([71]).
لقد ذهب هيجل في محاضراته في مجال معرفة الجمال إلى اعتبار المسلمين قوماً متعلِّمين، ويتمتَّعون بقريحة شعرية، وأن الذين يمتلكون هذه القدرة على وضع القوانين يذكِّروننا بـ «الخصائص الرومنطيقة للفرسان الإسبان». إلاّ أن السؤال الذي يفرض نفسه هنا يقول: ما هي نقطة اختلاف رؤية المسلمين ـ من وجهة نظر هيجل ـ وامتيازها من (غوته) و(شليجل)([72]) أو كلَيْهما؟ يمكن القول إلى حدٍّ ما: إن الاتجاه الرومنطيقي الذي يحمله هيجل بالنسبة إلى العالم الإسلامي يتناغم مع سائر مواقفه المتضاربة والمتناقضة عن الإسلام في مجال التنوير والدين والقومية. ومن هذه الناحية يبدو أنه لا يزال يحمل في استدلاله بشأن التعالي الذاتي للعرب شيئاً من رواسب القومية، وليس بالضرورة أن تكون هذه الرواسب ـ بالإضافة إلى تناغمه الكبير مع الفرس وبلاد فارس ـ مرتبطةً بإيمانهم واعتقادهم بالإسلام. ولكنْ حيث تنشأ رؤية هيجل للعالم الإسلامي في المجموع من أولوياته الجمالية نجده يضطرّ إلى تعديل رؤيته في هذا الشأن إلى حدٍّ ما، ولا سيَّما في مورد الفرس، وأن يتحوَّل في بعض الأحيان إلى شيءٍ مختلف تمام الاختلاف. ومن هنا يستطرد هيجل في بحثه عن العرب قائلاً: «تحوَّلت الممارسات العصبية والقهرية إلى سلوكياتٍ مترفِّعة ومتسامية، واختفَتْ النزعة التوسُّعية والتدميرية، لتحلّ محلّها التنمية المذهلة، وتحوَّلت الجماعات الغازية والقبائل المترحِّلة لتكتسب حيثية متعالية وعرفانية»([73]).
وهكذا نلاحظ كيف ينقلب هيجل، الذي يعتبر الإسلام عدوّاً لدوداً للمسيحية ـ وكان يمكنه الاغتباط بمعارك (إل سيد)([74]) ـ، فجأةً، ويشير إلى القرب بين عمران العرب والأسلوب القوطي في إسبانيا، ويؤمن بالتأثير الكبير والبنّاء للشعر الإسلامي / العربي على الشعر الغربي، وازدهار الأندلس، والكثير من علماء الدين المسيحيين الذين درسوا العربية. وبعبارةٍ أخرى: إن الإسلام، الذي يتمّ التعريف به في كلمات هيجل في مجال التاريخ بوصفه مدمّراً جدّاً، يعود في ذات النصّ لينقلب فجأةً إلى إسلامٍ مزدهر وحيويّ، وبذلك تتحوَّل مواقف هيجل من العالم الإسلام لتغدو أكثر تعقيداً. ومن هنا يبدو موقف هيجل في تصوير الإسلام شديد التأرجح ما بين صورتين: الصورة الأولى: تحمل نقداً للدين المتعصِّب والمتزمِّت والسلبي والمدمِّر؛ والصورة الثانية: تحمل ثناءً على الحماسة والاندفاع والحيوية والفروسية والنبل بالنسبة إلى عظمة وانتشار الإسلام. وفي نصٍّ من قبيل: (محاضرات في فلسفة التاريخ) يبدو لنا تحقّق حركة ذكية ومتوازية؛ حيث التنوع يأخذ بقياد هيجل نحو جهاتٍ مختلفة، من قبيل: «الكبير والمهيب»، و«النبيل» و«الحماسي الملحمي»، و«المتعصِّب المتزمِّت». إننا نواجه في هذا الأثر فجأةً ديناً «يدخل بطاقته وقوّته في الحياة الدنيوية لأهداف سلبية تماماً»، ولكنْ بعد ذلك بصفحتين تغدو هذه الغاية والطاقة السلبية قادرةً على إيجاد العنفوان والعظمة الثقافية والفنّية والحضارية بشكلٍ غير مسبوق: «وعلى كلّ حالٍ؛ حيث تعمل روحٌ شريفة على إبراز ذاتها على شكل موجةٍ عالية وكبيرة في عرض المحيط، وتظهر هذه الروح نفسها من خلال عظمة وجلال الحرّية، فإنه لم يسبق لأحدٍ أن شاهد ما هو أشرف وأكرم وأشجع وأكثر تضحية وتفانياً من هذه الروح أبداً»([75]).
ولكن السؤال هو: كيف يمكن لنا أن نفسِّر هذه التناقضات؟ يذهب أنصار هيجل إلى التأكيد على هذه النقطة، وهي أن الاعتقاد بوجود التناقض هنا يعني الاستهانة بالوَعْي الذاتي لهيجل بالنسبة إلى النتائج والتداعيات الغامضة والمبهمة للظواهر التاريخية، ولا سيَّما عندما ننظر كيف يمكن للدين المتعالي والسماوي أن يكون من الناحية الثقافية منتجاً ومثمراً، ويكون في الوقت نفسه من الناحية الروحية متعصِّباً ومستبدّاً.
إن الواضح في البين هو أننا نجد وصف العالم الإسلامي بالشاعرية في صلب النظرية الجمالية لهيجل يسير في اتجاهٍ مخالف ومعاكس تماماً. لقد سلك هيجل طريق غوته في ثنائه على شعراء الفرس، من أمثال: المولوي وحافظ الشيرازي والفردوسي، وفي الاعتراف بارتباط ونسبة أشعار المسلمين بشعراء تلك المرحلة الزمنية، وابتعد عن ضدّية الرؤية التاريخية لـ (هيردر)([76]) و(شليجل). لقد سعى من خلال غوته (شاعره المفضَّل)، ومن خلال الأعمال المترجمة للمولوي وغيره، إلى التعرُّف على الشعر والأدب الفارسي([77]). وعلى هذا الأساس فإن شعراء الفرس ـ ولا سيَّما الفردوسي ـ لم يكونوا مجرّد مرحلةٍ أولية وابتدائية لوحدة الوجود الشرقية فقط، بل كانوا من وجهة نظر هيجل منتجين ومثمرين حتّى لهذا العالم المعاصر أيضاً. ولذلك فإنه في ما يتعلَّق بهيجل، الذي كان في أبحاثه حول الأديان يعمل على إخراج إسلام الحقبة العثمانية من مسرح التاريخ، لا تزال هذه النقطة تحظى بأهمّيةٍ، وهي أنه من الناحية المفهومية يرى في معاصرة العالم الغربي لعالم الإسلام أمراً نافعاً ومُجْدياً؛ وذلك لأنه يذهب إلى الاعتقاد بأن مجال الشعر ـ خلافاً لمجال الاقتصاد والتاريخ واللاهوت ـ قد بقي محافظاً على صحّته واستقامته نسبياً، وفي هذه الدائرة كان يُسمح للثقافات الأجنبية بالتلاقح والتعاطي والتبادل للحظة في صُلْب التأثير الغائي والمعرفي، دون النظر إلى تداعياته ودلالاته المعقَّدة.
د ـ اختلاف الأعراق والقوميات في المناطق الإسلامية
لقد أشَرْنا حتى الآن إلى أن هيجل ينظر إلى الإسلام من جهاتٍ مختلفة، ومن بينها: الاهتمام بالإسلام بوصفه ديناً فوضوياً مثيراً للهرج والمرج، وفي رتبةٍ مختلفة بوصفه خصماً منافساً للمسيحية، وبصفته نسخة مطوَّرة عن اليهودية، واعتباره تجربة تتمتّع بعظمةٍ متعالية. ولكنْ لا يزال هناك اتجاهٌ هيجلي آخر نحو الإسلام يبدو أنه قد تمَّتْ الغفلة عنه؛ إذ هناك من الناقدين لهيجل، من أتباع محوريته الأوروبية، مَنْ يؤكِّد لا على ضرورة الاهتمام بعنصر «العرق» في المنظومة الفكرية لهيجل فحَسْب، بل ويستدلّ أيضاً على أن موقفه السلبي من الإسلام يقوم في الأساس على فهمه لمقولة باسم العِرْق.
لقد كان هيجل ـ كما نعلم ـ ينظر إلى الإسلام بوصفه إيماناً وعقيدة منسوبة في الغالب إلى الشعوب القوقازية. فقد كان يرى الأفارقة «أطفالاً كباراً»، ويرى في عرق المغول، رغم الاتّصاف بـ «الطفولة»، أنه يتمتَّع بنوعٍ من إدراك الروح والروحانية، وبالتالي فإنه يعتقد بأن التاريخ الأصيل إنما يمكنه أن يبدأ بالعِرْق القوقازي، وهو العِرْق الذي لا ينتسب له الأوروبيون فقط، وإنما تنتسب له جميع القوميات الإسلامية الثلاث (العرب والفرس والأتراك) أيضاً. يرى هيجل أن العِرْق القوقازي ينقسم إلى فرعين: الأوّل: الأوروبيّين؛ والآخر: سكّان آسيا الغربية. والاختلاف الذي يراه هيجل بين هذين الاثنين هو مثل الاختلاف بين المسيحيين والمسلمين.
ومن هنا فإن هيجل عندما يضع المسلمين إلى جوار الأوروبيين المسيحيين يكون مراده من المسلمين هم سكان منطقة القوقاز. وعندما يروم وصف المسلمين الذين يتّصفون بالعِرْق الأدنى فإنه يُشير إلى المغول أو الأفارقة بشكلٍ خاصّ. وقد تحدّث هيجل في محاضراته بشأن فلسفة التاريخ في باب طبيعة العبيد الزنوج وجبلّتهم الوحشية وغير القابلة للترويض، قائلاً: «لا تحتوي طبيعة هؤلاء القوم على أيّ خصوصيةٍ إنسانية. وهذا ما تؤيِّده التقارير الكثيرة الصادرة عن الجماعات التي ذهبت إليهم. ويبدو أن الإسلام هو العامل الوحيد الذي استطاع أن يدفعهم إلى حدٍّ ما نحو التعلُّم والثقافة. كما يُدرك المسلمون بشكلٍ أفضل من الأوروبيين الطريق الذي يمكن من خلاله الولوج إلى هذه القارّة. إن هذا المستوى من الثقافة الذي أقامه المسلمون يمكن تحديده في الدين بشكلٍ أفضل»([78]).
هـ ـ رؤية هيجل للفرس
سبق أن أشَرْنا إلى أن هيجل يرى المسلمين القوقاز من الناحية الثقافية والعِرْقية أقرب إلى الأوروبيين من المسلمين العرب والأتراك العثمانيين وسكّان شمال إفريقيا. كما أن نظرته إلى الإيرانيين أو الفرس في المجموع نظرةٌ إيجابية. فإذا كانت رؤية هيجل إلى الأتراك تقول: إنهم يفتقرون إلى الثقافة، وإلى الأعراب بأنهم قومٌ يميلون إلى العصبية، فإن تعاطي هيجل مع الفرس وبلاد فارس لم ينحرف باتجاه الناحية السلبية أبداً. ورُبَما كان أحد أسباب ذلك هو أن عالم لغةٍ في تلك المرحلة يُدعى (آدلانغ) ـ وقد قرأ هيجل أعماله ـ قد ذهب في عام 1806م إلى الادّعاء بأن العِرْق الفارسي والقوطي ينتمي إلى أصلٍ وجَذْرٍ واحد([79]). ومن هنا ـ أو رُبَما لأسبابٍ أخرى ـ يذهب هيجل في أحد مؤلَّفاته الأساسية حول الشرق إلى التعريف بإيران بوصفها «ثقافة عقلانية»، وأنها «القريب المقرَّب من الغرب». من الواضح أن هيجل لم يذهب قطعاً إلى الحدّ الذي يصرِّح فيه بأن إيران هي الوطن التاريخي للعِرْق الآري، إلاّ أن اعتباره الفرس هم الشعب التاريخي الأوّل في الشرق، وكذلك إنكاره للهوية القوقازية، وثناءه على الإيرانيين القوقازيين بالقياس إلى المغول والهنود، يشكِّل مؤيِّداً على أن هيجل كان يحمل نوعاً من التعاطف العِرْقي والعنصري تجاه الفُرْس.
يتحدَّث هيجل عن الفرس بكلامٍ لم يقُلْه بحقّ أيّ شعبٍ من الشعوب الإسلامية الأخرى. فهو يرى «أن آسيا قارّة بزوغ الشمس والمبدأ، وأن إيران منزل النور والجلال وانتزاع الشهود الخالص»([80]). وفي الحقيقة؛ وبالنظر إلى جهود هيجل في التجاهل الكامل للأتراك، وكذلك تصويره المُبْهَم والغامض عن العرب، فإن ثناءه على شعراء الفُرس، من أمثال: المولوي والنظامي والفردوسي، يدعو إلى التعجُّب. إن الفرس هم المسلمون الوحيدون الذين يسمح لهم هيجل بتحدّي ومنافسة السلطة والهيمنة الأوروبية الحالية. كما أنهم المسلمون الوحيدون الذين قرأ هيجل أدبهم المعاصر، واعترف بحظّه الوافر من هذا الأدب.
خلاصةٌ واستنتاج
لقد تعرَّضنا في هذا المقال إلى بيان ومناقشة ونقد رؤية هيجل بشأن الإسلام ضمن ثلاثة محاور.
وفي المحور الأول كانت لنا إطلالةٌ عابرة على تاريخ الإسلام من وجهة نظر هيجل. وبعبارةٍ أخرى: تعرَّضنا في هذا القسم إلى رؤية هيجل للإسلام (بوصفه ديناً سماوياً)، وكذلك إلى الموقع الثقافي والاجتماعي والسياسي لهذا الدين، مع ذكر تاريخٍ مختصر عن الإسلام في تراث هيجل ومنظومته الفكرية.
وفي المحور الثاني تحدَّثنا عن رؤية هيجل حول دَوْر وأداء الإمبراطورية الفارسية في تطوير الثقافة والحضارة الإسلامية ونشر العلم، وكذلك أسباب أفول هذه الحضارة في مواجهة الإمبراطورية الرومية.
وفي المحور الثالث، حيث تعرَّضنا إلى تحليل وتقييم ونقد رؤية هيجل، أشَرْنا إلى موضوعات ومسائل من قبيل: مصادر هيجل بشأن العالم الإسلامي، والإسلام بوصفه تجلّياً ناقصاً وانتزاعياً، والإسلام بوصفه نسخة عن اليهودية، ورؤية هيجل بشأن الثقافة والفنون الإسلامية، واختلاف الأعراق في المناطق الإسلامية، ونظرته إلى الفُرْس في نهاية المطاف.
إن الذي تمّ التأكيد عليه في هذا المقال عبارةٌ عن:
أوّلاً: ضرورة الالتفات إلى التطوّر والتنوّع في رؤية هيجل إلى الإسلام والمسلمين.
وثانياً: ضرورة الالتفات إلى اختلاف رؤية هيجل بين الأبعاد الدينية والثقافية والاجتماعية والأدبية والفنية للدين الإسلامي.
وثالثاً: ضرورة التمييز بين الناحية الأبستيمولوجية والمتمحورة حول النصّ لدى هيجل في تحليل ودراسة آرائه بشأن الإسلام.
كما شاهدنا أن هيجل كان ـ في تحليله ودراسته للإسلام ـ متأرجحاً على الدوام بين رسمه لصورتين عن الإسلام: صورة عن الإسلام بوصفه ديناً متعصِّباً ومتزمّتاً ومدمِّراً؛ وصورة أخرى تجسِّد الإسلام بوصفه ديناً عظيماً ومتعالياً زاخراً بالحماسة والذَّوْق الشعري. ومن هنا سوف يقف الراغبون والمتعلِّقون بالمنظومة الفكرية لهيجل ـ من خلال القراءة النصّية لآثاره ـ على هاتين الصورتين المختلفتين والمتعارضتين. ولا يمكن حلّ هذا التعارض إلاّ من خلال الحصول على رؤيةٍ معرفية عامّة وإحاطةٍ شاملة بالمنظومة الفكرية لهيجل حول الإسلام.
وبعبارةٍ أخرى: كما تقدَّم أن ذكرنا فإن هيجل قد وقع في الكثير من التناقضات بشأن الإطار العام للدين الإسلامي. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنه قد اعتبر الإسلام شبيهاً باليهودية، وقال حيناً بأنه «يهودية متعالية»، أو نسخة متطوّرة عنها؛ وفي بعض الأحيان اعتبره صِنْواً للمسيحية؛ وتارة أخرى منافساً وخصماً لدوداً للمسيحية. أو أنه يرى في الإسلام ديناً مثيراً للفوضى والهرج والمرج تارةً؛ وتارةً أخرى يصفه بأنه الدين الملهم لأوروبا والغرب. وعليه فإن القارئ عند قراءته النصّية لأفكار هيجل سيجد أن آراءه في بعض الأحيان لا تعكس صورةً إيجابية ودقيقة عن الإسلام. وأما إذا كانت قراءتنا لرؤية هيجل بشأن الإسلام والمسلمين، وكذلك الإيرانيين، قراءةً معرفية وشاملة ـ وهو ما سَعَيْنا في هذا المقال في حدود إمكاناتنا إلى بيانه على نحو الإجمال ـ فعندها سنشهد أن هيجل على الرغم من ميوله القومية في مجال المسيحية الأوروبية والحضارة الغربية، وكذلك على الرغم من أن المصادر التي كانت في متناول يده آنذاك لا تقدِّم صورةً إيجابية عن الإسلام، ولا شَكَّ في أن هيجل قد تأثَّر بها إلى حدٍّ ما، لا يمكن في المجمل عدّ هيجل في زمرة المفكِّرين المخالفين والمنتقدين للإسلام والمسلمين؛ لأن جوهر انتقاداته في جميع أعماله ـ كما نرى ذلك حتّى في نقده للمسيحية الكاثوليكية، وحتّى اليهودية ـ يتمثَّل في نقد ونبذ شكل وإطار الدين الوحياني، وليس محتوى ومضمون الدين. ومن هنا فإنه في الغالب يسعى إلى نقد الدين الإيجابي والمتشرّع، ونقد الأعمال اللاعقلانية واللاأخلاقية للمتديِّنين. ولذلك فإنه عندما يخوض في مجال اللاهوت والتاريخ والمجتمع والأخلاق والاقتصاد والسياسة ونظائرها يصبّ جام انتقاده على الأتراك المسلمين، وكذلك على المسلمين الأفارقة أيضاً. ولكنه في الوقت نفسه يفخر بالعِرْق المغولي القوقازي، الذي يمثِّل الفرع الآخر للعِرْق القوقازي الأوروبي، ويعدّه من الصفحات الذهبية والمشرقة في التاريخ الإسلامي. أو عند بحثه في النصوص الأدبية والفنّية للمسلمين ـ مثلاً ـ، والتي ظهرت بشكلٍ خاصّ في بلاد فارس، يعتبر الفُرْس المسلمين أصحاب ثقافةٍ وأدب عقلانيّ خصب، وقرابة قريبة من الغرب، وأوّل شعب تاريخي في الشرق. ومن هنا فإن هيجل يعتبر إيران منزل النور والعظمة وانتزاع الشهود، ولا يسمح في منظومته الفكرية إلاّ لهذه الطائفة من المسلمين بمنازعة الأوروبيين الحاليين سلطانهم وهيمنتهم. ومن هنا يذهب أكثر الدارسين والمفسِّرين لهيجل إلى الاعتقاد بأن انتقاده للإسلام يعود في الواقع إلى المكانة الثقافية والتاريخية لهؤلاء القوم في تلك المرحلة، في حين أن الفنّ والأدب والجمال لدى المسلمين في هذا العصر يُعَدّ من وجهة نظر هيجل ملهماً للكثير من الفنّانين الغربيين، ولهذا السبب فإنه في ما يتعلّق بمجال الجمال والشعر والأدب ـ كما نجد ذلك في إشارته إلى تأثُّر غوته بحافظ الشيرازي والمولوي ـ لا يزال يعتبر المعاصرة بين الغرب والعالم الإسلامي مفيدةً وناجعة للغربيين.
الهوامش
(*) باحثٌ وأستاذٌ مساعِدٌ في كلِّية پرديس فارابي، قسم الفلسفة الغربيّة، جامعة طهران.
([1]) جورج فيلهلم فريدريتش هيجل (1770 ـ 1831م): فيلسوفٌ ألماني. يعتبر أحد أهمّ الفلاسفة الألمان؛ إذ يعتبر مؤسِّس المثالية الألمانية في الفلسفة في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. طوَّر المنهج الجَدَلي الذي أثبت من خلاله أن مسار التاريخ والأفكار يتمّ من خلال الطريحة والنقيضة، ثم التوليف بينهما.
([2]) سبق لكاتب هذا المقال أن كتب مقالاً مستقلاًّ بعنوان: (نقد وتحليل الفكر الديني لهيجل)، وقد نشر في مجلة (أنديشه نوين ديني)، العدد 29، السنة الثامنة، صيف عام 1391هـ.ش (2012م)، بعنوانه الفارسي: (تبيين نقد وبررسي أنديشه ديني هگل). وحيث كان موضوع المقال يخصّ نقد الديانتين: المسيحية؛ واليهودية، فقط، وكان الدين الإسلامي في رؤية هيجل يستحق لوحده مقالاً مستقلاًّ، فقد أفردنا له هذا المقال.
([3]) ومع ذلك يذهب الكاتب في مقدّمة مقال (الله والدين في رؤية هيجل) إلى الادّعاء بأن (هيجل إنما أشار إلى الدين الإسلامي مرّةً واحدة فقط، وبشكلٍ عَرَضي، في كتاب (فلسفة التاريخ)، وذلك ضمن عبارة خاطئة وهي «Mahometanism»). وفي محاضرات في فلسفة الدين يتمّ تجاهل الإسلام بالمرّة». للمزيد من الاطلاع انظر: الحاج محمد لغنهاوزن، خدا ودين در أنديشه هگل (الله والدين في رؤية هيجل)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: د. منصور نصيري، مجلة معرفت فلسفي، العدد 4: 113 ـ 132، السنة الأولى، صيف عام 1383هـ.ش (2004م).
([4]) See: Hegel,George Wilhelm Friedrich, The Philosophy of History ,trans. J. Sibree (New York: Dover Pubs, 1957), p. 359.
([5]) Hegel,George Wihelm Friedrich, Encyclopedia of the philosophical science, part I: science of ligic, Cambridge University, 2010. P. 61.
([6]) إشارة إلى الآية الثالثة عشرة من سورة الحجرات: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾.
([7]) Hegel,George Wilhelm Friedrich,The philosophy of History, with preface by Charles Hegel and the translator, J. Sibree, M. A. Batoche Book, Kitchener, 2001. P. 374.
([8]) شارل مارتيل (688 ـ 741م): قائدٌ عسكري إفرنجي، والحاكم الفعلي للإمبراطورية الإفرنجية منذ عام 718م إلى حين وفاته عام 741م. عُرف في التراث الإسلامي / العربي باسم (قارلة). ومعنى اسمه (شارل المطرقة)، انتصر على والي الأندلس (عبد الرحمن الغافقي) في معركة بلاط الشهداء عام 732م.
([9]) السلطان محمود بن سبكتكين الغزنوي (971 ـ 1030م): حاكم الدولة الغزنوية في الفترة ما بين (998 ـ 1030م)، في زمن الخلافة العباسية. كان نصيراً كبيراً للعلم والأدب والفنّ، وقد عاش في عهده الكثير من العلماء والشعراء.
([10]) أبو القاسم الفردوسي (935 ـ 1020م): شاعرٌ فارسي. عاش في عهد حكم الغزنويين الأتراك في زمن الخلافة العباسية. اشتهر بتأليف ملحمة (الشاهنامة).
([11]) كما تحدّث عن الفردوسي في موضعٍ آخر قائلاً: في ما يتعلَّق بتاريخ الفرس يجب التذكير بهذه النقطة الخاصة بشأن (الشاهنامة)، وهي أن الفردوسي كان يعيش في بداية القرن الحادي عشر الميلادي في مدينة غزني. إن الحماسة والملحمة التي يتمّ سردها في هذا الأثر تتحدّث عن قصص البطولات الإيرانية القديمة، بمعنى أنها تعكس الكفاءة والجدارة الفارسية / العربية في مناطق نفوذهم، ولكنْ هذا العمل لا يشتمل على وثيقةٍ تاريخية؛ لأن مضمونه هو شعريّ بَحْت، وكاتبه شخص مسلم. وقد عرضت هذه الأشعار الحماسية المعارك بين الإيرانيين والأتراك الطورانيين. إنّ إيران أرضٌ خاصة بالفرس، وهي عبارة عن رقعة جغرافية جبلية في جنوب سيحون. وفي هذه الملحمة يلعب البطل (رستم) دَوْراً محورياً، ولكن رواياتها في المجموع أسطورية أو مختلقة تماماً. وبطبيعة الحال إن هذا النوع من الاضطراب والتشويش في الأعمال التي يغلب عليها الاتجاه الإسلامي يبدو أمراً طبيعياً. والملفت أكثر في هذه الملحمة أنك لا تجد شخصيةً أو رواية تذكر فيها إلاّ ولها صلةٌ بكوروش. ومن هنا فإننا لا نمتلك دليلاً كافياً يمكن لنا بواسطته أن نحدس القيمة التاريخية لهذه الملحمة، سوى ما تحتوي عليه من أشعار الفردوسي، وروح عصره، وكذلك خصائص وميول وآراء الفرس المتحضِّرين». (انظر: درسگفتارهاي فلسفه تاريخ (محاضرات في فلسفة التاريخ): 200 ـ 201).
([12]) Hegel,George Wilhelm Friedrich,The philosophy of History, with preface by Charles Hegel and the translator, J. Sibree, M. A. Batoche Book, Kitchener, 2001. P. 182.
([14]) يوهان فولفغانغ فون غوته (1749 ـ 1832م): أحد أشهر أدباء ألمانيا المتميِّزين. تنوّع أدب غوته ما بين الرواية والكتابة المسرحية والشعر وأبدع في كلٍّ منها، واهتمّ بالثقافة والأدب الشرقي.
([15]) Hegel,George Wilhelm Friedrich,The philosophy of History, with preface by Charles Hegel and the translator, J. Sibree, M. A. Batoche Book, Kitchener, 2001. P. 376.
([16]) نابليون بونابرت (1769 ـ 1821م): قائدٌ عسكري وحاكم فرنسا وإمبراطور الفرنسيين. حكم فرنسا في أواخر القرن الثامن عشر بصفته قنصلاً عامّاً، ثمّ بصفته إمبراطوراً في العقد الأول من القرن التاسع عشر، حيث كان لأعماله وتنظيماته تأثير كبير على السياسة الأوروبية. المعرِّب.
([17]) Hegel,George Wilhelm Friedrich,The philosophy of History, with preface by Charles Hegel and the translator, J. Sibree, M. A. Batoche Book, Kitchener, 2001. P. 206.
([19]) هيرودوتس (حوالي 484 ـ 425ق.م): مؤرِّخٌ إغريقي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد. عرف بكتابه (تاريخ هيرودوتس)، من تسع مجلَّدات، وهو مؤلَّفه الوحيد الذي وصل إلينا، وموضوعه الأساس هو الحروب بين الإغريق والفرس أو الميديين.
([20]) Hegel,George Wilhelm Friedrich,The philosophy of History, with preface by Charles Hegel and the translator, J. Sibree, M. A. Batoche Book, Kitchener, 2001. P. 209.
([23]) See: Popper Karl, The open society and its enemies, London, 1969, p. 37; Sidney Hook, From Hegel to Marx, studies in the intellectual development of Karl Marx, London, 1936, pp. 17 – 19; Avineri, S. Hegel’s theory of the Modern State, Cambridge, 1972, pp. 115 – 123.
([24]) للمزيد من الاطلاع بشأن الفكر الديني لهيجل يمكن الرجوع إلى مقالةٍ للكاتب بعنوان: «تبيين ونقد وبررسي أنديشه ديني هگل»، المنشورة في مجلة أنديشه نوين ديني، العدد 29، صيف عام 1391هـ.ش.
([25]) وهذا لا يعني ـ بطبيعة الحال ـ أنه يتجاهل الإسلام بالمطلق، وإنما لديه إشارات إلى الإسلام وإيران أو دين النبيّ محمد. وهو ما نتعرَّض إلى بحثه في هذا المقال.
([27]) إن هذا النوع من الرؤية يدعو إلى القلق بطبيعة الحال، إلى الحدّ الذي صرّح معه (نيقولاي ساركوزي) ـ رئيس الجمهورية الفرنسي في حينها ـ عام 2007م، في كلمةٍ له ألقاها في جامعة (داكار): إن القارّة الأفريقية لا تزال خارجةً عن مسرح التاريخ والعصر الحديث تماماً. وفي الحقيقة إن مستند هذا الفهم هو التقسيم الذي يقدِّمه هيجل عن الحضارات البشرية، وطريقة رؤيته الخاصة بالنسبة إلى القارّة الأفريقية. انظر للمزيد من الاطلاع:
– Journal of Philosophy & Social Criticism, On the limit of spirit: Hegel’s racism revisited, Patricia Purtschert, October 25, 2010, Volume: 36 issue: 9, page(s): 1039 ـ 1051.
([28]) فريدريك تشارلز بايزر (1949 ـ ؟م): كاتبٌ أمريكي وأستاذ الفلسفة في جامعة سيراكوس.
([29]) السكّان الأصليون في العالم الجديد الذي عُرف لاحقاً بالقارة الأمريكية، وجاءت تسميتهم بـ (الهنود الحمر)؛ نتيجة للخطأ الذي ارتكبه القبطان الإيطالي (كريستوفر كولومبس).
([30]) See: Beiser, Frederick Charles, 1993, The Cambridge Companion to Hegel, Cambridge University press, p. 278.
([31]) See: Leuze, Reinhard (1975). Die Ausserchristliche Religion bei Hegel, Gottingen, p. 121.
([32]) See: Schulin, E. (1957). Die Weltgeschichtliche Erfassung des Orients bei Hegel und Ranke, Gottingen, p. 234.
([33]) See: Hardiyanto(1991). Zwischen Phantasie und Wirklichkeit: Der Islam im Spiegel des deutschen Denkens im 19. Jahrhundert Frankfurt, p. 131.
([34]) انظر للمزيد من الاطلاع:
– Ian Almond, (2010). History of Islam in German thought, from Leibniz to Nietzsche, Routledge, pp. 108 ـ 130.
([35]) انظر: هيجل، عقل در تاريخ (العقل في التاريخ): 359، ترجمه إلى اللغة الفارسية: حميد عنايت، 1957م. وانظر أيضاً:
Hegel, The Philosophy of History, trans. J. Sibree (New York: Dover Pubs,1957), p. 359.
([36]) رغم أنه لم يبْقَ من هذه الكلمة سوى الصفحتين الأخيرتين.
([38]) يرى (روزنكرانتس) أن هيجل (اليافع) رُبَما استقى معلوماته حول هذا الموضوع من كتاب لـ (ريكالت) بعنوان: (Historia de l’etat present de l’Empire Ottoman).
([39]) Almond, Ian. 2010, History of Islam in German thought, from Leibniz to Nietzsche, Routledge. p. 112.
([40]) في قائمة الكتب المجموعة في المكتبة الخاصة بهيجل، والتي تمّ نقلها إلى (برلين) بعد وفاته، هناك عددٌ من مؤلَّفات المستشرقين، ومن بينها: كتاب تمهيدي لـ (ليوبولد رانكه) حول هابسبورغ الإسبانية والبلقان العثمانية. ونشاهد فيها أيضاً دورة كاملة لكتاب (ألف ليلة وليلة) من خمسة عشر مجلداً بترجمته الألمانية. ومن بين المصادر الموجودة في هذه المكتبة ـ ورُبَما كان من بين أكثرها لَفْتاً للانتباه ـ يمكن الإشارة إلى تفسيرٍ متناغم مع الأتراك العثمانيين، كتبه القنصل الفرنسي في مدينة أزمير التركية (تشارلز دي بيسونيل). فعلى الرغم من أن هذا الكتاب لا يحتوي على أيّ دفاع مستميت عن النضج الثقافي للإمبراطورية العثمانية، ولكنه ينطوي على غضبٍ شديد من (فيلني)؛ بسبب جهله المطبق عن الأتراك، وبالتالي عدم فهمه الواقعي لهم.
([41]) كلود تشارلز دي بيسونيل (1727 ـ 1790م): القنصل العام لفرنسا في القرن الثامن عشر الميلادي.
([42]) Johannes von Müller (1752 ـ 1809).
([43]) Vierundzwanzig Bücher allgemeiner Geschichte, a set of lectures on universal history (1778 – 9).
([44]) يبدو أن هيجل قد قرأ مؤلَّفات (غيبون)، ولا سيَّما الكتاب التالي:
– History of the DeclineandFallofthe Rman Empire, (1789). Edward Gibbon, with notes by the Rev. H. H. Milman, Volume 1, chapter 8.
([45]) يوهان بابتيست إمانوئيل بوهل (1782 ـ 1834م): عالمُ نباتٍ نمساوي.
([46]) J. G. Buhle (1799). Lehrbuch der Geschichte der Philosophie, Göttingen: Vandenhoeck und Ruprecht, IV: 3, V: 43.
([47]) يجب أن يكون هيجل قد قرأ طوال هذه الفترة ما لا يقلّ عن ثمانين مقالاً حول الإمبراطورية العثمانية. وأن علاقته بالعثمانيين قد استمرّت لمدّة طويلة (حتّى عام 1829م).
([48]) أو عندما يتحدّث عن الإسلام أو حول الإسلام وأتباعه ـ مثلاً ـ نراه يستخدم عباراتٍ من قبيل: الإنتزاعي، المفعم بالطاقة والقوّة، والمذهل، والمفرط، والخالص، والشاعري، والحرّ، ونظائر ذلك.
([49]) See: Hegel, Vorlesungen über die Philosophie der Weltgeschichte 1822 ـ 3, 12: 460.
([51]) سواء في موسوعة العلوم الفلسفية، أو المحاضرات حول علم الجمال أو تاريخ العالم أو فلسفة التاريخ.
([52]) See: Hegel, Lectures on the Philosophy of Religion, II: 244.
([53]) See: Hegel, (1975).Lectures on Philosophy of World History, ed. H.B. Nisbet, Cambridge University Press, p. 206.
([54]) See: Werke, 12: 285; gegen die einfache, sich selbst gleiche Klarheit des Mohammedanismus.
([55]) See: Hegel, (1989). Frühe Schriften,Hamburg: Meiner, I: 139.
([56]) See: Vorlesungen über die Philosophie der Religion, in Werke, 16: 216.
([57]) بالقياس إلى الأتراك الذين يصفهم بـ «البرابرة»، والعرب الذين يصفهم بـ «قطاع الطرق».
([58]) Hegel, Vorlesungen über die Philosophie der Weltgeschichte 1822 ـ 3, 12: 459.
([59]) George, W. F. Hegel, (1971). Early theological writings, trans. T. M. Knox and Richard, Kroner, Philadelphia: University of Pennsylvania Press.
([61]) The philosophy of History, George Wilhelm Friedrich Hegel, with preface by Charles Hegel and the translator, J. Sibree, M. A. Batoche Book, Kitchener, 2001. P. 372.
([62]) هيجل، موسوعة العلوم الفلسفية: 101، 2010م.
([63]) Lectures on the Philosophy of Religion, III: 242 ـ 43.
([64]) باروخ سبينوزا (1632 ـ 1677م): فيلسوفٌ هولندي. يُعَدّ من أهمّ فلاسفة فلاسفة القرن السابع عشر الميلادي. امتاز سبينوزا باستقامة أخلاقه، وقد خطّ لنفسه نهجاً فلسفياً يعتبر أن الخير الأسمى يكون في فرح المعرفة، أي في اتحاد الروح بالطبيعة الكاملة.
([65]) هيجل، موسوعة العلوم الفلسفية: 126، 2010م.
([66]) See: Hegel, (1822). Vorlesungen über die Philosophie der Weltgeschichte, 12: 458.
([69]) من ذلك مثلاً أنه يقول في كتابه (العقل في التاريخ): «إن القارّة الإفريقية تمثِّل التجلي الأكبر للمتعارضات، فهي معقل الأمّية، والانطوائية، والبُعْد عن النور، حيث تخضع للسلطة الوراثية والمستبدّة… وإن الإسلام كان هو القوّة الوحيدة التي جذبت الزنوج نحو التحضُّر نسبياً». للمزيد من الاطلاع انظر: هيجل، عقل در تاريخ (العقل في التاريخ): 49 ـ 232، ترجمه إلى اللغة الفارسية: حميد عنايت، انتشارات آگاه، طهران، 1379هـ.ش.
([70]) للمزيد من التفصيل انظر:
– Lectures on the Philosophy of Religion, III: p. 243.
([71]) in der schönsten Reinheit und Erhabenheit.
([72]) هناك شخصيتان تحملان هذا الاسم، وهما الأخوان:
ـ فريدريش شليجل (1772 ـ 1829م): كاتبٌ وشاعر وناقد ألماني. أسَّس مع شقيقه (أوجست فلهلم شليجل) مجلة أتينيوم. يُعتبر المنظِّر الحقيقي للرومانسيين الأوائل.
ـ أوجست فلهلم شليجل (1767 ـ 1845م): كاتبٌ وشاعر وناقد ومترجم ألماني. قدَّم بالتعاون مع أخيه (فردريش شليجل) الأساس النظري الذي اعتمد عليه الرومانسيون الأوائل.
([74]) رودريغو دياز دي فيفار (إل سيد) (1048 ـ 1099م): فارسٌ من فرسان قشتالة في فترة حروب الاسترداد. اشتهر بمواهبه القتالية والعسكرية. لُقِّب بـ «إل سيد» وهو مأخوذٌ من الكلمة العربية (السيد).
([75]) Hegel, Philosophy of History, p. 358.
([76]) يوهان جوتفريد هردر (1744 ـ 1803م): كاتبٌ وشاعر وفيلسوف وناقد ولاهوتي ألماني.
([77]) Almond, Ian (2010). History of Islam in German thought, Routledge, p. 129.
([79]) Tuska Benes, (2004). «Comparative Linguistics as Ethnology: In Search of Indo-Germans in Central Asia, 1770 ـ 1830», omparative Studies of South Asia, Africa and the Middle East 24, no. 2 (2004): 16.
([80]) انظر: هيجل، عقل در تاريخ (العقل في التاريخ): 253 ـ 258، ترجمه إلى اللغة الفارسية: حميد عنايت، 1957م.