أحدث المقالات
أظهرت  ردّات الفعل الشعبيّة الإسلاميّة على الإساءة الأخيرة لنبيّ الرحمة محمَّدٍ (ص)، مستوى عالياً من الحضور للنبيّ (ص) في وجدان الأمّة. وفي الوقت نفسه بدا واضحاً غياب الصوت العربي الرسمي، إلا بخجلٍ أحياناً، قياساً بالإساءات السابقة التي ربّما سبق فيها حكّام المُسلمين والعرب شعوبَهم.
الأمر الذي يوحي بأنّ المسألة لدى هؤلاء الحكّام ليست مسألة الرسول(ص) بقدر ما هي مسألة إمكانيّات التوظيف لتحرّك الشعوب في رفد مصلحة الأنظمة السياسيّة التي يتربّعون على عروشها، أو عدم إمكانيّة ذلك، بحيث يوظَّفُ الغضب الشعبيّ جزءاً من حالة تنفيس الاحتقان المتراكم بفعل القمع والظلم والقهر، فيسلم للقائد والرئيس والملك نظامُهُ في انتظار ظروفٍ تسمح بجولة جديدة يُسمح فيها للشارع أن يغضب وينفّس احتقان الظلم الذي بات عليه كالقدَرِ.
ربَّما تكون المُشكلة اليوم في أنّ من يوجَّه نحوه الغضبُ الشعبي ليس دولة اسكندنافيّة بعيدة، بل "الدولة العُظمى"، الولايات المتّحدة الأمريكية، المتربّعة ـ بفعل دعايتها وضعفنا أو استضافنا لأنفسنا ـ على كرسيّ العرش العالمي، وإن كان هذا الكرسيّ يقتربُ شيئاً فشيئاً من أن يكون كرسيّاً في العالم "الافتراضيّ"، لا في العالم الحقيقي إلا لدى بعض من استقالوا من الواقع وصناعة التاريخ ولجأوا إلى العالم "الافتراضي"!. ولكن ما يبعث على التساؤل هو تراجع بعض الحركات الإسلاميّة عن رعاية حراك شعبي استنكاريّ لا يُراد له أن يشكّل صوتاً مستنكراً لما جرى، بل ومتلاقياً مع الأمواج المتحرّكة في أكثر من بلدٍ عربي وإسلاميّ، لعلّها تغيّر شيئاً من رعاية العالم المستكبر للإساءة لنبيّنا وديننا؛ بل حتّى خطوةً إلى الأمام لاستعادة عنفوان الأمّة التي تشعر بجرحٍ في كرامتها.
لن نخوض كثيراً في هذه النقطة؛ لأنّ حسم الحكم على حركة الإسلاميّين سابقةٌ لأوانها في ظلّ التقلّبات الكبيرة في الظروف الداخليّة والخارجيّة المحيطة، وإن كان البعضُ يُناقشُ في ذلك أيضاً، باعتبار أنّ الزمن لا ينتظر توفّر كلّ الظروف، بحيث قد تضيع خطوط الحركة وملامح الإستراتيجية الإسلامية في ظلّ تعقيدات حركة التفاصيل والتكتيكات المرحليّة.
في كلّ الأحوال، نُثير هنا بعض النقاط للتأمّل والتفكير تجاه ما جرى، ممّا قد يُساعد في وضوح الرؤية من جهة، ووضع معايير للتعامل مع مثل هذه القضايا فيما إذا تكرَّرت في المستقبل.
النقطة الأولى: الإساءة تاريخيّة
إنّ تاريخ المسيرة الإسلاميّة لم يخلُ يوماً من الإساءة إلى شخص النبيّ(ص) عبر الاتّهام والاستهزاء والاعتداء المعنويّ، فضلاً عن محاولة القتل والاغتيال في حياته، واستمرّ ذلك حتّى يومنا هذا… بل إنّ القرآن الكريم خلَّد هذه الإساءات، ووضعها في إطارٍ للتفاعل النفسيّ مبرَّدٍ نسبيّاً، فقال تعالى حاكياً مرحلة نبيّ اللهِ نوحٍ(ع):﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾(هود:38)، وقال تعالى حكايةً للسان فرعون عن موسى(ع): ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ﴾(الزخرف:52)، وعن نبيِّنا(ص) عرفنا من نصّ القرآن أنّه قيل عنه إنّه "ساحرٌ" و"مجنونٌ" وغير ذلك، حتّى قال الباري عزّ وجلّ: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾(الأنعام:10). وكان واضحاً أنّ الله أراد لنبيِّه أن لا يصرفه هؤلاء الجاهلون عن متابعة الطريق نحو الهدف الكبير، ولذلك قال له:﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾(القصص: من الآية 55)، ولذلك فربّما يُقال إنّ الموقف المبدئيّ للمُسلمين يقتضي منهم إهمال الإساءة وترك الأمر من دون مبالاة أو اعتراض؛ لأنّ في ذلك تكبيراً للشخص المسيء أو لنتاجه الذي قد يكون من أردأ صنوف الإنتاج بحسب المعايير الفنّية، ولاسيّما أنّ الاعتراض قد يحوّل ذلك الشخص أو نتاجه إلى ضحيّة تدفع نحو المزيد من حالات التعاطف العالمي؛ لأنّه أضحى "فكراً" مظلوماً.
وهذا الموقف صحيحٌ في حدّ ذاته؛ لأنّه لا ينبغي لأيّ جاهلٍ أن يوقفنا عن إكمال المسيرة واحتضان القضايا الكُبرى وتحقيق الأهداف السامية التي نحن مسؤولون عنها، في إحقاق الحقّ وتأكيد العدل، ولاسيّما أنّنا نعرفُ أنّ الباطل يموت بتركه، ولاسيّما في هذا العصر. ولكنْ هناك ظروف تجعلنا ننظر إلى الموضوع بطريقة مغايرة:
أ‌- أنّ ذلك يترافق مع هجمة عالميّة لحصار العالم الإسلامي والعربي وتفتيته، وفي الإمكان أن يكون ذلك جزءاً من حالة اختبار للأمّة تجاه وقائع يُراد تكريسها مستقبلاً، كما في هدم المسجد الأقصى مثلاً، أو جزءاً من حلقات سلسلةٍ طويلة من الخطوات في سبيل الإجهاز على واقع التقارب الإسلامي الإسلامي، أو الإسلامي المسيحي، وما إلى ذلك.
ب- أنّ المزاج الشعبي، في الشرق عموماً، هو مزاج انفعاليّ، وبالتالي يشكّل هذا النوع من الإساءات استفزازاً لمشاعر عابرة للجغرافيا والشعوب والدول والمجتمعات، بما لا يُترك فيه الأمرُ لعبث الأفراد من هنا وهناك؛ فإنّ المسألة أقرب ما تكون إلى المسائل المتعلّقة بالسلم العالميّ.
ت- أنّ الظروف المترافقة مع هذه الإساءة، سواء لجهة تراكم نوعٍ من المشاعر السلبيّة بين المُسلمين والمسيحيّين في بعض الدول، أو لجهة طبيعة جنسيّة صاحب الفيلم الشؤوم، يؤيّد فكرة أنّ وراء الفيلم، أو الإعلان عنه، أجهزة خبيثة تبتغي إيجاد أرضيّة للفتنة، أو إشعار عود ثقابٍ في نباتها اليابس تحت أكثر من ظرفٍ ومناخ.
وعلى هذا الأساس نقول إنّ من الخطأ الذي يلجأ إليه البعض، حتّى من الإسلاميّين، أن يتمّ الحديث عن العناصر الفنّية الرديئة للفيلم، أو عن التأثير المحدود الذي يُمكن أن يتركه، بحيث يرون أنّه من المبالغة تصعيد حالات الاستنكار إلى هذا المستوى؛ نقول من الخطأ ذلك لأنّنا نعتقد أنّ ما هو على المحكّ اليوم هو هل نقبلُ بسيادة الذهنيّة الشيطانيّة التي تلقى احتضاناً عالميّاً، وتبريراً يُراد له أن يكون منطقيّاً بعنوان "حرّية التعبير"، تلك الذهنيّة التي تعبّر عن نفسها بالإساءة لمقدّسات الآخرين، بما يجتذب إساءات متبادلة، ما يخلق نوعاً من التوتّر في العلاقات، لا بين أفرادٍ من هنا وهناك، بل بين شعوبٍ ومجتمعات بأسرها ترقى أعدادها إلى مئات الملايين.
ولذلك نقول: إنّ استنكارنا إنّما ينطلق من خلال حرصنا على بقاء النموذج الحضاري لإدارة العلاقات بين الناس المختلفين دينياً أو عرقيّاً أو مذهبيّاً أو ما إلى ذلك من الأطر، هذا النموذج القائم على الاحترام المتبادل للرموز والمقدّسات، من دون إنكار حقّ أحد في الاعتراض أو السؤال من الناحية العلميّة على أيّ أمرٍ؛ فكم من الكتب كتبت وهي تعترض على الإسلام أو على ما قام به النبيُّ(ص)، وقام العلماء المسلمون بمناقشتها علميّاً والردّ عليها، ممّا هو مسطورٌ في العديد من الكتب!.
وإنّنا لا نثورُ حتّى انتصاراً لنبيّنا (ص)؛ فهو المنصور بإذن الله ووعدِهِ، ولا نثورُ تنفيساً عن غضبٍ شخصيّ مرتبطٍ بالشعور بالإهانة فحسبَ، بل من أجل أن لا تختلط المفاهيم، فتتحوّل حرّية التعبير المنضبطة في إطار الاحترام والإنسانيّة والعقلانيّة، إلى حرّية تعكس انعداماً في القيم والأخلاق في إدارة العلاقات مع الأديان أو المذاهب أو الجماعات الأخرى؛ لأنّ الإساءة ينطبق عليها ما يقرُب من مفهوم السبّ والشتم، لا النقد العلمي الموضوعي؛ ليضعَ شخصٌ ما ملياراً ونصف المليار في حالة استفزازٍ، ثمّ يقومُ شخصٌ من هؤلاء ليضعَ ملياراً من دين آخر في حالة استفزاز… أليست هذه أرضية صدام الحضارات؟!.
النقطة الثانية: رسم صورة حقيقيّة للنبيّ (ص)
إنّ من الضروري لنا كمُسلمين أن نرسم صورةً واضحةً للنبيّ (ص) تنسجم مع الواقع والحقيقة، وهنا ندعو إلى تلمّس أجزاء تلك الصورة من القرآن الكريم، ولاسيّما في ظلّ الإسرائيليّات من الأحاديث التي دُسَّت في الكتب، وكُذبت على لسان النبيّ (ص) وصحابته أو التابعين، ممّا أريد منه تشويه صورّته أو صورة دعوته، وإيقاع التشكيك بصدقه في نبوّته، ممّا لم يقترب من القرآن الكريم.
إنّ القرآن الكريم يمثّل كتاب الحركة الإسلاميّة، والتي كان رائدها النبيّ الأكرم(ص)، وبالتالي فهو إذ يُواكب مسيرتها، يعطي الملامح الحقيقيّة لشخصه(ص)، ولمنهجه ومواقفه وروحيّته وإخلاصه لله وذوبانه في رساليّته بعيداً عن ذاتيّته وما إلى ذلك، بما يسمح لنا أن نراه ماثلاً أمامنا بكلّ ذلك بكلّ صدقيّة القرآن ونورانيّته.
وهذه الصورة، إذا ما نقلت ـ عبر الترجمة ـ إلى الثقافات والمجتمعات والفئات الأخرى عبر العالم، فإنّها كفيلةٌ بأن تحاكي في الإنسان الغربي، أو الشرقي، البُعد الإنسانيّ فيه، ليجد النبيّ محمّداً(ص)، نبيّاً للرحمة الأخلاقيّة، وللرحابة الفكرية، وللسعة الإنسانيّة، وللعمق القيادي، والسموّ الحضاريّ، بما يجعله نموذج الإنسان القدوة لإنسان هذا العصر.
النقطة الثالثة: نقد التراث الحديثي
ما سبق يحتّم علينا القيام بحركة ناقدة لتراثنا الحديثي، وذلك بهدف تنقيته من كلّ ما علق به، ولاسيّما أنّ فيه الغثّ والسمين، والصحيح والمكذوب، والحقيقيّ والمُبالغ فيه؛ فإنّ من غير الجائز في هذا القرن، وقد انفتحت الروح العلميّة على أوسع مدىً، أن نكتفي بتصنيفات رجالٍ مثلنا وإن كانوا على درجة عالية من الوثاقة، فقط لأنّهم سبقونا في الزمن، وإذا كانوا أقربَ منّا إلى عصر النصّ، فإنّ المسافة التي تفصلهم عن عصر النصّ تبقى بعيدةً نسبيّاً بما يكفي لدخول أصابع عابثة بالنصوص أو كاذبة في المضامين.
ولا يخافنَّ أحدٌ على تراثنا من الاضمحلال بتلك الحركة، كما يقول البعضُ إذا رأيتم أن نبدأ عمليّة تنقية فلن يبقى لدينا شيءٌ! هذا هو منطق الجهل الذي يزيّن به الشيطان للإنسان الجمود على ما سبق، في الوقت الذي يأتي الزمان لدى الأجيال المتلاحقة بإشكالات جديدة، وتساؤلات جديدة، قد تتنكّر للدين كلّه إذا بقيت بلا معالجة أو إجابات.
وربّما يدفعنا المنطق العلمي الموضوعي إلى أبعدَ من ذلك لنقول: لقد آن الأوان لنفكّر خارج الفضاءات المذهبيّة، لننتج فكراً إسلاميّاً فوق المذهبيّة، يؤسّس ضمن منطق العلم للقواعد والمعايير التي لا تنحبسُ في إطار المذهبة؛ لأنّها ستكون أشبه بالمصادرة، وهذا ـ لعمري ـ موضوع آخر، نشير إليه إشارةً ونتركه للتأمّل في مجالٍ آخر.
النقطة الرابعة: تقوية الداخل الإسلامي
نحن في حاجة إلى حراك دائميّ في تقوية عناصر الضعف والانقسام التي يعاني منها المُسلمون، فيراهم الأعداء والجاهلون لقمة سائغة للتناول، وهدفاً سهلاً للتصويب؛ لأنّ تقوية أواصر اللحمة الإسلاميّة من شأنه أن يعيد الهيبة إلى كيان الأمّة، فيكون ذلك نوعاً من الردع عن تكرار الإساءة، أو ـ على الأقل ـ يجعل الإساءات بمثابة طنين ذبابةٍ أزعجت ومرّت ولم تؤثّر على وضوح الرؤية وسلامية المسير.
ومع الأسف، فإنّ الكثيرين منّا معنيّون بتكريس حالة الانقسام، حتّى رأينا في ما رافق الإساءة الأخيرة، أنّ حركة الاستنكار خضعت للتجاذبات المذهبيّة تارةً والسياسيّة أخرى، بما جعل هذا الفريق يسجّلُ نقطة على الفريق الآخر، أو يشكّك ذاك بنوايا هذا، أو يرى في تحرُّكٍ ما تعميةٍ على حدثٍ معيّن، ولا يعود يرى هؤلاء وأولئك سوى السلبيّات التي تحرمنا من فرصة تحويل الإساءة إلى خطوةٍ في تعزيز التحام الأمّة من منطلق عاطفي يُستغلّ لتعزيز الجانب الفكري العقيدي المبدئي.
ولعلّه يجدر بنا التأكيد هنا على أنّ الأحداث والتحدّيات التي نمرُّ بها، سواء أكانت إيجابيّة كأحداث الانتصارات الكُبرى، أو سلبيّة كحالات عدوانٍ حربيّ أو ثقافيّ مسيء كالذي نمرُّ به… هذه الأحداث والتحدّيات ينبغي أن تشكّل بالنسبة إلينا فُرصاً حقيقيّة نعمل على استثمارها في سبيل تعزيز وحدة الأمّة تجاه قضاياها، ورفع منسوب الوعي تجاه الأخطار الداخليّة والخارجيّة، وتفعيل حركات نهضة تعزّز الانتصارات هناك، وتغيير نقاط الضعف بهدف تحويلها إلى نقاط قوّةٍ هنا.
نعم؛ لا مانع أبداً من استثمار أحداثٍ، كالإساءة إلى النبيِّ(ص)، في إعادة تصويب البوصلة نحو قضايا الصراع التي تواجهها الأمّة، وليس هذا عيباً أو منقصةً ينبغي أن نهربَ منها، بل هو جزءٌ من الواقعيّة السياسيّة والحركيّة التي تفرض عليك أن تستثمر العناصر الوجدانيّة التي تتهيّأ بفعل حدثٍ إيجابيّ أو سلبيّ لتتلقّف تذكير الأجيال التي طال عليها الأمد فنسيت، أو في صوغ فكر ووجدان الأجيال الصاعدة، لتعي واقعها أكثر، ولتُدرك طبيعة المؤامرات التي قد تختفي وراء الكلمات المعسولة، والخطابات الرنّانة.
يبقى أن نؤكّد على أنّ الشعوب لا يُمكنها أن تبقى في حالة استنكار وغضب، بل تحتاج إلى لحظة تفكير هادئ، بعيداً عن حرارة الحدث، لتحدّد وجهة الردّ، في المدى القصير والطويل، من موقع الفعل لا من موقع ردّ الفعل؛ لأنّ الحالة الانفعاليّة تجعل الشعوب تتحرّك وفق ما يُرسم لها؛ لأنّها فقدت أو أُفقِدَتْ نفسها زمام المبادرة، فأصبحت تُساق وفق قانون الاستجابة الشرطيّة بين الفعل وردّ الفعل، في الوقت الذي نُدرك بأنّنا ـ كشعوب ـ نخضع للكثير من التجارب التي تدخل في حساب مراكز الأبحاث والتخطيط والدراسات، فيتمّ تحديد صورتنا، وما يؤثّر فينا رغبةً تارة ورهبة أخرى، وبالتالي يتمّ تحديد المؤثّرات المناسبة من أجل خلق الظروف المؤاتية لحدثٍ يوازي فتنة مذهبيّة أو طائفية، أو يُراد من خلاله تأكيد فكرةٍ ما حول وحشيّة المُسلمين الذين إذا ما غضبوا ثاروا من دون أي موازين ضابطة…
النقطة الخامسة: مقترحات عمليّة
حتّى لا نبقى في خطّ النظريّة التجريديّة، وإن كنّا نعتقد أنّ ما سبق يصبّ في المعالجة الواقعيّة للأمور، ولكنّه يتطلّب معالجة على المدى الطويل، فإنّنا نطرح بعض الخطوات العمليّة القريبة التي من شأنها أن تفوّت الفرصة على الأعداء أو المصطادين في الماء العكر على حدّ سواء:
أوّلاً: إعلان السنة الهجريّة القادمة سنة رسول الله(ص)، ويجري على أساسها وضع الخطط والبرامج المتنوّعة بهدف إيجاد وعي جماهيري بصورة النبيّ(ص) الحقيقيّة، وبعناصر القدوة الحسنة التي ينبغي على الأجيال أن تضعها نصب أعينها في صوغ وجدانها وأخلاقها ومنهجها.
ثانياً: الإعلان عن جائزة عالميّة باسم رسول الله(ص)، على طريقة جائزة نوبل، ويكون لهذه الجائزة مؤسّسة لها أجهزتها التي تدير هذا العمل الضخم، بحيث يكون لنا في مختلف الميادين، وفي كل عامٍ، جوائز لمن يحقّقون هدفاً من الأهداف التي يُراد تحقيقها باسم رسول الله(ص). وهذا يحتاج إلى تضافر جهود جبّارة، وليست بالمستحيلة، وتحتاج إلى احتضان إسلامي عام؛ ونفترض هنا أن تكون المؤسّسة بعيدة عن الانغلاق المذهبي، لتضمّ في داخلها كفاءات متميّزة ومخلصة من كلّ المذاهب الإسلاميّة.
ثالثاً: تعزيز الاحتفالات المشتركة، بحيث يكون هناك إصرارٌ في القادم من الأيّام، على إحياءات مشتركة للمناسبات الإسلاميّة العامّة، كالمولد النبوي الشريف، ورأس السنة الهجرية، وذكرى المبعث، وغير ذلك، بما يعزّز حضور البُعد الإسلامي الاحتفالي لدى الشعوب.
رابعاً: التخفيف من حدّة الخطاب المذهبي، ولا سيّما الإعلامي منه، والقفز إلى الفضاء الإسلامي الرحب، لتبنّي خطاب إسلامي تكون المقاربة المذهبيّة جزءاً من خصوصيّة التنوّع، لا شيئاً يضيّق الإطار العام والعنوان الجامع ليحصره في الجماعة المذهبيّة، أو الحالة الحزبيّة أو ما إلى ذلك من أطر.
النقطة الأخيرة
الأمّة العزيزة التي تتّفق على قضاياها الأساسيّة، تفرض احترامها على العالم كلّه، ويحسب لها المسيئون ألف حسابٍ عندما تغريهم نفوسُهم بأيّ إساءة، وستكون القوانين التي تحمي ذلك أشبه بتحصيلٍ الحاصل، في الواقع إن لم تكن بالنصوص.
وإنّنا إنّما ندعو العالم، كدول وكمنظّمات دوليّة، إلى تحمّل مسؤوليّاته تجاه هذا المنطق الشيطاني العالمي الذي يسيء إلى المقدّسات، فليس لثقتنا بأنّه سيلجأ إلى ذلك بفعل حضور القيم في حركته؛ فإنّنا ندرك بأنّ هذا العالم لا تحرّكه إلا مصالحه، وعندما يمسّ الصراع الإسلام والمُسلمين، فإنّ كثيراً من العقد التاريخيّة أو الحضاريّة تبرز إلى الواجهة ليستقيل هذا العالم من أيّ قيمٍ يحرّكها تجاه شعوب أو أديان أو ثقافات أو مجتمعات أخرى.
بل قد نستطيع القول إنّ العالم الذي شرّع لقانون معاداة الساميّة، من أجل حماية الكيان الإسرائيلي الغاصب، وتنكّر فيه لأيّ قيمة من قيم حرّية التعبير حتّى ضمن المعايير العلميّة، هو عالمٌ لن يُعطينا شيئاً مشابهاً، إلا بالمقدار الذي نفرض فيه حضورنا واحترامنا الحضاريّ عليه؛ وهذا لا يكون إلا إذا شعرنا أنّنا أمّة، وتصرّفنا على أنّنا أمّة تقف في موازاة الأمم الأخرى حضاريّاً، لا في موقعٍ متأخّر عنها؛ والله من وراء القصد

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً