أحدث المقالات

مطالعةٌ فقهية في القواعد الشرعية

السيد مجتبى حسين نجاد(*)

1ـ إشكالية البحث

بعد التقدُّم العلمي، خصوصاً في العلوم الطبيعية، كعلم الحياة، ظهرت موضوعات جديدة غير مسبوقة. لذلك على الفقهاء وعلماء علم الحقوق، مع مساعدة الخبراء والاخصّائيين في هذا الفنّ، أن يطالعوه بالدقّة. وتكنولوجيا الاستنساخ البشريّ (coloning) أحد الموضوعات اليومية المطروحة، التي تستوجب التطرُّق إليها من الجوانب العلمية والفقهية والحقوقية والاجتماعية و…. هذا المصطلح (Coloning) مشتقٌّ من «كلون» من الجذور اليونانية، ويعني الافتسال والبرعمة والانقسام. وكلونينك عبارةٌ عن القطع والانقسام([1]). والاستنساخ نوعان:

النوع الأوّل: الاستنساخ الجنينيّ (Embryonic cloning): في هذه المرحلة تحثّ الخلية على الانقسام، وتُقسم إلى قسمين قبل أن تصل إلى مرحلتها الجنينية. وبينهما مشابهة تامة من ناحية وراثية (D.N.A)، ويكون التوأمان نتيجة هذه العملية في العالم.

النوع الثاني: الاستنساخ العلاجيّ (Therapeutic clonin): يستخدم في علاج الأمراض المستعصية، مثلاً: حين تنتج الخلايا الدموية البشرية الترياق تبدأ الخلايا السالمة تنتج العضو السالم أو الخلايا الدموية، والتي لها قدرة في إنتاج الترياق.

النوع الثالث: الاستنساخ التوالديّ (Reproduction cloning): تستخدم هذه العملية في توليد الإنسان والحيوانات المتشابهة([2])، والتي سندرسها في بحثنا هذا.

الاستنساخ البشري هو خلق نسخة من إنسانٍ دون آخر، واستخدام منيّ الرجل وبويضة المرأة. وفي هذه الحالة تفصل نواة خلية من الشخص المانح (الذي يتمّ الاستنساخ على خلاياه)، ثمّ تدخل هذه النواة في بويضة انفصلت نواتها. بعد ذلك تتعرض للمواد الكيمياوية والصدمة الكهربائيّة، وتندمج نواة الشخص المانح مع بويضات المضيف، ويبدأ الانقسام. وحين يتمّ انقسام البويضة الناضجة تزرع في رحم المرأة بطريقةٍ طبية خاصة (تقنية النقل النووي). وذلك يسمّى بالاستنساخ التناسلي أو التوالديّ. يتمّ اللقاح الطبيعيّ عبر لقاح خلية منيّ الرجل مع بويضة المرأة. يبلغ عدد كروموسومات الخلايا الجنسية لكل موجود نصف كروموسومات سائر خلايا جسمه. وعلى سبيل المثال: للإنسان 46 كروموسوماً، بينما يصل عدد خلاياه الجنسية إلى 23 كروموسوماً، ويكتمل هذا العدد عبر لقاح الكروموسومات، ويتولد جنين له نواة من 46 كروموسوماً. وذلك يعني مشاركة نواة البويضة والمنيّ في توليد الجنين. ولكنْ لا تلعب البويضة دَوْراً أساسياً في توليد الجنين عبر عملية الاستنساخ البشري؛ إذ قد انتزعت نواة البويضة، ولها دَوْرٌ في نموّ الجنين فقط. وعلى صعيد آخر ليس هناك ضرورة لحضور المنيّ بعد لقاح نواة خلية غير جنسية تتضمَّن 46 كروموسوماً داخل البويضة. ويلعب صاحب نواة الخلية في ميزات الجنين فقط، بينما مانح الخلية يمكنه أن يكون الأنثى أو الذكر([3]).

في العقدين الأخيرين وردت الأخلاق إلى علوم عديدة، نحو: الفلسفة واللاهوت والطبّ والحقوق وعلم الاجتماع والسياسة. وصار لها تواجد بين جميع الاختصاصات الجامعية. والاستنساخ من المسائل الأخلاقية البيئية، وله أرضية فلسفية وكلامية وفقهية وحقوقية. وتطرح حوله أسئلة معقّدة شغلت أذهان العامّة، خصوصاً على صعيد الفقه والحقوق، ومن أهمها: حلية أو حرمة الاستنساخ البشري. ومن أهمّ ميّزات هذه الدراسة، مع الالتفات إلى الأحكام الثانوية، أنها تدرس الاستنساخ البشري مع تطبيق على القواعد الأربعة، وهي: لا ضرر، كرامة الإنسان الذاتية، حرمة الإخلال بالنظام، والعدالة الإنسانية، وتستنتج حرمة الاستنساخ البشري نظراً للأحكام الثانوية. وندعي بالجرأة والشجاعة التامة أنه لم تتمّ أيّ دراسةٍ حول الاستنساخ البشري من هذه الناحية.

2ـ الآراء حول حكم الاستنساخ البشري

الرأي الأوّل: الحرمة

حرَّمت الكنيسة الكاثوليكية الاستنساخ البشري، وأعلنت أنه تدخُّل في أمر الله. وأسندت ذلك إلى دلائل عديدة، ولها صبغة كلامية وأخلاقية. وأهمّ دلائلها هي نقض الكرامة الإنسانية وذرائعية الإنسان وتضاؤل دَوْر الأسرة([4]). كما رفضَتْه الكنيسة البروتستانتية، وتعتقد أنه يخالف كتاب الإنجيل المقدس في تعاليمه على صعيد الأسرة والعلاقة بين الأب والأم والولد. كما تعتقد أنّ الإنسان في الحقيقة يمثِّل دَوْر الله تعالى بالاستنساخ البشريّ([5]). على ما يبدو يرفض علماء أهل السنّة أيضاً كلّ أشكال من الاستنساخ البشريّ. يذهب فقهاء أهل السنّة إلى أنّ الاستنساخ البشري حرامٌ؛ للأدلة المختلفة، ومنها: التدخُّل في أمر الله، الفساد في الأرض، وتغيير سنّة التنوع والخلق، وإيجاد الخلل في معتقدات المسلمين. وقاموا بردود الفعل عبر الفتاوى والبيانات والقرارات. وهذا الموضوع واضحٌ كضوء الشمس، وليس محلاًّ للنقاش أبداً([6]). ومنهم: شيخ الأزهر محمد حسين طنطاوي([7]) والمفتي السعودي عبد العزيز بن باز، اللذان أكَّدا على حرمته الحتمية([8]). وبعضهم وجَّهوا اتهام المحاربة إلى القائمين بهذا العمل([9]). وقد خالفته الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلاميّ (أهل السنّة) بكلّ صراحة. ووافقت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية (أهل السنّة) على حرمة الاستنساخ البشريّ([10]).

ومن جانبٍ آخر، ومن بين فقهاء الشيعة، حرّمه الشيخ التبريزي؛ بسبب تشويش النظام الاجتماعي واضطرابه([11]). كما حرَّمه العلاّمة محمد مهدي شمس الدين من فقهاء الشيعة، بالتزامن مع فتوى العلاّمة فضل الله، القاضي بحلّيته، وأكّد على حرمته الحتمية والمطلقة([12]).

الرأي الثاني: الحلية المطلقة

أجازته مجموعة من فقهاء الشيعة، ومنهم: السيد السيستاني والسيد الموسوي الأردبيلي والشيخ النوري الهمداني والسيد الروحاني؛ نظراً لقاعدة الحلية هذه: «كلُّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه، فتدعه»([13]).

الرأي الثالث: حلّية أوّلية، وحرمة ثانوية

أجازت مجموعة من فقهاء الشيعة الاستنساخ البشريّ بالحكم الأوّلي، ومنهم: السيد صادق الشيرازي والسيد كاظم الحائري، استناداً إلى قاعدة الحلّية هذه: «كلُّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرامٌ بعينه، فتدعه». ولكنهم حرَّموه بالحكم الثانوي؛ بسبب تداعياته السلبية ومفاسده الحالية والمترقبة، ومنها: اختلاط الأنساب، تزلزل نظام الأسرة، تشويش النظام الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسياسيّ، وعدم تشخيص الظالم والمظلوم، و…([14]).

3ـ الحكم الأوّلي للاستنساخ البشريّ

قبل تبيين هذا الموضوع من اللازم أن نتحدث عن ماهية الاختلاف بين الأحكام الأولية والثانوية. ومن منظور الفقه ينقسم الحكم الشرعي من عدّة حيثيات، ومنها: تقسيم الحكم حَسْب الأحوال والظروف الحاكمة على المكلّف. ومن هذا المنظور ينقسم الحكم إلى: الأوّلي؛ والثانوي. والأحكام الأولية الواقعية أمرٌ يدلّ على أفعال المكلَّف فقط حسب عناوينه الأولية، دون اهتمام بوضعه الاستثنائيّ وحالته الصعبة. مثلاً: يجب الوضوء للصلاة. ولكنّ الأحكام الثانوية الواقعية هي أحكامٌ تترتب على الموضوع حسب الاضطرار وسائر عناوينه الثانوية. وبعبارةٍ أخرى: تسمّى الأحكام الثانوية، وتجب على المكلَّف بسبب عوامل تسنح له. مثلاً: الإكراه والاضطرار والعسر والحرج، أو بسبب عناوين مثل: النذر والعهد واليمين والتقية. وعلى سبيل المثال: إنّ حكم الصوم في شهر رمضان هو الوجوب، ولكنه ليس واجباً على الشخص المضطر والمريض وكبير السنّ. وسبب تسميته يرجع إلى أنّه في طول الأحكام الأولية([15]). وببيانٍ آخر: تشمل الأحكام الأولية المصاديق الخارجية كلها كقضية ثابتة، ولكن تظهر الأحكام الثانوية بشكل قضية حينية وصفية مادامية([16]).

لا رَيْبَ في أنّ الموضوعات الجديدة، كعلم الحياة، والتمسُّك بأصل الإباحة وقاعدة الحلية، وأيضاً قبول الأحكام الأولية في البداية، تُعَدّ خطوة أولى. وأجاز الشيخ الطوسي التخلّي عن هذا الأصل في حالة إقامة الدليل الحاسم فقط، وهذا القرار اتخذ جماعيّاً، قائلاً: «الأصل في الأشياء إباحة، ولو ادّعى شخص حرمته فعليه أن يقيم دليلاً، وعليه اتفاقٌ بين فرق المسلمين العديدة. أجاز الكثير من فقهاء الشيعة الاستنساخ البشريّ بالتمسّك بهذا الأصل([17]).

4ـ الحكم الثانوي للاستنساخ البشريّ

رغم كون الحكم الأوّلي للاستنساخ البشريّ هو الحلية، اعتماداً على أصالة الإباحة، لكن هذه الأحكام معتبرة ما لم يكن هناك دليلٌ يخالفها. ونظراً لدخول الاستنساخ البشري في القواعد الأربعة، وهي: لا ضرر، كرامة الإنسان الذاتية، حرمة الإخلال بالنظام، والعدالة الإنسانية، يحرُم بالحكم الثانوي؛ لأن للأحكام الثانوية أولوية عند التعارض بين أدلّتها وأدلة الأحكام الأولية؛ إذ دليل الأحكام الثانوية حاكمٌ على دليل الأحكام الأولية. وبعبارةٍ أخرى: دليل الأحكام الثانوية لموضوعٍ ما يعبِّر عن سعة أحكام الموضوع بالذات بعنوانه الأولي. ومن أجل تبيين هذا الموضوع سنسلط الضوء على هذه القاعدة، وتطبيقها على المسألة الحالية.

أـ قاعدة لا ضرر

قاعدة لا ضرر الفقهية والاجتماعية من القواعد الهامة والجذرية، والتي يُستَنَد إليها في المسائل العبادية والاقتصادية والحقوقية. تمنع هذه القاعدة أيّ ضرر ماليّ وحياتيّ وحقوقيّ على المسلمين، بل على الإنسان كلّه. وهذه من ميزات القوانين الإسلامية، والتي سلّط الضوء عليها فقهاء وعلماء الإسلام منذ زمنٍ بعيد، ودرسوها بشكلٍ مستقلّ. ترتكز قاعدة لا ضرر على بعض الآيات القرآنية، نحو: ﴿وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ﴾ (البقرة: 282)، و﴿لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ (البقرة: 233). وقد رفض تحميل الضرر وتحمُّله في الروايات الإسلامية، ومنها: حديث «لا ضَرَرَ وَلا ضِرارَ في الإسلام»([18]). وبغضّ النظر عن الأدلة اللفظية على قاعدة لا ضرر، يعتبر أصل العقلاء سنداً متقناً لهذه القاعدة. ولا شَكَّ أنّ أصل العقلاء يؤكد على أنّ إلحاق الضرر بالحياة الاجتماعية المدنية أمرٌ غير مقبول. دراسة وثائق هذه القاعدة تستغرق وقتاً طويلاً، وتتطلب بحثاً مستقلاًّ، لذلك لا ندخل فيه([19]). من حيث المجموع لا رَيْب في صحّة هذه القاعدة؛ لأن هناك كثيراً من الروايات، ولقد ادّعى فخر المحقِّقين التواتر في الإيضاح([20]). واعتبرها بعض أصحاب الرأي قاعدةً مسلَّمة بين الفقهاء([21]). ومضافاً إلى ذلك، ورغم وجود آيات وروايات عديدة تؤكّد على القاعدة المذكورة، نرى أنّه توجد أدلة عقلية محكمة، وهي تدخل في زمرة المستقلاّت العقلية، ويقبلها عقل الإنسان.

وبنظرةٍ عابرة يمكننا أن نقول: إنّ التمعُّن في مضمون الأحاديث، كالحديث النبوي المشهور([22])، تشير إلى أنّ قاعدة لا ضرر تعني أنّ الأحكام الإلهية، سواء الوضعية أم الوجوبية، وضعت على أساس نفي الضرر على الناس. وإذا سبّبت القوانين الاجتماعية في الحالات الخاصة أضراراً على البعض تهمل، وليس لها نفاذ([23]). والقصد من نفي الضرر هو عدم شرعية الضرر في الأحكام الوجوبية والوضعية. وبعبارةٍ أخرى: إنّ الأحكام الصادرة من قِبَل الشارع المقدَّس كلها ليس لها نفاذ، إلاّ إذا لم يكن هناك أيّ ضرر على نفس المكلَّف أو على غيره، ولم يكن هناك أيّ ضررٍ ماليّ كذلك. وقاعدة لا ضرر حاكمة على سائر الأدلة في هذا المجال([24]). وللاستنساخ البشري أضرارٌ وتداعيات فاسدة، ومنها:

1ـ فقدان الأمن: أثبتت تقنية الاستنساخ في العقود الماضية أنّ هناك خطورة ومشاكل غير معروفة في هذه العملية، مضافاً إلى تقلص احتمال النجاح. وعلى سبيل المثال: تعرض استنساخ دالي في هذا المشروع لتداعيات غير معروفة، نحو: إنجاب غير طبيعيّ، زيادة في الوزن، وبعض الأمراض الوراثية.

2ـ الشيخوخة والموت المبكِّر: وأيضاً يعدّ الاختلال في الميزات الوراثية ووجود المشاكل الوراثية ونشاط بعض الأمراض الوراثية وظهور الأمراض الخطيرة من معايب الاستنساخ البشري. فهو يضعف الجهاز الأمني لهذه الحيوانات، لذا تتعرض للتعفّن ونموّ الغدد السرطانية وسائر الاختلالات، وتموت في سنٍّ مبكرة. الاختلالات الوراثية وعمر الحيوانات القصير الحاصلة عبر الاستنساخ ناتجةٌ عن احتمالات يجب أن يهتمّ بها اهتماماً بالغاً. يظهر هذا القلق جرّاء الملابسات الموجودة في أسلوب تشكُّل نواة الجنين الأوّلية، وفي عدم سلامة هذه الحيوانات وأمراضها. ورغم أنّ مقتضى الاستنساخ البشري هو أصالة الإباحة، لكن تتبعه أضرار فادحة وجسيمة، وهي مخالفةٌ لفحوى قاعدة لا ضرر. وبناءً على هذه الأضرار فإنّ قاعدة لا ضرر تكون حاكمةً على أصالة الإباحة، وتتسبّب في تضييق دائرة الحلّية. لذا يمكن استنتاج حرمة الاستنساخ البشري بالحكم الثانوي. وبغضّ النظر عن المعايب المذكورة هناك مشاكل وأضرار أخرى في هذه العملية، والتي يجب الاهتمام بها في استنتاج الحكم الشرعي من عملية الاستنساخ البشري، ومنها:

1ـ قبول المواطن المستنسخ كمواطنٍ من درجةٍ ثانية.

2ـ الملابسات والتعقيدات في نَسَب الشخص المستنسخ، وبالتبع المشاكل الحقوقية الأخرى، كالنكاح والمحارم والميراث والنفقة والحضانة، وكلّها متفرعة من البحث.

وقد طُرحت نظريات عديدة في هذا الخصوص حتّى الآن، جعلت الاستنساخ أعقد المسائل الحقوقية، وأكثرها غموضاً، بين العلماء المعاصرين.

3ـ الرغبة في الإجهاض.

4ـ ظهور التداعيات العاطفية والنفسية في الشخص المستنسخ؛ لأن الأشخاص المستنسخين سيواجهون المشاكل الاجتماعية والنفسية في حياتهم، وسيصبحون منزويين، كما سيصابون بالاختلالات النفسية والذاتية بأنواعها المختلفة. ويمكن للوالدين اللذين فقدا ابنهما في حادثةٍ أن يتركا قطعةً من جسمه، ويطلبا من الأطباء المتخصِّصين في علم الوراثة خلق طفل يشبهه، وسيخلق لهما هذا الطفل المستنسخ مشاكل عاطفية كثيرة؛ إذ إنهما يتذكَّران ابنهما المتوفّى بعد ولادة هذا الطفل الجديد، ويصابان بالهمّ والغمّ الشديدين. وسيجعلهما هذا التضادّ العاطفي مصابين بمشاكل نفسية، من قبيل: الشعور بالفراغ. إن الإبهام في نَسَب الشخص المستنسخ مع الآخرين، ونظرتهم المتفاوتة له، يمهِّد الطريق للاضطرابات النفسية فيه، وهو مبدأ المشاكل الروحية والاختلالات النفسية. ومضافاً إلى ذلك إنّ النقص الجسدي تتبعه الاختلالات العاطفية والنفسية.

5ـ عدم الرغبة في الزواج، والتمهيد لإنهاء التوالد الطبيعي.

6ـ شيوع التهريب التجاري لأعضاء الإنسان، وإساءة الاستعمال الإجرامي والاحترافي. فإذا لم يتوقف إنتاج الاستنساخ البشري تخرج نشاطات المهربين عن السيطرة، ونرى يومياً إنتاج الآلاف من الأطفال المستنسخين؛ لأجل تهيئة الأعضاء وتطعيمها، وبسبب رواج الاتّجار بالبشر سنواجه الكارثة العظيمة في العالم.

7ـ وجود الأشخاص المتشابهين، وصعوبة التعرُّف عليهم؛ لأنّ معرفة مئة شخص بينهم تشابه كامل أمرٌ صعب، بل مستحيلٌ في بعض الأحيان.

ب ـ القاعدة الفقهية لكرامة وشرافة الإنسان الذاتية

تعدّ القاعدة الفقهية لكرامة وشرافة الإنسان الذاتية من القواعد الفقهية المهمة([25]). الكرامة حقٌّ مضمون للأشخاص كلّهم. والجميع من أسرةٍ واحدة، كما أنهم متّفقون في كونهم أبناء آدم×، ومتساوون جميعاً في الكرامة الذاتية التي أعطاهم إياها سبحانه تعالى([26]). لذلك الكرامة الإنسانية هي اللؤلؤ النفيس الذي يملكها الإنسان كله، ولها صلة مع الحقيقة الإنسانية. ولا تنحصر بشخصٍ خاص. هذا لؤلؤٌ ثمين([27]). كذلك تصرُّفات الرسول| وتعامله مع المسلمين أو غير المسلمين هي من أصول الكرامة الإنسانية، والاهتمام بالمرتبة الإنسانيّة. لذلك لم يكن يتعامل النبي| مع أعدائه بالسوء([28]). يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرََّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمََّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ (الإسراء: 70). تدلّ هذه الآية على كرامة الإنسان التكوينية، كما تشير الآيات المتتالية إلى تفوُّق الإنسان بين المخلوقات، ضمن إيراد نموذج من هذه الكرامة. وبناءً على ذلك تشمل الكرامة الإنسانية المسلمين وغير المسلمين كلهم، كما أعلن الله تعالى في قرارٍ رسمي: ﴿وَلَقَدْ كرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (الإسراء: 70). تشمل هذه الكرامة الأشخاص جميعهم، بغضّ النظر عن الجنس والدين والقومية والجنسية والثقافة؛ ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ ولم يقُلْ: «لقد كرَّمنا مسلماً» و«لقد كرَّمنا مؤمناً». على أساس ذلك بدأ الإسلام يكافح التفرقة، وهو الذي ظهر في منطقة قد وصلت التفرقة فيها إلى أوجها. رفض الإسلام التفرقة بين الإنسان في هذه الآيات والآيات المتشابهة، نحو: الآية 13 من سورة الحجرات، ونفى جميع أشكال القومية والطائفية، ودعم الكرامة الإنسانية. يرى الشيخ الطوسي في تفسير الآية 70 من سورة الإسراء ـ وهو أتقن وثيقة أو سند لإثبات قاعدة الكرامة ـ أنّ «كرَّمنا» تعني فضّلنا. وهذا التكريم له شمولية، ويشمل الجميع؛ لأنّ هذه الجملة ـ كرَّمنا ـ تدلّ على ذلك. وعلى سبيل المثال: رزق الحياة الدنيا، والوجه الحسن، وتسخير الأشياء للإنسان، وبعث النبيّ| و…»([29])، لذلك يمكننا أن نستنتج أنّ التعاليم الدينية تنطوي على عزّة الإنسان وكرامته، والالتزام بحقوقه، ونفي جميع أشكال الظلم([30]). وبما أنّ هناك آيات تدلّ على كرامة الإنسان وشموليتها، وأيضاً نظراً لفلسفة أصل الكرامة، لا تجوز إهانة الإنسان وإضراره أبداً([31]). كما يمكننا إثبات هذه القاعدة على أساس قانون الملازمة العقلية؛ حيث أثبت الفقهاء الأصوليون حجّية العقل في المستقلاّت العقلية تقريباً، طارحين مباحث على بساط البحث، نحو: وجود الحسن والقبح الذاتي في الأفعال، قدرة العقل في إدراك الحسن والقبح، والأمر بين فعله أو تركه، وملازمة حكم العقل وحكم الشرع. وذلك يمكِّننا من طرح مسألة الحرمة الشرعية للتصرفات الإنسانية المنافية لكرامته بالاهتمام بقاعدة الملازمة العقلية، وبعبارةٍ أخرى: يمكن إثبات وجوب حفظ الكرامة الإنسانية وحرمة التصرفات المنافية لكرامته، وذلك مع قبول قاعدة «كلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع»، وإدراك العقل الحتمي لزوم حفظ الكرامة الإنسانية. وفي هذا الموضوع تقتضي قاعدة الكرامة حرمة الاستنساخ البشري؛ لما فيه من المشاكل، نحو: عدم السلامة، الشيخوخة والموت المبكّر، وأهمّ من ذلك الصدمات الروحية، نحو تعريف الشخص المستنسخ كمواطنٍ من درجة ثانية، والغموض والتعقيدات في نسبه، وأيضاً التداعيات العاطفية والنفسية. مضافاً إلى التعقيدات في النسب، حيث إنّ الشخص المستنسخ ليس له أبٌ في الحقيقة؛ إذ حين تحصل على بويضة ونواة سالمة من شخص واحد يعني يمكن أن تدخل نواة الخلية لامرأة في بويضة بلا نواة، وتزرع في رحم المرأة نفسها، ومن ثمّة لا يمكن أن نتصوّر أباً للشخص المستنسخ([32]). وهذه الحالة تجعله مصاباً بصدمات روحية. فهل هذا العمل لا يخالف الكرامة الإنسانية وشرف الإنسان؟! على أساس ذلك لا نستطيع أن ننزل كرامة الشخص إلى حدّ الأشياء أو الحيوانات؛ من أجل الأهداف البحثية في مجال التكنولوجيا الحيوية، ودون اهتمام بإرادتهم ندخلهم في صلب الموضوعات البحثية؛ لأنّ أساس تشريع القوانين الشرعية هو الفضائل الإنسانية العليا. لذلك رُبَما تعتبر إباحة الاستنساخ البشري على خلاف مقتضى قاعدة الكرامة، وإهانة للشخص المستنسخ، وإضراراً به.

ج ـ قاعدة حرمة الإخلال بالنظام

تُعَدّ هذه القاعدة من مسلَّمات الفقه. فسّرت عبارة «الإخلال بالنظام» في أقوال الفقهاء بـ «تضييع حقوق الناس»([33]) و«إثارة الفوضى الاجتماعية»([34]). وبناءً على ذلك الأعمال التي تتسبب في الإخلال بحياة الإنسان الطبيعية، وتضعيف معيشتهم ومجتمعهم، حرامٌ. وفي المقابل القيام بالأعمال التي تقوّي هذا النظام واجب وضروريّ([35]). وأهمّ الأدلّة هو الدليل العقليّ؛ لأنّ الاحكام العقلية تشمل المستقلاّت العقلية([36]). بناءً على ذلك يدرك عقل الإنسان وحده أنّ اختلال النظام وتشويش معيشة الناس العامة أمرٌ قبيح. وبالتَّبَع يمكن إثبات حرمته الشرعية، بإرفاق قانون الملازمة بين حكم العقل والدين([37]). لو لم يقبل أحدٌ الملازمة في الدليل الأوّل لم يبْقَ له حَلٌّ سوى قبول نظرية بناء العقلاء. لا يجوِّز العقلاء القيام بفعلٍ يسبِّب تشويشاً في الحياة، بحيث يختلّ انسجام جماعةٍ منسجمة. وذلك من أصول العقلاء المشهورة. لذلك سكوت الشارع يعبِّر عن تأييد هذا البناء. ومن أدلة هذه القاعدة الآياتُ القرآنية التي تتضمّن النهي عن الفساد([38])؛ لأنّ التشويش في النظام يُعَدّ من مصاديق الفساد، فيكون مصداقاً لهذه الآيات. وكذلك علينا أن لا نغفل عن الروايات، مثل: الرواية الدالة على قاعدة اليد، كقول الإمام×: «لَوْ لَمْ يَجُزْ هَذَا لَمْ يَقُمْ لِلْمُسْلِمِينَ سُوقٌ»([39])، حيث يشير تبرير الإمام× هذا إلى أنّ الشارع أيَّد حرمة التشويش على النظام؛ لأن السوق ليست لها ميزات خاصة، بل ذكرت من باب المثال. لذلك لا فرق بين السوق والأمور التي تخلّ بالحياة العامة. وبناءً على ذلك الأمور التي تسبّب الخلل في النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع بحيث تسيطر عليه الفوضى والعُسْر والحَرَج حرام([40]). ولا تتمّ معرفة الأزمة والفوضى في المجتمع من قِبَل شخص خاصّ أو جماعة خاصّة، بل تلك ظاهرة واضحة، ويدركها أكثر الشعب، ولا يصعب ذلك على الذين يحملون مسؤولية استتباب النظام في المجتمع([41]). يسبب الاستنساخ البشري تشويشاً في نواحٍ عدّة، مثل: الناحية الاجتماعية؛ لأنّ الاستنساخ له تداعيات مثل: الصدمات الروحية الشديدة، والرغبة في الإجهاض، وعدم الرغبة في الزواج، وأهم من ذلك ظهور الأشخاص المتشابهين، والصعوبة في التعرُّف إليهم. وتسبِّب هذه التداعيات خللاً في النظام الاجتماعي، إذا ما استلم هؤلاء الأشخاص المستنسخون مناصب في المجتمع. ويتعرّض الأمن الأخلاقي والمجتمع للتحدّيات النامية. لذلك عدم الاهتمام بسعة ظاهرة الاستنساخ يؤدّي إلى التكلفة الثقيلة، ومخرّب لنظام المجتمع العامّ، والانسجام في تعامل الشعب مع بعضه. وعلى ما يبدو يرى الشيخ مكارم الشيرازي، استناداً إلى هذه الآية، أنّ الحكم الثانوي للاستنساخ البشري هو الحرمة([42]). وفي المقابل يذهب بعض الفقهاء، ومنهم: الشيخ التبريزي؛ استناداً إلى قاعدة حرمة الإخلال بالنظام، إلى أنّ الحكم الأولي للاستنساخ البشري هو الحرمة، حيث يقول: لا يجوز الاستنساخ البشري؛ لأنّ الاختلاف الشكلي والباطني بين الأشخاص من ضرورات المجتمع الإنساني، ومقتضى حكمة الله تعالى، حيث يقول سبحانه: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾، ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾؛ لأنّ ذلك نظام عامّ، بينما الاستنساخ البشري يسبِّب تشويشاً في المجتمع، وذلك إضافةً إلى المحرَّمات. وبالنتيجة لا يمكن التمييز بين الزوجة وغيرها، والمحرم وغير المحرم، من هؤلاء المستنسخين، ولا يمكن إعادة تعريفهم في المعاملات([43]).

د ـ قاعدة العدالة

لا تعتبر العدالة معنىً اعتبارياً بين العقلاء في سبيل إصلاح العلاقات، بل هي مفهومٌ يحمل حقيقة عينية وخارجية. وليست مثل علامات المرور، تُبنى حقيقتها على أساس الاعتبار. واتصاف الحاكم بالعدل والظلم ناتجٌ عن المصلحة والمفسدة النوعية فيهما، والتي هي أمور حقيقية. يذهب السيد السيستاني إلى أنّ قاعدة العدالة هي من أكبر القواعد الفقهية، قائلاً: «على الظاهر لا يجوز إيراد الإشكال على أصل قاعدة العدالة؛ بما أنّ هناك آيات تدلّ عليها، مثلاً: ﴿وَإِذا حَكَمْتُمْ بَينَ النََّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾، وأيضاً ﴿وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكمُ﴾. نعم، ينبغي البحث عن العدالة وقوانينها العامة([44]). يعتقد الشهيد مطهري في تبيين كون العدالة قاعدةً أنّ أصل العدالة من مقاييس الإسلام، ومن اللازم أن نرى ما ينطوي عليه. تقع العدالة على سلسلة الأحكام، وليس على سلسلة المعلولات([45]). كما يرى الشهيد الصدر أنّ جميعنا نؤمن بالمعيار العام في السلوك حسب العقل الفطري، ويؤكد هذا المعيار أنّ العدالة حق وخير، والظلم باطل وشرّ([46]). لذلك إنّ قاعدة العدالة، التي تحمل على محمل قاعدة العدل والإنصاف، قد تحتوي على زمرةٍ من القواعد الفقهية المهمّة. ومن الجدير بالذكر أنّ العدالة لم تكن مجرّد قاعدة أو معيار مثل سائر القواعد، بل هي تعرف كالأساس والميزان والقاعدة والهدف. ويعتبرها القرآن الحَجَر الأساس للقوانين الاجتماعية كلّها، ويعلن أنّ الحكومة والقضاء تبنى على أساس العدالة حتماً: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ (النساء: 58)([47]). وقد حَلَّ هذا الأصل بوصفه روحاً في القوانين الاجتماعية الإسلامية برمّتها([48]). قد تُعتبر الآية 90 من سورة النحل، والآية 25 من سورة الحديد، مستنداً لقاعدة العدالة، ومنبعاً لاصطياد هذه القاعدة الفقهية القيِّمة. يقول سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾ (النحل: 90). في الحقيقة يأمر الله بالعدل والبرّ وإيتاء ذي القربى. كما يبين في الآية 35 من سورة الحديد هدفه من رسالة الأنبياء، وهو قيام الناس بالقسط: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾. ومن الواضح أنّ القيام بالقسط يحصل حين يبنى التشريع والتدبير على أساس القسط، وتنطوي طبيعة حياة الشعب على العدل. ولو اختلّ واحدٌ منها لا يتحقّق القيام بالقسط. بناءً على هذه الآيات يأمر الله عباده بالمحافظة على العدالة والإنصاف في جميع الشؤون، ومنها: المعاملات الاجتماعية، والقضاء والحكم، وأسلوب الحياة، بل في جميع الشؤون الدينية الدنيوية([49]). وهناك رواياتٌ إسلامية تؤكّد على دَوْر العدالة الأساسيّ([50]). ويقول الإمام عليّ×: «إنّ القرآن ينطق بأسلوبٍ عادل»([51]). لا رَيْبَ في أنّ العقل يصبح دليلاً لقاعدة العدالة، دون معونةٍ من الشرع. ورد في كتاب أحكام القرآن للجصاص، في بيان الآية 90 من سورة النحل: العدل هو الإنصاف. وواجب من رؤية العقل قبل أن تكون حاجةٌ إلى أمر الشارع. وفي الحقيقة إنّ بيان الشارع في المحافظة على العدالة تأكيد على وجوبها([52]). ويتحقّق أهم رموز العدالة في المجتمع بفضل توزيع إمكانياته العادل، وعدم التدابير التحيُّزية بينها وغير المشتملة على الموازين.

والاستنساخ البشري يخلِّف ـ كما مرّ بنا ـ المعايب الجسدية والروحية الكثيرة. فإذا لم يولد الشخص المستنسخ عبر الاستنساخ، بل وُلد عبر الزواج، لا يتَّصف بهذا النقص. يخفِّف الاستنساخ كرامة الإنسان إلى مستوي الإنتاج. ويتعرَّض لتحديات عديدة بسهولة. ولا يحظى بمستوى الكرامة الإنسانية المتشابهة مقارنةً بالآخرين. ويُنظَر إلى الشخص المستنسخ كسلعة، ويعيش دون تحلٍّ بالشعور والعواطف الإنسانية. وعند الحاجة يُستفاد منه. لذلك الولادة عبر الاستنساخ تسبّب تداعيات سلبية ومعايب كبيرة، مثل: التعرُّض لتدابير تحيُّزية مقارنةً بالآخرين، وهي تتضارب مع مقتضى قاعدة العدالة.

الاستنتاج

مما أسلفناه في هذا البحث يمكننا أن نقول:

1ـ الحكم الأوّلي للاستنساخ مستندٌ إلى قاعدة الحلّية والإباحة.

2ـ يخالف الاستنساخ البشري مقتضى قاعدة لا ضرر؛ بسبب أضراره وتداعياته السلبية والفاسدة، ومنها: الميل إلى الإجهاض، عدم الرغبة في الزواج، وظهور الأشخاص المتشابهين، والصعوبة في إعادة تعريفهم. لذلك فإنّ حكمه الثانوي هو الحرمة.

3ـ وفي هذا الموضوع تقتضي قاعدة الكرامة حرمة الاستنساخ البشري؛ لما فيه من المشاكل، نحو: عدم السلامة والأمن، الشيخوخة، والموت المبكِّر. وأهمّ من ذلك الصدمات الروحية، نحو: تعريف الفرد المستنسخ كمواطن من الدرجة الثانية، الغموض والتعقيدات في نسبه، وأيضاً التداعيات العاطفية والنفسية.

4ـ للاستنساخ تداعيات، مثل: الصدمات الروحية الشديدة، وعدم الرغبة في الزواج. وأهم من ذلك ظهور الأشخاص المتشابهين والصعوبة في إعادة تعريفهم. وتسبِّب هذه التداعيات خللاً في النظام الاجتماعي، وذلك يتضارب مع قاعدة حرمة الإخلال بالنظام. وقد يسبِّب خللاً في انسجام المجتمع ونظامه. لذلك فإنّ الحكم الثانوي للاستنساخ البشري هو الحرمة؛ بمقتضي قاعدة لا ضرر.

5ـ يخلِّف الاستنساخ البشري تداعيات سلبية فاسدة، نحو: الشيخوخة، والموت المبكِّر. كما يترتّب عليه تداعيات فاسدة روحية، نحو: قبول المواطن المستنسخ كمواطن من الدرجة الثانية، والذي يستوجب تعرُّضه لتدابير تحيُّزية مقارنةً بالآخرين، وبالتَّبَع يتضارب مع مقتضى قاعدة العدالة. لذلك فإن الحكم الثانوي للاستنساخ البشري هو الحرمة؛ استناداً إلى قاعدة العدالة.

6ـ بناءً على القواعد الأربعة: لا ضرر، كرامة الإنسان الذاتية، وحرمة الإخلال بالنظام، والعدالة الإنسانية، فإنّ الحكم الثانوي للاستنساخ البشري هو الحرمة. ومن حيث المجموع إنّ حكم الاستنساخ البشري هو الحرمة؛ لأنّ الأحكام الثانوية حاكمة على الأحكام الأولية، ولها الأسبقية.

الهوامش

(*) أستاذٌ مساعِد في قسم الفقه ومباني الحقوق الإسلاميّة في مؤسَّسة پارسا المستقلّة المتخصِّصة في الدراسات العليا.

([1]) سلمان السعدي، الاستنساخ بين العلم والفقه: 10، بيروت، دار الحرف العربي، 2002م.

([2]) المصباح، الاستنساخ بين العلم والدين: 118، القاهرة، الدار المصريه اللبنانيه، 2002م.

([3]) دكّاش، الاستنساخ بين الإسلام والمسيحية: 123، بيروت، دار الفكر، 1999م؛ حيان، فرهنگ جامع علوم پزشكي حيان (إنگليسي فارسي) 2: 1424 ـ 1425، طهران، حيان، 1383هـ.ش.

([4]) محقق الداماد، «شبيه سازي إنسان أز منظر فقه وأخلاق»، مجلّة حقوق پزشكي، العدد 1: 13، 1386هـ.ش.

([5]) الصادقي، «همانند سازي (مروري بر ديدگاه هاي مراجع أديان آسماني وبررسي آن أز نظر فقه إسلامي)»، مجلّة علوم إنساني، العدد 3: 42، 1383هـ.ش.

([6]) النصر، الاستنساخ اعتداء على الفطرة الإلهية: 202، لبنان، دارالفكر، 1991م.

([7]) المصباح، الاستنساخ بين العلم والدين: 49.

([8]) عودة الله، الاستنساخ في ميزان الإسلام: 164، عمّان، دار أسامة، 2003م.

([9]) المصدر السابق: 166.

([10]) المحمدي اللائيني، «مروري بر محاسن ومعايب شبيه سازي در إنسان»، مجلّه علوم پزشكي مازندران، العدد 148: 180 ـ 181، 1396هـ.ش.

([11]) انظر: موقع البلاغ بعنوانه: www.balagh.com.

([12]) انظر: برمجية كنجينة 2.

([13]) أيزدي فرد، «بررسي فقهي وضعيت نسب در شبيه سازي إنساني»، مجلّة پژوهش هاي حقوق تطبيقي، العدد 2: 34، 1389هـ.ش.

([14]) الإسلامي، «شبيه سازي إنساني أز ديدگاه شيعه: بررسي چهار ديدگاه»، مجلّة كاوشي نو در فقه إسلامي، العدد 44: 14 ـ 21، 1384هـ.ش.

([15]) مشكيني، اصطلاحات الأصول ومعظم أبحاثها: 121، قم، نشر الهادي، 1416هـ؛ الحكيم، حقائق الأصول 1: 508، قم، مكتبة البصيرة، 1408هـ.

([16]) الشربياني، الأحكام الأولية والثانوية ودور الزمان والمكان (مجموعة من المقالات من قبل المؤتمر حول دراسة المبادئ الفقهية للإمام الخميني) 9: 290، طهران، مؤسسة تنظيم نشر آثار الإمام الخميني، 1374هـ.ش.

([17]) الطوسي، الخلاف 1: 68، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1407هـ.

([18]) الكليني، الكافي 5: 292، قم، دار الكتب الإسلامية، 1407هـ.

([19]) انظر: الأنصاري، فرائد الأصول 2: 533، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1416هـ؛ الخراساني، كفاية الأصول 3: 158 ـ 164، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1430؛ العراقي، شرح تبصرة المتعلمين (كتاب القضاء): 300 ـ 331، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1414هـ.

([20]) الحلّي، إيضاح الفوائد 2: 48، قم، مؤسسة إسماعيليان، 1387هـ.

([21]) العراقي، مقالات الأصول 2: 301، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1420هـ.

([22]) الكليني، الكافي 5: 292.

([23]) النراقي، رسائل ومسائل 1: 308، قم، مؤتمر النراقيين، 1422هـ.

([24]) العراقي، قاعدة لا ضرر ولا ضرار: 148، قم، مكتب الإعلام الإسلامي في الحوزة العلمية بقم، 1418هـ.

([25]) العميد الزنجاني، فقه سياسي ‌1: 564، طهران، انتشارات أمير كبير، 1421هـ.

([26]) الجعفري، رسائل فقهي: 158، طهران، منشورات كرامت، 1419هـ.

([27]) انظر: جوادي الآملي، تفسير الآية 70 لسورة الإسراء، موقع مؤسّسة الإسراء (http://www.portal.esra.ir/Pages/Index.aspx).

([28]) الطوسي، تهذيب الأحكام 6: 139، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1407هـ.

([29]) الطبرسي‏، مجمع البيان في تفسير القرآن 6: 661 ـ 662، طهران، ناصر خسرو، 1372هـ.ش.

([30]) المنتظري، رساله استفتاءات ‌2: 345، قم.

([31]) الجعفري، رسائل فقهي: 190.

([32]) عودة الله، الاستنساخ في ميزان الإسلام: 162.

([33]) العراقي، شرح تبصرة المتعلمين (كتاب القضاء): 7.

([34]) الخميني، كتاب البيع 2: 620، طهران، مؤسسة تنظيم نشر آثار الإمام الخميني، 1379هـ.ش.

([35]) السيفي المازندراني، مباني‌ الفقه الفعّال في‌القواعد الفقهي‍ة الأساسي‍ة 1: 13، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1425 هـ.

([36]) الحكيم، الأصول العامة للفقه المقارن: 266، قم، المجمع العالمي لأهل البيت^، 1418هـ؛ المظفَّر، أصول الفقه 1: 222، قم، انتشارات إسماعيليان، 1375هـ.ش.

([37]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن ‏2: 116 ـ 117، قم، مكتب الإعلام الإسلامي في الحوزة العلمية بقم، 1417هـ.

([38]) نحو: البقرة: 60، 205؛ الأعراف: 74؛ المائدة: 64؛ القصص: 77، 83؛ المائدة: 33.

([39]) انظر: الحرّ العاملي، وسائل الشيعة ‌27: 292 ـ 293، قم، مؤسسة آل البيت^، 1409هـ.

([40]) الأنصاري، فرائد الأصول 2: 720؛ الخوئي، صراط النجاة ‌1: 555، قم، مكتب نشر المنتخب، 1416هـ؛ الخميني، استفتاءات 3: 510، قم، مؤسسة النشر الإسلاميّ، 1422هـ.

([41]) المنتظري، حكومت ديني وحقوق إنسان: 55، قم، أرغوان دانش، 1429هـ.

([42]) نقلاً عن: الإسلامي، «شبيه سازي إنساني أز ديدگاه شيعه: بررسي چهار ديدگاه»، مجلّة كاوشي نو در فقه إسلامي، العدد 44: 42، 1384هـ.ش.

([43]) انظر: موقع البلاغ، وعنوانها www.balagh.com.

([44]) السيستاني، قاعدة لا ضرر ولا ضرار: 325.

([45]) المطهري، مباني اقتصاد إسلامي: 14، طهران، حكمت، 1409هـ.

([46]) الصدر، الفتاوى الواضحة: 118، بيروت، دارالمعارف، 1981م.

([47]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن ‏2: 363؛ الطبرسي، مجمع البيان فى تفسير القرآن ‏4: 631.

([48]) مكارم الشيرازي، دائرة المعارف فقه مقارن: 130، قم، مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب×، 1427هـ.

([49]) الزحيلي، التفسير المنير 14: 218، بيروت، دار الفكر المعاصر، 1418هـ.

([50]) النوري، مستدرك الوسائل 11: 317، قم، مؤسّسة آل البيت^، 1408هـ.

([51]) الآمدي، غرر الحكم ودرر الكلم: 738، قم، دار الكتاب الإسلامي، 1410هـ.

([52]) الجصّاص، أحكام القرآن 5: 12، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1405هـ.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً