أحدث المقالات

من شهداء محراب الصلاة إلى حماتها

مقدمة :

 الخلود مطلب فطري في الإنسان بل جزء من كينونته وغاية من غايات وجوده ، يطمح له دوما .. بل يسعى إليه سعيا .

لكنه كمفهوم تختلف مصاديقه وتمظهراته باختلاف القاعدة الفكرية والفلسفية التي ينطلق منها .

لذلك هذا الاختلاف التأسيسي نجد صداه في الدنيا يختلف أيضا .

فخلود السماء يختلف عن خلود الأرض ، كون الأول لا يلغي السعي في خلود الجسد والروح لكنه يحفز الجسد ويرسم له معالم الخلود الحقيقي المنشود ، بينما الثاني يعتبر جل خلوده مادي فيسعى دوما لإبقاء ذكراه عامرة عبر التاريخ ، في ذات الوقت يمعن في إشباع غرائزه التي يرى فيها شيئا من خلوده .

ومع تعميم المفهوم الفلسفي المادي لمفهوم الخلود باتت قيم كالتضحية والإيثار والبذل  لا موقع لها في حياة أمم كثيرة ، كونها تتعارض مع ميلهم نحو الخلود الذي رسمت لهم معالمه تلك المبادئ المادية.

لكنها في المشروع الالهي تعتبر هذه القيم في طول مفهوم الخلود بل مكرسة ومحققة له في واقع الأمر ، ترتبط به ارتباطا محوريا وغائيا .

لا يلغي المشروع الالهي الخلود الدنيوي أبدا ، لكنه يرسم معالمه وفق المقاييس الالهية .

وللخلود مراتب تختلف باختلاف مراتب الإنسان الوجودية ، وبالتالي تختلف باختلاف اختياراته النابعة من إرادته .

فقد يعيش الإنسان ويموت ولا ذكر له في الدنيا والآخرة ، وقد يعيش ويموت وله ذكرى في كليهما ، وقد يكون له ذكرى في الدنيا ولا ذكرى له في الآخرة.

إلا أن السعي نحو الكمال أيضا مغمور بعمق في فطرة الإنسان ، ويختلف الكمال باختلاف نظرة وفهم الإنسان له ، وللكمال دور محوري في رسم معالم الخلود ، وكلما كانت مقامات الكمال أرقى كلما كان الدفع نحو معالم الخلود أرسخ ليكون خلودا في الدنيا والآخرة.

دفعني حب الخلود ونشيد الكمال دفعا لزيارة القديح التي أحتضنت شهداء الصلاة في جمعتها الدامية ، القرية الوادعة في عمق صحراء القطيف يحوطها شجر النخيل الذي يرسم معالم هويتها ويكتب تاريخها ، وما للنخيل من دلالات أهمها بقاءه شامخا رغم قسوة ظرفه البيئي، هذا الشموخ ليس خاصا بالنبات بل هي فطرة لخلق الله كافة تتجلى في مراتبها من خلق إلى خلق لكنها كقيمة واحدة اختلافها يكون في المراتب وفق المقامات.

فشموخ الإنسان يعبر عنه فكرا وعملا ، وشموخ النخيل يبقى صورة بدلالات يفسرها عقل ذلك الإنسان الذي يعي قيمة الشموخ ويعيشها.

ومنها لتلك القرية عرجنا إلى مقام الوالهين والمشتاقين في الدمام الحبيبة حيث الحدث من القديح كان في محراب الصلاة ليرتقي في الدمام إلى حماتها لتكتب صفحة في تاريخ الإنسانية تختصر كلاما كثيرا عُمّد بالدم.

*القديح وشهداء محراب الصلاة :

“أردنا أن نعلم حيدر الصلاة وإذا به يعلمنا ما هي الحياة”

جملة قالها والد الطفل الشهيد “حيدر المقيلي” ، الذي يجاور منزله المسجد ، ذهب بتشجيع من والدايه ليصلي في المسجد حيث رصدا له جائزة تكريمية إن هو انتظم في صفوف المصلين ، استجاب حبا ليذهب في ذلك اليوم إلى المسجد الملاصق للمنزل منفردا ، دخل في صفوف المصلين ، كبر ثم عرج شهيدا ليكتب بدمه رسالة شكر لوالديه ويختمها بروحه ممهورا بشغف اللقاء ، وليرسم لوالديه معالم الطريق ، وليصبح أنموذجا وشعلة تضيء لأسرته ولمحيطه نور هداية أشعلها لهم من قنديل عمره الصغير .

حين دخولنا شاهدت طفلة صغيرة تجلس على الأريكة تحتضن جهازا خليويا  وتضع إصبعها الصغير تتحسس به صورة،  اقتربت أكثر لأجدها صورة حيدر ، أخاها الذي لا تزال تسأل عنه متى يقبل ، وكلما هم والديها بالخروج تستفسر : هل سنذهب إلى حيدر ؟

المفارقة أنك حينما تزور ذلك المنزل لمواساة أهل حيدر ، تعلم أن اختيارات الله مخالفة لتصنيفات البشر ، فبساطة البيت ترسم معالم جماله ، وترابية القاطنين فيه تجسد مفهوم التواضع بل ترسم لك لوحة بريشة الحب والتسليم لقدر الله .

من هذا المنزل الجميل ببساطته وتواضعه اختار الله حيدرا شهيدا ، واختار عائلته لتكون مسؤولة عن هذه الشهادة تكمل مسيرة الدم بنور العلم والوعي ، حيث دم الشهيد إذا سقط فبيد الله يسقط وإذا سقط بيد الله فإنه ينمو ، وهنا النمو يكون من خلال محيط الشهيد من أسرته إلى قريته إلى أمته،  لينمو علميا ومعرفيا وتتسع الأفق والمدارك وتصبح البصيرة أكثر نفوذا بالتالي يصبحوا أكثر اقترابا من الحق والحقيقة .

وللمفارقة والدة حيدر كانت حامل ، إنه الله الذي يعلمنا الحب ، يعلمنا كيف تكون الرأفة بعباده الذين أحبوه وأحبهم فاختارهم لبلائه اللطيف .

جل ما قدمته كهدية لأم حيدر هي شقسقة كتبتها قبل زيارتي لها وقبل معرفتي بأنها حامل :

“شقشقة لأم حيدرة”

قلت لها غدا تنجبين طفلا تنسين به حيدرة

قالت يا هذه حيدرة ليس رسما

بل هو دما بات حبرا

يكتب في ذاكرتي كل يوم ألما

ينسج من عطر شهادته أملا

يمسك بيده شهادة فيها إسما

يشير إلي أمي..

أليس هذا من قلتي لي هو لك نهجا؟

أمي ألست من أرضعني حب حسينا

يا هذه .. سيبقى حيدرة في قلبي صوتا

صداه يردده الزمان : إلهي إني قتلت ظلما

خرجنا بأجسادنا وأرواحنا معلقة بقنديل حيدر الذي رسم ببراءته ابتسامة حفرت معالمها في القلوب .

ولأن المكان قرية يتجاور بها البعض فلا مسافات بين البيوت بل تستطيع من خلال بضع خطوات أن تخرج من منزل شهيد لتصبح في منزل شهيد آخر ، وحيث مكان الشهادة هو المسجد ووقتها كان صلاة جماعة ، جامعة للجيران ترص صفوف صلاتهم في محراب الشهادة ، فيكون انتقالك من منزل شهيد إلى إخر كانتقالك من الركوع إلى السجود .

في منزل الشهيد “الدرويش  ” استقبلتنا زوجته الصابرة التي اغرقتنا هي بصبرها وحنانها وتسليمها لقدر الله ، وكانت حريصة على أن نتناول وجبة الغداء في منزلها لأن الشهيد كان لا يقبل أن يأتيه ضيف في أوقات الطعام ويخرج دون أن يتناول طعامه في منزله ، لكن لضيق الوقت عوضنا وجبة الغداء بالصلاة التي استشهد في محرابها الشهيد لتكون له رضا يغنينا عن رضاه في تناول الطعام.

ما سمعته من زوجة الشهيد وما لحظته من صبر ، يعكس وعيا وإيمانا وتسليما واقعا يتصاغر أمامه الإنسان ، بل يكرس لدي قناعة أن الشهادة لها طعم آخر ولها أثر خاص وميزان مختلف .

” لم نشبع من الوالد ولم نعرف قيمته إلا بعد استشهاده ” جملة خرجت بحزن وأسى من ابنة الشهيد ، لعله شعور يستشعره كل ابن وابنة اتجاه الوالدين خاصة بعد رحيلهم ، لما يمثله الوالدان من نبع للعطاء والحنان الذي مهما شربت منه تبقى عطشانا ، ومهما اعتنيت به تبقى بحقه مقصرا، لكن الأسى الذي تحدثت به ابنة الشهيد لا يشبه أسى الفقد الطبيعي للوالدين ، بل هو أسى من نوع خاص ، يتناسب والمقام ، خاصة أن شهادة والدها لها خصوصية اتسمت بالرحيل المفاجيء مع أن الموت قدرنا الحتمي ، وبخصوصية أخرى هي المكان والزمان والعمل ، وهو تمثل في المسجد في يوم الجمعة والعمل كان صلاة الجمعة .

فكلها يحمل قداسة رمزية ومعنوية في القلوب لذا يكون الموت الواقع ضمن هذه الخصوصية له وقع خاص ليس في نفس الأبناء والأقرباء بل حتى في نفس الإنسان بما هو إنسان.

رافقتنا زوجة الشهيد مودعة إلى الباب وهي تتمنى أن نعيد لها الزيارة لأن زوجها الشهيد كان يحب الضيوف ، فارقناها والابتسامة الخجلة لم تفارق محياها ولم تفارق ذاكرتي التي أثقلها مزيج من الحزن والافتخار وأغرقها حب وحنان استشعرته من هؤلاء الناس الطيبين.

ومن ثم كان عروجنا إلى الشهيد “نبيل العلوي” ، في منزل والدته ، حيث البساطة تكتنف كل زاوية في المنزل ، استقبلتنا والدته التي بدى على وجهها إعياء السنين حيث رسمت خطوطها بعمق لتروي حكايا وآهات ووجع ، وجع وطن ضاق على أبنائه لكنهم مازالوا يجدون به متسعا لأنه يكنز ماضيهم ويحكي تاريخهم ويروي للأجيال حكايا وقضايا وآهات وتضحيات.

كان لعيون أخت الشهيد الذابلة جاذبية تحكي لي عن حزن دفين في قلبها ، رغم محاولتها مرارا أن ترسم على وجهها معالم ابتسامة ، لكن الدموع المحبوسة كانت جبرا تعكس ذلك الحزن وكم الألم لفراق الأخ القريب جدا من قلبها.

رسامة بتميز ، لكن حزنها ميز فنها الجسدي الذي عبرت عنه دون قصد بملامح وجهها التي لم ولن تغيب عن ذاكرتي لحظة لما حملته من أسى عميق وحزن دفين لا يمكن إلا أن يعبر عن هول مصاب الفقد.

وما أكمل مشهدية اللحظة طفلها الذي خرج من الغرفة يخطو خطوات الواثق ليسلم ويفتح أمام ناظري بابا على موهبة جديدة مخبوءة لولا دماء الشهيد لما خرجت عن حدود القرية وجدران المنزل.

طفل في عمر الورود لم يتعد الثمان سنوات ، أمنيته في هذه الحياة أن يصبح قارئا للقرآن عالمي ليسمع كل الناس بصوته كلام الله الذي حسب تعبيره لا يوجد مثله كلام ، رسام لكن جل رسمه للحسين والعباس ، وهي مدرسة الشهادة والايثار والتضحية ، ليعكس البيئة الحاضنة التي يختار الله منها أحبته لمقام الشهادة.

ومن هنا عرجنا لمنزل الشهيد ” سعيد الغزوي ” حيث استقبلتا زوجته الحامل بجسد نحيل ووجه شاحب وابتسامة لا تخلو من حزن بل هي ابتسامة بكاء وحسرة ، لم استطع حتى اثناء تجاذب أطراف الحديث أن أسمع صوتها ، لأنها بالأصل خجولة ، وبعد استشهاد زوجها اختمر خجلها مع ألم الفقد ، لتصبح في زمن قصير إنسانة أظنني لا تعلم من هي وما هي معالمها الشخصية الجديدة، فكل طموحها وخططها مع زوجها باتت سرابا ، بل ذكريات بعد أن كانت أمالا وطموحات .

لا يمكنني أن أنسى هذه الفتاة أو أن أترك قلقي عليها ، فمشهد ابتسامتها الحزينة وجسدها النحيل وحشرجة صوتها ومشيتها الهادئة حد الوجع ، لا يمكن أن يزول من ذاكرتي مهما راكمت السنين الصور والمشاهد.

عائلة الغزوي كان لها النصيب الأكبر في تفجير القديح بين شهيد وجريح ، حيث استشهد للعائلة ٣ وجرح اثنان.

لضيق الوقت اكتفينا بهذه الزيارات كي نجهز أنفسنا لعزاء من نوع آخر ، ففي القديح والدالوة كانت الشهادة واقعة على الأشخاص ، ليست باختيارهم الإرادي بل هي اختيار الله لهم وهذا بذاته مقام عظيم ، ولكن البر مراتب وفوق كل بر بر حتى يقتل المرء في سبيل الله .

فالشهادة مراتب فتارة يستشهد الإنسان دون أن يكون هذا خيار أراده ، وتارة يختار هو بذاته الذهاب للموت بطريقة يبذل فيها نفسه ليحمي فيها المجتمع والجماعة .

توجهنا إلى ذلك المقام من الشهادة التي اختارها الشهداء اختيارا إراديا مضحين بأنفسهم باذلين لها حماية لأرواح الناس ، حماية لصلاتهم ونسكهم وترانيم أصواتهم في الدعاء ، حماية للأذان والقيام والجمعة والطهر والمحراب .

هو بذل استثنائي بطولي ، بذل أسطوري قيميا في زمن انحطت فيه قيم الإنسانية.

حماة الصلاة .. شهداء مسجد الإمام الحسين ع في منطقة العنود في الدمام ، شباب اختاروا الموت ولم يخترهم ، اختاروا نهايتهم ورسموها بريشة أجسادهم التي تبخر بعضها وأصبح أثرا بعد عين.

الشهداء الأربعة عبد الجليل ومحمد الأربش ومحمد البن عيسى والسيد الهاشم ، لا تدري من أين تبدأ .

سأبدأ من السيد الهاشم المدرس الذي جاء ليصلي ولم يكن أبدا من كادر التنظيم ولا أصلا يعرف في هذا المجال ، هو باختصار خرج من المسجد ليجلب الماء لطفله العطشان  وحينما خرج وشاهد بقية الشباب يتصارعون مع الانتحاري في رقصة الموت ، أدخل طفله للمسجد بسرعة وركض ليساعدهم ويحمي المصلين فاحتضن الانتحاري مع الشهيد محمد وعبد الجليل وتم الاختيار لكن اختياره ميزه أن لا جسد له أبدا ، مجرد بقايا صغيرة لا تذكر فذهب بكله وكلكله ليبقى كلمة غائرة في عمق التاريخ يكتب دوما حكاية إنسان ذهب بروحه وجسده لأجل الإنسانية ، لأجل الصلاة ، لأجل التهليل والتكبير والتسبيح ، لله دركم أي كلمات تستطيع وصف عطائكم الذي لا حدود لوصفه.

ينكسر قلمي أمام شهداء حماة الصلاة في جمعة الحسين ع ، فعبد الجليل الأربش كان شابا مرحا عاش مرح الشباب ومارس حياته بكل تفاصيلها الجميلة ، جادا مثابرا مرحا محبا ضاحكا ، عاد كي يكمل نصف دينه ولم يمض على ذلك أكثر من يومين ، كان يطمح للعودة بزوجته ليكمل دراسة الماجستير لكن الله أكرمه بشهادة عليا لا يطمح لها إلا العارفين ، شهادة لا يمكن وصفها إلا بأنها الكرامة وكل الكرامة ، عبد الجليل هو من اكتشف الانتحاري ورغم معرفته أنه إرهابي وجاء ليفجر نفسه إلا أنه لم يخف ويجبن ويهرب بل احتضنه ليمنعه وتداعي لصراخه أخيه محمد الذي لا يفارقه ليحتضن معه الإرهابي ليكون احتضان أبدي كأبدبة خلودهما في الدنيا والآخرة.

محمد الذي فارق صديقه الحياة شهيدا في مجزرة القديح قبل أسبوع في صلاة الظهرين من يوم الجمعة ، بكى كثيرا لفراقه أولا ولأنه لم يستشهد ثانيا .

كان يطمح للشهادة طموحا جامحا ، كان يذهب لزيارة الأربعين ويوصي زوجته أنه إن استشهد هناك عليها إكمال المسير وأن تتصبر ولا تبكي ، في داخله نزوح شديد للشهادة ورسم في مخيلته لطريقة الاستشهاد ، فذهابه للأربعين وتوقعه للشهادة يوحي بأنه كان يرسم عروجا للشهادة عن طريق تفجير أو عمل إرهابي يكون هو قربانا فيه للحسين ع ، قالت زوجته أن محمد الجندي المجهول ، الذي يخدم ويعطي من نفسه ويبذل ويؤثر دون أن يعلم أحد ، وحتى في شهادته لم تتضح معالمها وكيفيتها إلا بعد يومين من التفجير ، وكأن الإنسان بسلوكه وأفكاره يرسم خاتمته وموته ويكتب حكايتها.

ولا يختلف عنهما محمد البن عيسى ابن خالتهما ، الذي رغم صغر سنه وقصر عمر تجربته ، لم يهرب من موقع الحادثة رغم قدرته على فعل ذلك ، إلا أنه آثر أن يبقى لجوار ابني خالته فاطمة كي يحامي معهما ولأجلهما ليعبر في السبيل معهما .

التحموا الأربعة التحام الموت ، التحام الخلود ، التحام السجود والركوع ، التحام العروة نحو جوار الحبيب الذي طالما ناشدوه ، وطالبوه ، وبكوا لأجله ، حتى اشتد شوقهم من الانجذاب فمزقوا ثوب حياتهم في الدنيا كما مزق عابس ثوبه جنونا بحب الحسين ع .

لا يمكن أن أجد ألفاظا وكلمات يمكنها أن تعكس حقيقة ما يختلج في قلبي وذاكرتي ، فاللفظ أحيانا بل كثيرا يعجز عن التعبير بما يليق بمقام الحادثة وشخوصها.

إننا اليوم أمام مشهد أعاد لمفهوم الخلود موقعه في وجدان الأمة ، رسم معالمه وكيف يكون ، وكتبه بالدم على أرض الواقع ، غرس بأشلائه شتلة الحياة ، وكتب الأسماء في ذاكرة التاريخ وعلى صفحات الحاضر والمستقبل لتبقى ذاكرة الأجيال مثقلة بكل تلك القيم التي أحياها حماة الصلاة بدمائهم وفدائهم .

لقد عرجوا بمجتمعهم عقودا من الوعي واختصروا الزمان لهم ، فعلوا بدمهم ما عجز عن فعله الكلام والقلم ، حيث دم الشهادة يدفع بالزمن سنوات وبالوعي عقود ويعلي الهمم والعزم ليكون أمانة في أعناقنا تلزمنا بالحجة إبقاء حرارة هذه الدماء في عروقنا لدفع الظلم ونيل الحقوق .

كل الأمل أن تكون هذه الدماء الحبر الذي يكتب ذاكرة وجود هذه الشعوب المقهورة ، ويرسم لها معالم الطريق للمستقبل ، لتسليم الأجيال القادمة شعلة الدم في وطن يحترم أبنائه ويحفظ لهم حقوقهم ومكتسباتهم ، فلا تكون دماءهم رخيصة بمكتسبات رخيصة هي في الأوطان المحترمة حق واقعي بل من أبسط الحقوق ، فثمن الدم هو حياة بعز وكرامة ولا ثمن للدم إلا الكرامة وتحقيق العدل.

فالسلام عليهم يوم ولدوا ويوم استشهدوا ويوم يبعثون أحياءا.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً