د. مجيد ملاّ يوسفي(*)
د. داوود معماري(**)
مقدّمةٌ
إن من بين المسائل الهامّة التي شغلت منذ القِدَم حيّزاً كبيراً من اهتمام علماء اللاهوت المسيحي الخوض في مختلف الأبحاث الخاصّة بمفهوم الخطيئة، وكيفية تعريفها. فهل الخطيئة مجرّد فعلٍ وتجاوزٍ مَحْضٍ للقانون الإلهي، أو هي بالإضافة إلى ذلك تشير إلى حالةٍ وجودية أيضاً؟ وهل يجب اعتبار الخطيئة حالةً وجودية وعلّةً لذنوب الشخص أو لا؟ وما هو الشأن بالنسبة إلى الأطفال؟ فهل يولد الأطفال خاطئين أو أنهم يصبحون مخطئين بعد نقضهم للقانون الإلهي؟ وهل الإنسان مخطئٌ لأنه يقترف المعاصي أم أنه يقترف المعاصي لكونه يُولَد مخطئاً؟ وما الذي ورثناه نحن البشر من أبينا آدم؟ وهل تركت الخطيئة الأولى التي ارتكبها أبونا آدم تأثيرها علينا أم لا؟ وهل مصطلح «الخطيئة الأولى»([1]) عند المسيحيّين هو، مثل مصطلح «الثالوث»، مصطلحٌ كلاميّ لم يَرِدْ التصريح به في الكتاب المقدَّس، ومع ذلك فقد تمّ تخصيص قسم كبير من الكتاب المقدَّس لمسألة الخطيئة وتداعياتها؟ ومن هنا سعى المتكلِّمون المسيحيّون للعثور على جذور البحث عن الخطيئة الأولى في الكتاب المقدَّس.
كما تمّ الاهتمام في الإسلام بشكلٍ خاصّ بالمعصية، وماهيّتها، وتَبِعاتها على الإنسان في الدنيا والآخرة. فقد أشار القرآن الكريم إلى المعصية بمختلف الألفاظ والعبارات المتنوّعة، من قبيل: الإثم، والسيّئة، والجُرْم، والحرام، والخطيئة، والفِسْق، والمُنْكَر، واللَّمَم، والذنب، والعصيان، والحِنْث. ومن خلال النظر في ما ذكره المفسِّرون على هامش كلٍّ من هذه المفردات والمصطلحات رُبَما يمكننا أن نستنتج أن المعصية وإنْ ورد ذكرها في القرآن بمختلف التعابير، إلاّ أن كلاًّ من هذه التعابير يبيِّن جانباً من خصائص المعصية، والقدر المشترك بين جميع هذه الألفاظ هو أنها بأجمعها تعبِّر عن أعمال وممارسات قبيحة، وذات تداعيات سيّئة، يعمل الإنسان بارتكابها على مخالفة التعاليم والأحكام الإلهية. وقد عرَّف العلاّمة الطباطبائي المعصية بقوله: «هي ما فيه هتك حرمة العبودية، ومخالفة مولوية، ويرجع بالآخرة إلى قولٍ أو فعلٍ ينافي العبودية منافاةً ما»([2]).
والنقطة الهامّة في هذا الخصوص هي أنه قد ورد في بعض المواضع من القرآن استعمال مفردة الذنب والعصيان بالنسبة إلى الأنبياء، ومن بينهم: النبيّ آدم. فقد تحدّث القرآن في آياتٍ متعدّدة عن ذنب ومعصية آدم وحواء، وتداعيات ذلك([3]). ومن هنا فقد شغل هذا السؤال الهامّ أذهان المفسِّرين والمتكلِّمين والمفكِّرين المسلمين طوال التاريخ؛ إذ أخذوا يتساءلون عن ماهية المعصية والذنب الذي ارتكبه آدم؟ وما هو حجم تداعيات هذه المعصية؟ وقد اتّخذت هذه المسألة في السنوات الأخيرة أبعاداً جديدة، بالالتفات إلى انطلاق الدراسات المقارنة بين الإسلام والمسيحية. وعلى هذا الأساس انصبّ سَعْينا في هذه المقالة على التأمّل في الأبعاد المتنوّعة لهذه المسألة في إطار البحث المقارن. ولهذه الغاية سوف نبدأ أوّلاً ببيان الرؤية المسيحيّة في هذا الشأن، لننتقل بعد ذلك إلى البحث والتنقيب في رؤية المسلمين. وسوف يكون اعتمادنا الأكبر في هذه الدراسة على النصوص المسيحيّة والإسلاميّة المقدَّسة.
1ـ مَدَيات «الخطيئة» في الكتاب المقدَّس
لقد تمّ بحث الخطيئة في الكتاب المقدَّس من حيث السعة([4])، ومن حيث العُمْق أيضاً([5]). ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنه جاء في باب سعة الخطيئة في الكتاب الأول من سِفر الملوك: «إذا أخطأوا إليك؛ لأنه ليس إنسانٌ لا يخطئ»([6]). وكذلك ورد في مزامير داوود: «الكلّ قد زاغوا، معاً فسدوا، ليس مَنْ يعمل صلاحاً، ليس ولا واحد»([7]). وجاء في كتاب الجامعة: «لأنه لا إنسان صدّيق في الأرض، يعمل صلاحاً، ولا يُخطئ»([8]). ونقرأ في رسالة بولس إلى أهل رومية: «…كما هو مكتوبٌ أنه ليس بارٌّ، ولا واحد»([9])؛ ونقرأ أيضاً: «إذ الجميع أخطأوا…»([10]).
طبقاً لما ورد في الكتاب المقدَّس لا يقتصر اقتراف المعاصي على الناس العاديين فقط، وإنما الأنبياء أيضاً، من أمثال: نوح وإبراهيم وداوود، كانوا يرتكبون المعاصي، من قبيل: شرب الخمر، والكذب، والزِّنا، والقتل([11]). ومن ذلك أنه ورد في سِفر الوجود على سبيل المثال: «وَابْتَدَأَ نُوحٌ يَكُونُ فَلاَّحاً، وَغَرَسَ كَرْماً، وَشَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ، فَسَكِرَ وَتَعَرَّى دَاخِلَ خِبَائِهِ، فَأَبْصَرَ حَامٌ أَبُو كَنْعَانَ عَوْرَةَ أَبِيهِ، وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ خَارِجاً، فَأَخَذَ سَامٌ وَيَافَثُ الرِّدَاءَ، وَوَضَعَاهُ عَلَى أَكْتَافِهِمَا، وَمَشَيَا إِلَى الْوَرَاءِ، وَسَتَرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا وَوَجْهَاهُمَا إِلَى الْوَرَاءِ، فَلَمْ يُبْصِرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا»([12]).
وجاء في خصوص إبراهيم×: «وَحَدَثَ لَمَّا قَرُبَ أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَ أَنَّهُ قَالَ لِسَارَايَ امْرَأَتِهِ: «إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ امْرَأَةٌ حَسَنَةُ الْمَنْظَرِ، فَيَكُونُ إِذَا رَآكِ الْمِصْرِيُّونَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: هذِهِ امْرَأَتُهُ، فَيَقْتُلُونَنِي وَيَسْتَبْقُونَكِ، قُولِي: إِنَّكِ أُخْتِي؛ لِيَكُونَ لِي خَيْرٌ بِسَبَبِكِ، وَتَحْيَا نَفْسِي مِنْ أَجْلِكِ»([13]). وطبقاً لما ورد في رواية الكتاب المقدَّس: إن فرعون ضمّ ساراي إلى بيته، وخلع لذلك الكثير من الهدايا على إبراهيم([14]). ولكنْ بعد أن تبيَّنَتْ حقيقة الأمر لفرعون استدعى إبراهيم إليه، وقال له: «مَا هذَا الَّذِي صَنَعْتَ بِي؟ لِمَاذَا لَمْ تُخْبِرْنِي أَنَّهَا امْرَأَتُكَ؟ لِمَاذَا قُلْتَ: هِيَ أُخْتِي، حَتَّى أَخَذْتُهَا لِي؛ لِتَكُونَ زَوْجَتِي؟ وَالآنَ هُوَذَا امْرَأَتُكَ! خُذْهَا وَاذْهَبْ»([15]).
وهناك نصٌّ بشأن داوود× يقول: «كَانَ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ أَنَّ دَاوُودَ قَامَ عَنْ سَرِيرِهِ، وَتَمَشَّى عَلَى سَطْحِ بَيْتِ الْمَلِكِ، فَرَأَى مِنْ عَلَى السَّطْحِ امْرَأَةً تَسْتَحِمُّ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ جَمِيلَةَ الْمَنْظَرِ جِدّاً، فَأَرْسَلَ دَاوُودُ وَسَأَلَ عَنِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ وَاحِدٌ: «أَلَيْسَتْ هذِهِ بَثْشَبَعَ بِنْتَ أَلِيعَامَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ؟». فَأَرْسَلَ دَاوُودُ رُسُلاً، وَأَخَذَهَا، فَدَخَلَتْ إِلَيْهِ، فَاضْطَجَعَ مَعَهَا، وَهِيَ مُطَهَّرَةٌ مِنْ طَمْثِهَا. ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا، وَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ، فَأَرْسَلَتْ وَأَخْبَرَتْ دَاوُودَ، وَقَالَتْ: «إِنِّي حُبْلَى»، فَأَرْسَلَ دَاوُودُ إِلَى يُوآبَ يَقُولُ: «أَرْسِلْ إِلَيَّ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ»، فَأَرْسَلَ يُوآبُ أُورِيَّا إِلَى دَاوُودَ»([16]). وطبقاً لما ورد في الكتاب المقدَّس فإن داوود أخذ يبحث عن مخرجٍ من هذا المأزق، حتّى اضطرّ في نهاية المطاف إلى قتل زوج تلك المرأة في ساحة القتال: «وَلَمَّا مَضَتِ الْمَنَاحَةُ أَرْسَلَ دَاوُودُ وَضَمَّهَا إِلَى بَيْتِهِ، وَصَارَتْ لَهُ امْرَأَةً، وَوَلَدَتْ لَهُ ابْناً. وَأَمَّا الأَمْرُ الَّذِي فَعَلَهُ دَاوُودُ فَقَبُحَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ»([17])، فأرسل الله النبيّ ناثان إلى داوود؛ ليبلِّغه أن الله سوف يعاقبه على فعلته، «فَقَالَ دَاوُودُ لِنَاثَانَ: قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى الرَّبِّ»([18]).
وكما قال بعضٌ، فإنه بالإضافة إلى النصوص التي تشير صراحةً إلى عمومية الخطيئة، فإن هذه الحقيقة القائلة ـ من وجهة نظر الكتاب المقدَّس ـ: إن جميع الناس بحاجة إلى التضحية بالسيّد المسيح([19])، والولادة من جديد([20])، والتوبة([21])، تثبت أن الجميع الناس قد تدنَّسوا بالخطيئة. والاستدلال الآخر في هذا الشأن هو أن الموت ـ طبقاً لنصوص الكتاب المقدَّس ـ عقوبةٌ على الخطيئة؛ «لأن أجرة الخطيئة هي موتٌ، وأما هبة الله فهي حياةٌ أَبَدية بالمسيح يسوع ربّنا»([22]). ومن ناحيةٍ أخرى نعلم أن الموت مكتوبٌ على الناس كافّةً؛ وعليه يمكن أن نستنتج من ذلك أن الناس كلّهم مخطئون([23]).
ولكنْ ما هو عمق رسوخ الخطيئة فينا؟ فهل نحن صالحون في ذواتنا، وننتهك القوانين الإلهية بفعل الوساوس، أم نحن أشرارٌ في ذواتنا، ونرتكب الذنوب انطلاقاً من وحي الشرّ المتأصِّل فينا؟ وبعبارةٍ أخرى: هل الخطيئة فينا نحن البشر مجرَّد فعل وسلوك أم هي حالةٌ وجودية فينا؟ إن الكتاب المقدَّس بشكلٍ عامّ ينظر إلى الخطيئة بوصفها عملاً وفعلاً. إن المفردة التي استعملت في العهد القديم أكثر من غيرها للدلالة على الخطيئة (sin) هي مفردةٌ عبرية «chatta’ah»([24])، وهي تعني الخطأ المتعمّد الذي يستحقّ فاعله اللَّوْم، وليس مجرّد الخطأ السَّهْوي. يُضاف إلى ذلك أن هناك مفردات عبرية أخرى تعبِّر عن هذا المفهوم، وهو أن الخطيئة من وجهة نظر العهد القديم هي فعلٌ وسلوك أكثر منها حالةً وجودية. ومن ذلك، على سبيل المثال: مفردة «shâgâh»، التي تعني «السير على غير هدىً»([25])، أو مفردة «pesha»، التي تعني «التمرُّد»([26]).
إن أكثر المفردات المستعملة في العهد الجديد للدلالة على الخطيئة هما: المفردتان اليونانيتان: «hamartanō»([27]) و«hamartia»([28])، وقد ورد ذكرهما في النصّ اليوناني للعهد الجديد على التوالي 43 و176 مرّة([29]). إن هاتين المفردتين تشيران إلى أن الخطيئة تستعمل في العهد الجديد على ما يبدو للدلالة على ارتكاب الخطيئة. وعلى أيّ حالٍ هناك الكثير من العبارات في العهد القديم وفي العهد الجديد التي تمَّتْ الإشارة فيها إلى الخطيئة بوصفها حالةً وجودية. ومن ذلك، على سبيل المثال، أن النبيّ إرمياء يعتبر الخطيئة نوعاً من الأمراض الروحية والنفسية التي تؤثِّر على قلب الإنسان، ومن هنا فإنه يقول: «القلب أخدع كلّ شيءٍ، وهو نجيسٌ، مَنْ يعرفه؟!»([30]). وقال النبيّ داوود في المزامير: «ها أنا ذا بالإثم صُوِّرتُ، وبالخطيئة حبلَتْ بي أمّي»([31])، ومن هنا فإنه يتوجّه إلى الله بالقول: «طهِّرْني بالزوفا فأطهر، اغسلني فأبيضّ أكثر من الثلج»([32])، و«قلباً نقيّاً اخلق فـيَّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدِّدْ في داخلي»([33]). وقال بولس الرسول في هذا الشأن: «فإنْ كنت ما لست أريده إياه أفعل فلست بعد أفعله أنا، بل الخطيئة الساكنة فـيَّ. إذن أجد الناموس لي حينما أريد أن أفعل الحسنى أن الشرّ حاضرٌ عندي. فإني أسرّ بناموس الله بحَسَب الإنسان الباطن. ولكنّي أرى ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني، ويسبيني إلى ناموس الخطيئة الكائن في أعضائي»([34]).
إن الشخص الوحيد المنزَّه في الكتاب المقدَّس من الوقوع في أَسْر الخطيئة هو عيسى المسيح فقط. فقد ورد في رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين حول المسيح: «…رئيس كهنة مثل هذا قدّوسٌ، بلا شرٍّ، ولا دَنَسٍ، قد انفصل عن الخطاة…»([35])؛ وجاء في الرسالة الأولى لبطرس: «الذي لم يفعل خطيّة، ولا وجد في فمه مَكْرٌ»([36]).
والسؤال الذي يَرِدُ هنا: ما هو منشأ هذه الطبيعة الآثمة في وجودنا؟ هل يمكن اعتبار ذلك هو الخطيئة الأولى لآدم وحوّاء أم لا؟
2ـ الخطيئة الأولى في سائر النصوص المقدَّسة لدى المسيحيّين
لم تَرِدْ نظرية الخطيئة الأولى في نصّ الكتاب المقدَّس بشكلٍ منهجي أو منظَّم، وإنما يقوم هذا المفهوم في واقع الأمر على عباراتٍ مبعثرة في الكتاب المقدَّس. وقد عمل علماء اللاهوت المسيحي على مدى قرونٍ من أجل ضمّ هذه العبارات إلى بعضها، والخروج منها بإثبات هذه النظرية. إن الجزء الأهمّ الذي تمّ فيه الاستناد إلى العهد القديم في هذا الشأن هو القسم الثالث من سِفر التكوين، الذي يشتمل على قصّة هبوط آدم، بَيْدَ أن النقطة الهامّة في قصّة هبوط آدم في سِفر التكوين هي أن هذه القصّة إنما تشير إلى التداعيات والتَّبِعات المترتِّبة على معصية آدم وحواء، من قبيل: آلام المخاض والولادة بالنسبة إلى المرأة([37])، والعذاب والعَنَت في تحصيل الرزق والمعاش([38])، والموت([39]). وقد ورد في سِفر إشعياء أن الله قال: «أبوك الأوّل أخطأ، ووسطاؤك عصَوْا عليّ»([40]). وكذلك ورد في سِفر هوشع أن الله قال في بني إسرائيل: «ولكنهم كآدم تعدَّوْا العهد، هناك غدروا بي»([41]). ولكنْ بغضّ النظر عن هاتين الفقرتين، اللتين تشيران بحَسَب الظاهر إلى هبوط الإنسان، لا يوجد نصٌّ صريح في العهد القديم يربط خطيئة آدم بالطبيعة المدنَّسة للإنسان.
إن من بين المصادر الهامّة التي تحدَّثت عن الخطيئة الأولى وتداعياتها كتب الأبوكريفا([42]) من العهد القديم. ومن ذلك، على سبيل المثال، أنه جاء في كتاب حكمة يشوع بن سيراخ ـ وهو من كتب الأبوكريفا من العهد القديم ـ: «من المرأة ابتدأَتْ الخطيئة، وبسببها نموت نحن أجمعون»([43]). وجاء في كتاب حكمة سليمان ـ وهو الآخر من أسفار الأبوكريفا في العهد القديم ـ ما يلي: «إن الله خلق الإنسان خالداً، وصنعه على صورة ذاته، لكنْ بحَسَد إبليس دخل الموت إلى العالم؛ فيذوقه الذين هم من حزبه»([44]). إن هذه النصوص هي أوّل مَنْ أشار إلى صلة الموت بخطيئة آدم وحوّاء. ومع ذلك لا نجد في عباراتها ما يثبت أن خطيئة آدم وحوّاء قد انتقلت إلى ذرّيتهما.
كما جاء في النصوص الرؤيوية لليهود([45]) ـ والتي كُتبت ما بين عام 200 قبل الميلاد إلى عام 150 بعد الميلاد ـ اعتبار الموت عقوبةً يتمّ توارثها عبر الأجيال. وقد تمّ في هذا الخصوص إلقاء اللوم تارةً على حوّاء، وتارةً أخرى على آدم. ومن ذلك، على سبيل المثال: جاء في رؤيا موسى (القرن الأول للميلاد) أن آدم قال لحوّاء: «لماذا نشرْتِ الضياع والتيه بيننا، وتسبّبْتِ بالغضب العظيم علينا، والذي تجلّى على شكل موتٍ يطال جميع ذرّيتنا؟»([46]).
وفي الكتاب الرابع لـ (عزرا) (100 للميلاد) ورد أن عزرا قال في أثناء حواره مع الله: «لقد أجريْتَ عليه حكماً من أحكامك، ولكنّه عصاكَ؛ فحكمْتَ عليه وعلى أعقابه بالموت»([47]).
ونقرأ في مكاشفات باروخ (القرن الثاني للميلاد): «عندما ارتكب آدم الخطيئة، وحكم على المواليد بالموت، زاد عدد الذين يولدون»([48]). وجاء فيه أيضاً: «لقد ارتكب آدم الخطيئة أوّل الأمر، وتسبَّب بالموت إلى أناسٍ لم يكونوا في زمانه»([49]). ونقرأ فيه أيضاً: «إذ عندما أخطأ آدم دخل الموت إلى حيِّز الوجود فجأةً»([50]).
في هذه العبارات المنقولة عن النصوص الرؤيوية يعتبر موت البشر نتيجةً وتَبِعةً من نتائج وتَبِعات خطيئة آدم وحوّاء. بَيْدَ أن هناك عبارات أخرى في ذات هذه النصوص تذكر أن هبوط آدم هو الذي أدّى إلى هبوط جميع الناس. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ: ما ورد في الكتاب الرابع لعزرا؛ إذ يقول: «ماذا صنعْتَ يا آدم؟! فمع أنك أنت التي أذنبْتَ بَيْدَ أن الهبوط لم يقتصر عليك، بل طالنا أيضاً؛ لأننا من أعقابك»([51]). وفي كتاب حياة آدم وحوّاء (القرن الأوّل للميلاد) تُعزى أخطاء جميع الأجيال إلى حوّاء؛ إذ يقال: «قال آدم لحوّاء: ماذا فعلْتِ؟ لقد تسبّبْتِ لنا بجرحٍ بالغ؛ حتّى تأصَّلَتْ الخطيئة والمعصية في جميع أجيالنا».
وأما في العهد الجديد فإن الشخص الوحيد الذي ربط هبوط الإنسان بموتنا نحن البشر، وطبيعتنا المدنَّسة بالمعاصي والآثام، هو بولس الرسول؛ فقد قال في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس: «فإنه إذ الموت بإنسانٍ، بإنسان أيضاً قيامة الأموات؛ لأنه كما في آدم يموت الجميع…»([52]). وقال في رسالته إلى أهل رومية: «من أجل ذلك كأنما بإنسانٍ واحد دخلت الخطيّة إلى العالم، وبالخطيّة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس؛ إذ أخطأ الجميع»([53]). وقال في رسالته إلى أهل أفسس: «وأنتم إذ كنتم أمواتاً بالذنوب والخطايا التي سلكتم فيها قَبْلاً، حَسْب دهر هذا العالم، حَسْب رئيس سلطان الهواء، الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية، الذين نحن أيضاً جميعاً تصرَّفنا قَبْلاً بينهم في شهوات جسدنا، عاملين مشيئات الجَسَد والأفكار، وكنا بالطبيعة أبناء الغضب، كالباقين أيضاً»([54]).
3ـ اللاهوت المسيحي والخطيئة الأولى
لقد تبلور مفهوم الخطيئة الأولى منذ أواخر القرن الثاني عند بعض آباء الكنيسة اليونانية، من أمثال: إيرناؤوس؛ وأوريغون، وكذلك عند آباء الكنيسة اللاتينية، من أمثال: تروتوليان؛ وأمبروز([55]). بَيْدَ أن أوغسطين (354 ـ 430م)، بوصفه من أهمّ المنظِّرين للخطيئة الأولى، كان له السهم الأكبر في بلورة هذه النظرية، وذلك من خلال العمل على إضفاء صبغةٍ تاريخية ونفسيّة عليها، بل والأهمّ من ذلك كلّه قيامه بشَهْوَنة مسألة هبوط آدم([56]). لقد عمد أوغسطين أوّل الأمر في كتاب «في باب الإرادة الحرّة» إلى بيان مفهوم الخطيئة الأولى، ثمّ قام بتوسيع نظريّته في تفسيره على سِفر التكوين، ثمّ عمد في نهاية المطاف إلى تقديم التبويب الأخير لهذا المفهوم في الآثار التي ألَّفها في الردّ على بيلاجيوس وأتباعه([57]). إن المستند الأصلي لأوغسطين في مسألة الخطيئة الأولى مواضع من الكتاب المقدَّس، ولا سيَّما رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ففي الترجمة اللاتينية([58]) لهذا النصّ من الكتاب المقدَّس، الذي كان موجوداً عند أوغسطين، ورد هذا النصّ على النحو التالي: «من أجل ذلك دخلت الخطيّة إلى العالم، وبه (in quo) أخطأ الجميع»([59]). يرى أوغسطين أن مرجع الضمير في هذه الفقرة هو النبيّ آدم، ونتيجة لذلك هو يرى أن هذه العبارة لا تشير إلى الخطيئة الأولى لآدم فحَسْب، بل تفيد أيضاً أن كلّ إنسانٍ منذ لحظة ولادته يحمل معه هذه الخطيئة بالوراثة، وهذا دليلٌ على تدنُّس روح وجسم الناس، والحكم عليهم بالموت([60]).
يذهب أوغسطين إلى اعتبار التكبُّر باكورة الخطيئة. وهذا التكبُّر هو الذي أهلك الشيطان الذي هو مبدأ الخطيئة، ومنذ ذلك الحين أخذ الشيطان يعمل على إضلال الإنسان، والسلوك به نحو مهاوي الهلاك؛ حَسَداً وبسوء نيّةٍ. وبعبارةٍ أخرى: إن الشيطان قد ولج باب التكبُّر لإضلال الإنسان. ومن هنا يصحّ القول: «إن التكبُّر باب كلّ خطيئة»، و«إن بداية التكبُّر تكون عند انقطاع الإنسان عن الله»([61]).
لقد قام آدم بإدخال الخطيئة إلى العالم بفعل التكبُّر، وأدخل الموت بفعل الخطيئة. إن آدم بخطيئته لم ينقل الموت إلى ذرّيته فحَسْب، بل نقل إليهم الخطيئة أيضاً. وهو يرى أن الخطيئة الأولى ليست مجرّد حادثة ((event)، بل هي حالةٌ (condition) فرضها الله عقوبةً لآدم وحوّاء؛ بسبب تمرّدهما على أوامره. إن هذه الحالة تشتمل على التفريط في الجنّة والخلود والقدرة على تحمّل المتاعب الجسدية، والشيخوخة والمرض والشهوة (lust). إن هذه الحالة وراثيةٌ، وبالتالي فإنها تدنِّس كلّ جيلٍ من الأجيال البشرية، وبعبارةٍ أخرى: إن هذه الحالة ذاتيةٌ، وليست مكتسبة، وتنتقل عبر التوالد والتناسل، وليس من خلال التقليد والتأسّي([62]). وعليه إذا كان الإنسان في حالة من الدَّنَس الذاتي فإنه في مثل هذه الحالة يحتاج إلى لطفٍ من الله؛ لكي يبلغ النجاة الأبدية، بمعنى أن طبيعتنا البشرية لا تستطيع وحدها أن تؤدّي بنا إلى ساحل النجاة([63]). يبدو أن التجربة الخاصّة التي خاضها أوغسطين قد دفعَتْه إلى الاعتقاد بأن الإنسان لا يستطيع وحده، ومن دون مساعدةٍ من الله، أن يصل إلى أيّ نتيجةٍ حَسَنة. إن الفيض الإلهي واجبٌ وضروريّ لا من ناحية دعم القرارات الصالحة والخيّرة للناس فحَسْب، بل لخلق الحوافز والنوايا الطيِّبة من أجل اكتسابها والحصول عليها أيضاً. ثم اتّخذ أوغسطين فيما بعد موقفاً متزمّتاً في مواجهة مناوئيه، وقال بأن الفيض الإلهي هو العنصر الوحيد الذي يحدِّد نتائج أعمالنا([64]).
لقد عمد أوغسطين ـ في إطار بيان انتقال الخطيئة والموت والشهوة والجهل ـ إلى التفريق بين الخطيئة والعقوبات الناشئة عنها. وقد ذكر لعقوباتٍ، مثل: الموت والجهل والشهوة، أمثلةً ذهب بعضٌ إلى القول بأنها تنتقل عبر التوارث والانتقال الجيني([65])، حيث تنتقل عقوبة الخطيئة بسببها على شكلٍ فسيولوجي، كما تنتقل الأمراض الوراثية من الآباء إلى الأبناء، كأمراض الهيموفيليا([66])، التي تنتقل إلى الأولاد من الأب والأمّ بالوراثة. ومن هنا يمكن اعتبار عقوبة الخطيئة بمنزلة الآفات الجينية التي وقع فيها كلٌّ من آدم وحوّاء، وانتقلت منهما إلى جميع الناس. بَيْدَ أن نموذج التوارث الجيني لا يجد مصداقاً له في دائرة المعاصي؛ إذ الخطيئة والمعصية لا هي وراثيةٌ، ولا هي قابلةٌ للانتقال من الناحية الفسيولوجية؛ لأن الخطيئة ترتبط بنفس الإنسان، لا بجسده. ومن هنا يجب أن يكون تأثير الخطيئة الأولى على أجيال البشر اللاحقة قد جاء من طريقٍ آخر.
ولبيان هذه المسألة عمد أوغسطين في بادئ الأمر إلى التمييز بين شيئين: أحدهما: ارتكاب الخطيئة([67])؛ والآخر: الكينونة في حالة التدنُّس بالخطيئة([68]). يذهب أوغسطين إلى الاعتقاد بأن حرّية الإرادة شرطٌ ضروري لارتكاب الخطيئة، بمعنى أنه لا وجود لخطيئةٍ غير إرادية. ومن ناحيةٍ أخرى فإن ارتكاب الخطيئة يمثِّل شرطاً كافياً للكينونة في الحالة المدنَّسة بالخطيئة. ومع ذلك فإنه يرفض أن يكون ارتكاب الخطيئة شرطاً ضرورياً للكينونة في الحالة المدنّسة بالخطيئة؛ بمعنى أنه يمكن أن يكون المرء في حالةٍ مدنّسة بالخطيئة، ومع ذلك لا تصدر عنه الخطيئة. يرى أوغسطين أن آدم وحوّاء كانا في حالة التدنُّس بالخطيئة؛ من خلال ارتكابهما للخطيئة الأولى، إلاّ أن ذرّيتهما قد اشتركَتْ معهما في حالة التدنُّس بالخطيئة، دون ارتكابها على المستوى الشخصي. وبعبارةٍ أخرى: إن آدم قد اقترف الخطيئة عن إرادةٍ واختيار، في حين أن هذه الخطيئة بالنسبة إلينا طبيعيّةٌ وضروريّة([69]). إن هذا الأمر يعود إلى الارتباط الخاصّ القائم بين الأجيال البشرية وبين آدم وحوّاء، بمعنى أنهم متّحدون معهما بنحوٍ من أنحاء الارتباط.
ولكنّ السؤال هنا يقول: بأيّ نحوٍ من الأنحاء يكون الناس متّحدين مع آدم؟ يقدِّم أوغسطين طريقين في معرض الإجابة عن هذا السؤال:
الطريق الأوّل: إننا متّحدون مع آدم لمجرّد كوننا من نسله. إننا من وجهة نظره مختَزَلون في آدم بالمعنى الحقيقي للكلمة، وبالتالي فإننا متّحدون معه. وبطبيعة الحال فإن معنى هذا الكلام شيءٌ يفوق مجرّد أن يكون أولاد آدم منحدرين منه، بل حتى أكبر من الادّعاء القائل بأن آدم يختزل جميع ذرّيته في وجوده بالقوّة. يمكن تسمية هذه الطريقة بـ «نظرية القول بالشمول»([70])، وهي تتناظر مع نموذج التوارث الجيني إلى حدٍّ كبير.
وأما الطريقة الثانية، التي يمكن اقتناصها من تضاعيف كلمات أوغسطين وإشاراته في الاعترافات والآثار اللاحقة، فيمكن تسميتها بـ «نظرية الحياة المضاعفة»([71]). ويبدو أننا ـ من منطلق هذه النظرية ـ نمتلك نوعين من الحياة، وهما: الحياة المشتركة([72])؛ والحياة الفردية([73]). فنحن من جهة نشترك مع آدم في الحياة، ومن جهةٍ أخرى نختلف عنه في امتلاكنا لحياةٍ شخصيّة تبدأ منذ ولادتنا، أو بعبارةٍ أدقّ: منذ نفخ الروح في جسدنا، دون أن نفقد حياتنا المشتركة. وعلى هذا الأساس عندما اقترف آدم الخطيئة الأولى كنّا جميعاً حلولاً فيه من خلال الحياة المشتركة، في حين أننا كنّا فاقدين للحياة الشخصية، وبالتالي فقد كنّا شركاءه في الخطيئة. وقد يكون منشأ هذه الرؤية من أوغسطين هو بيان أفلاطون في شرح نفس العالم([74]) في رسالة ثيماؤوس، وإنْ كان يغلب إلى الظنّ أن يكون مصدر أوغسطين عبارةً في بيان أفلوطين عن النفس الكلّية في ارتباطها بالنفوس الجزئية والمنفردة.
لقد تمّ نقد رأي أوغسطين من قِبَل بيلاجيوس([75]) وآخرين، من أمثال: ثيودوروس؛ وسلستيوس. فقد أنكر ثيودوروس أن تكون خطيئة آدم هي السبب والمنشأ للموت. وكان سلستيوس ـ صديق وتلميذ بيلاجيوس وناشر أفكاره بين عامّة الناس ـ يقول: لقد كان من المحتَّم على آدم أن يموت، سواء بخطيئةٍ أو من دون خطيئةٍ. وإن الخطيئة التي اقترفها آدم إنّما أضرَّتْ به فقط، دون أجيال البشر([76]). وبعد فترةٍ قام المخالفون لأوغسطين أو أتباع بيلاجيوس([77]) باعتناق نظرية انتقال الموت من آدم إلى ذرّيته من البشر بالوراثة؛ حيث أخذوا يشاهدون انتقال الأمراض من الوالدين إلى الأبناء من خلال الوراثة بشكلٍ واضح. ولكنّهم مع ذلك ظلّوا متمسّكين بعدم القول بانتقال الخطيئة من آدم إلى الأجيال اللاحقة. وفي موقفٍ ثالث ذهب أتباع بيلاجيوس إلى القول بأن آدم قد أودع الخطيئة في الإنسان، ولكنْ ليس عبر الوراثة، وإنما من خلال تأسّي الناس به. ثمّ تمّ شجب موقف أتباع بيلاجيوس في مجمع قرطاج (441م)، ومجمع أفسس (431م)([78])، ومجمع أورانج (529م)([79])، وفي نهاية المطاف في مجمع تيرنيت (1545 ـ 1563م)([80]).
وعلى الرغم من أن تفسير أوغسطين للخطيئة الأولى وكيفية انتقالها قد تعرَّض لانتقادات جادّة، ولكن آراءه وأفكاره حول الخطيئة الأولى حظيَتْ مع ذلك بمقبولية عامّة، حتى عاد المفكِّرون المسيحيون في القرنين الحادي عشر والثاني عشر للميلاد ليبحثوا في مسألة الخطيئة الأولى مجدّداً.
4ـ العَرْض القرآني لمعصية آدم(عليه السلام)
تُعَدّ قصة سيّدنا آدم× من أجمل قصص القرآن، وأكثرها اشتمالاً على الدروس والعِبَر والأسرار. وقد روى القرآن هذه القصّة بشكلٍ متفرِّق، وفي تضاعيف الآيات والسُّوَر، وعلى رأسها سور البقرة والأعراف وطه.
تشتمل هذه القصّة في القرآن الكريم على عدّة أبعادٍ هامّة وجديرةٍ بالملاحظة، نُجْمِلها على النحو التالي:
1ـ خلق آدم ونفخ الروح الإلهية فيه، وأمر الله للملائكة بالسجود له، واستكبار الشيطان عن السجود.
2ـ إسكان آدم وزوجه في الجنّة، والوسوسة لهما من قبل الشيطان، وإخراجهما من الجنّة.
3ـ توبة وإنابة آدم وحوّاء، واصطفاء الله لآدم.
4ـ هبوط آدم وحوّاء والشيطان إلى الأرض.
5ـ حَسَد أحد ابنَيْ آدم لأخيه، وقتله إيّاه.
تبدأ القصّة من تعلُّق إرادة الله بأن يجعل له خليفةً في الأرض، حيث أطلع الملائكة على إرادته هذه؛ فتعجَّب الملائكة من ذلك؛ إذ كانوا يرَوْن أنفسهم أحقّ بهذا التكريم، ولكنْ بعد أن تبيَّن لهم أنهم أقلّ مرتبةً من آدم في العلم والمعرفة انصاعوا لأمر الله، ووقعوا لآدم ساجدين؛ تكريماً وإجلالاً لأشرف المخلوقات. بَيْدَ أن الشيطان اعترض على ذلك، وتمرّد على أمر الله، وامتنع من السجود، الأمر الذي جعله مطروداً من محضر الله إلى الأبد، وختم على جبينه بأنه رجيمٌ. ولكنه بَدَلاً من التوبة والإنابة، أخذَتْه العزّة بالإثم، واختار الإصرار على المعصية، وسأل الله المُهْلة، وأقسم أيماناً مغلَّظة على مواصلة التغرير بآدم وذرّيته وحَرْفهم عن الصراط المستقيم؛ فأعطاه الله هذه المُهْلة؛ مؤكِّداً له أنه لن يكون قادراً على إضلال عباده الصالحين، وأنهم سيكونون بمأمنٍ من شرّ وسوسته.
لقد خلق الله لآدم زوجةً من نوعه، وأسكنه هو وزوجه في جنّةٍ زاخرة بالطيّبات والنعيم، وأباح لهم الاستفادة من كلّ شيء فيها، بشرط أن لا يقتربا من الشجرة المحرَّمة، وأن لا يأكلا من ثمارها، وإلاّ كانا من الظالمين. بَيْدَ أن عدوَّهما اللدود، وهو الشيطان، لم يكفّ عن إغوائهما، وظهر لهما بمظهر الناصح الذي يريد مصلحتهما، وقال لهما بأن هذه هي شجرة الخُلْد، التي إنْ أكلتما من ثمارها فسوف تُكْتَب لكما الحياة الأبدية الخالدة، التي لا موت فيها. وبعد أن انخدع آدم وحواء بكلام الشيطان، واقتربا من الشجرة، وأكلا منها، بان لهما قُبْح عملهما، وبدَتْ لهما سوآتهما؛ فأخذا يبحثان عن كلّ ما يمكن أن يسترا به ما انكشف من عيوبهما، ولكنْ دون جدوى، ومن هنا فقد تمّ طردهما من الجنّة بأمرٍ من الله سبحانه وتعالى.
بَيْدَ أن الفطرة الإلهيّة لآدم وحواء دفعَتْهما إلى التوبة والرجوع عن الزَّلَل الذي وقعا فيه، فتضرّعا إلى الله أن يغفر لهما ويقبل توبتهما، فتقبَّل الله توبتهما برحمته وكَرَمه، واختار آدم ليكون خليفةً له في الأرض. وعلى الرغم من أن آدم وحواء عَمَدا إلى تدارك ما فات من ذنبهما، ولم يصرّا على ما اقترفا ـ بخلاف الشيطان الذي أصرّ على تمرُّده ـ، ولكنهما كانا يشعران على الدوام بالأثر الطبيعي المترتِّب على معصيتهما؛ كما هو شعور الضيف المتطفِّل. فقد هبطا من الجنّة الزاخرة بالطيِّبات إلى الأرض الموبوءة بالصعاب والخصومات والموت؛ لتكون الأرض ساحةً أبديّة للمواجهة والصراع المفتوح بينهما وبين الشيطان.
رُبَما يبدو أن الشيء الأهمّ الذي شغل أذهان المفكِّرين المسلمين في هذه القصّة، ولا سيَّما المفسِّرين البارزين للقرآن منهم، هو السؤال القائل: هل وقع أبوانا ـ ولا سيَّما آدم، الذي هو خليفة الله في الأرض، وموضع سجود الملائكة ومعلِّمهم ـ في مغبّة التمرُّد على أمر الله، وأصابهما دَنَس الذنوب؟ وهل يتعيَّن على ذرّيتهما ـ على حدّ تعبير أرباب الأديان ـ أن يدفعا ضريبة خطيئة أبيهم إلى الأبد؟ هذه أسئلةٌ تمَّتْ الإجابة عنها في تضاعيف كتب علماء الإسلام والتفاسير القرآنية بإجاباتٍ مختلفة.
5ـ خطيئة آدم وحوّاء في نظر المفسِّرين والمتكلِّمين المسلمين
خلافاً لما عليه الأمر في المسيحية، حيث اكتسب مفهوم خطيئة آدم وحوّاء صبغةً كلاميّة مستقلّة، فقد اتَّخَذَتْ هذه المسألة في الإسلام بشكلٍ رئيس صبغةً تفسيرية. نعم، تتمّ الإشارة إلى معصية آدم× من قِبَل المتكلِّمين المسلمين في سياق بحث عصمة الأنبياء، ولكنّهم حتّى في مثل هذه الحالة يبحثون المسألة في إطار التفسير القرآني لقصّة آدم. لقد تعرَّض المفسِّرون المسلمون في البحث عن معصية آدم إلى مختلف أبعادها، وعلى أساس ذلك يمكن لنا أن نرسم الطرح العامّ لهذا البحث من زاويتهم على النحو التالي:
أـ ماهيّة النهي الإلهي
قال العلاّمة الطباطبائي في معرض تفسير قوله تعالى: ﴿وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ (طه: 121): «الغيّ: خلاف الرشد، الذي هو بمعنى إصابة الواقع… ومعصية آدم ربَّه إنما هي معصية أمرٍ إرشاديّ، لا مولويّ… وأما المعصية بمعنى مخالفة الأمر الإرشادي، الذي لا داعي فيه إلاّ إحراز المأمور خيراً أو منفعةً من خيرات حياته ومنافعها، بانتخاب الطريق الأصلح كما يأمر وينهى المُشير الناصح نصحاً؛ فإطاعته ومعصيته خارجتان من مجرى أدلّة العصمة…»([81]). وقد رأى العلاّمة الطباطبائي أن إسكان آدم وحوّاء في الجنّة كان مؤقَّتاً منذ البداية، وأنه كان إجراءً تمهيدياً للاستعداد للحياة الدنيويّة، وقال في ذلك: «إن قصّة الجنّة مدلولها يُنبئ عن أن الله سبحانه خلق جنّةً برزخية سماوية، وأدخل آدم فيها قبل أن يستقرّ عليه الحياة الأرضية، ويغشاه التكليف المولوي؛ ليختبر بذلك الطباع الإنساني؛ فيظهر به أن الإنسان لا يَسَعه إلاّ أن يعيش على الأرض، ويتربَّى في حِجْر الأمر والنهي؛ فيستحقّ السعادة والجنّة بالطاعة»([82]).
ثم أضاف قائلاً: «لو كان النهي عن أكل الشجرة مولوياً، وكانت التوبة توبةً عن ذنبٍ عبودي، ورجوعاً عن مخالفة نهيٍ مولوي، كان اللازم رجوعهما إلى الجنّة، مع أنهما لم يرجعا. ومن هنا يعلم أن استتباع الأكل المنهيّ للخروج من الجنّة كان استتباعاً ضروريّاً تكوينيّاً، نظير: استتباع السمّ للقتل؛ والنار للإحراق، كما في موارد التكاليف الإرشادية…»([83]).
وقد ذهب الشيخ الطوسي إلى القول بأن انتهاك النهي المولوي والتحريمي يستوجب المعصية الواضحة، وإن فاعل ذلك يستحقّ المؤاخذة والعقاب، إلاّ أن مخالفة نهي الكراهة والتنزيه، الذي رخَّص الله في تركه، لا يتنافى مع العصمة. وإنّ زلّة آدم× كانت من هذا القبيل([84]).
وقال الفخر الرازي، بعد تقسيم دلالة الأمر إلى نوعين، وهما: المستحبّ؛ والواجب: إن الأمر الذي خالفه آدم كان من المستحبّ الذي يجوز تركه. وإن ارتكاب المنهيّ عنه يستحق العقاب والمؤاخذة أحياناً، وقد لا يستحقّ العقاب في بعض الأحيان الأخرى. وأضاف قائلاً: إن إخراج آدم من الجنّة، وهبوطه إلى الأرض، لم يكن بسبب الأكل من ثمار الشجرة المحظورة وخداع الشيطان؛ وذلك لأن الله قد خلق الإنسان منذ البداية ليكون خليفته في الأرض، ولو أن ما اقترفه آدم كان مستحقّاً للعقاب لوجب أن يتوعَّده بعقوبة النار والعذاب في الآخرة. وقال في معرض الجواب عن أولئك الذين يعتبرون توبة آدم ووصفه بالظلم دليلاً على معصيته وعدم عصمته: إن الأنبياء والأولياء^ بدَوْرهم يتوبون من صغائر الذنوب على الدوام؛ لعلمهم بأن الإصرار على الصغائر يحوِّلها إلى كبائر. وإن وصف آدم بالظلم يأتي من أن كلّ ذنبٍ ـ وإنْ كان صغيراً ـ يُعَدّ من وضع الشيء في غير موضعه([85]).
كما ذهب العلاّمة البلاغي في تفسيره إلى حمل نهي آدم عن الاقتراب من الشجرة المحرَّمة على أنه نهيٌ إرشادي([86]).
وقد ذهب السيد نعمة الله الجزائري ـ بعد ذكر مختلف الآراء في تفسير الثمرة والشجرة المحرَّمة ـ إلى الاعتقاد بأن ما قام به آدم كان نوعاً من ترك الأَوْلى([87]).
وقال السيد محمّد حسين فضل الله في سياق تحليله لعصمة الأنبياء^: إن نهي آدم عن الاقتراب من الشجرة المحرَّمة والأكل من ثمارها ليس له أيّ صلةٍ ببحث العصمة أبداً، فلم يكن الله يريد عدم أكل الثمرة؛ كي يتمّ اعتبار آدم عاصياً بأكل تلك الثمرة، بل الغاية من النهي هنا هي تدريبُ آدم واكتسابه الاستعداد للمواقف المماثلة التي سيواجهها في الحياة الدنيا. ويمكن لعلم الأصول بدَوْره أن يُثبت صوابية هذه النظرية؛ لأن القيام بالفعل وتركه إنما يُعَدّ في هذا العلم واحداً من بين الكثير من الغايات الكامنة وراء الأمر والنهي؛ فالأمر قد يصدر بداعي امتثال الفعل من قِبَل المأمور؛ كما يمكن أن يصدر بداعي اختبار المأمور وإخلاصه وطاعته واختزانه للتجارب([88]). وقد استنتج السيد فضل الله من حرمان آدم وحوّاء من السكن في الجنّة أن ظلم آدم إنما كان ظلماً لنفسه، وليس ذنباً يستحقّ عليه العقوبة من الله؛ كما أن توبة آدم وسؤاله المغفرة من الله إنما كانت بسبب تجاهل نصائح الله وعدم رعاية حقّ العبودية، ولم تكن توبةً من عاقبة ذنبٍ أو معصية([89]).
وقد ارتضى الشيخ مكارم الشيرازي([90]) في المجموع ثلاثة تفاسير في ما يتعلَّق بمعصية آدم، وهي: أـ إن نهي آدم كان نهي اختبارٍ وامتحان؛ ب ـ إن نهي آدم كان نهياً إرشادياً؛ ج ـ إن آدم قد ارتكب تركاً للأَوْلى، ولم يكن ما قام به ذنباً مطلقاً، وإنما هو ذنبٌ نسبيّ، بمعنى أنه خطأٌ لا يتناسب مع شأنه. وقد صرَّح بأن إسكان آدم في الجنة كان يمثِّل مرحلةَ اختبارٍ ومقدّمةً للحياة في الدنيا وامتثال التكاليف([91]).
كما أكّد الشيخ جوادي الآملي على هذه المسألة، وهي أن آدم قد خُلق للسكن في الأرض، وقد تمّ اتّخاذ الأرض وعالم المادّة والطبيعة بشكلٍ عام بوصفها مسكناً وموضعاً لارتقاء هذا الخليفة، وبلوغه مرحلة النضج والتكامل. ومن ناحيةٍ أخرى فإن الأرض أو العالم المادّي يحظى بخصائص وآثار خاصّة، تجعل من الدخول فيه دون تدريبٍ واستعدادٍ سابق، ودون اجتياز مراحل تمهيديّة وتمرينٍ يعرِّف الإنسان على مواطن ضعفه وحاجته ومَنْ هم أصدقاؤه وأعداؤه، أمراً مستحيلاً أو بالغ التعقيد([92]).
ب ـ الهبوط إلى الأرض، عقوبةٌ أم نتيجةٌ؟
ذهب أكثر المفسِّرين إلى عدم اعتبار عقوبة آدم تَبِعة لزلّة آدم وهبوطه إلى الأرض، بل الهبوط أثرٌ وضعيّ وطبيعيّ لا ينفكّ عنها. قال العلاّمة الطباطبائي: إن الله قد عَدّ في سورة البقرة والأعراف أن تَبِعة الاقتراب من الشجرة المحرَّمة هي الظلم؛ حيث يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: 35؛ الأعراف: 19)، وأما في سورة طه فقد استعمل عبارة: ﴿…فَتَشْقَى﴾ (طه: 117). والشقاء هو التعب، ثمّ فسّر التعب وفصّله، فقال: ﴿إِنَّ لَكَ أَنْ لاَ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى * وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى﴾ (طه: 118 ـ 119)؛ ومن هنا يظهر أن وبال هذا الظلم إنما كان هو الوقوع في تعب حياة هذه الدنيا، من جوعٍ وعطشٍ وعراءٍ وعناءٍ [وأمثال ذلك، مثل: الموت]. وعلى هذا فالظلم منهما إنما هو ظلمهما لأنفسهما، لا بمعنى المعصية المصطلحة، والظلم على الله سبحانه. ومن هنا يظهر أيضاً أن هذا النهي… إنما كان نهياً تنزيهياً إرشادياً، يرشد به إلى ما فيه خير المكلَّف وصلاحه في مقام النصح، لا نهياً مولوياً([93]).
وقال اللاهيجي بأن المراد من «تشقى»… هو تَبِعات الحياة على الأرض، من التباغض والتحاسد، وأحداث من قبيل: قصّة هابيل وقابيل([94]).
وقد صرَّح الشيخ أبو الفداء البروسوي قائلاً: لقد كانت الغاية منذ البداية هي إسكان الإنسان في الأرض، ولم يكن الهبوط عقوبةً لآدم على معصيته، وإنما هو تَبِعةٌ عملية لعمله، ومن هنا فقد صدر الأمر بالهبوط حتّى بعد قبول التوبة من آدم×([95]).
وقال الشيخ جوادي الآملي في تحليل تداعيات زلّة آدم: …إن هذه الآيات بصدد إفهام التداعيات الوضعية للمعصية، من الألم والهبوط، وإنْ كان مع قبول التوبة ترتفع الآثار التكليفية والعقوبة الأخرويّة (فيما لو كانت المعصية لأمرٍ أو نهيٍ مولوي)، وكذلك بعض التَّبِعات الوضعية([96]).
كما تعرَّض الشيخ السبحاني لقصّة آدم× بالتحليل التفصيلي في تضاعيف مؤلَّفاته، ليثبت عصمة آدم×، وإرشاديّة النهي الإلهي، وظلم آدم وحواء لنفسَيْهما، والأثر الوضعي لزلَّتهما، وهو الأثر الوضعيّ المتمثِّل بالهبوط إلى الأرض، بالأدلّة العقلية والنقلية([97]).
ج ـ المعصية والخطيئة، بين الذاتيّة والعَرَضية
لا يرتضي العلاّمة الطباطبائي القول بتلوُّث أذيال آدم والإنسان بالمعصية؛ كما يرفض القول بذاتية المعصية والخطيئة بالنسبة إلى الإنسان، ويرى هذا الادّعاء منافياً للعقل والنقل. وقال بأن ما يقوله النصارى، من أن آدم قد ارتكب الخطيئة، وبذلك صارت الخطيئة والمعصية من اللوازم الذاتية له، أمرٌ لا ينسجم مع العقل والمنطق؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى قد اختار آدم لخلافته بعد أكله من تلك الشجرة وإخراجه من الجنّة وقبول توبته، ونظر إليه برحمته: ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ﴾ (طه: 122). كما أن العقل يؤيِّد ما عليه القرآن الكريم؛ إذ إن من شؤون المولى؛ لبقاء التكليف، والضمانة التنفيذية للتكليف في مقابل امتثال أمره ونَهْيه، أن يجعل عقوبةً على مخالفة التكليف. وكذلك من شؤون المولوية توسيع الثواب والعقاب لتشمل جميع المطيعين والعصاة. كما أن من شؤونه حرّيته وقدرته في دائرة المولوية على التصرُّف فيها بجميع أنواع التصرُّف؛ بمعنى أن بإمكانه أن يصفح ويغضّ الطرف من خلال العفو عن أخطاء المذنبين، وليس هناك شكٌّ أو ترديدٌ في حُسْن العفو من قِبَل الموالي والمقتدرين. ومع افتراض ملازمة الخطيئة للإنسان لا يبقى هناك موضعٌ للصفح وقبول التوبة، في حين أن القرآن الكريم، وحتّى الكتاب المقدَّس، قد تعرّض إلى هذه المسألة. وأضاف العلاّمة الطباطبائي قائلاً: «إن القول بأن خطيئة آدم كما لزمَتْه كذلك لزمَتْ ذرّيته إلى يوم القيامة يستلزم أن يشمل تَبِعة الذنب الصادر من واحدٍ غيره أيضاً ممَّنْ لم يذنب في المعاصي المولوية. وبعبارةٍ أخرى: أن يصدر فعلٌ عن واحدٍ، ويعمّ عصيانه وتَبِعته غير فاعله كما يشمل فاعله، وهذا غير أن يأتي قومٌ بالمعصية، ويرضى بها آخرون من أخلافهم، فتُحْسَب المعصية على الجميع. وبالجملة هو تحمُّل الوزر من غير صدور الذنب، والقرآن يردّ ذلك، كما في قوله: ﴿أَنْ لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾ (النجم: 39 ـ 40)»([98]).
د ـ الإنسان والدافع الذاتيّ إلى المعصية
على الرغم من أن الإنسان يولد على الفطرة، طاهراً وبريئاً من كلّ ذنبٍ وخطيئة، إلاّ أن نفسه الأمّارة من الداخل، والشيطان الذي يوسوس له من الخارج، يدعوانه إلى الرذيلة والمعصية على الدوام. وهناك من المفسِّرين مَنْ التفت إلى هذه النقطة الدقيقة. ومن هؤلاء: العلاّمة الشيخ جوادي الآملي، حيث أشار إلى معصية آدم وزوجه قائلاً: …إن هذه الآية تمثِّل سلوةً لرسول الله|؛ كي لا يُساوره القلق من كفر ونفاق الكفّار والمنافقين ومعاصيهم؛ وذلك لأن هذه الآيات تثبت أن الدافع إلى المعصية لدى الإنسان أمرٌ طبيعي، وأنه مقرونٌ به منذ بداية الخلق، وهذه سنّةُ الله، ولن تجد لسنّة الله تبديلاً([99]).
وقال الإمام الخميني& في الأعمال الخاصّة بالوضوء: «رُوي عن الأئمّة الأطهار^ أن آدم لمّا مشى إلى الشجرة، وتوجَّه إليها، وتناولها، وضعها على رأسه؛ طمعاً في الخلود وإعظاماً لها. وقد أُمرَتْ هذه الأمّة ـ التي هي خير أمّةٍ أخرجت للناس ـ بأن يطهِّروا هذه المواضع بالمسح والغسل؛ ليتطهَّروا من جنابة الأب، الذي هو الأصل»([100]). وقال أيضاً: «اعلَمْ أن آدم× كان في جنّة اللقاء في حالة الجَذْبة، ولم يكن متوجِّهاً إلى شجرة الطبيعة، ولو كان باقياً بتلك الحالة لسقط عن الآدمية، ولم ينَلْ سَيْره الكمالي الذي لا بُدَّ له من نَيْله في القوس الصعودي، ولم يبسط بساط الرحمة في هذا العالم؛ فتعلَّقت الإرادة الأزلية ببسط بساط الرحمة والنعمة في هذه النشأة، وفتح أبواب الخيرات والبركات… وهذا الأمر لم يحصل في سنّة الله إلاّ بتوجُّه آدم إلى الطبيعة، وخروجه من ذلك المَحْو إلى الصَّحْو، وخروجه من جنّة اللقاء والجَذْبة الإلهية، الذي هو أصل الخطيئات، فسلَّط عليه القوى الداخلية والشيطان الخارجي؛ لتدعوه إلى هذه الشجرة، التي كانت مبدأً لبسط الكمالات، ومنشأً لفتح أبواب الفيوضات… فإذ خرج آدم من ظهوره الملكوتيّ الإيجاديّ بالتوجُّه إلى مُلْكه صار مُحْدِثاً بالحَدَث الأكبر، ومُجْنِباً بالجنابة العظمى. وهذا التوجُّه لمّا تمثَّل في حضرة المثال والجنّة الدنيوية، فتمثَّلت الدنيا في صورة الشجرة، وابتلي آدم بالخطيئة بالتوجُّه والمشي إليها، وأخذها باليد، ووضعها على الرأس، وإعظامها؛ فلا بُدَّ له ولذرّيته، وخصوصاً هذه الأمّة، خير الأمم، والعارفة بالأسرار من نور الأولاد الأطهار، من جبران تلك الخطيئة؛ فيطهِّرون موارد تلويث ظاهره بالماء الطاهر، النازل من حضرة الرحمة؛ ويطهِّرون موارد تلويث باطنه وقلبه بماء التجلِّيات من حضرة اللاّهوت. فعند تطهير الوجه يغسلون قلوبهم عن الغير بالكلّية، وعند تطهير اليد يطهِّرونها من مرفق التلوّث بالدنيا إلى منتهى الأصابع المباشرة لها، ويمسحون بفضله أقصى عرش التوجُّه إلى الطبيعة، ومنتهى المشي إليها، وإلى حصول آمالها؛ فيخرجون من فضول التوجُّه إلى الملك وبقايا آثاره، ويخرجون من خطيئة الأب الأوّل، والذي هو الأصل، ومن جنابته»([101]). ويبدو أنه& وإنْ كان لا يرتضي في هذا المقام سراية تلوّث الناس من خلال معصية آدم، إلاّ أنه مع ذلك؛ حيث يرى الفطرة الإنسانية وخصائصها في جميع الناس واحدةً وشاملةً لهم، فإنه يحذِّر من وجود الدافع إلى المعصية، وإمكان التلوُّث بها عند كلّ شخصٍ، كما حصل لآدم×.
هـ ـ قصّة البشريّة في قصّة أبيها الأوّل
إن قصّة آدم من أيّ زاويةٍ نظَرْنا إليها ـ سواء اعتبرناها قصّةً واقعية وحقيقية، وهي كذلك، أو اعتبرناها قصّةً رمزية أو ما شاكل ذلك ـ ليست هي مجرّد قصّة آدم الذي جاء إلى الوجود في يومٍ ثمّ لم يعُدْ موجوداً على مسرح الحياة، وإنما هي قصّة البشرية جمعاء، والبشر وإنْ كانوا يأتون ويذهبون، ولكنّهم باقون إلى الأبد.
يقول العلاّمة الطباطبائي في هذا الشأن: «يشبه أن تكون هذه القصّة التي قصّها الله تعالى، من إسكان آدم وزوجته الجنّة، ثمّ إهباطهما؛ لأكل الشجرة، كالمَثَل، يمثّل به ما كان الإنسان فيه قبل نزوله إلى الدنيا»([102]). فهو على الرغم من اعتباره هذه القصة قصّةً واقعية وحقيقية، وليست مجرّد تمثيلٍ رمزي، إلاّ أنه لا يرى دلالتها أمراً شخصيّاً، وإنما يراها أمراً نوعيّاً([103]). وقال العلاّمة الطباطبائي في موضعٍ آخر: «وهذه القصّة وإنْ سيقَتْ مساق القصص الاجتماعية المألوفة بيننا، وتضمَّنَتْ أمراً وامتثالاً، وتمرُّداً واحتجاجاً، وطَرْداً ورَجْماً، وغير ذلك من الأمور التشريعية والمولوية، غير أن البيان السابق على استفادته من الآيات يهدينا إلى كونها تمثيلاً للتكوين، بمعنى أن إبليس على ما كان عليه من الحال لم يقبل الامتثال، أي الخضوع للحقيقة الإنسانية، فتفرَّعَتْ عليه المعصية»([104]).
يذهب الشيخ جوادي الآملي إلى عدم اعتبار قصّة آدم قصّةً شخصيّة، لتكون مقتصرةً عليه فقط([105]).
ويذهب الشيخ مرتضى المطهَّري بدَوْره إلى اعتبار آدم وقصّته في القرآن مثالاً ونموذجاً لنوع الإنسان([106]).
ويذهب صدر المتألِّهين، وابن عربي، إلى اعتبار آدم تعبيراً آخر عن النفس الناطقة. وقد فسَّرا حواء بالنفس الحيوانية…، واعتبرا أن الرذائل الكامنة في آدم وحوّاء ـ والتي كان الشيطان يسعى إلى إظهارها ـ هي: الأهواء النفسية، والأوهام الباطلة، والمساوئ الأخلاقية، والصفات الحيوانية، التي يخجل الإنسان من إظهارها. إن أوراق شجر الجنّة من وجهة نظرهما عبارةٌ عن: الحياء، والعفاف، والآداب المحمودة، والسجايا الجميلة، وما إلى ذلك.
وينظر روزبهان البقلي الشيرازي إلى آدم بوصفه نموذجاً ومثالاً للنوع الإنساني([107]).
وقال السيد مصطفى الخميني، مستدلاًّ ببعض الآيات القرآنية والأدلّة العقلية وروايات المعصومين^: إن المراد من آدم في القرآن الكريم هو الآدمية بأشكالها العامّة الموجودة في جميع ذريّة آدم([108]).
وقد صرَّح الدكتور علي شريعتي بأن قصّة خلق آدم تعني قصّة خلق الإنسان([109]).
وقال رشيد رضا في تفسير الآيات الخاصّة بخلق آدم، بعد إبداء رؤيته ورؤية أستاذه محمد عَبْدُه في ما يتعلَّق باعتبار رمزية هذه القصّة: «أما التمثيل في ما نحن فيه منها فيصحّ عليه أن يُراد بالجنّة الراحة والنعيم؛ فإن من شأن الإنسان أن يجِدَ في الجنّة، التي هي الحديقة ذات الشجر الملتفّ، ما يلذّ له… ويصحّ أن يُراد بـ «الشجرة» معنى الشرّ والمخالفة… و«النهي عن الاقتراب من الشجرة» عبارةٌ عن إلهام معرفة الشرّ، وأن الفطرة تهدي إلى قُبْحه ووجوب اجتنابه… «ووسوسة الشيطان وإزلاله لهما» عبارةٌ عن وظيفة تلك الروح الخبيثة التي تلابس النفوس البشرية، فتقوّي فيها داعية الشرّ… «والخروج من الجنّة» مثالٌ لما يلاقيه الإنسان من البلاء والعناء بالخروج من الاعتدال الفطري. وأما تلقّي آدم الكلمات وتوبته فهو بيانٌ لما عُرِف في الفطرة السليمة من الاعتبار بالعقوبات التي تعقب الأفعال السيّئة، ورجوعه إلى الله تعالى»([110]).
خلاصةٌ واستنتاج
يمكن لنا أن نستنتج ممّا تقدَّم:
1ـ هناك تصريحٌ في كلٍّ من القرآن الكريم والكتاب المقدَّس بخطيئة آدم، المتمثِّلة بانتهاكه للنهي الإلهيّ عن الاقتراب من الشجرة المحظورة والمحرَّمة.
2ـ ذهب شارحو الكتاب المقدَّس إلى اعتبار آدم مذنباً وخاطئاً؛ في حين ذهب المفسِّرون للقرآن إلى القول بإرشادية النهي الإلهيّ في مورد آدم، واعتباره وارداً بداعي الاختبار، وبذلك لا تكون مخالفة آدم منافيةً لعصمته.
3ـ يذهب الكتاب المقدَّس ـ طبقاً لتفسير علماء اللاهوت المسيحي ـ إلى انتقال الخطيئة إلى ذرّية آدم، ويعتبر الخطيئة من ذاتيّات الإنسان؛ بَيْدَ أن القرآن الكريم يرى كلَّ شخصٍ مسؤولاً عن عمله، ويقول بأن الإنسان طاهرٌ بالفطرة، وإن الخطيئة طارئة على الإنسان، وأما الدافع إلى الخطيئة فهو من ذاتيّاته.
4ـ يذهب الكتاب المقدَّس إلى اعتبار الموت وبعض مشقّات وآلام الحياة في الدنيا عقوبةً وتَبِعةً من تَبِعات خطيئة آدم؛ إلاّ أن القرآن الكريم يرى في هبوط آدم وابتلائه بهذه الظواهر أثراً وضعيّاً وطبيعيّاً لخطيئته.
5ـ يرى الكتاب المقدّس أن حوّاء هي التي حثَّتْ آدم على ارتكاب الخطيئة، وأن آدم كان مجرَّد تابعٍ لها في هذه الخطيئة؛ ولكن القرآن الكريم يجمع بينهما في إثبات دَوْرٍ لكلٍّ منهما في جميع المراحل، من الوقوع في خديعة الشيطان، والطرد من الجنّة، والتوبة، والهبوط إلى الأرض.
6ـ يعتبر القرآن الكريم قصّة آدم نموذجاً لجميع البشر في جميع مراحل التاريخ؛ ليتبيَّنوا بذلك عداوة الشيطان لهم؛ ويتجنَّبوا الوقوع في دَنَس الخطيئة؛ ويهتدوا إلى طريق العودة إلى الله والجنّة الموعودة (التوبة)؛ في حين يرى الكتاب المقدَّس أن الإيمان بالسيد المسيح ـ بوصفه مفتدياً لخطيئة آدم والبشرية بنفسه ـ هو الطريق الوحيد لعودة الإنسان إلى مكانته الأولى.
الهوامش
(*) أستاذٌ مساعِدٌ في قسم الفلسفة والحكمة الإسلاميّة في جامعة الإمام الخمينيّ الدوليّة ـ إيران.
(**) أستاذٌ مساعِدٌ في قسم علوم القرآن والحديث في جامعة الإمام الخمينيّ الدوليّة ـ إيران.
([2]) العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 2: 113، دار إحياء التراث العربي، ط1، بيروت، 2006م.
([3]) انظر على سبيل المثال: البقرة: 35 ـ 36؛ طه: 131 ـ 133؛ الأعراف: 23.
([6]) الكتاب المقدَّس، العهد القديم، سِفر الملوك الأول، الإصحاح 8، الفقرة 46.
([7]) المصدر السابق، المزامير، المزمور 14، الفقرة 3.
([8]) المصدر السابق، سِفر الجامعة، الإصحاح 7، الفقرة 20.
([9]) المصدر السابق، العهد الجديد، رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، الإصحاح 3، الفقرة 10.
([10]) المصدر السابق، رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، الإصحاح 3، الفقرة 23.
([11]) وفي الإسلام ذهب جماعةٌ ـ يطلق عليها عنوان «الحَشْوية» نَبْزاً ـ إلى القول بعدم عصمة الأنبياء والأولياء^، وأجازوا في حقّهم ارتكاب المعاصي، وحتّى الذنوب الكبيرة؛ استناداً إلى ظواهر بعض الآيات وعددٍ من الإسرائيليّات والأحاديث المختلقة. كما ذهبت جماعاتٌ، مثل: أصحاب الحديث والمعتزلة، إلى عدم اعتبار ارتكاب الصغائر منافياً لرسالة الأنبياء؛ وقد استندوا إلى القرآن في نسبة المعصية إلى آدم×، وبعض العبارات والكلمات المدرجة ضمن آيات هذه القصّة عبارةٌ عن:
1ـ عدم الاستجابة لنهي الله: ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: 35).
2ـ نسبة المعصية إلى آدم: ﴿وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ (طه: 121).
3ـ توبة آدم: ﴿…فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ (طه: 122).
4ـ ظلم آدم وحوّاء لنفسيهما: ﴿…رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا…﴾ (الأعراف: 23).
5ـ إخراج آدم وزوجه من الجنة: ﴿…فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ…﴾ (البقرة: 36).
([12]) الكتاب المقدَّس، العهد القديم، سِفر التكوين، الإصحاح 9، الفقرات 20 ـ 23.
([13]) المصدر السابق، الإصحاح 12، الفقرات 11 ـ 13.
([14]) المصدر السابق، الإصحاح 12، الفقرات 14 ـ 16.
([15]) المصدر السابق، الإصحاح 12، الفقرات 18 ـ 20.
([16]) المصدر السابق، سِفر صموئيل الثاني، الإصحاح 11، الفقرات 2 ـ 5.
([17]) المصدر السابق، سِفر صموئيل الثاني، الإصحاح 11، الفقرة 27.
([18]) المصدر السابق، سِفر صموئيل الثاني، الإصحاح 12، الفقرة 13.
([19]) انظر: المصدر السابق، العهد الجديد، إنجيل يوحنّا، الإصحاح 3، الفقرة 16؛ أعمال الرُّسُل، الإصحاح 4، الفقرة 12.
([20]) انظر: المصدر السابق، إنجيل يوحنّا، الإصحاح 3، الفقرة 5.
([21]) انظر: المصدر السابق، أعمال الرُّسُل، الإصحاح 17، الفقرة 30.
([22]) المصدر السابق، رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، الإصحاح 6، الفقرة 23.
([23]) Pfandle, Gerhard, “Some Thoughts on Original Sin”, p. 5.
www. adventistbiblical. org/document/sinoriginal-web.pdf.
([24]) جديرٌ بالذكر أن مفردة (chatta’ah)، التي هي الأكثر استعمالاً للدلالة على الخطيئة في العهد القديم، قد جاءت (284 مرّة) بصيغة الاسم المؤنَّث. وهي تشير في الغالب ـ بوصفها اسماً، وليس فعلاً ـ إلى نفس الخطأ؛ وفي بعض الأحيان إلى الذنب المعتاد من الأفراد. وبالإضافة إلى ذلك هناك مفردةٌ (chêt)، وهي اسمٌ مذكَّر ومشتقّ من مفردة (chatta’ah)، حيث تشير في الغالب إلى الماهية العامّة للخطيئة. والمفردة الأخرى من هذه المجموعة هي مفردة (chata’’ah)، وهي اسمٌ مؤنَّث لا يختلف كثيراً عن مفردة (chatta’ah). وفي ما وراء هذه المفردات الثلاثة لدينا الفعل (chata)، الذي يمثِّل جَذْراً للمفردات الثلاثة السابقة.
([27]) انظر على سبيل المثال: إنجيل متّى، الإصحاح 18، الفقرة 15؛ إنجيل لوقا، الإصحاح 15، الفقرة 18؛ إنجيل يوحنّا، الإصحاح 5، الفقرة 14؛ رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، الإصحاح 2، الفقرة 12، والإصحاح 3، الفقرة 23، والإصحاح 5، الفقرة 12.
([28]) انظر على سبيل المثال: إنجيل متّى، الإصحاح 1، الفقرة 21، والإصحاح 3، الفقرة 6، والإصحاح 9، الفقرات 2 و5 و9؛ إنجيل مرقس، الإصحاح 1، الفقرتان 4 و5؛ إنجيل لوقا، الإصحاح 1، الفقرة 77؛ إنجيل يوحنّا، الإصحاح 1، الفقرة 29.
إن مفردة hamartia؛ بوصفها اسماً، مشتقّةٌ من الفعل hamartanō. والمفردة اليونانية hamartanō لها صلةٌ بالمفردة العبرية châtâ.
([29]) المفردة الثالثة التي تشير في العهد الجديد إلى الخطيئة هي مفردة anamartētos، وهي مشتقّة من حرف النفي ومفردة hamartanō. وقد استعملت هذه المفردة في العهد الجديد مرّةً واحدة فقط. انظر: العهد الجديد، إنجيل يوحنّا، الإصحاح 8، الفقرة 7.
([30]) الكتاب المقدَّس، العهد القديم، سِفر إرمياء، الإصحاح 17، الفقرة 9.
([31]) المصدر السابق، المزامير، المزمور 51، الفقرة 5.
([32]) المصدر السابق، المزمور 51، الفقرة 7.
([33]) المصدر السابق، المزمور 51، الفقرة 10.
([34]) المصدر السابق، العهد الجديد، رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، الإصحاح 7، الفقرات 21 ـ 25.
([35]) المصدر السابق، رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين، الإصحاح 7، الفقرة 26.
([36]) المصدر السابق، رسالة بطرس الأولى، الإصحاح 2، الفقرة 22. وانظر:
Pfandle, Gerhard, “Some Thoughts on Original Sin”, p. 5 – 6.
www. adventistbiblical. org/document/sinoriginal-web.pdf.
([37]) انظر: الكتاب المقدَّس، العهد القديم، سِفر التكوين، الإصحاح 3، الفقرة 16.
([38]) انظر: المصدر السابق، الإصحاح 3، الفقرة 17.
([39]) انظر: المصدر السابق، الإصحاح 3، الفقرة 19.
([40]) المصدر السابق، سِفر إشعياء، الإصحاح 43، الفقرة 27.
([41]) المصدر السابق، سِفر هوشع، الإصحاح 6، الفقرة 7.
([42]) تعود كتابة أسفار الـ (أبوكريفا) من العهد القديم إلى الألفي عام تقريباً، وتمّ الاعتراف بها رسميّاً ما بين سنة 400 قبل الميلاد إلى سنة 100 بعد الميلاد. في حوالي عام 250 قبل الميلاد قام يهود الإسكندرية بترجمة كتبهم المقدّسة إلى اللغة اليونانية، وهي الترجمات التي عُرفَتْ بالسبعينية. وقد شملت هذه الترجمات 46 كتاباً، ولم يكن بعضها قطعيّ الوجود في الأصل العبري. وفي حوالي العام 100 بعد الميلاد قام اليهود في مدينة يابنة (ياونة حالياً) ـ بعد دراسة كلّ واحدٍ من أسفار العهد القديم ـ بإقرار 39 سفراً فقط، وأعرضوا عن بعض الأسفار الموجودة في الترجمة السبعينية. وقد أطلق على هذه الأسفار مصطلح الأبوكريفا (apocrypha)، بمعنى (أشياء تمّ إخفاؤها). كما يطلق عليها عنوان الأسفار القانونية الثانوية، في مقابل الأسفار القانونية الأوّلية، وهي الأسفار التسعة والثلاثون الأخرى من العهد القديم. انظر: توماس ميشيل، كلام مسيحي (علم الكلام المسيحي): 25، ترجمه إلى اللغة الفارسية: حسين توفيقي، انتشارات دانشگاه أديان ومذاهب، قم، 1387هـ.ش.
([43]) سِفر يشوع بن سيراخ، الإصحاح 25، الفقرة 24. انظر في هذا الشأن: حكمت بن سيرا، بر أساس كتاب مقدّس أورشليم: 107، ترجمه إلى اللغة الفارسية: پيروز سيار، نشر ني، طهران، 1384هـ.ش.
([44]) سِفر حكمة سليمان، الإصحاح 2، الفقرات 23 ـ 25. انظر في هذا الشأن: كتابهايي أز عهد عتيق (كتابهاي قانوني ثاني) بر أساس كتاب مقدّس أورشيلم: 354، ترجمه إلى اللغة الفارسية: پيروز سيار، نشر ني، طهران، 1380هـ.ش.
([45]) إن النصوص الرؤيوية (apocalyptic) لليهود، والتي تشتمل على تسعة عشر كتاباً، تحتوي على مدّعيات رؤيوية بشأن المقاصد السرّية والخفيّة لله في ما يتعلَّق بنهاية العالم، وإقامة حكومة الله في الأرض. انظر: عبد الرحيم سليماني أردستاني، كتب أبوكريفايي عهد قديم، مجلة هفت آسمان، العدد 5: 116، ربيع عام 1379هـ.ش.
([46]) انظر: رؤيا موسى، الإصحاح 2، الفقرة 14.
([47]) الكتاب الرابع لعزرا، الإصحاح 7، الفقرة 3.
([48]) مكاشفات باروخ، الإصحاح 4، الفقرة 23.
([49]) المصدر السابق، الإصحاح 15، الفقرة 54.
([50]) المصدر السابق، الإصحاح 6، الفقرة 56.
([51]) الكتاب الرابع لعزرا، الإصحاح 15، الفقرة 54.
([52]) الكتاب المقدَّس، العهد الجديد، رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس، الإصحاح 15، الفقرتان 21 ـ 22.
([53]) المصدر السابق، رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، الإصحاح 5، الفقرة 12.
([54]) المصدر السابق، رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، الإصحاح 2، الفقرات 1 ـ 3. وانظر:
Pfandle, Gerhard, “Some Thoughts on Original Sin”, p. 6 – 8.
www. adventistbiblical. org/document/sinoriginal-web.pdf.
([55]) للمزيد من الاطلاع حول آراء هؤلاء المفكِّرين انظر:
Pfandle, Gerhard, “Some Thoughts on Original Sin”.
([56]) انظر: هانس كونگ، متفكِّران بزرگ مسيحي (كبار المفكِّرين في المسيحية): 106، ترجمه إلى اللغة الفارسية: مجموعة من المترجمين، مركز مطالعات وتحقيقات أديان ومذاهب، قم، 1386هـ.ش. وعلى الرغم من أن البادئ الأول لمسألة الخطيئة الأولى هو إيرناؤوس، وهناك كذلك الكثير من علماء اللاهوت الذين تحدَّثوا في هذا الخصوص، إلاّ أن المنظِّر الأهمّ في هذه المسألة هو أوغسطين. ومن هنا؛ حيث لا يتَّسع هذا المقال للخوض في هذه المسألة من جهة رؤية سائر علماء اللاهوت المسيحي، فسوف نقتصر في هذا المقال على بيان رأي أوغسطين في هذا الشأن فقط.
([57]) انظر على سبيل المثال رسائل: حول الزواج والشهوة، وخطاب إلى مركلينوس حول التكفير وغفران الذنوب وغسل التعميد، وحول رعاية المسيح والخطيئة الأولى، وحول الفساد والعناية، وفي الردّ على يوليانوس المدافع عن بدعة بيلاجيوس. وانظر:
King, Peter. 2007, “Damaged Goods: Human Nature and Original Sin”, Faith and Philosophy. p. 2.
([58]) المراد ترجمة فولغات، التي كانت تُعَدّ في العصور الوسطى من أهمّ الترجمات اللاتينية للكتاب المقدَّس، ثم تعرَّضت هذه الترجمة للنقد لاحقاً.
([59]) في النصّ اليوناني للعهد الجديد وردت عبارة: إذ (eph ho)، بدلاً من عبارة: به (in quo). انظر: العهد الجديد، رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، الإصحاح 5، الفقرة 12.
([60]) انظر: هانس كونگ، متفكّران بزرگ مسيحي (كبار المفكِّرين في المسيحية): 106 ـ 107.
([61]) St. Augustin: Anti ـ Pelagian Writings, 1886, by Philip Schaff, New York: Christian Literature Publishing Co. p. 273.
([62]) Mann, William E. (2006), “Augustine on Evil and Original Sin”, in Stomp, Eleonore (&) Kretzman, Norman (eds.), The Cambridge University Press. P. 47.
([63]) Koterski, S. J., Joseph W (2009), An Introduction to MEDIEVAL PHILOSOPHY: Basic Concepts, Wiley Blackwell. p. 156.
([64]) انظر: كريستوفر استيد، فلسفه در مسيحيّت باستان (الفلسفة في المسيحيّة القديمة): 355 ـ 356، ترجمه إلى اللغة الفارسية: عبد الرحيم سليماني أردستاني، مركز مطالعات وتحقيقات أديان ومذاهب، قم، 1387هـ.ش.
([65]) genetic inheritance model.
([68]) being in a sinful state.
([69]) Resnick, Irven M. (1991). “Old of Tournai’s De Peccato originali and the Problem of Original Sin”, Medieval Philosophy and Theology, Volume 1. P. 18.
([75]) بيلاجيوس (Pelagius) (360 ـ 420م): راهبٌ بريطانيّ، أنكر الخطيئة الأولى، وقال بحُرِّية الإرادة التامّة. (المعرِّب، نقلاً عن: منير البعلبكي، المورد: قاموس إنجليزي ـ عربي، بتصرُّفٍ طفيف).
([76]) انظر: جوان، أ. گريدي، مسيحيّت وبدعتها (المسيحية والبِدَع): 180 ـ 181، ترجمه إلى اللغة الفارسية: عبد الرحيم سليماني أردستاني، مؤسسة فرهنگي طه، قم، 1377هـ.ش.
([78]) بعد شجب أتباع بيلاجيوس في مجمع أفسس ظهر مذهب اسمه أشباه البيلاجيّون (semi-pelagianism)، وهؤلاء، على الرغم من تبرُّئهم من أتباع بيلاجوس، وتكفيرهم لهم، لم يكونوا في الوقت نفسه على وفاقٍ تامّ مع مفهوم الخلاص الأوغسطيني. إن هؤلاء كانوا ينكرون نظريتين من نظريات أوغسطين، وهما: نظرية التقدير؛ ونظرية الفيض؛ إذ يرَوْن أنهما تنفيان المسؤولية والإرادة الإنسانية. وقد تمّ شجب أشباه البيلاجيّون في مجمع أورانج، وكذلك في مجمع تيرنيت، أسوةً بأتباع بيلاجيوس. وقد ألَّف أوغسطين في آخر حياته كتابين في الردّ عليهم، وكان عنوان الكتاب الأوّل: «الاصطفاء الأوّل للقدِّيسين»، وعنوان الكتاب الثاني: «النظرة المعطاء». وقد تعامل أوغسطين مع أتباع هذا المذهب لا بوصفهم مبتدعين، بل كإخوةٍ مسيحيين وقعوا في الخطأ.
([79]) في هذا المجمع، الذي أصدر خمسة وعشرين حكماً كَنَسياً، تمّ شجب أتباع بيلاجيوس وأشباههم، ورفض آرائهم.
([80]) يُعَدّ مجمع تيرنيت من أهم المجالس الاستشارية في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الرومية. وقد تمّ التعرُّض في هذا المجمع، من خلال خمسة أحكام كَنَسية، إلى مسألة الخطيئة الأولى بالتفصيل.
للمزيد من الاطّلاع انظر:
Pfandle, “Gerhard, Some Thoughts on Original Sin”.
([81]) العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 14: 180.
([84]) انظر: الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 7: 217، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ.
([85]) انظر: الفخر الرازي، التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) 1: 17، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1420هـ.
([86]) انظر، العلاّمة محمد جواد البلاغي، الهدى إلى دين المصطفى 1: 94، دار الفكر، بيروت، 1408هـ.
([87]) انظر: السيد نعمة الله الجزائري، قصص الأنبياء: 47، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1401هـ.
([88]) انظر: السيد محمد حسين فضل الله، من وحي القرآن: 366 ـ 367، دار الملاك للطباعة والنشر، بيروت، 1419هـ.
([89]) انظر: المصدر السابق: 365.
([90]) انظر: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، تفسير نمونه (الأمثل في تفسير كتاب الله المُنْزَل) 7: 105 ـ 107، دار الكتب الإسلامية، 1386هـ.ش.
([91]) انظر: المصدر السابق 13: 318.
([92]) انظر: الشيخ عبد الله جوادي الآملي، تفسير تسنيم 3: 328، دار إسراء، قم، 1387هـ.ش.
([93]) انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 14: 223.
([94]) انظر: بهاء الدين محمد اللاهيجي، تفسير شريف 3: 93، انتشارات علمي، طهران، 1363هـ.ش.
([95]) انظر: إسماعيل حقّي أبو الفداء البروسوي، روح البيان في تفسير القرآن 1: 111، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ.
([96]) انظر: جوادي الآملي، تفسير تسنيم 3: 32.
([97]) انظر: الشيخ جعفر السبحاني، منشور جاويد (البيان الخالد) 4: 123 ـ 125، مؤسّسة الإمام الصادق×، قم، 1383هـ.ش؛ السبحاني، تفسير صحيح آيات مشكله (الصحيح من تفسير مشكل القرآن): 116 ـ 126، مؤسّسة الإمام الصادق×، قم، 1387هـ.ش.
([98]) العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 133 ـ 137.
([99]) انظر: جوادي الآملي، تفسير تسنيم 3: 329.
([100]) الإمام الخميني، سرّ الصلاة: 43.
([101]) المصدر السابق: 43 ـ 44.
([102]) العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 132.
([103]) انظر: نجمة قرباني، واقع گرائي در قصّه هاي قرآن (الواقعية في القصص القرآني): 121، انتشارات جهاد دانشگاهي، طهران، 1389هـ.ش. (مصدر فارسي).
([104]) العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 8: 11.
([105]) انظر: جوادي الآملي، تفسير تسنيم 6: 203.
([106]) انظر: الشيخ مرتضى المطهَّري، علل گرايش به ماديگري (الدوافع نحو المادّية): 104، انتشارات صدرا، طهران، 1357هـ.ش. (مصدر فارسي).
([107]) انظر: روزبهان البقلي الشيرازي، عرائس البيان في حقائق القرآن: 133، 1301هـ.
([108]) انظر: السيد مصطفى الخميني، تفسير القرآن الكريم 5: 495، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهران، 1376هـ.ش.
([109]) انظر: علي شريعتي، فلسفه إنسان (فلسفة الإنسان): 18، دار إرشاد، طهران، 1369هـ.ش. (مصدر فارسي).
([110]) محمد رشيد رضا،، تفسير المنار 1: 281، دار المعرفة، بيروت.