أحدث المقالات

د. السيد إحسان رفيعي العلوي(*)

أ. محمد صادق ذوقي(**)

ترجمة: حسن علي مطر

ج ـ الاتجاهات القصوى (التأسيس)

تسعى الاتجاهات القصوى إلى إدخال المفاهيم الدينية في صُلْب فرضياتها ونظرياتها، وتعمل بذلك على بيان تأثير الدين في العلم الديني على أعلى المستويات. إن أغلب الذين كان لهم مثل هذا الاتجاه إلى العلم الديني قد شكَّكوا في أصالة المنهج التجريبي، بمعنى أنهم قد شكّكوا في كونه معياراً نهائياً في مقام الحكم، ودافعوا عن نوع من التعدُّدية المنهجية([1]) في هذا الخصوص([2]). يمكن القول بأن الخصوصية الأهمّ في هذه الاتجاهات تكمن في تأسيسيّتها؛ لأن كلّ واحدٍ من هذه الاتجاهات القصوى يسعى إلى تأسيس نظامٍ معرفي جديد، بأساليب تحقيقية مختلفة، تقوم على أساس الفكر الإسلامي. يتمّ في هذا الاتجاه ابتداءً اعتبار المفاهيم الدينية بوصفها فرضيات، ثمّ يتمّ العمل بالاستلهام منها على تقديم فرضيات في مختلف المسائل الاجتماعية، وبعد تدوين الفرضيات يصل الدَّوْر إلى الاختبار التجريبي، أو تقييم إمكانية استخدامه في مختلف المجالات والأبعاد الاجتماعية (من قبيل: السياسة أو الاقتصاد الإسلامي)؛ وبذلك سوف يكونون بمنجى من هذا الاتهام القائل بأنهم يُخضعون الدين للاختبار والتجربة؛ إذ إن الذي يتمّ إخضاعه إلى التجربة إنما هو «الفرضيات البشرية» فقط. وعلى هذا الأساس فإن الثمرة الهامّة لهذا الاتجاه سوف تكمن في التماهي والتناغم في بنية تلك العلوم([3])، بمعنى أن هناك تطابقاً كبيراً يبلغ الحدود القصوى بين الفرضيات والنظريات والأساليب المتَّبعة فيها. في حين لم تكن الاتجاهات الأخرى تمتلك مثل هذه الظرفية في التماهي والتناغم؛ لأن إنتاج العلم لم يكن يسري إلى مرحلة الفرضيات والأساليب، وإنما كان محدوداً ومقتصراً على الغاية واستخراج أو تهذيب العلوم فقط (وقد تمّ بيان كلّ واحدٍ منها على انفراد وبشكلٍ مستقلّ).

1ـ الاتجاه التهذيبي ـ التأسيسي

يعتبر الأستاذ السيد محمد نقيب العطاس ـ الأندونيسي أصلاً، الماليزي موطناً ـ الشخصيةَ الشاخصةَ في هذا الاتجاه. ويمكن اعتبار اتجاهه هو الاتجاه          «التهذيبي ـ التأسيسي». لقد كان فضيلته يذهب إلى التهذيب؛ إذ كان يؤكِّد بأن علينا أخذ العلوم من حضارة الغرب، وأن نعدّ العدّة والمقدمات للمرحلة الثانية، من خلال تهذيب وتنقية هذه الحضارة من العناصر التي لا تتناسب مع ثقافتنا وتفكيرنا الإسلامي. وفي المرحلة اللاحقة نبدأ مشروع التأسيس. وكان يقول بوجوب التأكيد على سلسلةٍ من العناصر والمفاهيم الأساسية، مثل: الدين، والإنسان، والعلم، والحكمة، والعدل، وهذا النوع من المفاهيم التي تشكِّل الاتجاه الغالب في الفكر الإسلامي، وبحثها بشكلٍ منهجي في ضوء الاتجاه القرآني والروائي في مباحث العلم. ولذلك فإن ثمرة هذا النشاط من العلم لن تكون بمعناه الوضعي([4]). وعلى هذا الأساس فإن هذا الاتجاه يؤكِّد على عنصرين، حيث يتمّ الخوض في بداية الأمر على اقتباسٍ مقرونٍ بتهذيبٍ وتنقيةٍ وتنقيحٍ، ثم يتمّ العمل في ضوء العناصر المنقَّحة على إنتاج وإعادة صياغة تلك العناصر ضمن الخطاب السائد في الفكر الإسلامي.

2ـ الاتجاه المنهجي

يجب بيان رؤية الدكتور محمد إمزيان ضمن هذه الاتجاهات القصوى؛ إذ يؤكِّد قائلاً: «إن السعي إلى أسلمة العلوم الاجتماعية، وتأسيس منهجٍ يمتاز من الأساليب الموجودة، يجب أن يقوم على المعتقدات الدينية والمنبثقة عن النظام المعرفي الدينيّ بوصفه مجموعةً واحدة، وإلاّ سيكون جهداً فاشلاً»([5]). وقال أيضاً: «في ما يتعلَّق بمنهج العلم الدينيّ يمكن من خلال نقد الاقتصار على الأسلوب المعرفي ـ الذي يرى أن الأسلوب التجريبي وحده هو المعتبر ـ أن نقترح نوعاً من التعدُّدية في المنهج والأسلوب. إن التوقُّف والجمود على تفسيرٍ بعَيْنه للعلم ليس ضرورياً، ولا مطلوباً. يمكن القول: إن العلم منهجٌ للمعرفة، غايته كشف الحقيقة، وإن الخصيصة الأهمّ اللازمة للوصول إلى هذه الغاية هي الصدق، والقابلية للتعميم، والموضوعية، والتفسير أو البرهنة بشكلٍ كامل؛ وعلى هذا الأساس فإن كلّ فكرةٍ تنطبق في تقريرها مع الواقع، وكانت شاملةً ومعتبرة على أساس الاستدلال، سوف تكون رؤيةً علمية، ومن هنا تتجلّى ضرورة توظيف العلم الديني للأساليب المعتبرة، الشاملة للأسلوب التعقُّلي، والأسلوب التجريبي، والأسلوب التاريخي، والأهمّ من ذلك كلّه الأسلوب الوحياني، الذي يشتمل على المقدار الأكبر من اليقين والصدق والتعيُّن»([6]).

كما يمكن إدراج رؤية الدكتور حسين نصر ضمن الاتجاهات المنهجية أيضاً؛ إذ يذهب سماحته ـ ضمن التأكيد على إمكان وضرورة العلم القُدْسي (الديني) ـ إلى الاعتقاد بأن تمايز العلم القُدْسي والعلوم الحديثة يكمن في أسلوبها التحقيقي، ويرى أن الوصول إلى هذا العلم رَهْنٌ بالتمسُّك بمصدرين، وهما: الوحي؛ والعقل الشهودي، ونتيجتهما معرفةٌ من دون واسطةٍ، باسم العلم الحضوري، ومن هنا فإن العلم القُدْسي ليس ثمرة التفكير والاستدلال، ولا يمكن تحقيق العلم الديني إلاّ من خلال إيجاد التحوُّل في هذا الاتجاه([7]). يذهب الدكتور نصر إلى الاعتقاد بأنه يجب إنتاج العلوم التجريبية بهويّةٍ تقليدية، ويجب علينا أن نجعل من «الحكمة الخالدة» أساساً لإنتاج العلم؛ إذ إنها تقوم على أساس التقاليد والأعراف الثابتة، وعندها يتمّ إنتاج «العلم القُدْسي»، وبالتالي فإن الفرق بين العلم القُدْسي والعلم الجديد سوف يكمن في أن العلم الجديد يقوم على الفلسفة التجريبية النسبيّة القابلة للتغيير، ولذلك فإنها تتغيَّر باستمرارٍ، ولا تشتمل على قداسةٍ، بَيْدَ أن العلم القُدْسي يقوم على الحكمة الخالدة، وهذه الحكمة تقوم بدَوْرها على أساس الأصول الثابتة التي لا تتغيَّر([8]).

ومن بين الاتجاهات الهامّة الأخرى التي تمّ ذكرها في إنتاج العلم الديني، ولكنْ حَالَ بعضُ الغموض والإغلاق فيها دون تسليط الضوء عليها، اتجاه الأستاذ السيد منير الدين الهاشمي. ويمكن تسمية هذا الاتجاه بـ «المنطق الولائي لإنتاج العلم الديني». وخلاصة هذا الرأي، الذي صدع به سماحته، هو أن «العلم الديني يعني هيمنة الولاية الإلهية على مسار ظهور العلم في جميع مراتب العلم»، حيث لا يجب في هذا النموذج أن تصبح جميع العلوم نقليّةً، بَيْدَ أن التأكيد يقوم على أن منطق إنتاج العلم يجب أن يقوم على النقل، بمعنى أنه لا يجب بالضرورة أن نأخذ العلم من النقل، إلاّ أن حجِّية العلم يجب أن تستند إلى النقل؛ إن هذه المجموعة (فرهنگستان) تذهب إلى الاعتقاد بأنه لم يكن لدينا حتّى الآن علمٌ ديني واقعي، ولا حضارة إسلامية، وأن الذي عُرِفَ على طول التاريخ باسم مرحلة الحضارة الإسلامية إنما كان من حضارة المسلمين، ولم يكن حضارةً إسلامية، وأن العلوم التي أنتجها ابن الهيثم والخواجة نصير الدين الطوسي لم تكن علوماً إسلامية، بل لا يرَوْن حتّى الفلسفة إسلاميّةً([9]).

وفي هذا السياق يأتي رأي الأستاذ مير باقري في مورد معيار دينيّة العلم على النحو التالي: «أن يكون لدينا استنادٌ منطقي ومنهجي، وأن يكون هناك تأثيرٌ لثقافة المسلمين أو الثقافة الإسلامية في علمٍ، ليس كافياً في إسلاميّته». وكذلك الاتجاه البديل لسماحته، مع التأكيد على عنصر الاجتهاد، والقائل بأن «تنمية أسلوب الفقاهة يجب أن يقترن بالتصرُّف في البنيان الفلسفي والميثودولوجي للعلوم التطبيقية المنشودة للعلماء والمفكِّرين في الحوزة العلمية والجامعة؛ كي تصبّ مجموعة أصول الفقه، والفقه، والفقه الحكومي، والعلوم الأساسية (فلسفة الفيزياء، وفلسفة الرياضيات، وفلسفة علم الأحياء)، والعلوم التجريبية، والعلوم الإنسانية، في خدمة تنمية الدين من الناحية العمليّة»([10]).

وفي الختام لا بُدَّ من التنويه إلى أنه يمكن تصنيف رأي الشيخ جوادي الآملي ضمن هذا الاتجاه؛ إذ يؤكِّد سماحته قائلاً: «إن الدين قد بيَّن الخطوط العامة للكثير من العلوم، وأرشد إلى المباني الجامعة للكثير من العلوم التجريبية. وإن ما ورد عن الأئمّة المعصومين^ من قولهم: «علينا إلقاء الأصول إليكم، وعليكم التفريع» ناظرٌ إلى الاجتهاد في جميع مجالات العلوم الإسلامية، وليس الفقه فقط. وكما تمّ، من خلال الاستعانة بالقواعد العقلية والعقلانية، إخضاع بعض النصوص الدينية للبحث الأصولي؛ لتشكِّل مفتاحاً لفهم النصوص الفقهية، من الضروريّ اتباع ذات الوسيلة لجعل بعض النصوص الدينية الأخرى، الصادرة بوصفها أداةً لمعرفة العالم والإنسان، محوراً للبحث والتدقيق»([11]). وعلى أيّ حالٍ فإن أحد الخطابات الغالبة في إنتاج العلم الديني، والتي يدعمها العديد من العلماء والمفكِّرين، هو اتجاه المنهج المعرفي، حيث يكون العلم المستَخْرَج ـ من خلال التأكيد على تنقيح الأسلوب والمنهج الإسلامي، الذي هو في الحقيقة آليةٌ ومنظومةٌ لإنتاج العلم ـ من هذه المنظومة والآليّة علماً إسلاميّاً.

3ـ اتجاه الدعامات الميتافيزيقية

يمكن تصوُّر مسار تكوين العلوم الإنسانية الإسلامية في هذا الاتجاه على النحو الآتي، المتمثِّل بتوظيف الدعامات الميتافيزيقية المقتَبَسة من الأفكار الإسلامية في المراحل المختلفة من النشاط العلمي. وبعبارةٍ أخرى: كلّما أمكن للمضامين الميتافيزيقية المذكورة أن تظهر تأثيرها الخلاق في مراحل من قبيل: انتقاء المسألة، وانتخاب المفاهيم والأمثلة لفهم المسألة، وبيان البحث، وإنجاز المشاهدة، والتكهُّن والتفسير، سوف يتبلور مسارٌ ينتج عنه علومٌ متناسبة مع العلوم الإسلامية([12]). وعلى هذا الأساس فإن تأكيد هذا الاتجاه يكون على الدعامات الميتافيزيقية، وإن هذه الدعامات تحدث تغييراً في مجمل مسار تكوين العلم، وبالتالي سوف يكون العلم المتمخِّض عن هذا المسار علماً إسلاميّاً بالكامل.

 

4ـ منهجيّة السيد الصدر

ينبثق منهج السيد الشهيد الصدر في بناء النظام الفقهي عن عنصرين: العنصر الأوّل هو المصدر، والعنصر الثاني هو التأكيد على الأسلوب والمنهج الخاصّ في إنتاج المنظومات الإسلامية. ولذلك سوف نعمل في سياق هذه الدراسة على بيان موقع وآلية هذين العنصرين في منهج السيد الشهيد الصدر.

ولكنْ قبل بيان هذا المطلب سوف نعمل على بيان الإشكال الذي أورده بعضهم على رأي السيد الشهيد الصدر؛ فهناك مَنْ يؤكِّد في الأساس على هذه النقطة، وهي أن علم المنهج لدى السيد الشهيد الصدر في إنتاج العلم الديني والمنظومات الإسلامية لا ينطوي على الكفاءة اللازمة؛ وذلك «أن السيد الشهيد الصدر يسعى إلى تغيير وضع الإنسان الموجود إلى الإنسان المطلوب بهذا الأسلوب الاجتهادي المصطلح وبفتاوى مراجع التقليد في مجال الاقتصاد. ومن ذلك، على سبيل المثال: لو واجهنا معضلةً في النقد أو مشاكل أخرى فهل يمكن للمنهج الاجتهادي والفقه الاقتصادي للسيد الشهيد الصدر (الذي يتمّ التعبير عنه بـ «اقتصادنا») أن يكون على مستوى الحلّ؟»([13]).

إن هذا السؤال والإشكال في صدد التشكيك في جدوائيّة منهج الشهيد الصدر في تحقُّق العلم الديني على نحوٍ ناجع.

وسوف يأتي بيان الجواب التفصيلي عن هذا الإشكال في معرض بيان منهج السيد الشهيد الصدر. ولكنْ لا بُدَّ من القول باختصارٍ: إن السيد الشهيد الصدر يذكر مرحلتين لإنتاج النظريات الإسلامية؛ في المرحلة الأولى يتمّ استخراج واستنباط الخطوط العامة للنظام الإسلامي في مجال الاقتصاد مثلاً (الكينونات)؛ وفي المرحلة الثانية يتمّ العمل على إنتاج المعايير الاقتصادية على أساس تلك الخطوط العامّة، وكذلك لحاظ الواقعيّات الخارجية والعلميّة (الضرورات)، وفي هذه المرحلة بالتحديد يمكن ذكر الأجوبة عن حاجات الإنتاج والعرض والطلب والنقد والمسائل الأخرى. وعليه فإننا لسنا بَدْواً ومباشرةً في صدد الإجابة عن المسائل والتحدِّيات الموجودة في مختلف المجالات على أساس النصوص الصريحة من الآيات والروايات، بل يتمّ العمل في البداية على استخراج واستنباط الخطوط العامّة في الفكر الإسلامي في مختلف المجالات، والعمل بعد ذلك على الإجابة عن المسائل والتحدِّيات في ضوء تلك الخطوط المستنبطة في المرحلة السابقة.

أـ المصدر

يؤكِّد السيد الشهيد الصدر في الغالب، وقبل تأكيده على تأسس الأنظمة والمدارس الاجتماعية على أساس الرؤية الإسلامية، على أن من أكبر مشاكل العالم المعاصر التي شغلَتْ فكر الإنسان مشكلةَ النظام والمذهب الاجتماعي، وما هو المذهب النظري والعملي الذي يستطيع تلبية الاحتياجات البشرية على النحو الأفضل؟([14]). وفي ما يتعلَّق بجدوائية وضرورة بناء النظام الإسلامي القائم على الرؤية الإسلامية يذهب السيد الصدر إلى التأكيد على أن النظام الإسلامي يمكن له أن يكون من أنجع وأنجح الأنظمة في هذا المجال. كما ثبت ذلك بالتجربة أيضاً([15]). وتعود فلسفة وضرورة تأسيس الأنظمة الاجتماعية على أساس الرؤية الإسلامية إلى أن الدوافع الفطرية وغريزة حبّ الأنا والذات لدى الإنسان هي العنصر الرئيس والأساس في تبلور الحياة الاجتماعية، وهذا العنصر هو الذي سيؤدّي لاحقاً إلى ظهور وتبلور أنواع التضادّ والتنازع بين الناس، الأمر الذي يجعل من تشكيل وإقامة النظام الاجتماعي أمراً ضروريّاً. فإذا تمّ تأسيس هذا النظام من قِبَل الإنسان نفسه فإن هذا لن يعمل إلاّ على تعزيز وتجذير هذا التضادّ وتعميق هذا النزاع؛ لأن الأفراد إنما يتحرَّكون بوَحْيٍ من مصالحهم الشخصية الضيّقة، وهذا الأمر هو الذي يؤدّي إلى ظهور التضادّ والتعارض بين المصالح الشخصية والفردية والمصالح الاجتماعية. ومن هنا فإن تأسيس هذا النظام الاجتماعي يجب أن يأتي من قِبَل مرجعيّةٍ يمكن لها أن تعمل على هداية وتوجيه الدوافع الشخصية نحو الترجيحات الاجتماعية على خير وجهٍ، وليست هذه المرجعية شيئاً آخر غير الدين، وبذلك يمكن ربط المصالح الاجتماعية والعامة بالمصالح الفردية، والعمل على إدارتها، والاستناد إلى آياتٍ من القرآن الكريم في هذا السياق، وهي الآيات التي تحثّ الإنسان وتدفعه إلى تجاوز مصالحه الشخصية؛ من أجل تحقيق المصالح الاجتماعية([16]). إن ضرورة تأسيس الأنظمة الاجتماعية لا تستند إلى الرؤية الدينية فحَسْب، بل إن الدين هو الإطار الممكن الوحيد لتحقيق هذه الغاية أيضاً([17]). يُضاف إلى ذلك أن قيام الأنظمة والمذاهب الاجتماعية على أساس المذاهب الفاسدة يؤدّي إلى كوارث اجتماعية، ليس آخرها إجحاف الأغلبيّة بحقوق الأقلِّية، وهضم حقوقهم وشؤونهم الحيوية.

إن من بين المسائل والتحدِّيات الأساسية التي واجهها السيد الصدر في حياته هي المدارس والأنظمة السياسية والاجتماعية المختلفة، ومن أهمّها: المذهب الديموقراطي الرأسمالي؛ والنظام الاشتراكي؛ والمذهب الشيوعي؛ إذ ما فتئ سماحته يؤكِّد على نقد هذه المدارس والمذاهب، ويقدِّم البديل لها، وهو البديل المتمثِّل بالنظام والمذهب الإسلامي. وفي هذا الشأن كان لسماحته تأكيدٌ أيضاً على أن مذهب ونظام حياة الإنسان يجب أن يكون منبثقاً وقائماً على الدين. وإنما أفاد سماحته ضرورة ذلك لعدّة جهاتٍ:

الجهة الأولى: بفضل قيام المذهب الاجتماعي القائم على الرؤية الإسلامية يمكن التأسيس للتماهي والتناغم بين التشريع والعقيدة.

الجهة الثانية: إن الرؤية الإسلامية في إطار التنظيم تقيم تناغماً وتماهياً بين الأبعاد المعنوية للإنسان والعناصر الاجتماعية للحياة الإنسانية.

الجهة الثالثة: إن المذهب الذي يكون منبثقاً عن الدين يحظى بقبولٍ من المجتمع بشكلٍ أكبر من تقبُّل سائر الاتجاهات الأخرى([18]). وعلى هذا الأساس فإن من بين العناصر الأساسية لإنتاج الأنظمة الإسلامية هو المصدر الذي يمكن أن تُستَلْهَم منه الخطوط العامة لذلك الموضوع، حيث يتمثَّل هذا المصدر ـ من وجهة نظر الشهيد الصدر ـ بالإسلام، والفكر الإسلاميّ، والمصادر الإسلامية.

ب ـ المنهج

وأما في مجال المنهج فإن الاتجاه الذي يرتئيه السيد محمد باقر الصدر؛ لتحقيق الأنظمة والمذاهب الإسلامية، هو «الاتجاه الاجتهاديّ». ففي البيان الذي أصدره سنة 1378هـ حول مستقبل مسار الاجتهاد ذهب سماحته إلى التأكيد على أن الضرورة الراهنة والغاية النهائية للاجتهاد في الفكر الإسلاميّ تكمن في الحركة من أجل إنتاج وتطبيق النظريات الإسلامية. والضرورة الراهنة تقتضي تحويل مسار الاجتهاد الشيعيّ باتجاه الدفاع عن الإسلام في جميع مجالات حياة الإنسان؛ حيث يمكن مشاهدة الجهود والمساعي الأولى لهذا الاتجاه في الاجتهاد الشيعي، ضمن الجهود المبذولة في إطار بيان نظام الحكم في الإسلام، والمذهب الاقتصاديّ في الإسلام، وما إلى ذلك من الأبحاث الاجتماعيّة الأخرى([19]).

وإن الثمرة الأهمّ التي تترتَّب على هذا التحوُّل في الاتجاه وبناء هذا المنهج بالنسبة إلى الاجتهاد الشيعي أنه يُعفي الاجتهاد الشيعي من الخَوْض في المسائل غير المُجْدِية، من قبيل: بحث «الانسداد» في الأبحاث الأصولية، أو تطبيق وتوجيه مشكلة الإنسان المسلم في ما يتعلَّق بالواقعيات الموجودة (من قبيل: البنوك اللارَبَوية في المجتمع الإسلامي)، وتؤدّي بالفقه والفقيه أوّلاً: إلى أن يشمل الفقه والمدارس النظرية المنبثقة عن الإسلام «جميع مجالات الحياة»؛ وثانياً: «سوف يتمّ تحويل اتجاه التعامل مع الواقعيات الفاسدة إلى اتجاهٍ جهاديّ يسعى إلى تغيير الواقعية الفاسدة، وتقديم بديلٍ فكريّ متكامل لها من وجهة نظر الإسلام»، وباختصارٍ: بَدَلاً من التعاطي أو تفسير الفقه في ضوء الواقعيات الاجتماعية لا بُدَّ من اتخاذ اتجاهات مسبقة، والعمل بذلك على إصلاح الواقعيات الاجتماعية من زاوية الرؤية الإسلامية([20]).

5ـ الاتجاهات الارتكازيّة للشهيد الصدر

من خلال القراءة الدقيقة لفكر السيد الصدر، سواء في مصدر أو في منهج بناء النظام الفقهي، يمكن لنا أن ندرك أن اتجاه سماحته يشبه إلى حدٍّ كبير الاتجاهات الحديثة في مناهج التحقيق على المستوى الكَمِّي والكَيْفي.

وقبل بيان هذه الأمور يجب ـ على سبيل المثال ـ طرح هذا السؤال القائل: عندما يكون السيد الشهيد في صدد استخراج أصول الاقتصاد الإسلامي من النصوص الدينية لماذا يعمل على التعريف بالأصول الثلاثة التالية: «الملكية المتعدِّدة»، و«الحرّية الاقتصادية»، و«العدالة الاجتماعية»، بوصفها عناصر أصلية في الاقتصاد الإسلامي، ولا يعتبر التخصيص الصالح للمصادر ـ على سبيل المثال، والذي هو من العناصر الهامّة في كلّ اقتصادٍ ـ بوصفه أحد محاور الاقتصاد الإسلاميّ؟

والسؤال الآخر: كيف يعمل سماحته على تحليل الآيات والروايات الموجودة في مجال «أصل الحرّية الاقتصادية» أو «أصل الملكية المتعدِّدة»؟

قيل في معرض الجواب عن السؤال الثاني: إن اتجاهَ الشهيد الصدر اجتهاديٌّ. بَيْدَ أن للاتجاه الاجتهاديّ بدَوْره أبعاداً مختلفة أيضاً، ففي بعض الموارد يسعى المجتهد إلى حلّ المسألة على أساس الأبعاد التاريخية، وتارةً يجيب عن المسألة بواسطة تحليل فقه الحديث، وما إلى ذلك. والسؤال المطروح هنا: كيف يتمّ تحليل العناصر في اتجاه بناء النظام من وجهة نظر الشهيد الصدر؟

وفي معرض الجواب عن هذا السؤال يجب القول: إن السيد الشهيد ـ سواء في اختيار الآيات والروايات التي تحدِّد الخطوط العريضة للاقتصاد الإسلامي، أو في منهج تحليل هذه الآيات ـ لديه مناهج تحقيق ارتكازيّة، تتناسب بشكلٍ ملحوظ مع مناهج التحقيق الجديدة. ويمكن اعتبار منهجه في انتقاء المصادر متطابقاً إلى حدٍّ كبير مع أسلوب تحقيق «تحلُّل المحتوى»، كما يمكن اعتبار أسلوبه في تحليل المعطيات قريباً من «تحليل الخطاب» أيضاً.

وفي ما يلي سنعمل على التعريف بكلا هذين الاتجاهين، وكذلك تناسبهما مع مفهوم بناء النظام عند الشهيد الصدر.

أـ تحليل المحتوى

قيل في تعريف تحليل المحتوى: «إن تحليل المحتوى هو نوعٌ من تنقية البحث والتحقيق، حيث يتمّ توظيفه في التوصيف العيني والمنظم والكَمِّي حتى الإمكان لمحتوى الارتباط مع الغاية النهائية لتفسير المعطيات»([21]).

وقال الدكتور رفيع پور في تعريفه لتحليل المحتوى: «إن المراد من هذا الأسلوب هو التمكّن على أساسه من التعرُّف على الخصائص اللغوية لنصٍّ أو كلامٍ منطوق أو مكتوب، بشكلٍ واقعي أو عينيّ، على نحوٍ منهجيّ؛ للتوصُّل من خلال ذلك إلى استنتاجاتٍ بشأن مسائل غير لغويّة معيَّنة في مورد الخصائص الفردية والاجتماعية للقائل أو الكاتب، وآرائه وتوجُّهاته»([22]).

وكما يلوح من التعاريف فإن هذا الأسلوب يؤكِّد كثيراً على العناصر الإحصائية. وقد ورد التصريح بذلك في تعريفٍ آخر، حيث قيل: «إن اتجاه تحليل المحتوى هو معرفة المعاني والمفاهيم من خلال الاتجاه الإحصائيّ»([23]).

يتمّ في هذا الأسلوب ـ بعد انتقاء النصوص على أساس الضوابط والمعايير الخاصّة ـ اختيار القضايا والعناصر ذات الصلة الأوثق والدلالة الأكبر بالموضوع مورد البحث، أو التي تمتلك التأثير الملحوظ في بَلْوَرة الخطاب والمعنى، وكذلك القضايا التي تحظى بالأهمِّية الأكبر من وجهة نظر صاحب النصّ، ولذلك فإنه يؤكِّد على هذه القضايا بشكلٍ أكبر، ويتمّ توظيفها لبلورة النظريّة المنشودة.

وفي هذا السياق يؤكِّد الشهيد الصدر في البحث عن كلّ موضوع على وجود الكثير من المساحات الواسعة من القضايا والعناصر التي يمكن استفادتها من الآيات والروايات؛ لتحديد الخطوط العامّة في الدين الإسلامي. ولذلك لا مندوحة لنا من العمل على الانتقاء، وأن نختار الأحكام والقضايا النافعة في اكتشاف المذاهب والمدارس([24]). وعلى هذا الأساس يؤكِّد السيد الصدر بدَوْره في أسلوب اختيار القضايا على أن العناصر يجب أن تكون معياراً وملاكاً للعمل؛ حيث يكون لها تناسبٌ أكبر مع الموضوع مورد البحث. وإن هذا الأسلوب المذكور بدَوْره يكون هو ملاك العمل في أسلوب تحليل المحتوى، ويتمّ اختيار القضايا على هذا المنوال. ولذلك يمكن الادّعاء بأن منهج الشهيد الصدر في طريقة اختيار الأحكام والقضايا؛ لتعيين خطوط المدرسة الإسلامية، هو اتجاهٌ قريبٌ من أسلوب تحليل المحتوى في أساليب التحقيق الحديثة والعلوم اللغوية.

ب ـ تحليل الخطاب

إن تحليل الخطاب يعني تحليل الفكر والتفكير([25])؛ وبعبارةٍ أوضح: إن الخطاب رؤيةٌ وفكرةٌ تحظى بالنسبة إلى سائر الأفكار الأخرى بصفة المركزيّة والهَيْمَنة، وإن مفاهيمها الأساسية غالبةٌ على سائر المفاهيم الأخرى. ومن هنا تكتسب الدلالات المركزية في خطابٍ ما أهمّيةً خاصّة([26]).

وقيل في تعريفٍ أشمل وأجمع: إن تحليل الخطاب ـ في الحقيقة ـ عبارةٌ عن كشف المعاني والمفاهيم الظاهرة والمستترة للتيارات الخطابية، والتي تتجلّى في مختلف الأشكال اللغويّة وما بعد اللغويّة المتنوِّعة([27]).

وفي هذا المورد يؤكِّد السيد الصدر ـ في الوصول إلى القواعد الأساسية للمذهب الاقتصاديّ ـ على عدم أخذ الأحكام ودراستها بشكلٍ مستقلّ ومنفصلٍ عن بعضها، ودون النظر إلى ارتباطها ببعضها([28]).

وفي الختام لا بُدَّ من الإشارة إلى أن الآونة الأخيرة قد شهدَتْ ظهور الكثير من الجهود والأبحاث الكثيرة في مجال توظيف تحليل الخطاب وتحليل المحتوى في الفكر الدينيّ، من قبيل: كتاب «توظيف تحليل الخطاب في فهم المصادر الدينية»([29])، حيث يمكن اعتبار اتجاه السيد الصدر في اختيار وتحليل المصادر نموذجاً رائداً في مجال توظيف هذه الأساليب التحقيقية في الفكر الدينيّ. وعلى هذا الأساس فإن اتجاه السيد الشهيد الصدر في اختيار وتحليل المُعْطَى يتناسب بشكلٍ ملحوظ مع الاتجاهات الموجودة في العلوم اللغوية، حيث يمكن أن تكون مُلْهِمةً للمزيد من البيان في ما يتعلَّق بخطاب بناء النظام الفقهيّ.

6ـ استراتيجية البحث والتقييم المجموعي

يمكن القول، من خلال قراءة أفكار وآراء السيد الشهيد ـ ولا سيَّما منها كتاب (اقتصادنا) ـ: إن النموذج الذي قدَّمه في معرض التخطيط للنظام الاقتصادي وتطبيقه تركيبٌ من الاتجاهين: الاستقرائيّ؛ والقياسيّ؛ ببيان: إن سماحته يبدأ مشروعه في المرحلة الأولى بمسارٍ استكشافي، من خلال النصوص الدينية، على أساس الاتجاه الاستقرائيّ؛ وبعد استخراج مجموعة من القضايا المتناسبة مع المسألة مورد البحث يعمد إلى صبّها في قالب فرضيّةٍ علميّةٍ بشكلٍ منظَّم. وفي المرحلة اللاحقة ـ وهي المرحلة التي تشكِّل منطلقاً لحركةٍ قياسية ـ يعمل سماحته ـ من خلال الرجوع إلى النصوص الدينية وعَرْضها وإعادة النظر فيها على أساس الفكر الإسلاميّ ـ على تكميل وإثبات الفرضيّة المستَنْبَطة في المرحلة السابقة.

وفي معرض إكمال هذه الاستراتيجية يجب القول: إن الشهيد الصدر يصرِّح بأن الوصول إلى المدرسة والنظام الإسلامي في موضوعٍ خاصّ يجب أن لا يتمّ من خلال دراسة أجزاء هذا النظام بشكلٍ منفصلٍ عن بعضها. ومن هنا لا يحقّ لنا في تحليل المدرسة الاقتصادية في الإسلام ـ على سبيل المثال ـ دراسة وبحث حرمة الرِّبا أو إباحة الملكيّة الخاصّة بشكلٍ منفصلٍ ومستقلٍّ عن سائر الأجزاء في هذا البرنامج العامّ؛ كما لا ينبغي لنا تقييم مجموع الاقتصاد الإسلامي بوصفه موضوعاً مستقلاًّ ومنظومةً مستقلّةً عن سائر المؤسَّسات الاجتماعية والسياسية الأخرى في الدِّين، بل يجب العمل على استخراج الاقتصاد الإسلامي واستنباطه ضمن الإطار العامّ للإسلام، الذي يعمل على تنظيم الأبعاد والأنحاء المتنوِّعة والمختلفة من الحياة في المجتمع([30]).

ونصُّ عبارة سماحته في هذا الشأن ما يلي: «إننا في وَعْينا للاقتصاد الإسلامي لا يجوز أن ندرسه مجزّأً بعضه عن بعضٍ، نظير: أن ندرس حكم الإسلام بحرمة الرِّبا، أو سماحه بالملكيّة الخاصّة، بصورةٍ منفصلةٍ عن سائر أجزاء المخطَّط العام. كما لا يجوز أيضاً أن ندرس مجموع الاقتصاد الإسلامي بوصفه شيئاً منفصلاً وكياناً مذهبياً مستقلاًّ عن سائر كيانات المذاهب ـ الاجتماعية والسياسية ـ الأخرى، وعن طبيعة العلاقات القائمة بين تلك الكيانات، وإنما يجب أن نعي الاقتصاد الإسلامي ضمن الصيغة الإسلامية العامّة، التي تنظِّم شتى نواحي الحياة في المجتمع([31]).

إن هذا الترابط في الفكر الإسلامي بحيث يؤكِّد السيد الصدر بأن تحقُّق الرسالة الفذّة للمذاهب الإسلامية في المجالات المختلفة من الاقتصاد والسياسة وما إلى ذلك إنما يكون فيما إذا تكاملَتْ الأرضية والصيغة العامّة للمجتمع الإسلامي([32])، ولا يمكن أن نتوقَّع من الرسالة الإسلامية أن تحقِّق جميع أهدافها بمجرَّد تطبيقها في زاويةٍ من زوايا الحياة العريضة بشكلٍ منفصلٍ عن سائر مجالات الحياة الأخرى؛ إذ هناك ترابطٌ وثيق بين أجزاء المشروع والمخطَّط الإسلامي الكبير([33]). وعلى هذا الأساس يجب أخذ البرنامج والخطّة الاجتماعية العامّة للإسلام بنظر الاعتبار، لا في مجال استخراج المدارس والمذاهب الإسلامية فحَسْب، بل حتّى في تطبيق هذه المدارس والمذاهب على أرض الواقع أيضاً. وإن تطبيق المذهب الإسلامي في مجالٍ خاصّ ـ مثل: الاقتصاد ـ لن يعطي ثماره ونتائجه على النحو المطلوب.

وللمزيد في توضيح استراتيجية السيد الشهيد الصدر ـ في إطار تحقُّق العلم الديني وإنتاج الأنظمة الإسلامية ـ يجب القول: إن بالإمكان تعريف اتجاه سماحته بأنه عبارةٌ عن «الاجتهاد الشبكيّ»؛ بمعنى أنه يعمل في المرحلة الأولى على التعريف بشبكةٍ من القضايا العامة والخطوط العريضة للفكر الإسلاميّ في موضوعٍ خاصّ (من قبيل: الخطوط العامّة للاقتصاد الإسلامي، على سبيل المثال)، حيث يتمّ التعريف بهذه الخطوط العامة ـ بطبيعة الحال ـ على شكل نظامٍ منسجمٍ ومتناغمٍ يتّصف بوصف الكلِّية والتعميم. وفي المرحلة اللاحقة، واستناداً إلى هذه الخطوط العامّة، يتمّ استخراج القضايا التوصيفية والمعيارية الضرورية التي تحظى بالجزئية الأكبر. وفي هذه المرحلة يمكن اعتبار المُعْطَى المتحقِّق من مصاديق الأنظمة الإسلاميّة؛ إذ يكون قد خرج من الحالة الكلِّية والعامّة التي لا تحتوي على الثمار والنتائج المطلوبة، والأهمّ من ذلك أن القضايا التوصيفية والمعيارية التي تلبّي الاحتياجات ـ (النظرية والعملية) ـ قد تحقَّقَتْ أيضاً.

أـ اكتشافٌ أم تأسيس؟

يقع السؤال الهامّ في مورد أسلوب ومنهج تحقيق بناء النظام الفقهي حول اكتشاف أو تأسيس بناء النظام الفقهيّ؛ وبعبارةٍ أخرى: في مسار إنتاج الأنظمة الإسلامية، وفي صلب الفكر الإسلامي، هل هناك شيءٌ كنظامٍ ومدرسة، ونحن نسعى إلى استنباط ذلك الشيء واكتشافه، أم أن النظام الإسلامي إنما هو منبثقٌ عن التفكير البشريّ الحاصل من خلال تركيب وتجميع التراث الإسلامي؟

في الجواب عن هذا السؤال نقول: إن الشهيد الصدر قد فصل بين الأنظمة الإسلامية والأنظمة غير الإسلامية؛ ببيان: إنه يرى أن المفكِّر المسلم ـ الذي يسعى إلى تقديم المذهب والمدرسة الإسلامية ـ شخصٌ يقف في مواجهة مذهبٍ ومدرسةٍ قائمةٍ، وتمّ بيانها بشكلٍ كامل؛ ليرسم الجانب الحقيقي من الاقتصاد الإسلاميّ، ويعمل على تنظيم هيكله، ويكتشف أُسُسه الفكرية، ويزيح الغبار عن وجهه. وهذا في الحقيقة سعيٌ يهدف إلى اكتشاف النظرية والمدرسة الإسلامية([34]). ولذلك فإن هذا الرأي يؤكِّد على أن النظام والمدرسة الإسلامية تكمن في تضاعيف الآثار والأفكار الإسلامية، وأن سعي الباحثين يهدف إلى مجرَّد الكشف عن هذا النظام.

وفي المقابل يقع مسار استخراج واستنباط المذاهب والمدارس غير الإسلاميّة (من قبيل: الرأسمالية، والاشتراكية، وما إلى ذلك)، حيث يقوم العمل في هذه الاتجاهات على الإيجاد والإبداع؛ لأن المفكِّرين في المذهب الرأسمالي ـ على سبيل المثال ـ يسعَوْن، طبقاً لتراثهم العلميّ والتاريخيّ، إلى إنتاج النظريات والآراء، ونتيجةُ هذه الإبداعات سوف تكون تبلور الأنظمة الرأسماليّة.

يكمن التمايز الأدقّ بين هذين الاتجاهين في أن التفكير في الأنظمة غير الإسلامية المنبثقة عن الفكر البشريّ يعمل على نحوٍ شامل، وفي المسار الطبيعي؛ إذ يتمّ العمل على إنتاج النظريات بشكلٍ مباشر، حيث تمثِّل كينونات ذلك المذهب. في حين أن مسار اكتشاف المذهب الاقتصاديّ في الإسلام مسارٌ مختلفٌ عن ذلك تماماً؛ إذ المنشأ يختلف. فنحن في هذا الاتجاه ـ على سبيل المثال ـ في صدد بحث ودراسة مسألة الملكيّة من وجهة نظر الإسلام، ونقول: هل الملكيّة الخاصّة أو العامّة مقبولةٌ في الفكر الإسلامي؟ وفي معرض الإجابة عن هذا السؤال يتمّ التحرُّك من المعايير إلى مكوِّنات المدرسة الإسلاميّة؛ حيث يتّضح الجواب عن هذا السؤال ـ من خلال دراسة وتحليل الأحكام الموجودة في مورد الملكية (المعياريات) ـ في ما يقوم على خصوصيّة أو عموميّة الملكيّة، وبذلك نصل إلى النظريّة الإسلامية في هذا الشأن (الكينونات)([35]). والأمر في مورد سائر المسائل والآراء على هذه الوتيرة أيضاً، حيث الناتج الكلّي والعامّ لهذا الاتجاه يتمخَّض عن إنتاج النظريات والمدارس الإسلامية في مختلف الموضوعات. ومن هنا يكون مسار الاكتشاف في النظام الإسلامي منطلقاً من الأبنية (الضروات: الشاملة للمعايير والأحكام وحتّى القانون المدني) إلى القواعد والأُسُس (الكينونات: الشاملة للآراء والنظريات)، في حين أن الحركة في المدارس غير الإسلامية تنطلق من القواعد والأُسُس إلى الأبنية الفوقية.

وعليه يجب القول في نهاية المطاف: إن التنظير الدينيّ يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأصول المذهب؛ لأن هذا التنظير ينبثق عن الأصول والنظريات والمفاهيم الأساسية التي تبيِّنها الشريعة، وعلى هذا الأساس فإن الذي يكتسب معناه في التنظير الإسلامي هو الاكتشاف، دون الإبداع والتأسيس([36]). وهذه هي غاية الاتجاه في بناء النظام الفقهي في إنتاج العلوم الإنسانية أيضاً؛ حيث يتمّ العمل في بداية الأمر على استخراج النظام القِيَمي والمعرفي للتفكير الإسلامي في موضوعٍ خاصّ (من قبيل: السياسة أو الاقتصاد، على سبيل المثال)، وإقامة النظام المعرفي والأبنية والاتجاهات العملية على أساسه. وعلى هذا الأساس سوف يكون هناك تحوُّلٌ هامٌّ في أسلوب ومنهج استنباط فقه النظام، وسوف تكون الحركة من الأبنية (المعايير) إلى الأُسُس (الكينونات)، ولن يكون هناك اتجاهٌ جديد في الفقه فحَسْب، بل ستكون هناك حاجةٌ إلى الأبحاث المعرفية العميقة أيضاً.

ب ـ الدراسات البينيّة

على الرغم من جميع التعريفات والتفسيرات التي تمَّ بيانها في مورد الأبحاث المنهجية للعلم الديني وإنتاج الأنظمة الفقهية، يذهب كاتبا هذه السطور إلى الاعتقاد بأن النظام الفكري الغربيّ وإنْ كان يفتقر في الكثير من الاتجاهات المنهجية والمباني المعرفية إلى التناسب الضروريّ مع الفكر الإسلامي والتراث المحلي، بَيْدَ أن هذه الواقعية بدَوْرها غير قابلةٍ للإنكار، وهي أن الغرب والحضارة الغربية حاليّاً قد توصَّلَتْ إلى نقاطٍ ملحوظة في الأبحاث المنهجية والمعرفية، وبناءً على ذات تلك المباني عملَتْ على البحث والتنقيب والإجابة عن مسائلها الفردية والاجتماعية.

بعد هذه الإيضاحات يمكن للحضارة العلميّة للغرب في كلا المجالين أن يكون لها مداخل ملحوظة في إطار إنتاج العلم الديني:

أوّلاً: إن الأبحاث الإبستمولوجية التي أنتَجَها الغرب، وعدداً ملحوظاً من الاتجاهات المعرفية التي قاموا بوضعها ونقدها وتطويرها وإصلاحها (حيث تمَّتْ الإشارة إلى أربعة اتجاهات هامّة ترتبط بأبحاث التحقيق الفعلي)، بحيث يمكن لهذه الاتجاهات، ولأسلوب البحث والتحقيق والانتقادات، أن يكون لها مداخل جديرةٌ بالملاحظة في إعادة النظر في التراث الإسلاميّ والمحلّي.

ثانياً: إن الأسلوب الذي بناه الغرب من أجل الإجابة عن المسائل على أساس تراثه المعرفي يصلح لكي يكون نموذجاً واتجاهاً مُلْهِماً في التراث الإسلامي.

ومن هنا فإن العلم الديني وإنتاج الأنظمة الإسلامية وإنْ كان يأتي لغرض الاستقلال عن العلوم الغربية، بَيْدَ أن السعي البَدْويّ القاضي بإنكار جميع العلوم والحضارة الغربية لا يبدو متَّزناً، والمتوقَّع من المفكِّرين والعلماء أن تكون لديهم ملاحظاتٌ منهجية في هذا المجال.

بَيْدَ أن السؤال المطروح هنا يقول: ما هو النموذج الذي يمكن من خلاله تنقيح المداخل المعرفية والأسلوبية للعلوم الغربية، والتأكيد عليها في المراحل الأولى من إنتاج العلم الدينيّ؟

إن الإجابة عن هذا السؤال تكمن في «الدراسات البينيّة».

وباختصارٍ فإن الخطوة الأولى في إنتاج وبلورة نظريات العلم الديني تكمن في بحث المسائل النظرية والعملية الموجودة في المجتمع على شكل الدراسات المقارنة والبينيّة مع الأبحاث الغربية، حيث يتمّ التأكيد ـ بالإضافة إلى الأسلوب والمصدر الإسلامي ـ على المداخل الناجعة والمفيدة والمثمرة في العلوم الغربية؛ حيث تكون لها صلاتٌ بالمسألة المطروحة أيضاً. ومن هنا فإنه، بالإضافة إلى تبلور الأدبيّات الموضوعية القائمة على التراث الإسلامي من الناحية المنهجيّة والمرجعيّة، قد تبلورت المرحلة الابتدائية من إنتاج العلم الديني؛ حيث أثمر تراكم جيلٍ من هذه الأدبيات الموضوعية تقارباً متزايداً بين التديّن وأسلمة الأبحاث. وفي هذه المرحلة، على الرغم من الخلط المشهود بين المباني والأساليب الغربية، ولكنْ لا مندوحة ـ كما ذَكَرْنا سابقاً ـ في المراحل الأولى من إنتاج العلم الديني من الدراسات البينيّة. وتتّضح هذه النقطة بشكلٍ أكبر عند مشاهدة التيّارات المنافسة في الحضارة الغربية أيضاً؛ لأن الحضارة الغربية الراهنة مستَلْهَمة في الكثير من الموضوعات والمجالات من الحضارة الإسلامية، وترجمة الآثار المنتجة في العصر الذهبيّ من الحضارة الإسلامية، وقد حدث ما يُشبه ذلك في الحضارة الإسلاميّة؛ إذ سبق أن شاهدنا في بداية الفلسفة الإسلاميّة استلهاماً من بعض التعاليم اليونانيّة المقرونة بالعناصر الإسلاميّة في مختلف الأبعاد المعرفيّة والاعتقادية، وبعد مضيّ العديد من العقود أخذنا نشهد تبلور علمٍ مستقلٍّ باسم (الفلسفة الإسلامية).

ج ـ مدخلٌ إلى الدراسات البينيّة

إن الوضع العامّ في الوقت الراهن([37]) في ما يتعلَّق بالأبحاث على شكلٍ متعدِّد المجالات([38]) إلى حدٍّ ما؛ بالنظر إلى أن كلّ واحدٍ من المتخصِّصين في مختلف المجالات يعمل من زاويته المعرفية وأسلوبه الخاصّ بدراسة مسألةٍ أو موضوعٍ مشترك، وتكون ثمرةُ كلّ واحدٍ من الأبحاث في نهاية المطاف دخيلةً في النتيجة النهائية للبحث، من قبيل: الدراسات الأثرية، حيث يكون هناك دَخْلٌ لمجالاتٍ من قبيل: علم التربة، والتاريخ، وعلم الأحياء، والنبات، وما إلى ذلك، في النتيجة النهائية للدراسات الخاصّة بعلم الآثار([39]).

وفي الوضع الراهن يمكن لمسألةٍ واحدة، من قبيل: حقوق الإنسان، أن تخضع للبحث والنقاش في ضوء مختلف الآراء والاتجاهات الإسلاميّة وغير الإسلامية، مع فارق أنه لا يوجد في الأبحاث البينيّة الراهنة تأكيدٌ على هذا الأمر، وهو تجميع نتائج البحث في الثمرة النهائية للتحقيق، من قبيل: المثال المذكور في علم الآثار.

في تعريف الدراسات البينيّة يجب القول: «في هذا النوع من الأبحاث والدراسات يتمّ التلفيق بين المعلومات والمعطيات والفنون والأدوات والآراء والمفاهيم والنظريات المرتبطة بمجالين علميّين أو أكثر وبين مجموعة من العلوم التخصُّصية؛ من أجل تقديم فَهْمٍ أفضل؛ أو من أجل حلّ بعض المسائل العالقة»([40]).

ويمكن إرجاع الهاجس الأصلي الذي يدفع الباحثين إلى هذا النوع من الدراسات إلى محدوديّات ونقاط ضعف الانحصار ضمن الأُطُر الضيِّقة للمجال العلميّ([41]).

وبالنظر إلى اشتمال تكوين العلوم الإسلامية بالمعنى الحقيقي للكلمة على نقاط ضعفٍ أسلوبيّةٍ ومنهجيّةٍ ملحوظة، يمكن لبداية هذه الغاية مع بعض الاتجاهات والمناهج الغربية أن تضع في أيدينا مداخل جديدة، وأن تعمل على رفع بعض نقاط الضعف الأسلوبيّة أيضاً.

وفي إطار تبلور المرحلة الأولى من العلم الديني على شكل المجالات البينيّة يمكن التعريف بهذه المراحل بوصفها من الملاحظات المنهجيّة في هذا الاتجاه، وهي: التعريف بعناصر المسألة، والتعريف بالمجالات ذات الصلة، وبحث المسألة، وتقييم الرؤية المرتبطة بها، والتعرُّف على التناقض في الآراء، وبناء الأرضيّة المشتركة، والتلفيق بين الآراء، والعمل في نهاية المطاف على إدراك البينيّة في المجالات العلمية([42]).

وكما ذكَرْنا سابقاً: رُبَما كانت هناك بعض التناقضات والتعارضات المعرفية أو الأسلوبية والمنهجية، وهذا يُعَدّ من أهمّ التحدِّيات في الدراسات البينيّة؛ حيث يجب العمل في نهاية المطاف على إبداء تسلُّطٍ علميّ. فبالإضافة إلى اتجاه الدراسات البينيّ، يمكن لنظرية الأنظمة العامّة ـ على ما سبق ذكره ـ، والتي تمثِّل سَعْياً إلى تقديم رؤيةٍ كلِّية حول المسائل، أن تكون كما صرَّح «بيرتالانفي»([43]) ـ وهو مؤسِّس نظرية النظم العامّة ـ، قائلاً: «إن نظرية النظم العامّة سوف تكون أداةً نافعة لتأتي بنماذج يمكن الاستفادة منها في المجالات المختلفة»([44]). إن حُسْن الاستفادة من هذا الاتجاه سوف يكون لجهة أن الأسلوب العلمي المعروف، والذي يكون إلى حدٍّ ما مشتركاً بين الباحثين والمحقِّقين، يمكن أن يُتَّخذ بوصفه اتجاهاً ناجعاً، وأن يكون في المراحل الابتدائية من إنتاج العلم الديني للانطلاق في الحركة العلمية وإنتاج الأدبيات موضوعاً مفيداً ونافعاً، كما يمكن التأكيد على عنصرَيْ: المبادئ المعرفية؛ والمنهجية المشتركة، تحت هذا الاتجاه أيضاً.

7ـ النتيجة

إن من الأبحاث الهامّة في مورد إنتاج العلم الديني وأسلمة المعرفة الأبحاثَ الأسلوبيّة والمنهجيّة، مع توضيح كيفيّة تحقُّق العلم الديني، وما هو النموذج الذي يمكن من خلاله تحقيق ذلك؟

وفي هذا البين، وبالالتفات إلى الآراء والمباني التي يقدِّمها كلٌّ من هذه الاتجاهات بالنسبة إلى العلم الديني، تمّ التخطيط لأسلوبٍ ونموذجٍ خاصّ لتحقُّق العلم الديني، حيث يمكن في تقسيم عامّ تقسيمه إلى ثلاثة اتجاهات، وهي: الاتجاه الأدنى؛ والاتجاه الأوسط؛ والاتجاه الأقصى.

والاتجاه الأدنى يشمل: الاتجاه النصّي البَحْت، والاتجاه الغائي، والاتجاه الفردي، والاتجاه المقتَنَص، والاتجاه التنظيمي، والاتجاه الموضوعي.

والاتجاه الوسيط يشمل: تصوُّر الفرضيات السابقة، والاتجاهات التهذيبية.

والاتجاه الأقصى يشمل: التفرّع، والاتجاه التهذيبي / التأسيسي، والاتجاه المنهجي، واتجاه الدعامات الميتافيزيقية.

وفي هذا الشأن يُعَدّ منهج السيد الشهيد الصدر أحد أنجح الاتجاهات في مجال إنتاج العلم الديني؛ وذلك من خلال طرحه لأبحاث فقه النظريّة وبناء النظام الفقهيّ، حيث جاء باتجاهٍ جديد في إنتاج العلم الديني وأسلمة المعرفة.

يؤكِّد الشهيد الصدر في إنتاج العلم الديني على عنصرَيْ: المنهج؛ والمصدر، ويرى أن العلم الديني هو العلم الذي يكون أوّلاً: منبثقاً من صُلْب الشريعة، وثانياً: أن يكون الاتجاه في الاستنباط وإنتاج العلم اتجاهاً اجتهادياً.

يُضاف إلى ذلك أنه يتّضح، من خلال تحليل منهج السيد الصدر في فقه النظرية، أن سماحته واقعٌ تحت تأثير اتجاهين ارتكازيين في العلم الديني: أحدهما: تحليل الخطاب؛ والآخر: تحليل المحتوى.

وفي الختام تمّ تنقيح مراحل إنتاج العلم الديني في خطاب فقه النظرية، وذكَرْنا في هذا القسم كيفية تمكُّن السيد الشهيد الصدر من الاقتراب نحو هذه الغاية، والمسارات المرحلية التي قرَّبته من تحقُّق العلم الديني.

الهوامش

(*) أستاذٌ في الحوزة والجامعة، وعضو الهيئة العلميّة في قسم الفقه في جامعة الإمام الصادق× في طهران ـ إيران.

(**) طالبٌ على مستوى الدكتوراه في قسم الفقه ومبادئ الشريعة الإسلاميّة في جامعة طهران ـ إيران.

([1]) الاستفادة من الأساليب التعقلية والوحيانية، بالإضافة إلى المنهج التجريبي.

([2]) انظر: حسين بستان؛ محمد فتح علي خاني؛ أبو الفضل گائيني، گامي‌ به‌ سوي‌ علم‌ ديني (1): ساختار علم تجربي وإمكان علم ديني (خطوة نحو العلم الديني (1): بنية العلم التجريبي وإمكانية العلم الديني): 127، 1384هـ.ش. (مصدر فارسي).

([3]) انظر: خسرو باقري نوع برست، علم تجربي ديني: نگاهي معرفت ‌شناختي به رابطه دين با علوم إنساني (العلم التجريبي الديني: رؤية معرفية للعلاقة بين الدين والعلوم الإنسانية): 45 ـ 46، 1390هـ.ش. (مصدر فارسي).

([4]) انظر: عبد الحسين خسروپناه؛ مهدي عاشوري؛ حميد پارسانيا، توليد وتكوين علوم إنساني إسلامي: تحرير درس گفتارهاي دوره فلسفه علوم إنساني (إنتاج وبلورة العلوم الإنسانية الإسلامية: تحرير دروس مقالات دورة فلسفة العلوم الإنسانية): 70 ـ 71، إيران ـ طهران، 1392هـ.ش. (مصدر فارسي).

([5]) انظر: محمد محمد إمزيان، روش تحقيق علوم اجتماعي أز إثباتگرائي تا هنجارگرائي (منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية): 294 ـ 295، ترجمه إلى اللغة الفارسية: عبد القادر سواري، 1380هـ.ش.

([6]) انظر: المصدر السابق: 252 ـ 253.

([7]) انظر: حسين نصر، معرفت ومعنويت: 238، ترجمه إلى اللغة الفارسية وحققه: إنْ شاء الله رحمتي، نشر سهروردي، طهران، 1380هـ.ش.

([8]) انظر: عبد الحسين خسروپناه؛ مهدي عاشوري؛ حميد پارسانيا، توليد وتكوين علوم إنساني إسلامي: تحرير درس گفتارهاي دوره فلسفه علوم إنساني (إنتاج وبلورة العلوم الإنسانية الإسلامية: تحرير دروس مقالات دورة فلسفة العلوم الإنسانية): 74.

([9]) انظر: المصدر السابق: 54.

([10]) انظر: رمضان علي تبار فيروزجائي، علم ديني: ماهيت وروش شناسي (العلم الديني: الماهية والمنهج): 76 ـ 77، طهران، 1396هـ.ش. (مصدر فارسي).

([11]) عبد الله جوادي الآملي، شريعت در آيينه معرفت (الشريعة في مرآة المعرفة): 97 ـ 100، نشر رجاء، طهران، 1372هـ.ش. (مصدر فارسي).

([12]) انظر: خسرو باقري نوع برست، علم تجربي ديني: نگاهي معرفت ‌شناختي به رابطه دين با علوم إنساني (العلم التجريبي الديني: رؤية معرفية للعلاقة بين الدين والعلوم الإنسانية): 46.

([13]) انظر: عبد الحسين خسروپناه؛ مهدي عاشوري؛ حميد پارسانيا، توليد وتكوين علوم إنساني إسلامي: تحرير درس گفتارهاي دوره فلسفه علوم إنساني (إنتاج وبلورة العلوم الإنسانية الإسلامية: تحرير دروس مقالات دورة فلسفة العلوم الإنسانية): 62.

([14]) انظر: السيد محمد باقر الصدر، مقدّمه إي بر بينش‌ اجتماعي‌ إسلام‌: 1، ترجمه إلى اللغة الفارسية: کريم‌ جعفري، نشر حكمت، طهران، 1356هـ.ش.

([15]) انظر: السيد محمد باقر الصدر، فلسفه ما (فلسفتنا): 21، ترجمه إلى اللغة الفارسية: السيد أبو القاسم حسيني، پژوهشگاه علمي تخصصي شهيد صدر، دار الصدر، قم، 1393هـ.ش.

([16]) قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلاَ يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَطَؤونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (التوبة: 120).

([17]) انظر: السيد محمد باقر الصدر، بارقه‌ ها (شذرات): 106 ـ 109، ترجمه إلى اللغة الفارسية: سيد أميد مؤذني، دار الصدر، قم، 1393هـ.ش.

([18]) انظر: السيد محمد باقر الصدر، اقتصاد ما (اقتصادنا): 113 ـ 114، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محمد برهاني، پژوهشگاه علمي تخصصي شهيد صدر، دار الصدر، قم، 1393هـ.ش.

([19]) انظر: السيد محمد باقر الصدر، بارقه‌ ها (شذرات): 114 ـ 117.

([20]) انظر: المصدر السابق: 518 ـ 522.

([21]) انظر: علي كوهي نجاد؛ طوبى كوه گرد، تحليل محتوا با رويکرد کتب درسي (تحليل المحتوى من خلال اتجاه المناهج الدراسية): 26، انتشارات أکبر زاده، قاين، 1395هـ.ش. (مصدر فارسي).

([22]) انظر: فرامرز رفيع پور، تکنيك ‌هاي خاص تحقيق در علوم ‌اجتماعي (التكتيكات الخاصة للتحقيق في العلوم الاجتماعية)، شرکت سهامي انتشار، طهران، 1385هـ.ش. (مصدر فارسي).

([23]) انظر: أوليه هالستي، تحليل محتوی در علوم اجتماعي وإنساني (تحليل المحتوى في العلوم الاجتماعية والإنسانية): 13، ترجمه إلى اللغة الفارسية: سالار زاده أميري، جامعة العلاّمة الطباطبائي، طهران، 1373هـ.ش.

([24]) انظر: محمد باقر الصدر، بررسي هايي درباره مکتب اقتصادي إسلام (أبحاث حول المذهب الاقتصادي في الإسلام) 2: 28 ـ 29، ترجمه إلى اللغة الفارسية: ع. اسپهبدي، انتشارات إسلامي، طهران ـ إيران، 1357هـ.ش.

)[25]) See: Gee, James Paul. (1999). An Introduction to Discourse Analysis (Vol. 1). New York and London: Routledge.

([26]) انظر: حسن بشير، کاربرد تحليل گفتمان در فهم منابع ديني (تطبيق تحليل الخطاب في فهم المصادر الدينية): 11، دفتر نشر فرهنگ إسلامي، طهران، 1395هـ.ش. (مصدر فارسي).

([27]) انظر: حسن بشير، خبر: تحليل شبکه إي وتحليل گفتمان (الخبر: التحليل الشبكي وتحليل الخطاب): 228، جامعة الإمام الصادق×، طهران، 1389هـ.ش. (مصدر فارسي).

([28]) انظر: محمد باقر الصدر، بررسي هايي درباره مکتب اقتصادي إسلام (أبحاث حول المذهب الاقتصادي في الإسلام): 20 ـ 30.

([29]) انظر: حسن بشير، کاربرد تحليل گفتمان در فهم منابع ديني (تطبيق تحليل الخطاب في فهم المصادر الدينية).

([30]) انظر: السيد محمد باقر الصدر، اقتصاد ما (اقتصادنا): 353.

([31]) محمد باقر الصدر، اقتصادنا: 337، مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، ط1، قم، 1424هـ.

([32]) يرى سماحته أن الأرضيات والصِّيَغ العامة للمجتمع الإسلامي عبارةٌ عن ثلاث أرضيات وعناصر، وهي:

1ـ العقيدة، وهي القاعدة المركزية في التفكير الإسلامي التي تحدِّد نظرة المسلم الرئيسة إلى الكون بصورةٍ عامّة.

2ـ المفاهيم الإسلامية التي تعكس وجهة نظر الإسلام في تفسير الأشياء في ضوء النظرة العامّة التي تبلورها العقيدة.

3ـ العواطف والأحاسيس التي يتبنَّى الإسلام بثَّها وتنميتها. (محمد باقر الصدر، اقتصادنا: 338).

([33]) انظر: السيد محمد باقر الصدر، اقتصاد ما (اقتصادنا): 355 ـ 356.

([34]) انظر: المصدر السابق 2: 29 ـ 30.

([35]) انظر: المصدر السابق 2: 30 ـ 31.

([36]) انظر: رضا خراساني، روش ‌شناسي فهم اجتهادات سياسي فقيهان در چارچوب فقه ‌النظريه (منهج فهم الاجتهادات السياسية للفقهاء في إطار الفقه النظري)، روش ‌شناسي علوم إنساني 84 (21): 14، 1394هـ.ش.

([37]) على الرغم من تبلور بعض المسائل والموضوعات في بعض الأبحاث على مدار الاتجاه المذكور بشكلٍ وآخر، ولكنْ لا يزال هناك مسافة زمنية طويلة أمام تحوُّل هذا الأمر إلى خطاب، وأما الوضع العامّ فلا يعدو المجالات البينيّة.

)[38]) Multidisciplinarity.

([39]) انظر: قاسم آزادي أحمد آبادي؛ حمزة علي نور محمدي، مطالعات ميان ‌رشته‌ إي: سنجش، تحليل، شاخص‌ ها ورويکردها (الدراسات البينية: التقييم، التحليل، الخصائص والاتجاهات): 10 ـ 11، نشر كتابدار، طهران، 1396هـ.ش. (مصدر فارسي).

([40]) انظر: ألان أف ربكو، پژوهش ميان رشته‌ إي: نظريه وفرآيند (الأبحاث البينية: النظرية والمسار): 28، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محسن علي پور، پژوهشکده مطالعات فرهنگي واجتماعي، طهران، 1394هـ.ش.

([41]) انظر: محسن علوي پور؛ ليزا آر ولاتوكا، چالش‌ ها وچشم‌ أندازهاي مطالعات ميان‌ رشته‌ إي: مجموعه مقالات (تحديات وآفاق الدراسات البينية: سلسلة مقالات): 9، پژوهشکده مطالعات فرهنگي واجتماعي، طهران، 1387هـ.ش. (مصدر فارسي).

([42]) انظر: ألان أف ربكو، پژوهش ميان رشته ‌إي: نظريه وفرآيند (الأبحاث البينية: النظرية والمسار): 5.

([43]) كارل لودفيغ فون بيرتالانفي (1901 ـ 1972م): عالم أحياءٍ نمساويّ، يُعْرَف بوصفه أحد مؤسِّسي نظرية النظم العامّة. (المعرِّب).

([44]) لودفيغ فون برتالنفي، مباني‌، تکامل‌ وکاربردهای‌ نظريه‌ عمومي‌ سيستمها (تكامل وتطبيقات نظرية النظم العامة): 54، ترجمه إلى اللغة الفارسية: كيومرث برياني، نشر تندر، طهران، 1366هـ.ش.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً