أحدث المقالات

ترجمة: ضياء الدين الخزرجي

 

المقدمة ــــــــــ

من خلال قراءة واعية للتاريخ بشكل عام، يمكن أن نستنتج أن الكثير من الوقائع والأحداث ــ حيث تمثل تجارب ذات قيمة خاضتها الأمم متحمّلةً آثارها السلبية أو الإيجابية ــ ما هي إلا دروس وعبر تقع في سياق: ((إياك أعني واسمعي يا جارة))؛ فهي موجّهة بالدرجة الأولى إلى الرؤساء والحكّام وساسة البلاد في عصرنا الحاضر.

إنّ دراسة تاريخ الماضي، وتسليط الأضواء على أحداثه، ومشاهدة سياسة الحكام على مرّه، وحالات المراوغة والدجل والازدواجية لبعضهم في سياستهم، يحثنا على الاعتبار والاتعاظ بها، واختيار الأسلوب الأمثل في مسيرة الأمّة وحركتها في الحياة.

ولعلّ هناك بعض الساسة والحكّام يرفضون أيّ نوع من التدخل لذويهم والمنتسبين إليهم في الحكم، أو في البرمجة والتخطيط لرسم سياسة النظام، أو في التصرّف في خزينة الدولة وميزانيتها المالية؛ أو في إنفاق الأموال التي تعود إلى بيت المال، أو في تعيين موظّفي الدولة أو عزلهم، إلا أن النظر الدقيق للحوادث التاريخية وتجارب الماضين والسعي لمعرفة المعايير والموازين الإسلامية سوف لا يخلو من الفائدة والاعتبار حتى لهؤلاء الساسة والحكّام أنفسهم.

الحكّام والعلماء ركنان مهمّان في الأمّة ــــــــــ

روي عن النبي 2 أنّه قال: ((صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي، وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل: يا رسول الله، ومن هم؟ قال: الفقهاء والأمراء))([1]).

ومن أهمّ وأبرز علامات الصلاح في هذين الصنفين تطهيرُ محيط أسرة الحاكم والعالم من النفعيين وذوي الأطماع والمصالح، والعناصر المنتسبة لهم من الانتهازيين المنتسبين بالنسب والقرابة كالأزواج والأبناء وغيرهم من العناصر الأخرى المقرّبة من الحاكم أو العالم.

إنّ بداية الضعف والتفسّخ الذي يدبّ في النظام؛ وتفشي ظاهرة الانحراف والسقوط عند الحاكم إنما تنشأ فيما لو أجاز لأسرته وذويه الدخول إلى عرصة السياسة والاقتراب من أجهزة الحكم؛ ثم إسناد الوظائف الحكومية والمناصب العالية في الدولة لهم، وخصّهم بها دون غيرهم ممن يمتلك الكفاءة والمقدرة الإدارية في تحمّل المسؤولية، مما يقود إلى استيلائهم ــ بعد ذلك ــ على مقاليد الحكم، وانفرادهم بالسيطرة على مقدّرات الأمة، وأخذهم بزمام الأمور حتى يجرّدوا الحاكم من أي قدرة وإرادة في مواجهة الأحداث أو التغلّب عليها؛ فيتحوّل إلى لعبة يتراماها الصبيان، يملون عليه رغباتهم، فيعزلون وينصبون من يشاءون، ويعطون ويمنعون من يشاءون، وهو في ذلك كلّه خاضع لهم، كالميّت بيد غاسله، ليس له إرادة سوى الرضوخ والتسليم.

وهذا من أبشع الجرائم وأقبح الظلم الذي يمكن ارتكابه بحق الأمّة والإنسانية؛ لأنّ هؤلاء ــ في النتيجة ــ يرون لأنفسهم حقّاً على الأمة؛ وأنهم بعيدون عن أن تنالهم أيدي العدالة والعقوبة على تصرّفاتهم وأفعالهم غير الشرعية؛ ومن خلال ذلك تراهم يظهرون للأمة بأن أيّ اعتراض أو رفض ليس فقط سوف لن يلاقي آذاناً صاغية وإنما سيعرّضها لأقسى العقوبات وأبشع الممارسات.

إن الطامّة الكبرى والمصيبة العظمى تتضاعف على الأمّة فيما لو رأت الحاكم يضفي الشرعية على أساليب منتسبيه والمقرّبين منه، ويقوم بتبرير تصرّفاتهم الطائشة في الحكم، ويغضّ الطرف عن جرائمهم دون أن يتعرّض لهم بسوء، بل يقوم بالعكس من ذلك، حيث إنه يعتمد عليهم في مهامّه، وينيط بهم المسؤوليات الخطيرة في الحكم. أمّا المعارضون له، فلا يُظهر لهم وجهاً حسناً ولا بشاشة ومودّة؛ بل يريهم الغلظة والقسوة والصرامة والتأنيب.

ويزداد جور هؤلاء وتعسّفهم في حقّ الأمة؛ كلّما ازداد سعيهم وراء مصالحهم وأطماعهم الخاصة، وتحقيق أغراضهم المشبوهة، فيصل بهم الأمر إلى أنّ الفضائح لا تثنيهم، وأن الإجراءات المتخذة بحقّهم لا توقفهم عن عزمهم، ولا تؤثر فيهم([2]).

فالحاكم أو ــ بعبارة أخرى ــ المرء الذي جاء بمفرده إلى سدّة الحكم وإدارة الأمور يوماً؛ تحوّل بين عشيّة وضحاها إلى دكتاتورية وطبقة مستبدّة مسلّطة على رقاب الأمّة؛ لأنه جاء بأسرته كلّها إلى الحكم، وصار جهاز الحكم بسرعة (مافيا) يديرها هؤلاء؛ حيث يستحوذ كلّ واحد منهم على مركز مهم من مراكز الدولة، خصوصاً ما يرتبط بمقدرات الأمة ومصيرها أو بيت المال، وفي النتيجة، تدير الأسرة دفّة الحكم، وتحلّ العلاقات العائلية مكان القوانين والقرارات العقلائية؛ وتشيع في المجتمع حالات التفسخ وعدم الانضباط واللاأبالية، بل التعدّي على بيت المال والاستيلاء على أمواله وإتلافها مما يجرّ إلى التذمّر والسخط، وأخذ الرشاوى في الملأ العام، وعدم احترام ورعاية الحقوق الفردية والاجتماعية، والظلم وإيذاء الناس والضعف والعجز، وعدم الإبداع، وفقدان النشاط والحيوية؛ وإضاعة القوى العاملة وإهدارها، وتضعيف الاستثمارات الوطنية.

بالإضافة إلى ذلك، ثمّة نتائج أخرى تظهر آثارها واضحةً إثر تلك السياسات اللامشروعة واللامباركة لتلك الأنظمة وهي: استخدام القوى العاطلة والخاملة عديمة الإرادة والحركة والتي لا تمتلك أي كفاءة وقابلية على الأداء، يتبعها تسريح الطاقات العاملة والمخلصة من ذوي الكفاءة والاختصاص والخبرة؛ وإبعادها عن دورها في العمران والبناء؛ وإبقاء العمل الأساسي والمهم مطروحاً جانباً ليس له من يبادر إلى إنجازه وإتمامه.

الحلول وأساليب العلاج ــــــــــ

يبتني هذا النوع من الانحراف في نظر الإمام علي C على بعض العوامل النفسية والحالات الخلقية؛ وهي سعي الحاكم وراء المنافع وتحقيق أغراضه الشخصيّة؛ وهذه الظاهرة المرضية يمكنها أن تنتقل إلى سائر الأفراد.

لقد وضع الإمام علي C لهذه الظاهرة علاجاً، ونهىالآخرين عن التخلّق بها، فكان هذا العلاج موجّهاً أولاً إلى ذات الحاكم ونفسه ليطهّرها من الأدناس؛ لأن الحاكم أو أي مسؤول في إدارة البلاد إن لم تمنعه نفسه عن التجري والتعدّي على بيت المال ــ رغم سعيه في تضييق المسالك على غيره في ذلك ــ فلن يقدر على سدّ الأبواب أمام ذويه والمنتسبين له في الحكم، ومنعهم من الانقضاض على بيت المال، والوثبة عليه وسرقته متى ما سنحت لهم الفرصة بذلك.

ولذا قال الإمام علي C في وصيته لمالك الأشتر في هذا المجال: ((وإياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة، والتغابي عما يعنى به، مما قد وضع للعيون، فإنّه مأخوذ منك لغيرك، وعمّا قليل تنكشف عنك أغطية الأمور، وينتصف منك للمظلوم))([3]).

ولم يكن نهج الإمام علي C في التعامل مع نفسه ليسمح لذويه والمقرّبين منه والمنتسبين له بانتهاز الفرصة والقيام بأفعال غير مشروعة في الحكم، لأنهم كانوا يراقبون الإمام في تصرّفاتهم ويخافون سطوته، ولا يتجرأ أحد منهم على القيام بالتضليل والخداع؛ أو التوسل بالأساليب الملتوية لتوجيه أعماله، وقد خاطب C أهل الكوفة بقوله: ((يا أهل الكوفة، دخلت بلادكم بأشمالي هذه، ورحلتي وراحلتي ها هي؛ فإن خرجت من بلادكم بغير ما دخلت، فإنني من الخائنين))([4]).

وقد وصفه ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله: ((وكانت نفقته تأتيه من غلّته بالمدينة ((بينبع))، وهي تبلغ أربعة آلاف دينار، وفي رواية: أربعين ألف دينار، فكان ينفقها كلّها في سبيل الله، ويطعم الناس منها خبزاً ولحماً، ويأكل هو الثريد بالزيت))([5])، وهذا درس عملي منه C لذويه والمنتسبين له وحاشيته الملتفّين حوله كي لا يتوقعوا منه أكثر من حقّهم في العطاء.

إنّ الحاكم ــ مهما بلغ من الصلاح والورع وترك المراوغة والاحتيال ــ ربما يقع تحت تأثير حاشيته وذويه، فينقاد لاستغلال النفوذ والموقع في السلطة للحصول على الفوائد والامتيازات اللامشروعة على حساب الآخرين، مما يتنافى ومصالح الأمة وأهدافها.

ومعالجة هذه الظاهرة الخطرة تلزم الحاكم أن يجعل نفسه أميناً على أموال الأمّة وحافظاً لممتلكاتها، لا أن يجعل من السلطة السياسية والحكم غرضاً لتحقيق أطماعه الخاصة، أو يجعلها طعمةً له، بل يجب أن يراها أمانةً في عنقه([6])، حينها يتحتّم عليه أن يقف أمام التحديات الكثيرة المتمثلة بالاحتيالات والتصرفات اللامشروعة التي يمكن أن يرتكبها بعض النفعيين والانتهازيين، من ذوي النفوذ من الأقرباء والمنتسبين لهم وحاشيتهم في السلطة، وكذا من الخونة والمرائين وأبناء الأمراء والمسؤولين وغيرهم؛ ليقطع عليهم السبل في أن تسوّل لهم أنفسهم التطاول على القوانين؛ وارتكاب الأفعال المخالفة للشرع ومصالح الأمّة.

الاستئثار بالبطانة والخاصّة ممنوع في الحكم ــــــــــ

يقول الإمام علي C في هذا الصدد في عهده الذي عهده إلى مالك الأشتر: ((ثمّ إنّ للوالي خاصّة وبطانة؛ فيهم استئثار وتطاول وقلّة إنصاف في معاملة؛ فاحسم مادّة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال، ولا تقطعَنّ لأحد من حاشيتك وحامّتك قطيعة؛ ولا يَطمعنّ منك في اعتقاد عقدة، تضرّ بمن يليها من الناس، في شرب أو عمل مشترك، يحملون مؤونته على غيرهم؛ فيكون مهنأ ذلك لهم دونك، وعيبهُ عليك في الدنيا والآخرة))([7]).

ويتضح من كلامه C في هذه الرسالة أنّ سلامة الإدارة والجهاز الحاكم إنّما تتلخّص في أنّ على الحاكم أن لا يؤثر أحداً على الآخرين؛ ويساوي بين الناس؛ ويقف أمام حاشيته والمنتسبين له، ويمنعهم فيما إذا أرادوا التطاول على القانون وحقوق الأمّة أو الاستهانة بها، أو سلبها ثرواتها، أو تحقيق أطماعهم وأغراضهم بسبب انتسابهم للحاكم.

إنّ فسح المجال للانتهازيين والنفعيين لتحقيق أطماعهم، وترك الأبواب لهم مشرّعةً ليفعلوا ما يشاءون، لا يجرّهم إلى الضياع والانحراف فحسب، بل يسوق الأمّة نحو الظلم والحرمان وعدم الإنصاف([8])، فلا يمكن تأويل
قوله C: ((فاحسم)) الظاهرة في الأمر، وقوله: ((ولا تُقطعنّ لأحدٍ من حاشيتك وحامتك قطيعة)) الظاهرة في النهي المؤكّد إلى الكراهة، بل هي صريحة في الحرمة؛ أي حرمة السماح لهم بالتدخّل في أمور الحكم والتلاعب بمقدّرات الأمة، أو منحهم العطاء بلا رادع؛ لأنّ هذا الأسلوب في التعامل اللامشروع إنّما يخضع للعلاقات الشخصية، لا القانون والقرارات العقلائية الطبيعية، فلا مانع ــ عقلاً ولا شرعاً ــ من تسليم الوظائف الحكومية لهم ولعامّة الأمة بلا فرق بينهم، ورعاية الحاكم للمساواة وعدم إيثار ذويه والمنتسبين له على الآخرين من دون كفاءة، أو أنّه يوزع لهم الأراضي لإحيائها وإنمائها على ضوء القوانين؛ لا أن يخضع التوزيع للطابع الطائفي والقومي، أو العلاقات العائلية والقرابة!!

إنّ إضفاء تلك الصبغة على الحكم ستجرّ بالنتيجة إلى انهيار النظام كلّه، فهذا الأمر ينبغي أن يخضع للقوانين والقرارات العقلائية الصحيحة؛ وهو في غاية الصعوبة؛ ولا يمكن أن يتحمّل مسؤوليته إلا قلّة قليلة من الذين أخلصوا لله فزادهم إيماناً، لذا، فإنّ تطبيق هذه القوانين والقرارات من قبل أصحاب النفوذ والمسؤولين المعنيين بالإدارة في غاية الصعوبة؛ فلو امتلك بعضٌ هذه الخصائص فسيبلغوا غاية الصلاح والتقوى، وبالتالي سيمارسون وظائفهم بمنتهى العدل والإنصاف.

لقد حلّت بالبلاد الإسلامية بعد استشهاد الإمام علي C الكوارث والويلات؛ وعادت الطائفية والعصبية الجاهلية البغيضة إلى الحكم؛ وساد التمييز العنصري بمختلف أشكاله في الإدارة السياسية الحاكمة، وقد دلّت الشواهد والقرائن التاريخية والبراهين العلمية والعقلية على أن توزيع الثروة واستغلال النفوذ في السلطة إنّما كان قائماً على أساس العلاقات الشخصية، دون الخضوع للقوانين والقرارات التي تصبّ في إطار النظام الإسلامي؛ وخاصة فترة حكم بني أمية، الذين لم يكن لهم نظير في تاريخ الحكم الإسلامي في استخدامهم لأساليب الخداع والزيف والتضليل([9]).

السيرة النبوية ــــــــــ

نشير في هذا المقطع من البحث إجمالاً من خلال قوله تعالى: >لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة< إلى السيرة النبوية الشريفة التي تقتدي بها الأمّة الإسلامية في مسيرتها.

لقد كان النبي 2 يرفض في سيرته ودعوته مختلف أشكال الدواعي النسبية لاستغلالها في الحكم؛ أو استغلال القريبين والمنتسبين له هذه الذريعة للانتفاع اللامشروع أو العمل على تحقيق بعض الممارسات التي تدرّ عليهم الفائدة والمصلحة على حساب الآخرين، بل كان 2 يعاملهم على السواء بلا فرق بينهم؛ ((أي مساواتهم أمام القانون الإلهي، وتنـزيههم عن التعدي على أموال الأمّة)).

وقد سار الإمام علي C على نهجه وطبّق تعاليمه كلّها؛ فكان له أفضل ناصر ومعين، ووزيره الذي يفترش الأرض ويرتزق من كدحه وأمواله؛ ولا يرى لنفسه أي حقّ أو ميزة من هذه الناحية على سائر الأمة، رغم ما قام به من جهاد وكفاح لتقوية الدين وترسيخ دعائمه؛ فقد كان C يتساوى مع سائر أبناء الأمّة في الوظائف والقوانين كلّها.

وهذا بيت ابنة رسول الله 2 خالٍ من المتاع والأثاث الزائد، وبعيد عن التجمّل والترف، وتراها ترقع ثيابها وتوصلها بوصائل كما يفعل الآخرون، وقد سار بنو هاشم ــ ممن اقتدى برسول الله 2 والإمام علي C ــ أيضاً على هذا المنوال.

روي أن آية الزكاة لمّا نزلت، وكان أحد مصارفها ((العاملون عليها)) جاء أناس من بني هاشم إلى رسول الله 2 فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي، وقالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله للعاملين عليها؛ فنحن أولى به!! فقال رسول الله 2: ((يا بني عبدالمطلب، إن الصدقة لا تحلّ لي ولا لكم)) ثم قال: ((فما ظنّكم يا بني عبدالمطلب إذا أخذت بحلقة الباب، أتروني مؤثراً عليكم غيركم))!! أي إني أريد صلاح الأمّة وخيركم([10]).

وروي أيضاً أن ابن الحضرمي بعث إلى رسول الله 2 من البحرين ثمانين ألفاً ــ ما أتاه مال أكثر منه لا قبل ولا بعد ــ فنثرت على حصير ونودي بالصلاة، فجاء رسول الله 2 فمثل قائماً على المال، وجاء أهل المسجد، فما كان يومئذٍ عدد ولا وزن، ما كان إلا فيضاً.. وجاء العباس بن عبدالمطلب ــ وكان كثير العيال ــ فحثا في خميصة عليه، وذهب يقوم فلم يستطع، قال: فرفع رأسه إلى رسول الله 2 فقال: يا رسول الله ارفع عليّ! فتبسّم رسول الله 2 وقال: لم أؤمر بذلك([11]).

وقال الإمام جعفر الصادق C: لما فتح رسول الله 2 مكّة، قام الصفا فقال: يا بني هاشم؛ يا بني عبدالمطلب، إني رسول الله إليكم، وإني شفيق عليكم، لا تقولوا أن محمداً منا، فوالله، ما أوليائي منكم ولا من غيركم إلا المتقون. أفلا أعرفكم تأتوني يوم القيامة تحملون الدنيا على رقابكم، ويأتي الناس يحملون الآخرة!! ألا وأني قد أعذرت فيما بيني وبينكم، وفيما بين الله عزوجل وبينكم، وإن لي عملي، ولكم عملكم([12]).

ولهذا فرض الله تعالى على نساء نبيّه 2 أحكاماً خاصة دون سائر نساء المسلمين فقال: >يا نساءَ النبي مَن يأتِ منكُنّ بفاحشةٍ مبينةٍ يضاعَفْ لها العذابُ ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً * ومَن يقنت منكُنّ لله ورسولهِ وتعمل صالحاً نؤتها أجرَها مرتينِ واعتدنا لها رزقاً حسناً< (الأحزاب: 30 ــ 31)، والسبب في مضاعفة الثواب والعقاب مرّتين إنما يعود إلى انتسابهنّ للنبي 2.

فينبغي معرفة سرّ نجاح الرسالة التي بُعث بها الرسول الأكرم 2 أو فشلها في تأثير الحاشية والأقرباء الملتفين حوله ومدى صلاحهم أو فسادهم؛ لأنّ الأمّة تنظر لهم بوصفهم القدوة والأسوة لها؛ وأن لسلوكهم وسيرتهم دوراً هاماً في تقوية إيمان الأمّة أو إضعافه.

ولذلك لم يكن الانتساب إلى النبي 2 دليلاً لهم وذريعة لأن يكونوا أحراراً في أفعالهم وتصرّفهاتهم؛ بل يضاعف عليهم العذاب مرتين إن صدرت منهم هفوة أو مخالفة أو تعدّي على أموال الأمّة وحقوقها، ولا يكون الانتساب لـه 2 عذراً ومأمناً لهم في تجاوزهم للعقوبة الإلهية ورفعها عنهم.

روي أن رسول الله 2 أتي بامرأة لها شرف في قومها (قرشية) قد سرقت، فأمر بقطع يدها، فاجتمع إلى رسول الله 2 أناس من قريش، وقالوا: يا رسول الله!! تقطع امرأةً شريفة مثل فلانة في خطر يسير!! قال: نعم، إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا؛ كانوا يقيمون الحدود على ضعفائهم؛ ويتركون أقوياءهم وأشرافهم، فهلكوا..!!([13]).

إنّ ما نتعلّمه من النبي 2 هو أن ّعلى الحاكم والعالم والمسؤول ألاّ يسمح لحاشيته وأسرته والمنتسبين له في الوصول إلى الحكم دون توفّر الكفاءة اللازمة فيهم؛ وينبغي تطهير جهاز الدولة منهم؛ وإقصاءهم عن الحكم إذا لم يكونوا أهلاً لتحمّل الأمانة والمسؤولية، وعليهم أن يتخذوا العدل والورع والإنصاف بطانةً لهم في الحكم، لقطع الأيادي المفسدة التي تحاول التلاعب بمصير الأمّة ومقدّراتها، وسرقة أموالها، وقد أثبتت التجارب التاريخية أن التغاضي عن هذا الأمر كان قد ساق الأمّة إلى السقوط والانحراف، والضياع والانحطاط.

ما بعد الرسول.. أزمة الحواشي ــــــــــ

كان معظم مسؤولي النظام في عهد الخلفاء من المنتسبين لهم أو من أقربائهم، أو كانوا ممن ينسجمون معهم في أفكارهم ومتبنياتهم([14])؛ وقد بلغ التفضيل ذروته في فترة حكم الخليفة الثالث عثمان؛ بعد مساندة رؤساء القبائل وأشرافهم وتقديم العون والدعم التام له، فكانت سياسته امتداداً لسياسة الخليفة الثاني.

فلم يكن لعثمان أسلوب خاص في الحكم سوى الذي سنّه الخليفة الثاني عمر؛ مما دعى إلى إيجاد الطبقية، والتفضيل في العطاء، وانتهاب بيت المال، والتلاعب بمقدّرات الأمة، وإعطاء المخصّصات والمنح الضخمة لذويه وبعض منتسبيه ممن لم تكن فيهم الكفاءة والنبوغ، بل كان لهم تاريخ حافل بالجرائم والآثام؛ فمنحهم الخليفة الوظائف الهامّة والخطرة في الدولة، وأباح لهم بيت المال.

قال البلاذري: لما ولي عثمان كره جماعة من الأصحاب ولايته؛ لأنّه كان كلفاً بأقاربه، يولي منهم، ثم يجيء منهم ما يسوؤه فلا يعزلهم، وكان ولى ابن أبي سرح فظلم أهلها، وقدموا على عثمان يشكون له، فلم يعزله، وقد منح في السنوات الست من أواخر خلافته لأبناء عمومته كلّ ميزة وأمّرهم على الأمّة([15])، وكان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب قد تنبأ بذلك قبل وقوعه فقال لعثمان: إن ولّيت هذا الأمر، فاتق الله ولا تحمل آل أبي معيط على رقاب الناس([16]).

ولم تمض أيام إلاّ وقد تحققت تنبؤات الخليفة الثاني حول تلك الأوضاع، فكان أوّل ما قام به عثمان عزله الولاة والعمّال الذين نصبهم الخليفة عمر وأبو بكر، ونصب بدلهم عمالاً من بني أمية وآل أبي معيط، فاعترض عليه كبار الصحابة ومن بينهم: علي، وطلحة، والزبير، وذكّروه بمقالة الخليفة الثاني عمر، ووصيته له من قبل([17])، لكن تلك النصائح والوصايا لم تكن لتنفع الخليفة؛ بل ولم يكن يوليها أهميةً وآذاناً صاغية!! وهو في ذلك كلّه يسمّي أفعاله تلك صلة رحم، والمودّة للأقرباء والأنساب.

ويطول البحث في ذكر أسماء الأقرباء والمنتسبين للأسرة الأموية من الذين استعملهم عثمان وسلّطهم على رقاب المسلمين؛ ونكتفي بذكر جملة من كبارهم:

فمنهم: الوليد بن عقبة، وهو أخو الخليفة عثمان لأمّه؛ وقد ولاه على الكوفة([18])، فارتكب من المآثم والجرائم ما امتلأت به صحيفته السوداء، مما كانت تثير استغراب كلّ منصف وتعجّبه ليتسائل: كيف يصير مثل هذا عاملاً للدولة الإسلامية؟! وقد سمّاه القرآن بالفاسق([19])، وكان قد شرب الخمر في الكوفة ولم يقوى أحد على إقامة الحدّ عليه؛ إلا علي C، حيث أقام عليه الحدّ أمام الملأ العام.

ومنهم: عبدالله بن أبي سرح، وهو أخو الخليفة لأمّه أيضاً؛ كان كاتباً للوحي، وقد اشتبه في كتابته مرّات عديدة، ارتد وهرب إلى مكّة؛ فأباح النبي 2 دمه يوم فتحها([20])، نصبه الخليفة والياً على مصر، فشيّد فيها صرح الظلم والجور، وأراق فيها دماء سبعمائة رجل من أجل الطلب بدم رجل واحد!!، ومنحه الخليفة خُمس غنائم أفريقيا بعد فتحها([21]).

ومنهم: الحكم بن العاص، وهو عمّ الخليفة عثمان؛ وابن عمّ مروان بن الحكم، الذي أبعده النبي 2 خارج المدينة، فأرجعه الخليفة إليها ثانياً، ووهبه مائة ألف درهم([22]).

ومنهم: مروان بن الحكم، صهر الخليفة عثمان ومستشاره الأوّل؛ كان المنفّذ لأوامر الخليفة، وكان يحلّ محلّه في أموره كافّة، واذا أراد الخليفة القيام بعملٍ ما استشاره فيه؛ فأدى إلى تضليل الخليفة وخداعه؛ وقضى على كل حركة إصلاحية للإمام علي C لتهدئة الأوضاع وتسخير الأزمة المستجدة والحادّة القائمة بين عثمان والصحابة، ولم تكن نصائح علي C له تجدي نفعاً، فقال له غاضباً: فلا تكونن لمروان سيقة يسوقك حيث يشاء بعد جلاء السنّ وتقضّي العمر([23]).

ومنهم: الحارث بن الحكم، أخو مروان، ولم يكن بأقلّ خطراً على المسلمين من أخيه، فكان يبتزّ الهدايا والعطايا الضخمة من الخليفة عثمان، بلا حساب ولا كتاب.

وقد قال C فيهم: ((إني أعلم بالقوم منكم؛ إنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إني صحبتهم وعرفتهم أطفالاً ورجالاً؛ فكانوا شرّ أطفال وشرّ رجال))([24]).

لقد كان موقف الإمام علي C شفّافاً تجاه الظروف الصعبة التي كان يمرّ بها المسلمون في تلك الفترة، فقد اعترض على سياسة الخليفة عثمان مراراً، وكان يوصل اعتراض الصحابة له ليجعله على بينةٍ من الأمر.

قال الواقدي: لما كانت سنة 34هـ كتب بعض أصحاب رسول الله 2 إلى بعض يتشاكون سيرة عثمان وتغييره وتبديله، وما الناس فيه من عمّاله، ويكثرون عليه، ويسأل بعضهم بعضاً أن يقدموا المدينة إن كانوا يريدون الجهاد.. فاجتمع المهاجرون وغيرهم إلى علي C، فسألوه أن يكلّم عثمان ويعظه، فأتاه فقال: إنّ عمر بن الخطاب كان كلّما ولّى فإنما يطأ على صماخه، إن بلغه حرف جلبه، ثم بلغ به أقصى الغاية، وأنت لا تفعل، ضعفت ورفقت على أقربائك، قال عثمان: هم أقرباؤك أيضاً! فقال علي C: لعمري أن رحمهم مني لقريبة، وكان الفضل في غيرهم، قال عثمان: أو لم يولّ عمر معاوية؟! فقال علي C: إن معاوية كان أشدّ خوفاً وطاعةً لعمر من (يرفأ) ــ عبده ــ وهو الآن يبتزّ الأموال دونك ويقطعها بغير علمك، ويقول للناس: هذا أمر عثمان، ويبلغك فلا تغيّر([25]).

وهكذا تسنّم المراهقون وغير الأكفّاء السلطة، ووصلوا إلى أعلى مراتب الحكم، وكان بيدهم أمر تنفيذ القرارات، وأمر الخزينة وبيت المال والبرمحة ووضع الخطط!! ولم يكونوا ليستحوا من تصرفاتهم وقبائحهم، ولم يراعوا حرمةً لأحد في خداعهم وأضاليلهم، فكانوا يخطّطون للخليفة؛ ويصدرون الأحكام والمراسيم الحكومية باسمه دون رادعٍ منه لهم.

حتى علَت موجة غضب الأمّة واستنكارها عليه وعلى حاشيته والمنتسبين له، فتوسّط لهم الإمام عند عثمان عدّة مرات، ووعدهم الخليفة إصلاح الأمور، وانتهت الغائلة، لكن سرعان ما عادت بعد استشارة عثمان لمروان، وتفجّرت الأزمة من جديد، وإذا بالخليفة قد غيّر رأيه فيهم؛ ورفض كلّ تلك الوعود والمواثيق التي قدّمها للمعارضين، فقال له الإمام علي C معنفاً: ((أما رضيت من مروان، ولا رضي منك إلاّ بتحرّفك عن دينك وعقلك مثل حِمل الضعينة يقاد حيث يسار به، والله، ما مروان بذي رأي في دينه ولا في نفسه، وأيم الله إني لأراه يسودك ثم لا يصدرك، وما أنا بعائدٍ بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبت شرفك وغلبت على أمرك))([26]).

إنّ لحاشية الحاكم وذويه والمنتسبين له دوراً هاماً ــ بتدخّلاتهم السافرة ــ في الحكم، وفي انحراف الخليفة وإيصاله إلى الهاوية والسقوط.

قال علي C في هذا الشأن: ((ما زال الزبير منّا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبدالله فأفسده علينا))([27])، فالحاشية وأبناء الأشراف يمكنهم أن يسرقوا هذا المقام العالي ــ ((منّا أهل البيت)) ــ من بعضهم ويسوقوهم نحو الفناء والزوال، ويجعلوا خاتمة أمرهم سوءاً.

تلاعب الحاشية والمنسوبين الى الخليفة ببيت المال ــــــــــ

لقد كان هدف أقرباء الخليفة والمنسوبين له من استلام الحكم والإدارة، وكذا فرض السيطرة والاستيلاء على وظائف الدولة جمع الثروات والأموال الطائلة وتكديسها، حيث كان بيت المال مفتوحاً علىمصراعيه لهم، فلم يكن الخليفة ــ كما قال الإمام علي C ــ لوحده في هذا الوادي، وإنما قام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع([28]).

وقد أحصى العلاّمة الأميني في موسوعته القيّمة ((الغدير)) أرقاماً خيالية وعجيبة لتلك المنح والهبات والعطايا التي قدّمها الخليفة عثمان لذويه وحاشيته ــ من مصادر أهل السنة ــ فقال: وهب الخليفة عثمان إلى الحارث بن الحكم، وهو أحد أصهاره، ثلاثمائة درهم، وإلى مروان خمسمائة درهم وخُمس غنائم أفريقيا ومصر، وهي تعادل خمسمائة دينار، وأعطاه فدك([29])، ووهب مائتي ألف إلى أبي سفيان، وثلاثمائة وعشرين إلى طلحة، وخمسمائة وثمانية وتسعين درهماً إلى الزبير.

ثم أحصى العلامة الأميني المبالِغ التي أنفقها الخليفة من بيت المال بأنها تبلغ مائة وستة وعشرين مليون وسبعمائة وسبعين درهماً([30]). وهذه غير المبالغ النجومية والخيالية التي وهبها لذويه والمنتسبين له، فوهب إلى يعلى بن أمية مثلاً خمسمائة ألف دينار، ووهب لعبد الرحمن بن عوف مليونين وخمسمائة وستين ألف دينار([31]).

استخدام الثروات اللامشروعة ضدّ الحكم العلوي ــــــــــ

ساعد العطاء الذي كان يقدّمه الخليفة لذويه والمنتسبين له على إيجاد الطبقية والبرجوازية الأشرافية بين عموم الصحابة([32])؛ فكان البعض منهم ــ ولفرط غناه ــ يقوم بشتى الأساليب اللامشروعة ومنها: استخدام تلك الأموال في حرب علي C بعد استلامه الحكم، فقاموا بتجهيز الجيوش في حرب الجمل وصفين والنهروان من تلك الأموال التي كانوا قد استأثروا بها بغير استحقاق.

ومن ذلك أيضاً، ما قام به يعلى بن منبه عامل الخليفة عثمان على ((الجند))، حيث نهب أموال بيت المال واستولى عليها، ثم سيّر مائة بعير، وهي تحمل مائة ألف درهم، ودخلت إلى مكة، فلمّا رأى من يحرض على حرب علي C قال: أيها الناس من خرج لطلب دم عثمان فعليّ جهازه..

روى الواقدي قال: حدثني سالم بن عبدالله عن أبيه عن جدّه قال: سمعت يعلى بن منبه يقول ــ وهو مشتمل بصرّة فيها عشرة آلاف دينار ــ : وهي عين مالي، أقوّي من طلب بدم عثمان، فجعل يعطي الناس واشترى أربعمائة بعير وأناخها بالبطحاء، وحمل عليها الرجال بحرب علي C([33]).

وأما عبدالله بن ربيعة عامل عثمان الآخر على اليمن؛ فقد حظي هو الآخر بأموال الخليفة وعطاياه، وكدّس الثروات والأموال التي سرقها من بيت مال المسلمين، وجاء بها إلى مكّة، فلما رأى عائشة تحرّض الناس على الأخذ بثأر عثمان وتدعو لحرب علي C قام بنصرها والذبّ عنها.

قال عبدالله بن السائب: رأيت عبدالله بن أبي ربيعة على سرير في المسجد يحرّض الناس على الخروج في طلب دم عثمان ويحمل من جاء، وكان يعلى بن منبه التميمي حليف بني نوفل عاملاً لعثمان على الجند، فوافى الحج ذلك العام، فلما بلغه قول ابن أبي ربيعة، خرج من داره وقال: أيها الناس من خرج لطلب دم عثمان فعليّ جهازه، وكان قد صحب ابن أبي ربيعة مالاً جزيلاً فأنفقه في جهاز الناس إلى البصرة([34]).

ولما اتصل بأمير المؤمنين C خبر ابن أبي ربيعة وابن منبه وما بذلاه من المال في شقاقه والإفساد عليه قال: ((والله إن ظفرت بابن منبه وابن أبي ربيعة لأجعلنّ أموالهما في سبيل الله، ــ ثم قال ــ : بلغني أن ابن منبه بذل عشرة آلاف دينار في حربي، من أين له عشرة آلاف دينار؟! سرقها من اليمن ثم جاء بها، لئن وجدته لأخذته بما أقرّ به))([35])، وأعاد الإمام C تلك الأموال المسروقة كلّها إلى بيت المال([36]).

ففي الوقت الذي كان عثمان قد أباح فيه الأموال الطائلة من الذهب والفضة لأهله وأسرته وحاشيته، كان عامّة الأمة وخاصّة الشيعة تعاني الحرمان والفقر، ولم يكتف الخليفة الثالث بذلك، بل قطع الأموال التي يأخذها بعض الصحابة من بيت المال شهرياً، لأنهم كانوا من المعارضين له، ومن الذين لم يتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كابن مسعود الذي ضربه الخليفة بالسياط بتهمة الاعتراض على سياسته([37])، وعمّار بن ياسر([38])، وأبي ذر الغفاري الذي نفاه إلى الربذة فمات جوعاً وعطشاً فيها([39]).

إنّ دراسة تلك الأوضاع في تلك الحقبة التاريخية تشير إلى تطوّر الأحداث بشكل سريع من سيء إلى أسوأ، فالمسلمون لا يطيقون هذا النوع من تعامل الخليفة وحاشيته معهم، ممّا أدّى إلى تفاقم الثورة وشجب أفعال الخليفة وعمّاله، فأطاحوا بنظامه، وأدى ذلك إلى هلاكه.

وقد وصف الإمام علي C هذه الحادثة قائلاً: ((إلى أن انتكث عليه قتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته))([40]).

سيرة الإمام علي C وأسلوبه في الحكم ــــــــــ

اتبع الإمام علي C الأساليب عينها التي استخدمها النبي 2 في الحكم الإسلامي، وكذا كانت سيرة وتعاليم الأئمة G من بعده، فهم أهل بيته 2 الذين طهّرهم الله من كل رجس ودنس، وبرأهم عن كلّ ظلم وعناد، فمهما كان حجم هذا البيت صغيراً ــ وليس هو بصغير ــ ، ولكنه اتسع بالطهارة في السلوك والأسلوب، وصار قدوةً للأمم والشعوب في مسيرتها العامة في شتى المجالات([41]).

الإمام علي C ومكافحة النفعيين والانتهازيين ــــــــــ

يرى المتتبع لسيرة الإمام علي C أنه لم يكن يميّز أحداً من أفراد أسرته وعشيرته على غيرهم من أبناء الأمّة فترةَ حكمه، بل إن واقع الحال كان على العكس من ذلك، فقد واجه أقرباءه وعشيرته والانتهازيين منهم بشدّةٍ وصرامة، وأوقع بهم أقصى العقوبات لما صدر منهم من مخالفة وإساءة، فمثلاً وصلته أنباء سريّة تؤكّد بأن أحد المنتسبين إليه وكان عاملاً له، قد صدرت منه خيانة وإساءة لبيت المال فكتب اليه: ((… ولأضربنّك بسيفي الذي ما ضربت به أحداً إلا دخل النار، والله لو أن الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة، ولا ظفرا مني بإرادة، حتى آخذ الحقّ منهما))([42]).

لقد أراد الإمام علي C من وراء أسلوب تعامله، وشدّته مع أهله وأبنائه والمنتسبين إليه تعليمَ الأمّة أنّه لا ميزة لأحد على آخر بلا دليل أو برهان؛ فإنّ فاطمة عليها السلام ــ وهي ابنة رسول الله 2 ــ لو لم تكن قد استعارت القلادة من بيت المال، لكانت أول سيدة قرشية تقطع يدها([43]).

ولم يكن لأيّ أحد فترة حكمه C أن يتجرأ على الإساءة أو ارتكاب خيانة وسرقة من بيت المال، وما روي عن أخيه عقيل لشاهدٌ على ذلك، فقد استعان بالإمام علي C ليعطيه صاعاً واحداً من بيت المال زيادةً على غيره من المسلمين، لكنه C رفض ذلك…

لقد أعطى للأمة درساً عملياً وأنموذجاً حيّاً من سيرته، وقد روى صاحب النهج هذه الحادثة([44])، وذكرها عقيل لمعاوية بن أبي سفيان أيضاً، على ما نقله ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة([45]).

وروي عن عبدالله بن جعفر ــ ابن أخيه وزوج ابنته زينب عليها السلام ــ أنه بلغ به الفقر والفاقة أن يبيع علوفته [دابته]، وهي مصدر رزقه ودخله اليومي، استعان بالإمام C ليزيد في عطائه من بيت المال قائلاً: يا أميرالمؤمنين، لو أمرت لي بمعونة أو نفقة، فوالله ما عندي إلا أن أبيع بعض علوفتي، فقال له C: لا، والله ما أجد لك شيئاً إلاّ أن تأمر عمّك أن يسرق فيعطيك([46]).

وأجاب الإمام C طلحة والزبير بنفس الجواب، وواجها منه نفس الرد؛ بعد أن عرضا عليه أن يهبهما جاهاً ومقاماً دون غيرهما في الحكم.

قال اليعقوبي: وعزل علي C عمّال عثمان على البلدان، خلا أبي موسى الأشعري، وأتاه طلحة والزبير فقالا له: إنه قد نالتنا بعد رسول
الله 2 جفوة، فأشركنا في أمرك، فقال: أنتما شريكاي في القوّة والاستقامة، وعوناي على العجز والأود.

وروى بعضهم: أنه ولّى طلحة اليمن والزبير اليمامة والبحرين، فلما دفع إليهما عهديهما قالا له: وصلتك رحم! قال: إنما وصلتكما بولاية أمور المسلمين، واستردّ العهد منهما، فعتبا من ذلك وقالا: آثرت علينا!! فقال: لولا ما ظهر من حرصكما لقد كان لي فيكما رأي([47]).

لك يكن الإمام علي C ليسمح لأحدٍ من أسرته أو ذويه والمنتسبين إليه باستغلال القرابة للوصول إلى الحكم وإدارة شؤون الأمّة، إن لم يمتلكوا الكفاءة والاختصاص اللازمين لذلك، ولم يكن للشيعي على غيره أي ميزة في فترة حكمه C، وقد روي عنه أنه ردّ الطلب الذي قدّمه عبيدالله بن زمعة، وهو من شيعته المقرّبين، وهذا خير شاهد على ذلك([48]).

تربية العناصر الوفية والمخلصة ــــــــــ

لم تُبْقِ سياسة الإمام علي C الصارمة في الله، والحازمة في سبيل إحقاق الحق وازهاق الباطل، وأساليبه في الحكم أحداً من الأعوان الحقيقيين الرساليين الملتفين حوله C سوى العناصر الوفية والخيرة والكوادر المؤمنة الواعية؛ فالذين ينتسبون له Cحقيقةً هم الذين يشتركون معه في العقيدة والمبدأ، لا في سبيل الطمع والمادة، فهؤلاء حتى لو لم يمنحهم الإمام C شيئاً، فولاؤهم له وتسليمهم بالحقّ لم يكن ليسمح لهم أن يسلموه عند الوثبة، ويتركوه وحيداً ويتفرّقوا عنه طمعاً في الدنيا، وتلك الطليعة الواعية والمؤمنة هي من أمثال: عمار بن ياسر، وميثم التمار، ومالك الأشتر وغيرهم، لقد كان لتلك النخبة من الأتباع الحقيقيين للإمام علي C معاناة وابتلاءات؛ لكنهم لم يتخلّفوا عن أهدافهم ووظائفهم تجاهه، ولم تسمح لهم أنفسهم تركه والتخلّي عنه أبداً.

لقد قام C بتربيتهم وتوعيتهم حتى أوصلهم إلى تلك المنـزلة الرفيعة، وعصرنا الحاضر بحاجة إلى مثل تلك الصفوة التي طبع على جباههم شعار الشيعة فاتسموا بها بلا زيف ولا خداع، إن من افتقد في نفسه العلم والحكمة وكان مسؤولاً؛ إلا أنه لا يخشى الله في مسؤوليته وإدارته الحكم ولا يجعله نصب عينيه، ولا يفكر إلا بنفسه وحاشيته وأهله، لا يمكنه أن يدعي أنه على نهج الإمام C وسائر على خطّه، لأنه بعيدٌ عنه آلاف الفراسخ، فيكف يكون من أعوانه وأنصاره، والذابين عنه؛ وهو لا يخاف الله في حكمه؟!

إنّ الفاصلة الزمنية وتغيّر الأوضاع والظروف وتبدّلها ليس دليلاً للمتصدّين لإدارة الأمور يسوّغ لهم ارتكاب ما يريدون أو أن يختاروا أسلوباً آخر في التطبيق ويسحقوا القيم والمثل العليا بأقدامهم.

السيرة العلوية معيار لمعرفة صلاح الأفراد في الأمّة ــــــــــ

السيرة العلوية ميزانٌ للشعوب والأمم على مرّ العصور والأزمنة، ومن خلالها يمكن أن تقيّم أعمال العباد، فعلى المسؤولين والحكّام أن تنسجم أفعالهم معها، ويطبّقوها على تصرفاتهم؛ فلا يمكن لأي مسؤول أو حاكم أن ينال عطف الأمة وودّها إلا بمقدار قربه من الإمام وسيره على نهجه.

إنّ مشكلتنا اليوم تكمن في جهلنا بسيرته C وسلوكه الفردي والجماعي، وعدم اتخاذه أنموذجاً قدوة؛ لذا لا نعرف كيف نتمثل سيرته عملياً
لنطبقها في تعاملنا من خلال مسؤولياتنا ووظائفنا، فالمسؤولية وإن صغر حجمها، سرعان ما تتحوّل إلى حزب وطائفة، وصراع قومي وطبقي، ثم تفرض حصارها وتضييقها على القوانين والمدافعين عن العدالة والشرعية.

 لقد أثبت التاريخ أن الأسلوب الذي طبّقه الإمام علي C في حكمه لا نظير له في العالم، فلم يسمح أبداً لمن لا يمتلك الكفاءة اللازمة وللانتهازيين من الاقتراب إلى أجهزة الحكم، واستغلال الظروف والاصطياد في الماء العكر ــ كما يقال ــ للوصول إلى أغراضهم ومآربهم الشخصية في الحكم، ولم يكن ليفضّل أسرته والمقربين منه على غيرهم أو يمنحهم صفةً وميزة تعزلهم عنهم، وذلك مما أدّى لأن تكون حياته الغنية بالعطاء ــ في شتى جوانبها السياسية والاجتماعية وغيرها ــ أنموذجاً عالياً للمدينة الفاضلة.

ربما قال القائل: إنّ أسلوبه C حيث الاستقامة والصمود والصبر في سيرته العملية والتي قد سمّاها النبي 2 ((الشِدّة في الله)) مما لا يمكن أن تتحمّله قدرة الآخرين فيعجزوا عن اتباعه والسير على نهجه أو اتخاذه أنموذجاً، إلاّ أنه C أجاب على ذلك في إحدى رسائله([49])، فرغم الصعوبات كلّها يمكن أن تكون سيرته C نهجاً وعلماً وميزاناً تقتدي به الأمّة وتطبقه على أفعالها، فتقتبس منه الدروس والعبر، ولا يزال هناك درب طويل وطريق شاق للوصول إليه، وتحقيق الأهداف والطموحات المرجوّة.

التطرّف والطائفية في الحكم في مختلف العصور والأزمنة ــــــــــ

لقد وصل الأسلوب التقليدي في الحكم ذروته في تسليط الأقرباء غير الأكفّاء وذوي الاختصاص على مصير الأمة ومستقبلها وإباحة بيت المال لهم ليفعلوا ما يريدون، خاصّة بعد مجيء بني أمية واستيلائهم التامّ على الحكم عقب استشهاد الإمام علي C، والتاريخ غنيّ بالشواهد على ذلك مما يندى له جبين الأمّة الإسلامية والإنسانية جمعاء.

لقد شعرت الأمّة الإسلامية بعد انتهاء فترة حكم بني أمية ببعض الراحة وعدم القلق، وهذا وإن كان فيه تهدئةً للأحاسيس والمشاعر بعض الوقت خصوصاً للطبقة المؤمنة والواعية من الأمّة التي لم تكن تحتمل هولاء يرقون منبر رسول الله 2 ويتربّعون على عرش الحكم، وبيدهم مقاليد البلاد ومصير الأمّة، يتلاعبون بالدين والقيم، ثم يقلبونها رأساً على عقب!!

لكن سرعان ما تبدّد هذا النوع من الشعور، وما هي إلا فترة وجيزة حتى جاء حكم بني العباس، وتسلّط الانتهازيين والمنتسبين للخليفة وحاشيته على رقاب الأمّة، فاتبعوا أسلوب من سبقهم، ولم تكن لهم سيرة محمودة.

إن أغلب عوامل الثورات والدعوات التي ظهرت للإطاحة بالأنظمة والحكّام يعود إلى حالات التمييز والتفرقة، وتفضيل بعض على غيرهم ظلماً وجوراً، فلم يكن يشاهد أيّ أثر للسلوك النبوي 2 والسيرة الشريفة في مكان من العالم الإسلامي الواسع آنذاك، فالخلافة تحولت إلى وراثة يتناقلها أحفاد الحكّام والملوك جيلاً بعد جيل، فكان انحصار السلطة في فئة خاصّة جعلها تعاني من أزمة حادّة، وهي عدم إعطاء الشرعيّة للنظام والحصول على الرأي العام للأمّة، ولم يكن إلا السيف وحده الذي يرفع تلك الأزمات.

لقد استطاع بعضٌ من هؤلاء الحكام الحفاظَ على قدرته ومنصبه في الحكم عبر استخدام القوّة العسكرية وفرض الرقابة المشدّدة على الأمّة، للدفاع عن موقعه ومواقع المنتسبين له والقيام بترسيخ تلك المواقع؛ لكي لا يتعرض للأخطار، وحينها لا يواجه الحكّام أي مخاطر يمكن أن يتعرّض لها حكمهم، ولا يهدّدهم أي شعور بالقلق فيما لو وجّهت الأمة انتقاداتها اللاذعة إليهم أو طرحت بعض التساؤلات حول سياساتهم القائمة وتصرّفات بعض المسؤولين في النظام.

إنّهم ــ ورغم تلك الانتقادات جميعها ــ يديرون الحكم دون أي خوف أو شعور بالقلق؛ فيحصدوا ثروات الأمة وخيراتها بلا رادع، خصوصاً مع مساندة وعّاظ السلاطين الذين وضعوا الأحاديث الكاذبة عن النبي 2 لإضفاء الشرعية للواقع القائم، ولتبرير بعض الأفعال اللامشروعة للحكّام، والحصول على الامتيازات والثروات الطائلة، وإرضاء الخليفة في ذلك.

فمن تلك الأحاديث قولهم: لا تسقط إمارة الأمير شارب الخمر، المتجاهر بالفسق والفجور، ويجب اتباعه في الحرب والسلم، فإن ارتكابه شرب الخمر والسكر… أمور تعود لذاته وشخصه، ولا علاقة لها بالحكم والسلطان([50]).

فإذا كان الأمر كذلك،ولم يكن شرب الخمر مانعاً عن الإمرة على المسلمين، فإنّ إعطاء المسؤوليات لغير الأكفاء والانتهازيين والنفعيين والمنتسبين للحاكم وحاشيته جائزٌ من باب أولى، وليس هناك من داع للاعتراض على ذلك، ولا منع.

أما النتائج الأخرى التي يمكن أن تثمر عنها سياسة إعطاء المناصب الحساسة في الحكم للأقرباء الذين لا يتمتّعون بكفاءات لازمة ولغير الأكفّاء من الحاشية، ومنحهم الوظائف والمسؤوليات المهمّة والخطيرة في الحكم على مرّ العصور والأزمنة وتعدّد الفترات التاريخية، واختلاف الحكومات الطائفية فهي: تشريع القوانين الجائرة، وزرع بذور التفرقة وانتهاج سياسة ((فرّق تسد)) بين الأمّة، واختيار بعض العناصر الفاسدة وإعطائها المسؤوليات، والقضاء على الحركات الإصلاحية التي تدعو إلى الحق والحرية والعدالة وتأمين حرّيات الشعوب، ودفع الرشاوى والأموال الضخمة، وتفشّي المحسوبيات بلا رادع أو خوف من الرقابة والملاحقة؛ لأن المفتشين إنما يختارهم النظام حسب ما يرتضيه؛ ومهمّتهم التغطية على الجرائم التي يرتكبها المسؤولون بحقّ الأمّة.

إنّ نوع الحكومات وسياساتها التي تمثّلت في بني أمية وبني العباس والحكّام في ايران في العهد الصفوي والقاجاري وغيرهم إنما هي نماذج وأمثلة على ما ذكرناه من حالات الفوضى والتسلّط والاستيلاء على الحكم، وظهور حالات التمييز والفرقة، وانعدام المسؤولية والتوازن في المعادلات السياسية والاجتماعية، وقد أدّى أخيراً إلى الثورة ضدّ قلاع الظلم، والإطاحة بالأنظمة الحاكمة الطاغوتية.

ولنتجاوز في هذه المرحلة الأمثلة والنماذج المذكورة، والتي نقلها لنا التاريخ حول أنظمة بني أمية وبني العباس، ونكتفي بذكر بعض الأساليب العملية لبعض الحكّام في إيران، حيث ثقلت تلك الروح الإيرانية الواعية بآثامهم، وبآثارهم المخرّبة والمضرة التي تركت بصماتها على صعيد الأمّة الإيرانية المسلمة.

العصر القاجاري أنموذجاً ــــــــــ

يروى ــ على سبيل المثال ــ أن فتح علي القاجاري، أحد ملوك السلسلة القاجارية في إيران، تزوّج مائتي مرّة؛ وكان لزواجه طابع سياسي؛ فزوجاته تنتسب إلى رؤساء القبائل والعشائر والإقطاعيين وغيرهم، فولد له أكثر من مئة وسبعين ولداً وبنتاً، وتوسّعت العلاقات في البلاط الحاكم، وأخذ يزداد عددهم بالأصهار والأبناء والزوجات، وتحول الزواج إلى وسيلةٍ للتقارب مع مراكز الحكومة والسلطة التي توزّعت في مختلف البلاد وأكنافها، وأخذت كلّ منها تفرض سيطرتها على منافسيها المحلّيين لتنحيتهم عن الحكم والسيطرة عليه، ثم يسعى كلّ منهم للاقتراب من بلاط الحكم باستخدامهم الأساليب المضلّلة واللامشروعة، واستغلال نفوذهم للوصول إلى أهدافهم، دون إظهار التكالب والتناحر بشكل مباشر بينهم وخوض الحرب، أو تجهيز الجيوش للقتال وإراقة الدماء، فتحوّل البلاط الإيراني إلى طبقة من الأشراف والأقرباء.

ففي النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، تولّى عبدالله ميرزا الذي لم يتجاوز السادسة عشر من عمره الحكمَ على زنجان، وحسام السلطنة، وهو حفيد فتح علي شاه، على خراسان، وسيف الله ميرزا، الابن الثاني والأربعون لفتح علي شاه، على قزوين، والشيخ علي ميرزا، الابن التاسع له، على ملاير وتويسركان لمدة ستة وعشرين عاماً، وعبدالحميد ميرزا، الحفيد الآخر، على بروجرد وهمدان و..([51]).

واتبع هؤلاء الأمراء وأبناؤهم القاجاريون الأسلوب عينه الذي اتخذه فتح علي شاه في الحكم، وساروا على سيرته ونهجه، وكان لهم أقارب في كلّ مكان، قد أوكلوا لهم إدارة الحكم في البلاد، فالأمير الميرزا حسن علي، حاكم فارس، كان له ستة وعشرون ابناً، وكلّ منهم له جهة معينة يحكمها في فارس، وحسن علي شجاع السلطنة، الابن الآخر لفتح علي شاه، الحاكم على خراسان كان له ستة عشر ابناً، ومحمد تقي ميرزا ملك آرا، الابن الآخر له، الحاكم مع أبنائه الستة والعشرين على مازندران، والأمير محمد علي ميرزا الحاكم مع أبنائه الأربعة والعشرين على كرمانشاه، والشيخ علي ميرزا مع أبنائه الثمانية والأربعين على بروجرد ونواحيها، والخان لُر ميرزا مع أبنائه على جنوب لرستان، و..([52]).

لقد اتخذت هذه الأسرة الحاكمة والطبقة الأشرافية شتى الحيل والوسائل في جمع الأموال والضرائب وتكديس الثروات، ولم يكن لهم أيّ دور في بناء البلاد وعمرانها، وإزالة الفقر والحرمان، وحلّ معاناة الأمة ومشاكلها، بل كان أسلوبهم هامشياً وبسيطاً في مواجهة الأحداث، وخلاصته: جمع الخراج والضرائب.

فالمهمّ أن تصبّ تلك الأموال كلّها في خزائنهم، وتصل مقرَّ الحكومة، ولا يوجد هناك أي تحسّب للقلق والخوف في هذا المجال ليهدّدهم، فلم يكن لحاكم البلاد أن يفكّر بكيفية وصول هذه الأموال، أو من أي جهة أو طبقة أرسلت، وهي مما أخذه غصباً من الأمّة، وما هي الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها الأمة؟ لأنهم يعتقدون أن الناس عبيد لهم؛ وأن هذه الأموال التي يبعثها لهم عمّالهم هي أموالهم، ثم يقولون بلا وجل ولا حياء: لماذا يجب إنفاق أموالنا هذه الخاصّة بنا على الأمّة لتنتفع بها؟!([53]).

لذا، كانت الدولة إذا خصّصت ميزانيةً لصرفها في إنماء البلاد وعمرانها، تتطاول إليها سريعاً أيدي المنتسبين للحاكم وحاشيته، لتُصرف في شهواتهم وملذاتهم قبل أن تصل إلى محلّها الأصلي([54]).

 وأما حصّة الأمة من ذلك كلّه فكان دفع الضرائب والخراج، والخضوع والطاعة للحكّام وحاشيتهم والمنتسبين لهم، ومشاهدة تصرّفاتهم في أخذ الرشاوى، وإضاعة الحقوق العامّة، والإساءة إلى الأمّة، والإفساد، وهدر ميزانية الدولة في انفاقها على ملذاتهم وشهواتهم، والاستيلاء على الوظائف الحكومية، من أعلى مستوى في الدولة إلى أقلّه، للسيطرة على بيت المال واستغلاله بلا رقابة أو متابعة لهم من أحد.

فقد روي أن ناصر الدين شاه خصّص ميزانيةً سنوية قدرها ستمائة ألف تومان للحاج الميرزا آقاسي وأسرته، وهو أضخم مبلغ تمنحه الدولة في ذلك الوقت، وقد أنهك هذا المبلغ وأمثاله خزينة الدولة وقصم ظهر النظام.

ولم يكن علاج تلك المفاسد التي استشرت في المناصب والرتب العليا في الدولة سهلاً وممكناً، فقد قام الميرزا تقي خان المسمى بأمير كبير فترة صدارته بخدمات جليلة في إيران؛ حيث فرض الرقابة على جباة الضرائب وسعاة الأموال وغيرهم من المسؤولين في الدولة، وعلى التصدير والاستيراد والصنائع، وكذا على الأموال التي تخصّ حاشية الملك والمنتسبين له، ولم يكتف بذلك، بل قام بقطع المرتّب الشهري الذي كان يتقاضاه الآقاسي ومن على شاكلته، وتقليل ميزانية الأموال الخاصّة بالملك نفسه أيضاً([55])، وأحبط الكثير من المؤامرات والمعاهدات والمواثيق الخيانية، وحارب تفشّي الرشوة في البلاد.

 ولكنه لم يستطع أن يمضي في سيرته الحسنة فترةً طويلة، حيث لاقى مصيره، واغتيل على أثر خيانة حاشية الملك وأذنابه الذين رأوا أن مصالحهم أصبحت مهدّدةً يحدق بها الخطر، وقد تعرضت البلاد بعد غيابه لصراع حاد على السلطة، ولم تمض أيام قلائل إلا والميرزا آقا خان النوري ــ الذي خطط لقتل أمير كبير والذي كان ينافسه على منصب الصدارة ــ يعقد معاهدة باريس، ويوقّع عليها مقابل رشوة قدّمت له قدرها خمسمائة ألف ليرة إنجليزية([56]).

العصر البهلوي ــــــــــ

لم يكن الوضع في إيران في العصر البهلوي أحسن حالاً من قبل، فلكلّ من الملك وأفراد أسرته وحاشيته بلاطٌ خاص بهم؛ وقد كان هذا رسماً موروثاً من العصر القاجاري، وكانت الوظائف الحكومية الهامّة والخطرة تناط ببعض المنتسبين للحاكم، ولم يكن تعيين الموظفين في الدولة إلا بإذنهم أو بأخذهم الرشاوي لتعيينهم في الحكم، فكان عاملاً على عدم ازدهار البلد وتطوّره، وبالتالي عدم تربية الطاقات ونموّها.

إن هدف الملك من ذلك كلّه كان السيطرة والحفاظ على قدرته ونفوذه في الحكم، فكان يشترط على الموظّفين في الدولة الحفاظ على منافع النظام وتأمين مصالح المَلِك، ولذا فإن التعيين في وظائف الدولة كان يقوم على أساس العلاقات والمحسوبيات، وحالات التملّق، لا على أساس تحمل المسؤولية بأمانة وكفاءة([57])، مما أدى في النتيجة إلى الاختلاس، والفساد المالي، والخلقي.

يقول حسين فردوست في مذكّراته حول نظام الشاه في إيران: اطّلعت على آلاف حالات الاختلاس والارتشاء بين الرتب العالية والمناصب الحكومية في الدولة، وذلك أثناء عملي في المقرّ الخاص في دائرة الأمن والتحقيق الشاهنشاهي؛ ففي السنوات الثلاث عشرة من رئاسة وزراء هويدا، كانوا كلّهم يسرقون، ولم يكن هويدا على استعداد لتغيير تلك الأوضاع([58]).

لقد وصل الفساد المالي والتفسّخ الأخلاقي والإداري وحالات الاختلاس والخيانة في الحكم ذروته؛ حتى تحدّثت عن ذلك الكتب والمقالات التي نشرت في الصحف والمجلات في الخارج([59]).

وقد صور الكاتب المصري حسنين هيكل تلك الأوضاع أثناء مشاهداته لإيران، وما رآه من حالات الفساد الإداري والبذخ والطيش الذي لا حدود له ولا يمكن وصفه، في تفشيه بين أوساط الرتب العالية في الحكم، منها ما أعلنت عنه الصحافة والإعلام الغربيين في تلك الفترة عن شراء أسرة الشاه البهلوي والمنتسبين له من ذوي النفوذ والسطوة القصورَ المشيدة والفخمة في لوس انجلس وسان فرناندو وغيرها… كلّ يوم بواسطة أحد المنتسبين للعائلة المالكة الشاهنشاهية أو أحد رجال الأعمال المعروفين والمتنفّذين في بلاط الشاه([60]).

ثم ذكر هيكل مؤسسة البهلوي، وهي مؤسسة خيرية في الظاهر، تأسّست عام 1957م، وكان لها نفوذ واسع في الحياة الاقتصادية في البلاد، وكانت تعمل في الخفاء، حتى تحوّلت إلى امبراطورية اقتصادية واسعة في البلاد وخارجها.

وقد أحصيت أموالها حتى عام 1979م حوالي ثلاثة مليارات دولار، وقد استولت على 80 % من مصانع الإسمنت، و70 % من أسهم وحصص الفنادق والسياحة والاصطياف؛ و62 % من أعمال وأسهم البنوك والضمان الاجتماعي؛ و40 % من مصانع الأقمشة، و35 % من مصانع الدرّاجات النارية وغيرها([61]).

أما حالات البيروقراطية المفرطة، وأخذ الرشاوي، وغياب الوازع الديني والتغافل والتسامح في المبادئ الدينية والاعتقادية، فهي أيضاً نتائج أخرى لتلك السياسة الحاكمة آنذاك في البلد، وقد أدّت أخيراً إلى الانفجار والثورة.

دراسة في العصر الحاضر بعد الثورة الإسلامية في إيران ــــــــــ

اكتسبت الثورة الإسلامية منذ نجاحها وتأسيس الجمهورية الإسلامية سمتها الإصلاحية في شتى المجالات، ومنها: إصلاح نظام الحكم والنظام الإداري، وكسر طوق الحصار والاستبداد الفردي لتلك الأسر الحاكمة التي لم تتوفّر فيها الكفاءة السياسية اللازمة في إدارة البلاد؛ وإعطاء الأهمية الخاصة للثقافة والتنمية السياسية التي كانت من أهدافها الرئيسية، وفسح المجال أمام الملتزمين الأكفاء لاستلام تلك الوظائف والمسؤوليات، وسلب الوظائف والمسؤوليات من أنصار العهد البائد المنحرفة، وهذه هي أهمّ منجزات الثورة، التي أدت إلى إصلاح الكثير من الأمور التي تعاني منها البلاد.

وقد تسبّب وجود بعض أنصار النظام السابق وتغلغلهم في الجهاز الاداري في العديد من المشاكل والمعضلات في البلاد، والتي منها التضخم الشديد في الميزانية في السنوات العشرة الأولى من قيام الثورة الإسلامية في إيران، فهم ورغم النفقات التي تنفقها عليهم الدولة، لم تكن تتمثل فيهم الكفاءة والاستعداد والتفوق في الإدارة، فكان هذا أحد الموانع التي عرقلت مسيرة الثورة ووقفت أمام عجلة التطور والرقي والازدهار في إيران.

لقد ولى عصر الاستبداد والتسلّط الطبقي والطائفي للنظام الشاهنشاهي البغيض، وتم القضاء على احتكار الوظائف في نطاق الأسرة المنتسبة للشاه، ولكن بقي النظام التنفيذي والإداري يعاني من ثلاث مشاكل أساسية هي:

1 ــ إدارة المؤسّسات.

2 ــ أساليب إدارة العمل.

3 ــ الطاقم الإداري ونوعية الموظفين واستخدامهم في الدولة، حيث كانت الحاجة ماسّة إلى التحوّل والتغيير في هذا المجال.

إنّ ازدياد عدد السكان، واتساع نطاق عمل الدولة، خاصّة في المجال التنفيذي والاقتصادي، كان عاملاً في ازدياد عدد الموظفين الذين استخدموا للعمل في الدولة، وقد ذكرت الإحصائيات الأولية عدد الموظفين في الدولة والبلدية عام 1980م حوالي 1.115.340 موظفاً، وتضاعف هذا العدد مرتين عام 1987م، حتى وصل الى 2.104.667 موظفاً، وقد ظهر هذا التضخّم واضحاً في طاقم الشركات الحكومية والمؤسسات التابعة للدولة، أما على مستوى القطاع العام فقد ازداد عددهم منذ عام 1976م من 1.673.000 موظف إلى 3.460.000 في عام 1986م([62]).

أما المسألة المهمة التي عانت منها الدولة، فهي ذلك التضخم الذي أشرنا إليه وآثاره السلبية على الوضع الاقتصادي للبلاد، فالحكومة وإن كانت لها قاعدة شعبية، ولم يكن الحكم وراثياً، وأن مسؤولي النظام وعلى رأسهم قيادته الحكيمة منـزهون عن النوايا السيئة؛ لكن النفس الأمارة والغفلة عن المبادئ الدينية والثقافية والابتعاد عن السيرة العلوية قد تكون سبباً في ممارسة بعض المتصدّين أساليب مشابهة لأساليب النظام السابق.

وتقضي الضرورة في هذه المرحلة باستخدام الأساليب الصحيحة والمتقنة لتطبيق العدالة والأمن، والقيام بالإصلاحات الجذرية والشمولية في البلاد؛ لذا ينبغي معرفة أساليب السيرة العلوية ليتمّ تطبيقها؛ وكذا إعمال الدقة وبُعد النظر في انتخاب المسؤولين، والحذر من توظيف العناصر المرتبطة بالنظام السابق أو المتعاطفين معه للتصدّي للمسؤوليات المهمة في الحكم، وكذا العناصر التي لا تمتلك الكفاءة اللازمة في الإدارة؛ لأنّ ذلك ــ وكما هي رؤية الإمام C ــ باعث على زوال الدول والحكومات، أو مفضٍ إلى ضآلة دورها في الأمّة، قال C: ((يستدلّ على إدبار الدول بأربع: تضييع الأصول، والتمسك بالفروع، وتقديم الأراذل، وتأخير الأفاضل))([63]).

ان الثورة الإسلامية في إيران تجربة ثمينة ومناسبة لتطبيق السيرة العلوية؛ وذلك من خلال توظيف العناصر المؤمنة والواعية والطاقات الخيرة والخبرات من ذوي الكفاءة والاختصاص، للابتعاد عن التلاعب والتمايل بالقوانين والعلاقات الخاصة والتهرّب من القانون، أو اتخاذ الحكم والمسؤولية وسيلة رخيصة للوصول إلى الأهداف اللامشروعة.

لقد كان الإمام الخميني P من الشخصيات النادرة؛ حيث اتصفت حياته بالزهد، فلم يكن ليسمح لأسرته وأبنائه بأن يطمعوا بالحكم وبيت المال، وكانوا منـزّهين عن تلك الأفعال، وقد نشأوا نشأةً إسلامية، ويمكن الوقوف ببساطة ووضوح علىهذا الأمر من خلال بعض الحوادث أيام حياة الإمام الخميني، منها عندما حامت وكثرت الشائعات حول السيد أحمد الخميني نجله، فكتب رسالة دفاعية عن ابنه، لا من جهة أنه أب ووالد له، بل لأنه مسلم يريد الحفاظ على سمعة مسلم آخر، فشهد له في تلك الرسالة أمام الله تعالى، موضحاً أن السيد أحمد لم يكن ليخالف أباه في حياته… ثم شرح حالته المادية والاقتصادية والاجتماعية قائلاً: وأما ما نسبه بعض معارضي الثورة حول السيد أحمد ووضعه المادي والمعاشي فأقول: إنه لا دخل له أبداً في أموري المادية والمالية الخاصّة بي، وأمّا بيت المال والحفاظ عليه فهو موكول لبعض السادة الأفاضل من ثقاتي، وأنا أعلن للجميع أن السيد أحمد ليس له أي أسهم وأموال في المصارف والبنوك الداخلية والخارجية، ولا في أي مكان آخر، وليس له أراضي زراعية وبساتين وأبنية وغيرها في الداخل والخارج، وإن ظهر له أموال وثروة من بعدي في الداخل أو الخارج فعلى المسؤولين والمعنيين في ذلك أخذ الإذن من الفقيه وملاحقته، أو تصادر أمواله، على أمل أن يطبق جميع مسؤولي الجمهورية الإسلامية القوانين؛ ويراعوا القرارات الإسلامية والشؤون الاجتماعية، والاحتراز عن تقديم العلاقات الشخصية في أساليب الحكم([64]).

إن الاطّلاع على هذا الأسلوب في التطبيق وإدارة الحكم لا يترك أيّ عذر لأحد في القول بأن الحكم العلوي والأساليب المتبعة آنذاك لا يمكنها أن تطبق الآن لتقطع أيادي العناصر المنحرفة في الحاشية والنفعيين والانتهازيين وأبناء المسؤولين والمترفين، فهذا لا يمكن تطبيقه وتحقيقه، لكن التجربة الإسلامية وعلى رأسها قائد الثورة ومؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني قد أثبت في سيرته وأقواله عن إمكانية ذلك؛ لأنّ المهم هو امتلاك البصيرة والإرادة، والخوف من الله تعالى، والإجابة دون التواء ومراوغة عن بعض التصرّفات حين المساءلة من دون تبرير الأخطاء واختلاق الأعذار لها.

إن السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية الذي اتبع مسيرة الإمام الخميني وسار على نهجه لهو مثال آخر على تطبيق الحكم العلوي، فهو سائر بكل إخلاص ووفاء على طريق الخميني وخطاه، إنّ المتتبع لسيرة السيد علي الخامنئي العملية يرى حياة الزهد وعدم سماحه للمقربين والمنتسبين له بانتهاج السياسة الانتهازية واستغلال الظروف للوصول إلى الحكم، وقد أوصى في منشوره الحاوي على المواد الثمانية للسلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، بضرورة العمل الجادّ والمنظّم في شتى المجالات لمكافحة أي نوع من الفساد الاقتصاي والمالي، حيث جاء فيه: ينبغي التقليل من الفاصلة الزمنية البعيدة بين النظام الإسلامي الحالي والنظام العلوي، ورفع لواء العدل واتخاذ السيرة العلوية نهجاً وسلوكاً لاتباعها، وقد ورد في المادة السابعة من هذا المنشور: ينبغي مكافحة التمييز بأنواعه، ولا يستثنى في ذلك أي مؤسسة حكومية أو جهاز إداري، ولا يحقّ لأي أحد اختلاق الأعذار والذرائع الواهية ونسبتها لي أو لسائر المسؤولين للتخطّي عن القوانين؛ أو للهروب والابتعاد عن الرقابة والمحاسبة، بل ينبغي مكافحة الفساد بصورة عادلة بكل أشكاله في كل مكان ومنصب([65]).

لقد كان الأسلوب المتبع في السابق هو منح الحصانة القانونية لكلّ أفراد الأسرة الحاكمة والمنتسبين لهم، وعدم تعرّضهم للعقوبة أو الملاحقة القانونية في حال ارتكابهم جنحةً سياسية أو جريمة تستحقّ العقوبة، وعدم ملاحقتهم ومراقبتهم ومساءلتهم عن أمورهم المالية ومصدرها، وكأن القوانين إنّما تفرض على الضعفاء لا غير، وعليهم فقط التسليم والخضوع لها.

لكن، بعد مجيء الثورة الإسلامية في إيران؛ ورحيل الإمام الخميني، حقّق السيد الخامنئي انجازات مهمّة في مسيرة الثورة، منها: أنه أبطل تلك الأساليب والوسائل المتبعة في السابق بلا استثناء، وأكّد على مكافحة الفساد في شتى الميادين، في ما يعني الأمة والمسؤولين في النظام بلا فرق في ذلك، وقد ورد ذلك كلّه في دستور البلاد؛ حيث صرح في المادة (142) منه بأنّ التحقيق لإحصاء أموال القائد، ورئيس الجمهورية، ومعاونيه، والوزراء وأسرهم والمسؤولين، سواء قبل التصدّي للحكم أو بعده، إنما هي من وظائف رئيس السلطة القضائية، وذلك للتأكّد والاطمئنان من عدم وجود شبهة في أموالهم بعد التصدّي للمسؤولية، أو أنها ازدادت بطرق غير معلومة خلافاً للحقّ.

إن امتلاك العناصر المؤمنة من ذوي الكفاءة والرتب العالية في الدولة والوظائف الحكومية لوثائق مؤيّدة لمقدار ما يمتلكوه من ثروة منقولة أو غير منقولة يمكن أن يحدّ من الكثير من المنافع الخاصة لبعضهم، ويقف أمام أطماعهم وأغراضهم اللامشروعة، ويعيد أمجاد السيرة العلوية إلى الأذهان من
جديد.

السعي لإصلاح بيوت العلماء ــــــــــ

سبق وأن استعرضنا في بداية البحث ضرورة وجود العناصر الكفوءة والمؤمنة في الأماكن الحسّاسة من الدولة، ولزوم تطهير بيت العالم وبلاط الحاكم من الحاشية النفعيين والانتهازيين من المنتسبين لهما، وقد اختصّ الكلام بالحكّام ومَن حولهم، وهو يعمّ أيضاً بيوت العلماء وأسَرهم.

وينبغي التريّث والمزيد من التأمّل هنا؛ نظراً لأهمية العلماء والمراجع في المجتمع الإسلامي الشيعي، ودورهم في هداية الأمة وتعيين مصيرها، وكذا نظرة الأمّة إليهم بوصفهم قدوتها في مسيرتها العامّة.

إن لأبناء المراجع دوراً هاماً في إنجاح المرجع أو فشله؛ فهم بمثابة القدوة للأمة وسائر العلماء، وأفعالهم الحسنة تزيد في صلاحهم، وبالتالي في رفعة سمعة المراجع وعزتهم وجلالتهم، والعكس صحيح، فعدم كفاءتهم ــ أي المراجع ــ تؤدي إلى عزلهم عن الأمة وضعف ارتباطهم بها، مما يسبّب إضعاف هذا الجهاز المقدّس، ويؤدّي إلى الغموض وطرح علامات الاستفهام حوله، وبالتالي سيؤثر على الوعي والالتزام الإسلامي، وخاصة لدى الطبقة الواعية والشابة.

ولكن العكس من ذلك يؤدي إلى نتائج باهرة، فإنّ حياة الزهد وقيام أبناء المراجع باستخدام الأساليب الفكرية الصحيحة والمتقنة، يمكن أن تبدّل مرارة الحياة إلى حلاوة خاصة لطلاب العلوم الدينية والطبقة المستضعفة، وإنّ الخروج عن حالة التقشّف والزهد وحصول أيّ انحراف فكري لهم، سيتبعه انحراف الأمّة وسقوطها والإضرار بها وبالجهاز العلمائي نفسه.

وقد حذّر الشهيد المطهري في أكثر من خطاب من مغبة وقوع هذا الأمر، ومن النتائج التي يمكن أن تنشأ عن حياة الترف والبذخ، والاستيلاء على بيت المال واستغلاله من قبل أبناء المراجع وحاشيتهم فيما مضى، فقال: إنه لمن المؤسف والمؤلم أن ترى الأمّة بأمّ أعينها أبناء وأحفاد بعض مراجع التقليد العظام وحاشيتهم يرتكبون الأفعال الشنيعة والأثيمة، كالاختلاس من بيت المال، والإخلال بميزانية الحوزة، حتى ترى أنهم يعيشون بها لسنوات طويلة في ذروة الإسراف والبذخ دون أن تنفذ، ألا تروا مدى الأضرار الفادحة التي أصابت الحوزة والسلك العلمائي بسب أفعال هؤلاء؟!([66]).

واستعرض العلامة كاشف الغطاء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والفراغات الموجودة في حوزة النجف، وتاريخ الحوزة العلمية في العراق لفترة محدودة من الزمن، حيث تلقت في العشر سنوات التي عاصرها ضربات وهزات إلحادية ومنحرفة عنيفة كانت موجّهة ضدها، امتدت آثارها إلى بيوت بعض العلماء والمراجع، فأثرت عليهم، حتى أنّ بعض أبناء المراجع من ذوي البيوتات المعروفة ومن كبار علماء الحوزة قد انحرفوا، وساروا في هذا الاتجاه، مما كان له أثر كبير في اتساع حالة الاضطراب والإلحاد في الطبقة الشابة من الأمة.

يقول الباحث العربي طلال العتريسي: شكى العلامة كاشف الغطاء الأزمات المالية التي عانت منها المدارس الدينية عام 1953م، كذلك تفشّي الأفكار الإلحادية والشيوعية بين أوساط الأمة، وقد استمرت هذه الحالة حتى الستينات، أي ما بعد سنة 1960م، ودخلت آثارها بيوت بعض المراجع والعلماء وطلاب العلوم الدينية أيضاً، فأحسّ العلامة بخطرها وضرورة مكافحة تلك الأفكار المضلّلة والمنحرفة ومواجهتها، بعد أن أخذت تهدّد الطبقة الواعية والشابة في المجتمع، فكان أشدّها خطراً ــ حيث شكّل عاملاً مساعداً على إيجاد حالة الاضطراب وضعف الاعتقادات والمبادئ الدينية بين الشباب ــ ميل أبناء بعض العلماء والمراجع في المدن الكبيرة نحو الإلحاد والشيوعية وقبولها([67]).

ويشير هذا إلى مدى الخطر الذي كان يهدّد بيوت العلماء والمراجع، وضرورة الحذر والإشراف التام من قبل المراجع وسائر العلماء للتصدّي لهذا التيار، ومراقبة أولادهم وأسرهم لئلا يقعوا في مخالبه.

إنّ أبناء المراجع والعلماء ينبغي أن يكونوا القدوة الصالحة للأمّة في سجاياهم الأخلاقية، ونظرتهم الشمولية للأمور، واستيعابهم للأحداث السياسية والفكرية، وهذا ما يؤدي بالتالي إلى عدم نفوذ أصحاب المطامع الدنيوية، والأثرياء والمتموّلين والانتهازيين والنفعيين بينهم، ومراقبة الأجانب من الدخول إلى حريم المرجعية النـزيهة، وغلق الأبواب أمام وصولهم إلى أهدافهم الشريرة، ومنع نشر أفكارهم المنحرفة والضالّة في المجتمع الإسلامي.

ويمكن القول: إن هذه المشكلة إنما تنشأ أحياناً من حالة التواضع والابتعاد عن التظاهر والبروتوكولات وبساطة الجهاز العلمائي للمرجعية، أي إدارة بيوت المراجع والعلماء بكل سهولة وبساطة ويسر، دون الأخذ بنظر الاعتبار الرقابة ــ مثلاً ــ وتشخيص العناصر المشكوكة التي تتردّد على بيوت المراجع، وهي تحمل نوايا غير سليمة.

فهذه الظاهرة وإن كانت في نفسها من نقاط قوة جهاز المرجعية حين النظر لحيثيات كثيرة لا يسع المجال لذكرها في هذا البحث، ولها ميزاتها الخاصة بها، لكنها تؤدي بالتالي إلى تسليم مسؤولية هذا الجهاز وما يرتبط به إلى أبناء المراجع والمنسوبين لهم، فيقوم هؤلاء بأداء دور المسؤولية، لكن دون برمجة أو خطّة موضوعة ومدروسة من قَبْل لضمان سلامة جهاز المرجعية من الأمراض والآفات، بل لأداء وظائفهم حسب رغباتهم وأهوائهم.

وفي مقابل هذا الوضع، ثمّة شواهد وأساليب ذكية في التاريخ لبعض المراجع العظام في التصدّي للمسؤولية وإحالتها إلى أبنائهم، ومتابعة أعمالهم، أو التصدي لحالات الانحراف في أفعالهم، فقد اعترض الوحيد البهبهاني (1205هـ) على ابنه، عندما رأى زوجته ترتدي ثياباً فاخرة، فقال: هؤلاء ــ أي الفقراء ــ وضعوا عيونهم علينا ليقتدوا بنا، فإذا طالبت امرأة زوجها الفقير بأن يشتري لها ثياباً لترتديها، فإنه يجيبها: إننا لسنا أغنياء، بل نعيش كما يعيش الوحيد البهبهاني!! فآه ثم آه!! من ذلك اليوم الذي نكون فيه كالأغنياء والأثرياء!! فما نحن فيه من البساطة والزهد الذي هو الأمل الوحيد للفقراء الذي يمكنه تخفيف الصدمة عليهم ويواسيهم، سيزول أيضاً([68]).

وعرف الشيخ الانصاري بالشدّة والغلظة نفسها في إنفاق الأموال الشرعية وصرفها، فكانت أمّه([69])وزوجته([70]) غالباً ما تلومانه على ذلك، لكنه لم يعرهما أهمية، مع العلم أنّه كانت تصله مائة ألف تومان سنوياً، لكنه كان يعيش عيشة الفقراء([71]).

أما السيد حسين البروجردي فقد كان منع أولاده من الإشراف أو التدخّل في أموره المادية والأموال الشرعية وصرفها، وكان يرفض دعوة الناس لأولاده بـ((أولاد آية الله))([72]).

ولم يغفل الإمام الخميني ــ رغم انشغاله بالتدريس والسياسة ــ عما يدور حوله من تصرّفات مشاوريه وأفراد أسرته؛ فإذا أراد توظيف بعض في بيته للقيام ببعض المهام، فإنه يختار من يتصف بالكفاءة والتدين والشعور بالمسؤولية ونزاهة الأهداف في العمل وتمحّض النوايا لخدمة الإسلام، لا الوصول إلى الجاه والمال أو إلى مناصب في الحكم، وكان الإمام يراقب حركاتهم ويتابع أعمالهم، ولا تأخذه في محاسبتهم لومة لائم، ولا يراعي في ذلك النسب والقرابة.

روى أحد مقرّبيه ــ وكان هذا في الأيام الأخيرة وأثناء توقّفه في قم وقبل نفيه إلى تركيا ـ: جلست أتحدّث مع اثنين من مرافقيه، ودار حديثنا حول أنّ الإمام الخميني ربما لا يعجبه أسلوبنا وطريقة عملنا، ويتضايق منها أحياناً، لكنه يستحي أن يحاسبنا عليها، فيغضّ الطرف عنها، وهو يرفضها في قرارة نفسه، وبعد أن ذكرنا ذلك له قال: لا داعي لهذا الكلام، فإنني متى وجدت منكم خطراً يضرّ بالإسلام فإني أطلب منكم المغادرة فوراً([73]).

وكان الإمام الخميني شديداً في محاسبة أولاده في قضايا الأموال الشرعية التي تصله من الأمة، وكان يتابعهم فيها، ويضع الرقابة المشددة عليهم حتى أن أبناءه كانوا يعيشون كسائر طلاب العلوم الدينية، بلا فرق بينهم، ويتقاضون راتباً شهرياً من الحوزة العلمية كما يأخذه الآخرون، وقد استمرّ أسلوبه هذا إلى آخر عمره الشريف([74]).

وكان ابنه الأكبر السيد مصطفى يساعده أسبوعياً في أعماله، فيعطيه أبوه مبلغاً صئيلاً من المال مقابل ذلك، ولم يكن يعطيه مالاً أكثر من حاجته يومياً، فعندما أراد الحج، باع بيته وأعطته زوجته أموالاً خاصّة بها وذهب إلى الحج، وكان P يذكّرهم دائماً بأنه لا يسمح لهم باستعمال التلفون في أعمالهم الشخصية، وكان يسمح بالاتصال داخل النجف فيما يخصّ نشاطه فقط، ولا يجيز الاتصال تلفونياً بكربلاء أو بأي محافظة أخرى في العراق وغيره، وقال لابنه يوماً: لا يحقّ لك استخدام التلفون والاتصال بطهران أو أي بلد آخر، وإنما يجوز لك ذلك فيما اذا كان للموضوع علاقة بالثورة، ويمكن بث الأخبار والبيانات من خلاله([75]).

خلاصة وخاتمة ــــــــــ

خلاصة ما ذكرناه في هذا البحث أنّ عزة الأمّة وكرامتها وصلاحها إنّما تنشأ من صلاح الحاكم والعالم والحاشية ومن حولهم من المنتسبين لهم، وكذا عدم سماحهم لأسرهم وذويهم والمنتسبين لهم باستغلال بيت لمال، أو تجميع الأموال وتكديس الثروات، وإن هذا الأمر ممكن بالفعل وليس فقط بالقوة، وسيرة علي بن أبي طالب مثال جليّ على ذلك.

وقد سعى الحكّام العدول إلى تطبيق تلك السيرة العلوية في حكمهم وتحقيق أهدافها السامية، وقد نجحوا في هذا الأمر بمقدار الاندفاع والرغبة في تحقيق ذلك. أما إذا كان العكس من ذلك وكان هدف الحكّام السعي وراء الأطماع الدنيوية والأغراض الشخصية والمصالح الذاتية فإن ذلك سيكون باعثاً على الضياع والحرمان وسوء المنقلب، خصوصاً إذا كانت الحاشية وأبناء المسؤولين والمنتسبين لهم ــ من غير الأكفاء وذوي الاختصاص ــ قد سلطوا على رقاب الأمّة ومقدّراتها.

وربما يقوم الحكّام والعلماء بوظائفهم في إصلاح الأمة وتقديم الخدمات لها، لكن غفلتهم عن الحاشية والمنتسبين لهم في عدم أداء دورهم في إصلاح الأمة، والاستفادة اللامشروعة من نفوذهم، واستغلال موقعهم في الحكم لتحقيق أطماعهم الشريرة، ربما يؤدي إلى مضاعفات غير محمودة، وتعرّض المجتمع الإسلامي لأقصى الضربات وأشدّها من جراء هذه السياسة المنحرفة.

وعليه، من الضروري تطهير حاشية وأسرة العالم والحاكم وإصلاحهما، بل هو أمر حياتي، وإن الذين يصغون لآراء المعزولين عن الأمة هم في غفلة عما يحيط بهم، ويظنون أن الصلاح في كلّ ما يقولـه حاشيتهم، فإنهم لو تركوا الحب والبغض جانباً، وفكروا في عواقب الأمور قليلاً لرأوا غير ذلك، ورأوا الحقائق كما هي.



[1]) تحف العقول: 50.

[2]) قال الشاعر الإيراني سعدي: اصطاد الملك أنوشيروان صيداً في البرية ولم يكن لديه ملحاً، فأرسل غلامه ليأتي له بالملح، فقال له أنوشيروان: اشتر الملح بمبلغ لكي لا تكون سنّة ورسماً، وتفسد القرية، فقالوا: وما وجه الفساد فيها؟ قال: كان بناء الظلم في العالم حقيراً، فأضاف عليه كل من جاء إلى العالم حتى صار بهذا المستوى، وقال : لو تناول الملك تفاحةً من بستان رعيته، فغلمانه سيقطعون الشجرة من أصلها، ولو أخذ السلطان خمس بيضات ظلماً، فإن جيشه سيشوي بالسيخ ألف دجاجة!!

[3]) نهج البلاغة، الرسالة: 53.

[4]) محمد رضا الحكيمي، محمد الحكيمي، علي الحكيمي، الحياة:260 ـ 259؛ ومناقب ابن شهرآشوب 2: 98. وشرح النهج لابن أبي الحديد 2: 300؛ ومصطفى دلشاد الطهراني، السيرة النبوية، المجلد الأول.

[5]) ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة: 200؛ وابن عبد البر، أسد الغابة 4: 102.

[6]) نهج البلاغة، الرسالة: 5.

[7]) نهج البلاغة، الرسالة: 53.

[8]) السيد عبد المحسن فضل الله، نظرية الحكم والإدارة في عهد الإمام C لمالك الأشتر: 117.

[9]) محمد تقي الجعفري، حكمة المبادئ السياسية في الإسلام: 258.

[10]) المجلسي، بحار الأنوار 8: 47، و96: 75.

[11]) داوود فيرحي، القدرة، العلم، الشرعية في الإسلام: 163، اقتباساً من الكاندهلوي؛ حياة الصحابة: 29، 223.

[12]) بحار الأنوار 21: 111، و71: 188، و96: 233؛ وصفات الشيعة: 84.

[13]) مستدرك الوسائل 3: 216.

[14]) تاريخ اليعقوبي: 42.

[15]) البلاذري، أنساب الأشراف 5: 26.

[16]) المصدر نفسه: 30.

[17]) المصدر نفسه: 16.

[18]) المصدر نفسه: 33؛ وتاريخ اليعقوبي 2: 165.

[19]) طبقات ابن سعد 2: 161.

[20]) ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة 2: 309.

[21]) المصدر نفسه؛ وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 158.

[22]) أنساب الأشراف 5: 28.

[23]) المصدر نفسه: 25.

[24]) نصر بن مزاحم، وقعة صفين: 489.

[25]) ابن الاثير، الكامل في التاريخ4: 1689 ـ 1688، ترجمة: د. محمد حسين الروحاني.

[26]) المصدر نفسه 4: 1708 ـ 1707.

[27]) نهج البلاغة، الحكمة: 353.

[28]) نهج البلاغة، الخطبة: 3.

[29]) أنساب الأشراف 5: 52؛ وابن قتيبة، المعارف: 195؛ والعقد الفريد 2: 261.

[30]) موسوعة الغدير 8: 261.

[31]) المصدر نفسه؛ ومروج الذهب للمسعودي 2: 339؛ وشرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 1: 67.

[32]) مروج الذهب 2: 339.

[33]) المفيد، حرب الجمل: 140، ترجمة: مهدي دامغاني.

[34]) المصدر نفسه: 39.

[35]) المصدر نفسه: 140.

[36]) ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة 1: 270.

[37]) أنساب الأشراف 5: 30 ـ 36.

[38]) المصدر نفسه: 48.

[39]) تاريخ اليعقوبي 2: 149.

[40]) نهج البلاغة، الخطبة: 3.

[41]) قال علي C: ((لا يقاس بآل محمد 2 من هذه الأمة أحد… هم أساس الدين وعماد اليقين، المغالي فيهم ماحق، والمتخلّف عنهم لاحق))، نهج البلاغة، الخطبة: 5.

[42]) نهج البلاغة، الرسالة: 41.

[43]) ابن شهر آشوب، المناقب 2: 108.

[44]) نهج البلاغة، الخطبة: 224.

[45]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 11: 453 ـ 454.

[46]) ابن هلال الثقفي، الغارات 1: 66 ـ 67.

[47]) تاريخ اليعقوبي 2: 179 ـ 180.

[48]) نهج البلاغة، الخطبة: 232.

[49]) نهج البلاغة، الرسالة: 45.

[50]) الأحكام السلطانية: 20.

[51]) صادق زيبا كلام، التراث والحداثة: 147، اقتباساً عن محمد رضا فشاهي، نشأة الاستثمار في ايران: 270، مطبعة غوتنبرغ، طهران، 1981م.

[52]) المصدر نفسه؛ والتاريخ السياسي والمنظمات الاجتماعية الإيرانية في العصر القاجاري: 85 ـ 86.

[53]) مرتضى الراوندي، التاريخ الاجتماعي لإيران: 1016.

[54]) نشأة الاستثمار في إيران: 51.

[55]) أمير كبير وإيران: 269.

[56]) التراث والاستعمار: 503، هاشمي رفسنجاني؛ وأمير كبير بطل المقاومة ضد الاستعمار.

[57]) أحمد علي مسعود الأنصاري، أنا وأسرة البهلوي:18، إعداد: محمد البرقعي وحسين سرفراز.

[58]) حسين فردوست، ظهور وسقوط النظام البهلوي 1: 268.

[59]) جلال الدين المدني، التاريخ السياسي المعاصر لإيران: 139 ـ 140، الهامش رقم: 3.

[60]) محمد حسنين هيكل، الرواية التي لم ترو: 214 ـ 216، إيران، ترجمة حميد أحمدي، طهران، إلهام، 1983م.

[61]) المصدر نفسه: 175؛ ومينو صميمي، خلف ستار الطاووس: 170 ـ 173.

[62]) محمد باقر حشمت زاده، الثورة الإسلامية في إيران دراسة وتحليل: 385 ـ 386.

[63]) غرر الحكم 2: 276.

[64]) صحيفة النور17: 91، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني.

[65]) صحيفة جام جم، العدد 285، المصادف 11 أرديبهشت عام 1380 هـ. ش.

[66]) المرجعية والعلماء: 194؛ وعشر مقالات: 147.

[67]) مجلة الحوزة، العدد 7: 56 ـ 57، اقتباساً عن مجلّة الثقافة الإسلامية، العدد 41: 131، ملحقية الجمهورية الإسلامية الإيرانية الثقافية في دمشق، ومقالة طلال عتريسي نقلاً عن تجربة الثورة الإسلامية في العراق عام 1920، أحمد الكاتب.

[68]) مرتضى مطهّري، إحياء الفكر الإسلامي: 78؛ وسيرى در نهج البلاغة 7: 228.

[69]) حياة وشخصية الشيخ الأنصاري 7: 59.

[70]) المكاسب 1: 128 ـ 129، مقدّمة وتصحيح وتعليق: الكلانتر.

[71]) الشيخ محمد العراقي، دار السلام: 553.

[72]) مجلة الحوزة،العدد 43: 284.

[73]) أحداث خاصّة عن ماضي حياة الإمام الخميني 1: 27، ذكريات السيد رسولي.

[74]) المصدر نفسه 4: 133.

[75]) سيماي فرزانكان: 423.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً