أ. محمد أحمد
أستاذٌ أكاديميّ، وباحثٌ في الفكر الإسلاميّ
مقدّمةٌ
يطرح كثيرٌ من المكلّفين أسئلةً على بعض المحسوبين على الاتّجاه العلميّ تتعلّق بتقليد المرجعيّات، وما يتّصل بتفاصيل مسألة التّقليد كالأعلميّة وتقليد الميّت والتّبعيض، فيجدون أنّ الرّدود تكون بعباراتٍ فتوائيّةٍ منقولةٍ هي بنفسها موردٌ للنّزاع بين الفقهاء. كما يجدون أنّ المجيبين يفرضون آراءً قام الدّليل على فسادها، مستغلّين جهل النّاس بتفاصيل تلك المسائل، وأحياناً يمارسون نوعاً من الإرهاب الفكريّ على بعض المؤمنين، من أجل أن يعدِلوا لمَن يرونه «الأعلم»، بذريعة بُطلان الأعمال، إنْ لم يرجعوا إلى مَن يحدّدونه هُم.
إنّ الخلاف في قضيّة التّقليد خرج منذ عقود من أروقة المحافل العلميّة، ليصبح عاملاً من عوامل التشظّي المجتمعيّ، ومبرّراً للحواشي كي يُسقطوا مرجعيّات وشخصيّات كثيرة. وقد دخلت أجهزة الاستخبارات على خطّ القضيّة، سعياً لتشطير البيت الشيعيّ أكثر فأكثر.
إنّ الحساسيّة الكبيرة في ملفّ التّقليد ـ ابتداءً أو استمراراً ـ تدفعنا إلى بيان رُؤى الكبار من المجتهدين والمحقّقين الّذين كانوا من جيل المؤسّسين، وكانوا يمثلون رقماً علميّاً وازناً ذا قيمةٍ لا ينكرها عليهم أحدٌ من عظماء الطّائفة ووجوهها، بسبب ما نظّروا له من بدائع الأفكار وحقائق الأنظار. وقد وجدنا أنّ لهم آراءً صريحةً في مسألة الأعلميّة وتقليد الميّت والتّبعيض تخالف الرّأي السّائد حاليّاً.
عند الحفر في هذه القضيّة، يكتشف الباحث أنّ ما تمّ تثقيفنا به ليس إلّا رأياً اجتهاديّاً وليس الحقيقة المطلقة، أسوةً بكثيرٍ من الأحكام الشرعيّة. ومعلوم أنّ من الأحكام ما هو ضروريّ «لا تتجاوز نسبته إلى مجموع الأحكام الشرعيّة 6% بنسبة تقريبيّة، ولن يوجد في مثل هذا الصّنف خلافٌ بين الفقهاء والمجتهدين نهائيّاً»، ومنها ما ليس كذلك، والخلاف «يبدو بينهم في الأحكام الشرعيّة النّظريّة الّتي يتوقّف إثباتها على إعمال النّظر والفكر على ضوء البحث النّظريّ والتّطبيقيّ في علمَيْ الأصول والفقه»، كما يقول الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض([1])، ومن هنا قال شيخ الطّائفة أبو جعفر الطّوسيّ (995 ـ 1067م) «إنّ باباً منه (أيْ الفقه) لا يسلم إلّا وجدت العلماء من الطّائفة مختلفة في مسائل منه أو مسألة متفاوتة الفتاوى (…) فإنّه لا يمكن أن يدّعي أحدٌ على أحدٍ موافقته في جميع أحكام الشّرع»([2])، مؤكّداً أنّه وجد «الطّائفة المحقّة (…) مختلفة المذاهب في الأحكام، يفتي أحدهم بما لا يفتي به صاحبه في جميع أبواب الفقه من الطّهارة إلى أبواب الدّيات».
إنّ دراسة تاريخ قضيّة التّقليد منذ عصر النّصّ وما تلاه تعطي نتائج مختلفة عمّا هو سائد، إذ إنّ مشهور الطّائفة لا يشترط أعلميّة المجتهد ليصحّ الرّجوع إليه، ولا يشترط فيه الحياة أيضاً، ولكنّ بعض الظّروف دفعت إلى طرح هذين الشّرطين في حُقب تاريخيّة لاحقة، حتّى باتا اليوم من المسلَّمات بلا دليلٍ ناهضٍ. ويكتشف الباحث أنّ مسألة اشتراط الأعلميّة كأصل مسألة التّقليد نفسها لا تقليد فيها، وأنّ المدار في قضيّة التّقليد هو الاطمئنان إلى قول المجتهد، وأنّ الشّريعة لم توجب الرّجوع إلى مجتهدٍ واحدٍ بعينه، وإنّما اشترطت رجوع الجاهل إلى رأي العالم المأمون مطلقاً، وذلك معذِّر ومنجِّز في حقّ المكلّف.
كما يكتشف الباحث أنّ التّعبّد المحض بفتوى المجتهد دون التفاتٍ إلى مطابقة فتواه للواقع من عدمه مثلاً غير صحيح، بل يصحّ للمكلّف ترجيح نظره في فتوىً، وتكوين قناعته المستقلّة بشأنها، لا تشهيّاً ولا تعصّباً، وإنّما بناءً على اطّلاعه على الأدلّة وترجيحه رأياً فقهيّاً على آخر، أو انطلاقاً من اطمئنانه([3]) أو قطعه([4])، كما هو مقرّر في علم الأصول.
1ـ التّقليد وشروط المرجع
حدود دائرة التّقليد في المسائل الدّينيّة
العقلاء يوجبون رجوع الجاهل إلى المختصّين في كلّ شيء، ومن هنا فعلى مَن لا يملك معرفةً واسعةً بالأحكام الشرعيّة البحث عمّن يملكها، وقد أمضت الآيات والرّوايات تلك السّيرة العقلائيّة، ولم يحصل ردعٌ عنها لا من النّبي محمّد (ص) ولا من الأئمّة(ع)، بل هناك إمضاءٌ لها. إذن، المسألة عقليّة قبل أن تكون شرعيّة.
ولكن، هل على المكلّف الرّجوع إلى المجتهد في كلّ شيء؟ في المعرفة الدّينيّة أمورٌ ضروريّة (عقائديّة، فقهيّة) لا تقليدَ فيها كالإيمان بالقرآن أو كحُرمة الخمر، وأمورٌ أخرى نظريّة فيها تفاصيلُ وتفريعٌ، يتمّ فيها الرّجوع إلى المختصّ كحدود العصمة أو كفاية التّسبيحة الواحدة في الرّكعة الثّالثة والرّابعة. وعليه فإنْ كانت القضيّة من الضّرورات فلا تقليدَ فيها، أمّا في التّفاصيل فإن أمكن المكلّفُ الاستنباط في مسألة من المسائل لزمه اتّباع علمه، وإلّا فيرجع إلى مَن يطمئن إلى قوله من أهل الاختصاص، ومعلوم أنّ الحالة الغالبة عند النّاس هي الرّجوع إلى رأي المجتهدين لا في الأمور الدّينيّة فحسب، بل في سائر الفنون والصّنائع.
تضخّم مسألة التّقليد مؤخّراً
كان القدماء يتشدّدون في شروط القاضي، ولا يتناولون مسألة المفتي، اعتماداً على أنّ العامّيّ لن يرجع إلّا إلى العالِم بالشريعة، وهذا كافٍ. ولكنّ مسألة التّقليد توسّعت بشكلها المتعارف لاحقاً، وتضخّمت لتغدو أوّل أبواب الكتب الفقهيّة، مبتعدةً عن الدّليل والسّيرة العقلائيّة، ودخلتها عوامل سياسيّة ومصلحيّة، ونظّر لتفصيلاتها الكثيرون وبطريقة فلسفيّة أحياناً، حتّى تمّ ترويج بعض المسائل كحرمة التّقليد الابتدائيّ، ولزوم تقليد الأعلم بوصفها مسلَّمات لا نقاش فيها، وأدخِل النّاسُ إثر ذلك في متاهة الصّراع حول المرجعيّات، بما تسبب في تشطير المجتمعات المؤمنة، وإشغالها بما لا طائل منه.
والّلافت أنّ «التّقليد بمعنى اتّباع شخص أصلاً ليس له عينٌ ولا أثرٌ لا في الفكر ولا في الفقه الإسلاميّ على الإطلاق»، بل إنّ مصطلح «تقليد» ومصطلح «مرجعيّة» وما يرادفهما ويناسبهما «غير موجودين في أيّ نصّ شرعيّ، وإنّما هما مستحدثان (…) الموجود في الفكر الإسلاميّ وفي النصّ الإسلاميّ مصطلح الفقيه الموجود في الكتاب والسنّة»([5])، وعليه فمفهوم التّقليد ـ كما هو سائد اليوم ـ دخيل، فـ «العامّي ليس مقلِّداً في مفهومنا، العامّي عاملٌ بالشريعة، من هنا حاول الفقهاء تحديد مفهوم التّقليد في بداية رسائلهم العمليّة»([6]).
المجتهد في المتون الفقهيّة… الشرائط والوظائف
تارةً نتحدّث عن الاجتهاد بوصفه عمليّة معرفيّة بحتة تحتاج ركنين أساسيّين: الاختصاص (الأهليّة/ الاجتهاد الفعليّ) والثقة في المختصّ، أمّا بقيّة الشّروط المذكورة فلا عبرة لها، وتارة أخرى نتحدّث عن مرجعيّة الفُتيا أو المرجعيّة القياديّة (الوليّ الفقيه)، وهنا ذكرت المتون الفقهيّة شروطاً بعضها مقبول كالإيمان، وبعضها فيه نقاشٌ كالذّكورة والحياة والأعلميّة.
ومن هنا نجد أنّ للمجتهد وظيفتين: «الأولى: إصدار الفتوى المطابقة لرأيه للرّاغبين في الرّجوع إليه والعمل بفتواه، وقد اصطُلِح على تسميته بـ (المرجع). والثّانية: الحُكم بين النّاس، وذلك في مقام التّقاضي عنده في الخصومات والمنازعات، أو في مقام الرّعاية للأمور الحَسبيّة، مثل الأوقاف والقاصرين ونحوهما، أو في مقام التّصدّي للقضايا العامّة للأمّة فيما لو صار في موقع الحُكم والولاية العامّة، وهو ما يصطلح عليه بـ (الحاكم الشرعيّ) أو (الفقيه الوليّ)»([7]).
بين اتّباع المجتهد والانقياد الأعمى!
صحيحٌ أنّه يجب احترام قول المجتهد في كلّ علم بوصفه مختصّاً، ولكن ذلك لا يعني أبداً الانقياد الأعمى له في كلّ ما يقوله أو يفعله، ولا سيّما في المواقف الّتي يتّخذها في الشّأن العامّ، أو في تحديد الموضوعات، أو في تقييم الأفراد، فالفقيه ليس معصوماً، ولا مانع من مناقشته أو نقده ممّن يملك ثقافة ذلك، وقد حرّض الإمام عليّ(ع) صحابته على الممارسة النّقديّة بقوله: «فَلَا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ»([8])، وكذا فعل الإمام محمّد الباقر(ع) حينما خاطب أصحابه قائلاً: «إذا حدّثتكم بشيء فاسألوني عن كتاب الله»([9]).
إنّ الفقهاء متّفقون على أنّ «التّقليد مختصّ بالفتاوى المتعلّقة بالأحكام، فللمكلّف أن يُخالف مرجع التّقليد فيما يراه من الموضوعات، ففي مثال حُرمة الخمر إنَّما يُلزَم المكلّف بتقليد المرجع في حكمه بحرمة الخمر، لا في كون هذا السّائل المعيّن الموجود في هذه القنينة خمراً أو لا، فلو اعتبره المرجع خمراً، ولـم يعتبره المكلّف كذلك لـم يكن مُلزَماً برأي المرجع في كونه خمراً، وجاز له شربه. ويظهر أثر هذه الفتوى عند المكلّفين الّذين لهم التزام بخطّ حركيّ، فإنَّهم غير ملزمين بغير الفتاوى المتعلّقة بالأحكام، دون ما له علاقة بتشخيص الموضوعات على الصعيد السّياسيّ أو الاجتماعيّ أو غيرهما»([10]).
لا تقليد مع عدم الاطمئنان أو القطع بالخلاف
من الواضح أنّه لا يصحّ الرّجوع للمجتهد مع القطع بعدم صحّة قوله، وللشيخ حسين علي المنتظريّ(2009م) قولٌ رائع ينبغي الإصغاء إليه وهو أنّ «العمل إنّما يكون بالوثوق الّذي هو علمٌ عاديّ تسكن به النّفس، لا بالتّقليد والتّعبّد. وأمّا إذا لم يحصل الوثوق في مورد خاصّ لجهةٍ من الجهات؛ فالعمل به تعبّدّا مشكل». ويقول أيضاً: «وأمّا ما قد يُرى من بعض العوامّ فهو من التّعبّد المحض بفتوى المجتهد مطلقاً من دون التفاتٍ إلى أنّه يطابق الواقع أم لا، بل وإن التفتوا إلى ذلك وشكّوا في مطابقته له؛ فلعلّه من جهة ما لُقنوا كثيراً بأنّ تكليف العامّيّ ليس إلّا العمل بفتوى المجتهد، وأنّ ما أفتى به المفتي هو حكم الله في حقّه مطلقاً. والظّاهر أنّ هذه الجملة تكون من بقايا إلقاءات المصوّبة([11])، وإن تردّدت على ألسنتنا أيضاً»([12]).
إنّ «من المتفق عليه في تراثنا الفقهيّ أنّه لا ينبغي للعامّي أن يكون مقلَّداً في جميع الأحوال، كما في موارد علمه الوجدانيّ الخاصّ، وفي الضّرورة والإجماع والدّليل القاطع، وفيما لو وجد أمامه نصّاً صريحاً خلاف رأي الفقيه، فضلاً عمّا يتعلّق بتشخيص الموضوعات وفهم المعاني العرفيّة، حيث لا يقلّد الفقيه إلّا فيما يحكيه عن الشارع الإسلاميّ»([13]).
بل يترقّى الأصوليّ الشّهير الشيخ الفاضل التونيّ(1071هـ)([14]) أكثر من ذلك، إذ يرى أنّ للمقلِّد وظيفتين: وظيفة أوليّة إلزاميّة عامّة بأن يبحث عن الفقيه الّذي يستند في عمليّته الاستنباطيّة للوازم البيّنة في النصوص التشريعيّة بجهده أو بتوسّط غيره، ووظيفة ثانويّة غير إلزاميّة يسعى فيها المقلِّد لفهم النصّ الدينيّ ليحرز صِدق الفتوی من خلال ذلك([15])، ولعلّه انطلاقاً من هذه الفكرة كان السيّد محمّد حسين فضل الله(2009م) ينوي إصدار كتاب فتوى يستدلّ فيه على رأيه بروايات أهل بيت العصمة، ليقدّم الفتوى «مقرونة بدليلها، فيأنس بها طالبها، ويزداد اطمئناناً، ويصير أقرب للمشرّع المقدّس تبارك وتعالى»، ولكنّ العمر لم يسعفه لإنجاز مشروعه، للأسف([16]).
2ـ اشتراط الأعلميّة
هل للمكلّف رأيٌ في مسألة الأعلميّة؟
يرى عدد من المحقّقين الأكابر أنّ للمكلّف أن يكوّن قناعته في مسألة الأعلميّة، أسوةً بأصل مسألة التّقليد فهي مسألة غير تقليديّةً يمكن أن يستند فيها المكلّف إلى اجتهاده أو قطعه واطمئنانه، كما يقول الإمام السيّد أبو القاسم الخوئيّ(1992م) ([17])، وبناء عليه، يؤكّد أنّ العامّيّ لو كان متمكّناً من الاستنباط في مسألةٍ ما من المسائل كمسألة الأعلم، وأدّى نظره إلى عدم جواز تقليد غير الأعلم؛ فإنّه على هذا يجوز له مخالفة مَنْ يقلّده، ولم يجُزْ له الرّجوع إلى غير الأعلم، وذلك للزوم اتّباع العامّي لعلمه ونظره فيما يعرفه من الحُكم، ولا يجوز له الرّجوع إلى الغير([18])، والعكس صحيحٌ.
وشبيه ذلك ما ذكره الفقيه الأصوليّ المحقّق الآخوند محمّد كاظم الخراسانيّ (1839 ـ 1911م)([19]) من أنّ المقلِّد لو التفت إلى الخلاف الحاصل بين العلماء حول وجوب تقليد الأعلم فاستقلّ عقله، ورأى أنّه لا فرق في التّقليد بين أن يكون للأعلم أو غيره، ففي هذه الحالة لا يجب عليه تقليد الأعلم، وعليه اتّباع ما آل إليه علمه([20]). وفي السّياق نفسه، اعتبر الفقيه الأصوليّ المحقّق الشيخ محمد حسين بن عبد الرّحيم الإصفهانيّ الحائريّ([21])(1261هـ) أنّ المقلِّد قد يتّفق له أن يقف على مدارك الخلاف بين العلماء فيترجّح في نظره فتوى البعض دون البعض الآخر، فيكون بذلك غير مقلِّد، كما أنّه أقرّ أنّ العامّي لو علم بطلان ما أفتى به المفتي فإنّه لا يقلّده في ذلك، وعليه مراجعة غيره([22]). ولقد أوجز الشيخ عبد الكريم الحائريّ([23])(1355هـ) المسألة بقوله: «قد عرفت أنّ دليل العامّيّ على أصل التّقليد هو الارتكاز، وأمّا في خصوصيّاته الّتي منها الاستواء بين الحيّ والميّت، أو لزوم كونه حيّاً، فإنْ جزم بأحد الطّرفين بواسطة ارتكازه أيضاً فلا كلامَ، وإنْ حصل له التّرديد فلا محالة في هذه المسألة أيضاً يستريح بباب العالِم»([24]).
استقلال المكلّف بتشخيص المجتهد الأعلم
يجب على المكلّف السّعي بنفسه لتشخيص المجتهد الأعلم أو الرّجوع إلى أهل الخبرة([25])، ملاحظاً شهادات العلماء في حقّه، وسيرة المجتهد ونتاجه وحركيّته في الواقع، فإن وثق مكلّفٌ ـ بأيّ نحوٍ كان ـ بأعلميّة مجتهد فعليه العمل بما اقتنع به. وإن تعسّر عليه الوصول إلى ذلك جاز له الاعتماد على اطمئنان الغير، ولو لم يكن من أهل الخبرة، فقد أفتى الفقهاء بجواز اعتماد الزّوجة على زوجها أو البنت على أبويها في مسألة البحث عن المجتهد والأعلم إن كانت المسألة فيها صعوبة عليهما، إذا حصل لهما الاطمئنان بذلك([26]). ولأنّ مسألة الأعلميّة برأي مَنْ يقول بها نسبيّة، فللمكلّف أن يبلور رؤيته الخاصّة بشأنها، ويعمل فيها باطمئنانه،، ولا يحق لأحدٍ حينذاك تشكيكه في قناعاته واطمئنانه بمجتهدٍ معيّن.
ويشير المحقق السيّد رضا الصّدر (1920 ـ 1994م)([27]) إلى أنّ الواجب على العامّيّ الّذي لم يجتهد في مسألة البحث عن تقليد الأعلم «العمل على مقتضى عقله، فإنْ كان عقله حاكماً بوجوب الاحتياط (…) فليعمل على طبقه، وإن كان حاكماً بوجوب الرّجوع إلى الأفضل، أو كان حاكماً بالتّخيير بينه وبين الرّجوع إلى المفضول فهو الوظيفة له، فإنّ التّقليد في هذه المسألة غير واجبٍ من جهة أنّها ليست من المسائل التّقليديّة، فإنّ وجوب التّقليد فيها مسلتزم للدّور أو الخلف»([28]).
إذاً، «إذا بنينا على عدم تقليديّة مسألة تقليد الأعلم (…) فلن يكون المكلّف معنيّاً بهذه الفتوى الّتي ذُكرت في الرّسائل العمليّة، سواء قلّد صاحبَها أم لا، وعليه فلو تغيّرت قناعاته تغيّراً موضوعيّاً مبرئاً للذمّة، بحيث دفعه لتغيّرها بحثه الجادّ ونظره الموضوعيّ انفكّت علاقته بالأعلم، أو بالأحرى أمكن فكّها بالنّسبة إليه، وكذلك لو كانت قناعته على غير تقليد الأعلم لم يكن ملزماً لو قلّد من يقول بوجوب تقليد الأعلم أن يقلّده في هذه المسألة، ولو كان مقلّداً له في سائر المسائل، فهذا مثل مسألة التّقليد نفسها»([29]).
ضبابيّة مفهوم الأعلم وغياب المعايير الموحّدة
إنّ مفهوم الأعلم لم يُعالَج ويحدّد ضابطه علی المستوی المنطقيّ في التّراث الفقهيّ إلّا منذ فترة قريبة ربما لا تزيد على قرنين من الزّمان، ولم يتّفق الفقهاء جميعاً علی تعريفٍ واحدٍ لمفهوم «الأعلم»، وسبب هذا الاختلاف راجعٌ إلی طبيعة المفهوم، وهو كون مفهوم «الأعلم» مفهوماً ضبابيّاً أساساً، ممّا يصعّب اكتشافَه كميّاً أو كيفيّاً، وهو أمر معروف لدى فضلاء الحوزات العلميّة([30]).
وأحد أسباب تلك الضّبابيّة غياب المعايير الموحّدة لتقييم الأعلم، وتنوّع مناهج العمليّة الاجتهاديّة بين التّقليديّة والحديثة، ووجود أفهام عدّة للأعلميّة، فمنهم مَن يراها في علم الأصول ودقائق المباحث العقليّة، ومنهم مَن يراها في الفقه، ومنهم مَن يضيف شروطاً أخرى كالفهم الجيّد لروح الإسلام والتعمّق في اللّغة وفهم بعض الأمور المعاصرة أيضاً، ومنهم مَن يراها بحاجة إلى طرحٍ جديدٍ، وعليه اعتبر الشيخ محمّد إبراهيم الجنّاتيّ أنّ المجتهد الّذي يفوق غيره في مسائل الرّسالة العمليّة وهي الّتي تكرّرت مئات المرّات لا يعتبر مجتهداً مطلقاً فضلاً عن كونه أعلم، بل هو مصداق للفقيه المتجزّئ، إذ الأعلميّة ـ من وجهة نظره ـ تحتاج مفهوماً يستوعب جميع المسائل الّتي يحتاجها الفرد، وما يتعلّق بالعلاقات الدوليّة والشؤون الحكوميّة([31]).
أمّا الشيخ محمّد رضا الحكيميّ (1935 ـ 2021م)([32]) فقد انتقد بشدّة «ظاهرة القلق والوسواس الّتي ترتاب الكثير من رجال الدّين والفضلاء عند محاولتهم اختيار المرجع الدينيّ، فهم يظنون أنّ التفوّق في السنّ لأيّامٍ معدودة أو التفوّق بمسألة أصوليّة وفقهية أو مسألتين، عوامل تكفي الفقيه مؤونة الإلمام بالجوانب الدينيّة والاجتماعيّة والسياسيّة، وتجعله حائزاً على ملكات شخصيّة ونفسيّة ومعنويّة، وفي مثل هذا الزمان لا بدّ من توفّر عنصر الأولوية، ذلك أنّك طالما تجد فقهاء متقدمين على سواهم بالسنّ، أو متفوّقين عليهم بجهةٍ علميّةٍ ما، لكنّ سواهم أولى بالزعامة منهم، فمن الضروريّ أنْ نقدّم عنصر الأولويّة على غيره من المعايير، ذلك أنّ المهام الّتي تقتضيها الزّعامة الدّينيّة ستتحقق مع وجود عنصر الأولويّة بنحوٍ أفضل ممّا لو اقتصرنا على الأعلمية وحدها ـ على فرض وجودها طبعاً، وكما هو معلوم فالأعلميّة لا تتحقّق بمعرفة عدد أكبر من التأمّلات الفقهيّة والجهل بالكثير والكثير من قضايا الواقع»([33]).
كان ذلك نظريّاً، وأمّا على المستوی العمليّ فهناك كلامٌ ونقاشٌ في الوسائل الإثباتيّة لقضيّة الأعلميّة من بيّنةٍ وشهرةٍ وتساقط الشّهادات النّافية والمثبتة ودرجة التّرجيح بين الشّهادات، يضاف إلى ذلك غياب بحوث بعض المراجع (المكتوبة أو المسموعة). وواضحٌ هنا تأثير الإعلام والدّعاية وسلطة المال والنّفوذ في ترجيح شخصيّة على أخرى، فإنّ مَنْ يشهدون بالأعلميّة لطرفٍ إنّما يغترّون بالجوّ الإعلاميّ والشّياع، أو يرجّحون بين البارزين، مغفلين الكثير من المتصدّين، وقليلٌ مَن يقوم بدراسة موضوعيّة مقارِنة للمنجَز العلميّ، فضلاً عن أنّ كلّ مَن يفتي بوجوب تقليد الأعلم ثمّ يتصدّى للمرجعيّة فيعني بذلك أنّه يعتقد أنّه الأعلم! وبالنسبة لطرق معرفة الأعلم، فإنّ المتون الفقهيّة تقول إنّه يمكن معرفة الأعلم بأحد ثلاثة طرق، وفي كلّ منها مناقشة:
الأوّل: أن يكون الشخص نفسه من أهل العلم فيمكنه تشخيص الأعلم من بين المجتهدين، وهذا الطّريق متعلّق بالمجتهدين وأهل الخبرة والممارسة، ولا ربط للعامّيّ به، وإن صرّح بعض الفقهاء بعدم ضرورة كون الشّخص مجتهداً، إلّا أنّ هذا الطّريق يُعرَف بالاختبار، فلا يُكتفى فيه بالاستناد إلى الحدس والتّخمين.
الثّاني: الشّهرة في أوساط أهل العلم والمحافل العلميّة بدرجة يحصل منها اليقين أنّ الشخص الفلانيّ هو الأعلم، وهذا الطّريق لا يحصل غالباً، فما يحصل هو الشّيوع الإعلاميّ لا العلميّ، إذ إنّ شيوع مرجعيّة مجتهد واشتهاره بين الأوساط العلميّة أمرٌ نادر الوقوع، وقد حصل هذا مع مرجعيّات ذات وزن كبير كالمرحوم السيّد حسين البروجرديّ، حيث كان هناك اتّفاق من العلماء على أعلميّتهم.
الثّالث: أن يخبر بذلك عالمان من أهل الخبرة بشرط ألّا تتعارض شهادتهما مع شهادة شخصين عالمين يشهدان بخلاف نظرهما، ويُراد بأهل الخبرة «الفرد الفاضل العادل الّذي يحضر عدّة دروس بحث خارجيّ لعدّة مجتهدين أو مراجع فيعلم الأعلم منهم، بحيث أنّنا نحرز صفاء النيّة في الجواب، وإلّا لم يكن عادلاً»([34])، فلا تكون شهادتهما على أساس الحبّ والبغض والأهواء الشخصيّة أو الفئويّة. وهنا يُلاحَظ أنّ الشّهود ـ للأسف ـ لا يرشدون النّاس إلّا إلى أستاذهم، وهذه حالة غالبة، فضلاً عن ابتلاء الشّهادات بالتّعارض مع شهادات آخرين من تلامذة سائر المراجع يشهدون بخلاف نظرهم.
وعليه لا بدّ للإنسان أن يتّخذ أحد الطّريقين الأولين في سبيل معرفة الأعلم، ومع تعذّرهما ـ كما ذكرنا ـ نكون قد وصلنا إلى حائط مسدود، فالنّتيجة العمليّة أنّ معرفة الأعلم في أكثر الموارد غير متيسّرة، ومربوطة بالجهة الّتي يرجع إليها في السّؤال عن الأعلم!
إذاً، الحكم بالأعلميّة ـ وَفق المصطلح الرّائج اليوم بين الفقهاء المعاصرين ـ لصالح واحدٍ من الفقهاء من بين عدد كبير ممّن يطرحون أنفسهم ولهم رسائل وبذلك التشظّي في المعايير وضبابيّة المصطلح والإشكالات على طريقة الإثبات يبدو عمليّة صعبة. وعليه فما يجري من ترجيحات «غشّ» غالباً، كما يعبّر السيّد فضل الله([35])، الّذي يشير إلى أنّ كلّ مجتهد يتميّز بخصوصيّة مرجَّحة لا تتوفّر في الآخر، لعدم وجود شخصيّة تملك العناصر المطلقة للأعلميّة، ممّا يجعل الدّعاة إلى هذا أو ذاك ينطلقون من جانبٍ فقهيّ هنا أو هناك تبعاً لمزاجهم العمليّ وترجيحاتهم الذّاتيّة، وقد تخضع المسألة في بعض الحالات لاعتبارات عاطفيّة أو عناوين ثانويّة أو سياسيّة، ممّا يجعل القضيّة لا تملك الكثير من الواقعيّة([36]). وعليه فإنّ للمكلّف ـ إن اطمأنّ لنظريّة تقليد الأعلم ـ الاستقلال برأيه في تحديد معناها، والرّكون إلى مَنْ يثق بعلمه في تحقيق مفهوم الأعلميّة المقنع.
تاريخ الشيعة ومسألة الأعلميّة
يؤكّد السيّد محمود الهاشميّ الشاهروديّ (1948 ـ 2018م) أنّ «الأعلميّة لم ترد في آية قرآنيّة، ولا رواية، ولا أنّها مصطلح فقهيّ لدى الفقهاء حتّى يكون لها تعريف محدّد لديهم، خاصّة في الكتب الفقهيّة القديمة، وإنّما هي نتاج التّحقيقات الأصوليّة، والتعمّق والتوسّع الحاصلين في علمَيْ الأصول والفقه، فظهرت الأعلميّة، وطُرِحَتْ في بحث الاجتهاد والتّقليد»([37])، وإلّا فإنّ الشّيعة كانوا يرجعون بعد الغيبة الكبرى إلى علمائهم المنتشرين كلٌّ حسب بلده، صحيحٌ أنّ بعضهم قد يأخذ شهرةً كبيرةً، فيسأله الشيعة من مناطق نائية كالفقيهين: الشّيخ المفيد والسّيّد المرتضى (رضوان الله عليهما)، إلّا أنّهم لم يتقيّدوا بالرّجوع إليهم تماماً، بل كانوا يرجعون إلى غيرهم.
إنّ تاريخ هذه المسألة حديثٌ، ويعود إلى ما قبل ثلاثة أو أربعة قرون سابقة كحدّ أقصى، ويبدو أنّ ثمّة تضارباً في الآراء بشأن بداية القول بها، وأحد هذه الآراء أنّها طُرحت وتبلورت في زمن شيخ الفقهاء مرتضى الأنصاريّ (1781 ـ 1864م) الّذي عيّن له وكلاء في أماكن مختلفة، ويبدو أنّ تأثير كلام الشيخ وتلامذته المتعدّدين ساهم في ترسيخ هذا الموضوع أكثر، كذلك كان لتوضيحات السيّد محمّد كاظم الطّباطبائيّ اليزديّ (1832 ـ 1920م) لهذا الشّرط تأثيرٌ في المتون الفقهيّة، وليس بعيداً التّأثير الإيجابيّ للتطوّر العلميّ والفنّيّ وازدهار الطّباعة وانتشارها، وظهور وسائل الاتّصال كالهاتف والتّلغراف ووسائل النّقل والشّحن في طرح هذا الموضوع وترسيخه، وجعله موضع قبول لدى الآخرين([38]).
لقد تبلورت القضيّة لاحقاً مبتعدةً عن الدّليل، لتخضع لظروف سياسيّة ونفسيّة ومصلحيّة، وكانت القاصمة في ابتكار مصطلح «المرجع الأعلى» بلا أساس علميّ، في سياق المواجهة مع الشّيوعيّة في ستّينيّات القرن الماضي([39]) من قبل عددٍ من العلماء ومنهم الشيخ محمّد مهدي شمس الدّين (1936 ـ 2001م)، الّذي عبّر عن أسفه لاختراع ذلك المصطلح، منتقداً بشدّة «المحاولات الّتي تبذل الآن، وبعضها غير مشروع أو غير واضح المشروعيّة، وقد يصل إلى حدّ فرض مرجعيّة شخصٍ واحد بما يشبه المراسيم، وادّعاء أنّه المؤهّل الصّالح الوحيد أو الأصلح للمرجعيّة ومرجع أعلى، هذا أمرٌ ليس له أيّ تبرير فكريّ، ولا أيّ تبرير فقهيّ»([40]).
من جانبه، ذهب الشيخ محمّد جواد مغنية (1904 ـ 1979م) إلى وصف الوضع بـ «الفوضى والتّطفّلات»، حيث «التّكالب على الألقاب مثل تقيّ وأتقى، وورع وأورع، وزاهد وأزهد، والعلّامة الأوحد، وحجة الله وآيته، ومرجع عالي وأعلى، ومجتهد كبير وأكبر، إلى آخر ما هو شائع ذائع، بخاصّة في إيران مصدر هذه الطّنطنات ومسقط رأسها»، مرجعاً سبب زيادة تلك الحالة إلى «اشتهار الفتوى بوجوب الرّجوع إلى الأعلم في التّقليد»([41]).
مشهور الطّائفة لا يقرّ بشرط الأعلميّة
لا أثر ولا عين لهذه المسألة عند طبقة المتشرّعة المعاصرين للأئمّة(ع)، ولا بين أغلب علماء الطائفة حتّى العلّامة جمال الدّين الحلّي(726هـ)، وعليه فعدم اشتراطها بديهيّ، وهو الرّأي المنقول عن القاضي ابن البرّاج الطّرابلسيّ(481هـ)([42])، وجمعٍ ممّن تأخّر عن الشهيد الثّاني، وهو رأي الجهابذة الكبار والمحقّقين وكثير من المجتهدين، من أمثال: الشيخ الحسين المعروف بـسلطان العلماء(1064هـ)([43])، والمولى أحمد بن محمد مهدي النراقيّ صاحب «مستند الشيعة في أحكام الشريعة»(1245هـ)([44])، والشيخ محمد حسين الإصفهانيّ صاحب «الفصول الغرويّة في الأصول الفقهيّة»(1255هـ)([45])، والمحقّق الشيخ محمد حسن النجفيّ صاحب «جواهر الكلام»(1266هـ)([46])، والشيخ علي بن قربان الكني الطهرانيّ(1306هـ)([47])، والشيخ زين العابدين المازندرانيّ(1309هـ)([48])، والميرزا محمد بن سليمان التنكابنيّ(1310هـ)([49])، والشيخ محمّد تقيّ المعروف بآقا نجفيّ حفيد الشيخ محمّد تقي صاحب «الحاشية»(1332هـ)([50])، والسيّد إسماعيل الصّدر(1338هـ) في «ذخيرة العباد» وحاشيتها([51])، والشيخ محمّد رضا آل ياسين(1370هـ)([52])، والشّيخ محمّد رضا المظفّر(1383هـ)([53]). والسيّد عليّ شبّر(1393هـ)([54])، بل ذكر السيّد محسن الأمين العامليّ(1954م) عبارة تبيّن أنّ القول بالأعلميّة ليس رأياً مشهوراً بين الإماميّة، بل هو قول بعضهم، حيث قال: «مذهبهم في التّقليد أنّه يجب على العامل تقليد المجتهد العدل الحيّ، وبعضهم يوجب تقليد الأعلم عند تعدّد المجتهدين»([55]).
وممّن ذهب إلى هذا الرّأي من المعاصرين الأموات: السيّد محمود الطّالقانيّ(1979م)([56])، والسيّد علي نقيّ الحيدريّ الكاظميّ([57])(1981م)([58])، والشّيخ محمّد طاهر آل شبير الخاقانيّ(1986م)([59])، والسيّد شهاب الدّين المرعشيّ النّجفيّ(1990م)([60])، والشّيخ رضا المدنيّ الكاشانيّ(1992م)([61])، والسيّد رضا الصّدر(1994م)([62])، والشيخ محمّد أمين زين الدّين(1998م)([63])، والشيخ الميرزا حسن الإحقاقيّ الحائريّ(2000م)([64])، والشّيخ محمّد مهدي شمس الدّين(2001م) ([65])، والسيّد محمّد حسين فضل الله(2010م)([66])، والشّيخ عبد الهادي الفضليّ(2013م)([67])، والسيّد محمّد علي الطّباطبائيّ الحسنيّ([68])(2017م)([69]).
وممّن ذهب إلى هذا الرّأي من المعاصرين الأحياء الشّيخ محمّد حسين النّجفيّ الباكستانيّ (1932م ـ….)([70])، والشيخ محمّد إبراهيم الجنّاتيّ (1933م ـ….)([71])، والسيّد عليّ محمّد دستغيب (1935م ـ…)([72])، والسيّد محمّد تقي المدرّسيّ (1945م ـ…)([73])، والسيّد محمد أمين الخراسانيّ (1958م ـ…)([74])، والشّيخ محمّد جواد بن الشّيخ فاضل اللّنكرانيّ (1962م ـ…)([75])، والشيخ حيدر حبّ الله (1973م ـ….)([76])، والشيخ عليّ رياحي نبيّ (1974م ـ…)([77]). وقد أشار البعض منهم إلى الاحتياط الاستحبابيّ في ذلك أو أولويّة تقليد الأعلم إن تيسّر، ولكنّه ليس واجباً.
من جانبهم، لم يقبل كثيرٌ من أعلام المتأخّرين بشرط الأعلميّة بالمطلق، وذلك إمّا لوجاهة الإشكالات على أدلّتها، وإمّا لعدم الحسم مع قوة أدلّة الطّرفين برأي المجتهد، وإمّا رعايةً لدعوى الإجماع أو لبعض العناوين الثانويّة، ولكنّهم احتاطوا في المسألة باشتراط الأعلميّة على نحو الاحتياط الوجوبيّ، ومنهم من الأموات: السيّد محمّد كاظم الطّباطبائيّ(1919م) ([78])، والسيّد أبو الحسن الإصفهانيّ(1964م)([79])، والشيخ عبد الكريم الزنجانيّ(1968م)([80])، والسيّد صدر الدّين الصّدر([81])(1954م) ([82])، والإمام الخمينيّ(1989م)([83])، والسيّد محمّد رضا الگلبايگانيّ(1993م)([84])، والشيخ محمّد علي الأراكيّ(1994م)([85])، والسيّد محمّد محمّد صادق الصّدر(1999م)([86])، والسيّد محمّد الشيرازيّ(2001م)([87])، والشيخ علي الصّافي الگلبايگانيّ([88])(2010م)([89])، والسيّد عبد الجواد علم الهدى(2020م)([90])، ومن الأحياء: الشيخ لطف الله الصّافي الگلبايگانيّ(1919م ـ…)([91])، والشیخ يد الله الدوزدوزاني التبریزيّ (1935م ـ…)([92])، والشيخ شمس الدّين الواعظيّ (1936م ـ…)([93])، والسيّد عليّ الخامنئيّ (1939م ـ…)([94])، والشيخ خليل قدسي مهر التّبريزيّ (1940م ـ…)([95]).
ولقد قيّد بعض الأعلام مسألة تحديد الأعلم بـ «الإمكان»، وهذا يعني أنّهم لا يرون للمسألة واقعاً عمليّاً، إذ الغالب عدم إمكان تقليد الأعلم، إمّا لعدم إمكان تقليده مع تشخيصه كالأزمنة السّابقة حيث يصعب تحصيل الفتاوى لغالب الناس، وإمّا لعدم إمكان تشخيصه مع إمكان تقليده كهذه الأزمنة. ولذلك كان تحصيل الأعلم في غالب الأزمنة من أشكل الاُمور، من جهة عدم إحرازه أصلاً، أو من جهة تعارض أهل الخبرة فيه. وعليه، صرّح آخرون بأنّ تشخيص الأعلم وتمييزه غير ممكن وغير متيسّر، ما يعني سقوط اعتبار شرط الأعلميّة في المجتهد، ولذلك يكتفون في التّقليد بالرّجوع إلى المجتهد المطلق، أمّا مع إمكان تعيين الأعلم فالأفضل الرّجوع إليه، ومن هؤلاء السيّد حسين محمّد تقي بحر العلوم([96]) (1928 ـ 2001م)([97]) والسيّد محمّد عليّ العلويّ الگرگانيّ»([98])(1940م ـ…)([99]).
عقلاً… تقليد الأعلم أحوط إحرازاً للحجيّة!
إنّ عمدة دليل وجوب تقليد الأعلم الّذي يقول به مشهور الفقهاء المتأخرين ليس دليلاً لفظيّاً، بل هو بناء العقلاء الّذين يرجعون للأعلم عند تعارض قول الخبراء احتياطاً، إذ في رأي الأعلم اطمئنانٌ ووثوقٌ أو ظنٌّ أقوى بفراغ الذمّة!
ولكنّ هذا الكلام ليس دقيقاً، فالعقل لا يحكم بوجوب الأخذ برأي الأعلم المخالِف للاحتياط، ولا يحكم بعدم جواز الأخذ برأي غيره إذا وافق الاحتياط، كذلك لا يحكم العقل بلزوم تقليد الأعلم إذا تطابق رأي غير الأعلم مع المجتهدين الأموات الأعلم من الحيّ، ولا يحكم بالإعراض عن رأي غير الأعلم إذا تطابق رأيه مع المشهور قديماً وحديثاً فيما تفرّد الأعلم في عصره بقولٍ مخالِفٍ، وكذلك لا يحكم العقل بلزوم تقليد الأعلم إذا توافق جماعة من المفضولين المعاصرين على رأي تؤيّده بعض القرائن! في كلّ تلك الحالات يصبح رأي الأعلم مشكوك الحجيّة، ورأي غير الأعلم محتمل الحجيّة احتمالاً قويَّا، فإمّا أن يسقط الرّأيان عقلاً ونرجع للاحتياط، أو نحكم بالتّخيير، أو نرجّح فتوى المفضول الموثوقة!
أمّا عند الاحتجاج بسيرة العقلاء، فإن النّاس في أمورهم يرجعون للخبير ولا يتجمّدون أمام الأعلم، ورجوعهم للأعلم منحصرٌ في حال الاختلاف فيما إذا كانوا يريدون الاحتياط وليس الحجّة بشكل طبيعيّ، بل لعلّ العقلاء في مرحلة الخطر لا يكتفون بالرّجوع للأعلم، بل قد يطلبون لجنة طبيّة مع الأعلم، علماً أنّنا شرعاً لسنا مأمورين بالاحتياط، بل نحن مأمورون بتحصيل الحجّة أو العذر.
وأبسط مثال يُضرَب في هذا المجال، هو فتوى الطّبيب الأعلم بلزوم إجراء جراحة لمريض، مقابل تأكيد الطّبيب المفضول خطورة إجرائها، فهل يطيع النّاس الأعلم طاعة عمياء؟! إنّ سيرة العقلاء التّعويل على الوثوق والاطمئنان بأيّ شيء حصل، ومن أيّ طريقٍ كان، سواءٌ كان صادراً عن المفضول أو مخالفاً للاحتياط، وإذا لم يحصل لهم وثوق لجأوا لأحوط الأقوال، لا لرأي الأعلم دائماً، وهذا حال سيرتهم.
إرجاعات الأئمّة للأصحاب منوطة بالفقاهة مطلقاً
إنّ المستفاد من إرجاعات الأئمّة إلى أشخاص بأعيانهم هو كفاية الوصول إلى أحد أولئك الأصحاب البالغين رتبة الفقاهة، وعدم اشتراط الأفضليّة فيه، وإلّا لأرجعوا إلى واحدٍ منهم بعينه. ومن هنا أرجع الإمام جعفر بن محمّد الصّادق(ع) إلى زرارة وإلى أبي بصير وإلى محمّد بن مسلم وإلى بُرَيْد بن معاوية العِجْليّ معاً، وقال في حقّهم: «ولولا هؤلاء ما كان أحدٌ يستنبط هدىً، هؤلاء حُفّاظ الدّين، وأمناء أبي عليه السّلام على حلال الله وحرامه، وهم السّابقون إلينا في الدّنيا وفي الآخرة»([100]).
وقد أحال الأئمّة على بعض أصحابهم لا بوصفهم محدّثين فقط بل بوصفهم مفتين، إذ إنّ الاجتهاد والفتوى كانا ثابتين بحقّ أولئك الفقهاء الرّواة الّذين ألّف بعضهم «كتباً كثيرة في الفتاوى مجرّدةً عن ذكر الدّليل»([101])، صحيحٌ أنّ العمليّة الاجتهاديّة آنذاك كانت بطبيعتها أوليّة وبسيطة بحكم وجود النّصّ الخاصّ بكلّ مسألة، إلّا أنّها أخذت في النّمو والتّطوّر خاصّة أواخر عهد الأئمّة المتأخّرين.
إذاً، لم يكن أولئك الأصحاب نقلة حديث كما هو الشّائع بل كانوا فقهاء يفتون بآرائهم كما «يستنبطون الحكم من الكتاب والسنّة والقواعد العامّة الصّادرة عن النّبيّ (ص) وأهل بيته(ع) عند فقد النّصّ الخاصّ، ويجتهدون عند الجمع بين الأخبار المتعارِضة»([102])، إذ «لم تكن حياة المجتمع الإسلاميّ في ذلك الحين تدار بالنّصوص، كانت تدار بالفقه، وكان هؤلاء المحدّثون من الفقهاء يفهمون من النّصوص، ويجيبون النّاس بآحاد المسائل»([103]).
ومن هنا، فإنّ إحالات الأئمّة على أولئك الرّواة الفقهاء كانت مع علمهم(ع) بتفاوت مستوياتهم، واختلافهم في الفتاوى وهو كثيرٌ، وقد أشار السيّد رضا الصّدر إلى أنّ نسبة الفروع المحكوم بشهرتها أو عليها الإجماع عندهم إلى غيرها نسبة الآحاد إلى العشرات، بل إلى المئات([104])، بل إنّ الشّيخ أبا جعفر الطّوسيّ قال «إنّك لو تأمّلت اختلافهم في هذه الأحكام وجدته يزيد على اختلاف أبي حنيفة والشّافعيّ ومالك (…) فإنْ تجاسر متجاسِرٌ إلى أن يقول: كلّ مسألةٍ ممّا اختلفوا فيه عليه دليلٌ قاطعٌ، ومَنْ خالفه مخطئٌ فاسقٌ! يلزمه أن يفسّق الطّائفة بأجمعها، ويضلّل الشّيوخ المتقدّمين كلّهم»([105])، وذلك يعني أنّ الفقهاء الّذين أحال عليهم الأئمة متفاوتين في الآراء الفقهيّة منذ تلك الأعصار، إلّا أنّ ذلك لم يمنع إرجاع الأئمّة السّائلين إليهم.
كما يُستدَلّ على تقديم المفضول بسيرة المتشرّعة من عامّة المسلمين حيث لم يلحظوا شرط الأعلميّة، والأئمّة عليهم السّلام لم يصدر عنهم تخطئة لتلك السّيرة القائمة على رجوع العامّة لأيّ واحدٍ من فقهائهم في الفتيا، رغم أنّهم خطّؤوهم في مسائل أخرى كالعمل بالقياس والرّأي، وذلك كاشفٌ عن إمضائهم تلك السّيرة.
الأعلم أكثر إحاطةً بمدارك الأحكام بخلاف المفضول
ادّعى البعض أنّ الأعلم أكثر إحاطةً بمدارك الاحكام، خلافاً للمفضول الّذي تكون إحاطته أقلّ بالنّسبة للأعلم، فتكون النّسبة بينهما كالنّسبة بين العالِم والجاهل، وكما لا يجوز تقليد الجاهل المطلق كذلك لا يجوز تقليد الجاهل النسبيّ!
وقد أشكلوا عليهم بأنّه لا يمكن التّسليم بكون الأعلم أكثر إحاطة من المفضول، فكلاهما يستعرضان الكتب والأدلّة نفسها، وقد يفهم المفضول ما لا يفهمه الأعلم، كما أنّ مناط الحجّية شرعاً وعند العقلاء لدفع احتمال الضّرر هو صِدْق عنوان العالِم الّذي ينطبق على الفاضل والمفضول سواءٌ بسواءٍ، كما أنّه لا مانع من أن تكون هناك مصلحة في إجازة الرّجوع إلى المفضول بنظر الشرع أهمّ من مصلحة الواقع، كالتّسهيل على المكلّفين، الّذي وردت به الشريعة السمحاء([106]).
الاستدلال بنصوص عامّة لتقديم الأعلم
استُدلّ على وجوب تقديم الأعلم في الفقه بعدّة روايات بعضها خاصّ بباب القضاء، وبعضها روايات عامّة بينها الضّعيف والمرسل، وقد جاء فيها تعبير الأفقه، الأعلم ونحو ذلك، ولكنّه غير الأفقه والأعلم في اصطلاح اليوم، فإنّ الأعلم والأفقه في عصر الأئمّة كان يطلق على مَن روى أحاديث أكثر من غيره وحفظها، وفهمها ثمّ استظهر منها الأحكام الشرعيّة، «أمّا اليوم فليس بين الفقهاء المراجع أعلم من هذه الجهة، وكلّهم متساوون في مقدار الإحاطة بالأخبار والآثار، لأنّ الرّوايات مدوّنة في كتب مطبوعة في متناول الجميع، ومبوّبة حسب المسائل والأحكام، وكلّ ما يراه فقيه يراه غيره»([107]).
وإنّ أهم ما استُدلّ به رواية ابن حنظلة الكوفيّ عن الحَكَمَين، وأمر الإمام باتّباع حكم الأعدل والأفقه والأصدق والأورع بينهما، ولكنّها رواية ضعيفة السّند لذا سُمّيت بالمقبولة، رغم ذلك قبلها الأصحاب وعمل بها المشهور. يضاف إلى ذلك أنّ الرّواية مختصّة بباب القضاء لا الإفتاء، فقد رُوي عن عمر بن خنظلة الكوفيّ: سألت أبا عبد الله عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَيْنٍ أو ميراثٍ فتحاكما إلى السّلطان أو إلى القضاة، أيحلّ ذلك؟ (فاستنكر الإمام ذلك، إلى أن قال) «ينظران إلى مَنْ كان منكم ممّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضَوا به حكماً فإنّي قد جعلتُهُ عليكم حاكماً»([108])، وجاء فيما ذكره الصّدوق تتمّة للحديث: قلت (لأبي عبد الله) في رجلين اختار كلّ واحدٍ منهما رجلاً فرضيا أن يكون النّاظرين في حقهما، فاختلفا فيما حكما، وكلاهما اختلف في حديثنا، قال: «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث، وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر»([109]). إن كان ينبغي الالتزام بدلالة مقبولة عمر ابن حنظلة في اختيار المجتهد الأعلم فينبغي الالتزام بها كاملة، ممّا يعني أنّه لا بدّ أن نختار الأورع والأعدل والأصدق من بين الفقهاء ليكون كذلك عند اختلافهم، ومعلومٌ أنّ الأورعية محقّقة لدى مَن يكثر الاحتياطات!
ويستدل أيضاً بمقولة الإمام الجواد(ع) لعمّه حينما أجاب خطأ: «يا عم، اتقِ الله؛ إنّه لَعظيم أن تقف يوم القيامة بين يدي الله عز وجل فيقول لك: لِمَ أفتيتَ الناس بما لا تعلم!»([110])، وهي رواية مرسلة لا يحتجّ بها، فضلاً أنّ الكلام فيها عن الجاهل والعالم، لا عن العالم والأعلم.
كما يستدلّ بمقولة الإمام عليّ(ع) في عهده لمالك الأشتر(رض): «ثمّ اختر للحُكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممّن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلّة»([111])، وواضحٌ أنّها مختصّة بباب القضاء ولا تشمل الإفتاء، مع حيثيّة أنّها بصدد آلية اختيار الحاكم العامّ لنائبه، فيما الإفتاء يختار فيه المكلّف المجتهد الّذي يرجع إليه بنفسه.
ويستدلّ أيضاً بالرّواية النبويّة: «فمَنْ دعا الناس إلى نفسه وفيهم مَنْ هو أعلم منه لم ينظر الله إليه يوم القيامة»([112])، ورواية «مَن تولّى مِن أمراء المسلمين شيئاً فاستعمل عليهم رجلاً وهو يعلم أنّ فيهم من هو أولى بذلك وأعلم منه بكتاب الله وسنّة رسوله فقد خان الله ورسوله وجميع المؤمنين»([113])، وهما مرسلتان وضعيفتان، وتتعلقان بمنصب الخلافة أو الولاية، لا بمنصب الفتوى، وترد عليهما الإشكالات السّابقة.
لا وجود للأعلميّة المطلقة فقد يتفوّق المفضول
سيرة العقلاء قائمة على أنّ المتخصّص في علمٍ ما يرجع في مقدّمات الموضوع المبحوث عنه إلى مَن يكون متخصّصاً في تلك المقدّمات، وقد يكون حيّاً أو ميّتاً، فاضلاً أو مفضولاً، ليجعل رأيه سلّماً للوصول إلى ما يبحث عنه، وعليه فلا يوجد مجتهد هو الأعلم بشكل مطلق، بل هو يرجع إلى مَن هو أتقن منه في الفنون المتّصلة بعمليّة الاجتهاد من نحوٍ وبلاغةٍ وأصولٍ ورجالٍ إلى غير ذلك، كما يقول المحقّق السيّد رضا الصّدر([114]).
ويؤكّد الصّدر أيضَا أنّ حصول العلم بأعلميّة شخص للعامّيّ في جميع المسائل الفقهيّة المختلفة محلّ تأمّل، إذ كثيراً ما يتّفق صرف المفضول طاقته الفكريّة في مسألة واحدة فيصل إلى مغزاها، ولا يتّفق ذلك للأفضل، والشّاهد لذلك تصنيف كثيرٍ من الفقهاء رسائل كثيرة في آحاد المسائل المختلفة، وعليه فالأعلميّة نسبيّة وغير واقعيّة، ولكنّ ما يجري هو إثبات الأعلميّة لفردٍ في كلّ الأبواب الفقهيّة وبشكل مطلق.
الاستدلال بالإجماع والارتكاز المتشرّعيّ والشّهرة
لو كان اشتراط الأفضليّة في المفتي إجماعيّاً لتعرّض له السيّد المرتضى في «الذّريعة» والشّيخ الطوسيّ في «العُدّة»، وابن زهرة في «الغُنية»، و«لادّعوا الإجماع عليه، سيّما ابن زهرة الّذي اشتهر بكثرة دعواه للإجماع»([115])، وكذلك لا يصّح التّعويل هنا على الارتكاز المتشرّعيّ المتأخّر عن زمان النصّ، ولا حجيّة للشّهرة الفتوائيّة المتأخّرة، فهي «خدعة، إذ إنّ التّراكم الزّمنيّ في القرون الطّويلة يجعل كلّ عالم يدخل في رقم الإجماع أو اشتهار الفتوى، فيتضخّم كلاهما، وكلّما ازداد رأي الفقهاء التّقليديّين صَعُب كسر الفتوى، بل يصعُب ليّها، وخصوصاً كلّما اشتهر صِيْت المرجع»([116]).
الأعلميّة عمليّة ديناميكيّة لا منصب تشريفيّ!
هذه إحدى أكبر الإشكالات المهمّة على مَن يقولون بشرط الأعلميّة، حيث يحوّلون الأعلميّة إلى منصب تشريفيّ يظلّ فيه المجتهد حتّى وفاته، بينما ينصّ القائلون بالأعلميّة على ضرورة التقصّي الدّائم لإحراز استمرارها في المجتهد من عدمه، وإذا وقع ذلك فإنّه يجب العدول للأعلم فيما «لو قلّد الأعلم، ثمّ صار غيره أعلم»([117])، إذ يصير قول الأعلم السّابق حينها مشكوك الحجيّة، وفق كلامهم.
ومن هنا أشار الشّيخ أحمد بن عبد الرّضا آل حرز البحرانيّ (1268 ـ 1337هـ) إلى أنّ «استقرار الأعلميّة في شخصٍ لمدّة ما مع وجود المتنافسين له والقريبين منه في الرّتبة أمرٌ يحتاج إلى تجدّد بحثٍ ونظرٍ، ليحصل القدر المستوفى في المسألة، وهو الرّجوع إلى الأعلم الأورع، لا سيّما إذا ترك مَن عُرف بالأعلميّة البحث والمطالعة والمناقشة مع الطّلاب، فإنّه سوف تغيب عنه كثيرٌ من المسائل، ويصبح بالتّالي كالمجتهد العاديّ في العلميّة، بل وربّما يحتاج إلى مَن يُسدّده ويتولّى أموره الدّينيّة من الإفتاء والحُكم والأنظار المستجدّة في المسائل الغريبة العزيزة، كما هو الحال في معظم أصحاب المرجعيّة»([118]).
وهناك تطبيق عمليّ لتلك المقولة الآنفة نقله الشّيخ يوسف البحرانيّ (1107 ـ 1186هـ)([119])، إذ كان الشيخ جمال الدّين أحمد بن المتوّج(820هـ) يغلب الشيخ شمس الدّين محمّد العامليّ المعروف بالشّهيد الأوّل(786هـ) في المناظرات لسعة علمه، ولكنّه لمّا ورد البحرين واشتغل بالأمور الحسبيّة ووظائف المرجعيّة «اشتغل ذهنه (قُدِّسَ سِرُّه)، ثمّ حجّ الشيخ جمال الدّين، واتّفق اجتماعه بشيخنا الشّهيد (رضي الله عنه) في مكّة المشرّفة فتناظرا فغلب شيخُنا الشّهيدُ، وأفحمه، فتعجّب الشيخ جمال الدّين، فقال له الشّيخ الشّهيد: قد سهرنا وأضعتم»([120]).
إذن، الأعلميّة ليست صفة ثابتة، بل تتأثر بترك المجتهد البحث والمناقشة، وتقتضي تشكيل مجلس خبراء مثلاً من أجل الفحص الدّوري عن درجة تحقّق الأعلميّة أو استمرارها، كما تقتضي من الخبير البحث الدّائم عمّن يحوزها، وهو ما لا يتمّ الالتزام به عمليّاً، بل يكون المجتهد في منصب الأعلم حتّى يتوفّاه الله.
بين مرجعيّة الفرد ومرجعيّة الطّبقة
فيما يروّج الكثيرون للمرجع الفرد، يتحدّث بعض العارفين ومنهم السيّد محمود الهاشميّ الشاهروديّ([121]) وجماعة العلماء والمدرّسين في الحوزة العلميّة بقم([122]) عمّا يمكن وصفه بـ «أعلميّة الطّبقة»، فالأعلمية المعتمدة في التّرجيح لدى العقلاء فيما إذا كان التفاوت بين الأعلم وغيره بيّناً وفاحشاً ومعتدّاً به، ومع كون المطروحين مشتركين في منهج البحث والاستدلال والتعمّق والمدرسة العلميّة والعصر العلميّ فلا عبرة بالتّفاوت البسيط الّذي لا يبعث على التّرجيح في التّقليد حتّى لدى العقلاء، وبالتالي فالرّجوع لأيّ منهم مجزٍ ومبرئ للذمّة، وهذا عدولٌ عمليّ عن فكرة الأعلميّة الفرديّة إلى فكرة التّخيير بنحوٍ ما.
لا مجال للعمل بالأدلّة الفقاهتيّة
بعد كلّ ما سبق، فإنّ الأدلّة الشرعيّة المذكورة وسيرة الصّحابة والتابعين وتابعيهم تكفي لتعميم جواز التقليد للمجتهد مطلقاً، ولا تترك مجالاً للعمل بالأصل العقليّ، لأنّ الدّليل الاجتهاديّ لا يلحظ شرط الأفضليّة في المفتي، إذ اعتباره كُلفةٌ وضيقٌ على المكلَّف، ومعلوم أنّ الأصل الفقاهتيّ([123]) لا يعتبر دليلاً إلّا في حال عدم وجود الدّليل الاجتهاديّ، ومع وجوده لا يبقى مجال للعمل بالأدلّة الفقاهتيّة([124])، كما يؤكّد ذلك كلّ الأصوليّين في أبحاثهم الأصوليّة.
ورغم تلك التحفّظات على تشخيص الأعلم وللرّغبة في حفظ مقام المرجعيّة، فإنّ «علينا أن نبحث عن الأصلح لتولّي منصب المرجعيّة، تلبيةً لمتطلّبات حياتنا المعاصرة الضروريّة والملحّة، والأصلح ـ هنا ـ هو مَن لديه المؤهّلات الإداريّة والقياديّة، ويتمتّع بنظرة مُستوعبة لأبعاد حياة الناس وأوضاعهم، ويتحلّى بالأصالة والاستقلاليّة والعمق في الاستنباط»، كما يقول الشيخ عبد الهادي الفضليّ([125]).
كما أنّ «على الشباب الانفتاح على تقليد كلّ عالم مشهود له بالعلم والفقاهة، وله وزنه العلميّ والاجتهاديّ، بحيث يصنّف في المستوى العلميّ الرفيع، ويتمتّع بالوعي السّياسيّ والاجتماعيّ، والأفق المنفتح على النظريّات الجديدة في الفكر والفقه، والحضور الميدانيّ في الحياة بما يسمح له بالقرب من الوقائع والموضوعات ووعيها بدقّة أكبر»([126])، دون أن يكون ذلك أمراً إلزاميّاً.
شرط الأعلميّة وتأثير العوامل النّفسيّة
نقل السيّد عبد الأعلى السّبزواري عبارة «عن بعض مشايخنا قدست أسرارهم أنّ كلّ مَن يصير أعلم يعترف بكون الأعلمية شرطا»([127])، ومن هنا أشار الشيخ عزّ الدّين البغداديّ إلى أنّ سبب القول بوجوب تقليد الأعلم شرط نفسيّ، إذ إنّ «البعض ممّن يحصل على مرتبة عالية في العلم يعمل، ولو بدون قصدٍ على احتكار منصب الفتوى»، فـ «المجتهد إذا بلغ درجة من العلم يرى أنّها أعلى ممّا عند غيره، ثمّ يرى مع ذلك المستفتي يرجع إلى غيره، فإنّ هذا نفسيّاً يدفعه ولو من حيث لا يشعر ليفتي بعدم جواز تقديم المفضول مع وجود الفاضل، أمّا إذا وجد أنّ هناك مَن هو أعلم منه فإنّه يفتي بعدم اعتبار هذا الشّرط»([128]). ولقد أشار إلى تأثير الحالة النّفسيّة على المجتهد الشيخ محمد حسن الجواهريّ(1266هـ) عند حديثه عن تشدّد البعض في تحريم إقامة الجمعة ثمّ عدوله عن رأيه لمّا آلت إليه الرئاسة قائلاً: «ولقد قيل: إنّ بعضهم كان يبالغ في حرمتها حال قصور يده، ولمّا ظهرت له كلمة بالغ في وجوبها»([129]).
إنّ «شرط الأعلميّة شرط نظريّ بحت، لم يطبّق إلّا فيما ندر، فليس هناك مَن اشتهر بين النّاس بالعلم والفضل، وصار مرجع النّاس في تقليدها إلّا ومعه عالمٌ مغمورٌ قد يكون أعلم منه، إلّا أنّ النّاس لم تنصرف إليه، بل ويحصل هذا حتّى عند غير العوامّ، كما عند أهل الفضل، فلم يُلتَزم بالشّرط حتّى عند مَن يقول باعتباره كما في النّظر إلى الواقع في هذا العصر، فقد كان الكوهكمريّ أعلم من الشيرازيّ، ومع ذلك فقد تقدّم الشيرازيّ، وقيل إنّ النائينيّ والعراقيّ كان كلاهما أعلم من الإصفهانيّ، رغم أنّ الإصفهانيّ تقدّم عليهما»([130]).
بين المرجع المفتي ومرجع الدّين القائد
إنّ إحدى مظاهر انتظام المجتمع أن تكون هناك مرجعيّات، ولكنّ هناك خلطاً بين مرجع الشّريعة ومرجع الدّين ـ كما يقول الشّيخ محمّد مهدي شمس الدّين ـ فمرجع الشّريعة هو المجتهد الجامع للشّرائط الّذي يبلغ درجة عالية من المعرفة بأدلّة الشّريعة فتتكوّن لديه قدرة على استنباط الأحكام، وعليه حينما يسأله النّاس يفتيهم أو يبتدئهم بالفقه، وكلّ من المفتي والمستفتي تبرأ ذمّته حينذاك، أمّا مرجع الدّين فدوره يتجاوز الحكم الشّرعيّ إلى المفهوم الشّرعيّ بما يتطلّبه ذلك من كفاءات، وهو ما يسمّى بالقيادة.
يوضّح شمس الدّين أنّه قد يجتمع المفهومان (مرجع الشّريعة ومرجع الدّين) في شخص واحد، كما حصل مع الشّهيد الأوّل ومع الشّهيد الصّدر، لافتاً إلى الرّبط غير الواعي بين وجوب تقليد الأعلم ومصطلح المرجع الأعلى بلا أساس. وبيّن أنّ «تاريخ المرجعيّة يشير إلى التّعدديّة، وعدم حصرها في شخص واحد، وهذه هي القاعدة، لكنّ ذلك لا يؤدّي بالضّرورة إلى الخوف من الفوضى أو الفراغ» لكون ذلك أمراً طبيعيّاً يحدث داخل المذهب الواحد، «وأمّا في المسائل التّنظيميّة والسّياسيّة فمن المفترض أن يكون مركز الّرأي السّياسيّ والتّنظيميّ واحداً، سواءٌ شغله شخص واحد، أو مجلس للمجتهدين، أو فقهاء»([131]).
وقد ربط الإمام روح الله الخمينيّ(1409هـ) بين مفهوم الأعلميّة والزّعامة الدّينيّة، فهو يرى أنّ المعايير التّقليدية لبلوغ الاجتهاد لم تعد وافيةً ولا كافيةً، ومن باب أولى أن تسري هذه المعايير على شرط الأعلميّة أيضاً، حيث قال: «لم يعد الاجتهاد بمفهومه الاصطلاحيّ كافياً، بل إنّ المجتهد العاجز عن تشخيص مصلحة المجتمع أو التّمييز بين الأشخاص الصّالحين والنّافعين عن غيرهم، والّذي يفتقر إلى الرّؤية الصّحيحة والقدرة على اتّخاذ القرار في المجال الاجتماعيّ والسّياسيّ، فانّ مثل هذا الإنسان لا يعدّ مجتهداً في المسائل الاجتماعيّة والحكوميّة، ولا يستطيع أن يتسلّم زمام أمور المجتمع، وإن كان الأعلم في العلوم الحوزويّة المعهودة»([132]).
3ـ الموت وحجيّة الآراء
سيرة المتشرّعة قائمة على تقليد الميّت
لم يصلنا نهْيٌ عن المعصومين في شأن مسألة تقليد الميّت الّتي هي مسألة كثيرة الابتلاء، بل إنّ النّاظر في إرجاعات المعصومين إلى فقهاءٍ بأعيانهم يرى أنّهم لم يلحَظوا فرض الحياة فيهم، وإنْ زعم أحدٌ ذلك فإنّه يردّ عليه بأنّ الإحالة كانت على الأحياء عادةً بسبب عدم شيوع كتابة الفتوى من قبل الفقهاء، وعدم توفّر فتاوى الفقهاء المتقدّمين بشكلٍ كامل، مضافاً إلى سهولة الوصول إلى الأحياء. كما يدلّ على عدم اعتبار مسالة الحياة شرطاً في المفتي في زمان الأئمة أنّنا لا نجد في الأخبار أحداً يطلب من الأئمّة تحديد فقيه بعد وفاة فقيهٍ سابقٍ.
إذن، سيرة المتشرّعة مستقرّة على التّقليد الاستمراريّ وكذلك الابتدائيّ. ولو كان شرط حياة المجتهد ثابتاً في الشرع لبان، فهذه المسألة لم تكن محرّرة في كتب فقهاء الإماميّة وفضلائها القدماء، رغم أنّهم بحثوا في مسألة التّقليد وتعرّضوا لشروط المفتي ولكنّهم لم يذكروا هذا الشّرط.
صحيحٌ أنّه اشتهر بين المتأخرين والمعاصرين تحقّق الإجماع على عدم جواز التّقليد الابتدائيّ عن الميّت، بل كاد أن يكون ذلك أمراً قطعيّاً بينهم، ولكنّ هذا اتّفاق وليس إجماعاً بين الأصحاب، إذ المسألة ليست مبحوثة في كتب الأقدمين، واحتمال غفلة الأعاظم عن ذكر مسألة ذات حكم إجماعيّ كهذه بعيدٌ جدّاً، فالسيّد المرتضى لم يذكر المسألة في «الانتصار» ضمن ما انفردت به الإماميّة، بل إنّه أجاز العمل بكتابَيْ ابن بابويه وابن زهرة الحلبيّ، ورجّح العمل بهما على العمل بكتاب الشّلمغانيّ، وهي كتبٌ مشتملة على الرّوايات وآراء أصحابها الّذين كانوا أمواتاً آنذاك([133])، بل ذكر الشيخ أحمد بن عبد الرّضا آل حرز البحرانيّ أنّ الأئمّة(ع) كانوا يحثّون على العمل بكتب الفتوى الّتي ألّفها بعض أصحابهم ككتاب عبد الله الحلبيّ وكتاب «التّكليف» للشّلمغانيّ([134]) وكُتُب الحسين بن سعيد الأهوازيّ([135]) مع علمهم بموت أصحابها([136])، ويمكن أن يستشفّ جواز تقليد الميّت أيضاً ممّا ورد عن أحمد بن أبي خلف ظِئر([137]) أبي جعفر عليه السّلام، قال: كنت مريضاً، فدخل عليّ أبو جعفر عليه السلام يعودني في مرضي، فإذا عند رأسي كتاب (يوم وليلة)، فجعل يتصفّحه ورقةً ورقةً، حتّى أتى عليه من أوله إلى آخره، وجعل يقول: «رحم الله يونس، رحم الله يونس، رحم الله يونس»([138])، إذ لو كان هناك إشكالٌ في العمل بكتاب يونس بن عبد الرّحمن بما فيه من اجتهادٍ علميّ لأشار الإمام عليه السّلام إلى المنع من العمل به كون صاحبه ميّتاً، وذلك لسقوط قوله عن الحجيّة.
وقد ذهب إلى القول بجواز تقليد الميّت ـ ابتداءً واستمراراً ـ اتّساقاً مع الدّليل الشرعيّ ووفاقاً لاتّفاق الإماميّة الأصوليّ الشّهير المحقّق الميرزا أبو القاسم القميّ(1231هـ) صاحب «القوانين» الّذي يعتبر أحد العلماء المؤسّسين في المذهب ومن المحقّقين النّوابغ([139])، وقد وافقه غيره من المجتهدين الماهرين والمحدّثين المتبحّرين، سواءٌ على مستوى البحث العلميّ أو على مستوى الفتوى، إذ لا دليل ناهضاً لعدم الجواز، سوى دعوى الإجماع. وللاطّلاع على أسماء الفقهاء المجيزين لتقليد الميّت ابتداءً يُراجَع الملحق في ذيل هذا المبحث.
مسألة تقليد الميّت والعوامل النّفسيّة
إنّ القدر المظنون أنّ مسألة حرمة تقليد الميّت طُرحت بعد رحيل الشيخ الطّوسيّ بمدّة، رعايةً لظروفٍ سياسيّةٍ كما في حالة المحقّق الثّاني الشيخ علي بن الحسين الكركيّ العامليّ الّذي عيّنه الصّفويّون شيخاً للإسلام، وعليه «أراد يجمع التّقليد في يده، وأن يمنع النّاس من تقليد مَن مضى من الفقهاء، لذا فقد كان من مصلحته ومصلحة الدّولة أن تتركّز الزّعامة الدّينيّة في يدِ رجلٍ كالمحقّق الكركيّ»([140])، أو رعايةً لظروف نفسيّةٍ كما حصل في صراع العلّامة محمد بن منصور المعروف بابن إدريس الحليّ(598هـ) مع مقلِّدة شيخ الطّائفة أبي جعفر الطّوسيّ(460هـ) الّذين جمدوا على آرائه ردحاً من الزّمن يقارب القرن، وكذلك الحال مع الشهيد زين الدّين بن عليّ العامليّ الّذي ذكر اثني عشر وجهاً في عدم جواز تقليد الميّت، ولم يكن منطلقاً في ذلك من نصّ يمنع التّقليد، بل لأجل «حلٍّ لمشكلة كانت في ذلك العصر، وهو الرّجوع إلى فتاوى وكتب القدماء وترك الاجتهاد، تعظيماً لدرجة الاجتهاد، وظنّاً أنّ بلوغها أمرٌ صعب المنال، حتّى صار تقليد الميّت هو الحلّ المتعيّن»([141]). وكذلك الحال مع فخر المحقّقين نجل العلّامة الحليّ نفسه وكلاهما يمنعان من تقليد الميّت، ولكنّه عزّ عليه انصراف النّاس عن تقليد أبيه فخصّص الحكم حتّى لا يسري على أبيه، قائلاً في كتاب «إرشاد المسترشدين وهداية الطالبين»، على ما نقل عنه أنه قال: «واقتصرت على هذه الأصول، ولم أذكر العبادات السمعيّة، لأنّ والدي جمال الدّين الحسن بن يوسف بن المطهّر قدس الله سرّهم ذكر ما أجمع عليه أهل البيت(ع)، وهم الأئمّة المعصومون (صلوات اللّه عليهم)، وما صحّ نقله عنهم، بالطّريق الّذي له إلى الشيخ الطوسيّ، ومن الشيخ الطوسيّ إلى الأئمّة(ع)، بالطّرق الصّحيحة الّتي لا شكّ فيها و لا ريب؛ لأنّ والدي لمّا ذكرنا له أنّ الميّت لا قول له، فقال: إنّي قد أثبتّ لكم ما اتّفقت عليه الأئمّة(ع)، فلا يحتاج إلى تقليد أحدٍ بعد معرفة واجب الاعتقاد، ومَن عدل عنه إلى غيره، فقد عدل عن يقينٍ إلى ظنٍّ، وعن قول معصومٍ إلى قول مجتهد، فأيّها المؤمنون تمسّكوا و اعتمدوا عليه»([142]).
تقليد الميّت مسألة اقتناعيّة لا تقليديّة
يؤكّد المحقّق السيّد رضا الصّدر أنّ العامّيّ الّذي هو أجنبيّ عن الحقائق العلميّة يجب عليه العمل بمقتضى عقله، خالياً من العاطفة، إذ هو الحجّة، كما يؤكّد أنّ البحث عن جواز البقاء على تقليد الميّت من عدمه موقوفٌ على القول بعدم جواز التّقليد الابتدائيّ للميّت، كما هو المشهور بين أصحابنا المتأخّرين، إذ إنّ قيْد البقاء أو الابتداء غير موجودين في الرّوايات حتّى يبحث عن مفهومهما، وأنّه لم يحصل من الشّارع ردعٌ عن سيرة العقلاء في الرّجوع إلى رأي الأموات والأحياء، وسيرة المتشرّعة على البقاء على تقليد الميّت ملازمة لسيرتهم على التّقليد الابتدائيّ له.
وعليه، فإن اقتنع مكلّفٌ بتقليد الميّت ـ ابتداءً أو بقاءً ـ عمل بما اختاره عقله([143])، وإلّا فيمكن إرشاده في التّقليد الابتدائيّ للرّجوع إلى مجتهد حيّ يجيزه في تقليد الميّت ابتداءً، وإرشاده في التّقليد الاستمراريّ للرّجوع إلى مجتهد حيّ يجيزه في البقاء على تقليد الميّت السابق، أو أن يعتمد على اتّفاق الرّأي الفقهيّ من الأحياء على جواز البقاء على تقليد الميّت، ولو لم يرجع إلى واحدٍ منهم بعينه.
الحجيّة للرّأي لا لشخص المجتهد
من استدلالات المانعين من تقليد المجتهد الميّت قوله تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ» (النحل: 43) وقوله: «وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ» (التوبة: 122)، فإنّه لا يمكن سؤال أهل الذّكر ولا يتحقّق الإنذار بدون مباشرة تستلزم الحياة، وكأنّهم فهموا أن السّؤال والإنذار منحصران بالمشافهة، أو كأنّ الموت يرفع الحجيّة عن القول. والغريب أن هؤلاء يغفلون الحديث عن العوارض الطّارئة على المجتهد كالزّهايمر أو الغيبوبة، وهي الّتي يفترض أن تسلب المجتهد الحجيّة أيضاً أسوة بالموت.
إنّ ملاك حجيّة الرّأي الصّادر عن الخبير الحيّ ابتنى عليه العلم والعمل عند الشرع والعقل، «فالحكم بسقوط اعتباره لدى الشرع يحتاج إلى نصّ مستحكم»([144])، كما يقول السيّد رضا الصّدر. وأمّا سيرة العقلاء فقائمةٌ على الرّجوع لأهل الخبرة والاختصاصيّين في كلّ علم وفنّ بلا فرق بين الخبير الحيّ أو الميّت في جميع العصور وبين جميع الأمم.
وفي الشأن ذاته، فإنّه «يكفي في حجيّة الرّأي أن يكون صاحب الرّأي واعياً يملك علمه وخبرته وحيثيّته الاجتهاديّة عند إعطاء الرّأي، أمّا ما يحدث له بعد ذلك من مرضٍ أو موتٍ أو ما إلى ذلك فلا علاقة له سلباً أو إيجاباً بمسألة الرّأي، ولهذا فإنّنا نجد أنّ النّاس يرجعون إلى آراء الأموات بقاء وابتداءً في هذا المجال»، إذ إنّ قيمة الرّأي الاجتهاديّ ثابتة بمعزل عن العوارض والأوضاع الّتي تجعل انتباه الفقيه مشغولاً تماماً، إلى درجة حاجة كثير من العلماء الّذين يملكون اجتهادات كثيرة إلى الرّجوع إلى ما كتبوه وما أفتوا به عندما يُسألون، «لأنّ العالِم لا يستطيع أن يستوعب ذلك كلّه»([145]).
بقاء الرّأي بالاستصحاب في عُرف المتشرّعة
أشكل المانعون من تقليد الميّت بعدم جريان قاعدة الاستصحاب، فرأي المجتهد عرفاً متقوّم بحياته، والميّت لا رأي له. والرّد عليهم أنّ العُرف هنا مُنصرف إلى عُرف المسلمين المطّلعين على تعاليم الدّين عبر مختلف القرون، والّذين لا يعتبرون الموت انعداماً للميّت أبداً، وبالتّالي فروحه ورأيه باقيان. إنّ الإشكالات المطروحة على جريان هذا الاستصحاب لا يمكنها أن تشكّل مانعاً دون جريانه والقول بجواز تقليد الميّت، فضلاً عمّا أشرنا إليه من قيام آخر معتبر غير الاستصحاب وهو «الارتكاز العقلائي» وأنّ اشتراط الحياة في جواز تقليد المجتهد يفتقر إلى دليلٍ معتبر.
أمّا بالنّسبة إلى الاحتجاج بسيرة العقلاء، فإنّ «العوامّ إذا نزل بهم أمرٌ فإنّهم يرجعون إلى أقرب النّاس إليهم وهم الأحياء، أيْ لأنّ الحيّ هو الفرد المتحقّق في الخارج دون أن يكون هناك مانعٌ من الرّجوع إلى آراء الموتى. والموتى إنّما يرجع إليهم من خلال مطالعة مؤلّفاتهم، وهي لا يمكن أن تكون متوفّرة في العادة عند كلّ أحد، بل عند من يهتمّ بمثل هذه الدّراسات، وإلّا فالسّيرة لا تمنع من الرّجوع إلى مؤلّفاتهم، كما أنّهم يرجعون إلى مؤلّفات الأحياء لمعرفة الحكم»([146]).
تقليد الميّت بين الأصوليّين والأخباريّين
يرى عدد الأخباريّين أنّ قولهم بتقليد الميت ابتداءً إنّما هو «بناءً على مسلكهم من إنكار مشروعيّة التّقليد بالكليّة، وأنّ رجوع العامّي إلى المجتهد إنّما هو من باب الرّجوع إلى رواة الحديث (…) فالمفتي ينقل الرّواية، لا أنّه يفتي حقيقة حسب رأيه ونظره»([147])، ولكنّ هذه الدّعوى غير صحيحة، فالاجتهاد ـ كما قال غير واحدٍ من المحقّقين والباحثين ـ موجودٌ منذ عصر الأئمّة، مستدلّين بما رواه ابن إدريس عن أبي عبد اللّه(ع) قال: «إنمّا علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرّعوا»([148])، دون أن يغفلوا الإشارة إلى تفاوت التّفريع والاجتهاد صعوبةً لتفاوت نطاقه حسب مرور الزّمن([149])، فيما أكّد السيّد صادق الشيرازيّ «أنّ علم الاُصول بواقعه كان موجوداً في عصور الائمّة الأطهار(ع)، وعدم وجوده بهذا الاُسلوب الحديث، وبهذه الكيفية الخاصّة في ذاك الزمان لا يكون سبباً لعدم لزوم معرفته، نظير علم الفقه، وعلم الحديث اللّذين لم يكونا في تلك العصور بهذه الكيفيّة، وبهذا الاُسلوب اللّذين هما عليهما الآن، ولا يقدح ذلك في ضرورة مراجعة نفس هذا الفقه، ونفس هذا الحديث الموجودين الآن»([150]).
وإلى تلك الفروقات أشار الفقيه الأخباريّ الشيخ يوسف البحرانيّ من جهة صعوبة الاجتهاد بعد عصر النصّ دون إنكار أصل الاجتهاد، حيث قال: «والتّحقيق في ذلك هو التّفصيل، والفرق بين وقتهم (صلوات الله عليهم) وبين مثل زماننا هذا، فإن الأوّل يكفي فيه مجرّد سماع الرواية منهم(ع) مشافهة أو بواسطة، وعلى هذا كان عمل أصحابهم في زمانهم، كما لا يخفى على المتتبّع. وأمّا في مثل زماننا من حيث اختلاف الأخبار الواصلة إلينا في زماننا مختلفة مع اشتباه الدّلالات بقيام الاحتمالات وفقد قرائن المقامات، فلا بدّ من معرفة ما يتوقف عليه فهم المعنى من العلوم المقرّرة، ومعرفة ما يتوقف عليه من الكتاب العزيز، ومعرفة القواعد المقرّرة، والضّوابط المعتبرة المأثورة عنهم(ع)، سيّما في الجمع بين مختلفات الأخبار ونحو ذلك، كما لا يخفى على مَن جاسَ خلال تلك الدّيار »([151]).
ولقد أجاد الشّيخ باقر بن أحمد بن خلف آل عصفور البحرانيّ(1399هـ) في بيان وجهة نظر المدرسة الأخباريّة في هذه النّقطة، قائلاً: «تخيّل بعض الأصوليّين من تنظير بعض الأخباريّين الفتوى بالرّواية وقوله: (إنّ الفتوى لا تبطل بموت المفتي، كما أنّ الرّواية لا تبطل بموت الرّاوي) أنّ الأخباريّين يزعمون أنّ فتاواهم ليست إلّا مضمون الرّواية، ولذلك لا تبطل الفتوى بموت المفتي، كما لا تبطل الرّواية لأنّها الرّواية نفسها، إلّا أنّ هذا الخيال خلاف الحسّ، فإنّ كتب المحدّثين الاستدلاليّة كتب استدلالٍ واستنباطٍ، ويعتبرون أنفسهم مُفتين ومُستنبِطين»([152]).
إذن، النّزاع في مسألة الاجتهاد بين الأصوليّين والأخباريّين ـ كما أكّد كثيرٌ من المحقّقين ـ نزاع لفظيّ راجع إلى تسمية ذلك اجتهاداً أو تحصيلاً للحجّة، فما يقول به الأصوليّ لا ينكره الأخباريّ، «إنّما هو ينكر الاجتهاد في نفس الأحكام الشرعيّة، بمعنى العمل بالاستنباطات الظّنيّة والاستحسانات»، وما ينكره الأخباريّ لا يقول به الأصوليّ من الخاصّة، بل يقول به الأصوليّ من علماء العامّة([153]).
في مقابل تلك النّظرة الأخباريّة لتقليد الميّت، نظّر بعض الأصوليّين لمسألة عدم حجيّة قول الميّت بشكل مُغرِق في التّعقيد بعيداً عن عرفيّة المسألة عقلائيّاً، فتحدّث عن أنّ الرّأي إنّما يتقوّم بالنّفس النّاطقة الباقية فإذا مات سقط رأيه، أو أنّ الفقيه إذا مات قد ينكشف له في عالم الشّهود خطأ المستند الّذي عوّل عليه، وبالتّالي تكون مخالفة للواقع فتسقط عن الحجيّة، إلى آخرها من تنظيرات فلسفيّة بعيدة عن الدّليل الشرعيّ والمرتكزات العقلائيّة المحكومة إلى هذه النّشأة، مُتناسين أنّ الظّاهر من الإرجاع إلى الفقيه هو الإرجاع إلى فقهه والأخذ برأيه، لا الإرجاع إلى شخصه الموصوف بالفقاهة بما يطرأ عليه من مرضٍ أو جنونٍ أو نسيانٍ أو انحرافٍ أو موتٍ.
بين ثبات الآراء والتّقليد الخفيّ للأموات
قد يحتجّ المانعون من تقليد الميّت بأنّ المجتهد الحيّ يمكنه تجديد النّظر في الأدلّة الشرعيّة بخلاف الميّت، ولكنّ هذا لا ينفي حجيّة قول المجتهد الّذي صدر عن وعيٍ وإدراك بعد البحث في الأدلّة الشرعيّة، إضافة إلى أنّ كثيراً من الفقهاء الأحياء لا يُعرف لهم عدولٌ عن فتاواهم أصلاً، «فإذا لم يعلم عدوله (أيْ المجتهد الميّت) فما الّذي يمنع الحكم ببقائه عمّا أفتى به إلى أن مات، كما ساغ الحكم ببقاء الحيّ على اختياره حتّى يعلم عدوله»([154]).
كذلك فإنّ كلّ الفقهاء بمَن فيهم المجتهدون الأصوليّون المانعون من تقليد الميّت ابتداءً يقلّدون الأموات فعلاً تقليداً بيّناً في طريقة الاستدلال والبحث، وحتّى في الرّأي الفقهيّ، وهو أمرٌ لا يسع إنكاره لمن اطّلع على البحوث الفقهيّة. وقد دفعت تلك الحالة الشّيخ يوسف البحرانيّ إلى أن ينعى على مَن يحرّم تقليد الميّت وهو يرجع لكتب الأموات، إذ يقول منتقداً المتأخّرين: «فصاروا إذا أوردت أحدهم القضية هيّأ لها حشواً من المقال، وأردف الجواب عاجلاً بالسّؤال من غير معرفة بالصّواب أو الضّلال، والمتورّع منهم الفاضل بزعمه بين العباد إذا أوردت عليه مسألة هيأ لها شرح اللمعة، أو المسالك، أو أحد شروح الإرشاد، واعتمد الجواب منها، من غير علم بابتنائه على صحةٍ أو فسادٍ، (آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّٰهِ تَفْتَرُونَ)([155])؟ هذا مع أنّ أصحاب تلك الكتب متّفقون على المنع من تقليد الأموات كما صرحوا به في كتبهم الأصوليّة والفروعية من مختصرات ومطوّلات!»([156]). ومن جانبٍ آخر، إنّ كثيراً من الفقهاء يجيزون البقاء على تقليد الميّت، فكيف ساغ تقليد الميّت برخصة الحيّ وحرُم تقليده بغيرها، إنْ كان قول الميّت ساقطاً عن الحجيّة، كما يدّعون؟!
تحريم تقليد الأموات بإجماع الأموات
ممّا يثير العجب أنّ أحد أدلّة المانعين من تقليد الميّت هو الاعتماد على إجماع قول الأموات على حرمة تقليد الميّت! والأعجب منه أنّ المانعين يرون أنّ أقوال الأموات في هذه المسألة حائزة على الحجيّة، ويصحّ الرّكون إليها، إلّا أنّ أقوالهم في بقيّة المسائل لا يصحّ الرّكون إليها لافتقادها الحجيّة بسبب الموت!
ومن هذه النّقطة انتقد الشيخ أحمد بن عبد الرّضا آل حرز البحرانيّ دعوى الإجماع على عدم اعتبار قول الميّت، إذ «إنّ طريق إجماعات الشّيعة المحصّلة والمنقولة في كلّ بابٍ إنّما هو تتبّع فتاوى الأموات، وإنْ شقّ عليك تسليمه فضُمَّ إليهم الأحياء. وعلى كلّ حالٍ فلم يسقط اعتبار قولهم حتّى يصحّ انعقاد الإجماع على خلافهم، وإلّا لزم الإجماع، وحصوله في كلّ عصرٍ، وهو مقتضٍ لتعدّد قول المعصوم في المسألة الواحدة إلى ما لا نهاية، لأنّ الإجماع إنّما كان حجّة عند الشّيعة لدخول المعصوم في جملة القائلين، أو لكشفه عن قوله، وذلك باطلٌ بالضّرورة، فما هذه الحجّة إلّا كأنّها مفرّعة عن مخالفينا الّذين يعرّفون الإجماع باجتماع أهل الحلّ والعقد»([157]).
معلومٌ أنّ المجتهدين لا يستطيعون تجاوز أقوال الأموات، ولذلك تراهم ـ في كلّ العلوم ذات الصّلة بالعمليّة الاجتهاديّة ـ يبحثون عن أقوال مَنْ سبقهم في كلّ مسألة، ثمّ يقومون بالتّرجيح بينها، وقلّما تراهم يذكرون رأي مجتهدٍ معاصرٍ لهم. إنّ الاعتبار العقلائيّ ـ كما تقدّم بيانه ـ لا يُسقِط الرّأي العلميّ للأموات في مختلف المعارف، ولذلك تجد أنّ الدّورات الأصوليّة والفقهيّة والرّجاليّة لأكابر علمائنا الماضين لا تزال تطبع مراراً وتكراراً.
وعليه فلا قيمة عقلائيّة للإجماع المدّعى لكونه إجماعاً مدركيّاً لا اعتبار له عند الإماميّة في مقام الاستدلال، فالاعتبار إنّما هو للمدرَك أو المستنَد الّذي تمّ الاعتماد عليه، وقد شنّع الشّيخ محمّد جواد مغنية كثيراً على دعاوى الإجماع قائلاً: «لم أرَ شيئاً كثر مدّعوه، والمشتبّثون به مثل الإجماع، حتّى أصبح التمسّك به فوضى، أو شبيهاً بالفوضى، فكلّ مَن أعوزه الدّليل يلتجئ إلى الإجماع»([158]). فضلاً أنّ هناك كثيراً من المخالفين لذلك القول لدى جمهرة كبيرة من الفقهاء الأخباريّين والأصوليّين، مع اشتهار عمل القدماء بقول المجتهد بلا فرقٍ بين الحيّ والميّت، فأيّ إجماع يُدّعى بعد ذلك، وعلى المدّعي إثبات خلاف ذلك.
تقليد الميّت مسألة عقّدتها الفلسفة
يؤكّد السيّد فضل الله أنّ المتأخرين من الفقهاء منعوا من تقليد الميّت تأثراً «بالجانب الفلسفيّ المعقّد الّذي إذا واجهناه لا نملك إلّا النّظر إليه بإشفاقٍ، لافتقار استدلالاتهم للأساليب العلميّة في المناقشة، إذ إنّهم دأبوا على التّساؤل: هل إنّ الميّت له رأيٌ أو ليس له رأيٌ؟ وهل أنّ ذهاب الحياة يجعله بعيداً عن مسألة الرّأي؟ (…) لأنّ رأي المجتهد إنّما هو رأيه عند اجتهاده، لا رأيه في حركة وعيه الشّعوريّ والإحساسيّ والعقليّ»([159]).
وفي الجوّ ذاته، يتّهم الشيخ عبد الهادي الفضليّ كتب الفقه الاستدلاليّة بتعقيد المسألة واعتمادها معطيات الفلسفةـ قائلاً: «وعند قيام السّيرة، لا أرانا بحاجة إلى أن نعتمد معطيات الفلسفة، كما جاء في بعض كتب الفقه الاستدلاليّة، لأنّ التّشريع اعتبار أمره بيد معتبره»([160]).
هل إنّ تقليد الميّت يجمّد التطوّر الفقهيّ؟
قد يُقال إنّ فتح المجال لتقليد الأموات قد يؤدّي إلى تجميد التّطوّر الفقهيّ، إذ لا حافز للأحياء للاجتهاد، لأنّهم لا يجدون في أنفسهم حاجة اجتماعيّة للنّاس في اجتهادهم، ولكنّ هذا الرّأي ليس صحيحاً، لأنّ حافز البحث فطريّ ينطلق من الرّغبة في الكمال، وحجيّة رأي الميّت لا تعني تعيّنه، فرجوع النّاس إلى شخص لا يعطّل فرص الآخرين، والمسألة لا تغلق باب الاجتهاد، فهناك الكثير من المسائل المستجدّة الّتي لم يبحثها القدماء، كما أنّ هناك فرصاً لإعادة النّظر في أدلّة المسائل المطروحة للخروج باجتهادات جديدة([161]).
كما أنّه «لا تلازم بين تقليد الميّت والتحجّر، إذ قد يكون هناك رأيٌ ضعيفٌ لفقيهٍ حيّ، كما قد يوجد رأيٌ وجيهٌ ومعتبرٌ لفقيهٍ ميّت، فهناك أموات تمتّعوا بفكر سديد، ونظر لطيف، وسليقة سليمة، لا يتمتّع بها من لوّث ذهنه بمطالب الأصول الحديثة الّتي لا تسمن ولا تغني من جوع، إن لم نقل إنّها تضرّ، وما أكثر الشواهد»، بل إنّ «القول بوجوب تقليد الحيّ هو عين التحجّر، لما فيه من غلق الباب عن الانتفاع بآراء ووجوه أقوال الفقهاء الميّتين، ونحن نرى في هذا العصر أنّ هناك الكثيرين من العلماء في مجالات العلوم المختلفة يرجعون إلى بعض الأفكار والمناهج الّتي ذكرها القدماء»([162]).
4ـ التّبعيض في التّقليد
التّبعيض بين التشدّد وأزمة الاحتياطات
التّبعيض بين الفتاوى أو التّقليد الجزئيّ يعني تقليد المكلَّف فقيهين أو أكثر، وحيث يجوز التّخيير في التّقليد بين المجتهدين ـ كما سلف ذكره ـ يجوز التّبعيض في الفتاوى بأن يختار العامّيّ الفتوى من بين أكثر من مجتهد. وللأسف فإنّ قضيّة التّبعيض أخذت ـ إلى جانب قضيّة الأعلميّة وشرط الحياة ـ جانباً من التشدّد في الكتب الفقهيّة، خلافاً لما عليه سيرة المتشرّعة.
ومن هنا أطلق الشيخ حسن الصّفّار مؤخّراً دعوة إلى تسهيل الأحكام، وفتح أبواب الرّخص الشرعيّة للنّاس، انطلاقاً من أنّ الشريعة قائمة على اليّسر، مستشهداً بعدد من مواقف السّيرة النبويّة في رفع الحرج ويُسْر الدّين، فقد كان النبي (ص) يقول للناس في الحجّ عندما يسألونه في بعض أخطائهم « لا حَرَجَ»، أو أنّ صلاته ـ كما يروي أنس بن مالك ـ كانت خفيفة، وأنه يخفّفها إنْ سمع بكاء صبيّ كي لا تفتتن أمّه([163]).
وذكر الشيخ الصّفّار أنّ الكتب الفقهيّة القديمة تقلّ فيها الاحتياطات، مبيّناً أنّ مصطلح الاحتياط الوجوبيّ لم يظهر في الكتب والفتاوى إلّا مؤخّراً، وفاقاً لما ذكره بعض الباحثين من أنّ المصطلح ظهر لدى الأصوليّين في القرنين الأخيرين تأثراً منهم بالمنهج الأخباريّ في الاستدلال، وإنْ اختلفوا معهم نظريّاً([164])، وقد دفعت كثرة الاحتياطات غير واحدٍ من الأعلام إلى الاعتراف بأنّ كثرة احتياطات المرجع دليل الضّعف العلميّ وعدم وضوح المباني لديه، أو فقدانه الجرأة لمخالفة المشهورات المتأخرة.
وبالعودة إلى التّبعيض فإنّه ليس كالاحتياط الوجوبيّ، إذ الاحتياط الوجوبيّ يعطي منافذ محدودة، ولا يحلّ كثيراً من القضايا الّتي تحتاج الرّجوع إلى آراء فقهاء آخرين، فضلاً عن التّضييق فيه على المكلّفين باشتراط الرّجوع إلى الأعلم فالأعلم، بينما التّبعيض فيه منفذ شرعيّ للمكلّفين، وهو يحتاج لمزيد من البيان.
أشكال التّبعيض بين فتاوى الفقهاء
إنّ للتّبعيض بين فتاوى الفقهاء عدّة صور اختلف في مشروعيّتها المختصّون، وهي:
(1) أنّ يبعّض المكلّف في الأبواب الفقهيّة كأن يقلّد فقيهاً في باب المعاملات وآخر في باب العبادات، وهذا وجهٌ تؤيّده السّيرة العقلائيّة وإطلاقات النّصوص، وعلى هذا الرّأي كثيرٌ من الفقهاء، خاصّة مع شرط التّساوي في الأعلميّة.
(2) أن يبعّض المكلّف في المسائل المترابطة، فيقلّد في الصّلاة فقيهاً يُوجب الإقامة ولا يوجب السورة، ويقلّد آخر يُسقط الإقامة ويُوجب السّورة، فيصلّي بلا إقامة وبلا سورة، وقد رفض بعض الفقهاء ذلك باعتبار أنّه إذا بطل جزء في مركّب فستبطل بقيّة الأجزاء تبعاً لبطلان الجزء السابق، ولكن الصّحيح أنّ هذا النّوع من التّبعيض تؤيّده السّيرة العقلائيّة وإطلاقات النّصوص أيضاً.
(3) أن يبعّض المكلّف في المسألة الواحدة في عمل واحد وفي مكان وزمان مخنلفين، وفيه حالتان:
- أن يصوم مثلاً غرّة شهر رمضان بتعدّد الآفاق ويفطر بقول الفلكيّ في السّنة نفسها أو يقوم بالعكس، فإن استلزم ذلك وقوع المخالفة بصيام 28 يوماً أو 31 يوماً فإنّه لا أحد من الفقهاء يجيز هذا التّبعيض.
- أن يقلّد مثلاً مَن يرى طهارة الإنسان مرّة، ثمّ يقلّد مَن يرى نجاسته مرّة أخرى. وقد وقع في هذه الصّورة خلافٌ، بين مانعٍ بدعوى وقوع المخالفة القطعيّة وهم الأكثر، ومجيزٍ انطلاقاً من أنّ احتمال مطابقة الواقع في الرّأيين متساوٍ. وعلى تجويز هذا الوجه مع عدم المخالفة القطعيّة عدّة من أعلام الطائفة، كالعلّامة، والمحقّق الكركيّ، والشّهيد الثّاني وجملة من معلّقي «العروة الوثقى»([165]).
أمّا بالنّسبة إلى العدول فهو نحْوٌ ومصداقٌ من أنحاء التّبعيض، ولكنّهم يقصدون به الرّجوع عن رأي الفقيه بنحوٍ كامل إلى فقيه آخر جامعٍ للشّرائط، دون نيّة الرّجوع للرّأي الأوّل.
سيرة المتشرّعة لم تلتزم بمجتهدٍ أوحد
مقتضى الدّليل الاجتهاديّ التّخيير بين أقوال المجتهدين مطلقاً ـ في الصّورتين الأوليين على الأقل ـ حتّى في صورة إمكان الأخذ بأحوط الأقوال، ولا قائل بين القدماء ولا بين الطّبقة الوسطى بوجوب الأخذ بالاحتياط عند اختلاف المفتين الّذين قد لا يتّفقون في المسائل. يضاف إلى ذلك أنّ سيرة المتشرّعة لم تلتزم منذ أيّام الأئمّة(ع) برأي مفتٍ معيّن، إذ كان المكلّف يلتزم برأي أكثر من مجتهد طالما كان الرّجوع إليهم جائزاً في الجُملة، كما أنّ سيرة العقلاء قائمة على التّخيير في الرّجوع لآحاد الخبراء حال العلم الإجمالي باختلافهم أو الرّجوع في العلم التّفصيليّ للأوثق عندهم([166])، فـ «الواقع في الخارج تفكيك العقلاء في رجوعهم إلى الخبراء، فيأخذون من بعضهم رأياً، ومن الآخرين رأياً آخر، ولو في عملٍ واحدٍ ذي أجزاء وشرائط، ولم يثبت الرّدع عنه»([167]). ولكنّ الفقهاء لاحقاً تشدّدوا في المسألة لعناوين ثانويّة كالتحرّز من الفوضى المؤدّية إلى الخلل في العلاقة بين المرجع ومقلِّديه، أو إلى احتمال الوقوع في المخالفة القطعيّة في بعض الحالات.
وفي هذا الصّدد يرى الشيخ محمّد مهدي شمس الدّين أنّ «الخلفيّة الشيعيّة الإماميّة في هذه الفتوى ـ أو هي ليست فتوى، وإنّما سلوك ـ هي خلفية كلاميّة»([168])، تأثر فيها الشيعة بمفهوم الإمامة الواحدة. مؤكّداً أنّ «هذه الأحاديّة الشاملة لا يوجد لها أساسٌ فيما أرى في الفقه الإسلاميّ، وحتّى في الفكر الإسلاميّ، وحتّى في التّطبيق التّاريخيّ للمرجعيّة الأحاديّة أيضاً لم تكن صارمة وحادّة ومركزيّة بالشّكل الّذي صارت عليه منذ قرن أو قرن ونصف». ويضيف شمس الدّين «ليس هناك أيّ دليل شرعيّ على وجوب حصر الفتوى في شخصٍ واحدٍ، بل يمكن التّعدديّة، بحيث يتمكّن الشخص العاديّ من تقليد أكثر من شخص، في باب العبادات والفقه والمعاملات والتّنظيم وغيرها»([169]).
التّبعيض تيسيرٌ على المكلّفين ومخرجٌ للأزمات
يُشكِلُ البعضُ بأنّ في التّبعيض تتبّعاً للرّخص وهو خلاف التّقوى، وهذا الإشكال ورادٌ وفق الثّقافة الدّينية السّائدة الميّالة للتّحريم والاحتياط. إنّ تتبع الرّخص ليس أمراً سيّئاً بالضّرورة، بل قد يمثّل مخارج لأزمات اجتماعيّة أو قانونيّة، ولكنّ على المكلّف التنبّه إلى أنّ بعض الرّخص تتنافى وفلسفة التشريع الإسلاميّ، وهو ما يدركه صاحب الفطرة السّليمة.
إنّ التّبعيض يمثّل منفذاً شرعيّاً في حالات الاضطرار كما في الحجّ، حيث لا يجد العلماء حرجاً في إرجاع المكلّفين لآراء فقهاء آخرين كما في حالة الإشكال على يوم الوقوف بعرفة خلافاً لمبنى المجتهد([170])، أو في حالة عدم معرفة المرشدين في الحجّ بآراء المجتهد الّذي يرجع إليه المكلّف([171])، كما قد يكون التّبعيض حلّاً لبعض القضايا الاجتماعيّة الشّائكة الّتي يترتّب عليها انهيار أسريّ كما في حالة زواج اللائط بأخت الصّغير الملوط به، حيث ذهب بعضهم إلى عدم انتشار الحرمة إذا كان اللائط جاهلاً بسببيّة اللواط لتحريم أخت الملوط به عليه([172]).
كما يمكن أن يُسهم التّبعيض إلى رأي فقهيّ واحد في تخفيف تأثير الاختلاف في مسألة الهلال في البلد الواحد أو في الأسرة الواحدة، حيث يجد المكلّفون أنّ اختلافهم في يوم العيد على يومين أو ثلاثة أمرٌ غير مستحسن، وهذا ما صرّح به الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، إذ رأى أنّ الاختلاف في شأن هلال شوّال مؤسفٌ في السنوات الأخيرة، «حيث بدّل أجواء العيد الجميلة إلى مرارة (…) في حين أنّ الإسلام دين التوحيد في جميع المجالات، ولا موجب لكلّ هذه الاختلافات رغم اختلاف الفتاوى»([173])، مقترحاً تشكيل مجلس شورى لمسألة الهلال من الخبراء في هذا الفنّ ونوّاب مراجع الدّين يكون معياره رأي الأكثريّة، «لأنّ أغلب الناس يحصل لديهم اطمئنان أكثر بهذه الصّورة»، بما يعني دعوة صريحة للتّبعيض في شأن الهلال.
وفي هذا الملفّ فإنّه عند تتبّع الخطّ التّاريخيّ لحركة الاجتهاد فإنّنا نجد أنّها اتّجهت غالباً إلى تطبيق النّظريّة الإسلاميّة للحياة في المجال الفرديّ على حساب المجال الاجتماعيّ رغم ما يتطلّبه المجال الثّاني من تنظيرٍ للعلاقات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة. وقد يكون مبرّر التّركيز على الجانب الفرديّ هو العزل السّياسيّ الّذي عاشه الشّيعة، ولكنّهم مع دخول تجربة الدّولة باتوا بحاجة إلى التّركيز على الجوانب التّطبيقيّة الاجتماعيّة، وهنا فإنّ فقه الدّولة بحاجة إلى التّخلّص من النّظرة الفرديّة، والاستجابة لمقتضيات مشروع الدّولة، ما يعني أنّ التّبعيض بين الفتاوى الفقهيّة هو الأوفق لهذه الحالة، حيث يختار المشرّعون من بين الآراء الرّأي الأقرب إلى روح الشّريعة انطلاقاً من البُعد الاجتماعيّ، لا البُعد الفرديّ. ومن هنا أكّد الإمام الخمينيّ أنّ «طبيعة الثّورة والنّظام تقتضي دائماً أن تُعرَض الآراء الاجتهاديّة الفقهيّة في كافّة المجالات، وإن كانت متباينة، بصورةٍ حرّةٍ، ولا يحقّ لأحدٍ وليس بوسعه أن يحول دون ذلك. ولكنّ المهمّ هو المعرفة الصحيحة للحكومة والمجتمع الّتي تؤهّل النّظام الإسلاميّ للتّخطيط والبرمجة في ضوء ذلك بما يصبّ لصالح المسلمين. لأنّ وحدة الرّؤية والعمل أمر ضروريّ»([174]).
الاستدلال بالاستماع لأحسن الأقوال والسّيرة
يُستدَلّ على جواز التّبعيض بالقاعدة القرآنية المستفادة من آية «الّذين يستمعون القول فيّتبعون أحسنَهُ» (الزمر: 18)، وهي تتّسع لتشمل كلّ معرفة إنسانيّة ودينيّة بما فيها الفتاوى الفقهيّة، وهي تدلّ صراحةً على أنّ التقليد ليس اتّباعاً أعمى، بل هو اتّباع علی أساس دليلٍ يكون مقنعاً ومقبولاً لدى مَنْ يستمع القول فيتّبع أحسنه، ومن الواضح أنّ الاتّباع للأحسن يشمل الفتاوى الفقهيّة.
وثمّة استدلال آخر، يستفاد من السّيرة العقلائيّة، إذ إنّ العقلاء عندما يراجعون ذوي الاختصاص في حقولهم المعرفيّة فإنّهم لا يتبعونهم اتّباعاً أعمى من دون أيّ نقد ولا اعتراض، بل قد ينتقدون أفكارهم أو أعمالهم عندما يجدونها غير مقنعة ولا مقبولة لديهم، أو يشكّكون فيها على الأقل، ومن الواضح أنّ هذه السّيرة هي الحاكمة.
التّبعيض مختار كثير من الفقهاء
هذه المسألة لم تكن محرّرة عند القدماء لكونهم يعتمدون إطلاقات النّصوص الّتي تخيّرهم بين أيّ مجتهد شاؤوا، أمّا المجتهدون المتأخّرون والفقهاء المعاصرون فقد صرّح عددٌ منهم بمشروعيّة التبعيض، كالشيخ محمد مهدي الكجوريّ الشيرازي(1293هـ)([175])، والشّيخ عبد اللطيف بن الشيخ نور الدّين بن عليّ الشّيخ شهاب الدّين أحمد الجامعيّ (القرن 13هـ)([176])، والشيخ زين العابدين بن مسلم المازندرانيّ الحائريّ(1309هـ)([177])، والشّهيد الشّيخ مرتضى المطهّريّ(1399هـ)([178])، والسيّد رضا الصّدر(1415هـ)([179])، والشيخ محمّد أمين زين الدين(1419هـ)([180])، والسّيّد محمّد الحسينيّ الشيرازيّ(1422هـ)([181])، والشيخ محمّد مهدي شمس الدّين(1421هــ)([182])، والسّيّد محمّد حسين فضل الله(1431هـ)([183])، والشّيخ عبد الهادي الفضليّ(1434هـ)([184])، والسيّد محمّد علي الطّباطبائيّ الحسنيّ(1438هـ)([185])، والشيخ محمد المؤمن القمّيّ(1440هـ)([186])، والشيخ محمّد إبراهيم الجنّاتيّ([187])، والشّيخ محمّد حسين النّجفيّ الباكستانيّ([188])، والسيّد عليّ الخامنئيّ([189])، والسيّد محمّد تقي المدرسيّ([190])، والسيّد محمّد مهدي الطّباطبائيّ([191])، بل أجازه أغلب مَنْ يشترطون الأعلميّة في حالة تساوي المجتهدين، أو عدم حصول الظّنّ بأعلميّة أحد مِن بين مَنْ تدور حولهم شُبهة الأعلميّة، على تفصيلٍ بينهم، من أمثال السّيّد محمود الهاشميّ الشاهروديّ، والسيّد علي السّيستانيّ، والسيّد صادق الحسينيّ الشيرازيّ، والشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، والشيخ محمد فاضل اللنكرانيّ.
ما رأي السيّد فضل الله في التّبعيض بالتّفصيل؟
أجاب السيّد فضل الله عن سؤال وُجّه إليه عن التّبعيض بالقول «جائز على رأينا، وللمكلّف أن يعمل بالتّبعيض، سواء كان ذلك على الاختيار من دون مقارنة أو مع مقارنة من خلال ما يملك من معرفة، ولكن ذلك ليس هو الأساس لأنّه لا يقدّم ولا يؤخّر في المسألة شيئاً، ما دام يجوز التّبعيض في الأساس، نعم يشترط في التّبعيض أمران: أن لا يلزم منه الوقوع في المخالفة القطعيّة، وأن لا يلزم منه اللّعب بأحكام المولى لئلا يقع الهرج والمرج»([192]). وعند مراجعة بقيّة فتاوى السيّد بالمسألة نجده يفصّل في المسألة، فيجيز التّبعيض بين المجتهد الميّت والمجتهد الحيّ، ويتحفّظ فيه إن كان بين مرجعين حيّين ويقيّد ذلك مرّة بالاضطرار والحرج([193])، وأخرى بعدم اتّباع هوى النّفس والمزاج الشّخصيّ([194])، وثالثة بالاحتياط الوجوبيّ([195]).
إنّ تقييد التّبعيض بالاضطرار غير دقيق، إذ إنّ الاضطرار يضع التّكليف عن كاهل المكلّف من الأساس بلا خلاف بين الفقهاء، انطلاقاً من قوله تعالى: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»([196]). أمّا تقييد التّبعيض بالحَرَج فقد اكتفى السيّد فضل الله بكونه عرفيّاً، أي أنّ تحديد درجة ذلك الحرج بيد المكلّف، وأمّا شرط عدم التّشهّي ففرضٌ نادرٌ، وليس منه سعْي المكلّفين إلى التّيسير على أنفسهم، بل هو أخذٌ بالرّخص الشرعيّة. وأخيراً فإنّ قيد «الاحتياط الوجوبيّ» الوارد ببعض الإجابات يعطي مندوحة للمكلّف بالرّجوع إلى غير السيّد من الفقهاء.
ومع قول السيّد فضل الله بالتّبعيض إلّا أنّه تشدّد في مسألتي الهلال والتّدخين، فلم يجز الرّجوع إلى غيره فيهما([197])، وقد يفسّر ذلك بأنّ السيّد يقطع بمخالفة أيّ فتوىً أخرى للواقع، وهذا حقّه الّذي في ضوئه أفتى برأيه هذا، أمّا مقلّدوه ـ وَفق الصّناعة الفقهيّة ـ فإنْ قطعوا بصحّة رأيه في ذلك فهم ملزمون بفتواه، انطلاقاً من حجيّة القطع، وإن حصل لهم قطعٌ بالخلاف لم يجز لهم تقليده في المسألة، أمّا إن اطمأنّوا إلى رأي مجتهدٍ آخر فيجوز لهم التّبعيض إليه([198]).
هذا فضلاً عن أنّه يجوز لمقلّدي السيّد فضل الله ـ أو أيّ مجتهد آخر متوفّى ـ البقاء على تقليده كليّة أو العدول إلى غيره فيما شاؤوا من مسائل، فقد سُئل السيّد: هل يجوز التّبعيض بين فتواكم وفتاوى السيّد الخوئي رحمه الله؟ وما هي الموارد التي يجوز فيها التّبعيض؟ فأجاب: «لا مانع من ذلك في حال كنت مقلِّداً له قبل وفاته، فيجوز البقاء على تقليده أو العدول إلينا فيما شئت من المسائل»([199])، وأجاب على سؤال عن «جواز التّبعيض في العودة ببعض الأمور لمن كنّا نقلّده قبلكم؟» بالقول: «نعم، في البقاء على التّقليد يجوز»([200]). وأشار في موضع آخر إلى أنّه «إذا عدل المكلّف من مرجع إلى آخر، أو قلّد الحيّ بعد موت مرجعه، يحكم بصحّة الأعمال السّابقة الّتي صدرت منه، حتّى لو كانت مخالفة لرأي المرجع الجديد، بما في ذلك ما لو كان الاختلاف في ما يعتبر من نوع الشّروط الواقعيّة، وهي الّتي يبطل العمل بفقدانها، ولو في صورة الجهل والسّهو»([201]).
5ـ كلمة ختاميّة
كانت مسائل عقليّة، فلماذا وقع الخلاف؟
قد يُثار هنا إشكال أنّه إنْ كانت هناك بعض القضايا المتّصلة بمسألة التّقليد كوجوب التّقليد وتقليد الأعلم أو تقليد الميّت عقليّةً وعقلائيّةً فيفترض أن تكون واضحة ولا يقع فيها خلافٌ وجدلٌ بهذا الحجم؟ والجواب أنّ هناك قضايا عقليّة كثيرة جدّاً من هذا النّوع كانت مورداً لنزاع النّاس في كافّة العلوم لعدّة عوامل، منها تشابك العلوم وتداخلها، ومنها تسرّب النّزعة الفلسفيّة إليها. يُضاف إلى ذلك أنّ الخلاف في مسألة ليس دليلاً على عدم كونها عقليّة، والاتّفاق أيضاً ليس دليلاً على كونها عقليّة، إذ لا تحدّد هُويّة المسائل بهذه الطّريقة. وأمّا بشأن العودة إلى رأي المناطقة والفلاسفة في هكذا مسائل، فلا لكونهم أهل اختصاصٍ بحيث لا يصحّ لغيرهم إبداء رأيه في المسألة، وإنّما لأنّ القضيّة وقع فيها جدلٌ كبيرٌ، وفيها لُبس داخلَ بعض جوانبها، إذ القضيّة «من قبيل المسائل الفرعيّة لعدم وقوعها في طريق استنباط الأحكام لتكون من المسائل الأصوليّة»([202])، بل هي عقليّة عقلائيّة، فللمكلّف تكوين قناعة بشأنها، ولا يحقّ تشكيكه في قناعته بدعوى عدم الاختصاص.
هل مطلق الرّجوع لأيّ أحدٍ في التّقليد صحيحٌ شرعاً؟
بعد تأسيس الأصول الثّلاثة: عدم اعتبار شرط الأعلميّة، وجواز تقليد المجتهد الميّت، ومشروعيّة التّبعيض بين الفقهاء، يأتي السّؤال: هل يعني ذلك تصحيح الرّجوع إلى أيّ أحدٍ في التّقليد بشكل مطلق؟ وهل ثمّة إمكانيّة مثلاً لتقليد الفقهاء القدماء جدّاً، أو تقليد أيّ فقيه أخباريّ أو أيّ فقيه أصوليّ، أو تقليد فقيه انسداديّ أم لا بدّ أن يكون انفتاحيّاً؟!
إنّ تجويز الرّجوع في التّقليد منصرفٌ بدواً إلى مَن كان مختصّاً في الفقه والأصول والعلوم الضّرورية للعمليّة الاجتهاديّة وله القدرة على الاستنباط، لا إلى كلّ مدّعٍ للاجتهاد، سواءٌ كان المختصّ من القدماء أم المعاصرين، من الأخباريّين أم الأصوليّين، من الانسداديّين أم الانفتاحيّين، إذ إنّ إطلاقات الآيات والرّوايات قد أخذ فيها عناوين «أهل الذّكر» و«الفقه» و«الإفتاء» و«الفقيه» و«العالِم » ونحوها. ولا يمكن هنا ادّعاء أفضليّة المتأخّر على المتقدّم أو العكس، فالدّقة في الاستنباط قضيّة نسبيّة قد يتميّز فيها واحدٌ من القدماء دون المعاصر، والعكس صحيحٌ.
وَفق ما تقدّم، يصحّ الرّجوع في الفتوى لأيّ فقيه من فقهائنا السّابقين أو المعاصرين طالما تحقّق المكلّف من صحّة نسبة الرّأي العلميّ إليه، وكانت المسألة غير مستحدثة وإلاً لزم الرّجوع فيها إلى المتأخّرين. كما يصحّ الرّجوع للفقيه الأخباريّ إن كان عارفاً بموازين الأحكام الشرعيّة وكيفيّة الاستنباط، وله معرفة باللّغات المستعملة في الكتاب والسنّة وغير ذلك، «نظير الصّدوقين، والمجلسيّين، وأصحاب الحدائق، والوسائل وأمثالهم رحمهم الله (…) فلا شكّ في جواز تقليدهم والعمل بفتاواهم، وإن لم يعرفوا بعض التّدقيقات العقليّة والمباحث المعمّقة من أُصول الفقه»([203])، دون «العالم الأخباري الّذي يأخذ الوسائل وكتب الحديث ويفتي عليها بمجرّد عثوره على رواية من دون تحقيق في سندها، أو معارضتها لغيرها، أو مخالفتها للكتاب والسنّة وعدمها، أو مخالفتها للاجماع وعدمها، فمثل هذا الشخص لا يجوز تقليده، ولا يجوز لنفسه العمل برأيه وفتواه، لانّه آخذ ببعض ما ورد عن الائمّة الطاهرين تاركاً البعض الاخر الّذي أيضاً ورد عنهم»([204]).
كما يصحّ الرّجوع إلى الفقيه الانسداديّ أسوة بالفقيه الانفتاحيّ، فـ «الفرق بينهما فقط في الاعتقاد، ووجه حجّية هذه الاخبار لا أصل حجّيتها، فالمجتهد الانفتاحيّ يعمل بالاخبار المأثورة لكونها تورث العلم أو العلميّ، والانسداديّ يعمل بنفس هذه الاخبار المأثورة وهو يعتبرها غير مورثة للعلم أو العلميّ، ولكنّه يرى حجّيتها ووجوب العمل بها نفسها»([205]).
إذن: فلا يجب في مرجع التقليد «أن يكون أُصوليّاً بالمعنى المعمّق الّذي يراد به معرفة كلّ التدقيقات العقلية، كالمعنى الحرفيّ وبعض مباحث القطع والظنّ والشكّ، كما لا يكفي في مرجع التقليد أن يكون عالماً بروايات الوسائل ونحوه فقط من دون معرفة ولو بإجمالٍ عن مباحث الطّرق والأمارات والاُصول والتعارضات ونحوها». أمّا بخصوص العوامّ ممّن لا يميّزون فيقلّدون أيّاً من المجتهدين أخباريّين أم أصوليّين بلا فحصٍ، طالما اعتمدوا على تشخيص أهل الخبرة فإنّه لا إشكال في صحّة عملهم.
ألم يبصر الفقهاء كلّ تلك الأدلّة الواضحة؟
بعد كلّ ما سبق، يتكرّر السّؤال: كيف اشترط الفقهاء المتأخّرون الحياة والأعلميّة في الفقيه، ومنعوا التّقليد الابتدائيّ والتّبعيض؟ وهل غابت عن القسم الأكبر منهم الاستدلالات الواضحة؟ هذا سؤال ينطلق من نزعة ميّالة لتّقديس الأشخاص لا الحقيقة، فالاجتهاد عمليّة معرفيّة بشريّة تتأثر بالظروف المحيطة والاعتبارات النّفسيّة. وقد ذكر الشهيد الصّدر الثاني في معرض حديثه عن المفكّر القانونيّ ـ ومنه الفقيه ـ وصفاً دقيقاً، يقول فيه إنّ له مصالحة وارتباطاته وعلاقاته وموارده وغير ذلك، «وهو يودّ في كلّ ذلك ـ طبقاً لحبّ الخير لنفسه ـ أن ينجح في كلّ الحقول، وأن يتوفّق فيها أحسن توفيق، ويتقدّم على غيره من النّاس، مهما أمكن»([206])، وإذا كان ذا اتّجاهٍ ما فإنّه يكون ـ لا محالةَ ـ متحمّساً لذلك الاتّجاه، يودّ فوزه وسيطرته على الآخرين، ويرى اندحاره وخيبته كابوساً، ويدخل في تكوينه التّكوين النّفسيّ والاجتماعيّ الّذي يستحيل أن يعزلهما عن فكره وعن إدراكه للمصالح والمفاسد العامّة، مهما حاول اتّخاذ المسلك الموضوعيّ. كذلك فإنّ هناك تأثيراً قويّاً للاشعور والضّغوط على الفقيه. وهناك تأثير للزّمن، وللنّزعة الأصوليّة الحرفيّة، وتأثير للإعجاب بشخصيّة أستاذٍ قديرٍ، أو ضغط واقع معيّن من شهرة وإجماع، أو خوف من الخروج عن المألوف بفهم جديد للأدلّة إلى تبنّي نتائج تصطدم بما توصّل إليه المجتهد علميّاً.
وقد أشار العلّامة المجلسيّ إلى حالة الازدواجيّة الّتي يعيشها الفقهاء بين الأصول والفقه بقوله: «إنّ الفقهاء لمّا رجعوا إلى الفروع كأنّهم نسوا ما أسّسوه في الأصول، فادّعوا الإجماع في أكثر المسائل، سواء أظهر فيها الخلاف أم لا، وافق الرّوايات المنقولة أم لا»([207]). وفي السّياق ذاته، قال العلّامة الشيخ محمّد جواد مغنية إنّ الفقهاء «يستبعدون، ويستحسنون، ويعتبرون الشّهرة في الفتوى والإجماع مع العلم بالسّبب، أو يحتاطون، ويعارضون الدّليل بالأصل، وبقدر ما يكشف ذلك عن تقوىً فإنّه تشم منه رائحة التّقليد»([208]). ويشير أيضاً إلى أنّ «كلّ العلماء والفلاسفة معرّضون للخطأ مهما تجرّدوا ودقّقوا، فكم من عالمٍ متمكّن ومتثبّت حكم على الباطل بأنّه حقّ، وعلى الحقّ بأنّه باطل من حيث يظنّ العكس، ومن أجل هذا يحسب العالِم الرّاسخ دائماً حساب الخطأ المحتمل، ويقرّر أحكامه على سبيل التّقريب لا على سبيل اليقين»([209]).
من جانبه، يؤكّد الشيخ حيدر حبّ الله أنّ «درجة السخونة في الخلاف حول قضايا التّقليد يقبع خلفها في كثير من الأحيان خلافٌ آخر سلطويّ أو فكريّ أو عَقَديّ، وأنّ ما نجده من تجاذب حول قضيّة (من هو الأعلم؟) وإشغال الناس في كثير من الأحيان بهذه الأمور بدل إشغالها بأمور أخرى، إنّما يرجع إلى شيء أعمق، وهو تصحيح الانتماء السياسيّ أو السلطويّ أو الفكريّ أو العقديّ أو نحو ذلك، فالمرجعيّات الدّينيّة اليوم صارت أكثر تنوّعاً في ميولها الفكريّة من الماضي، فبينها المدرسيُّ وبينها السّياسيّ ـ على اختلاف الاتّجاهات السياسيّة ـ وبينها التّقليديّ وبينها التّجديديّ، إذا صحّ التعبير، فلم يعد مَنْ يُطرح للمرجعيّة منتمياً لتيّارات كلاسيكيّة محدودة، بل صارت المرجعيّة مسرحاً لأكثر من تيّار مُختلف عن الآخر اختلافاً كبيراً، والخلاف على مرجعيّتها وأعلميّتها هو في العمق خلافٌ على ميولها الفكريّة وتوجّهها الدّينيّ أو السّياسيّ أكثر من كونه خلافاً فقط على البُعد التّفصيليّ في قضيّة الأعلميّة»([210]).
مَن المسؤول عن تدجين أفكارنا وإثارة الصّراعات المرجعيّة؟
أمّا بالنّسبة إلينا ـ نحن المكلَّفين ـ فقد مررنا كلّنا بحالة الحماس لشخصيّة فكرية أو سياسيّة أو روحيّة، وتبنّينا أفكاراً ومفاهيم ومقولات ومعتقدات، ثمّ اكتشفنا خطأها في محطة لاحقة من حياتنا، وذلك يدعونا إلى مراجعة مواقفنا من الشخصيّات كافّة، لإعادة موضعتها في مكانها الصّحيح، وتصويب أفكارنا ومفاهيمنا ومقولاتنا ومعتقداتنا الماضية، عبر نقدها وغربلتها وتمحيصها باستمرار، كما يقول المفكّر الإسلاميّ الدّكتور عبد الجبّار الرّفاعيّ([211]).
إنّ المشايخ والمآتم والمجتمع بمؤسّساته كلّهم مسؤولون عن تدجين أفكارنا، وتنميطها باتّجاه معيّن، وعن بثّ الرّعب فينا بذكاء، وعن إدخالنا في صراعات مرجعيّة، في وقتٍ لم نكن لنجرؤ على أن نعبّر عن قناعاتنا، أو نبدي رأينا في المسائل المتّصلة بالتّقليد مثلاً، خشية الطّرد من مجتمعنا، أو لأنّنا سنحاط بسياج من التّشكيكات والاتّهامات بالجهل، كي نظلّ ضمن القطيع.
وفي النّهاية، نذكّر أنّ انكشاف الحقائق لدى السّاعين إليها مرهونٌ بعدم التعصّب، فالتّعصّب قبيحٌ، ولكنّه في البحث العلميّ أقبح، ومن هنا نوجّه دعوة إلى مَن انخرطوا في الصّراعات المرجعيّة كي يتّقوا الله سبحانه، وأن يطّلعوا أكثر على كتب الأساطين، وأن لا يصادروا قناعات النّاس المستندِة إلى الدّليل، وإلى أقوال علماء مشهودٍ لهم بالعلم والأهليّة.
6ـ الملحق
قائمة بالفقهاء المجيزين لتقليد الميّت ابتداءً
اختلفت أقوال فقهاء الإماميّة خاصّة المتأخّرين في مسألة تقليد المجتهد الميّت ابتداءً، ومع مناقشة المسألة والقول بالجواز فإنّه يجوز تبعاً لذلك البقاء على تقليد الميّت بلا إشكال. وقد نُقل أنّ كلّ الأخباريّين يجيزون تقليد المجتهد ابتداءً واستمراراً، ولا نعلم للآن صحّة ذلك الإطلاق، أمّا الأصوليّون فقد فرّقوا بين التّقليد الابتدائيّ والاستمراريّ فذهب أكثر المتأخّرين إلى منع الأوّل وجواز الثّاني. وسيقف المتتبّع لأقوالهم على عدّة آقوال في مسألة التّقليد الابتدائيّ: [1] جواز تقليد المجتهد الميّت فيما إذا خلا العصر من المجتهد، أو تعسّر حصوله، وفي هذا إقرارٌ بحجيّة قول الميّت بشكلٍ أو آخر، وصحّة الرّجوع إليه. [2] صحّة الرّجوع إلى رأي الميّت مطلقاً إن كان يفتي بنصوص الآيات والرّوايات، وإلّا فلا يجوز، وبغضّ النّظر عن تحفّظ الكثيرين على هذا الشّرط، إلّا أنّ القائل به يجيز الرّجوع إلى رأي الميّت ويرى حجيّته، في الجملة. [3] صحّة الرّجوع إلى رأي الميّت ـ ابتداءً وبقاءً ـ إن كان أعلم من الحيّ، وفي هذا الرّأي إقرارٌ بحجيّة قول الميّت وجواز الرّجوع إليه. [4] جواز تقليد المجتهد الميّت مطلقاً سواءٌ كان على مستوى البحث العلميّ، مع التردّد في الفتوى. [5] جواز تقليد المجتهد الميّت مطلقاً على مستوى البحث العلميّ والفتوى معاً. وهناك تفريعات كثيرة أخرى في هذا الباب أعرضنا عنها، إذ مع بقاء حجيّة الرّأي ـ كما سلف ـ لا مجال للحديث عن العوارض الطّارئة على المجتهد. وقد جعلنا الأقوال المنقولة هنا في أربع مجموعات:
المجموعة الأولى: المحدِّثون المجيزون لتقليد الميّت ابتداءً
المجموعة الثّانية: الأصوليّون المجيزون لتقليد الميت ابتداءً مع الخلوّ من المجتهد الحيّ أو تعسّر حصوله.
المجموعة الثّالثة: الأصوليّون المجيزون لتقليد الميت ابتداءً مطلقاً أو بشرط الأعلميّة.
المجموعة الرّابعة: الأصوليّون الّذين نظّروا لتقليد الميت ابتداءً، واحتاطوا فتوىً.
وسنقف الآن على نصوص كلماتهم أو النّسبة الّتي تمّت إليهم، وقد نقلنا تلك المعلومات من مظانّها ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، واعتمدنا على آخرين فيما لم نتمكّن من الوصول إليه، والعُهدة على النّاقل.
(1) المحدِّثون المجيزون لتقليد الميّت ابتداءً
- الشيخ ثقة الإسلام محمّد الكلينيّ(329هـ) بيّن في مقدّمة «الكافي» أنّ هدفه أن يكون كتابه مرجعاً دائماً في الشريعة، ما يعني قوله بمشروعيّة تقليد الميّت مطلقاً، حيث جاء فيها «وَقُلْتَ: إِنَّكَ تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ عِندَكَ كِتَابٌ كَافٍ يُجْمَعُ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ فُنُونِ عِلْمِ الدِّينِ، مَايَكْتَفِي بِهِ الْمُتَعَلِّمُ، وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ الْمُسْتَرْشِدُ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ مَنْ يُرِيدُ عِلْمَ الدِّينِ وَالْعَمَلَ بِهِ بِالْآثارِ الصَّحِيحَةِ عَنِ الصَّادِقِينَ(ع) وَالسُّنَنِ الْقَائِمَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْعَمَلُ (…) مع ما رجونا أن نكون مشاركين لكلّ من اقتبس منه، وعمل بما فيه في دهرنا هذا، وفي غابره إلى انقضاء الدّنيا»([212]).
- والد الشّيخ الصّدوق وهو الشّيخ عليّ بن الحسين القمّي(329هـ)([213]) ألّف كتاباً في الأحكام الشرعيّة، ودفعه إلى ولده ليعمل به، وهذا يعني جواز تقليد الميت بلا تقييدٍ زمنيّ، ولا تحديدٍ لمَن يرجع إليه منه أو من بنيه أو ممّن يحتاجه، ما يعني إقراراً بجواز التّقليد بلا فرقٍ بين الحياة والموت، ولا بين الابتداء والاستمرار.
- الشّيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ القمّيّ المشهور بـ «الصّدوق» (381هـ) ذكر في مقدّمة كتابه «مَن لا يحضره الفقيه» هدف تأليف الكتاب ليكون مرجعاً في الفتاوى، «ولم أقصد فيه قَصْد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته، وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربي»، ما يعني إقراراً بصحّة تقليد الميّت مطلقاً([214])، ومع تصريح ابن بابويه بجواز العمل بـ «مَن لا يحضره الفقيه» كان كثيراً ما ينقل فتاوى أبيه، وهو صريح في تجويزه العمل بفتاوى أبيه بعد موته، وإنكاره مكابرة([215]).
- الشّيخ محمّد محسن الفيض الكاشانيّ (1091هـ) يرى جواز تقليد الميت مطلقاً، معلّلاً سبب تأليف كتابه كي يكون «قانوناً يرجع إليه أهل المعرفة والهدى من الفرقة الناجية الإمامية، ودستوراً يعوّل عليه مَن يطلب النجاة في العقبى من شيعة العترة النبوية، ولا يحتاجوا معه إلى كتاب آخر، ولا يفتقروا بعده في استنباط المسائل والأحكام إلى كثير نظر، ويستريحوا من الاجتهادات الفاسدة والإجماعات الكاسدة والأصول الفقهية المختلقة والأنظار الوهميّة»([216]).
- المحدِّث السيّد نعمة الله الجزائريّ (1112هـ) ألف كتاباً اسمه «منبع الحياة وحجيّة قول المجتهد من الأموات» انتصاراً لجواز تقليد المجتهد الميّت، وقد جاء في مقدّمته «رأى نصُّ جماعةٍ منهم على أصلين من فروع الدين، وادّعوا عليها إجماع المسلمين، ويلزم منها الحرج والضّيق على جماهير الأنام، ويبطل بها عبادات كثيرٌ من الخواصّ وعامّة العوامّ، وهما قولهم: إنّ فتاوي المجتهد الميت ممّا لا يعوّل عليها، ولا يوقف لديها، ولا يُنتفَعُ بها إلّا في زمن حياته، ويحرُمُ القول بها بعد وفاته، والثّاني تصريحهم بأنّ الرعية صنفان: مجتهدٌ ومقلِّدٌ، إمّا مشافهة أو بواسطة العدل ومَن أخطأ الطّريقتين بطلت عباداته، وإنْ كانت على نهج الصواب»([217]).
- الشيخ يوسف آل عصفور البحرانيّ(1186هـ) صرّح في «الدّرر النّجفيّة» بأنّه لا فرق في حجيّة الفتوى بين الحياة والموت، مؤكّداً أنّ «المرجع في استعلام مَنْ له أهليّة الحكم والفتوى ـ وهو مَن اتّصف بما قدمنا من العلوم والمَلَكة مع تسربله بسِربال الورع والتّقوى ـ إمّا إلى المعاشرة التامّة مِن مثله في العلم والعمل، أو شهادة عدلين بذلك، أو عَرْض فتاويه مع فتاوى مَنْ تكون له تلك القوّة القدسيّة والمَلَكة العلميّة، أو عمل أهل العلم بأقواله وفتواه. ولا فرق في العمل بقوله بين كونه حيّاً أو ميّتاً»([218]).
- الشيخ عبد المحسن بن الشيخ حسين الجويبراويّ الخاقانيّ(القرن 13): «لو كانت الحياة شرطاً للزم بيانها»، وقال في مورد آخر: «هذه أدلّة مشترطي الحياة ذكرناها تفصيلاً مع أجوبتها، وإن كانت لا تستحق الجواب»([219]).
- الشّيخ باقر بن أحمد بن خلف آل عصفور البحرانيّ(1399هـ): «إنّ كتب الأحاديث لا تموت بموت مؤلّفيها، فكذلك الكتب الفقهيّة لا تموت بموت مصنّفيها، يعني كما أنّ حياة الرّاوي ليست شرطاً لاعتبار الرّواية فكذلك حياة المفتي ليست شرطاً لاعتبار الفتوى وقال في مورد آخر: «ولا تخدعك العناوين الّتي يصدّر بها المسألة بعض المصنّفين فيقول: وأجاز الأخباريّة تقليد الميّت ابتداءً، تبعاً للعامّة، أو بتعبيرٍ آخر منهم موافقةً للعامّة. أهذا من الإنصاف أن يكون المحدّثون ليس عندهم حجّة ولا دليل على قولهم في المسألة إلّا تقليد العامّة، مع أنّ دليلهم واضح السّبيل» ([220]).
- الميرزا عناية الله بن الميرزا حسين النيسابوريّ الهنديّ(القرن 14هـ) المعروف بالأخباريّ المعاصر، وقد ذكر المؤرّخ الشيخ محمّد محسن الطّهرانيّ النّجفي المعروف بـ «آغا بزرك الطّهرانيّ» أن له رسالة بعنوان «تقليد الأموات»، وقد قال فيها بجواز تقليد الميت ابتداءً([221]).
- الشيخ محمّد أمين زين الدّين(1419هـ) أفتى في كتابه «بين المكلّف والفقيه» بأنّه «يجوز تقليد الميت ابتداءً، وإن كان الأحوط استحباباً تقليد الحيّ»، مؤكّداً أنّ المجوّزين استدلّوا بـ «إطلاقات الأدلّة الواردة في حجيّة الفتوى من الكتاب والسّنة، حيث لم تفصّل ـ وهي في مقام البيان ـ بين الحيّ من الفقهاء والميّت، فتكون دالّة على صحّة الرّجوع إلى الميّت والحيّ على السّواء»([222]).
(2) الأصوليّون المجيزون لتقليد الميت ابتداءً مع الخلوّ من المجتهد الحيّ أو تعسّر حصوله
- العلّامة الحسن بن يوسف بن المطهّر الحليّ (726هـ) ذكر المحقّق الثّاني الشيخ علي الكركيّ في تعليقاته على كتاب الأمر بالمعروف من شرائع الإسلام عن الشيخ فخر المحقّقين أنّه حكى عن والده العلّامة جواز تقليد المجتهد الميّت ابتداءً فيما إذا خلا العصر من المجتهد، أو تعسّر حصوله، ولكنّه استبعد ذلك، وحمل كلام والده على محمل آخر([223]).
- الشيخ زين الدّين عليّ بن هلال الجزائريّ (910هـ) مال إلى التّفصيل فمع وجود المجتهد الحيّ الجامع للشرائط وإمكان تحصيل فتواه لا يجوز تقليد الميّت، ومع فقده يجوز الرّجوع إلى المجتهد الميّت([224]).
- الشيخ أحمد بن محمد المعروف بالمقدّس الأردبيليّ(993هـ) عندما تعرّض للمسألة في كتابه «مجمع الفائدة» نسبه للبعض، وأفتى هو بالجواز عند فقد المجتهد الحيّ أو تعذر حصوله([225])، وقال في مورد آخر «وأمّا عدم جواز تقليد الميّت مطلقاً فهو مذهب الأكثر»، وقال: «… وكذا العمل بقول الميّت عند عدم الحيِّ أصلاً وإلّا يلزم الحرج والضّيق المنفيّان عقلاً ونقلاً». وقد نُسبت إليه عبارة لم نقف على مصدرها يقول فيها: »القول بالفرق بين تقليد الحي والميت ابتداءً واستدامة إنمّا هو تحكّم واجتهاد صِرفٌ بلا دليل ولا مستند وتشهٍّ».
- الشيخ شمس الدّين أبو الحسن سليمان بن عبد الله الماحوزيّ البحرانيّ(1121هـ) ذكر ذلك عنه الشيخ حسين نوري الهمدانيّ، وبيّن أنّه يفصّل بين وجود المرجع الحيّ الجامع للشرائط وعدمه، ففي الحالة الأولى يجوز وفي الثانية لا يجوز([226]).
- الشيخ محمد شريف بن حسن علي المازندرانيّ الحائريّ المعروف بشريف العلماء (1245هـ): «ثانيهما: في جواز تقليد الميّت مع عدم تمكّن أخذ الاحكام من المجتهد الحي ولو بوسائط كثيرة، والجواز في هذا المقام ممّا لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه»([227]).
- السيّد ركن الدّين محمّد بن عليّ الجرجانيّ الاستراباديّ (من أعلام القرن 13هـ) وكان من تلامذة العلامة ابن المطّهر الحليّ، وقد اختار جواز تقليد الميت اضطرارا في شرحه على مبادئ الأصول للعلامة الحلي، قائلاً: «الأشبه أن يقال: إنّ المستفتي إن وجد المجتهد الحيّ لم يجز له الاستفتاء من الحاكي سواء كان عن حيّ أو ميّت؛ لأنّه مكلّف بالأخذ بأقوى الظّنّين، فيتعيّن عليه كالمجتهد، فإنّه يجب عليه الأخذ بأقوى الدّليلين، فإن لم يجده فلا يخلو إمّا أن يجد من يحكي عن الحيّ أو لا، فإن وجده تعيّن أيضاً. و إن لم يجد فإمّا أن يجد مَن يحكي عن الميّت أو لا، فإن وجده وجب الأخذ من كتب المجتهدين الماضين»([228]).
- الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ نور الدين بن علي الشيخ شهاب الدين أحمد الجامعيّ (القرن 13هـ) ألف رسالة «تقليد الميت» ردّاً على شيخه الشيخ حسن بن زين الدّين صاحب «المعالم» الّتي ضيق فيها على المكلّفين المسالك، وأوقعهم في المهالك، وقد جاء فيها: «فإن مَنْ عرف من نفسه كثرة الخطأ مثلاً، والرّجوع عمّا ظنّه صواباً وحسن ظنّه بالمجتهد زيادةً على ظنّ نفسه قلّده، وإلّا فلا، وإن لم يكن له قوّة على استنباط شيء من المسائل أو على بعضها، وأمكن الوصول إلى المجتهد الحيّ واتحد تعيّن عليه تقليده، وإن تكثّر فيرجّح بالعلم والتقوى والكثرة ويقلّده، وإن فقد أو تعذّر الوصول إليه فيعمل على قول مَن يغلب على ظنّه كون الحقّ في جانبه من الموتى إمّا لكثرة علمه أو كثرة القائل بقوله، أو لاشتهاره بين العلماء إلى غير ذلك من المرجّحات، وذلك إمّا باطّلاعه على أقوالهم إن كان له قوّة الاطّلاع، أو بإخبار من له تلك القوّة ممّن يعتمد على قوله، ولا جناح عليه في توزيع المسائل على المجتهدين لوجود المرجّح مع كلّ واحد منها في موضع»([229]).
(3) الأصوليّون المجيزون لتقليد الميت ابتداءً مطلقاً أو بشرط الأعلميّة [الأموات ـ الأحياء]
- المحقّق الملا عبد الله بن محمّد البشروئيّ المعروف بالفاضل التونيّ(1071 ه) فرّق في حالة المفتي فـ «مَن عُلِمَ من حاله أنّه لا يفتي في المسائل إلّا بمنطوقات الأدلّة، ومدلولاتها الصريحة ـ كابني بابويه، وغيرهما من القدماء ـ يجوز تقليده حيّاً كان أو ميّتاً، ولا تتفاوت حياته وموته في فتاواه. وأمّا من لا يُعلم من حاله ذلك، كمن يعمل باللّوازم غير البيّنة، والأفراد الخفيّة، والجزئيات غير البيّنة الاندراج ـ فيشكل تقليده حيّا كان أو ميّتاً فإن مَن تتبّع وظهر له كثرة اختلاف الفقهاء في هذه الأحكام يعلم أنّ قليل الغلط قليل مع أنّ شرط التّقليد ندرة الغلط»([230]). وهنا لعلّ الفاضل التّونيّ يشير بقيد «لا يفتي في المسائل إلّا بمنطوقات الأدلّة» إلى المجتهد الّذي يمتلك فهماً عرفيّاً متوازناً غير متكلّفٍ والقرينة تمثيله بابنَيْ بابويه، ورغم ذلك فهو قيدٌ غريبٌ في بابه، إذ الكلّ يجتهد بما يراه صحيحاً وفق منطوقات الأدلّة، ولذلك نعى عليه هذا القيد شيخ الشريعة مرتضى الأنصاريّ بقوله: «وأمّا ما أفاده من التّفصيل فهو ذهابٌ إلى ما ذهب إليه الظّاهريّون، ورجوعٌ عمّا أسّسه العلماء الالهيّون، وهدمٌ لبنيان الاجتهاد والفتوى»([231]).
- الشيخ إبراهيم بن سليمان العامليّ(القرن 12هـ) ذكر آغا بزرك الطّهرانيّ أنّه كان من العلماء المتأخّرين عن الشيخ الحرّ العامليّ، وكان في أواسط القرن الثاني عشر كما ذكره بعض المعاصرين لصاحب الحدائق، وأشار إلى أنّ له رسالة في تقليد الأموات والحكم بجوازه([232]).
- السيّد المحقّق محسن الأعرجيّ المعروف بالمحقّق البغداديّ (1227هـ) أكّد أنّ هذه المسألة «أصوليّة، يمكن تحصيل القطع فيها، فإنّ الإنسان إذا علم أنّ جواز استفتاء المقلّد عن المجتهد إنّما هو لأنّه مخبرٌ عن أحكام الله تعالى يحصل له القطع بأنّ حياة المجتهد وموته ممّا لا يحتمل أن يكون مؤثراً في ذلك، وعلى تقدير عدم إمكان تحصيل القطع فلا شك في الاكتفاء بالظنّ، إذ اشتراط القطع في الأصول مبنيّ على إمكانه، كما صرّحوا به، وتحكم به البديهة، وليس اعتماد المقلّد على ظنّه في المطالب الأصوليّة ـ الّتي يعتمد فيها على الظنّ ـ مشروطاً بشيءٍ، كالاعتماد على الظنّ في الفروع، حيث إنّه مشترط بثبوت الاجتهاد. وعلى تقدير تسليم كون المسألة اجتهاديّة فلا نسلم أنّ فرض العاميّ الرّجوع فيها إلى المجتهد، فإنه مبنيّ على ما أشار إليه بقوله: (على أصولنا) من عدم صحة تجزي الاجتهاد، وقد عرفت بطلانه. وحينئذ: فيمكن الاجتهاد في هذه المسألة، ثمّ الرّجوع إلى فتاوى الأموات في بقيّة أحكامه»([233]).
- الشيخ أبو القاسم بن محمّد حسن المعروف بالمحقّق القمّيّ (1231هـ): «الأقوى عندي جواز تقليد الميّت ابتداءً، فلا مانع من الرّجوع إليه، خلافاً للمشهور المدّعى عليه للإجماع»([234])، وقال في مورد آخر: «إن جواز تقليد الميّت قويّ عندنا، خلافاً للمشهور»([235])، وقال في موضع ثالث: «إنّ الأحوط الرّجوع إلى الحيّ »([236])، وهو احتياط استحبابيّ لإفتائه بجواز تقليد الميّت ابتداءً.
- الشيخ محمّد بن عبد علي آل عبد الجبّار القطيفيّ(1241هـ) في رسالته «تقليد الميّت» قال بجواز تقليده ابتداءً، وأولها «الحمد لله الأحد وصلّى الله على محمد و آله العمد»، ونقل عن رسالة الشيخ سليمان الماحوزيّ([237]).
- السيّد إبراهيم بن محمّد باقر القزوينيّ الحائريّ المعروف بصاحب «الضّوابط» (1264هـ): «هذا كلّه مضافاً في أصل جواز تقليد الميّت إلى بناء العقلاء حيث لا يفرقون في أهل الخبرة بين الحيّ والميت، ويرجعون إلى كتب السّلف من الأطباء، ويعملون بها. فإن قلت إن ذلك لأجل التوصّل، وهو يحصل فى الأموات و الأحياء قلنا التقليد أيضاً للتوصّل إلى الأحكام النفس الأمرية، وليس مطلوباً بالذات، فالفرق تحكمٌّ. والحاصل أنّ ما يتخيل لعدم الجواز هو الشّهرة ومنقول الاجماعات في مقابل الاستصحاب، و هما موهومان»([238]).
- الميرزا عبد الوهاب الشريف بن محمد علي القزوينيّ(1270هـ) له رسالة باسم «هداية المسترشدين في إثبات جواز تقليد الأموات من المجتهدين»، رادّاً فيها علي السيّد محمّد باقر الإصفهانيّ(1260هـ) المانع من ذلك في مسائله([239]).
- الشّيخ محمّد بن عليّ الرّازيّ الخليليّ(1280هـ) أشار السيّد الإصفهانيّ في رسالته إلى أنّه كان لا يرى مانعاً أبداً من تقليد المجتهد الميّت ابتداءً([240]).
- الشيخ الفاضل الدّربنديّ الآغا الحائريّ(1285هـ) ذهب إلى جواز تقليد الميّت، على ما حكاه عنه بعض محشّي كتاب «القوانين»، وذكر ذلك السيّد الإصفهانيّ، وحكاه عنه في هامش القوانين صاحب «حديقة الأصول»([241]).
- الشيخ محمد حسين بن الشيخ هاشم العامليّ الكاظميّ (1308هـ) ذهب إلى جواز تقليد الميّت في الوقت الحاضر، معتبراً أنّ «الأدلة القاطعة من الكتاب والسنّة قائمة على جواز الرّجوع الى الأموات كجواز الرّجوع للأحياء…»([242]).
- السيّد محمّد باقر الموسويّ الخونساريّ النّجفيّ(1313هـ) صاحب «روضات الجنان» ذكر جواز تقليد الميت ابتداءً في كتابه شرح الألفيّة([243]).
- الشيخ حسين بن خليل الخليليّ الرازيّ(1326هـ): «لا فرق في أخذ الفتوى من الحيّ أم من الميّت على حدّ سواء، فإنّ موت المجتهد لو كان مؤثّراً في عدم جواز الأخذ بفتواه كان ذلك موجباً لتحريم ما أحلّ الله، وتحليل ما حرّم الله، وهل هذا إلّا مضحكة للنّسوان وملعبة للصّبيان»([244]).
- الشيخ فتح الله النّمازي الإصفهانيّ المعروف بشيخ الشّريعة (1339هـ) نقل السيّد محمّد مهدي الإصفهانيّ عن رسالة لبعض معاصريه أنّ الشيخ كان يصرّح بجواز التّقليد الابتدائيّ في مجالس بحثه ودروسه([245]).
- الشيخ حبيب الله بن علي الكاشانيّ(1340هـ) ذكر الجواز في منظومة الفقه([246]).
- الشيخ محمّد محمّد مهدي الخالصيّ(1343هـ): «ويمكن الرّجوع إلى فتاوى المجتهدين السّابقين، ممّا دوّنوه من الأحكام، وما لم يدوّن من الأحكام ممّا حدثت الحاجة إليه لا مناص من الرّجوع فيه إلى المجتهد الحيّ الموجود في كلّ عصر، والحكم بغير ذلك رجوعٌ إلى الطّاغوت، وقولٌ بالباطل، وفتنةٌ في الأرض، وفسادٌ كبيرٌ»([247]).
- السيّد عبد العلي الخونساريّ النجفيّ(1346هـ) ذكر تلميذه السيّد الإصفهانيّ أنّه كان يصرّح بجواز تقليد المجتهد الميّت ابتداءً في مباحثه ودروسه، وكان ينصّ على ذلك في رسائله وأجوبة مسائله، ومصرّاً عليه غاية الإصرار، ويصرّح به على رؤوس الأشهاد([248]).
- الشيخ ميرزا علي أكبر بن ميرزا محسن الأردبيليّ(1346هـ) أفتى في رسالته بوجوب تقليد الأعلم الميت ابتداء عند الدّوران مع الحيّ غير الأعلم([249]).
- الشيخ محمد حسين الفشاركيّ الإصفهانيّ(1353هـ): «الأقوى جواز تقليد المجتهد الميّت ابتداءً إذا كان أعلم»([250]).
- السيّد محسن الحكيم(1390هـ) صحّح التقليد الاستمراريّ، إذ «المظنون قويّاً استقرار السّيرة على البقاء على تقليد الميت، بل دعوى الجزم بذلك قريبة جدّاً»([251])، ولكنّه شكّك في صحّة التّقليد الابتدائيّ للمجتهد إلّا «إذا كان الميّت أعلم، فمقتضى بناء العقلاء لزوم تقليده تعييناً. وليس ما يوجب الخروج عنه إلّا حكاية الإجماع على المنع عنه، فقد حكاه غير واحد عليه»([252])، مصحّحاً الاعتماد عليه لأن «نقلة الإجماع المذكور من أعاظم علمائنا وأكابر فقهائنا»، وهي دعوى منه، لم يسلّم بها كثيرٌ من الأعلام المحقّقين.
- السيّد محمّد مهدي الإصفهانيّ الكاظميّ(1395هـ): «يجوز تقليد المجتهد الميّت ابتداءً مطلقاً، ولا مانع منه أبداً»([253]).
- الشيخ محمّد طاهر آل شبير الخاقانيّ([254])(1406هـ): صدر منه رأيه بجواز تقليد الميت ابتداءً ضمن أجوبته على استفتاءاتٍ من فضلاء البحرين بهذا الخصوص، ولقد قام الشيخ عيسى الخاقاني بتدوينها وإرسالها إلى السّائلين، واستشهد برأي أستاذه الشيخ ضياء الدّين العراقي الموثّق في كتابه «مقالات الأصول» الّذي ينفي فيه وجود دليل على منع تقليد الميّت، ولكنّه عاتب الطلّاب المحدثين، وحثّهم على التحصيل ونيل درجة الاجتهاد، وألّا يعولوا على تقليد الميّت، كما جاء هذا في «الكلم الطيّب»([255]).
- السيّد رضا نجل المرجع صدر الدّين الصّدر([256])(1415هــ) نقض أدلة المانعين في كتابه «الاجتهاد والتّقليد»، وأثبت صحّة التّقليد الابتدائيّ، وأبطل أدلّة المانعين. وذهب إلى أن علماءنا المتقدّمين قالوا بالتّقليد الابتدائيّ، وإنما حصل المنع منه من قبل فقهائنا المعاصرين.
- الشيخ محمّد مهدي شمس الدّين(1421هــ): «إنّ المسلمين الشيعة اشتهر فيهم وفي المتأخرين منهم أيضاً عدم صحّة تقليد الميّت ابتداءً، ولم يجمعوا، وفيهم قولٌ قويٌّ بمشروعيّة تقليد الميّت ابتداءً، وهو قولٌ قويٌّ ولكن غير مشكور عند غيرنا من الفقهاء، نحن نميل إلى مشروعيّة تقليد الميّت ابتداءً»([257]).
- السيّد محمّد جواد الغرويّ الإصفهانيّ([258])(1426هـ): «ليس شرطاً لازماً أن يكون المرجع على قيد الحياة لتقليده»([259]).
- الشّيخ محمّد الصّادقيّ الطّهرانيّ([260])(1432هــ): «التّقليد الابتدائيّ للميّت الأعلم والأتقى في خطّ الفقاهة واجبٌ على جميع المقلِّدين، فهو له امتيازٌ على جميع المجتهدين الّذين نعرفهم سواء كانوا أمواتاً أو أحياءً»([261]).
- السيّد محمّد علي الطّباطبائيّ الحسنيّ(1438هـ): «الفتنة الحاصلة في هذا الزّمان، وهي أنّ كل قومٍ يقلّدون مجتهداً، وينكرون أعلميّة أو اجتهاد الآخر هذا أكثر بسبب المصالح الشخصيّة، ولا يجوز شرعاً، وإن الاجتهاد منفتح عند الشيعة الإماميّة، وللشيعة تقليد من شاؤوا من الأحياء والأموات مادام جامعاً للشرائط، ومبيّناً لما يهمّ المكلّف من أحكام. في الأمور العامّة كإدارة البلاد الإسلاميّة، وإثبات الشهر، وحلّ النّزاعات، والسّلم مع الأعداء لا بدّ أن يكون المجتهد الممارِس للعمل حيّاً معروفاً»([262]).
- الشيخ قربان علي بن محمّد رضا المعروف بالمحقّق الكابليّ(1440هـ) وجّه إليه سؤال عن التّقليد الابتدائيّ للمجتهد الميّت الأعلم، فأجاب: «چنین تقليدى در غير امور زعامتى مانعى ندارد»، وترجمته: «لا مانع من هكذا تقليد في غير الشؤون القياديّة»([263]).
- الشيخ محمّد المؤمن القمّيّ([264])(1440هــ): «مقتضى الدّليل الاجتهاديّ من السّيرة والإطلاقات جواز تقليد الميّت أيضاً كما في الحيّ، فالمتحصّل بمقتضى الأصول العمليّة والأدلّة الاجتهاديّة جواز تقليد الميّت»([265]).
- السيّد محمد سعيد الطّباطبائيّ الحكيم(1443هـ): «إنّما يجوز تقليد الميّت ابتداءً في فرض نادر لا طريق لإحراز حصوله في غالب الأوقات، ومنها زماننا هذا»([266])، وأجاب في موضع آخر: «يجب البقاء على تقليد الميّت إذا لم تثبت أعلميّة أحد الأحياء منه بوجهٍ شرعيّ، مهما طال الزّمان»([267]). ويُورد هنا إشكالٌ بأنّ فرض النّدرة لا يمنع الوقوع، وما قد يراه فردٌ فرضاً نادراً قد لا يراه آخر كذلك، فيرى أنّ المجتهد الميّت أعلم من غيره، حينها يتعيّن عليه ـ حسب هذه الفتوى ـ الرّجوع إليه ابتداءً.
- السيّد موسى الشّبيريّ الزّنجانيّ (1928 م ـ….): «عدم جواز التّقليد الابتدائيّ للميّت هو فتوى أغلب الفقهاء المعاصرين، ومستمسكهم فيه هو السّيرة، برأينا لا يوجد أيّ دليل عليه، لأنّه لا سيرة عندنا، وإذا كان الفقيه الميّت أعلم وكان أحدهم في زمانه مميزاً أو مقلّداً لفقيهٍ آخر، فيمكن له بعد موت الفقيه في حال كان الفقهاء الأحياء مفضولين أن يقلّد ذاك الفقيه الأعلم الميّت ابتداءً. إنّه قيّدنا أن يكون المكلّف مُقلِّداً أو مميّزاً في زمان الفقيه الميّت بحجة التّسالم على هذا الفرق بين الشيعة والسنّة في هذه المسألة، لأنّهم يقولون بتقليد فقهائهم الأربعة، بينما نقول نحن بالاجتهاد»([268]).
- الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض (1930 م ـ….): «لا يبعد جوازه ـ أيْ تقليد الميّت ابتداءً ـ شريطة إحراز أنّه يفوق الأحياء والأموات في العلم بأن يكون أعلم من الجميع بأحكام الشريعة، والأعرف والأقدر على تكوين القواعد العامّة، والأدقّ في مجال التّطبيق والاستنباط. (…) فإذا مات المرجع في التّقليد يمكن أن يكون هو أعلم من جميع الأحياء الموجودين فعلاً. ثمّ إنّ وظيفة العاميّ هي الرّجوع إلى المجتهد الحيّ الأعلم وتقليده، ولكنّه قد يسوّغ للمقلّد أن يستمرّ على تقليد المرجع الميّت، وقد يسوّغ له أن يقلّده ابتداءً، ولا يحقّ له أن يستمرّ على تقليده أو يقلّده ابتداءً بصورة اعتباطيّة، وإنّما يسوغ له ذلك بعد أن يتعرّف على الأعلم من المجتهدين الأحياء، ويرجع إليه في التقليد، فيسمح له بالاستمرار على ذلك أو الرّجوع إليه ابتداءً؛ إذ لو لم يصنع ذلك كان كمَن يعمل من دون تقليد»([269]).
- الشيخ محمّد حسين النّجفي الباكستانيّ([270]) (1932 م ـ….): «إذا كان قلّد المكلّف مجتهداً، وعمل طبق فتاواه شطراً من حياته، ثمّ مات ذلك المجتهد، فإنْ كان المجتهد يفتي في ضوء القرآن والسّنّة ومات فإنّه يجوز البقاء على تقليده، لأنّ القرآن والسنّة لا يموتان، بخلاف ما إذا كان يفتي برأيه خلافاً لهذين الأصلين فلا يجوز البقاء على تقليده، إذ لا عبرة لرأيه. ويثار هنا سؤال عن حجيّة قوله إذا مات للرّجوع إليه في التّقليد. الرّأي المشهور يقول إنّه لا يصحّ الرّجوع إليه في التّقليد الابتدائيّ، ولكنّ دليل الجواز لا يخلو من قوّة، لعدم وجود الدّليل على المنع»([271]).
- الشيخ محمّد إبراهيم الجناتيّ (1933 م ـ….): «يجوز البقاء على تقليد الميّت، كما يجوز تقليده ابتداءً»([272])، فضلاً عن موارد كثيرة يؤكّد فيها هذه الفتوى.
- الشيخ محمد مهدي بن محمّد بن محمّد مهدي الخالصيّ([273]) (1939 م ـ….): «يجوز تقليد الميت ابتداءً بدواعٍ شرعيّة في الأمور الّتي له فيها رأي معروف، وفي غيرها يرجع إلى غيره من الأحياء والأموات»([274]).
- الشيخ عيسى بن عبد الحميد الخاقانيّ([275]) (1940 م ـ….): «اعلم ـ سلّمك الله ورعاك ـ أنّه لم يقُم دليلٌ على منع تقليد الميّت إذ إنّ دليل التقليد منحصرٌ في العقل فقط كما هو محقّق في محلّه، ومعلومٌ أنّ العقل لا يفرّق بين تقليد الحيّ أو الميّت، إذ غايته رجوع الجاهل إلى العالِم، إذا كان لدى الميّت كتابٌ يُرجع إليه»([276]).
- السيّد أحمد الحسنيّ البغداديّ([277]) (1945 م ـ….) قال بجواز تقليد الميت ابتداءً، وأجاز الرّجوع إلى السيّد الشهيد محمّد محمّد صادق الصّدر([278]).
- الشيخ محمّد هاشم الصّالحيّ الكابليّ الأفغانيّ([279]) (1946 م ـ….) يقول بجواز تقليد الميّت الأعلم ابتداءً وبقاءً، ناسباً ذلك الرّأي لأستاذه الشهيد محمّد باقر الصّدر أيضاً، وجاء ضمن كلامه ما يأتي: «في رجوع الجاهل إلى العالم لا فرق بين كون هذا العالم حيّاً أو ميّتاً، لأنّ روح الحجيّة غير مرتبطة بالحياة، حتّى نقول إذا كان حيّاً فرأيه حجّة، وإن كان ميّتاً فلا حجّة لرأيه، المسألة ليست كذلك، بل روح الحجيّة في كاشفيّة وأقربيّة فتوى المجتهد للواقع، سواء كان هذا المجتهد حيّاً أو ميّتاً»([280]).
- السيّد محمّد الحسينيّ الزّنجانيّ([281]) (1947 م ـ….): «تقليد المجتهد الميّت ابتداءً جائز، ولا حاجة إلى إذن المجتهد الحيّ»([282]).
- الشيخ عبد اللّطيف برّيّ([283]) (1948 م ـ…): «يجوز تقليد الميّت ابتداءً، إذا كان أعلم من المجتهدين الأحياء، ويجوز العدول من الحيّ إلى الميّت، إذا كان الميّت أعلم، ما لم يكن في ذلك توهين لمراجع الدّين الأحياء، وبالتّالي توهين الدّين»([284]).
- السيّد كمال الحيدريّ (1956 م ـ….): «نحن نرى أنّ تقليد الميّت ممّا لا إشكال فيه ابتداءً أو بقاءً شريطة ثبوت أعلميّته، ونقصد بالأعلميّة: الأعمّ من أعلميّة الأحكام، بل هي القدرة على الاستنباط في عموم المعارف الدينيّة، ومتى ما ثبتت أعلميّة شخص لدى المكلّف، حيّاً كان أو ميّتاً، وجب تقليده، والرّجوع إلى الأعلم الحيّ في المستحدثات والاحتياطات والأمور الماليّة. نعم، هذا متصوّر في مَنْ يكون معاصراً أو مقارباً لعصرنا»([285]).
- الشّيخ أحمد عابدينيّ الإصفهانيّ([286]) (1959 م ـ….): «الحياة ليست شرطاً في جواز التقليد، بل وسيلةٌ لتحصيل فتوى المجتهد، فمع توفّر وسائل تحصيل فتوى المجتهد ـ عند إحراز سائر الشروط ـ فإنّ تقليد الميّت في حالة الابتداء أو الاستمرار ليس محظوراً».([287]).
- الشّيخ مهدي هادوي الطّهرانيّ([288]) (1961 م ـ….): «يجوز تقليد الميت ابتداءً، بل يجب ذلك إذا كان الميّت أعلم من الحيّ»([289]).
- الشّيخ حيدر حبّ الله (1973 م ـ….) رفض اشتراط الحياة لجواز تقليد المجتهد، ولكنّه ذهب إلى اشتراط حياة الاجتهاد نفسه وراهنيّته بالنّسبة إلى زمان المقلِّد، فإذا كان الميّت فقيهاً بمعايير الاجتهاد الّتي كانت سائدةً في زمنه دون زماننا فلا يجوز تقليده، وأمّا إذا رأى النّاظر إلى فقه ذلك المجتهد فوجده نابضاً بالحياة فتقليده جائز، وإنْ مضت عليه قرون متمادية، والعثور على مثل هذا ليس أمراً يسيراً، وهذا نصّ رأيه: «أعتقد أنّ شرط الحياة ليس مأخوذاً بعنوانه في التّقليد، بل المأخوذ كون الميّت ممّن يصدق عليه في العصور اللاحقة أنّه مجتهدٌ وفقيهٌ. فلو كان فقيهاً وَفقاً لمعايير القرن السّادس الهجريّ، لكنّه اليوم ليس بفقيهٍ، بحيث لو بُعث فهو مجرّد مقلِّد مثلاً فلا يجوز تقليده، ليس لأجل أنّه ميّت، بل لعدم إحراز شرعيّة الرّجوع إليه في هذه الحال، لا وَفقاً للنّصوص ولا للسّيرة والبناء العقلائيّ»([290]).
(4) الأصوليّون الّذين نظّروا لتقليد الميت ابتداءً، واحتاطوا فتوىً [الأموات ـ الأحياء]
- الشيخ زين العابدين بن مسلم المازندرانيّ الحائريّ(1309هـ): «وإذا لم يقلّد ذلك المجتهد أصلاً، أو قلّده في مسألة خاصة وبعد موت ذلك المجتهد يريد أن يقلّد الميت لا يخلو من القوّة، خصوصاً في الوقت الذي أدرك زمانه وخصوصاً في الصّورة الّتي كان فيها ذلك المجتهد الميت أعلم من الحيّ، وخصوصاً في الصّورة الّتي يظنّ المقلّد بصحّة قول ذلك المجتهد أقوى من الحيّ (…) ولكن الشهرة ونقل الإجماعات الكثيرة على عدم جواز تقليد الميت ابتداءً فالأحوط الترك»([291]).
- الشيخ ضياء الدّين عليّ بن الشيخ محمّد المعروف بالمحقّق العراقيّ أو آغا ضياء([292])(1361هـ): «وأما قضيّة ارتكازه برجوع الجاهل إلى العالم فإنما هو قضيّة إجماليّة لا يكاد أن يستكشف من [مثلها] سائر الخصوصيّات أبداً، فلا يبقى مجال دعوى [أنّ] مرجع تعيين الحياة أو الأعلميّة أو الأعدليّة مثلاً وأمثالها هو ما يقتضيه ارتكاز ذهنه في تعيين العالم المرجع للجاهل (…) ومن هذا البيان اتّضح بطلان توهّم كون المدار في استفادة تلك الخصوصيّات هو الارتكاز العقليّ كي لا يتمّ منه إقامة دليل آخر على وفق الارتكاز أو خلافه (…) ومن هنا ظهر الحال بالنسبة إلى الموت والحياة في التّقليد البدويّ لولا دعوى قيام معاقد الإجماعات على عدم جواز تقليد الميّت بدواً»([293]).
- الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر(1400هـ): نقل تلميذه الشيخ محمد هاشم الصالحيّ الأفغانيّ أنّه أثبت بالدليل والبرهان أنّ تقليد الميت الأعلم واجب ولو كان ابتداءً، ولكنّه في «الفتاوى الواضحة» قال بالحياة كما يبدو لعنوان ثانويّ، أسوة بما اختاره السيّد فضل الله. وجاء في نصّ كلام تلميذه الصّالحيّ الأفغانيّ بالفارسية ما يلي: «دیدگاه مرحوم شهید صدر مرحوم شهید صدر با دلیل و برهان اثبات كرد كه تقلید میت اعلم حتی ابتداءً هم واجب است، یعنی اگر مجتهد مرده اعلم است، حتی ابتداءً هم بر مردم واجب است كه از او تقلید كنند. تقلید میت اعلم ابتداءً هم جایز است كما اینكه بقاءً هم جایز است»([294]).
- السيّد عبد الأعلى السّبزواريّ(1414هـ): «المقتضي لتقليد الميت ابتداءً والبقاء عليه مطلقاً موجود، والمانع منحصرٌ بدعوى الإجماع على المنع في التّقليد الابتدائيّ دون البقاء، مع أنّ اعتباره في مورده مشكل، فكيف بغيره! ثمَّ إنّه لا بدّ في البقاء من صدقه عرفاً بنحوٍ يخرج عن التّقليد الابتدائيّ بأن عمل ببعض المسائل في الجملة، ولا يعتبر العمل بجميع المسائل الّتي يبقى على تقليده فيها لصدق البقاء عرفاً فيما إذا عمل بالبعض أيضاً. ولكنّ هذا كلّه إذا لم يكن المقلّد متردّداً في حجيّة فتوى مَن يجوّز البقاء على التّقليد. وإلّا فيشكل تقليده فيه لأنّ المتيقن من السّيرة والمنساق من الأدلّة غير هذه الصّورة خصوصاً في مسألة البقاء وتقليد الأعلم الّتي تكون بمنزلة أصل التقليد في الجملة فلا بدّ وأن لا تكون محلّ الشبهة والتردّد»([295])، وأضاف أنّ «مقتضى الأصول الموضوعيّة من أصالة حجيّة الرّأي في حدّ نفسه، وصحّة الاعتذار به، وأصالة بقاء الوظيفة الظاهريّة الّتي استفادها من الأدلة، وأصالة بقاء حكمة الاعتبار من غلبة الإصابة أو تسهيل الأمر على الأنام؛ صحّة تقليد الميت ابتداءً، مضافاً إلى الإطلاقات والعمومات.. وتقتضيه السّيرة (العقلائيّة) في الجملة أيضاً»([296])، ولكنّه رغم ذلك تردّد، ولم يفتِ بجواز التّقليد الابتدائيّ.
- السيّد محمّد الحسينيّ الشيرازيّ(1422هــ): «التّقليد عبارة عن رجوع الجاهل إلى أهل الخبرة، والدّليل عليه عقليّ، ومن البديهيّ أنّ العقلاء كما يرجعون إلى الحيّ يرجعون إلى آراء الميّت ابتداءً واستمراراً (…) إنّه لو لم يقم دليلٌ على التّعيين كان احتماله بدويّاً مع شمول الأدلّة لكلا الطّريقين، كما تقدّم تقريره، خصوصاً فيما كان احتمال التّعيين في الميّت بأن كان أعلم، فهل يا ترى العرف يحتملون التّعيين في الطبيب الحيّ المفضول ويشكون في الميت الأفضل؟ (…) الإجماع المنقول ليس بحجّة كما تقرّر في الأصول (…) أمّا مقام العمل فالاحتياط طريق النّجاة»([297]).
- السيّد محمّد حسين فضل الله(1431هــ): «لا نجد أساساً للحياة، ولا نعتقد أنّ ذلك يمثّل مشكلة في هذا الموضوع، وإذا كان العلماء المتأخرون أثاروا مسألة الحياة كشرط في حجيّة الرّأي الفقهيّ فلأنّهم التقوا بالجانب الفلسفيّ المعقّد، الّذي إذا واجهناه لا نملك إلّا النّظر إليه بإشفاق»([298])، ولكنّه للأسف عدل عن فتواه إلى الاحتياط الوجوبيّ رغم أنّه كان «يعوِّل على الدليل العقلائيّ في مسألة التقليد، أكثر من اعتماده على الرّوايات. وقاعدته العقلائيّة كان يعبِّر عنها بقوله: وجوب رجوع الجاهل إلى العالم في ما يجهله»([299]). ولمّا سُئل عن سبب تراجعه أجاب: «ما زلنا على فتوانا في ذلك وفي غيرها من الفتاوى التي جاءت نتيجة إعمال أدوات البحث والاستنباط لا نتيجة المزاج والذوق، فعدم جواز تقليد الميت ابتداءً من جهة أنّه يخلّ بأجواء المرجعيّة، فهناك مَن يقلّد الشيخ الطوسيّ، وآخر يقلّد الشيخ المفيد، ولقد رأينا أنّ نظام المرجعيّة الّذي هو نظامٌ يستفيد منه المسلمون الشيعة يختلّ بهذه الطريقة، ولذا جعلنا ترك هذا التقليد احتياطاً وجوبيّاً»([300]).
- الشّيخ عبد الهادي الفضليّ(4143هــ): «إنّ حجيّة الفتوى المصحّحة للعمل بها هو دليلها الّذي استندت إليه، وقامت عليه، وهذا لا فرق فيه بين أن يكون المفتي حيّاً أو ميّتاً، ولكنّ مقتضى الاحتياط لاستمرار ظاهرة الاجتهاد الشّرعيّ، واستمرار المرجعيّة الدّينيّة، ودعمها بكلّ القوى المقدورة هو الرّجوع إلى الحيّ، واعتبار بقاء الحياة شرطاً نافذاً»([301]).
- السيّد تقيّ الطّباطبائيّ القمّيّ([302])(1437هــ): «إنّ المستفاد ممّا تقدم أنّ المقتضي لاعتبار قول الميّت موجودٌ، والّذي ذكر في مقام الرّدع ـ يقصد الإجماع والأصل والشهرة ـ أمورٌ تعرضنا لكلّ واحدٍ منها، وأجبنا عنه»([303])، وقال أيضاً: «صفوة القول: أنّه لا فرق في السّيرة العقلائيّة في أمثال المقام بين الميّت والحيّ، والشّارع الأقدس في الأمور العقلائيّة لا يكون له طريق مخصوص إلّا أن يقوم دليلٌ في مورد يدلّ على خصوصيّة فيه، وفي المقام لم يقم دليل على الرّدع، فالسّيرة العقلائيّة حجّة كبقيّة موارد السّيرة، ولذا لا إشكال في حجّية الظّواهر مع أنّ الملاك واحد»([304])، ولكنّ السيّد القمّي تردّد في مقام الفتوى، ولم يفتِ بالجواز.
- الشّيخ ناصر مكارم الشّيرازيّ (1927 م ـ….): «لا دليل عليه (أيْ عدم جواز تقليد الميّت ابتداءً) يُعتدّ به، ودعوى الإجماع في مثل هذه المسائل ممنوعة؛ نعم، كثيراً ما يكون الأحياء أعلم من الأموات، لتلاحق الأفكار جيلاً بعد جيل. هذا مضافاً إلى أنّه رمز حياة المذهب وتحرّكه في جميع شؤونه، فالأحوط ترك تقليد الميّت ابتداءً»([305])، وجاء في الفتوى: «الاحتياط ترك تقليد المیّت ابتداءً، أمّا البقاء على تقلیده فی المسائل الّتي عمل بها فجائز»([306]). وقال في مورد آخر: «يجب البقاء على تقليد المرجع الميّت إذا كان أعلم من الأحياء في المسائل الّتي عمل بفتاواه فيها زمان حياته. وإذا توفّى المجتهد الّذي يقلّده الإنسان جاز له البقاء على تقليده، بل يجب البقاء لو كان أعلم، شريطة أن يكون قد عمل بفتواه أيّام حياته، أو أخذ فتواه لأجل العمل على الأقل»([307]).
- الشيخ يد الله الدوزدوزاني التبريزيّ (1935 م ـ…) عدّد شروط المجتهد الّذي يُرجَع إليه، ثم قال: «وهمجنين بنابر احتياط واجب زنده باشد»، وترجمته «أن يكون أيضاً على قيد الحياة، على الأحوط»([308]).
- السيّد عليّ الحسينيّ الخامنئيّ (1939م ـ…) أجاز تقليد الميّت (ابتداءً وبقاءً) بإذن المجتهد الحيّ لا سيّما إن كان الميّت أعلم، وفي مورد آخر احتاط وجوباً بمنع تقليد المجتهد الميّت ابتداءً، فقد جاء في أحد الاستفتاءات: «التّقليد الابتدائيّ للمجتهد الميّت أو البقاء على تقليده يجب أن يكون بتقليد المجتهد الحيّ، وأن يكون الأعلم على الأحوط وجوباً. التقليد الابتدائي للمجتهد المتوفى غير جائز على الأحوط وجوباً»([309])، وفي مورد آخر أجاب: «لا إشكال في البقاء على تقليد الميّت مع فرض تحقّق التّقليد منهم، ولو قبل بلوغهم في حياة المجتهد»([310]).
- السيّد صادق الحسينيّ الشّيرازيّ (1942 م ـ…): «إنّ مقتضى الصّناعة جواز الرّجوع إلى المجتهد الميّت حتّى ابتداءً، ولكنّ الإجماع المدّعى، والشّهرة العظيمة القطعيّة على عدم جوازه، وتوفّر الفقهاء الأحياء ـ ولله الحمد ـ في مثل هذه الازمنة في كلّ مكان، يلزم معها الرّكون إلى الاحتياط، وعدم الإقدام على تقليد الميّت ابتداءً، إلّا إذا أدّت الضّرورة إلى ذلك، نظير ما أفتى به بعض كبار مراجع العصر، أعني: ابن العمّ (قدس سره) حين سأله شخصٌ عن العمل في الحجّ بما في الشرائع، أو شرح اللّمعة، إذا لم يجد فتاوى مقلَّده (بالفتح) ولا فتوى عالمٍ آخر حيّ؟ فأجاب: بنعم»([311]).
- السيّد محمّد تقي المدرّسيّ (1945 م ـ…): «المشهور بين فقهائنا ـ قديماً وحديثاً ـ عدم جواز تقليد المجتهد الميّت ابتـداءً، وهذا الرّأي موافقٌ للاحتياط, وبالذّات في المسائل الّتي يُظنّ أنّ تطوّر الفقه قد أدّى إلى اتساع وتطوّر مجالات اجتهادالمجتهد الحي بالقياس إلى المجتهد الميّت»([312]). وفي مورد آخر أفتى: «يجوز البقاء على تقليد المرجع المتوفى، استناداً إلى فتوى مرجع حيّ، ولا يجب تقليد الأعلم حسب رأينا، ولكن الأولى انتخاب الأفضل تقوىً وعلماً وكفاءةً»([313]).
- الشيخ محمّد باقر الموحّدي النّجفيّ([314]) (1955 م ـ…)([315]) اختار الاحتياط الوجوبيّ في المنع من تقليد الميّت ابتداءً، وجاء في نصّ المسألة بالفارسيّة: «تقليد ابتدایي از مجتهدي كه از دنيا رفته بنا بر احتياط جايز نمي باشد. در اين صورت كسي كه به تازگي مكلف شده بايد از مجتهد زنده تقليد نمايد»، ما يعني أنّ للإفتاء بالجواز وجهاً شرعيّاً، وأنّه يمكن العدول إلى غيره في هذه المسألة.
- الشيخ قاسم الطّائيّ([316]) (1960 م ـ…): «ويُشترَط الحياة للتّقليد ابتداءً على الأحوط»([317]).
الهوامش
([1]) مقالة للشيخ محمّد إسحاق الفيّاض في مجلّة الموسم، العدد 28: 241، وكذلك ذكر هذه التفاصيل في كتابه «المسائل المستحدثة»: 7.
([2]) العُدّة للشّيخ أبي جعفر الطّوسيّ 1: 136.
([3]) الاطمئنان هو الظنُّ القوي الذي لم يعتنِ العاقل بالاحتمال المخالف له من قبيل (98% زيد عالم)، أو 97% أو قد يكون 95% من موارد الاطمئنان، فالعقلاء لا يعتنون لاحتمال اثنين أو ثلاثة أو خمسة بالمئة الباقي، وهذا يعبّر عنه بالاطمئنان، وهو حجة كالقطع. (بحث الأصول، للشّيخ باقر الإيروانيّ، حجيّة الاطمئنان).
([4]) القطع عند الأصوليّين حجّة مطلقاً، سواءٌ نشأ عن عوامل شخصيَّة أو نوعيّة، وذلك لأنَّ حجيَّة القطع ذاتيّة، فكما أنَّ ثبوت الحجيَّة للقطع لا تخضع للجعل فكذلك المنع عن الحجيَّة، إذ لا يمكن نفي الذّاتيّ عن ذاته، كما أنَّه لا يمكن منع القاطع عن العمل بقطعه، لأنَّه يرى خطأ كلّ ما ينافي قطعه. (كتاب المعجم الأصولي للشيخ محمّد صنقور 3: 388)
([5]) الاجتهاد والتجديد في الفقه الإسلاميّ للشيخ محمّد مهدي شمس الدّين: 144.
([6]) المصدر السّابق نفسه: 145.
([7]) فقه الشريعة للسيّد محمّد حسين فضل الله 1، المسألة 15.
([8]) نهج البلاغة للشّريف الرّضيّ، من خطبة للإمام عليّ(ع) خطبها عند انطلاقه إلى حرب صفّين.
([9]) الكافي للكلينيّ الجزء الأول، الحديث 5.
([10]) فقه الشريعة للسيد فضل الله، المسألة 41.
([11]) المصوِّبة: هم القائلون إنّ كلّ مجتهدٍ مصيبٌ في فروع الشّريعة، إذ يرون أنّه ليس لله تعالى حكم واحد معيّن في المسألة الاجتهاديّة قبل الاجتهاد، بل هو تابع لظنّ المجتهِد. (أصول التّشريع الإسلاميّ، لعليّ حسب الله).
([12]) دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلاميّة 2: 104، 107.
([13]) الاجتهاد والتّقليد: قراءة جديدة في المنهج والمفهوم والأفكار للباحث أمين إيمانيّ: 110.
([14]) أحد أكابر محقّقي الإماميّة، ولا تزال رسالته «الوافية» في أصول الفقه موضع عناية العلماء شرحاً وتعليقاً وتدريساً، لما فيها من منهجية جديدة، وتحقيقات، وآراء لم يسبقه إليها أحد.
([15]) الوافية في أصول الفقه للفاضل التّونيّ: 307 ـ 308.
([16]) جاء في مقدّمة «فقه الشّريعة»: 7 في نسختها التّاسعة والأخيرة الصّادرة سنة 2011 بعد وفاة السيّد فضل الله (رضوان الله عليه) أنّه «كان راغباً في ترصيعها بالواضح المبسّط من الأدلّة الشرعيّة من الآيات الكريمة والأحاديث الشّريفة والقواعد الفقهيّة، لتقدّم الفتوى مقرونة بدليلها، فيأنس بها طالبها، ويزداد اطمئناناً، ويصير أقرب للمشرّع المقدّس تبارك وتعالى، لكنّها رغبة لم تتحقّق في غمرة تزاحم آماله، وكثرة أعماله».
([17]) الاجتهاد والتّقليد للسيّد الخوئيّ: 18 و19 و83.
([18]) المصدر السّابق نفسه: 368.
([19]) فقيه أصولي ومرجع تقليد للشيعة وزعيم ديني سياسي في عهد الحركة الدستورية في ايران وكان من مدرّسي علم الأُصول البارزين، ومن أشهر كتبه الأصوليّة «كفاية الأصول»، فضلاً عن كتب أخرى مهمّة، وقد خرّج تلامذة كثيرين لهم حضور علميّ بارز.
([20]) كفاية الأصول للآخوند الخراسانيّ: 542.
([21]) كان فقيهاً مجتهداً، ماهراً في الأصول، مدرّساً لكبار علماء الإمامية، ومن أشهر تصانيفه كتاب الفقه الاستدلاليّ، وكتاب الفصول الغرويّة في الأصول الفقهيّة، واعتبر كتابه في مستوى كتاب القوانين للميرزا القمّيّ.
([22]) الفصول الغرويّة للشيخ محمّد حسين الإصفهانيّ: 423 ـ 424.
([23]) أحد مراجع الشيعة في إيران، وقد تتلمذ على يدي كبار الأساتذة كالآخوند الخراسانيّ، وهو مؤسّس الحوزة العلمية في مدينة قم.
([24]) دُرَر الفوائد للشّيخ عبد الكريم الحائريّ اليزديّ 1: 702.
([25]) الخبير في حدّه الأدنى من له مرتبة من الفضيلة العلميّة والمعرفة بالفقه والأصول بما يجعله قادراً على التّمييز واتّخاذ الموقف من اجتهاد شخص أو أعلميّته وهم مَنْ يتقنون تدريس كتاب «كفاية الأصول» للآخوند الخراسانيّ وكتاب «المكاسب المحرّمة» للشيخ مرتضى الأنصاريّ بكفاءة، والخبير في حدّه الأعلى هو المجتهد.
([26]) السّؤال: هل يجوز للزوجة والتي تستصعب البحث عن الأعلم أن تعتمد على زوجها في ذلك فتفعل كما يفعل هو اعتماداً منها عليه؟ وكذلك الفتاة اعتماداً منها على أبويها؟ الجواب: يجوز إذا حصل لها الاطمئنان بذلك (الصّفحة الرّسميّة للسيّد السّيستانيّ، قسم الاستفتاءات). وجاء في «فقه الشريعة» للسيّد فضل الله: مسألة 14: لا يجب على كلّ مكلّف السعْي بنفسه لسؤال أهل الخبرة، واستماع الشهادة أو ملاحظة الشّياع، بل يجوز لمثل الولد والزّوجة والعامّي الاكتفاء بتحرّي مثل الأب والزّوج والعالِم غير الخبير عن اجتهاد العالِم، وذلك إذا حصل لهم الاطمئنان بمعرفة المتحرّي ودقّته، وبذل الجهد للوصول إلى النّتيجة من طرقها المعتبرة شرعاً.
([27]) نجل المرجع السيّد صدر الدّين الصّدر والأخ الأكبر للإمام موسى الّصدر، ولد في مدينة مشهد ونشأ وتعلم فيها، ثمّ سافر إلى قم وأكمل دراسته فيها على أعيان علمائها أمثال المحقق الدّاماد والإمام الخميني والسيّد المرعشيّ النجفيّ، ونال درجة الاجتهاد وهو في سن مبكرة وأصبح من الأساتذة البارزين.
([28]) الاجتهاد والتّقليد للسيّد رضا الصّدر: 198.
([29]) جواب للشيخ حيدر حبّ الله على موقعه الرّسميّ بعنوان «استفهامات في مسألة عدم كون تقليد الأعلم مسألة تقليديّة».
([30]) الاجتهاد والتّقليد: قراءة جديدة في المنهج والمفهوم والأفكار، أمين إيمانيّ: 124.
([31]) مقالة بعنوان «أعلميّة الفقيه ومباني التّقليد» للشيخ محمّد إبراهيم الجنّاتي، مجلة التوحيد، العدد 79: 36.
([32]) فيلسوف ومفكّر إسلاميّ إيرانيّ، من منظّري المدرسة التفكيكيّة التي تؤمن بفصل الدّين عن الفلسفة والعرفان، تتلمذ قرابة عشرين عاماً عند كبار العلماء والمراجع في حوزة خراسان العلميّة، وله العديد من المؤلَّفات باللّغتين الفارسيَّة والعربيَّة، وقد ترجمت بعض كتبه إلى العديد من اللغات، وأهمها موسوعة الحياة.
([33]) نقد المؤسّسة الدينيّة… قراءة في فكر الأستاذ الحكيميّ لمحمّد إسفندياريّ، ترجمة علي الورديّ.
([34]) الرّسالة الاستفتائيّة للشهيد محمّد محمّد صادق الصّدر: 12، السّؤال 12.
([35]) النّدوة للسيّد فضل الله، الجزء 16: 494.
([36]) فقه الحياة للسيّد فضل الله: 25.
([37]) نظرة جديد في ولاية الفقيه للسيّد محمود الهاشميّ الشّاهروديّ: 26.
([38]) الأعلميّة كارثة العصر للسيّد محمّد علوي السادة: 39.
([39]) الاجتهاد والتّجديد في الفقه الإسلاميّ للشيخ محمّد مهدي شمس الدّين: 144.
([40]) المصدر السّابق نفسه: 100.
([41]) الإسلام والعقل للشيخ محمّد جواد مغنية: 230.
([42]) نقلاً بيان الفقه في شرح العروة الوثقى للسيّد صادق الشيرازيّ، فصل «الاجتهاد والتقليد» 2: 60.
([43]) حاشية السلطان علي معالم الدين، المطلب التّاسع: الاجتهاد والتّقليد: 339.
([44]) نقلاً عن كتاب مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه للشيخ حسين النّوريّ الهمدانيّ: 49.
([48]) نقلاً بيان الفقه في شرح العروة الوثقى للسيّد صادق الشيرازيّ، فصل «الاجتهاد والتقليد» 2: 60.
([49]) الذّريعة إلى تصانيف الشيعة للشيخ أغا برزك الطّهرانيّ، الجزء الرّابع: 390، وقد ذكر أنّه ألف رسالة بعنوان «تقليد الأعلم» اختار فيها عدم تعيّنه.
([50]) نقلاً بيان الفقه في شرح العروة الوثقى للسيّد صادق الشيرازيّ، فصل «الاجتهاد والتقليد» 2: 60.
([52]) حاشية الشيخ محمّد رضا آل ياسين على العروة الوثقى، باب التّقليد.
([53]) مقالة بحثية بعنوان «الشيخ محمد رضا المظفّر وآراء صريحة» للباحث الأستاذ الدّكتور عبد الأمير كاظم زاهد، في موقع مجلة «نصوص معاصرة».
([54]) العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى للسيّد علي الحسينيّ شبّر 1: 20 (الحاشية).
([55]) أعيان الشيعة للسيّد محسن الأمين 1: 110.
([56]) بحثي درباره مرجعيت وروحانیت (دراسة حول المرجعيّة والمؤسسة الدينيّة)، تأليف مجموعة من الباحثين، مقالة «تمركز وعدم تمركز مرجعيت» بقلم السيّد محمود الطّالقانيّ.
([57]) أستاذ الفقه والأصول، ومن طليعة علماء بغداد، تتلمذ عند الميرزا النائينيّ والسّيّدين أبي الحسن الإصفهانيّ ومحمود الشاهروديّ وغيرهما، حتّى نال نصيباً وافراً من العلوم وحصّل درجة الاجتهاد.
([58]) أصول الاستنباط للسيد علي نقي الحيدريّ: 270.
([59]) موجز الرّسالة للشيخ محمّد طاهر آل شبير الخاقانيّ: الثالثة، المسألة 4.
([60]) القول الرّشيد في الاجتهاد والتّقليد من تقريرات السيّد المرعشيّ النّجفيّ، بقلم تلميذه السيّد عادل العلويّ: 176.
([61]) عدم وجوب تقليد أعلم: شرحي بر نظريه فقهي حضرت آيت الله العظمی حاج آقا رضا مدني كاشاني، حسن مفرح زاده.
([62]) الاجتهاد والتّقليد للسيّد رضا الصّدر، فصل تقليد الأعلم: 163.
([63]) بين المكلّف والفقيه للشيخ محمّد أمين زين الدّين: 11، المسألتان 13 و14.
([64]) أحكام الشيعة للميرزا حسن الإحقاقيّ الحائريّ.
([65]) الاجتهاد التجديد في الفقه الإسلامي للشيخ محمّد مهدي شمس الدّين: 148.
([66]) فقه الشريعة للسيّد فضل الله: 170، المسألة 14.
([67]) التّقليد والاجتهاد للشيخ عبد الهادي الفضليّ: 90.
([68]) فقيه عراقيّ معاصر، أقام في سوريا لفترة، وقد تتلمذ عند عدد من العلماء الأعلام في العراق وإيران، ونال إجازة الاجتهاد من السيّد محمّد الحسينيّ الشيرازيّ، له رسالة عمليّة منشورة,
([69]) رسالة القوانين الشرعيّة للسيّد محمّد عليّ الطّباطبائيّ الحسنيّ، الجزء 1، الحكم 37.
([70]) خلاصة الأحكام في فقه الإسلام (باللّغة الأرديّة) للشيخ محمّد حسين النّجفيّ الباكستانيّ، عدم اشتراط الأعلميّة: 12.
([71]) مقالة «أعلميّة الفقيه ومباني التّقليد» للشيخ محمّد إبراهيم الجنّاتيّ، مجلّة التّوحيد، العدد 79.
([72]) توضيح المسائل (بالفارسيّة) للسيّد عليّ محمّد دستغيب، أحكام تقليد، المسألة 2.
([73]) الاستفتاءات للسيّد محمّد تقي المدرّسيّ 1: ٤٤، السّؤال ٢٧.
([74]) استفتاءات مسائل مستحدثة (بالفارسیة) للسيّد محمّد أمين الخراسانيّ: 25، السّؤال 91.
([75]) موقع الشيخ محمّد جواد فاضل اللنكرانيّ، قسم الأسئلة: «أعلميّت را در تقليد معتبر نمي دانند»».
([76]) موقع الشيخ حيدر حبّ الله في مقالة بعنوان «تساؤلات حول مسألة التّقليد والأعلميّة».
([77]) موقع الشيخ عليّ رياحي نبيّ، «أحكام مربوط به مرجع تقليد» المسألة 2 ـ 9، وله بحث استدلاليّ من 93 جلسة عن الاجتهاد والتّقليد توصّل إلى تلك النّتيجة.
([78]) العروة الوثقى للسيّد كاظم الطّباطبائيّ اليزديّ، الجزء 1، المسألة 12.
([79]) وسيلة النّجاة للسيّد أبي الحسن الإصفهانيّ، الجزء 1، المسألة 5.
([80]) ذخيرة الصّالحين للشيخ عبد الكريم الزّنجانيّ: ١٩، المسألة ٤.
([81]) والد السيّد موسى والسيّد رضا الصّدر، وكان مرجعاً معروفاً، ومؤلّفاته غير منشورة للأسف.
([82]) حاشية العروة الوثقى للسيّد كاظم اليزديّ، الجزء 1، المسألة 12.
([83]) تحرير الوسيلة للسيّد الإمام الخمينيّ، الجزء 1، المسألة 5.
([84]) حاشية السيّد محمّد رضا الگلبايگانيّ على العروة الوثقى، الجزء 1، المسألة 12.
([85]) حاشية الشيخ محمّد علي الأراكيّ على العروة الوثقى، الجزء 1، المسألة 12.
([86]) منهاج الصّالحين للسيّد محمّد محمّد صادق الصّدر، الجزء 1، المسألة 6: 8.
([87]) منتخب المسائل الإسلاميّة للسيّد محمّد الشيرازيّ، أحكام التّقليد: 33.
([88]) مرجع دينيّ من إيران، تتلمذ على يد كبار العلماء كالسيّد البروجرديّ، والسيّد محمّد تقي الخونساريّ، أخوه المرجع الشيخ لطف الله الصّافي الگلبايگانيّ.
([89]) توضيح المسائل (فارسية) للشيخ علي لطف الله الصّافي الگلبايگانيّ: 5، المسألة 2.
([90]) رسالة الأحكام (فارسية) للسيّد عبد الجواد علم الهدى: 5، المسألة 3.
([91]) موقع الشيخ لطف الله الصّافي الكلبايكانيّ، أحكام التّقليد، المسألة 1.
([92]) توضيح المسائل للشيخ يد الله الدّوزدوزانيّ التّبریزيّ، التّقليد، المسألة 2.
([93]) الموقع الرّسميّ للشيخ شمس الدّين الواعظيّ، قسم الاستفتاءات، باب التّقليد.
([94]) موقع السيّد عليّ الخامنئيّ الرّسميّ، قسم الاستفتاءات.
([95]) رساله احكام (فارسية) للشيخ خليل قدسي مهر التبريزيّ: 27، المسألة 2.
([96]) سليل أسرة آل بحر العلوم العلميّة ومن العلماء الأعلام الذين تخرجوا على الإمامين الحكيم والخوئي. مارس تدريس بحث الخارج في الفقه والأصول منذ السبعينات، وأصدر رسالته العملية بعد رحيل السيد الخوئيّ.
([97]) نقلاً عن كتاب «التّقليد والأعلميّة ومحنة المكلّفين» للشيخ عبد الله بن عبد علي الكنانيّ عن كتاب موجز الأحكام للسيّد حسين بن التّقيّ آل بحر العلوم 1، المسّالة 5.
([98]) مرجع دينيّ في إيران، وهو من الأساتذة الكبار في حوزة قم، تتلمذ عند السيّد البروجرديّ والإمام الخمينيّ وعدد من العلماء الأعلام، أصدر رسالته العملية في أوائل التسعينيّات.
([99]) منهاج الصّالحين للسيّد محمّد عليّ العلويّ الگرگانيّ، الجزء 1، المسألة 2.
([100]) رواه الكشّي في رجاله: 90.
([101]) حباء الأحياء في التّسوية بين تقليد الأموات والأحياء للشيخ أحمد بن عبد الرّضا آل حرز البحرانيّ: 16.
([102]) الاجتهاد والفتوى في عصر المعصوم وغيبته للسيّد محيي الدّين الموسويّ الغريفيّ: 7.
([103]) الاجتهاد والتّجديد في الفقه الإسلاميّ للشّيخ محمّد مهدي شمس الدّين: 149.
([104]) الاجتهاد والتّقليد للسيّد رضا الصّدر: 194.
([105]) العُدّة للشّيخ أبي جعفر الطّوسيّ 1: 136.
([106]) بيان الفقه في شرح العروة الوثقى للسيّد صادق الشيرازيّ، المسألة 12.
([108]) أصول الكافي للشيخ محمّد الكلينيّ، الجزء 1، الحديث 67، وفي فروع الكافي الجزء 7، الحديث 413.
([109]) من لا يحضره الفقيه للشيخ أبي جعفر الصّدوق، الجزء 3، الحديث 3233.
([110]) بحار الأنوار للعلامة المجلسيّ، الجزء 50: 85.
([111]) نهج البلاغة لجامعه الشريف الرّضيّ، وقد ورد النصّ في عهد الإمام عليّ إلى مالك للنخعي حينما ولّاه مصر.
([112]) بحار الأنوار للعلّامة المجلسيّ 2: 110،الحديث 16.
([113]) مجمع الزّوائد للهيثميّ 5: 212.
([114]) الاجتهاد والتّقليد للسيّد رضا الصّدر: 135.
([115]) الاجتهاد والتّقليد للسيّد رضا الصّدر: 70.
([116]) مقالة للشيخ علي الفرج في صحيفة «صبرة» الإلكترونيّة، بعنوان «بلوغ سنّ الفتاة أم نضجها؟».
([117]) الصّفحة الرّسميّة للسيّد السّيستانيّ، قسم الاستفتاءات.
([118]) حباء الأحياء في التّسوية بين تقليد الأموات والأحياء للشّيخ أحمد بن عبد الرّضا آل حرز البحرانيّ: 37.
([119]) فقيه ومحدث شيعيّ، اشتهر بـ «صاحب الحدائق» نسبة لكتابه الحدائق النّاضرة في أحكام العترة الطّاهرة، ناظر بعض المجتهدين المعاصرين له.
([120]) أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين للشّيخ عليّ البلاديّ البحرانيّ: 70.
([121]) نظرة جديد في ولاية الفقيه للسيّد محمود الهاشميّ الشّاهروديّ: 26.
([122]) منظّمة إيرانيّة مرتبطة بحوزة قم، وهي تقوم بأنشطة كثيرة ذات صلة بالشأن الدّينيّ، ومنها إصدار بيانات تحدّد من خلالها الأسماء المطروحة للتّقليد ممّن يتوفّرون على شبهة الأعلميّة.
([123]) الأدلّة الفقاهتيّة، وتسمّى الأدلّة الفقهيّة أو الأصول العمليّة في الفقه الإمامي، وهي أصول ظنية تنتج الحكم الظاهري، وهي أربعة: الاستصحاب، البراءة، الاحتياط، والتخيير)، وهي تمثل المرحلة الثانية من مراحل الاستنباط بعد فقدان الدّليل الاجتهادي الكاشف عن الحكم من كتاب أو سنّة أو إجماع أو عقل.
([124]) مقالة بعنوان «أعلميّة الفقيه ومباني التّقليد» للشيخ محمّد إبراهيم الجنّاتي، مجلة التوحيد، العدد: 79: 36.
([125]) بيان صادر عن الشيخ عبد الهادي الفضليّ بتاريخ 25 رمضان 1420هـ دعماً لمرجعيّة السيّد عليّ الخامنئيّ.
([126]) الموقع الرّسميّ للشيخ حيدر حبّ الله جواباً لسؤال: من هو أعلم اليوم برأيكم؟
([127]) مهذّب الأحكام للسيّد عبد الأعلى السّبزواريّ 1: 29.
([128]) صراط الحميد في نقد نظريّة التّقليد للشيخ عزّ الدّين بن محمّد البغداديّ: 165.
([129]) جواهر الكلام للشيخ محمّد حسن الجواهريّ 11: 178.
([130]) صراط الحميد في نقد نظريّة التّقليد للشيخ عزّ الدّين بن محمّد البغداديّ: 166.
([131]) الاجتهاد والتّجديد في الفقه الإسلاميّ للشّيخ محمّد مهدي شمس الدّين: 158.
([132]) صحيفة الإمام، رسالة من الإمام الخمينيّ إلى الشّيخ محمّد عليّ الأنصاريّ، بتاريخ 10 آبان 1367هـ ش الموافق 20 ربيع الأوّل 1409هـ..
([133]) الاجتهاد والتّقليد للسّيد رضا الصّدر: 138.
([134]) محمّد بن علي الشّلمغانيّ، يكنّى بأبي جعفر، ويُعرَف بابن أبي العزاقر، وهو من أصحاب الإمام الحسن العسكريّ ومن محدّثي الشّيعة الّذين عاشوا في عصر الغيبة الصّغرى ببغداد. وقد تصدّى لأمور الشيعة في غياب نائب الإمام المهدي الثّالث، وله كتب وروايات، وكان مستقيم الطّريقة، ثمّ تغيّر وظهرت منه مقالات منكرة، إلى أنّ أخذه السّلطان فقتله وصلبه ببغداد، وله من الكتب الّتي عملها في حال الاستقامة كتاب التّكليف، وثمّة قولٌ أنّ هذا الكتاب هو كتاب فقه الرّضا نفسه.
([135]) فقيه ومحدث إماميّ عاصر الإمام الرّضا والجواد والهادي عليهم السّلام، وقد كان مؤلّفاً خلّف الكثير من الآثار الفقهيّة والحديثيّة.
([136]) حباء الأحياء في التّسوية بين تقليد الأموات والأحياء للشّيخ أحمد بن عبد الرّضا آل حرز البحرانيّ: 18.
([137]) الظِّئر يطلق على المرضعة لغير ولدها، كما يطلق على زوجها ظِئراً، والجمع: أظآر وأظؤر وظُئور.
([138]) اختيار معرفة الرجال للشّيخ الطوسيّ 2: ٧٨٠.
([139]) فقه الشّريعة للسيّد فضل الله: 18 ـ 21.
([140]) صراط الحميد في نقد نظريّة التّقليد للشيخ عزّ الدّين بن محمّد البغداديّ: 246.
([141]) المصدر السّابق نفسه: 255.
([142]) الوافية في أصول الفقه للفاضل التّوني: 300.
([143]) الاجتهاد والتّقليد للسّيد رضا الصّدر: 156.
([144]) الاجتهاد والتّقليد للسّيد رضا الصّدر: 134.
([145]) فقه الحياة للسيّد فضل الله: 18 و19.
([146]) صراط الحميد في نقد نظريّة التّقليد للشيخ عزّ الدّين بن محمّد البغداديّ: 132.
([147]) تنقيح العروة الوثقى للسيّد الخوئيّ، باب التّقليد.
([148]) وسائل الشّيعة للحرّ العامليّ، الجزء ١٨، كتاب القضاء، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي، الحديث ٥١.
([149]) من مقدّمة «نهاية الوصول إلى علم الأصول»، في الجزء 5 للشيخ جعفر السّبحانيّ.
([150]) بيان الفقه في شرح العروة الوثقى للسيّد صادق الشيرازيّ، الاجتهاد والتّقليد، الجزء الثالث.
([151]) الدّرر النّجفيّة للشيخ يوسف البحرانيّ 1: 262.
([152]) القول المفيد في أهمّ مسائل التّقليد للشّيخ باقر بن أحمد بن خلف آل عصفور البحرانيّ، طبعة إلكترونيّة.
([153]) الاجتهاد والتّقليد للسيّد محمّد مفتي الشيعة الموسويّ 1: 72.
([154]) حباء الأحياء في التّسوية بين تقليد الأموات والأحياء، للشيخ أحمد بن عبد الرّضا آل حرز البحرانيّ: 39.
([156]) الدّرر النّجفيّة للشيخ يوسف البحرانيّ 2: 84.
([157]) حباء الأحياء في التّسوية بين تقليد الأموات والأحياء للشيخ أحمد بن عبد الرّضا آل حرز البحرانيّ: 33.
([158]) هامش «مع علماء النّجف الأشرف» للشّيخ محمّد جواد مغنية: 73.
([159]) فقه الشّريعة للسيّد فضل الله: 20.
([160]) التّقليد والاجتهاد للشيخ عبد الهادي الفضليّ: 88.
([161]) فقه الحياة للسيّد فضل الله: 22.
([162]) صراط الحميد في نقد نظريّة التّقليد للشيخ عزّ الدّين بن محمّد البغداديّ: 143 و144.
([163]) خطبة الجمعة للشيخ حسن الصّفّار بتاريخ 23 يوليو 2021م، والخبر منشور في شبكة «جهينة» الأخباريّة.
([164]) مقالة بعنوان «الاحتياط في الفتوى… دراسة في المفهوم والمناشئ والآثار» للسيّد أمير العليّ نشرت في مجلة «نصوص معاصرة» في 10 ديسمبر 2019م.
([165]) مقالة بعنوان «المرجع بين التّقليد والتّبعيض» للشيخ محمد العبيدان القطيفيّ منشورة على موقعه.
([166]) الاجتهاد والتّقليد للسيّد رضا الصّدر: 160.
([167]) مهذّب الأحكام للسيّد عبد الأعلى السّبزواريّ 1: 60.
([168]) الاجتهاد والتّجديد في الفقه الإسلاميّ للشيخ محمّد مهدي شمس الدّين: 155.
([169]) المصدر السّابق نفسه: 158.
([170]) صفحة السيّد علي السّيستانيّ، الاستفتاء رقم 52، قسم رؤية الهلال: مسألة أداء مناسك الحج من الوقوف بعرفة ومزدلفة وأعمال منى فإن تيسّر الاتيان بها في ازمنتها بموجب ثبوت الرؤية بحجّة شرعية فلا إشكال، ولا يجوز الاكتفاء بالوقوف معهم على الأحوط وجوباً، ويمكن الرّجوع في ذلك إلى مجتهدٍ آخر مع رعاية الأعلم فالأعلم.
([171]) وُجّه سؤال إلى السيّد فضل الله جاء فيه: أدّيت فريضة الحج في العام المنصرم بحمده تعالى، بناءً على رأي أحد العلماء المطروحين للمرجعيّة المشهود لهم بالفضل، مع أنّني من مقلديكم، نظراً لعدم توفر رسالة عملية لسماحتكم خاصّة بالحجّ، وبنيت في ذلك على مسألة التّبعيض الّتي يراها سماحتكم حسبما فهمت منها، هل تصحّ حجّتي أم يستلزم الإعادة؟ وجاء الجواب: الحجّ صحيح ولا تجب إعادته. (الصّفحة الرّسميّة للسيّد فضل الله).
([172]) مصباح المقلّدين للشيخ يوسف الصّانعي: 350، المسألة 2432، وجاء فيها: لو لاط الرّجل صبيّاً غير بالغٍ حرمت عليه أمّه وأخته وابنته، بل لو كان اللائط بالغاً كان الاحتياط في الحرمة، ولكن لو ظنّ الدّخول أو شكّ فيه، أو شكّ في بقيّة الأمور المذكورة، لم يحرمن عليه، كما لو جهل اللائط بسببيّة اللّواط للتّحريم الأبديّ، لم يخلُ عدم التّحريم من قوّة.
([173]) مقالة بعنوان «مسائل مهمّة حول رؤية الهلال» للشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ منشورة على موقعه الرّسميّ، قسم الاستفتاءات.
([174]) صحيفة الإمام، رسالة من الإمام الخمينيّ إلى الشّيخ محمّد عليّ الأنصاريّ، بتاريخ 10 آبان 1367هـ.ش الموافق 20 ربيع الأوّل 1409هـ.
([175]) الاجتهاد والتقليد للشيخ محمّد مهدي الكجوري الشيرازيّ: 300، المسألة 6.
([176]) رسالة في تقليد الميّت للشيخ عبد اللّطيف بن نور الدّين بن عليّ الشّيخ شهاب الدّين أحمد الجامعيّ، نسخة مخطوطة من تحقيق محمد جواد كاظم السّلاميّ: 24.
([177]) زينة العباد للشيخ زين العابدين بن مسلم المازندرانيّ: 21 (الطبعة الحجريّة).
([178]) الاجتهاد والتّقليد والحقّ والباطل والمشكلة الأساس مع جماعة علماء الدّين للشّهيد الشّيخ مرتضى المطهّريّ: 32.
([179]) الاجتهاد والتّقليد للسيّد رضا الصّدر، التبعيض في التّقليد: 347.
([180]) بين المكلّف والفقيه للشيخ محمّد أمين زين الدّين: 16.
([181]) موسوعة الفقه للسيّد محمّد الشيرازيّ 1، باب التقليد: 88، والمسائل المقداديّة للسيّد الشيرازيّ بتاريخ: 20/3/1416هـ.
([182]) الاجتهاد والتّجديد في الفقه الإسلاميّ للشيخ محمّد مهدي شمس الدّين: 158.
([183]) فقه الحياة للسيّد فضل الله: 26.
([184]) الاجتهاد والتّقليد للشيخ عبد الهادي الفضليّ، التّبعيض في التّقليد: 157.
([185]) رسالة القوانين الشرعيّة للسيّد محمّد عليّ الطّباطبائيّ الحسنيّ، الجزء 1، الحكم 37 و41.
([186]) نقلاً عن الشيخ عزّ الدّين بن محمّد البغداديّ العراقيّ على موقعه بالفيسبوك.
([187]) رسالة توضيح المسائل للشّيخ محمّد إبراهيم الجنّاتي، المسألة 11، مسائل تقليد، النسخة الفارسيّة.
([188]) توضيح المسائل للشّيخ محمّد حسين النّجفيّ (باكستان): 14 باللّغة الأرديّة.
([189]) أجوبة الاستفتاءات للسيّد عليّ الخامنئيّ 1: 10.
([190]) كتاب الاستفتاءات للسيّد محمّد تقي المدرّسيّ 1: 42.
([191]) جواب على استفتاء مرسل إلى مكتب السيّد محمّد مهدي الطباطبائيّ،
([192]) جواب من مكتب السيّد فضل الله على سؤال موجّه إليه العام 1999م.
([193]) جاء في أحد أجوبة الاستفتاءات على الموقع الرّسميّ للسيّد فضل الله: التّبعيض هو أن يقلد المكلَّف في بعض الأحكام مجتهداً ويقلِّد في البعض الآخر مجتهداً آخر، وهو جائز بين المرجع الّذي سبق تقليده وبين المرجع الحيّ، أمّا بين مرجعين حيّين، فهو غير جائز إلّا في حالات الضرورة العرفيّة.
([194]) جاء في أحد أجوبة الاستفتاءات على الموقع الرّسميّ للسيّد فضل الله: نحن نرى جواز التبعيض ولكن عند الحاجة و الحرج لا من جهة هوى النفس والمزاج الشخصيّ.
([195]) جاء في أحد أجوبة الاستفتاءات على الموقع الرّسميّ للسيّد فضل الله: رأينا أنه لا يجوز التبعيض على الأحوط وجوباً، إلا فيما فيه حرج على المكلف فيجوز له عندئذٍ الاعتماد على المرجع الحي الجامع للشرائط.
([196]) سورة الحجّ، الآية: 78.
([197]) جاء في أحد أجوبة الاستفتاءات على الموقع الرّسميّ للسيّد فضل الله السّؤال التّالي: تأخذون بالرأي الفلكي لرؤية هلال شهر رمضان، فهل بأمكاني التبعيض في هذه المسألة؟ وهل عند سماحتكم التبعيض بشكل مطلق في جميع المسائل؟ وكان الجواب: لا يمكن التبعيض في ذلك، أمّا التبعيض فهو في الحالات الملحّة الحرجة. وجاء في سؤال آخر ما يلي: يوجد أشخاص ممن ينوون تقليد سماحتك، إلا أنهم فوجئوا بأنك تحرِّم التدخين ولا تجوّز التبعيض في هذه المسألة، وهم ممن يدمنون التدخين، حتى وصل الأمر ببعضهم أن يقول إنه لا يستطيع تقليد السيد إذا أصرَّ على هذه المسالة. فما هو الحل في هذه الحالة؟ وجاء الجواب: المكلَّف عندنا بالخيار في تقليد من شاء من الفقهاء المتصدّين الجامعين لشروط التقليد، وذلك بغضِّ النظر عن كون فتواه في هذا الأمر أو ذاك توافق هواه أو لا توافقه.
([198]) جاء في أحد أجوبة الاستفتاءات على الموقع الرّسميّ للسيّد فضل الله السّؤال التّالي: الاسم: علي السيّد: زوجتي تقلّد السيّد الخامنئيّ، ولكنّ هي مقتنعة بفتوى السيّد فضل الله حول تحديد بداية رمضان ونهايته من خلال علم الفلك، هل يجوز لها الالتزام بفتوى السيّد فضل الله، وكان الردّ: المقلِّد لمرجع عليه العمل بفتواه في تحديد بداية الشهر إلّا إن اطمأن عن علم للرّأي الآخر.
([199]) قسم الاستفتاءات بموقع بيّنات.
([200]) النّدوة للسيّد فضل الله، الجزء الثامن، إجابة الأسئلة الفقهيّة.
([201]) فقه الشريعة للسيّد فضل الله، المسألة 43.
([202]) مستمسك العروة الوثقى للسيّد محسن الحكيم 1: 75.
([203]) بيان الفقه في شرح العروة الوثقى للسيّد صادق الشيرازيّ، الاجتهاد والتّقليد، الجزء الثالث.
([204]) المصدر السّابق نفسه، ثمّ عقّب الشيرازيّ بقوله: «أجازه بعضهم».
([206]) اليوم الموعود للسيّد محمّد محمّد صادق الصّدر 4: 20.
([207]) بحار الأنوار للعلّامة المجلسيّ، الجزء 86: 222.
([208]) مع علماء النّجف الأشرف للشيخ محمّد جواد مغنية: 41.
([209]) مذاهب فلسفيّة وقاموس مصطلحات للشيخ محمّد جواد مغنية: 119.
([210]) موقع الشّيخ حيدر حبّ الله الرّسميّ، جواباً لسؤال بعنوان «هل الاختلاف في التقليد ظاهرة صحيّة؟».
([211]) الموقع الإلكتروني: مقتبسات وحكم المفكر والدكتور عبد الجبّار الرفاعيّ.
([212]) مقدّمة كتاب الكافي للشيخ محمد الكلينيّ.
([213]) بيان الفقه في شرح العروة الوثقى للسيّد صادق الشيرازيّ، الاجتهاد والتّقليد 1.
([214]) مقدّمة كتاب مَن لا يحضره الفقيه للشيخ أبي جعفر الصّدوق.
([215]) القواعد و الفوائد و الاجتهاد و التقليد (مفاتيح الأصول) السيد محمد الطباطبائي المجاهد: 624.
([216]) مقدّمة كتاب الوافي للشيخ محمّد الملقّب بالفيض الكاشانيّ.
([217]) مقدّمة كتاب منبع الحياة وحجيّة قول المجتهد من الأموات للسيّد نعمة الله الجزائريّ.
([218]) الدّرر النّجفيّة للشيخ يوسف البحرانيّ 1: 285.
([219]) خير الزاد ليوم المعاد تأليف عبد المحسن حسين الخاقانيّ 1: 89 و100.
([220]) القول المفيد في أهمّ مسائل التّقليد للشّيخ باقر بن أحمد بن خلف آل عصفور البحرانيّ، طبعة إلكترونيّة.
([221]) الذّريعة إلى تصانيف الشّيعة لآغا بزرك الطّهرانيّ 4: 390.
([222]) بين المكلّف والفقيه للشيخ محمّد أمين زين الدّين، المسألتان 7 و9.
([223]) مطارح الأنظار للشيخ أبي القاسم الكلانتري: 429، محيلاً على حاشية الشرائع (مخطوط) وعنه في الوافية.
([224]) بيان الفقه في شرح العروة الوثقى للسيّد صادق الشيرازيّ، الاجتهاد والتّقليد، الجزء 1.
([225]) مجمع الفائدة للشيخ أحمد الأردبيليّ 12: 14.
([226]) مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه للشيخ حسين النّوري الهمدانيّ: 149 نقلاً عن كتاب مطارح الأنظار: 256.
([227]) تقرير بحث شريف العلماء: 384 (مخطوط). نقلاً عن بيان الفقه في شرح العروة الوثقى للسيّد صادق الشيرازيّ، الاجتهاد والتّقليد، المسألة 9.
([228]) حكاه السيد الصدر في شرح الوافية: ٤٧٠، ونقلناه عن مطارح الأنظار الجزء الثاني، للشيخ أبي القاسم الكلانتريّ.
([229]) الذريعة إلى تصانيف الشّيعة لآغا رضا الطّهرانيّ، الجزء الرابع: 392، والنصّ منقول من رسالة في تقليد الميّت للشيخ عبد اللّطيف بن نور الدّين بن عليّ الشّيخ شهاب الدّين أحمد الجامعيّ، نسخة مخطوطة من تحقيق محمد جواد كاظم السّلاميّ: 24.
([230]) الوافية في أصول الفقه للفاضل التوني: 307.
([231]) مطارح الأنظار للشيخ أبي القاسم الكلانتري: 267.
([232]) الذّريعة إلى تصانيف الشيعة لآغا بزرك الطّهرانيّ 4: 390.
([233]) الوافي في شرح الوافية للسيّد محسن الأعرجيّ 2: 306.
([234]) جامع الشّتات للمحقّق القمّيّ، كتاب النّكاح 2: 420.
([235]) المصدر السّابق نفسه: 440.
([236]) الاجتهاد والتّقليد للشّيخ عبد الهادي الفضليّ: 125.
([237]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة لآغا بزرك 4: 393.
([238]) ضوابط الأصول للسيّد إبراهيم القزوينيّ الحائريّ: 476.
([239]) لم نقف على مستند النّسبة، إلّا ما ذكره الشيخ محسن العصفور البحرانيّ.
([240]) لم نقف على مستند النّسبة، إلّا ما ذكره الشيخ فاضل البديري في كتابه «كشف الأسرار في تقليد الفقيه الميّت في الابتداء والاستمرار».
([242]) حقائق الأحكام في رسالات الاسلام للكاظميّ: 19.
([243]) لم نقف على مستند النّسبة، إلّا ما ذكره الشيخ فاضل البديري في كتابه «كشف الأسرار في تقليد الفقيه الميّت في الابتداء والاستمرار».
([246]) نقلاً عن بيان الفقه للسيّد صادق الشيرازيّ: 282.
([247]) رسالة الإسلام سبيل السعادة والسّلام للشّيخ محمّد محمّد مهدي الخالصيّ: 277.
([248]) لم نقف على مستند النّسبة، إلّا ما ذكره الشيخ فاضل البديري في كتابه «كشف الأسرار في تقليد الفقيه الميّت في الابتداء والاستمرار».
([249]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة لآغا بزرك الطّهرانيّ 4: 390.
([251]) مستمسك العروة الوثقى للسيّد محسن الحكيم 1: 19.
([252]) المصدر السّابق نفسه: 22.
([253]) لم نقف على مستند النّسبة، إلّا ما ذكره الشيخ فاضل البديري في كتابه كشف الأسرار في تقليد الفقيه الميّت في الابتداء والاستمرار.
([254]) نجل المرجع الدّينيّ الشيخ عبد الحميد بن المرجع الدّينيّ (نزيل المحمّرة) الشيخ عيسى آل شبير الخاقانيّ، وشقيق الشيخ محمّد طاهر هو المرجع الدينيّ الشيخ عيسى، وهو مجتهد وله بحث خارج.
([255]) صفحة الفيسبوك للدكتور الشيخ عيسى بن عبدالحميد الخاقاني (شقيق الشيخ محمد طاهر).
([256]) شقيق الإمام المغيّب السيّد موسى الصّدر، وقد تتلمذ على كبار العلماء كالحجّة الكوهكمريّ والسيّد الدّاماد، وقد درّس الخارج فقهاً وأصولاً.
([257]) الاجتهاد التجديد في الفقه الإسلامي للشيخ محمّد مهدي شمس الدّين: 148.
([258]) أحد فقهاء أصفهان المعاصرين، وهو حائز على إجازة الاجتهاد من عدد العلماء، ولديه بعض الآراء الفقهيّة والأصوليّة التي أحدثت جدلاً واسعاً.
([259]) تعليقة السيّد محمد جواد الغرويّ الإصفهانيّ على رسالة توضيح المسائل للسيّد البروجرديّ بالفارسيّة.
([260]) أحد الفقهاء والمفسّرين المعاصرين، ومن مراجع الدّين، صاحب كتاب الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة.
([261]) توضيح المسائل نوين للشيخ محمّد الصّادقيّ الطّهرانيّ.
([262]) رسالة القوانين الشرعيّة للسيّد محمّد عليّ الطّباطبائيّ الحسنيّ، الجزء 1، الحكم: 42 و43.
([263]) موقع الشيخ قربان علي الكابليّ، قسم الاستفتاءات الحديثة، خلافاً لما ذكره في رسالته توضيح المسائل السّابقة على هذا الاستفتاء.
([264]) أحد تلاميذ الإمام الخمينيّ، وعضو مجلسَي خبراء القيادة وصيانة الدستور في الجمهورية الاسلامية في إيران، وقد أكمل ثلاث دورات أصوليّة، وكان يدرّس البحث الخارج في الفقه أيضاً.
([265]) تسديد الأصول للشيخ محمّد المؤمن القمّيّ 2: 553.
([266]) موقع السيّد محمد سعيد الحكيم، قسم الاستفتاءات، شروط مرجع التّقليد.
([267]) المصدر السّابق نفسه، قسم الاستفتاءات، تقليد الميّت.
([268]) في جلسة مباحثة بتاريخ 20 ادريبهشت 1393هــ.ش.
([269]) الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض، منهاج الصّالحين، الجزء 1، المسألة 8.
([270]) مرجع دينيّ من جمهوريّة باكستان الإسلاميّة، ومقيمٌ فيها، وقد تتلمذ على يد أكابر علماء النّجف كالسّبزواريّ والمستنبط، وله آراء تخالف السّائد، وللأسف نتاجه العلميّ غير مترجم للعربيّة.
([271]) توضيح المسائل لمحمّد حسين النّجفيّ (باكستان): 14 باللّغة الأرديّة.
([272]) موقع الشيخ محمّد إبراهيم الجنّاتي، قسم «فتاواه المختارة».
([273]) حفيد الإمام المصلح الشيخ محمد مهدي الخالصيّ، وهو اليوم أحد رجال المرجعيّة الخالصيّة المعاصرين.
([274]) استفتاء خطّيّ للشيخ محمّد مهدي الخالصيّ.
([275]) مجتهد وله بحث خارج، وهو نجل المرجع الدّينيّ الشيخ عبد الحميد ابن المرجع الدّينيّ الشيخ عيسى آل شبير الخاقانيّ (نزيل المحمّرة)، وشقيقه المرجع الدينيّ الشيخ محمّد طاهر.
([276]) استفتاء منشور في قناة الشيخ عيسى الخاقانيّ الرسميّة على تطبيق التّلغرام بتاريخ 5 شباط 2018.
([277]) فقيه وسياسيّ عراقيّ، هو حفيد الإمام المجاهد السيّد محمّد الحسنيّ البغداديّ، درس على جدّه والإمام الخوئيّ، ونال إجازة الاجتهاد من الشهيد الشيخ عليّ الغرويّ، له العديد من المقالات والمؤلفات الدينيّة.
([278]) موقع السيّد أحمد الحسنيّ البغداديّ، ذكرت المعلومة في قسم السّيرة الذّاتيّة.
([279]) من العلماء المغمورين، فقيه وأستاذ بحث خارج في الحوزة العلميّة بكابول، تولّى رئاسة مجلس علماء الشيعة في أفغانستان خلفاً للشيخ آصف محسني، وهو من تلامذة الشهيد الصّدر والسيّد الخمينيّ والسيّد الخوئيّ.
([281]) مرجع إیرانيّ مقیم بمدینة مشهد، وهو نجل المرجع السيّد عز الدّين الزنجانيّ، حاز إجازة الاجتهاد المطلق من السیّد إبراهیم علم الهدی السّبزواريّ ووالده وعدد من العلماء.
([282]) استفتاء خاصّ وجّهناه إلى السيّد محمّد الحسينيّ الزنجانيّ عبر موقعه الرّسميّ.
([283]) مرجع دينيّ لبنانيّ مقيم في أمريكا، ولد في النجف الأشرف، وتخرّج في كليّة الفقه، درس على السيّد الخوئي، وهو يشرف على العديد من المؤسسات الإسلاميّة في أمريكا منذ عام 1981، وله العديد من المقالات والمؤلفات الدينيّة. أعلن مرجعيته في المراسيم التي أقيمت بمناسبة مرور أربعين يوما على وفاة السيّد محمد حسين فضل الله.
([284]) الفقه العمليّ للشيخ عبد اللّطيف بريّ: 24.
([285]) موقع السيّد كمال الحيدريّ، قسم الاستفتاءات.
([286]) فقيه ومفسّر قرآنيّ، وأستاذ في الدّراسات العليا في الحوزة العلميّة بإصفهان، وعضو الهيئة العلميّة لجامعة آزاد ـ نجف آباد، وهو حاصل على إجازة الاجتهاد من المرحوم الشيخ حسين المنتظريّ.
([287]) توضيح المسائل للشيخ أحمد عابدينيّ، المسألة 18.
([288]) مجتهد ومفسّر قرآنيّ، وأستاذ بحث خارج في الحوزة العلميّة بإيران، عضو الهيئة العليا للمجمع العالميّ لأهل البيت.
([289]) موقع الشيخ محمّد هادوي الطّهرانيّ، قسم الاستفتاءات.
([290]) جواب الشيخ حيدر حبّ الله على سؤال خاصّ لكاتب المقالة بتاريخ 3 سبتمير 2021م.
([291]) زينة العباد للشيخ زين العابدين بن مسلم المازندرانيّ: 19 (الطبعة الحجريّة).
([292]) محقّق وأصوليّ مدقّق، وهو من أكابر العلماء في علم الأصول، ويمثّل المدرسة الموازية للمحقّق النائينيّ، وهو أستاذ السيّدين محسن الحكيم وأبي القاسم الخوئيّ.
([293]) مقالات الأصول للمحقّق العراقيّ 2، المقالة 27: التّقليد.
([294]) ذكر ذلك الشيخ محمّد هاشم الصّالحيّ الأفغانيّ نقلاً عن أستاذه الشهيد محمّد باقر الصّدر في درس البحث الخارج في الفقه الحلسة 25.
([295]) مهذب الأحكام للسيّد السّبزواريّ: 23.
([296]) تهذيب الأصول للسيّد السّبزواريّ 2: 120.
([297]) موسوعة الفقه للسيّد محمد الشيرازيّ: 106.
([298]) فقه الحياة للسيّد فضل الله: 8.
([299]) مقالة للشيخ محمّد عباس دهينيّ بعنوان «المرجعيّة الرشيدة: جولة في حياة السيد فضل الله وأعماله الفكريّة والسياسيّة والخيريّة»، نشر على موقعه وفي موقع نصوص معاصرة.
([300]) كتاب النّدوة للسيّد فضل الله، الجزء 8.
([301]) التّقليد والاجتهاد للشيخ عبد الهادي الفضليّ: 141.
([302]) مرجع دينيّ في إيران، نال إجازة الاجتهاد من السيّد عبد الهادي الشيرازيّ، والسيّد الخوئيّ والشيخ محمّد كاظم الشيرازيّ، وهو مؤلف كتاب»مباني منهاج الصالحين».
([303]) الغاية القصوى في التّعليق على العروة للسيّد تقيّ الطباطبائيّ القمّيّ: 48.
([304]) الدّلائل في شرح منتخب المسائل للسيّد تقيّ الطّباطبائيّ القمّيّ 1: 16.
([305]) تعليقة الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ على «العروة الوثقى» 1: 14.
([306]) موقع الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، قسم الاستفتاءات، البقاء على تقليد الميّت.
([307]) توضيح المسائل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، المسألة 10.
([308]) توضيح المسائل للشيخ يد الله الدّوزدوزانيّ التّبريزيّ، التّقليد، المسألة 2.
([309]) موقع السيّد عليّ الخامنئي، قسم الاستفتاءات.
([310]) أجوبة الاستفتاءات للسيّد عليّ الخامنئيّ، السّؤال 34.
([311]) بيان الفقه في شرح العروة الوثقى للسيّد صادق الشيرازي، باب الاجتهاد والتّقليد، المسألة 9.
([312]) أحكام الإسلام للسيّد محمّد تقي المدرسيّ، المسألة 7.
([313]) موقع السيّد محمّد تقي المدرسيّ، قسم الاستفتاءات.
([314]) فقيه أفغانيّ معاصر، ومن أساتذة بحث الخارج في حوزة قم، درس عند الإمام الخميني والشهيد الصدر وعدد من العلماء الأعلام في النجف وقم، وله رسالة عمليّة منشورة.
([315]) توضيح المسائل للشيخ محمّد باقر الموحّدي النّجفيّ، المسألة 14.
([316]) فقيه عراقيّ معاصر، تتلمذ عند عدد من العلماء الأعلام في النجف وكان من أبرز تلامذة الصّدر الثّاني، وله تعليقة على رسالته الصراط القويم نشرها باسم النّهج الواضح.
([317]) النهج الواضح: 6 حاشية الشيخ قاسم الطائيّ على المسألة 6.