أحدث المقالات

نقد اشتراط التذكية بالحديد

ـ القسم الأول ـ

السيد علوي البلادي البحراني(*)

بقلم: السيد ماجد البوري

 

تمهيد

يتناول البحث المراد من لفظَيْ (الحديد) و(الحديدة) في روايات أهل بيت العصمة والطهارة^، وذكر القرائن التي تدلّ على المختار، مع الوقوف عند بعض المناقشات والملاحظات التي يمكن أن توجه إلى هذه القرائن، والتعليق عليها.

فالبحث الذي أمامك حصيلة جهد السيد الأستاذ علوي البلادي البحراني في مسألة التذكية بالحديد. وقد بذل فيه ما تراه بين يديك، من إظهار قرائن وشواهد جديدة، وإبراز نكات تقوّي قرائن ذُكرت من قبل، ونوقشت؛ بغية إسقاطها، فأثبتها وأسندها، بردّ المناقشات، والإجابة عنها بما هو حقٌّ جلي.

وقد توخَّيْتُ في التقرير أن لا أحيد عمّا بيَّنه من مطالب عميقة، وردود أنيقة، إلا أن العصمة لأهلها؛ فإنْ كان فيها نقص أو قصور فهو راجعٌ إلى المقرِّر، وقصور باعه عن تقرير ما أفاده السيد الأستاذ من إفادات علمية دقيقة. وقد تعمَّدت فيه تبسيط العبارات بما يشبه الشرح؛ ليسهل الفهم، مع أني أذكر أحياناً عبارة مختصرة محكمة قبل الشرح المبسط، تكفي وحدها لفهم المطلب لمَنْ له معرفة جيدة بالاستدلال، ويدرك مغزى العبارات الفقهية في بحوث الخارج، ويكفيه المختصر منها.

وقد سعيتُ جادّاً أن يصل المطلب بدقّته للفهم لمَنْ يحتاجون لمثل هذا التبسيط؛ أملاً في إيصالهم لفهم ما هو أعقد عبارة من هذا التقرير، الذي يمكن أن يختصر في صفحات أقلّ ممّا هو عليه، لولا تعمّد بسط الكلام، وتكراره أحياناً بصورةٍ أخرى، وإعادة ترتيب المطلب الواحد.

ولا يعني ذلك أني لم أختصر أحياناً شرح الأفكار المعروضة، معتمداً على سهولة الفكرة بعد بسطها، وعدم الحاجة للإسهاب لمَنْ فهم مقدّماتها.

 

مقدّمة

وقع الخلاف بين الفقهاء المسلمين في عددٍ من شرائط التذكية، منها: التسمية، وإسلام الذابح، والاستقبال. وقد بُحثت هذه الشروط، ولا زالت. وغرضنا هو التعرُّض لشرطية (الحديد) في التذكية.

ولا إشكال في وقوع التذكية بغير جنس الحديد في الجملة، كما في حال فقد الحديد، بقيد الاضطرار أو بدونه؛ وكما في السمك الذي ذكاته بإخراجه من الماء حياً. وإنما الكلام في جواز التذكية وصحتها في حال الاختيار، بالنسبة إلى الحيوانات البرّية القابلة للتذكية. فقد يفهم من كلمات الأصحاب الاتفاق على شرطية معدن الحديد في تذكية الحيوان. لذا لا يعتبر الحيوان مذكّى عندهم، وجائزاً أكله، إذا ذُبح بغير معدن الحديد، حال الاختيار.

فقد صرَّح الشيخ الطوسي& باشتراط أن تكون آلة الذبح من معدن الحديد في حال الاختيار؛ إذ قال: كل محدَّد يتأتى الذبح به ينظر فيه؛ فإنْ كان من حديد أو صفر أو خشب أو ليطة ـ وهو القصب ـ أو مروة ـ وهي الحجارة الحادة ـ حلت الذكاة بكلّ هذا، إلا ما كان من سنٍّ أو ظفر، فإنه لا يحلّ الذكاة بواحدٍ منهما؛ فإنْ خالف وفعل به لم يحلّ أكلهما، سواء كان متصلاً أو منفصلاً. وقال بعضهم في السن والظفر المنفصلين: إنْ خالف وفعل حلّ أكله، وإنْ كان متصلاً لم يحلّ. والأول مذهبنا، غير أنه لا يجوز عندنا أن يعدل عن الحديد إلى غيره مع القدرة عليه([1]). وقد تبعه في ذلك مَنْ تأخَّر عنه، فاشتهر هذا الأمر عند الشيعة الإمامية([2]).

إلاّ أن المعروف عن العامّة اتفاقهم على عدم شرطية معدن الحديد في التذكية، وأنها تقع بكلّ ما أنهر الدم وفرى الأوداج، واختلفوا في السن والظفر([3]).

ومن الناحية العملية لم يكن البحث عن هذا الموضوع إلى ما قبل القرن العشرين بتلك الأهمّية؛ إذ المتوفِّر والمستعمل من آلات الذبح، مثل: المدية والسكين والسيف ذاك الوقت، إنما كان يصنع من معدن الحديد في الأعمّ الأغلب، وإنْ وجد سواه فهو شاذّ ونادر.

وبعد شيوع وتداول السكاكين وآلات الذبح من غير جنس الحديد، أو ما يشك في حديديّته، وكثرة الابتلاء بها، صار لهذا البحث درجة عالية من الأهمّية.

 

صناعة السكاكين ونحوها في القرن العشرين وما قبله

الفقرة التالية هي مجرّد لمحة عن صناعة السكاكين اقتبسناها من كتاب بحوث فقهية، توضح تطوّر صناعة الحديد في القرن العشرين، وكيفية صناعة السكاكين من معدن الحديد.

«إن الحديد، ولا سيَّما الحديد الصلب، كان هو المعدن الرئيس الذي استخدمه الإنسان في صناعة السكاكين ونحوها من الآلات القاطعة إلى أوائل القرن العشرين، حين اكتشف المهندس (بريرلي) في عام (1913م) أنه يمكن إنتاج صلب لا يصدأ، بإضافة الكروم بنسبة 12% أو أزيد إلى الصلب، بعد صهره وقبل جعله سبيكة على شكل سكين أو نحوه. فحدثت بذلك نقلةٌ نوعية في صناعة السكاكين.

وتقول بعض المصادر: إن السكاكين الحديثة تصنع من الحديد الصلب المحتوي على 12% إلى 16% من الكروم. ويكتسب الصلب بذلك مقاومة شديدة للصدأ. كما يحتوي على نسبة تصل إلى 0.5% من الكربون، تتيح تصليد الصلب عند إجراء المعالجة الحرارية عليه.

…وأيضاً ربما كان هناك بعض السكاكين مطليّة بالنيكل والكروم، بدلاً من خلط عجينتها بهما؛ وذلك تقليلاً لكلفتها. وطريقة ذلك أن تصنع السكينة من الصلب القابل للصدأ، ثم تطلى بالنحاس بطريقة كهربائية، ويتبع ذلك ترسيب طبقة رقيقة من النيكل كواقٍ من الصدأ، قبل وضع الطلاء الأخير من الكروم»([4]).

فالفارق بين ما قبل أوائل القرن العشرين وما بعده هو أن القواطع كانت مصنوعة من الحديد، ثم تغير الوضع بعدما اكتشفت طريقة جديدة للتخلُّص من الصدأ، ثم شاعت هذه الصناعة بالتدريج في العالم.

وسواءٌ قبلنا بشرطية معدن الحديد في بحثنا أم لم نقبل بذلك فالذبح يتمّ في الأعمّ الأغلب في ذاك الزمان بآلةٍ من الحديد. واستعمال آلة ليست من معدن الحديد أمرٌ نادر. فمن الناحية العملية الابتلاء بهذه المسألة أمرٌ قليل، والاحتياط في تلك الأزمان باجتناب غير الحديد، واستعمال الحديد بدلاً منه، أمره سهلٌ ويسير.

إلاّ أنّ الشائع في عصرنا نوعان من السكاكين وأدوات القطع:

الأول: المخلوط بالكروم بنسبة 12% إلى 16%.

الثاني: المصنوع من الحديد الصلب الخالص القابل للصدأ، المطليّ بطبقة من النحاس، وبعدها ترسيب طبقة النيكل، وأخيراً الطلاء بالكروم.

 

تمهيد

قد تقدّم اشتهار شرطية معدن الحديد في صحّة التذكية. وبناءً على هذه الشرطية في التذكية فإنّ ما كان مصنوعاً من الحديد لا يصحّ الذبح ولا تتحقّق التذكية إلاّ به في حال الاختيار، فيؤكل ما كان من قبيل الأنعام الثلاثة، وما لم يذبح به لا يكون ذكيّاً، ولا يؤكل.

فإذا ثبتت مثل هذه الشرطية فإنّ الحكم بالنسبة إلى النوع الثاني من السكاكين واضحٌ، بعدم الاجتزاء به؛ إذ طبقة الكروم، وهي الطبقة الأخيرة للقواطع، هي المباشرة للذبح.

ولو زالت هذه الطبقة لبقَتْ طبقة النيكل، ولو زالت هي أيضاً لبقَتْ طبقة النحاس.

أما النوع الأول فباعتبار أنه خليطٌ من مادّتين، ويشكِّل معدن الحديد النسبة الأكبر، فيمكن البحث في إمكان التذكية به، ولا يقطع بالصحّة بَدْواً؛ إذ تتغير مميزاته بالخلط، فيكون مقاوماً للصدأ بشدّة ولماعاً. فبلحاظ ما يطرأ عليه من تغيير في الخصائص يشكّ في صدق جنس الحديد عليه.

وعلى تقدير شرطية معدن الحديد في التذكية حال الاختيار تكون النتيجة:

1ـ عدم وقوعها بالسكين المغطّاة بالكروم.

2ـ ويشكل في الحديد المخلوط بالكروم؛ للشكّ في صدق الحديد على الخليط. فلا بُدَّ من البحث في صدق عنوان الحديد عليه.

أما إذا أخذنا بوجهة النظر القائلة بعدم اشتراط جنس الحديد فلا حاجة إلى البحث عن صدق الحديد على النوع الثاني، بل يصحّ بالنوع الأوّل أيضاً. والنتيجة وقوع التذكية بهما معاً.

وأيّاً كان الحال فهذه الطريقة في صنع السكاكين والقواطع، وانتشار استعمالها، أدَّت إلى شيوع الذبح بها، وسعة الابتلاء بالذبح بغير جنس الحديد، مما جعل هذا البحث حيوياً ومهمّاً جداً.

 

الأخبار الواردة في آلة التذكية

نستعرض في ما يلي الروايات الواردة في هذا الموضوع، ثم نتكلّم بعد ذلك عن مفادها ودلالتها. وهل يستفاد منها شرطية الحديد بمعنى المعدن المعروف أو لا؟

الخبر الأول: صحيح محمد بن مسلم. رواه الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ× عَنِ الذَّبِيحَةِ بِاللِّيطَةِ([5]) وبِالْمَرْوَةِ([6])، فَقَالَ: لا ذَكَاةَ إِلاّ بِحَدِيدَةٍ([7]).

والنصّ في الاستبصار: «لا ذكاة إلاّ بالحديدة»([8]) ؛ وفي كتاب تهذيب الأحكام: «لا ذكاة إلاّ بحديدة»([9]).

الخبر الثاني: صحيح الحلبي. رواه الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله× قَالَ: سَأَلْتُه عَنِ الذَّبِيحَةِ بِالْعُودِ والْحَجَرِ والْقَصَبَةِ؟ فقَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ×: لا يَصْلُحُ الذَّبْحُ إِلاّ بِالْحَدِيدَةِ([10]).

والوراد في الاستبصار والتهذيب: «إلاّ بحديدة»([11]).

الخبر الثالث: خبر أبي بكر الحضرمي. رواه الكليني عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله× أَنَّه قَالَ: لا يُؤْكَلُ مَا لَمْ يُذْبَحْ بِحَدِيدَةٍ([12]).

وفي الاستبصار: «ما لم يذبح بالحديد»([13])؛ وفي التهذيب: «ما لم يذبح بحديدة»([14]).

ويُلاحَظ أنّ أحد النقلين من الشيخ ورد بلفظ (حديدة)، وهو يوافق نقل الكليني. ولا يخفى أضبطية الكليني&.

أقول: في وثاقة أبي بكر الحضرمي نظرٌ؛ فعمدة ما استدلّ به على وثاقته عدّ ابن شهرآشوب له من خواصّ الإمام الصادق×، المستفاد منه عرفاً وثاقته. لكنه من المتأخِّرين غير المعاصرين ولا القريبين من عصره، فتكون شهادة حدسية، أو لا أقلّ من عدم احتمال حسّيتها احتمالاً معتدًاً به، بحيث يمكن إجراء أصالة الحسّ في الشهادة. فلم يثبت اعتبار الخبر.

الخبر الرابع: مضمر سماعة. رواه الكليني عن عِدَّة مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: سَأَلْتُه عَنِ الذَّكَاةِ؟ فَقَالَ: لا يُذَكَّى إِلاّ بِحَدِيدَةٍ، نَهَى عَنْ ذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ×([15]).

ولم يختلف نصّ الاستبصار([16]) والتهذيب([17]) مع نصّ الكافي.

 

مضمرات سماعة

ويُلاحَظ أن هذا الخبر مضمَرٌ، والمُضْمِر ليس من الأجلاّء الذين لا يُحتمل في حقِّهم سؤال غير المعصوم×، فلا حجية له؛ لاحتمال كون المرويّ عنه غير معصوم. إلا أنّه نسب إلى بعض أساطين العصر القول بأن الإضمار في روايات سماعة لا يضرّ، بالرغم من أن سماعة ليس من أجلاّء الأصحاب، نظير: زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم، الذين لا يليق بشأنهم أن يسألوا غير الإمام×، بينما من شأن سماعة أن يسأل غير الإمام المعصوم×.

فإذا لم يتَّضح أن المسؤول هو الإمام المعصوم× فقد الخبر حجّيته؛ لعدم العلم بصدور الخبر من المعصوم×.

فما حكي عنه أنّه عالج الموضوع بأن الإضمار في أخبار سماعة ناشئٌ من التقطيع، وأن سماعة بن مهران روى عن الإمام× في أبواب مختلفة، فيقول: سألتُ الإمام× عن أمرٍ يتعلق بالزكاة مثلاً، و(سألتُه) عن أمرٍ يتعلق بالصلاة، و(سألتُه) عن أمرٍ يتعلق بالتذكية، وهكذا، ثم قطِّعت رواياته، ووزِّعت على الأبواب الفقهية، والمسؤول فيها واحدٌ، وهو الإمام×.

وعليه لا يضرّ الإضمار بروايات سماعة.

أقول: إنْ حصل الوثوق التامّ بأن أخباره المضمَرة كلّها من هذا القبيل ثبتت لها الحجية، وإلاّ فلا. والبحث في هذه المسألة لا يتوقَّف على تحقيق ذلك.

الخبر الخامس: معتبر محمد بن مسلم. رواه الكليني عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ× فِي الذَّبِيحَةِ بِغَيْرِ حَدِيدَةٍ، قَالَ: إِذَا اضْطُرِرْتَ إِلَيْهَا فَإِنْ لَمْ تَجِدْ حَدِيدَةً فَاذْبَحْهَا بِحَجَرٍ([18]).

وعبد الله بن محمد هو ابن عيسى، المعروف بـ (بنان).

وقد روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى مباشرة، من غير أن يستثنيه محمد بن الحسن بن الوليد في موارد عديدة، منها (التهذيب 3: 166). فتثبت وثاقته بناءً على ما اخترناه من دلالة ذلك على الوثاقة، فيكون الحديث تامّ السند.

الخبر السادس: صحيح عبد الرحمن بن الحجاج. رواه الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ× عَنِ الْمَرْوَةِ والْقَصَبَةِ والْعُودِ أيُذْبَحُ بِهِنَّ إِذَا لَمْ يَجِدُوا سِكِّيناً؟ قَالَ: إِذَا فَرَى الأَوْدَاجَ فَلا بَأْسَ بِذَلِكَ([19]).

والاختلاف في نصّ الاستبصار عن الكافي: «…يذبح بهنّ إذا لم يجدوا سكّيناً؟ قال: إذا فرى الأوداج فلا بأس»([20]).

وفي التهذيب: «…يذبح بهنّ إذا لم يجدوا سكّيناً؟ قال: إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك»([21]).

الخبر السابع: صحيح زيد الشحام. رواه الكليني عن مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله× عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِه سِكِّينٌ، أيَذْبَحُ بِقَصَبَةٍ؟ فَقَالَ: اذْبَحْ بِالْقَصَبَةِ وبِالْحَجَرِ وبِالْعَظْمِ وبِالْعُودِ إِذَا لَمْ تُصِبِ الْحَدِيدَةَ. إِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وخَرَجَ الدَّمُ فَلا بَأْسَ([22]).

وفي الاستبصار: «…أفيذبح بقصبة؟ فقال: اذبَحْ بالحجر وبالعظم وبالقصبة والعود إذا لم تصب الحديد. إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس([23]). وهو نصّ التهذيب أيضاً([24])، بإضافة كلمة (قال) قبل (فقال).

الخبر الثامن: صحيح عبد الله بن سنان. رواه الصدوق في الفقيه بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ× قَالَ: لا بَأْسَ أَنْ تَأْكُلَ مَا ذُبِحَ بِحَجَرٍ إِذَا لَمْ تَجِدْ حَدِيدَةً»([25]).

الخبر التاسع: خبر الحسين بن علوان. رواه عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الإِسْنَادِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ظَرِيفٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُلْوَانَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ× أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏: لا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ الْمَرْوَةِ وَالْعُودِ وَأَشْبَاهِها، مَا خَلا السِّنَّ وَالْعَظْمَ»([26]).

ومقتضى الإطلاق أن ذبيحة المروة والعود لا بأس بها، ولو في حال الاختيار.

الخبر العاشر: مرسل الدعائم، «عن رسول الله| أنّه نهى عن الذبح بغير الحديد»([27]).

الخبر الحادي عشر: مرسلٌ آخر في الدعائم أيضاً، «عن عليّ| وأبي جعفر× وأبي عبد الله× أنهم قالوا: لا ذكاة إلاّ بحديدة»([28]).

الخبر الثاني عشر: خبر عمرو بن خالد، عن زيد بن عليّ، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ×، أنه كره ذبيحة الظفر والسنّ والعظم وذبيحة القصبة، إلاّ ما ذُكّي بحديدة.

وقد حكاه في بحوث فقهية عن مجموع الفقه 4: 141؛ ومسند الإمام زيد: 221. قال: وفيه (ذكر)، بدل (كره).

هذه هي الروايات الواردة في المقام، وسنتحدَّث عن دلالتها لاحقاً.

 

(الحديد) و(الحديدة) في معاجم اللغة

ذكرت عدّة معانٍ للحديد، نأتي على ما يهمّنا منها.

 

أـ المعنى الأول: المنع

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتابه العين([29]): «الحاء مع الدال: حدّ، دح، مستعملان… وحددته عن كذا: منعته…».

وقال أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا(395هـ) في معجم مقاييس اللغة([30]): حد: «الحاء والدال أصلان: الأول المنع؛ والثاني طرف الشيء. فالحد الحاجز بين الشيئين. وفلان محدود إذا كان ممنوعاً. وإنه لمحارف محدود كأنه قد منع الرزق. ويقال للبواب: حداد؛ لمنعه الناس من الدخول».

فحد أو حدد لها معنيان عند ابن فارس: المنع؛ وطرف الشيء.

وقال أيضاً: «وسمي الحديد حديداً لامتناعه وصلابته وشدته…. ويقال: حدت المرأة على بعلها، وأحدت، وذلك إذا منعت نفسها الزينة والخضاب. والمحادّة المخالفة، فكأنّه الممانعة…. قال الدريدي: يقال: هذا أمر حدد، أي منيع»([31]).

 

ب ـ المعنى الثاني: الطرف

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب العين([32]):«…وحدّ كل شيء: طرف شباته، كحدّ السنان والسيف ونحوه…».

وتقدم قول ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: «حد: الحاء والدال أصلان: الأول المنع؛ والثاني طرف الشيء»([33]). وقال أيضاً: «…وأما الأصل الآخر فقولهم: حدّ السيف، وهو حرفه، وحد السكين»([34]).

وقال ابن منظور في لسان العرب: «وحَدُّ كلّ شيء: طَرَفُ شَبَاتِه، كَحَدِّ السكين والسيف والسّنان والسهم…»([35]).

 

ج ـ المعنى الثالث: الحادّ القاطع

والمعنى الثالث للحديد، ممّا ذكرته المعاجم، هو الحادّ والقاطع.

قال الخليل: «حدّ السيف واحتد: وهو جلد حديد»([36]).

وقال أيضاً في معنى (شحذ): «الشحذ: التحديد. شحذت السكين أشحذه شحذاً فهو شحيذ ومشحوذ…»([37]).

وفي الصحاح للجوهري: «[شحذ] شحذت السكين أشحذه شحذاً، أي حددته»([38]).

وقال في معجم مقاييس اللغة: « (شحذ) الشين والحاء والذال أصل واحد، يدل على خفّة وحدّة. من ذلك شحذت الحديد إذا حددته. ويقال: إنّ المشاحيذ رؤوس الجبال، وإنما سمّيت بذلك؛ للحدّة التي ذكرناها»([39]).

قال ابن منظور في لسان العرب: «وحَدُّ السكين وغيرها: معروف، وجمعه حُدودٌ. وحَدَّ السيفَ والسِّكِّينَ وكلَّ كليلٍ يَحُدُّها حدّاً وأَحَدَّها إِحْداداً وحَدَّدها: شَحَذَها ومَسَحها بحجر أَو مِبْرَدٍ، وحَدَّده فهو مُحدَّد. مثله قال اللحياني: الكلام أَحدَّها، بالأَلف، وقد حَدَّتْ تَحِدُّ حِدَّةً واحتَدَّتْ. وسكين حديدة وحُدادٌ وحَديدٌ، بغير هاء، من سكاكين حَديداتٍ وحَدائدَ وحِدادٍ… وحَدَّ نابُه يَحِدُّ حِدَّة ونابٌ حديدٌ وحديدةٌ كما تقدّم في السكين. ولم يسمع فيها حُدادٌ… وحَدّ السيفُ يَحِدُّ حِدَّة واحتدّ، فهو حادّ حديدٌ، وأَحددته، وسيوفٌ حِدادٌ وأَلْسِنَةٌ حِدادٌ. وحكى أَبو عمرو: سيفٌ حُدّادٌ، بالضمّ والتشديد، مثل: أَمر كُبَّار… وقيل: الحَدُّ من كلّ ذلك ما رقَّ من شَفْرَتِه، والجمع حُدُودٌ»([40]).

 

د ـ المعنى الرابع: المعدن المعروف الخاصّ

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب العين: «…والحديد معروف، وصاحبه الحداد»([41]).

وقال ابن فارس: «وسمي الحديد حديداً؛ لامتناعه وصلابته وشدته. والاستحداد استعمال الحديد…».

وقال في لسان العرب: «والحديد: هذا الجوهر المعروف؛ لأنّه منيع. القطعة منه حديدة، والجمع حدائد، وحَدائدات جمع الجمع. قال الأَحمر في نعت الخيل: وهنَّ يَعْلُكْن حَدائِداتها. ويقال: ضربه بحديدة في يده. والحدّاد: معالج الحديد. وقوله:

إِنِّي وإِيَّاكمُ، حتى نُبِيءَ به

 

مِنْكُمُ ثمانَيةً، في ثَوْبِ حَدَّادِ

أَي نغزوكم في ثياب الحَديد، أَي في الدروع؛ فإِما أَن يكون جعل الحدّاد هنا صانع الحديد؛ لأَنّ الزرّاد حَدّادٌ؛ وإِما أَن يكون كَنّى بالحَدّادِ عن الجوهر الذي هو الحديد، من حيث كان صانعاً له»([42]).

سبب تسمية معدن الحديد بالحديد

من كلام ابن فارس: «وسمي الحديد حديداً؛ لامتناعه وصلابته وشدته… ويجوز أن يكون من الأصل الآخر» يتبيَّن أن المعدن الخاص ليس المعنى الأصلي في اللغة؛ إذ لكلمة (ح د د) أصلان، هما: المنع؛ وطرف الشيء. فاستلّ للمعدن اسماً من المنع أو الطرف.

فإطلاق الحديد على المعدن الخاصّ إطلاق ثانوي، وليس أصلياً، فتكون النتيجة تسمية المعدن الخاصّ بالحديد من باب تطبيق المفهوم على بعض مصاديقه، كانطباق التعظيم على القيام.

وفي مرحلةٍ لاحقة أصبح من معاني الحديد أيضاً بعد كثرة الاستعمال، كما يظهر بملاحظة بعض كتب اللغة.

 

اتّجاهات تحديد المراد من لفظ (الحديدة) في الأخبار

ننتقل إلى المحور الأساس في هذا البحث وهو: ما هو المراد من لفظ (الحديدة) الوارد في الروايات؟

فسَّر الاتجاه المشهور لفظي (الحديد والحديدة) الواردين في الروايات بالمعدن الخاصّ. ولفظ (حديد) هو جنس الحديد، والمفرد منه (حديدة)، وهي القطعة منه. وفي مقابل ذلك فسّرا بالآلة الحادّة أو المعدّة للقطع والفري.

فهناك اتجاهان في مسألة التذكية بالحديد: أحدهما ـ وهو المشهور ـ: يشترط معدن الحديد؛ لاستظهاره معدن الحديد المعروف من لفظي (الحديد والحديدة) الواردين في الأخبار.

والاتجاه الآخر: لم يشترط جنس الحديد؛ لعدم استظهار المعدن الخاصّ من لفظ (الحديدة) في خصوص المعدن، بل استظهاره في الآلة القاطعة أو المعدّة للقطع.

 

تصويرات الاتّجاه الثاني

أـ أن يكون المقصود من الحديد والحديدة المعنى الوصفي، بأن يكون الذبح بشيءٍ حادّ وقاطع، سواء أعد لذلك أم لا.

ب ـ أن يكون المقصود منهما ما هو معدّ للقطع والذبح، فلا يكفي تحقُّق صفة القاطعية بدون أن يكون معدّاً للقطع. كما لا تشترط صفة القاطعية وفعلية سهولة الذبح والقطع بها. فالمهمّ كون الآلة معدّة للقطع.

ج ـ أن يكون المراد بهما آلة الذبح والفري، كالسكين، إشارة إلى نفس شرائط الذبح الثابتة بغير روايات هذه المسألة أيضاً، بمعنى اشتراط قطع الأوداج وخروج الدم المتعارف بدون إيذاء للحيوان. وعلى هذا التصوير لا يشترط في الآلة أن تكون حادّة قاطعة إلاّ بمقدار ما يحقِّق شرائط الذبح. كما لا يشترط فيها الإعداد للذبح، فلو فرض تيسُّر الذبح بشرائطه بقطعة زجاج لجاز الذبح بها، وصارت الذبيحة مذكّاة.

والظاهر أن التصوير الأخير هو المعتمد؛ إذ الوارد في الروايات كما تقدَّم هو لفظ (الحديدة)، لا لفظ (الحديد)، كما ذكرنا. والقرائن والشواهد المتعدِّدة ـ التي ستأتيك ـ تدلّ على أن لفظ (الحديدة) استعمل في مثل السكين، ولم تستعمل بمعنى القطعة من معدن الحديد، كما أنها ليست بمعنى القطعة الحادّة.

ولترجيح أحد المعاني نحتاج إلى القرينة المرجِّحة، وهي على نحوين:

الأول: القرينة التامة. والمقصود منها أن تكون وحدها كافية في البناء عليها في مقام الترجيح.

والثاني: القرينة الناقصة. وهي التي لا تكفي وحدها في مقام الترجيح؛ لعدم وضوحها الكافي، إلاّ أنها مؤيدة ومعززة للمطلب، وبضمها إلى قرائن أخرى ناقصة قد تصل إلى مستوى الرجحان.

والمنهج الذي مشينا عليه هو تجميع القيم الاحتمالية، حتَّى يحصل الوثوق. وبحمد الله لدينا قرائن مستقلة وحدها؛ لإثبات المطلوب، ونضمّ إليها أخرى؛ ليقوى المطلب أكثر.

فالمدَّعى أن لفظ الحديدة لم يطلق على القطعة من الحديد، ولم يطلق على الآلة الحادة، وإنما أطلق على آلة الذبح والفري، كالسكين؛ وذلك لعدة قرائن؛ بعضها تامّ؛ والبعض الآخر مؤيِّد:

القرائن على استظهار آلة الذبح من لفظ (الحديدة)

1ـ ورود لفظ (حديدة) غير معتمد على موصوف

يلاحظ أن غالب الأخبار السابقة ورد فيها لفظ (حديدة)، وليس لفظ (حديد)، بل لم يثبت ورود لفظ (حديد) بطريق معتبر. فقد ورد في خبر أبي بكر الحضرمي لفظ (بالحديد) ـ حسب الاستبصار ـ، خلافاً لما في الكافي والتهذيب، حيث ورد فيهما لفظ (بالحديدة).

وورد أيضاً في صحيحة زيد الشحام لفظ (الحديد)، في نسخة الاستبصار والتهذيب، خلافاً للكافي. وقد مرّ عليك سرد الأخبار، مع عرض اختلاف النسخ.

ومهما يكن فإن استعمال لفظي (الحديد والحديدة) يأتي تارةً مجرّداً عن الموصوف، وأخرى معتمداً عليه. فهذه أربع صور:

الأولى: استعمال لفظ الحديد مجرداً عن الموصوف يأتي غالباً للتعبير عن جنس الحديد ومعدنه، كما في العبارات التالية:

1ـ لا تجوز الصلاة في شيءٍ من الحديد([43]).

2ـ يكره أن يلبس الصبي شيئاً من الحديد([44]).

3ـ الحديد لباس أهل النار([45]).

4ـ الرجل إذا قصّ أظفاره بالحديد فإنّ عليه أن يمسحه بالماء قبل أن يصلّي([46]).

5ـ لا يصلّي الرجل وفي قبلته نار أو حديد([47])([48]).

الثانية: استعمال لفظ الحديد معتمداً على الموصوف. ويأتي عادةً للدلالة على المعنى الوصفي، وهو الحاد القاطع، فيقال: سيف حديد، أي حادّ، وكما في قوله تعالى: ﴿فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ (ق: 22).

الثالثة: استعمال لفظ الحديدة معتمداً على الموصوف، ويأتي بالمعنى الوصفي، أي إنها حادة وقاطعة، كما يقال: سكين حديدة.

الرابعة: استعمال لفظ حديدة أو الحديدة بدون الموصوف، ويأتي بمعنى الآلة القاطعة، نظير: السكين. ومن أمثلة ذلك:

1ـ إذا ضرب الرجل بالحديدة فذلك العمد([49]).

2ـ مَنْ أشار بحديدة في مصر قُطِعَتْ يده([50]).

3ـ الإشعار أن تطعن سنامها بحديدةٍ، حتّى تدميها([51]).

4ـ صحيحة محمد بن مسلم. روى الكليني في الكافي عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ× عَنْ مُسْلِمٍ ذَبَحَ شَاةً وسَمَّى، فَسَبَقَه السِّكِّينُ بِحِدَّتِهَا، فَأَبَانَ الرَّأْسَ؟ فَقَالَ: إِنْ خَرَجَ الدَّمُ فَكُلْ»([52]).

ولا يعبَّر عرفاً عن الجنس باستعمال المفرد، فلا يعبَّر عن معدن الحديد بكلمة حديدة فلا يقال: «لا تصلِّ في حديدة» إشارة إلى جنس الحديد؛ إذ لا خصوصية للقطعة الواحدة في محذور الصلاة في جنس الحديد، بل يقال: «لا تصلِّ في الحديد»، ليشمل القطعة الواحدة والأكثر منها. كما لا يقال: تخرج زكاة الفطرة من الشعيرة ـ «الشعيرة هي الحبّة الواحدة من الشعير» بإرادة الجنس، بل يقال: تخرج زكاة الفطرة من الشعير؛ للإشارة إلى جنسه.

وإذا أردت التعبير عن انحصار الحمية بأكل الشعير مثلاً تأتي بهذه العبارة: «لا حمية إلاّ بالشعير»، ولا تقول: «لا حمية إلاّ بالشعيرة»، وتقصد جنس الشعير، فإنه غير معهود في الاستعمال.

قال ابن سيده: «…قال ابن الأعرابي: الحديد واحدته حديدة، كالشعير واحدته شعيرة»([53]).

فلفظ (حديدة) يختلف عن لفظ (حديد)، ولم يرِدْ في رواية تامّة السند لفظ حديد في هذا الباب. فالروايات إنما جاءت بلفظ (حديدة). والراجح أن لفظ (حديدة) أطلق على آلة الذبح، كالسكين والشفرة والمدية. ووجه تسميتها (حديدة) هو غلبة صناعتها من الحديد، أو حيثية غلبة كونها حادّة وقاطعة.

وهكذا فالوارد في الروايات هو لفظ (حديدة)، عدا رواية دعائم الإسلام، غير التامّة من حيث السند، التي وردت بلفظ (الحديد).

أجل ورد في بعض الكتب لفظ (حديد)، بدلاً من لفظ (حديدة)، لكنّه بالإضافة لعدم ثبوته ـ فالنسخ الواردة مختلفةٌ بين الشيخ والكليني ـ، لا يضرّ بعد ملاحظة مجموع ما ذكرناه من قرائن، كما ستلاحظ.

كما ورد في بعض الروايات لفظ (الحديدة)، كما عرفت مطلع هذا البحث، وهو أوضح في أنّ المقصود بها مثل السكين. والوجه في ذلك أن التعريف بالألف واللام للعهدية، وليست للجنس، والأمر المعهود هو آلة الذبح من السكين والمدية والسيف ونحوها.

وممّا تقدّم يرجّح أن معدن الحديد وجنسه ليس هو المراد من الأخبار.

 

2ـ استبعاد معنى الحادّ

وهذه القرينة تنفي إرادة معنى الحادّ من لفظ (الحديدة)، ولكنّها لا تثبت إرادة السكّين أو أيٍّ من التصويرات التي ذكرناها للاتّجاه الثاني.

فأقول: يبعد احتمال إرادة الحادّة من لفظ (الحديدة) الوارد في الروايات؛ باعتبار أن لفظ (الحديدة) يناسِبُ أن يؤتى به مع الموصوف حال إرادة المعنى الوصفي، فيقال مثلاً: «اذبح بسكين حديدة»، أي حادة.

ولا يستعمل عادة لفظ (حديدة) بلا موصوف ويراد به الحادّة. فحمل مثل عبارة «لا ذكاة إلاّ بحديدة» دون الاعتماد على موصوف على إرادة المعنى الوصفي بعيدٌ. إذن يستبعد إرادة معنى الحادّة، كما استبعد إرادة جنس معدن الحديد.

 

3ـ ملاحظة الاستعمالات

تتبُّع موارد لفظي (حديدة) و(الحديدة) بدون الاعتماد على موصوف، وبدون قرينة خاصّة ، يكشف عن استعمالهما في السكّين والآلة الذابحة. والأمثلة على ذلك كثيرةٌ، ومنها:

1ـ صحيحة زيد الشحام. رواها صاحب الوسائل عن مُحَمَّدِ بْن يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ× عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ سِكِّينٌ أَيَذْبَحُ بِقَصَبَةٍ؟ فَقَالَ: اذْبَحْ بِالْحَجَرِ وَبِالْعَظْمِ وَبِالْقَصَبَةِ وَالْعُودِ إِذَا لَمْ تُصِبِ الْحَدِيدَةَ. إِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَخَرَجَ الدَّمُ فَلا بَأْسَ بِهِ([54]). فقد كان السؤال فيها عن حكم مَنْ «لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ سِكِّينٌ»، وجاء جواب الإمام× في حال «لَمْ تُصِبِ الْحَدِيدَةَ». فالسائل يفترض فقدان السكين، والإمام× يجيب عن حال فقدان الحديدة، فيظهر أن الإمام× استعمل لفظ الحديدة في السكّين؛ وإلاّ فلا تطابق بين السؤال والجواب. وسيأتي مزيد بيانٍ حول هذه الصحيحة.

2ـ ما ورد في الوسائل عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن محمد بن مسلم، قال: سألتُ أبا جعفر× عن مسلمٍ ذبح وسمّى، فسبقته حديدته، فأبان الرأس؟ فقال: إنْ خرج الدم فكُلْ([55]).

ونلاحظ أن محمد بن مسلم يسمّي السكين حديدة. ومن الواضح هنا أن نظره ليس إلى جنس الحديد ومعدنه، إنّما سمّى آلة الذبح، مثل: السكين، حديدةً. فعبارة «سبقته حديدته» تعني سبقته سكينته وآلة ذبحه، ففصلت الرأس.

غير أن هذه الرواية نقلت بألفاظٍ مختلفة. ففي الكافي عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ× عَنْ مُسْلِمٍ ذَبَحَ شَاةً وسَمَّى، فَسَبَقَه السِّكِّينُ بِحِدَّتِهَا، فَأَبَانَ الرَّأْسَ؟ فَقَالَ: إِنْ خَرَجَ الدَّمُ فَكُلْ([56]).

وعلَّق المحشّي على الكافي: في بعض النسخ: «فسبقته حديدته».

كما علَّق المحشّي على الوسائل: في نسخة: السكّين لحدّتها (هامش المخطوط).

ووردت في التهذيب هكذا: «عن محمد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن محمد بن مسلم قال: سألتُ أبا جعفر× عن مسلمٍ ذبح شاة فسمّى، فسبقت مديته، فأبان الرأس؟ فقال: إنْ خرج الدم فكُلْ»([57]).

وفي موضعٍ آخر من التهذيب: «الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن محمد بن مسلم قال: سألتُ أبا جعفر× عن مسلم ذبح وسمّى، فسبقته حديدة، فأبان الرأس؟ فقال: إنْ خرج الدم فكُلْ»([58]).

ولعلّ هذا الاختلاف ناشئٌ من النقل بالمعنى، مما يكشف عن إرادة السكين من لفظ الحديدة؛ حيث نقلها بعضهم بلفظ مدية؛ وآخر بلفظ سكين؛ وثالث بلفظ حديدة، مما يعني أنهم لم يجدوا فرقاً بين هذه الألفاظ، وخصوصاً بعد ملاحظة ما ورد من جواز نقل الروايات بالمعنى.

3ـ ما جاء في السنن الكبرى، للبيهقي، عن النبيّ| أنه قال: لا قود إلاّ بحديدة»([59])، أي مَنْ قتل مسلماً بحرق أو إغراق أو غيرهما فلا يقتل بحرق ولا إغراق، بل يقتل بالسيف ونحوه.

فهنا استعمل لفظ الحديدة في آلة الذبح في القود، ولا نظر إلى كونها مصنوعة من الحديد أو غيره.

4ـ ما ورد عن أبي جعفر× قال: مَنْ أشار بحديدةٍ في مصر قُطِعَت يده، ومَنْ ضرب بها قُتِل»([60]).

5ـ صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله× ـ في حديثٍ ـ قال: والإشعار أن تطعن في سنامها بحديدةٍ، حتّى تدميها([61]).

6ـ سألتُ أبا عبد الله× عن الصيد يصيبه السهم معترضاً، ولم يصبه بحديدة…([62]).

والواضح من هذه الموارد، وخصوصاً بملاحظة مناسبات الحكم والموضوع، أن المراد الآلة القاطعة، مثل: السكين والسيف والشفرة ونحو ذلك، أو القاتلة، وليس معدن الحديد.

إذن من هذه الشواهد وغيرها نصل إلى نتيجة مفادها أنّ لفظ الحديدة تستعمل في آلة الذبح والقطع، كالسكين.

وأما ما ورد مرسلاً: «فاختن إسحاق بالحديد»([63]) فغير ضائر، ولا يكون نقضاً على ما استشهدنا به؛ إذ استظهار استعمال لفظ الحديد في الحادّ هنا قائمٌ على أساس مناسبة الحكم والموضوع، أو غيره من القرائن، وإلاّ كانت المرسلة مجملة. ومما يهوِّن الخطب، بالإضافة إلى الإرسال، أنه مورد واحد لم نجد له نظيراً، خلافاً للفظ (الحديدة) الذي كثرت شواهده.

 

4ـ مناسبات الحكم والموضوع

ولها عدّة تقريبات:

 

التقريب الأول

«إن الشواهد التي ذكرت في الأمر الأول([64]) المتقدّم تقريباً لمسلك المشهور في ما هو المراد بلفظي (الحديد والحديدة) الواردين في نصوص التذكية لا تقتضي أزيد من عدم كونهما بمعنى الحادّ والحادة. ولا تنفي احتمال أن يكون المراد بهما الآلة المعدة للفري والقطع على سبيل المجاز في الكلمة، بكونها هي المعنى المستعمل فيه اللفظ أو كونها هي المراد الجدّي منه، وإنْ كان المراد الاستعمالي هو نفس المعدن الخاص أو القطعة منه.

وهذا الاحتمال وارد ثبوتاً؛ لأن المناسبة المعتبرة في صحّة الاستعمال المجازي موجودة في المورد، فإن أدوات القطع والفري، كالسيوف والمدى والسكاكين، كانت تُصنَع عادةً في عصر صدور الروايات من مادة الحديد، ولعله لم يكن يوجد آنذاك ما يُصنع من غيرها، إلاّ على سبيل الندرة والشذوذ. وهذا المقدار مناسبة مصحِّحة لذكر الحديد أو الحديدة وإرادة الآلة المعدّة للقطع كتعبيرٍ جامع عنها»([65]).

 

توضيحٌ وإضافة

لفظ (الحديدة) استعمل في آلة الفري والقطع على سبيل المجاز في الكلمة؛ لكونها هي المعنى المستعمل فيه اللفظ، أو كونها هي المراد الجدي منه، وإنْ كان المراد الاستعمالي هو نفس المعدن، أو المعنى الوصفي للحديدة.

وبعبارة أخرى: إطلاق لفظ (الحديدة) على السكين لا بُدَّ له من مصحِّح، وهو المناسبة والمشابهة بين المعنى الموضوع له والمعنى المستعمَل فيه، ليصحّ الاستعمال. والمصحِّح إما كونها مصنوعة من معدن الحديد غالباً، أو كونها حادّة غالباً. فكلُّ واحدةٍ من هاتين المناسبتين مصحِّحة للاستعمال المجازي.

إذن لفظ (الحديدة) استعمل في آلة الفري والقطع على سبيل المجاز في الكلمة؛ لكونها هي المعنى المستعمل فيه اللفظ، أو أن اللفظ استعمل في نفس المعدن أو في نفس معنى الحادّ وأريد جدّياً منه آلة القطع. فلفظ الحديدة أطلق على السكين إمّا لهذه المناسبة أو تلك.

واستعمال اللفظ في معنى تارةً يكون استعمالاً حقيقياً؛ وتارةً أخرى يكون مجازياً. فاستعمال لفظ (الحديدة) في السكين في الأخبار الواردة:

أـ إما أن يكون استعمالاً حقيقياً: والاستعمال الحقيقي هو استعمال اللفظ في معناه الموضوع له، فلفظ الحديد أو الحديدة استعمل في القطعة من الحديد أو الآلة الحادّة، وطبِّق على السكين باعتبار انطباق العنوان على المعنون، كانطباق التعظيم على القيام. فالسكين أحد مصاديق القطعة من الحديدة أو الآلة الحادّة.

ب ـ وإما أن يكون استعمالاً مجازياً: وذلك بأن تكون كلمة (الحديدة) استعملت في غير معناها الموضوع له؛ إذ استعملت في خصوص السكين. واستعمالها كذلك يحتاج لمناسبة مصحِّحة لهذا الاستعمال، والمصحِّح للمجازية في الاستعمال إما كونها مصنوعة من الحديد غالباً؛ أو كونها حادّة غالباً.

وليس مهماً أن نعرف هذا النحو أو ذاك الذي طبِّق على السكين، إنّما المدَّعى الرئيس كما ستعرف أن لفظ الحديدة أطلق في هذه الروايات على السكين.

ثم قال: «هذا بحسب مقام الثبوت. وأما بحسب مقام الإثبات فاحتمال المجازية وإنْ كان على خلاف مقتضى القاعدة في تطابق المعنى المستعمَل فيه اللفظ للمعنى الموضوع له، وكذلك تطابق المراد الجدّي للمراد الاستعمالي، إلاّ أنّه مع وجود القرينة عليه لا بُدَّ من الأخذ بمقتضى القرينة.

وفي المقام توجد جملةٌ من القرائن الدالّة على أن المقصود بلفظ الحديد أو الحديدة في نصوص المسألة هي الآلات المعدّة للقطع والفري، لا المعدن المعروف والقطعة منه. والقرائن هي:

الأولى: مناسبة الحكم والموضوع. وتوضيحها: إن لفظي الحديد والحديدة قد استخدما في موارد كثيرة من الروايات. والملاحظ أن المراد بهما في جملةٍ منها هو المعدن الخاص والقطعة منه، كما في الموارد التالية:

1ـ لا تجوز الصلاة في شيءٍ من الحديد([66]).

2ـ يكره أن يلبس الصبي شيئاً من الحديد([67]).

3ـ الحديد حلية أهل النار([68]).

4ـ الرجل إذا قصّ أظفاره بالحديد فإنّ عليه أن يمسحه بالماء قبل أن يصلّي([69]).

5ـ لا يصلّي الرجل وفي قبلته نارٌ أو حديد([70])»([71]).

ولكنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي في موارد أخرى أن يكون المراد بهما غير ذلك. وهو على وجهين:

أـ ما أُريد بهما الآلة القاطعة أو الجارحة أو القاتلة، كما في ما يلي:

1ـ أوحى الله إلى إبراهيم أن اختن إسحاق بالحديد([72]).

2ـ إذا ضرب الرجل بالحديدة فذلك العمد([73]).

3ـ مَنْ أشار بحديدة في مصر قُطِعَتْ يده([74]).

4ـ الإشعار أن تطعن سنامها بحديدةٍ، حتّى تدميها([75])».

«ب ـ ما أريد بهما الشيء الثقيل وزناً، كما في الموردين التاليين:

1ـ قوله× في قصة استشهاد زيد بن عليّ× : «ألا أوقرتموه حديداً، وألقيتموه في الفرات»([76]).

2ـ قوله: «تلقي عليه مثقالين لباناً، وعشرة مثاقيل سكراً…، ثم تضعه تحت السماء بالليل، وتضع على رأسه حديداً»([77])»([78]).

والحاصل أنه ليس المقصود بلفظ الحديد أو الحديدة في مطلق موارد استعمالها هو المعدن الخاصّ أو القطعة منه، بل إن مناسبة الحكم والموضوع تقتضي أن يكون المراد بهما في جملة من الموارد هو الآلة القاطعة ونحوها، أو ما يكون ثقيل الوزن.

والظاهر أن المتفاهم عُرفاً؛ بمناسبة الحكم والموضوع، كون المراد من الحديد والحديدة في نصوص التذكية والذبح هو مطلق الآلات المعدّة للقطع والفري؛ فإنّ الموضوع هو الذبح والذكاة، والحكم هو لزوم استخدام الحديد فيه مع الإمكان، فلا يفهم من ذلك خصوصية للحديد بما هو معدن خاصّ، بل المتفاهم عرفاً أنه جيء به تعبيراً عن الآلات المعدّة للقطع؛ بمناسبة كونها مصنوعة منه عادةً، فبدلاً من استخدام كلمة السكين مثلاً استخدمت كلمة الحديدة؛ لتكون تعبيراً جامعاً عن كلّ آلة معدّة للقطع، كالسيف والشفرة والموسى والمدية وغيرها»([79]).

 

مناقشة التقريب الأوّل

وقد اعترض على هذا التقريب بالتالي: «لو كان المذكور في لسان الدليل هكذا: «إذا قطعت أوداجه بحديدة فقد ذكّيته»، أو كلاماً من هذا القبيل، لكان بالإمكان ادّعاء أن مناسبة الحكم والموضوع تقتضي أن لا تكون خصوصية للحديدة بما هي قطعة من المعدن المعروف، بل تكون العبرة بالآلة الصالحة للقطع، وإنْ لم تكن من جنس الحديد، من دون عنايةٍ بالإعداد للقطع على كلّ حال، فإنه لا موضوعية له في النظر العرفي أصلاً.

ولكنّ المذكور في الأدلة إنّما هو نفي الذكاة بغير الحديدة من الليطة والحجارة ونحوهما ممّا يصلح للذبح وإنْ لم يكن معدّاً له، ومعه لا مجال لدعوى عدم الخصوصية للحديد، وكون العبرة بما يكون صالحاً للقطع والفري.

وبالجملة إنّ مناسبة الحكم والموضوع لو كانت تقتضي شيئاً فإنما هو إلغاء خصوصية الحديد، وكون العبرة بكلّ ما يصلح للذبح، لا كون العبرة بما أُعدّ لذلك. وهذا فيما إذا لم يكن دليلٌ على المنع من الذبح ببعض ما يصلح له من غير الحديد. وأما مع ورود النهي عن ذلك فلا يكاد يفهم العُرف عدم الخصوصية للحديد»([80]).

توضيح المناقشة: إنه لم يرِدْ في لسان الدليل هذا النحو من التعبير: «إذا قطعت أوداجه بحديدة فقد ذكّيته». لو كان كذلك لكان من الممكن دعوى أن مناسبات الحكم والموضوع تقتضي أن لا خصوصية للحديدة بما هي قطعةٌ من معدن الحديد المعروف، ولا خصوصية أيضاً لما كان معدّاً للذبح، إنما العبرة بالآلة الصالحة للقطع، فكل ما يصلح للذبح بقطع الأوداج الأربعة يصحّ التذكية به، ولو كان من غير جنس الحديد.

فقد نجد قطعةً من الزجاج حادّة تصلح للذبح والفري، ولكنها لم تعدُّ لذلك، فهي ليست مثل السكين والمدية وغيرها مما صُنع وأُعِدَّ للذبح. والعرف يحكم بأن صنع الآلة وإعدادها للقطع ليس له موضوعية في التذكية. فإنْ كان المراد من لفظ (الحديدة) الآلة فهي الآلة الصالحة للقطع والفري، لا خصوص المعدّة لذلك.

ويترتّب على ذلك أن أمثال الليطة وغيرها لو كانت صالحةً للذبح جاز التذكية بها؛ لعدم الخصوصية.

إلاّ أن الوارد في لسان الدليل نفي الذكاة مطلقاً بالليطة والمروة وأمثالهما، وأنه «لا ذكاة إلاّ بحديدة». فيفهم من هذا النفي بعد عدم التفصيل بين الصالح للفري والقطع وعدم الصالح منها لذلك يفهم أن الصلاحية للذبح ليست هي المنظورة في صحة التذكية، ولا خصوصية الإعداد للذبح، فلم يبقَ وجهٌ لاستبعاد خصوصية معدن الحديد. وبذلك ينهدم تقريب مناسبات الحكم والموضوع فيما لو تمَّتْ هذه المناقشة.

وهكذا تطرح المناقشة النقاط التالية:

الأولى: إن الصياغة لو كانت بمثل هذا اللسان: «إذا قطعت أوداجه بحديدة فقد ذكيته» لأمكن القول: إن مناسبات الحكم والموضوع تقتضي أنْ لا خصوصيّة لمعدن الحديد.

الثانية: مع فرض قبول تقريب مناسبة الحكم والموضوع فإنه يكون المراد من (الحديدة) ما يصلح للذبح، لا ما أُعدّ له؛ لعدم الموضوعية للإعداد في الفهم العرفي. لذا يُفترض صحة التذكية بالليطة والمروة والقصبة وغيرها، مع صلاحيتها لقطع الأوداج، وإنْ لم تكن معدة للفري.

الثالثة: إطلاق نفي المعصوم× لحصول التذكية بغير الحديد، من أمثال: الليطة والمروة والقصبة، مع أنها قد تكون صالحة للقطع والفري، يسقط هذا التقريب. ويبقى احتمال خصوصية معدن الحديد لا نافي له، فيتعين حمل الدليل تعبُّداً بظاهر النصّ.

فلم يبقَ وجهٌ لما قيل من أن مناسبة الحكم والموضوع تقتضي أن يكون المراد بالحديدة ما يصلح للذبح من الآلات القاطعة والحادة، أو ما أُعدّ لذلك.

وهكذا إطلاق نفي التذكية بغير الحديد نفي لأن تكون القصبة وأمثالها صالحة للتذكية، وإنْ كانت حادّة، وفيها قابلية الذبح.

 

خلاصة المناقشة

أوّلاً: أصل دعوى دلالة مناسبة الحكم للموضوع على ما ادُّعي غير مسلَّمة.

ثانياً: دعوى أن مناسبة الحكم والموضوع تدلّ على أن المقصود بالحديدة ما أُعدّ للذبح أيضاً غير مقبولة؛ إذ العرف لا يرى خصوصيةً للإعداد. فلو تم أصل التقريب فإنما يسلم بشأن ما يصلح للذبح. وحيث إن الروايات نفَتْ جواز الذبح بما يصلح للذبح تسقط هذه القرينة.

وبعبارةٍ أخرى: ما دام عندنا نفيٌ من الإمام× مؤدّاه أن القصبة مطلقاً، وإنْ كانت صالحة للذبح، لا يُذْبَح بها، وإنما الذبح بالحديدة، فلا يمكن استبعاد خصوصية معدن الحديد. فلا محالة يتعيَّن التمسُّك بظاهر شرطية معدن الحديد.

ما اعتُرض به على المناقشة

إلاّ أنه اعترض على هذه المناقشة بما يلي:

«ويلاحظ على هذا الجواب: إن نكتة الاستدلال هي نكتة إسنادية، وليست لفظية؛ كي تختلف باختلاف الصياغات. فسواء كانت صياغة الدليل بهذا النحو، وهو «إذا قطعت أوداجه بحديدة فقد ذكيته»، أو كانت صياغة الدليل بالنحو الذي ورد «لا ذكاة إلاّ بحديدة»، أو «لا يذكّى إلاّ بحديدة»، فإن مرجع الجميع ـ بحسب النظر العرفي ـ إلى جملة شرطية، وهي: إذا تحقَّق الذبح بالحديد تحقَّقت التذكية.

وبما أن النكتة هي مناسبة الحكم للموضوع ـ التي لا ربط لها بالصياغة اللفظية ـ فهذه المناسبة موجودةٌ في جميع الصياغات ما دام الحكم هو عبارة عن اشتراط تحقُّق التذكية بالذبح بالحديد»([81]).

وخلاصة الاعتراض: إنه لا فرق بين أن تأتي الصياغة بالنفي أو الإثبات، فحاكمية مناسبة الحكم والموضوع ثابتة على التقديرين.

توضيح: إن مناسبات الحكم والموضوع لا تتأثّر بنوع الصياغة، فلا فرق بين الصياغة السلبية والإيجابية في لسان الأدلّة إذا كان المؤدّى واحداً، وهو اشتراط تحقق التذكية بالذبح بالحديد. فسواءٌ قال الإمام×: «إذا قطعت أوداجه بحديدة» أو قال: «لا ذكاة إلاّ بحديدة» فإن مناسبات الحكم والموضوع محفوظةٌ في الصياغتين معاً.

فمرّة تعبِّر عن المطلب بصياغة: «إذا ذبحت بحديدة فقد ذكيته»؛ ومرّة أخرى بصياغة: «لا ذكاة إلاّ بحديدة». ولا فرق بينهما؛ لأنّ مناسبة الحكم والموضوع قضية إسنادية، يسند الذبح فيها للحديد. فسواءٌ عُبِّر عنها بأسلوب الإثبات أو النفي فإن المؤدّى واحد في الجميع؛ لأن حقيقتها واحدة، وهي اشتراط تحقُّق التذكية بالذبح بالحديد.

إذن مناقشة التقريب الأول من مناسبة الحكم والموضوع ليست واردة إذا تمّ الاعتراض. فهي مناقشةٌ غير تامة؛ لأنها تفرِّق بين حالتي النفي والإثبات، وهما ليسا إلاّ تعبيران مختلفان عن مطلبٍ واحد. وجوهر مناسبات الحكم والموضوع ثابتٌ في التعبيرين معاً.

تعليقنا على الاعتراض

وفيه: ما لا يخفى؛ فإن هذا الاعتراض ناظرٌ إلى أمر غير الذي قامت عليه المناقشة أساساً.

فلم يكن نظر المناقشة إلى التفريق بين صياغتي النفي والإثبات في لسان الدليل، ليجاب عنها بأن اختلاف الصياغة لا ربط له بمناسبات الحكم والموضوع؛ إذ مؤدّى الصياغات واحد، بل نظرها إلى جهة أخرى، وهي أن النفيَ الوارد في لسان الدليل نفيٌ لوقوع التذكية بغير الحديدة، وإنْ كان حادّاً يصلح للذبح، مثل: القصبة.

فلمّا لم يفرِّق الإمام× بين كون القصبة حادّة أو غير حادّة في عدم تحقق التذكية بها يفهم من ذلك أن النظر لجنس الحديد.

صحيحٌ أنه ذكر في المناقشة هذه العبارة: «إذا قطعت أوداجه بحديدة فقد ذكّيته». وهي صياغة إثباتية. وأشير فيها إلى الصياغات السلبية، أمثال: «لا ذكاة إلاّ بحديدة». فربما كانت مدعاةً لتوهُّم أن النظر لجهة الإثبات مقابل النفي، وأنه لو كانت جميع صياغات الأخبار إيجابية لأمكن القبول بالتقريب، أما لو كان بعضها سلبيّاً لم يقبل بالتقريب. إلاّ أن نظر المناقشة ليس متّجهاً إلى ذلك، كما أوضحناه.

إذن هذه الملاحظة في غير محلّها أساساً، ولا تتوجَّه إلى النكتة المثارة. فنظر المناقشة إلى جهة إطلاق نفي وقوع التذكية بغير الحديد، لا إلى جهة التفريق بين أسلوب الإثبات والنفي.

وبعد عدم القبول بالملاحظة على الاعتراض الذي يستهدف هدم فكرة مناسبات الحكم والموضوع، فهل هذا يعني أن المناقشة تامّة أو لا؟

 

التعليق الأول

أقول: هذه المناقشة مبنيّة على الفراغ من أن المراد من لفظ (الحديدة) القطعة من الحديد. وعليه لمّا لم يُفرِّق الإمام× في جوابه بين القصبة الحادة وأمثالها وغير الحادّة ممّا هو صالح للذبح يفهم من ذلك الخصوصية لمعدن الحديد.

أما لو لم نفرغ من ذلك، وكان لفظ (الحديدة) مجملاً بين معنيين أو معاني متعددة، وتحديد أحدها يفتقر إلى معينٍ، لم يكن من الصحيح ردّ قرينة مناسبات الحكم والموضوع؛ بدعوى عدم التفصيل بين الحادّ وغيره من القصبة وأمثالها، وأنه يفهم من ذلك الخصوصية لمعدن الحديد.

وحيث لم يسلم أن المراد من (الحديدة) هو القطعة من الحديد يفترض أن يكون الاعتراض محايداً في تفسير معنى (الحديدة)؛ ليصح به نقض قرينة مناسبات الحكم والموضوع، وليس مبنياً على أمرٍ مسبق في تفسير المراد من (الحديدة). فنقض القرينة بناءً على الفراغ من تفسير (الحديدة) بالمعدن هو نوع مصادرة على المطلب.

وهكذا تمامية هذا الاعتراض مبنيّة على الفراغ من إرادة قطعة الحديد من لفظ الحديدة، فيسقط الاعتراض بسقوط مبناه.

ولعلّ داعي الوقوع في هذه المصادرة ما تقدّم منه من ذكر القرائن على أنّ المراد من (الحديدة) في الروايات هو معدن الحديد خاصّة. فلما أراد الاعتراض على قرينة مناسبات الحكم الموضوع حاكمها مبنائياً، من أن المراد بالحديدة القطعة من الحديد.

فهذا الاعتراض لا يستطيع أن يحدِّد المراد من الحديدة بالقطعة من الحديد؛ إذ لفظ الحديد يفترض أن يكون مجملاً. فالمناقشة غير واردة.

ولمزيد توضيح أقول: المدَّعى من القرينة أن المراد بالحديد والحديدة المعنى الوصفي. والمناقشة تبتغي هدم القرينة. فهل المناقشة في محلّها؟

لنأخذ الافتراضات الممكنة لقرينة مناسبات الحكم والموضوع أوّلاً، ثم نلاحظ نسبة المناقشة لكلّ واحد من تلك الافتراضات.

 

الفرضية الأولى: المعنى الوصفي

أن تكون قرينة مناسبة الحكم والموضوع قاضية بحمل لفظي (الحديد والحديدة) على المعنى الوصفي، أي الحادّ والقاطع بالفعل. فهل تصلح المناقشة لهدم هذه الفرضية أو لا تصلح؟

أقول: لا نهي في الروايات عن الذبح بغير الحديدة بنحوٍ مطلق، لماذا؟

نلاحظ الروايات، والتي منها: صحيحة مُحَمَّد بْن مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ× عَنِ الذَّبِيحَةِ بِاللِّيطَةِ وبِالْمَرْوَةِ؟ فَقَالَ: لا ذَكَاةَ إِلاّ بِحَدِيدَةٍ([82]). فهنا لا نهي عن التذكية بالليطة وبالمروة وإنْ كانت حادّة. فجواب الإمام× عن سؤال محمد بن مسلم على هذه الفرضية يكون بهذا المعنى: لا ذكاة إلاّ بما هو قاطعٌ، سواء كان مروةً أم لا، و سواء كان ليطةً أم لا. ولأن غالب المذكورات ليست قاطعةً عادة جاء الجواب: لا تذبح إلاّ بما هو قاطع، سواءٌ كان من قبيل الليطة والمروة أم لا.

فليس في الرواية نهيٌ على هذا التقدير عن الذبح بالليطة والمروة مطلقاً، أي لا يكون المعنى: لا تذبح بالليطة والمروة، سواءٌ كانت حادة أم لم تكن حادة.

وبكلمةٍ: افترض في الليطة والمروة عدم كونها حادّة، وعلى هذا الأساس جاء النفي للذكاة بغير الحديدة.

ومثلها صحيحة الْحَلَبِيّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله× قَالَ: سَأَلْتُه عَنِ الذَّبِيحَةِ بِالْعُودِ والْحَجَرِ والْقَصَبَةِ؟ فَقَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ×: لا يَصْلُحُ الذَّبْحُ إِلاّ بِالْحَدِيدَةِ([83]). فليس فيها نهيٌ عن الذبح بالعود وإنْ كان حادّاً. فعدم الصلاحية للذبح بما لا يكون حادّاً، سواء كان من المذكورات أم لا.

وصحيحة زَيْد الشَّحَّام قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله× عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِه سِكِّينٌ، أيَذْبَحُ بِقَصَبَةٍ؟ فَقَالَ: اذْبَحْ بِالْقَصَبَةِ وبِالْحَجَرِ وبِالْعَظْمِ وبِالْعُودِ إِذَا لَمْ تُصِبِ الْحَدِيدَةَ. إِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وخَرَجَ الدَّمُ فَلا بَأْسَ([84]). وهنا أيضاً مَنْ يدّعي المعنى الوصفي سيقول: إنّ المراد: اذبح بالحجر وبالعظم وبالقصبة والعود إذا لم تُصِب الشيء الحاد، يعني افترض في هذه المذكورات أنّها ليست حادةً، فلا نهي عنها مطلقاً، وإنْ كانت حادة. فالمعنى من الصحيحة إذا فقدت الحادّ فلا بأس بأن تذبح بغير الحادّ، نظير المذكورات.

أجل، لو كان الوارد: لا تذبح بالقصبة لأمكن الأخذ بإطلاقها، فيكون الذبح بالقصبة الحادة و غير الحادة. ولكنّه ليس كذلك.

وصحيحة عبد الله بن سنان، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ× قَالَ: لا بَأْسَ أَنْ تَأْكُلَ مَا ذُبِحَ بِحَجَرٍ إِذَا لَمْ تَجِدْ حَدِيدَةً»([85]).

فمَنْ يدعي إرادة المعنى الوصفي يدَّعي أن المفترض في الحجر أنه ليس حادّاً، أي لا بأس أن تأكل ما ذبح بحجر إذا لم تجد الحادّ. فلا نهي مطلقاً عن الذبح بالحجر وغيرها.

وخلاصة الكلام: إذا كان مدَّعى صاحب قرينة مناسبات الحكم والموضوع أن المراد بالحديد أو الحديدة المعنى الوصفي فلا يفهم من الروايات النهي المطلق عن استعمال الحجر والليطة وأمثالهما. ولما كان هذا الأمر محتملاً، ولم يتم الفراغ من إرادة القطعة من الحديد، لم يصحّ الاعتراض عليه بما ذُكر.

نعم، هذه المناقشة مبنيّة على المفروغية من أن لفظ الحديدة يُراد به القطعة من الحديد. فالمذكورات وإنْ كانت حادّةً لا يصحّ الذبح بها، إلاّ أن المبنى غير تامّ.

 

إشارةٌ لأمر مهم

إنه حين نستدلّ بقرينةٍ مثل مناسبة الحكم والموضوع التي نتحدّث عنها يجب أن لا نفرغ من أن المعنى من الحديدة الوصفي أو الجامد، وهو المعدن الخاص. فالكلمة تحتمل المعنيين؛ لتأتي القرينة مرجِّحة لأحدهما. وإلا لو كان أحد المعنيين راجحاً لما كان للكلام عن القرينة فائدة.

وخلاصة ما يراه المناقش: لو لم يصدر نهيٌ عن التذكية بالليطة مطلقاً لأمكن القبول بقرينة مناسبات الحكم والموضوع. لكنْ لأن النهي صدر عن التذكية بالليطة مطلقاً، حادة أو غير حادة، فهذه القرينة تسقط. لكنك عرفت أنه لا وجود لهذا الإطلاق.

 

الفرضية الثانية: ما يصلح للذبح

أي إنّ المراد بالحديد أو الحديدة ما يصلح للذبح، ويمكن به قطع الأوداج الأربعة. والجواب نفس ما تقدَّم من المصادرة، وأنه لا إطلاق للنهي عن الذبح بالمذكورات، فقد افترض فيها أنها ليست ممّا يصلح للذبح.

 

الفرضية الثالثة: آلة الذبح المعدّة له

وهي أن مناسبة الحكم والموضوع تقتضي أن يكون المقصود آلة الذبح، كالسكين. وعليه يكون الأمر أوضح؛ لأن المذكورات لا شيء منها آلة ذبح أو سكين. فكأنه قال: اذبح بما هو آلةٌ معدّة للذبح، كالسكين، ولا تذبح بما ليس كذلك، كالقصبة ونحوها.

 

الفرضية الرابعة: القطع وعدم الإيذاء شرطان في آلة الذبح

أي إنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي أن يتوفَّر ما يذبح به على خصلتين: الأولى: أن يفري الأوداج ويقطع الحلقوم؛ والثانية: أن لا يؤدّي إلى تعذيب الحيوان وإيذائه إيذاء كثيراً. فكل ما يحقِّق هذين الأمرين يكفي الذبح به. فلو فرضنا قصبةً أو عوداً أو أيَّ شيء آخر يحقِّق ذلك فلا مانع من الذبح به. إذن المتفاهَم عُرْفاً من النهي عن الذبح بالقصبة وغيرها في مقابل الحديدة ـ والتي قلنا: إن المراد بها السكين ونحوها ـ إنما هو بلحاظ مظنّة عدم تحقُّق قطع الأوداج بها، وأنّها تعذِّب الحيوان وتؤذيه. فهذا هو المنهيّ عنه. فلا إطلاق للنهي عن المذكورات، وإنْ كانت تحقّق هذه الشروط، وإنّما ذكرت مثالاً لما يخشى منه تفويت الذبح وقطع الأوداج، أو تعذيب الحيوان. فهي أمثلةٌ لذلك، ولا خصوصية لها بما هي حجر أو ليطة وعود ونحو ذلك.

فلا خصوصية للإعداد إلاّ بلحاظ ما يحقِّق قطع الأوداج الأربعة، وإخراج الدم المتعارف، ونحوها من الشرائط. فلا خصوصية للإعداد في نفسه. فلو فرضنا قصبةً تحقِّق هذه الشروط فلا بأس بالذبح بها.

وبعبارة أخرى: ليس المدّعى هو الإعداد الصرف. فالإعداد الصرف لا دخالة له عرفاً، إنما الإعداد بما له من الصلاحية للذبح، بحيث لا يؤدّي إلى تعذيب الحيوان، ويحقِّق فري الأوداج وخروج الدم المتعارف. وكون القصبة ونحوها حادّة لا يلازم سهولة الذبح بها وإراحة الحيوان؛ فإن هيئتها رغم حدّتها قد تكون مانعة من ذلك، وموجبة لتعذيب الحيوان، أو تفويت فري الأوداج.

فالشرط الحقيقي ما يذبح بدون إيذاء، ويحقِّق قطع الأوداج. وذكرت الحديدة (السكين) لأنها تحقِّق ذلك غالباً، أي إنها مثالٌ لما يحقِّق الذبح بدون إيذاء. وأما الليطة والحجر وباقي المذكورات إنما ذكرت كمثالٍ لما يؤذي الحيوان، ويخشى منه عدم تحقُّق فري الأوداج. والحاكم بذلك هو العرف.

 

التقريب الثاني

وهو ما أشار إليه بعض أساتذتنا، من أن ما دلّ على التفصيل بين مَنْ يكون بحوزته سكّين ومَنْ لا يكون، ولو لم يكن مضطراً إلى أصل الذبح. و من الواضح أنّ مثل هذا التفصيل لا يكون بحسب مناسبات الحكم و الموضوع دخيلاً في التذكية، و إنّما هو لتسهيل الذبح و إجادته و إتقانه([86]).

ولعل حاصل وجه التقريب أن التفصيل بين حالتي وجدان السكينة والحديدة وعدم الوجدان إنما يناسب معنى (الحدّة)، وما يكون مسهِّلاً للذبح، أي إن هذا التفصيل لتسهيل الذبح وإجادته وإتقانه؛ إذ لو كان المعدن شرطاً في التذكية فالمناسب المنع من الذبح بغير معدن الحديد، إلاّ في حال الاضطرار.

ومن الجليّ جداً أن حالة عدم التوفُّر على السكين أو الحديدة لا تساوي الضرورة، ولا تلازمها. فإذا جاز الذبح بغير الحديدة حال عدم توفُّر الحديدة، وإنْ لم يكن في حال الاضطرار، فإنّ ذلك يرجِّح أن النظر إلى الحدّية وما يسهل الذبح، وليس إلى معدن الحديد؛ إذ لو كان النظر للمعدن الخاصّ لكان المناسب أن لا يجوز الذبح بغير الحديد إلاّ اضطراراً. فتجويز الذبح بغير الحديدة، مثل: القصبة وأمثالها، حال فقدان الحديد أو السكين يناسب أن يكون النظر متّجهاً إلى ما يسهِّل الذبح، وليس ذلك إلاّ الإعداد للذبح، أو الصلاحية للذبح، أو كونها آلة للذبح يسهل بها فري الأوداج وإسالة الدم وإراحة الذبيحة ونحو ذلك.

وقد يناقش في هذا التقريب بأنّ الأحكام تعبُّدية بحتة. ونحن لا نعلم ملاكات الأحكام الشرعية. ولذا من المعقول جداً أن يشترط الشارع معدن الحديد حال الحصول عليه، ولا يشترطه حال فقدانه، من غير التقييد بالضرورة.

إلاّ أن هذه المناقشة لا تدفع التقريب بنحو القرينة المؤيدة. فهذا التقريب يصلح للتأييد، ولا يصلح كقرينةٍ حاسمة في الموضوع.

وقد يشكل بأن معتبرة محمد بن مسلم تقيِّد الذبح بغير الحديدة بحال الضرورة. وهذا يناسب إرادة المعدن الخاصّ. وقد تقيد إطلاق ما دلّ على جواز التذكية حال فقد الحديدة بحال الضرورة.

لكنّ ملاحظة القرائن الرئيسة لا تبقي مكاناً للتأمُّل في عدم شرطية معدن الحديد، فتحمل الضرورة على المعنى العرفي، من فقدان آلة الذبح.

5ـ استظهار جهة الشكّ الداعية للسؤال

وفقاً لعمومات الذبح والتذكية، كقوله تعالى: ﴿إِلاّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾، فإن المرتكز في أذهان المتشرِّعة كفاية الذبح بأيّ آلة تقطع وتفري الأوداج. فما هو منشأ الشك والداعي للسؤال عن الذبح بالليطة والحجر والعود وأمثالها؟

تحديد جهة السؤال عرفاً له دخالة في تحديد جهة الجواب؛ للتطابق بين السؤال والجواب. والمحتمل بدواً في ذلك أمور:

1ـ الشكّ في جواز التذكية بغير المعدن الخاصّ وجنس الحديد.

2ـ الشكّ في جواز الذبح بغير المعدّ للذبح والقطع.

3ـ الشكّ في جواز التذكية بغير الآلة الحادّة القاطعة؛ للشك في جواز التذكية بما يعذب الحيوان ويوجب إيذائه.

4ـ الشكّ في تحقق فري الأوداج وخروج الدم المتعارف بالمذكورات.

أما فرض أن جهة السؤال ومنشأ الشكّ هو جواز الذبح بغير جنس الحديد أو بغير المعدّ للذبح ففي غاية البعد؛ إذ لا شاهد له، ولا منشأ له معتدّاً به عقلائياً، ولا شرعياً، حتّى يكون مورداً للسؤال؛ فإن احتمال ذلك لا يخطر في الأذهان العادية، ولا يلتفت إليه عامّة الناس.

فالشخص العرفي عندما يسمع خطاب ﴿إِلاّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ كيف ينقدح في ذهنه اشتراط معدن الحديد في التذكية؟ ما الذي ولد احتمالاً معتدّاً به في ذهن السائل لاشتراط هذا المعدن، حتّى سأل عنه؟!

لذا نستبعد أن تكون جهة السؤال المعدن، ولا سيَّما أنه لم يذكر في الأسئلة ما يقابل الحديدة من أيّ معدن آخر، كالنحاس أو الذهب أو الفضة أو غيرها من المعادن، وإن كان يصنع منها على سبيل الندرة، إلا أنها ممّا يبتلى بها. ولعل ندرتها على غرار ندرة فرض الابتلاء بالحجر والعود والقصبة في أمر الذبح. فعدم ذكر شيء من ذلك يعزِّز عدم اتّجاه النظر للمادّة وجنس الآلة.

فعقلائياً لا يحتمل للحديد بما هو معدنٌ خاصّ خصوصية في التذكية والذبح. ولا للإعداد للذبح خصوصية في ذلك. كما لا إشارة في النصوص لجنس آلة الذبح، حتّى يحتمل المتشرِّعة خصوصية لجنس الحديد أو سواه. كما لا إشارة للإعداد أيضاً. أجل، الإعداد بما يرجع إلى الجهتين الثالثة أو الرابعة معقولٌ جدّاً.

وإنْ أبيتَ فاحتمال أن تكون جهة السؤال جنس الحديد أو الإعداد للذبح مرجوح جدّاً مقابل القرائن.

فيبقى الاحتمالان الأخيران، وهما:

الأول: إنّ المذكورات من العود والحجر والقصبة ليست معدّة للذبح، فهي مظنّة تخلف الشروط، مثل: خروج الدم الكافي، أو فري الأوداج الأربعة.

فالسؤال عنها بهذا اللحاظ ـ لحاظ أنها ليست معدّة للذبح، وليست قاطعة، وأنها مظنة تخلف شروط الذبح ـ، فالجواب عن هذا السؤال بأنه لا يصلح الذبح إلاّ بحديدة يفهم منه أن المراد بالحديدة هو الآلة التي تقطع الأوداج، وتحقِّق شروط الذبح.

وممّا يشهد لهذا الاحتمال ما رواه في الوسائل عن محمد بن يعقوب الكليني، عن عليّ بن ابراهيم، عن أبيه، عن أبي هاشم الجعفري، عن أبيه، عن حمران بن أعين، عن أبي عبد الله×، قال: سألتُه عن الذبح؟ فقال: إذا ذبحت فأرسل، ولا تكتف، ولا تقلب السكين لتدخلها تحت الحلقوم، وتقطعه إلى فوق. والإرسال للطير خاصّة. فإنْ تردّى في جبٍّ أو وهدة من الأرض فلا تأكله، ولا تطعمه، فإنّك لا تدري التردّي قتله أو الذبح…([87]).

الثاني: إن السؤال عن المذكورات بلحاظ احتمال ـ بل رجحان ـ إيذائها للحيوان وعدم إراحته أثناء الذبح. فالذبح بها سيأخذ وقتاً غير يسيرٍ عند القطع والفري، مما يؤدّي إلى معاناة الحيوان وتعذيبه.

فالمتفاهم عُرْفاً من أسئلة الرواة أنهم يسألون عن أحد هذين الأمرين على نحو منع الخلو؛ فإما يسألون عن الأمرين معاً؛ أو عن أحدهما.

فإذا ثبت أن المسؤول عنه في الروايات هو أحد الأمرين على نحو منع الخلو تأكَّد أن لا نظر للسائل إلى جنس الآلة، وكونها مصنوعة من الحديد أو لا. كما لا نظر له إلى جهة الإعداد في نفسه.

فالمتفاهم عُرْفاً من هذا السؤال، ومن مجمل الروايات، أن هذه الأمثلة ذكرت باعتبارها أمثلة لما يظنّ عدم تحقُّق الذبح الصحيح بها، أو ما يؤدّي لتعذيب الحيوان؛ وذلك لغلبة عدم إعداد هذه الأدوات للقطع والفري، وعدم كونها حادّة، أو كون هيئتها تمنع من سهولة الذبح وتعذِّب الحيوان.

فإذا كان السؤال بلحاظ أحد الأمرين على نحو منع الخلو كان لفظ الحديدة الوارد في الجواب بمعنى الآلة الصالحة للذبح. فلا نظر للجواب إلى المعدن الخاصّ.

وحيث عرفتَ استبعاد وجود ما يولِّد الشكّ فالسؤال نابعٌ في الحقيقة ممّا نسمّيه جوّاً فقهياً وجوّاً إنسانياً وجدانياً.

فالجوّ الفقهي الوارد في عدّةٍ من الروايات بحدّ الشفرة وإراحة الحيوان، والضمير الإنساني والجوّ السائد عند العامّة من جواز الذبح بكلّ ما فرى الأوداج وأنهر الدم، وأنه لا يشترط المعدن الخاصّ، معزّزاً بما روَوْه عن الرسول| وما ساد عند فقهائهم، فهذه القرينة المتّصلة من خلال هذه الأجواء الثلاثة تفسِّر المراد من الحديد والحديدة.

 

الجوّ الفقهي والجوّ الوجداني

الذي يرجّح الاحتمالين الأخيرين الجوّان الفقهي والوجداني. أما الجوّ الفقهي فهو ما ورد في رواياتنا وروايات العامّة بألسنةٍ متعدِّدة تحثّ على أن يحدّ الذابح شفرته، ويريح ذبيحته، ويسقيها ماءً قبل الذبح، ونحو ذلك.

هذا الجوّ هو الذي سيولّد الشكّ والسؤال عن أن هذه الآلة التي لا تريح الذبيحة وتعذِّبها هل يجوز أن يُذبح بها أو لا؟

وسنعرض في ما يلي جملةً من الروايات الحاثّة على الرفق بالحيوان وعدم تعذيبه:

1ـ ما في الوسائل: محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله×، انه سُئل عن رجلٍ ذبح طيراً، فقطع رأسه، أيؤكل منه؟ قال: نعم، ولكن لا يتعمّد قطع رأسه([88]).

2ـ ما في الوسائل: محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر× قال: سألته عن الذبيحة؟ فقال: استقبل بذبيحتك القبلة، ولا تنخَعْها حتّى تموت…([89]).

3ـ ما في الوسائل: محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن يحيى، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله×، أن أمير المؤمنين× قال: لا تذبح الشاة عند الشاة، ولا الجزور، وهو ينظر إليه([90]) .

4ـ ما في الوسائل: محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، رفعه، قال: قال أبو الحسن الرضا×: إذا ذبحت الشاة وسلخت، أو سلخ شيءٌ منها قبل أن تموت، لم يحلّ أكلها([91]) .

5ـ محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن×، قال: قلتُ له: كان عندي كبشٌ سمنته لأضحّي به، فلما أخذته وأضجعته نظر إليَّ، فرحمته ورققت له، ثم إنّي ذبحته، قال: فقال: ما كنتُ أحبّ لك أن تفعل، لا تربين شيئاً من هذا ثمّ تذبحه([92]) .

6ـ ما في الكافي عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي هاشم الجعفري، عن أبيه، عن حمران بن أعين، عن أبي عبد الله× قال: سألتُه عن الذبح؟ فقال: إذا ذبحت فأرسِلْ، ولا تكتف، ولا تقلب السكين لتدخلها من تحت الحلقوم، وتقطعه إلى فوق. والإرسال للطير خاصة…؛ وإنْ كان شيءٌ من الغنم فأمسك صوفه أو شعره، ولا تمسكن يداً ولا رجلاً؛ وأما البقر فاعقلها، وأطلق الذنب؛ وأما البعير فشدّ أخفافه إلى آباطه، وأطلق رجليه…([93]).

7ـ ما في المستدرك: عن أبي جعفر محمد بن عليّ’، أنه قال: «يرفق بالذبيحة، ولا يعنف بها قبل الذبح، ولا بعده». وكره أن يضرب عرقوب الشاة بالسكين([94]).

8ـ عن رسول الله| قال: إن الله كتب الإحسان على كلّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحدَّ أحدكم شفرته فليُرِحْ ذبيحته([95]).

9ـ عن عبد الله بن عباس(رضي الله عنهما) أن رجلاً أضجع شاة يريد أن يذبحها، وهو يحدّ شفرته، فقال النبي|: أتريد أن تميتها موتات، هلاّ حددت شفرتك قبل أن تضجعها([96]) .

10ـ عن سالم، عن أبيه، أنّ النبيّ| أمر بحدّ الشفار، وأن يوارى عن البهائم([97]).

11ـ عن رسول الله| أنه قال «إذا ذبح أحدكم فليجهز»([98]) .

أما الجوّ الوجداني فإن الإنسان بطبعه ينفر من تعذيب الحيوان، وضميره الإنساني لا يرتاح لهذا الأمر. نفس هذه النفرة الإنسانية والشعور بعدم الارتياح من هذا الأمر هو الذي يثير الشكّ بجواز الذبح بهذه الأمور.

إذن هذان الجوّان: الجوّ الفقهي، مدعوماً بالجوّ الخلقي الإنساني، مرجِّح قوي جدّاً إلى حدّ الاطمئنان لأن تكون جهة السؤال ما لا ربط له بجنس الآلة ومادتها المصنوعة منها.

أضِفْ إلى ذلك أن هذه الروايات أغلبها ـ إنْ لم يكن كلّها ـ واردة بنحو السؤال، وليس البيان الابتدائي من المعصومين^.

 

6ـ المقابلة مع الحديد

وقد صيغَتْ تارةً لنفي إرادة المعدن الخاصّ؛ وأخرى لإثبات إرادة الآلة المعدّة للقطع. فهنا صياغتان:

الأولى: إن هناك قرينةً على عدم إرادة المعدن الخاص من لفظ الحديد الوارد في نصوص الباب، وهي مقابلته مع الليطة والخشبة والحجارة وأمثالها؛ فإنه لو أُريد بالحديدة القطعة من الحديد والمعدن الخاصّ فما يقابله لا ينحصر في ما ذكر في الروايات، بل يشمل الصفر والنحاس والذهب والفضة والرصاص وغيرها من المعادن المنطبعة التي كانت موجودة في تلك العصور. فلماذا لا نجد ذِكراً لها في أسئلة الرواة، ولا في أجوبة الأئمة^؟

ومثل هذا السؤال لا يتوجَّه لو كان المراد بالحديدة هو الشيء الحادّ أو الآلة المعدّة للقطع، فإن ما يقابله عندئذ هي الأشياء غير الحادّة عادةً، والآلات غير المعدّة للقطع، مثل الحجر والليطة والعظم والعود([99]).

الثانية: مقابلة الحديد مع الليطة والمروة والخشبة والعظم ونحوها ممّا لم يعدّ للقطع، ولا يذبح بها عادةً، إلاّ عند الضرورة؛ فإن هذه المقابلة قرينةٌ عرفية على أن المقصود بالحديد هو كلّ آلةٍ معدّة للقطع، وأنه لا خصوصيّة للحديد بما هو حديدٌ، بل العبرة بكون الآلة ممّا أُعدَّتْ للقطع والفري في مقابل ما ليس كذلك([100]).

مناقشة القرينة

وأُجيب عن الصياغة الأولى: «إنه يُرجّح أن يكون الوجه في ذكر الليطة والحجر ونحوهما في مقابل الحديد، دون الصفر والنحاس وغيرهما من الفلزات، أنه لم يكن المتعارف في عصر صدور الروايات صنع الآلات التي تصلح للقطع والفري، كالسيوف والمدى والشفرات والسكاكين، إلاّ من الحديد، وأما الفلزات الأخرى، كالذهب والفضة والرصاص والنحاس، فكانت تُستخْدَم في مجالات أخرى، كصنع الحُلي والأواني والدروع والتروس وغيرها.

ولأجل ذلك وقع السؤال عن جواز الذبح بالليطة والقصبة والخشبة ونحوها مما له حدٌّ يصلح للفري والقطع مع فقد الحديد، ولم يقع السؤال عن الذبح بالذهب والفضّة والرصاص وما يماثلها في هذا الحال؛ فإنه لم يكن يوجد مما يُصنَع من هذه المعادن ما يصلح للفري، إلاّ على سبيل الشذوذ والندرة، كالسكاكين الذهبية التي كان يصنعها بعض المترَفين لموائدهم.

وبالجملة لا يتعيَّن أن يكون الوجه في عدم ذكر النحاس والرصاص وغيرهما من الفلزات في مقابل الحديد عدم إرادة المعدن المعروف من لفظه، بل المرجّح أن يكون الوجه فيه هو عدم وجود الآلة الصالحة للفري المصنوعة ممّا عدا الحديد من الفلزات، إلاّ نادراً. ولا أقلّ من احتمال هذا الوجه الموجِب لعدم تمامية القرينة المدعاة»([101]).

وأجيب عن الصياغة الثانية: إن للمذكورات في مقابل الحديد جهتين:

1ـ إنها من أجناس أخرى غير معدن الحديد، كالخشب والحجارة والعظم، فتكون مقابلتها للحديد من حيث الجنس.

2ـ إنها آلاتٌ غير معدّة للذبح بها في حال الاختيار، فتكون مقابلتها للحديد من حيث الصفة، وذلك لو أريد بالحديد مجازاً الآلات المعدة للقطع، وإلاّ فلا مقابلة بينهما.

فيلاحَظ أن المقابلة بين الحديد والمذكورات لا تنحصر أن تكون بلحاظ الجهة الثانية، المبنية على كون الحديد تعبيراً عن الآلات المعدّة للقطع، بل تتم المقابلة بلحاظ الجهة الأولى أيضاً، أي من حيث الجنس التي يحتفظ معها على ظهور لفظ الحديد في كون المراد به المعدن الخاصّ([102]).

وحاصل المناقشة أن قرينة المقابلة تصحّ لو كانت صناعة السكاكين من غير الحديد أمراً متعارفاً ومبتلى به، كما هو حال الحديد، ومع ذلك لم يُشَرْ إليه في المقابلة. إلاّ أنه لم يكن يصنع منها إلاّ على نحو الشذوذ والندرة. فعدم ذكر أيّ معدن آخر إنما هو لعدم تداول السكاكين المصنوعة من غير الحديد. ولا أقلّ من احتمال ذلك. وإن دافع إهمال ذكر المعادن الأخرى هو عدم تداول صناعتها واستعمالها([103]).

فعدم ذكر غير معدن الحديد لعلّه لعدم تعارف صناعة القواطع من غيره، وإنْ صنع منها شيءٌ فهو نادرٌ، ويختص بالمترفين، وربما تصنع للزينة لا للاستعمال، وإن استعملت ففي مثل تقطيع الفواكه، وليس في ذبح الحيوانات. فلذا لا تعلم جهة المقابلة، وأنها اختلاف الجنس أو صفة ما يذبح به؛ إذ إن جهة المقابلة بين الحديد والمذكورات تتصوَّر على نحوين واحتمالين:

الأوّل: إنّ (الحديد أو الحديدة) معدنٌ خاصٌ من مادة الحديد وفلزه، بينما مادة المذكورات من أجناس مختلفة، مثل: مادة الخشب ومادة الأحجار ومادة العظام وأمثالها من المواد، فتكون مقابلة المذكورات للحديد من حيث الجنس.

الثاني: إن الحديد آلة معدّة للذبح بها في حال الاختيار، بينما المذكورات ليست آلة معدة للذبح، فتكون المقابلة من حيث الصفة، وذلك لو أريد بالحديد الآلات المعدة للقطع. فما الذي يحدِّد أيّاً من الجهتين في المقابلة هي المقصودة؟

إنّ تعيين إحدى الجهتين دون الأخرى يحتاج إلى معيِّنٍ، من قرائن مقالية أو مقامية أو غيرهما.

فالمناقشة للقرينة إمّا أن تبنى على أن جهة المقابلة غير واضحة، ولا يمكن تحديد أحد الاحتمالين السابقين، فتكون الروايات مجملة من حيث جهة المقابلة. والإجمال يكفي لإسقاط القرينة. وبذلك لا تصلح القرينة لإثبات أن المراد الآلة القاطعة أو المعدّة للقطعة أو الآلة من جنس الحديد.

وإما أن يترقّى المناقِش إلى دعوى أن ظاهر لفظ (الحديد أو الحديدة) هو المعدن الخاص، وإنْ كانت المقابلة حيادية لا تخدم هذا الظهور؛ لأن المقابلة غير محدّدة على أحد النحوين، فيعتمد على دعوى ظهور لفظ الحديد في المعدن الخاص. وهذا أمرٌ آخر تكلَّمنا عنه في ما مضى. وقد عرفت أنه خارج دائرة هذه القرينة، التي يفترض قياسها للفظ الحديد والحديدة المجمل لولا القرينة المبحوثة.

ومَنْ يدَّعي أن المقابلة قرينة مفسّرة للحديد والحديدة باتّجاه إرادة الآلة القاطعة فهو يستهدف تحقيق هدفين: إثبات أن المراد بهما الآلة؛ ونفي إرادة المعدن الخاص ضمناً.

ومَنْ يناقش القرينة فهو يحقِّق هدفاً واحداً، وهو إسقاط القرينة، ولا يثبت إرادة الحديد بالمعنى الجامد.

والنقطة المهمة هي أن نرى أنّ المناقشة تامّة أو لا؟

 

خلاصة المناقشة

الأمر الأول: إن المقابلة ليست منحصرة في جهة الآلية ـ أي المعنى الوصفي ـ؛ كون تلك آلة يذبح بها، وهذه ليست آلة للذبح؛ تلك معدّة، وهذه ليست معدّة. فيمكن تصوير المقابلة بلحاظ الجنس أيضاً؛ فإنّ جنس الحجر والقصبة مختلفٌ عن جنس الحديدة، وعدم ذكر مثل النحاس ونحوه راجعٌ لندرة اتّخاذ السكاكين منها، ولو احتمالاً. فأيُّهما الملحوظ في المقابلة؟

الأمر الثاني: إن المرجَِّحَ تخصيص جهة المقابلة في الجنس. فالمقابلة بين الحديد والمذكورات باعتبار الجنس والمادة، وعدم ذكر مثل النحاس لا لأن المقابلة بين الحادّ وغيره، بل لعدم تعارف صناعة السكاكين والقواطع من غير الحديد في ذاك الزمن. لذا لم يذكر مثالاً لأحد المعادن في المقابلة.

والوجه في استظهار الأمر الثاني أن ترجيح عدم ذكر مثل النحاس لمّا كان مستنداً إلى ندرة صناعة السكاكين من غير معدن الحديد فهذا يساوق النظر إلى الجنس والمادة. فالترجيح مبنيٌّ على الفراغ من أن جهة المقابلة هي الجنس، وإلاّ لو كانت جهة المقابلة محتملة لكلٍّ منهما لكان إغفال ذكر مثل النحاس محتملاً لأمرين: أحدهما: إن جهة المقابلة ليست جنس الآلة، وإنما صفتها، ككونها قاطعة، فإغفال ذكر غير معدن الحديد من سائر المعادن قائمٌ على عدم النظر إلى الجنس، بغضّ النظر عن تداول السكاكين من غير الحديد وعدمه.

والأمر الآخر المحتمل لإغفال ذكر أيّ معدن آخر هو أن النظر بالرغم من اتّجاهه إلى الجنس والمادّة، لكنّ إغفال ذكر مثل النحاس قائمٌ على أساس ندرة أو عدم صناعة السكاكين منه، فترجيح قيام الإغفال على أساس عدم صنع السكاكين من غير الحديد مبنيٌّ على استظهار المقابلة في الجنس.

وقد لوحظ على المناقشة بما يلي:

الملاحظة الأولى: «إنه لو كانت المقابلة بينهما بلحاظ الجنس لما انحصرت بين الحديد وبين ما ليس بمعدنٍ، بل كانت بين الحديد وغيره من المعادن المستخدمة في ذلك الوقت»([104]).

فكان ينبغي ـ على الأقلّ ـ إضافة أحد المعادن، مثل: الصفر والنحاس والرصاص.

 

تعليقنا على الملاحظة الأولى

لم يتّضح ورود هذه الملاحظة على المناقشة. فجوابها مذكورٌ في المناقشة بأن الغالب صناعة القواطع من معدن الحديد، ولا يصنع من غيره إلاّ على نحو الشذوذ والندرة، فلذا لم يذكر سائر المعادن في المقابلة.

وقوله: «لو كانت المقابلة بينهما بلحاظ الجنس لما انحصرت…» إنْ كان المقصود بالانحصار واقع المقابلة فهذا ما لم يدَّعه المناقش، بل أقرّ بجهتَيْ المقابلة معاً؛ وإنْ كان المقصود بالانحصار جهة النظر، وأنها الجنس أو الآلية، فالمناقش وإن استظهرنا من كلامه ترجيحه جهة الجنس، لكنّ ذلك لا يقتضي ذكر مثال لمعدن آخر؛ لاعتذاره عن ذلك بعدم صناعة السكاكين منها إلاّ نادراً.

ثم ما ذكره لاحقاً بعنوان دفع القرينة هو رجوعٌ لروح الأمر الأوّل لمختصر المناقشة الذي مرّ آنفاً.

الملاحظة الثانية: إنّ «عدم تعارف الآلات المصنوعة من المعادن غير الحديد غير صالح للقرينية؛ لأنه مجرد تعارف خارجي، لا ربط له بالتأثير على ظهور النصوص الواردة على نحو القضية الحقيقية. والسرّ في ذلك أنه كما ورد في هذه النصوص مقابلة بين الحديد وبين الحجر ورد فيها أيضاً حصر الذكاة في الحديد، حيث قال: «لا ذكاة إلاّ بالحديد» أو «لا يصلح الذبح إلاّ بحديدة». وهذه النصوص وردت على سبيل القضية الحقيقية، التي لا نظر فيها إلى ما هو المتعارف في زمن صدور النصّ نفسه»([105]).

والخلاصة من الملاحظة أن غلبة الوجود، وهو صناعة السكين وآلة الذبح والقطع من معدن الحديد، لا يؤثِّر على ظاهر الروايات الواردة على نحو القضية الحقيقة، وليس على نحو القضية الخارجية. إذن فلا يلاحظ الأفراد في الخارج. نظير: ما قالوه في رؤية الهلال، بملاحظة روايات الرؤية، كصحيح الحلبي رواه في الوسائل عن محمد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه؛ وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد الله× قال: إنه سُئل عن الأهلّة؟ فقال: هي أهلّة الشهور، فإذا رأيتَ الهلال فصُمْ، وإذا رأيته فأفطر([106]). ببيان أن غلبة الرؤية بالعين المجرَّدة في ذاك الزمان لا تمنع من الأخذ بإطلاق الرؤية. والغالب في زمنهم الرؤية بالعين المجرَّدة؛ لأن العين المسلحة إمّا لا وجود لها أو نادرة. وعلى أيٍّ من التقديرين لا يمنع ذلك من الأخذ بالإطلاق؛ لأنّ الرواية وردت على نهج القضية الحقيقية، وليس على نهج القضية الخارجية.

نعم، ليس من الصحيح حمل المطلق على الفرد النادر. أما شموله للفرد النادر فلا ضير فيه، وإنْ لم يكن هذا الفرد شائعاً في ذاك الزمان أو مفقود الوجود. فالممنوع إنما هو حمل المطلق على الفرد النادر، أما شمول المطلق للفرد النادر فليس ممنوعاً.

ونحن وإنْ كنا لا نوافق على هذا الاستدلال في هذا الموضع؛ لنكتة تمنع من الأخذ بالإطلاق في المقام، وحاصلها أن رؤية الهلال بما أنها ميزان دخول الشهر فالإطلاق في الرؤية إطلاقٌ بدلي، وليس شموليّاً، بمعنى أن إحدى الرؤيتين هي الميزان، وليس كلتيهما؛ لاختلافهما بيومٍ واحد في كثيرٍ من الحالات. ولما كانت الرؤيتان منتجتين لبداية مختلفة للشهر فلا يعقل اعتبارهما معاً ميزاناً. فالميزان لا محالة إحدى الرؤيتين. وغنيٌّ عن البيان انه لا يمكن تعيُّن الرؤية المسلحة ميزاناً؛ للسيرة القطعية للمسلمين منذ زمان المعصومين× على العمل بالرؤية غير المسلَّحة. فالمتعيِّن لا محالة هو الرؤية غير المسلَّحة ميزاناً لمعرفة بدايات الأشهر الهلالية. وتتمة الكلام في محلّه.

 

تعليقنا على الملاحظة الثانية

1ـ في قوله: «عدم تعارف الآلات المصنوعة من المعادن غير الحديد غير صالح للقرينية»([107]) لا نجد وجه ربطٍ بين الملاحظة والمناقشة. فالمناقِش لم يدَّعِ القرينية لعدم تعارف الآلات المصنوعة من المعادن غير الحديد، حتّى تسجل عليه هذه الملاحظة، بل بيّن جهتين ممكنتين للمقابلة، لا تترجَّح إحداهما على الأخرى؛ ليسقط قرينة المقابلة التي اعتمدت على إحدى تلك الجهتين، وأغفلت الجهة الأخرى، لتصل إلى أن المراد من الحديدة هو المعنى الوصفي الحادّ. ثم ترقّى بترجيح إحدى الجهتين، لكنّه لم يعتبر ذلك قرينةً، بل هو ترجيحٌ يجب أن يكون مستنداً على قرينة.

2ـ ولماذا هو غير صالح للقرينية؟ قال: «لأنه مجرّد تعارف خارجي، لا ربط له بالتأثير على ظهور النصوص الواردة على نحو القضية الحقيقية…،  زمن صدور النصّ نفسه»([108]).

أقول: لم يستشكل أحدٌ في أن قوله×: «لا ذكاة إلاّ بالحديد»، أو «لا يصلح الذبح إلاّ بحديدة»، واردٌ على نحو القضية الحقيقية. فهذا أمرٌ مفروغ منه. إنما الكلام في المعنى المراد من (الحديد) و(الحديدة)، هل هو الحادّ أو المعدن الخاص؟ فكلا المعنيين ينسجم مع القضية الحقيقية.

فمَنْ يقول بأن المراد بالحديد والحديدة الفلز الخاصّ، وأن التذكية تقع بفلز الحديد، ولا تقع بغيره في حال الاختيار، يقول: إنّ النصوص واردةٌ على نحو القضية الحقيقية. فلو فرضنا وجود مصداقٍ نادر للحديد، أو وجد في زماننا ولم يكن في زمنهم، فلا مانع من صحّة الذبح به اختياراً.

وكذلك مَنْ يقول بأن المراد بهما الآلة الحادّة القاطعة أيضاً يقول: إن الروايات واردة على نحو القضية الحقيقية. فكلّ ما هو حادّ قاطع يصحّ التذكية به، وإنْ لم يكن متوفراً وسائداً في ذاك الزمان، ووجد في زماننا هذا، مثل: السكّين المغطّاة بالكروم التي تصنع في هذا الزمان، ولم تكن في زمانهم، فلا إشكال في صحة الذبح بها؛ لأن القضية مأخوذة على نهج القضية الحقيقية.

فلم نعرف وجهاً لإقحام مسألة أن النصوص مأخوذة على نهج القضية الحقيقية أو الخارجية في هذا المطلب، أو كيف تُجعل إشكالاً وملاحظة على المناقشة؛ إذ لم يدَّعِ المناقش أن هذا التعارف الخارجي قرينة على شيء، حتّى يلاحظ عليه ما ذكر.

مثالٌ توضيحي

لو ورد «لا تلبس سراويل، والبس الثوبين» فلا إشكال بأن النهي «لا تلبس…» مأخوذ على نحو القضية الحقيقة. فلو صُنِعَتْ سراويل من مادّة لم تكن متوفّرة في ذاك الزمان، كأنْ تكون من البتروكيماويات، التي هي مواد حديثة التصنيع، فلم يصنع منها سراويل في زمانهم، فإنّ الحكم بالمنع من لبسها يشملها. فالمصنوع من المواد الحديثة كالمصنوع من مثل القطن بلا رَيْب؛ لأن القضية مأخوذة على نهج القضية الحقيقية.

لكنّ السؤال أن المقابلة بين الثوبين والسراويل من أيّ جهةٍ أُخذت؟ هل المقابلة هي جهة كون السراويل مخيطة والثوبين ليسا كذلك، أو أن جهة المقابلة أن ذاك لباس تدخل فيه الرجلان وهذا ليس كذلك، أو أن جهة المقابلة أن ذاك لباس معتاد متعارف في الحياة العادية وهذا ليس متعارفاً؟

أيّاً كان الحال فهناك أكثر من جهة محتملة للمقابلة. وتحديد الجهة المقابلة للسراويل تحدِّد ما هو الممنوع لبسه في الإحرام.

فلو كان المقصود بالمقابلة المخيط لحرم لبسه أيّاً كان، وإنْ لم يكن سراويل. وكذلك لو كانت جهة المقابلة اللباس الذي تدخل فيه الرجلان، أو اللباس المعتاد، لحرم اللبس من هذه الجهة.

فجهات المقابلة المحتملة متعدّدة، إلاّ أن تعيين إحدى هذه الجهات يحتاج إلى قرينة معينة.

ومقامنا كذلك. جهة المقابلة فيه متعدّدة؛ إحداها لحاظ الجنس؛ والأخرى اللحاظ الوصفي. وتعيين أحدها يحتاج إلى قرينةٍ معينة.

نعم، رجّح صاحب المناقشة أن جهة المقابلة هي الجنس، ولم يبين لنا سبب الترجيح.

كما ادَّعى صاحب القرينة أن المقابلة باللحاظ الوصفي؛ لعدم ذكر مثالٍ واحد من المعادن الأخرى، غير الحديد. أما دعوى أن المناقشة افترضت قرينية الوجود الخارجي على شيءٍ فهذا ما لم نتبيَّنه.

1ـ قوله: «لأنه مجرد تعارف خارجي لا ربط له بالتأثير على ظهور النصوص الواردة على نحو القضية الحقيقية».

كما أن هذه الملاحظة لا تخلخل المناقشة؛ إذ تارةً نفرض أن المناقش لا يرجّح أحد الاحتمالين في المقابلة، المساوق للإجمال، فتسقط قرينة المقابلة التي يُراد بها التوصل إلى المراد من الحديدة، وأنه المعنى الوصفي؛ وتارةً أخرى يترقّى إلى ترجيح المقابلة لجهة الجنس، ويبرِّر عدم ذكر المعادن الأخرى في قبال الحديد بعدم توفّرها في ذاك الزمن، إلاّ على سبيل الشذوذ والندرة.

فإنْ رجح ذلك فهو بحاجة إلى ما يثبت هذا الرجحان. ولعله بناه على ما فرغ منه من أن استظهار لفظي الحديد والحديدة في المعدن الخاص. فهو يريد بهذا الرجحان التوصُّل إلى أن لفظ الحديد ظاهرٌ في المعدن؛ لما ذكره سابقاً من أن ذكر الحديد والحديدة بدون موصوف لم يتعارف إطلاقه بمعنى الحادّة. فبقرينة عدم ذكر الموصوف يرجِّح أن المراد به المعدن، فهو بحاجةٍ إلى أن يضمّ تلك الدعوى السابقة ليتمّ المطلب هنا.

وعلى أيٍّ من التقديرين لا ربط للملاحظة بالمناقشة؛ إذ لم يدَّعِ فيها قرينية التعارف الخارجي على أيّ شيء.

 

بيان الخَلَل في المناقشة

أما موقفنا من هذه المناقشة فيتلخَّص في التالي:

1ـ المصادرة على المطلب: أقول: إنما يصحّ ترجيح جهة المقابلة في الجنس، وأن عدم ذكر مثل الذهب والفضة والنحاس في مقابل الحديد لعدم توفُّر صناعة السكاكين والمدى والشفرات من سائر المعادن في تلك الأزمنة، فيما إذا فرغنا من أن المراد من (الحديد والحديدة) هو المعدن الخاص.

أما لو كان معناهما مجملاً بين معنيين أو أكثر، ولم نفرغ من تحديد أحدها، فإنّ الإجمال في جهة المقابلة مسقط لقرينية المقابلة المدَّعاة، ولا يتعين معنى الحديد في المعدن الخاص، ولا في المعنى الوصفي.

ولو رجُحت جهة المقابلة بلحاظ الجنس ـ كما ادُّعي ـ، وسقطت جهة المقابلة الثانية، تعيّن المراد من لفظي الحديد والحديدة بالمعدن الخاصّ.

وكأمرٍ سيّال في مقام البحث الموضوعي عند استعراض وجهٍ أو قرينة يفترض أن لا يبتني على أمرٍ مفروغ منه.

ففي المقام يكون الفراغ من إرادة المعدن الخاص من لفظ الحديد مصادرة على المطلوب. فكأنّه فرغ من نظر الروايات إلى جنس الحديد والمعدن الخاصّ، واعتذر لها بعدم التمثيل بالنحاس أو غيره من المعادن بعدم تعارف صناعة السكاكين منها آنذاك.

وإذا لم يتمّ الفراغ من جهة نظر الروايات بلحاظ السائل أو الإمام× فلا يمكن جعل ذلك راجحاً؛ لأنه إذا كان النظر إلى المعنى الوصفي فعدم ذكر تلك المعادن لانتفاء البأس بالتذكية بها. فعدم ذكر مثل الذهب والفضة والرصاص لأنها ليست مقابلة للحديد، فلا بأس بالذبح بها. ولما كان ذلك محتملاً فلعله الوجه في عدم الذكر.

فكما لا يصحّ الفراغ من كون المقابلة المنظورة الجهة الوصفية لآلة الذبح لا يصحّ الفراغ من كونها الجنس والمادة.

وهكذا دعوى حيادية المقابلة، واحتمالها لأكثر من أمر، قابلة للقبول لإسقاط هذه القرينة. فلا بأس بها بغضّ النظر عن النقطة التالية. لكنها لا تثبت أن المراد بالحديد والحديدة هو المعنى الوصفي الحادّ، كما لا تنفي المعدن الخاص.

2ـ إمكان تصور الحالة الاستثنائية في المعادن الأخرى، كما في الليطة والمروة؛ إذ الغالب عملاً إنّما هو الذبح بآلة مصنوعة من الحديد في ذلك الزمان، أما الذبح بالمروة والليطة والقصبة ونحوها فهي حالاتٌ نادرة استثنائية.

ومن المتصوَّر العثور على قطعة من النحاس أو من الصفر أو الزجاج ضمن الحالات النادرة الاستثنائية.

فالحالة المعتادة المتعارفة هي الذبح بسكّين مصنوعة من معدن الحديد، والذبح بغيرها حالةٌ نادرة واستثنائية، كالذبح بقصبة أو عود.

إذن تتصوّر الحالة الاستثنائية في المعادن غير الحديد، كما تتصور في الأجناس الأخرى. فالجميع في ميزانٍ واحد. فالمذكورات في الرواية تساوي قطعة من النحاس أو الزجاج لها حدّ يصلح أن يُذبَح به، ولو بتكلُّف، فتكون حالها كحال الليطة والمروة، قد لا يوجد غيرها في ظرفٍ استثنائي.

فقضيّة غلبة صناعة السكاكين والمدى والشفرات والسيوف في ذاك الوقت من معدن الحديد لا يؤثِّر على ترجيح جهة المقابلة في الآلية، وإرادة الآلة التي تسرع في الذبح بالمعنى الذي أوضحناه في ما سبق.

فإذا كانت المذكورات كلّها نادرة واستثنائية فلماذا لم يرِدْ مثالٌ واحد من السائلين، ولا في كلام الإمام×، في المعادن، مع أن كلّ واحدةٍ منها تتّصف بالندرة حَسْب الفرض.

فيتمّ ترجيح إرادة الآلية بالمعنى الذي أوضحناه، لا مجرد الآلية بما هي آلية فقط.

وببيانٍ آخر أقول: الندرة المدَّعاة إنّما هي في جهة صناعة السكاكين والشفرات من غير الحديد، وليست في قطع المعادن الأخرى من الزجاج والنحاس وسواها. فإذا كان النظر متّجهاً إلى الجنس فلِمَ لَمْ يذكر مثل النحاس أو الزجاج الذي لا ندرة في وجوده كأداة حادّة صالحة للذبح، وإن لم تعدّ له؟ أجل، الندرة بالنسبة إلى حالات وجود سكين يذبح بها مقبولة، ولكنّها على حدّ القصبة والعود ونحوهما. فالندرة نسبية. فلا ميزة للمذكورات في الروايات على سائر المعادن، مما يرجّح بعد النظر عن الجنس.

3ـ غلبة صناعة السكاكين من معدن الحديد معزّز لعدم نظر السائل إلى خصوص الحديد. فعدم شيوع صناعة السكاكين من غير معدن الحديد آنذاك يعزّز عدم توجّه نظر السائل إلى معدن الحديد وجنسه، أي إنه لمّا لم تكن تصنع السكاكين من غير الحديد، إلاّ على سبيل الندرة، ولم يكن شائعاً صناعتها من غيرها، فكيف يتوجّه نظر السائل إلى خصوصيّة المعدن الخاصّ، وأنه شرط في التذكية، مع عدم احتمال خصوصيةٍ عقلائية في نفس معدن الحديد؟

عند المقابلة بين الحديد والسكين وبين المذكورات من القصبة والعود والمروة إلى آخره فإن الشيء الأبرز في المقابلة بالنظر العرفي أن أحد طرفي المقابلة آلةٌ معدّة صالحة للقطع؛ بحيث تؤدّي إلى قطع الأوداج الأربعة، بلا تعذيب وبيسرٍ، والطرف الآخر ليس كذلك.

أما احتمال أن تكون جهة المقابلة هي الجنس، فالحديد هو معدنٌ خاصّ، وتلك ليست كذلك، ففي غاية البعد. وهكذا يمكن النقاش في ما ذكر بأن عدم شيوع صناعة السكاكين من غير الحديد لا يعني عدم الابتلاء بمعدن النحاس والزجاج وأمثالهما، والعثور على قطعةٍ منها صالحة للقطع والذبح.

4ـ ورود المقابلة في لسان الإمام×.

أقول: تارةً نتكلّم عن المقابلة الواردة في لسان الرواة. والراوي قد يلاحظ ما في الخارج من أشياء غير معدّة للقطع قد يصلح القطع بها، ولو بعنايةٍ، أمثال: القصبة والحجرة، ويلاحظ السكين أو الحديدة المعدّة للذبح، فيذكر الاثنين، ويقابل بينهما. ولا نعلم الجهة التي لاحظها، فلا يستظهر شرطية الجنس؛ لعدم العلم بكونها الجهة المنظورة. والمقابلة وردت في الأعمّ الأغلب في لسان السائلين.

وتارةً نتكلّم عن المقابلة الواردة على لسان الإمام×، مثل: صحيحة زيد الشحام، التي رواها في الوسائل عن مُحَمَّدِ بْن يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ× عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ سِكِّينٌ، أَيَذْبَحُ بِقَصَبَةٍ؟ فَقَالَ: اذْبَحْ بِالْحَجَرِ وَبِالْعَظْمِ وَبِالْقَصَبَةِ وَالْعُودِ إِذَا لَمْ تُصِبِ الْحَدِيدَةَ. إِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَخَرَجَ الدَّمُ فَلا بَأْسَ بِهِ([109]).

عبارة: «اذْبَحْ بِالْحَجَرِ وَبِالْعَظْمِ وَبِالْقَصَبَةِ وَالْعُودِ إِذَا لَمْ تُصِبِ الْحَدِيدَةَ» وردت في لسان الإمام×، وليس في لسان السائل، فهو الذي جعل المقابلة بين الحديدة وبعض المذكورات. فإذا كان نظر الإمام× إلى المعدن الخاص فالأَوْلى والأرجح أن يذكر ما يقابل الحديدة بمعدن من المعادن، حتّى يتضح وجه المقابلة، وما هو المنظور فيها.

فالإمام× ـ لا بصفة كونه إماماً معصوماً، وعنده علم ما سيأتي في المستقبل، بل حتّى ـ بلحاظ كونه عرفياً وذا خبرة في الحياة لا أقلّ من أنه يحتمل أو يعلم أن السكاكين ستصنع في المستقبل من معدنٍ آخر، فينبِّه على شرطية الحديد بوضوحٍ؛ فإن خطابه ليس موجَّهاً إلى خصوص زيد من الناس، مع ملاحظة أمر الأئمة^ بالتدوين، وحفظ الروايات، ونقلها إلى الآخرين؛ لتصل إلى الأجيال.

فلما كانت المقابلة واردةً في كلام الإمام× فلا بُدَّ أنه ناظرٌ إلى القضية في نفسها، أي غير مأخوذ فيها زمان صدور النصّ. ولم يذكر معدناً آخر يقابل الحديد. فهذا يصلح أن يكون قرينةً، ولو بنحو التأييد، بأن يكون المقصود بالحديد والحديدة المعنى الحادّ، أي المعنى الوصفي؛ لا لأن القضية واردة على نهج القضية الحقيقية؛ إذ كونها كذلك ممّا لاريب فيه، وإنما لأنّ كلام الإمام× قصد به إفهام المؤمنين، سواءٌ كانوا حاضرين أم سيولدون في ما بعد، وسيصلهم كلام الإمام×. فإذا كان× يستهدف بكلامه كلَّ هؤلاء فحينئذٍ هذه المقابلة إنّما تكون بلحاظ المعنى الوصفي، لا المعنى الجامد.

فدعوى حيادية المقابلة واحتمالها لأمرين إنْ تمَّتْ فإنما هي بالنسبة إلى كلام السائلين، ولكنّها مستبعدةٌ جدّاً في كلام الإمام×.

لكنّ خلوّ جميع الروايات من ذكر مثالٍ واحد لمعدن من المعادن يبعد ـ إنصافاً ـ توجّه النظر إلى الجنس؛ إذ لماذا لم يذكر ولو في رواية أو في موردٍ واحد مثالٌ واحد لمعدن من المعادن، حتّى يفهم المخاطب بأن النظر متوجّه إلى المعدن الخاص والفلز الخاص؟!

وتوضيح ذلك: إنّه لا شكّ ولا ريب في أن ارتكاز عمومات التذكية عند المسلمين، كقوله تعالى: ﴿إِلاّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾، أنّها تقتضي النفي وعدم اشتراط معدن الحديد. والروايات الواردة في التذكية ناظرةٌ إلى هذه العمومات، وليست بمنأى عنها. فهي واردة في هذا الجوّ. فإذا كان الإمام× في مقام تخصيص وتقييد تلك العمومات فلا بُدَّ أن يكون بلسان ظاهر. ومثل هذا اللسان المجمل لا يكفي لبيان التقييد.

فإذا كان هناك شرطٌ زائد للتذكية يلزم على الإمام×؛ بحكم وظيفته في بيان الأحكام الشرعية، وخصوصاً في المسائل عامّة البلوى، أن يبين هذا الشرط بوضوحٍ. والنصوص الموجودة بين أيدينا فاقدةٌ لهذا الأمر. فليس فيها بيانٌ واضح لشرطية معدن الحديد. فكيف نقبل أنّ أمراً في غاية الأهمّية مرتبطٌ بالتذكية، وأن هناك شرطاً زائداً على ما بيَّنته عمومات القرآن الكريم، ولا يذكر إلاّ بلسانٍ مجمل، ومقابلة تحتمل أكثر من جهة؟!

والخلاصة أن قرينة المقابلة ـ مجرّدة عن الاعتبارات الأخرى، وفي حاقّها، بغضّ النظر عمّا يعزّزها من قرائن أخرى ـ لا أقلّ من كونها شاهداً ومؤيِّداً. فتكون من القرائن المعزّزة لنفي النظر عن معدن الحديد.

 

ـ يتبع ـ

 

الهوامش

____________________

(*) أستاذٌ وباحثٌ في الفقه الإسلامي.

([1]) المبسوط 6: 263.

([2]) يمكن الاطّلاع على تفصيلٍ أوسع من كتاب بحوث فقهية: 29 ـ 35.

([3]) لمزيدٍ من التفاصيل ينصح بمراجعة كتاب بحوث فقهية: 16.

([4]) بحوث فقهية: 108.

([5]) الليطة: قشرة القصبة. والجمع ليط. (الصحاح 3: 1158).

([6]) المرو: حجارة بيض برّاقة، تقدح منها النار. الواحدة مروة. (الصحاح 6: 2491).

([7]) الكافي 6: 227، باب ما تذكى به الذبيحة، ح1.

([8]) الاستبصار 4: 79، الباب 51 من كتاب الصيد والذباحة، ح3.

([9]) تهذيب الأحكام 9: 51، باب الصيد والذكاة، ح211.

([10]) الكافي 6: 227، باب ما تذكى به الذبيحة، ح2.

([11]) الاستبصار 4: 80، الباب 51 من كتاب الصيد والذباحة، ح4، تهذيب الأحكام 9: 52، باب الصيد والذكاة، ح212.

([12]) الكافي 6: 227، باب ما تذكى به الذبيحة من كتاب الذبائح، ح3.

([13]) الاستبصار 4: 79، الباب 51 من كتاب الصيد والذباحة، ح1.

([14]) تهذيب الأحكام 9: 51، باب الصيد والذكاة، ح209.

([15]) الكافي 6: 227، باب ما تذكى به الذبيحة من كتاب الذبائح، ح4.

([16]) الاستبصار 4: 79، الباب 51 من كتاب الصيد والذباحة، ح2.

([17]) تهذيب الأحكام 9: 51، باب الصيد والذكاة، ح210.

([18]) الكافي 6: 228، باب ما تذكى به الذبيحة في حال الاضطرار، ح1؛ الاستبصار 4: 80، الباب 51 من كتاب الصيد والذباحة، ح7؛ تهذيب الأحكام 9: 52، باب الصيد والذكاة، ح215.

([19]) الكافي 6: 228، باب ما تذكى به الذبيحة في حال الاضطرار، ح2.

وللصحيحة سندٌ آخر ذكره الكليني: أَبُو عَلِيٍّ الأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ×، مِثْلَه.

([20]) الاستبصار 4: 80 الباب 51 من كتاب الصيد والذباحة، ح6.

([21]) تهذيب الأحكام 9: 52، باب الصيد والذكاة، ح214.

([22]) الكافي 6: 228، باب ما تذكى به الذبيحة في حال الاضطرار، ح3.

([23]) الاستبصار 4: 80، الباب 51 من كتاب الصيد والذباحة، ح5.

([24]) تهذيب الأحكام 9: 51، باب الصيد والذكاة، ح213.

([25]) مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 326، ح4164.

([26]) قرب الإسناد: 106؛ الوسائل 24: 10.

([27]) دعائم الإسلام 2: 176.

([28]) دعائم الإسلام 2: 177.

([29]) الخليل بن أحمد الفراهيدي، كتاب العين 3: 19.

([30]) معجم مقاييس اللغة 2: 3.

([31]) معجم مقاييس اللغة 2: 4.

([32]) كتاب العين 3: 19.

([33]) معجم مقاييس اللغة 2: 3.

([34]) معجم مقاييس اللغة 2: 4.

([35]) لسان العرب 3: 142.

([36]) كتاب العين 3: 19.

([37]) كتاب العين 3: 91.

([38]) الصحاح 2: 565.

([39]) معجم مقاييس اللغة 3: 250.

([40]) لسان العرب 3: 141.

([41]) كتاب العين 3: 19.

([42]) لسان العرب 3: 141.

([43]) وسائل الشيعة 3: 530، ح7.

([44]) وسائل الشيعة 21: 430، ح1.

([45]) وسائل الشيعة 3: 530، ح6.

([46]) وسائل الشيعة 1: 288، ح5.

([47]) وسائل الشيعة 5: 167، ح2.

([48]) بحوث فقهية: 66.

([49]) وسائل الشيعة 29: 38، ح9.

([50]) وسائل الشيعة 28: 315، ح3.

([51]) وسائل الشيعة 11: 278، ح16.

([52]) الكافي 6: 230، باب الرجل يريد أن يذبح فيسبقه السكين فيقطع الرأس، ح2.

([53]) ابن سيده، المخصص 3 ق3 السفر الثاني عشر: 26.

([54]) وسائل الشيعة 24: 9، ح3.

([55]) الوسائل 24: 17.

([56]) الكافي 6: 203، ح2.

([57]) التهذيب 9: 55، باب الصيد والذكاة، ح230.

([58]) التهذيب 9: 57، باب الصيد والذكاة، ح239.

([59]) البيهقي، السنن الكبرى 8: 62، باب ما روى في أن لا قود إلاّ بحديدة.

([60]) وسائل الشيعة 28: 315، ح3.

([61]) وسائل الشيعة 11: 278، ح16.

([62]) وسائل الشيعة 23: 371، ح3.

([63]) وسائل الشيعة 21: 436، ح6.

([64]) يقصد الشواهد التي ذكرت لصالح مسلك المشهور على عدم إرادة الحادّ من لفظ الحديد الوارد في نصوص التذكية.

([65]) بحوث فقهية: 65.

([66]) وسائل الشيعة 3: 530، ح7.

([67]) وسائل الشيعة 21: 430، ح1.

([68]) وسائل الشيعة 3: 530، ح6.

([69]) وسائل الشيعة 1: 288، ح5.

([70]) وسائل الشيعة 5: 167، ح2.

([71]) بحوث فقهية: 66.

([72]) وسائل الشيعة 21: 435، ح6.

([73]) وسائل الشيعة 29: 38، ح9.

([74]) وسائل الشيعة 28: 315، ح3.

([75]) وسائل الشيعة 11: 278، ح16.

([76]) وسائل الشيعة 3: 208، ح2.

([77]) وسائل الشيعة 5: 248، ح1.

([78]) بحوث فقهية: 67.

([79]) بحوث فقهية: 66 وما بعدها.

([80]) بحوث فقهية: 68.

([81]) الذبح بالمكائن: 188.

([82]) الكافي 6: 227 باب ما تذكى به الذبيحة، ح1.

([83]) الكافي 6: 227 باب ما تذكى به الذبيحة، ح2.

([84]) الكافي 6: 228 باب ما تذكى به الذبيحة في حال الاضطرار، ح3.

([85]) من لا يحضره الفقيه 3: 326، ح4164.

([86]) قراءات فقهية معاصرة ‏2: : 62.

([87]) وسائل الشيعة 24: 10، ح2.

([88]) وسائل الشيعة 24: 18، ح4.

([89]) وسائل الشيعة 24: 15، ح1.

([90]) وسائل الشيعة 24: 16، ح1.

([91]) وسائل الشيعة 24: 17، ح1.

([92]) وسائل الشيعة 40: 91، ح1.

([93]) الكافي 6: 229.

([94]) مستدرك الوسائل 16: 132.

([95]) صحيح مسلم 6: 72.

([96]) المستدرك على الصحيحين 4: 231.

([97]) الطبراني، المعجم الكبير 12: 224.

([98]) سنن ابن ماجه 2: 1059.

([99]) بحوث فقهية: 61.

([100]) بحوث فقهية: 69.

([101]) بحوث فقهية: 61.

([102]) بحوث فقهية: 69.

([103]) يراجع البحث التاريخي في نهاية كتاب بحوث فقهية، حيث يتعرض فيه لتأريخ الحديد وصناعة السكاكين والسيوف.

([104]) الذبح بالمكائن: 170.

([105]) الذبح بالمكائن: 171.

([106]) وسائل الشيعة 10: 252.

([107]) الذبح بالمكائن: 171.

([108]) الذبح بالمكائن: 171.

([109]) وسائل الشيعة 24: 9، ح3.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً