أحدث المقالات

مطالعة في أصوله ومناهجه وخلفياته

أ. مهدي رحماني(*)

ترجمة: عقيل البندر

أين هم اليوم المعارضون لتأسيس الدولة الإسلامية في عصر الغيبة؟ ـــــــ

أين راح المناوئون لفكرة قيام الثورة الإسلامية والمخالفون نظرياً لتأسيس الحكومة الإسلامية في زمن الغيبة؟

هل يمكن أن يقتنع هؤلاء نظرياً بضرورة تشكيل الدولة الإسلامية في زمن الغيبة؟

هل غادروا إلى دول أخرى بسبب قيام الثورة الإسلامية، واليأس من الواقع الفكري والسياسي الذي أرسته الحكومة الإسلامية الجديدة في إيران؟

أين اختفى هؤلاء؟ هل تلاشت تياراتهم؟

وإذا كانت هذه المجموعات موجودة إلى الآن في الحوزات العلمية أو الحواضن الأخرى فأين هي؟ وماذا تفعل، ولأي شيء تخطِّط؟ وكيف تؤثر نشاطاتها وأفكارها على طبقات المجتمع وممارساته السياسية والاقتصادية والثقافية؟

تعد الثورة الإسلامية التي أسسها وسعّر جذوتها الإمام الخميني من أروع المفاهيم والنظريات في تاريخ الإسلام السياسي والأدب الديني المعاصر، ويعود انتصارها في الحقيقة إلى التوافق والانسجام الفكري بين الثوار ـ جمهوراً وقادة ـ حول مفهوم الثورة وفكرتها؛ لأنهم كانوا يميّزون جيداً بين الإسلام المحمدي الأصيل والإسلام الذي تريده أمريكا والغرب، ويبدو من الطبيعي بمكان أن ينتاب هذه المقولة الغموض والضبابية في مجالات وميادين شتى، بدءاً من الإعلام الرسمي مروراً بمراحل الدراسة الابتدائية وحتى مراحل الدراسات العليا.

إن قيام الثورة لم يكن بسبب التفاوت الاقتصادي الفاحش بين مكونات المجتمع الإيراني، ولا بسبب غياب الحرية السياسية وحرية الانتخاب، ولا لوجود نظام سياسي معين في إيران، وليس للقمع والاستبداد الذي كان يمارسه رجال السلطة في دوائر الدولة آنذاك، وليس للأهم من ذلك كله وهو منع أداء الشعائر الدينية والطقوس المذهبية.

وهذه الأمور وإن كانت غير قابلة للإنكار؛ لأنها جزءٌ من الواقع الاجتماعي الإيراني قبل قيام الثورة، ولكن حصر أسباب الثورة بها ليس إلا عدم الفهم والاستيعاب لمقاصد وروح الثورة، ويجب أن نعرف أن جهل موظفي الدولة والعاملين في دوائرها لأهداف الثورة أحد الأسباب المهمة لتخلف الوضع السياسي والاقتصادي والثقافي وتقهقره في البلد.

هل عاد التقليديون إلى التغلغل في الجسم النهضوي الإسلامي؟! وكيف؟! ـــــــ

ثم إن البحث عن سبب تنصل بعض الثوار من الأسس النظرية لحقيقة الثورة وغاياتها هو بحثٌ عن موضوع مهم ودقيق، ويحتاج إلى مزيد من العناية والتحقيق، ولربما نوفّق له يوماً، ولكن معرفة الحقيقة الأصيلة للثورة الإسلامية، وكشف النقاب عن وجوه الأعداء الواقعيين لها، والأيادي التي حرّفت أفكارها ومبادئها، أهم من ذلك بكثير، ومن هنا عكفنا على تحرير هذه المقالة التي اعتمدت الوثائق والأدلة الميدانية الآتية:

1ـ ضرورة تطهير الإسلام من المفاهيم المنحرفة ـــــــ

كانت كلمات الإمام وسلوكه الفردي تدل بوضوح على ضرورة بيان المفاهيم الدينية الصحيحة، وإيصال المعاني الإسلامية النقية للناس، وإزاحة كل العقبات التي تعترض ذلك؛ لما له من علاقة وثيقة بالوظيفة العملية والسلوك الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمكلفين، الأمر الذي سيدعم بقاء الثورة وديمومتها. قال &: لو كنتم أردتم أن تقولوا: الشاه خائن فستسمعون مباشرة: إن الشاه شيعي، حيث كان البعض من الكهنوتيين الانطوائيين في بدايات الثورة يعتبر كل شيء حراماً، ولم يكن أحد يستطيع أن يحاججهم وينقض آرائهم بالحجة والبرهان؛ لأن أكثر الناس، ومنهم: آباؤكم طبعاً، كانوا قد انشغلوا عن كل ذلك ببؤسهم وشقائهم، الذي ذاقوه من هؤلاء العاكفين على حلالهم وحرامهم، ونسوا أن يشاركوا الناس همومهم وآلامهم..>([1]).

إن الإمام الخميني يعتقد بأن ضرورة الثورة وهدفها يكمن في إزالة الفهم الخاطئ عن الدين، وتطهيره من الرين والصدأ الذي صاحبه نتيجة ذلك الفهم, ولطالما صار سبباً لوصول المجتمع إلى نتائج وخيمة، واضطره للسير في طرق مسدودة ومظلمة >إذا استطعنا أن نشيد نظاماً لا شرقياً ولا غربياً، بل نظاماً قائماً على أساس الإسلام الأصيل الخالي من الرياء والخدعة فقد انتصرت الثورة>([2]).

ويسمى الفهم الخاطئ لماهية الدين وغايته وهدفه في الأدب الخميني الثوري بالانطواء والتقديس الأعمى، ويعتبره سبب الأسباب في المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية على طول تاريخ الأنظمة الإسلامية، والانتصار الحقيقي للثورة الإسلامية متوقِّف على حاكمية الإسلام الأصيل على الأفهام المنحرفة، وهيمنته على قرار الانتهازيين والمزيّفين من المتدينين.

إن الانطواء والتقديس الأجوف قد لا يكون ذا خطر كبير لو نظرنا إليه بشكل فردي، أو لاحظناه بصفة شخصية، ولكن إذا لوحظ بما هو معضلة فكرية وعملية، تشكل آفة اجتماعية، فسنعرف أنها ستؤدي إلى انحرافات دينية كبيرة، ومخاطر إيديولوجية عظمى، والأدهى والأمر من ذلك كلّه هو أن يتفشى هذا المرض في مجال التعليم والتربية، ويذهب بعيداً في المراكز الحكومية والمؤسسات الدينية، عندها يمكن القول: إنه قد بلغ هذا المرض حداً لا يمكن حتى استئصاله؛ لأنه اكتسب حينئذ أساساً علمياً وغطاء شرعياً >عندما يسود شعار فصل الدين عن السياسة، وينطوي الفقه على نفسه، بعيداً عن الواقع، ويغرق في الأحكام الفردية والعبادية، وبالتالي سيضطر الفقيه إلى التقوقع في هذا المحيط، فلا يدنو من السياسة والحكومة والمجتمع، وتتحول هذه الحماقة والمهزلة إلى فضيلة وفرع من فروع الإيمان، كما يحلو للبعض إطلاق ذلك، حيث كانت المؤسسة الدينية، التي انتشرت الحماقة والغباء في جميع مفاصل وجودها، موضعاً للاحترام والتقدير، والسياسي والروحاني الماهر مخدوع من رأسه إلى قدمه، فلا أتردد بالقول: لو استمر هذا الوضع على هذه الشاكلة فسنعود إلى زمن رجال الكنيسة في القرون الوسطى>([3]).

«هناك مجموعة من المبررات يوردها المناوئون للثورة؛ لتبرير نكوصهم وتخاذلهم، من قبيل: إن الشاه ظلّ الله، أو إن الناس العزّل لا يمكنهم النهوض بثورة أمام المدفع والدبابة، أو إننا لسنا مكلَّفون بالجهاد والمقاومة، أو إننا لا نملك جواباً للدماء التي تراق بسبب ذلك، والأسوأ من ذلك الشعار المضِلّ الذي يرفعه هؤلاء، وهو أن تأسيس حكومة إسلامية في زمن الغيبة باطلٌ، إلى جانب الكثير من الكوارث التي تحصل بسبب المقاومة الخاسرة سلفاً، أو حتى لمجرد الموعظة والنصيحة، فإن الثورة لا تجبر ذلك»([4]).

لو سلمنا أن جميع الأديان السماوية السابقة كانت ضحية التحريف اللفظي والمنطقي، وكونها نقطة البداية للابتعاد عن سبل الخير والسلام التي فقدها أتباع تلك الديانات، فنحن لا نسلم البتة بوقوع التحريف والتزوير في نص القرآن الكريم، وهو دستور الإسلام ودعامته، من هنا لجأ المخالفون لتأسيس الحكومة الإسلامية إلى تحريف مفهوم القرآن، وليّ عنق معناه ومضمونه، وبالتالي حصل الانحراف في مسيرة الأمة من الأهداف الإسلامية إلى المآرب والمقاصد التي رسموها وخططوا لها. وعبر هذه العملية المدروسة والمفبركة، التي شملت مساحة واسعة من المفاهيم الدينية والنظم الإسلامية، استطاع الكهنوتيون والمتطرفون أن يلبسوا أعمالهم وتصرفاتهم وحيلهم القادمة لباساً علمياً وشرعياً، من أجل الحدّ من سيادة القوانين والأنظمة الإسلامية الصحيحة.

2ـ إصلاح المؤسسات الدينية واستنهاضها ـــــــ

ولما استفحلت العملية المنظمة التي قام بها أعداء الثورة على المراكز الدينية والحوزات العلمية في إيران، والتي تعد في الواقع مركز التقنين وإضفاء الحجة على هكذا ألوان من التحجر والتقديس، عمد الإمام الخميني إلى إصلاح هذه المؤسسة من الأصل؛ لأنه كان هدفاً أساسياً من أهداف الثورة، فأول عمل قام به الإمام الخميني ـ وقلّ من يعلم بذلك ـ ضمن حركته الإصلاحية ليس هو تعرية السلطة الشاهنشاهية من الشرعية والحق في قيادة الدولة، بل وجّه كلمته وصيحته إلى الحوزة العلمية وعلمائها، وهو ما نلاحظه في أول خطاب سياسي له في تاريخ 15 أرديبهشت 1323هـ.ش، أي قبل شهر خرداد من عام 1342 بعشرين سنة تقريباً، يحكي فيه حقيقة أهداف الثورة وواقعها وإستراتيجيتها، حيث ذكر في حينه سببين أساسيين وعاملين رئيسيين لكل المشاكل والعقد الاجتماعية والسياسية للمجتمع الإيراني:

1ـ حبّ النفس وسوء الخلق لدى العلماء والقادة من رجال الدين، المعكوس على سلوكهم الفدري والاجتماعي.

2ـ ترك القيام بالثورة وطلب العافية (وهو نتيجة للسبب الأول الذي يتجلى في الإنسان المتقاعس المستسلم).

«الأنانية والغرور وترك الجهاد في سبيل الله هو الذي أوصلنا إلى هذا العهد الأسود، وجعل الدول العظمى تهيمن علينا، وتتحكم بمصائرنا، فصارت الدول الإسلامية مستعمرات صغيرة بيد دول أخرى، وأصبح الجهاد في سبيل النفس الأمّارة، وأضحت المدارس العلمية تحت تصرف المتطفلين على الدين والعلم بعدما أفرغوها من كل جوانبها المعرفية، وتحولت المراكز القرآنية والتربوية إلى مراتع للفحشاء والمنكر، والثورة للأنانية والتبجُّج، وسلّمت الأماكن الموقوفة وإدارة المحافل الدينية مجاناً للمتسكعين والمشردين والوضيعين من حثالة المجتمع، فلا ترى فيها أي معنى للطهارة والشرف، دون أن يشعر أحد من هؤلاء العلماء بالمسؤولية ولا بصحوة الضمير>([5]).

يعتقد الإمام الخميني بأن سيطرة الأنظمة الفاسدة على شعوبنا ومقدّراتنا يرجع أولاً وبالذات إلى عدم تفعيل القوانين والأصول الدينية في الميادين السياسية والاجتماعية بشكل صحيح وهادف، فإن عدم إجراء هذه القوانين يعني سيادة الطواغيت والظَلَمة سياسياً واجتماعياً، وفي الواقع إن الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالظلم والإرهاب الديني؛ لأن الأخير هو عمل مدروس ومبرمج يهدف إلى تحريف المحتوى الديني ومعاني النصوص التي جاء بها، فأصبحت النتيجة النهائية التي يتوقّعها ويرجوها الإنسان من هذه النصوص والقواعد عرضة للتحريف والتزوير، ولمّا كانت هذه المسألة على درجة عالية من الأهمية عدّ الإمام الخميني مقاومتها من أولويات الثورة الإسلامية، وعندما أمر بتشكيل مجالس إسناد الثورة الإسلامية دعاها أيضاً إلى تدوين وتأريخ أحداث الثورة وحقيقة الجماعات المناوئة والمعادية لها، وذلك عندما أعرب عن قلقه الشديد إزاء عمليات التزوير والتحريف التي طالت الوقائع التاريخية للثورة عن طريق وضع علل وأسباب خاطئة لقيامها، الأمر الذي اضطره لمخاطبة نفس مسؤول هذه المجالس وإلزامه بكتابة تاريخ الثورة الإسلامية على ضوء الفرق الكبير بين التحجُّر والانطواء وتعاليم الإسلام الصحيحة «عليكم أن تشيروا إلى ما كان يعانيه الشعب من الظلم والاضطهاد، وكيف أنه نهض بوجه الجمود والتخلف، وعاش أجواء الفكر الإسلامي المحمدي الأصيل بدلاً من إسلام السلطة والإسلام والرأسمالي الانتقائي، وبكلمة: الإسلام الأمريكي.. >([6]).

والنكتة الجديرة بالاهتمام هي أن الجبهة الراديكالية ليست تنظيماً عادياً يقبل الإزالة والتفكيك بسهولة، بل كانت ولا تزال إحدى العقبات الكؤود والقوى الفعّالة ضد مسيرة الثورة، وحجر العثرة الصلب أمام تقدمها ونموّها، بل حاولت هذه الجبهة استئصال الثورة من جذورها، وعليه فإن تخطي هذه العقبة والتخلص من هذا الحجر أصعب بكثير من مقارعة النظام السياسي لحكم الشاه والنظم الاستكبارية الأخرى؛ لما تتمتع به هذه الفئة والجماعة من خصوصية معقدة وخطيرة ضربت فكر الثورة في القلب.

ومن هنا يذهب الإمام إلى تقسيم الجماعات المعارضة للثورة إلى ثلاث فئات:

ـ الفردانيون، ويرى هؤلاء أن الإنسان المؤمن عليه بنفسه وبتكاليفه الفردية الشخصية، وليس له شأن بإصلاح أعمال الآخرين وتغيير تصرفاتهم.

ــ منكرو التكليف المزدوج في زمن الغيبة، وتعتقد هذه الجماعة أن الإنسان بما هو فردٌ غير مكلَّف بتصحيح الأخطاء الفردية والاجتماعية معاً، وهذه الوظيفة منحصرة بشخص الإمام المعصوم ×.

ـ المخالفون فكرياً ونظرياً لقيام الثورة، «وتذهب هذه الجماعة إلى أن الحل الأمثل لتغيير وإصلاح العالم، وأفضل شيء يهيئ الأرضية المناسبة لظهور الإمام# هو إشاعة الفحشاء والمنكر ونشر الفساد في المجتمع، ولذا فإنهم يعدّون تأسيس الحكومة الإسلامية في زمن الغيبة أمراً باطلاً، بل تَسعَى هذه الجماعة سعياً حثيثاً لهدم أية قاعدة يمكن أن تعتمد عليها الثورة»([7]).

وليس الغرض من هذه المقدمة ـ التي صارت طويلة إلى حدٍّ ما ـ هو قراءة التاريخ السياسي لعصر الثورة وسرد ذكرياتها فحسب، بل لنتساءل اليوم، وبعد أن مضى ثلاثون عاماً على انتصار هذه الثورة: أين حلّت النوى بأعداء الثورة من رجال الدين في الحوزات العلمية؟ أولئك الذين كانوا يخالفون موضوع قيام الثورة فكراً ونظرية في زمن الغيبة.

وإذا كانت هذه الأفكار لا زالت موجودة في الحوزات العلمية فأين هي الآن بالضبط؟ ماذا ينوون ويخطِّطون؟ ما هي أفكارهم ونظرياتهم التي تؤثر على المجتمع سياسياً واقتصادياً وثقافياً؟

والجواب على هذه الأسئلة، وإن كان لا يخلو من جرأة ومجازفة وسط العرف الاجتماعي والسياسي والثقافي السائد، ولكن الإمام الخميني، باعتباره مؤسِّساً للثورة، ورائد مسيرتها، والمحافظ على سلامة نهجها من أكبر آفة تصيب بعض الثورات والانقلابات، وهي الانحراف الفكري المضموني، وضع المعالم الواضحة للثورة، وقبل رحلته بعامٍ عندما كانت الحرب المفروضة تلفظ عامها الأخير جدَّد إصراره على أن هذه الثورة تختلف اختلافاً شاسعاً عن نهج وفكر هذه الفئات والمذاهب، وأوصى الحوزات العلمية والطلاب الثوريين والشباب اليقظ بالتمسّك بدعائمها، وأرشدهم إلى ضرورة المعرفة الدقيقة بنظريات وأساليب هذه الجماعات، ودعاهم إلى مقاومتها والوقوف ضدها بمهارة وحذر «أيها الشباب، يا طلاب العلم، يجب أن تعرفوا جيداً أن حبل هؤلاء لا زال ممدوداً، ودس أفكارهم لا زال مستمراً، والأساليب الكهنوتية وبيع الدين بالدنيا قد أخذت لوناً وطابعاً آخر، والمنهزمون بالأمس اتبعوا اليوم سياسة الدهاء والانفتاح..»([8]).

وبالفعل نلاحظ أن أسلوب التبليغ والإرشاد وإستراتيجية التعليم والتربية في المراكز الحكومية والإعلام الوطني وما يصدر من كتب وصحف ومجلات مختلفة اتخذت لهجةً أخرى ولوناً آخر من الخطاب في السنوات الأخيرة؛ ذلك أن الكهنوتيين لما خسروا سابقاً جبهة الوقوف ضد تأسيس الثورة الإسلامية، ورأوا أن الثورة قد حققت انتصاراً كبيراً، عمدوا في الآونة الأخيرة إلى تغيير إستراتيجيتهم وخططهم عندما أرادوا التسلل إلى جسد الحكومة، والنفوذ إلى المنظومة السياسية والاقتصادية والثقافية للمجتمع، من أجل الوصول إلى تلك الأهداف والغايات التي أرادوا تحقيقها من قبل، وهي إزالة صرح الإسلام الأصيل، وتحطيم القوانين والأنظمة الإدارية التي بنيت على أساس ذلك، الأمر الذي أشار إليه الإمام الخميني في البيان الذي وجَّهه إلى المؤسسة الدينية في إسفند عام 1367هـ.ش، والذي يبين فيه كيف أن تلك المذاهب قد قامت بحملة تغيير وترميم لسياساتها وبرامجها، وكيف أنهم عكفوا على إيجاد الفرقة والشقاق بين الحكومة الإسلامية وجماهيرها، ليتمكنوا أخيراً من الوصول إلى إزاحة النظم الدينية الحقة من المجالات الحياتية للمجتمع.

وعندما تتبع الجماهير أساليب هذه المجاميع وتعي إستراتيجيتها يمكنها أن تجد علامتين فارقتين تميّزها عن غيرها من المجاميع والفئات:

1ـ الاهتمام الكبير بظواهر العبادات والشعارات الدينية، بدلاً من التوجه إلى فلسفتها وأسرارها.

2ـ السعي لتشويه الأهداف السياسية والاقتصادية والثقافية للثورة الإسلامية، وبالتالي القيام بثورة معكوسة، وعليه لنا أن نسمي هؤلاء بالمتطرفين المعاصرين والمتخلِّفين الجدد.

3 ـ الاستغراق في تطقيس الدين وممارسة الشعائر الدينية ـــــــ

هذه الخصوصية الأولى التي يتميز بها هذا التيار، ويعمل على تكريس جهوده في سبيل تطبيقها؛ ليتسنى له النفوذ إلى أروقة المراكز والمؤسسات التعليمية والتربوية والإعلامية، وراح أتباعه ينفقون أموالاً طائلة من أجلها، مستغلّين عواطف الناس وقلوبهم، التي تهوى الطقوس والشعائر الإسلامية، لعلّها تنفع تدريجاً في التأثير على الإصلاحات التي قام بها الإمام الخميني، أو تحريف خطه الثوري الذي رسمه، ومن ثَمّ ينتهون إلى إطفاء نور الثورة  وطمس جذوتها.

لقد كان سؤال الإمام الخميني عندما وضع اللبنة الأولى للثورة هو لماذا أفرغ الدين، هو الغذاء الروحي للبشر، من محتواه ومعناه الحقيقي؟ لماذا تنصّل المؤمنون عن مسؤولياتهم السياسية والاجتماعية وانهمكوا في أداء وظائفهم الفردية، واستغرقوا في شعائرهم الدينية؟ ولذا سعى الإمام لطرح تعريف جديد للمتديِّن، وماهية العلاقة بينه وبين التكاليف والمسؤوليات الموجَّهة إليه، بينما تحاول تلك المذاهب المنحرفة حصر حقيقة الدين بالقيام بمجموعة من العبادات والشعائر فقط، وتزييف الإسلام السياسي والاجتماعي الذي أراده الإمام، والحد من وصوله إلى المجتمع.

يدور التكتيك الجديد الذي مارسه هذا التيار بين ثلاثة معطيات أساسية، كانت بالنسبة للثورة كقناديل تنير دربها ومسيرتها، في حين حاول هذا التيار توظيفها لأهدافه ومآربه:

1ـ ثقافة الثورة الحسينية؛ باعتبارها عاملاً أساسياً لانطلاق الثورة الإسلامية ونقطة القوة في نهضة الإمام الخميني.

2ـ مراسم الحج التي تعتبر القوة الضاربة للمسلمين أمام التحديات التي تواجههم وتحيط بهم في العصر الراهن.

3 ـ ثقافة الانتظار وماهيته، والهدف الحقيقي من ظهور الإمام^ بعنوانه الينبوع الذي يستقي منه الثوار ويستمدوا قوتهم للمحافظة على ما أنجزته ثورتهم.

محاولات جديدة لإعادة توظيف المجالس العاشورائية ضدّ الوعي النهضوي ـــــــ

لقد ركّز أعداء الثورة بشكل جاد، وبالخصوص في السنوات الأخيرة، على الثقافة العاشورائية عن طريق تغيير معطيات نهضة الحسين العظمى، وتحويلها إلى أدوات تخدير وتنويم، لتصبح ممارسة عبادية عادية خالية من الروح والمعنى، ولا سيما عندما يستغرقوا في بعض صور وأحداث الطف الأليمة، ويختصروا رقعة الثورة الحسينية بأكملها، وما تحمله مسيرة عائلته الطاهرة وأصحابه الخلّص، بشخص أبي الفضل العباس، لكونه عظيم الجثة، قوي البنية، يقاتل بشجاعة وبسالة، وهذه الأمور وغيرها، وإن كانت لا تخلو من هتك لحرمة أهل بيت النبي، وتجرُّؤاً معنوياً على ثورة كربلاء العظيمة، إلا أنها تستبطن معنى وهدفاً أكبر، وهو جر المؤمنين الثوريين واستدراجهم للعمل بأساليب أعداء المنظومة الفكرية والرسالية للإمام الخميني، الذي يتطلب بالضرورة جهداً مضنياً وعملاً مستمراً، لأن الحديث عن هذه الأشياء يحتاج إلى جرأة واستئناس عرفي، كما أن قراءتها وسماعها يحتاج إلى ذلك أيضاً.

وكأن هذا الأسلوب والمنهج هو الطاغي على الشعائر والمراسم الدينية الأخرى، الأمر الذي دعا قائد الثورة السيد الخامنئي مراراً إلى التحذير منه، والتأكيد على ضرورة النظر في المصالح الاجتماعية والسياسية، وإطفاء نار الفتنة التي أراد أعداؤنا إشعال فتيلها؛ من أجل إشاعة ثقافتهم وأفكارهم، عن طريق إحياء المناسبات الدينية والعبادية واستخدام العنف والقسوة في أداء بعضها، بدلاً من الالتفات إلى معاني تلك المناسبات وأهدافها الحقيقية. ويمكن الإشارة هنا أيضاً إلى تحذيراته من التحريف والتشويه لثورة الإمام الحسين في مجالس العزاء، والمراثي الحسينية، وبعض الخطب، التي من شأنها أن تضعّف الروح الإيمانية لدى الجماهير، والأساليب الخاطئة في إدارة المسابقات القرآنية و…

تحويل مراسم الحج إلى طقوس رمزية ـــــــ

والمعلم الآخر التي حاولت هذه التيارات تغيير هويته، وحرفه عن مساره وهدفه الصحيح، هو فريضة الحج، فبينما كان الإمام الخميني يعتبره عملاً سياسياً وعبادياً، وأكد صراحة على أن الحج من دون البراءة من المشركين لا يعد حجاً، وهي ركنٌ أساسيٌ فيه، وحذّر قائد الثورة من تحوّله إلى نزهة وسفرة سياحية أو تجارية لدى المسلمين، وأوصى المسؤولين والقائمين على أعمال الحج والمنظمين لشعائره بضرورة الالتفات إلى ذلك، نرى الكهنوتيين ـ مقابل كل ذلك ـ يختزلون صور الحج ومراسمه بأعمال معينة، من قبيل: شراء الفدية ونحوها، وأن الثواب الأجزل والأجر الأعظم هو القيام بها، وتركها ترك لسنة النبي؛ ليتسنى لهم الهيمنة على شعائر الحج، وتسييس الحجيج وقيادتهم إلى ما يبتغونه، وترى الأعداد الغفيرة من الناس على طول أيام الحج منهمكين في كيفية الطواف والسعي والصلاة ورمي الجمرات وغير ذلك، وليس هناك شيء يُذكر عن فلسفة الحج وماهيته، وهكذا لم يتحقَّق ما أراده الإمام، وهذا الأمر ليس خللاً في طريقة أداء مراسم الحج فحسب، بل خلل ونقص في معرفة ودراية المسؤولين الإيرانيين، ومرض خطير أصاب الهيئة الإيرانية العليا لإدارة شؤون الحج، ولذا يجب عليهم الرجوع إلى خطب الإمام الخميني وإرشادات القائد الخامنئي ليطَّلعوا على أسرار الحج وحقائقه.

ومن جهة أخرى فقد ظلّ الإعلام الحكومي أسير الأساليب والبرامج التي نهجتها هذه المجموعات، ولربما يبدو الأمر طبيعياً عندما يضطر لمداهنة الإعلام الآخر، ولكن المأساة تكمن في النتائج الثقافية والتربوية لذلك؛ لأنها ستكون عامل قوة وتأييد للجبهة الكهنوتية في التعاطي مع الشعائر الدينية، وبالتالي سيعبد الطريق لوقوع الإعلام الحكومي الرسمي في مستنقع الإعلام المخدِّر.

كانت هذه بعض الأمثلة من واقع ممارسات المناهضين للثورة الإسلامية ومحرِّفيها، وتوضيحاً ميسَّراً لطبيعة الإعلام الحكومي والنهج التربوي في إيران، البلد المستقل الذي يمكن أن تساهم وسائل الإعلام المتعددة فيه في خلق الكثير من الأبحاث الفنية والاجتماعية.

4 ـ تزييف التقليديين لفكرة الانتظار ـــــــ

وفي ما يتعلق بثقافة الانتظار، وبطبيعة تهيّؤ الفرد والمجتمع لظهور الإمام الحجة×، وبسط الأرضية المناسبة لخروجه×، الذي يعتبر الغاية القصوى في أهداف الثورة الإسلامية، نجد أن الكهنوتيين استخدموا طريقة جديدة تخلط بين المفهوم الصحيح للانتظار، الذي تبنّته الثورة، وبين الانتظار السلبي، الذي أرادوا أن يغذوه للشعب بطريقة غالباً ما تكون غامضة، لكنها مقنعة إلى حدٍّ ما، حتى شاعت هذه الأفكار في بعض المراكز العلمية، وتبنَّتها بعض الشخصيات التي يعوَّل عليها في المجتمع، فاعتبروا الحلّ الأمثل للقضاء على المشاكل والعقد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية هو الدعاء لظهور الإمام فقط.

إن إشاعة مثل هذه المفاهيم والترويج لها يتعارض مفهوماً ومنطقاً مع جملة من الآيات القرآنية، التي يتّحد معناها في قوله تعالى: {ﰂ  ﰃ  ﰄ  ﰅ   ﰆ  ﰇ}، وسوف يتبادر إلى الذهن مجدَّداً مدى التفاوت الجذري حتى في مقام الحجج والأصول بين النظرية الكهنوتيّة إزاء الشعائر الدينية ورؤية الإمام الخميني لها، ويقع التكليف على عاتق أبناء الثورة للدفاع عنها سياسياً وفكرياً، والوقوف ضد هذه الهجمة الشرسة والموجة الثقافية المسمومة؛ لأن زعماءها حاربوا الثورة على جهتين: الأولى: الترويج لعجز النظام الإسلامي وإفراغه من كل إنجازاته وتضحياته. والثانية: إشاعة ثقافة الانزواء وعدم الاكتراث بما يحصل للمجتمع من مآسي ومحن وإهمال وما يحدث من رهانات سياسية واجتماعية واقتصادية.

من هنا صار هدف الثورة الرئيسي الذي نادى به الإمام الخميني بالأمس غامضاً ومبهماً اليوم، وبسبب اهتمام الحكومة الكبير بالشأن الداخلي للبلد استطاع أعداء الثورة النفوذ بأفكارهم المسمومة عبر وسائل متعددة إلى مفاصل حيوية في الدولة وسط جهل الناس وغفلتهم.

5 ـ تحريف الفكر الثوري من أجل القيام بثورة معكوسة ـــــــ

الثورة المعكوسة هي عبارة عن عملية طمس للثقافة والروح الثورية وغيرها من قبل المناهضين لها؛ لعدم قدرتهم على المواجهة الميدانية والفكرية، وقد تأبَّطوا معهم غايات وأهداف هي أشدُّ فتكاً وخطراً، لكنهم يحاولون الإعلان عنها بأساليب جديدة وألسن ذربة، ولتحقيق نجاح هذه العملية تدرّجوا في القيام بها على مرحلتين:

الأولى: التحريف التدريجي عبر فصل الجيل الجديد والأجيال القادمة، وإبعادهم عن مبادئ الثورة وأهدافها، وتلفيق ما تبنيه النهضة الخمينية.

الثانية: حصر أهداف الثورة وغاياتها النهائية في سياق الخصوصيات الموجودة في علم السياسة، واعتبارها كأية خصوصيات يمكن أن يستفاد منها في أي نظام سياسي آخر في العالم.

ففي المرحلة الأولى حاول الكهنوتيون والمتحجِّرون الجدد ـ بأسلوب منظم وواسع ـ أن يمحوا المبادئ المتعلّقة بماهية الثورة الإسلامية وأسباب نهوضها، وسدّ الطريق أمام الجيل الواعد للوصول إلى معاني الثورة الأصيلة، ولا سيما في المؤسسات التعليمية والتربوية والإنسانية المنتشرة في أرجاء البلد، والجامعيون الذين درسوا في الكليات السياسية ونحوها سيُدركون ذلك جيداً.

إن إبعاد المجتمع عن الحقائق الإيديولوجية لتأسيس الحكومة الإسلامية أعطت للانتهازيين من هذه المذاهب جزءاً من الأمن والاطمئنان؛ لأنهم ضموا بعض شرائح المجتمع من العوام الجهلة وبعض المؤسسات المتعاونة معهم، وتأكدوا من عدم انخراطهم في كتائب الثوار، وحرمانهم من الاستفادة من المعطيات الثقافية والاقتصادية والسياسية التي وفّرتها حكومة الثورة الإسلامية بسواعد الثوّار والمضحّين من أبناء الوطن.

واستمرار هذه الظاهرة بصورها وألوانها المتعددة دفع بقائد الثورة في السنوات الأولى من العقد الماضي، وبعد رحلة الإمام مباشرة، إلى التذكير والتحذير من خطر الرتابة والجمود، وتكرار عاشوراء بصورها المنقطعة عن أصول الثورة الإسلامية، وعزل الجيل الواعد عن متبنياتها وأفكارها، وتبقى دراسة هذه الظاهرة ومعرفة جذورها وخفاياها بحاجة إلى مزيد بيان، نحاول عرضه في مقالة أخرى.

وأما المرحلة الثانية في مسيرة زعماء الثورة المعكوسة والمروّجين لها فهي محاولة لإلغاء خصوصيات الحكومة الإسلامية وامتيازاتها، وتنزيلها إلى مستوى الحكومات الأخرى، ورفع جميع الفوارق بين سياستها وسياسات تلك الحكومات، متجاهلين بذلك الحكمة والفلسفة من تأسيس الثورة الإسلامية الجديدة.

ولا شك فإن المجتمع الإيراني ومؤسَّساته قد ابتُليت بمشاكل معقدة، سواء على الصعيد السياسي أم الاقتصادي أم الاجتماعي والثقافي، نتيجة السياسات التعسفية والأنظمة الفاسدة للسلطة الحاكمة آنذاك، ولذا احتاج البلد إلى إصلاح وإعادة بناء وترميم على مدى سنين طويلة في كافة هذه الأصعدة والمجالات، واقتضت الضرورة أن يستنزف من أجل ذلك وقتاً طويلاً، ويستغرق فكراً وجهداً كبيراً، ويتطلب تكاتف محبّي الثورة وعشّاقها؛ لسدّ تلك الفراغات القاتلة، وإيجاد البرامج المتنوعة الكفيلة بتنظيم الحياة اليومية للمجتمع والشعب، من أجل كل ذلك وبسبب انشغالهم بتلك الأمور غفلوا عن الوفاء بعهودهم تجاه الثورة، وانصرفوا عن أداء مسؤولياتهم التي ألزموا بها أنفسهم إلى الانهماك بتلك الأمور.

ومن هنا يمكن أن تكون خطب الإمام الخميني وتصريحاته في ما يخص تطبيق الخصوصيات المادية والمعنوية للحكومة الإسلامية محوراً نافعاً في الكثير من الحوارات والندوات التي تعقد لطرح هذه المواضيع <.. هل كان إسقاط النظام البهلوي وحل حكومته هو تمام الهدف الذي نريد تحقيقه؟ هل كل ما نطمح إليه هو إيصال الأمة إلى مرحلة متقدمة من التطور المادي وجعل الشعب في أفضل حالة معيشية؟ كلا، إن هدف الإسلام أكبر من ذلك، ونحن مكَّلفون بصناعة الإنسان وسوقه باتجاه ذلك الهدف..، إنّ همّ الأنبياء الأول هو هداية الإنسان واستقامته، وليس تعليمه شيئاً من الحرف والصناعات؛ لأنه ليس حيواناً، ولو كان كذلك، كباقي الحيوانات التي تعرف التدبير والصناعة أيضاً، لما لزم إرسال هذا الكم الهائل من الأنبياء، وعليه لما كانت الغاية الأسمى من بعثهم هي إرشاد البشر وسعادتهم، وهي الغاية التي أدركها الماديون أنفسهم، من هنا سعى الأنبياء سعياً حثيثاً من أجل أن يأخذوا بيد الناس إلى سبل الخير ومواطن السعادة التي يجهل الإنسان بها جهلاً مركَّباً. إن دولتنا الإسلامية التي نتطلّع أن تتجلى فيها نظم الإسلام وتعاليمه لا تتحقّق بالتصويت ولا بالانتخاب، فلا يكون النظام إسلامياً بكون النظام الرسمي جمهورياً، ولا مع تطبيق دستور الدولة، ولا مع تشكيل مجلس الشورى (البرلمان)، ولا تكون الحكومة إسلامية بتكرار جملة: جمهورية إسلامية.. جمهورية إسلامية لمرات عديدة؛ لأنها ليست مجرد لفظ..، فإن الإسلام لم يأتِ لتأمين العلف والغذاء للإنسان فحسب!!..>([9]).

كيف نكافح اليوم المدّ الكهنوتي المتحجّر؟! ـــــــ

إن مكافحة المد الكهنوتي المتحجِّر صراعاً سياسياً وعسكرياً، ولا تنافساً نقابياً ومهنياً، من أجل إقصاء وحذف الآخر، بل هو كفاحٌ ونضالٌ على صعيدين:

1ـ الفكري والنظري، بمعنى أن المنظومة الفكرية والنظرية لهذا المد غيبت دور المجتمع والأفراد عن موقعهم السياسي الاجتماعي، ولم تضع في حساباتها منزلة الشعب، وبالتالي فإن قبول المجتمع للدخول في معترك هذا الصراع، وهدر الوقت في سبيل إقناعه بهذه المواجهة والوقوف إلى جانبها، ليس شرطاً في النهوض بها <ليعد محبو الثورة ورجالها أنفسهم للتضحية والفداء أفضل إعداد في سبيل إنقاذ الناس من براثن الوهم والجهل، سواء طلبوا الحقيقة أم لا..>([10]).

2ـ العملي والتطبيقي، حيث من الضرورة بمكان أن يكون السلوك والعمل غاية في اليقظة والحذر، ويكون التصرف على درجة عالية من الدقة والاختيار «إن إصابة الواقع في اختيار السلوك والتصرف المناسب إزاء القضايا الراهنة صعب ومعقد لجهتين: الأولى: إن وجوب الكشف عن الحقائق الميدانية ووقائعها وتطبيق الحق والعدل والأفكار السليمة مشروطٌ بحدود القدرة والإمكان؛ والثانية: إن الوقوف دون وقوع هذه الخطط والأفكار بيد الأعداء ليس أمراً سهلاً..>([11]).

وتُعَدّ هذه المواجهة من أخطر المواجهات وأهمها، حيث اعتبر الإمام الخميني أن تحقق أهداف الثورة الإسلامية وغاياتها، والانتصار في هذه المعركة الحاسمة، هو انتصارُ الإسلام المحمدي الأصيل على الإسلام الكهنوتي والإسلام الأمريكي.

الهوامش

(*) باحث ناشط في مجال دراسة التيارات الإسلامية المعاصرة.

([1]) رسالة إلى المؤسسة الدينية. صحيفه إمام 11: 278.

([2]) صحيفة إمام 21: 143.

([3]) صحيفه إمام 21: 279.

([4]) صحيفه إمام 21: 279.

([5]) صحيفه إمام 1: 22.

([6]) صحيفه إمام 1: 240.

([7]) صحيفة إمام 21: 13 ـ 14.

([8]) صحيفه إمام 1: 280.

([9]) صحيفه إمام 3: 217.

([10]) صحيفه إمام 21: 281 و 282.

([11]) صحيفه إمام 21: 281 ـ 282.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً